المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الرابع: ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر - عقيدة الإيمان بالقضاء والقدر عند السلف وأثرها على المؤمن

[عبد المجيد بن محمد الوعلان]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌خطة البحث:

- ‌الفصل الأول

- ‌المبحث الأول: تعريف القضاء و‌‌القدر لغةوشرعاً

- ‌القدر لغة

- ‌القضاء لغة:

- ‌معنى القضاء والقدر شرعاً:

- ‌الفرق بين القضاء والقدر:

- ‌المبحث الثاني أهمية الإيمان بالقضاء والقدر ومنزلته من العقيدة

- ‌المبحث الثالث: الأدلة على الإيمان بالقضاء والقدر من الكتاب والسنة

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن:

- ‌ثانيا: الأدلة من السنة:

- ‌الفصل الثاني: مراتب القدر والأدلة على كل مرتبة

- ‌المرتبة الأولى: العلم:

- ‌المرتبة الثانية: الكتابة:

- ‌أقسام التقدير خمسة

- ‌الأول: التقدير العام قبل خلق السموات والأرض:

- ‌الثاني: كتابة الميثاق حين أخذ على بني آدم وهم على ظهر أبيهم آدم:

- ‌الثالث: التقدير العمري:

- ‌الرابع: التقدير السنوي:

- ‌الخامس: التقدير اليومي:

- ‌المرتبة الثالثة: المشيئة:

- ‌المرتبة الرابعة: الخلق والتكوين:

- ‌الفصل الثالث: مذاهب الناس في القدر

- ‌المبحث الأول: سبب الخلاف في القدر

- ‌المبحث الثاني: مذاهب الناس في القدر

- ‌أولاً: الجهمية

- ‌ثانياً: المعتزلة

- ‌القدرية الأولى:

- ‌القدرية الثانية:

- ‌ثالثاً الأشاعرة

- ‌رابعاً: عقيدة أهل السنة والجماعة:

- ‌الفصل الرابع: ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌الفصل الخامس: العلمانية(1)وصلتها بالانحراف في مفهوم القدر

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌الفصل الرابع: ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر

‌الفصل الرابع: ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر

الإيمان بالقدر على الوجه الصحيح يثمر ثمرات جليلة تعود على الأفراد والمجتمعات، في الدنيا والآخرة، فمن تلك الثمرات ما يلي:

1 -

أن الإيمان لا يتم إلا بالإيمان بالقدر:

وهذه الثمرة هي أعظم الثمار فالعبد لا يكون مؤمن حتى يؤمن بأركان الإيمان الستة ومنها الإيمان بالقضاء والقدر، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سؤال جبريل عليه السلام الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإيمان قال:«أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خير وشره. قال: -يعني جبريل- صدقت»

(1)

.

وعن جابر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره من الله، وحتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه»

(2)

.

2 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: أن الإيمان الكامل يمنع من دخول النار والإيمان ولو قليلاً يمنع من الخلود فيها

(3)

:

وهذا متعلق بالثمرة التي قبله، فإذا حقق الإيمان - ولا يمكن أن يحققه إلا بالإيمان بالقدر- كان ذلك مانعا له من دخول النار، أما إذا كان الإيمان ناقصا بسب ضعف إيمانه بالقدر فإنه قد يكون ذلك ذلك النقص سببا لدخوله للنار؛ ولكنه لا يخلد فيها. قال الله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام: 82].

3 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: حصول طعم الإيمان ومغفرة الذنوب ودخول الجنة:

لن يذوق أحد طعم الإيمان إلا من رضي بقدر الله عليه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:«ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً»

(4)

. والرضى بذلك يقتضي الفرح بذلك، والسرور بربوبية الله وحسن تدبيره واقضيته عليه

(5)

.

(1)

سبق تخريجه ص 1 حاشية رقم 1.

(2)

سبق تخريجه ص 6 حاشية رقم 4.

(3)

التوضيح لشجرة الإيمان ص 73، الطبعة الأولى، اعتنى به أشرف عبد المقصود، أضواء السلف، الرياض، 1419 هـ ..

(4)

رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب ذاق طعم الإيمان (2/ 2 - شرح النووي).

