المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الدكتور محمد يوسف موسى1 والشيخ على الخفيف2 والدكتور محمد البهى3 - عقود التأمين حقيقتها وحكمها

[حمد بن حماد الحماد]

الفصل: الدكتور محمد يوسف موسى1 والشيخ على الخفيف2 والدكتور محمد البهى3

الدكتور محمد يوسف موسى1 والشيخ على الخفيف2 والدكتور محمد البهى3 ومصطفى الزرقا ومحمد سلام مذكور وعبد الرحمن عيسى.. وغيرهم4.

وقد أبدى بعضهم تحفظات على شيء من فروع التأمين وجزئيا ته فاشترط محمد يوسف موسى أن تخلو المعاملة فيه من الربا ورد عبد الرحمن عيسى على بعض صور التأمين على الحياة كما رد محمد سلام مذكور بعض الشروط التعسفية5.. إلا أن هذا لا ينافي أن الرأي عندهم حل التأمين في الجملة..

ويستدلون لقولهم بجوازه بقياسه على بعض العقود الجائزة ولو عند بعض الفقهاء وسنعرض لذكرها والرد عليها في المباحث التالية:

1 انظر الإسلام والحياة ص 216 وهو من تأليف المذكور.

2 انظر بحث التَأمين له المقدم لندوة التشريع الإسلامي بالجامعة الليبية عام 1392 هـ.

3 انظر له رأى الدين بين السائل والمجيب ص 186 وما بعدها- دار الفكر- 1392 هـ.

4 انظر أصول الفقه الإسلامي ص 382 وما بعدها طبع بواسطة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بالقاهرة عام 1382 هـ وهو مجموعة البحوث المقدمة للمؤتمر الذي عقد بدمشق 16 ـ21شوال 1380هـ. ومجلة العربي العددان 192، 195 والمعاملات الحديثة لعبد الرحمن عيسى.

5 انظر المراجع المتقدمة.

ص: 74

‌حكم عقود التأمين

‌الغرر

حكم عقود التأمين.

عقود التأمين تشتمل في جوهرها على أمور تجعلها عقوداً محرمة من هذه الأمور ما يلي:

أولا: الغرر:

والنهي عن الغرر أصل عظيم من أصول البيوع يدخل تحته مسائل كثيرة مثل بيع المعدوم وبيع المجهول وبيع ما لا يقدر البائع على تسليمه وبيع ما لم يتم ملك البائع له والأصل في هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر"رواه مسلم6. الغرر: الخطر.

والغرر مناط البطلان عند جميع العلماء7. وهو متحقق في عقود التأمين بشكلٍ ظاهر لا يجادل فيه عاقل، فكل واحد من المتعاقدين لا يدرى كم يعطي ولا كم يأخذ فهو إذا عقد على مجهول فيه مخاطرة عظيمة.

6 صحيح مسلم3/1153 كتاب البيوع رقم 4 بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي- دار إحياء الكتب العربية- بمصر.

7 انظر النووي على مسلم 10/156-157 طبعة -المطبعة المصرية- والمقدمات الممهدات لأبى الوليد بن رشد 2/ 222 طبعه- مطبعة السعادة - بمصر وبداية المجتهد 2/153 الناشر- مكتبة الكليات الأزهرية-.

ص: 74

وقد أورد التقنين المدني عقد التأمين ضمن العقود الاحتمالية أو عقود الغرر وبيان ذلك أن المُؤَمن والمُؤَمن له لا يعرفان وقت إبرام العقد مقدار ما يأخذ كل منهما ولا مقدار ما يعطي كل منهما إذ أن ذلك متوقف على وقوع الكارثة أو عدم وقوعها1.

من هنا نعلم أن وجود الغرر والمخاطرة في عقود التأمين من الأمور الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار بل إن الغرر والمخاطرة فيها أبين وأظهر من مثل صورة بيع الحصاة2وبيع المنابذة3 وبيع الملامسة4 وغيرها مما ورد فيه النهى الصريح لما فيها من الغرر الظاهر.

