المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عقد التأمين عقد جديد - عقود التأمين حقيقتها وحكمها

[حمد بن حماد الحماد]

الفصل: ‌عقد التأمين عقد جديد

رابعا:‌

‌ بيع الدين بالدين:

يقول الدكتور محمد بلتاجي: "ويكون قسط التأمين عادة مبلغاً سنوياً والمستأمن لا يدفعه في مجلس العقد إنما يدفعه بعد ذلك على أقساط فهو دين في ذمة المستأمن يلزمه أداؤه حسبما نص على ذلك في العقد والذي يقابله يبلغ التأمين الذي تلتزم الشركة بدفعه إذا حدث الخطر المُؤَمن منه فهو الآخر دين في الذمة معلق على وقوع الخطر ومن ثم فعقد التأمين يتضمن بيع دين بدين"1.

وما ذكره بلتاجي متحقق حقيقة في عقد التأمين وقد أجمع المسلمون على تحريم بيع الدين بالدين2..

والخلاصة أنه اجتمع في عقد التأمين الغرر والربا والقمار وبيع الدين بالدين وواحد من هذه الأمور يكفي للحكم بتحريمه فكيف وقد اجتمعت كلها على نحو ما تقدم؟..

1 عقود التأمين من وجهة الفقه الإسلامي ص 117.

2 انظر بداية المجتهد 2/123 ونيل الأوطار شرح منتقى الأخبار 5/166 لمحمد بن علي الشوكاني الطبعة الثالثة- ملتزم الطبع والنشر مصطفى الحلبي-.

ص: 82

‌احتجاج المجوزين للتأمين والرد عليهم

‌عقد التأمين عقد جديد

احتجاج المجوزين للتأمين والرد عليهم

حاول المخالفون في تحريم عقد التأمين أن يطبقوا عليه بعض القواعد العامة أو أن يقيسوه على بعض الصور في الفقه الإسلامي بشكل عام وهذا ما سأتناوله في النقاط التالية:

1-

أن عقد التأمين عقد جديد

فهو جائز بناء على أن الأصل في العقود الإباحة إلا ما ورد الشرع بتحريمه3 وأن الشريعة تركت الباب مفتوحاً للناس أن يحدثوا أنواعاً جديدة من العقود إذا دعت الحاجة لها بشرط أن تتوفر فيها الأركان والشروط العامة المعتبرة في العقود وفي هذا الصدد يمثل الزرقا بعقد بيع الوفاء وأنه أشبه بواقعة عقد التأمين فعقد بيع الوفاء "عقد جديد ذو خصائص وموضوع وغاية يختلف فيها عن كل عقد من العقود المسماة المعروفة قبله لدى فقهاء الشريعة وهو ينطوي على غاية يراها الفقهاء محرمة لأنه يخفي وراءه أنواعا من الربا المستور وهو الحصول على منفعة من وراء القرض حيث يدفع فيه الشخص مبلغاً من

3 في هذا خلاف أصولي لا مجال لذكره هنا راجع إن شئت الإحكام في أصول الأحكام لا بن حزم 1/52 وما بعدها - منشورات دار الآفاق الجديدة - بيروت. والقواعد النورانية لشيخ الإسلام ابن تيمية ص184 وما بعدها تحقيق الفقي - مطبعة السنة المحمدية -.

ص: 82

النقود ويسميه ثمناً لعقار يسلمه صاحبه إلى دافع المبلغ الذي يسميه مشترياً للعقار لينتفع به بالسكنى أو الإيجار بمقتضى الشراء بشرط أن صاحب العقار متى وفى المبلغ المأخوذ على سبيل الثمنية استرد العقار

ولكل منهما الرجوع عن هذا العقد أي فسخه وطلب التراد ولو حددت له المدة"1.

وقد اختلف الفقهاء فيه وقت ظهوره فمنهم من أعتبره بيعاً فاسدا لاقترانه بشرط مفسد للعقد. ومنهم من أعتبره بيعاً صحيحاً وأبطل الشرط وحده واعتبره لغوا. ومنهم من نظر إلى الهدف من هذا العقد والشرط فاعتبره في معنى الرهن الذي يشترط فيه المرتهن الانتفاع بالشيء المرهون فأبطل شرط الانتفاع بالمرهون وأبقاه رهناً لأن العبرة في التصرفات للمقاصد. إلا أنه استقرت الفتوى في المذهب الحنفي بعد ذلك على أنه عقد جديد ذو خصائص مختلفة عن هذه العقود الثلاثة لذا قرروا له أحكاماً مستمدة منها جميعاً.

والمقصود من هذا أن قضية عقد التأمين تشبه بيع الوفاء من ناحية أن بيع الوفاء شاهد تاريخي واقعي في الفقه على جواز إحداث عقود جديدة وإن تعرض في أول نشأته لمثل ما تعرض له اليوم عقد التأمين من اختلاف2

والرد على ذلك أن وجه الحرمة في عقد التأمين ليس لأنه عقد جديد يختلف عن العقود المعروفة لدى فقهاء الشريعة الإسلامية بل وجه الحرمة فيه ما يتضمنه من غرر وربا وقمار وبيع دين بدين كما تقرر، وبناء على هذا فهذا العقد الجديد غير جائز لا لأنه جديد بل لأنه تضمن أمورا تقتضي بطلانه.

وليعلم أنه من المتفق عليه عند القائلين إن الأصل في العقود الإباحة تقييد ذلك بأن لا يرد الشرع بتحريمه وعليه فقد اشتمل عقد التأمين على عدة أمور ورد الشرع بتحريمها فلا يندرج عقد التأمين تحت هذا الأصل القائل بأن الأصل في العقود الإباحة حتى على تقدير رجحانه على القول بأن الأصل فيها الحظر إلا ما ورد الشرع بإباحته. وغنى عن البيان القول بأن عقد الوفاء مختلف عن عقد التأمين في موضوعه وهذا ما سلم به الزرقا نفسه3.

على أن الصواب في بيع الوفاء أنه لا يخرج عن أن يكون بيعاً أو رهنا اقترن به شرط فاسد والحكم فيه هو إبطال العقد بسبب هذا الشرط أو إبطال الشرط وحده على الخلاف

1 انظر أصول الفقه الإسلامي ص 387.

2 انظر المصدر السابق ص 388.

3 انظر المصدر السابق ص515.

ص: 83