ومن الغرر أيضاً في عقد التأمين الجهل بأجل العقد وذلك أن الخطر وهو محل عقد التأمين لا يعلم هل يقع أم لا؟ وإن وقع فلا يعلم متى يقع؟ وعدم العلم بوقوعه ووقت وقوعه من شروط العقد الواجبة في التأمين وهو أن يكون الخطر غير محقق الوقوع وهذا هو العنصر الجوهري في عقد التأمين5.. فأي غرر أكثر وأشد مما في هذا العقد..

ومن العجيب أن يغالط بعض المنتسبين إلى الفقه فينازع في أن التأمين من العقود الاحتمالية كما فعل مصطفى الزرقا6 مع وضوحه كما تقدم.

شبه المخالفين في الغرر في عقد التأمين والرد عليها:

1-

قال بعضهم أنه ليس من عقود الغرر المحرمة بدعوى أن ما ألفه الناس وتعارفوا عليه دون ترتب نزاع يكون غير منهي عنه7

وهذه دعوى باطلة فإن التراضي بين المتعاقدين لا يصير العقود المحرمة حلالاً وقد كانت كثير من صور عقود الغرر مألوفة في عهد الجاهلية ومع ذلك نهى الشرع عنها لأنها من أكل أموال الناس بالباطل كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَاّ أَنْ تَكُونَ

1 انظر الوسيط 7/ 1140 وأصول الفقه الإسلامي 461.

2 انظر من فقه السنة ص 36- 37 الطبعة الأولى عام1405 هـ.

3 انظر من فقه السنة ص 36- 37 الطبعة الأولى عام1405 هـ.

4 انظر من فقه السنة ص 36-37 الطبعة الأولى عام1405 هـ.

5 انظر الوسيط 7/ 1218.

6 انظر أصول الفقه الإسلامي ص 401.

7 انظر بحث التأمين للشيخ علي الخفيف ص 6 وعقود التأمين لمحمد سلام مدكور مجلة العربي العدد 195.

ص: 75

تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُم} 1. والمعنى تجارة لا غرر فيها ولا مخاطرة ولا قمار وهذا أمر متفق عليه عند أهل العلم 2..

ومن المعلوم أن اتفاق المتعاقدين على المعاملات الربوية وتراضيهما عليها وكون ذلك لا يؤدى إلى نزاع بينهما لا يجعل هذه المعاملات مشروعة فكذا هنا.

2-

دعوى أن عقود التأمين من قبيل التعاون بين مجموعة من الناس وفي التعاون والتبرع يغتفر الغرر الكثير استنادا لقول مالك رحمه الله في تصرفات الإحسان الذي لا يقصد به تنمية المال كالصدقة والهبة والإبراء3. وبناء على ذلك حاولوا أن يجعلوا عقد التأمين من هذا الباب كما فعل السنهوري حيث ذكر أن التأمين لا يفهم على الوجه الصحيح إلا إذا نظر إلى الجانب الآخر وهو جانب العلاقة بين المُؤَمن ومجموع المُؤَمن لهم حيث يكون المُؤَمن وسيطاً بينهم ينظم تعاونهم جميعاً على مواجهة الخسارة التي قد تصيب بعضهم 4. يقول السنهوري عن الجانب الآخر من عقد التأمين - على حد تعبيره- "إنه يبر ز التأمين في ثوبه الحقيقي ويبين أنه ليس إلا تعاوناً منظما تنظيماً دقيقاً بين عدد كبير من الناس معرضين جميعاً لخطر واحد حتى إذا تحقق الخطر بالنسبة إلى بعضهم تعاون الجميع على مواجهته بتضحية قليلة يبذلها كل منهم يتلافون بها أضرارًا جسيمة تحيق بمن نزل الخطر به منهم لولا هذا التعاون، وشركة التأمين ليست في الواقع من الأمر إلا الوسيط الذي ينظم هذا التعاون على أسس فنية صحيحة

فالتأمين إذاً هو تعاون محمود، تعاون على البر والتقوى يبر به المتعاونون بعضهم بعضاً ويتقون به جميعاً شر المخاطر التي تهددهم فكيف يجوز القول بأنه غير مشروع؟ "5.

وقد استند على قول السنهوري هذا كل المشاغبين على مسألة وجود الغرر في عقود التأمين.

1 سورة النساء آية 29

2 انظر الأم 3/ 2-3 للإمام الشافعي وبهامشه مختصر المزني - طبعة دار الشعب - والمقدمات الممهدات2/ 222.

3 انظر الفروق للقرافي 1/150 بهامشه تهذيب الفروق - دار المعرفة للطباعة والنشر- بيروت وبداية المجتهد 2/327 والمغنى لابن قدامة 5/657 الناشر- مكتبة الجمهورية العربية- بمصر ومكتبة الرياض الحديثة-.

ويجب أن يعلم أن مذهب مالك فيما يستباح فيه الغرر يشترط أن يكون من باب الإحسان المحض حالياً من أي صفات المعاوضة أي تكون الرغبة محضة لتصد الهبة والتبرع وليس عقد التأمين هكذا.

4 انظر مصادر الحق في الفقه الإسلامي 3/ 32-33 والوسيط 7/ 089 1 وكلاهما للمذكور.

5 1لوسيط 7/1087.

ص: 76

فهذا مثلاً علي الخفيف يقرر نفس المعنى في بحثه عن التأمين1. وكذا محمد سلام مدكور حيث يقول: "إن شركات التأمين تقوم بدور الوسيط بين الأفراد المتعاونين"2. والزرقا حيث يقول: "إن التأمين قائم على فكرة التعاون على جبر المصائب والأضرار الناشئة من مفاجآت الأخطار"3.

ولو سلمنا القول بما ذهب إليه الإمام مالك رحمه الله فلا يصلح مستنداً لما ذهبوا إليه البتة لأنها لا تصح أبداً دعواهم أن عقد التأمين من قبيل التبرعات بل هو عقد معاوضة محضة ويتضح ذلك من التعريف القانوني لعقد التأمين4.فليس هناك شك أن عقد التأمين عقد معاوضة بين متعاقدين يلتزم بمقتضاه كل منهما بعوض مقابل ما يلتزم به الآخر وإذا كان كذلك فلا يجوز في مذهب من المذاهب الفقهية ما في عقد التأمين من غرر كثير وكبير ولا تعدو هذه الدعوى أن تكون مغالطة بعيدة عن الواقع الحقيقي لعقد التأمين.

ولا يجادل عاقل في أن مقصد شركات التأمين إنما هو تحقيق الربح الوفير لها من جراء اتجارها بدعوى توفير الأمن للمتعاقدين معها فلا يصح بحال دعوى أن هذه الشركات ليست إلا الوسيط الذي ينظم التعاون

إنها مغالطة للواقع.

3-

حاول الزرقا دفع الغرر عن عقد التأمين بدعوى أن في عقد التأمين معاوضة محققة النتيجة فور عقده.. وأن الاحتمال فيه بالنسبة للمُؤَمن إنما هو بالنظر إلى كل عقد على حدة وأما بالنظر إلى مجموع العقود فإن التأمين يعتمد على أساس إحصائية تنفي عنه الاحتمال عادة.. وأما بالنسبة إلى المستأمن فإن الاحتمال معدوم؛ ذلك لأن المعاوضة الحقيقة في التأمين بأقساط إنما هي بين القسط الذي يدفعه المستأمن وبين الأمان الذي يحصل عليه وهو حاصل بمجرد العقد لأنه بهذا الأمان لم يبق بالنسبة إليه فرق بين وقوع الخطر وعدم وقوعه5.

وهذه المحاولة غير صحيحة أما بالنسبة للمُؤَمن فكل عقد يجريه فيه غرر كبير يوجب بطلانه والتحايل بلفت النظر إلى مجموع العقود لا يصح فإنه ليس له وجود في الخارج وإنما الذي له وجود هو العقد الغرر وهو يتضمن غرراً كبيراً من الجانبين.

1 ص 59 وما بعدها.

2 انظر مجلة العربي العدد 192.

3 انظر أصول الفقه الإسلامي ص 401 وما بعدها.

4 تقدم في أول البحث.

5 انظر أصول الفقه الإسلامي صر 402 وما بعدها.

ص: 77