(5)

ابن سعدي، التوضيح والبيان لشجرة الإيمان ص 30.

ص: 21

والإيمان بربوبية الله يقتضي أيضاً الإيمان والتسليم لتدبيره لكل شيء من شؤون العبد، بل ولشؤون الكون كله.

ومن وصل إلى هذه المنزلة من الرضا فإنه يستحق المغفرة، إذ يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من قال حين يسمع المؤذن: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبمحمد رسولاً، وبالإسلام ديناً، غفر له ذنبه»

(1)

.

بل إن هذا يمتد أثره إلى يوم القيامة، حتى يكون حقاً على الله أن يرضيه ويدخله الجنة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه:«ما لعبدي عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة»

(2)

.

4 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: تحقيق العبودية لله عز وجل:

وهو الغاية التي شمر إليها السالكون، وأمها القاصدون، ولحظ إليها العاملون، فتقر عينه بربه، ويسكن إليه قلبه، وتطمئن إليه جوارحه ويستولي ذكره على لسان محبه وقلبه، وتنقاد الجوارح لطاعته

(3)

، وذلك لأنه عبد لله، مربوب له يتصرف به كيف شاء، فيرض ويسلم بقضاء الله وقدره، فيعلم أن منع الله سبحانه وتعالى لعبده المؤمن المحب عطاء، وابتلاءه إياه عافية. قال سفيان الثوري: منعه عطاء، وذلك: أنه لم يمنع عن بخل ولا عدم، وإنما نظر في خير عبده المؤمن فمنعه اختياراً وحسن نظر، وهذا كما قال؛ فإنه سبحانه لا يقضى لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيراً له، ساءه ذلك القضاء أو سره. فقضاؤه لعبده المؤمن المنع عطاء؛ وإن كان في صورة المنع. ونعمة وإن كانت في صورة محنه. وبلاؤه عافية؛ وإن كان في صورة بلية. ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذ به في العاجل، وكان ملائماً لطبعه، ولو رزق من المعرفة حظاً وافراً لعد المنع نعمة، والبلاء رحمة، وتلذذ بالبلاء أكثر منه لذته بالعافية، وتلذذ بالفقر أكثر من لذته بالغنى، وكان في حال القلة أعظم شكراً من حال الكثرة

(4)

.

ويكون كالأعرابي الذي أصبح وقد مات له أباعر كثيرة فقال:

لا والذي أنا عبد في عبادته لولا شماتة أعداء ذوي إحن

ما سرني أن إبلي في مباركها وأن شيئاً قضاه الله لم يكن

(5)

(1)

رواه مسلم، كتاب الصلاة، باب استحباب القول مثل قول المؤذن (4/ 86 - شرح النووي).

(2)

رواه البخاري، كتاب الرقاق، باب العمل الذي يبتغى به وجه الله (11/ 241 - فتح الباري).

(3)

مدارج السالكين ص (1/ 430 - 431)، تحقيق محمد حامد الفقي، دار الرشاد الحديثة، الدار البيضاء، المغرب.

(4)

المرجع السابق (2/ 215 - 216).

(5)

مختصر منهج القاصدين للمقدسي، ص 338، الطبعة الثانية، تعليق عبد الله الأنصاري، دار المعرفة، بيروت، 1416 هـ.

ص: 22

قال ابن القيم: (لله سبحانه على عبده أمر أمره به، وقضاء يقضيه عليه، ونعمة ينعم بها عليه، فلا ينفك من هذه الثلاثة.

والقضاء نوعان: إما مصائب وإما معايب. وله عليه عبودية في هذه المراتب كلها.

فأحب الخلق إليه من عرف عبوديته في هذه المراتب ووفاها حقها فهذا أقرب الخلق إليه. وأبعدهم منه من جهل عبوديته في هذه المراتب كلها.

فعبوديته في الأمر: امتثاله، إخلاصاً واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي النهي: اجتنابه، خوفاً منه وإجلالاً ومحبة.

وعبوديته في قضاء المصائب: الصبر عليها، ثم الرضا بها، وهو أعلى منه، ثم الشكر عليها، وهو أعلى من الرضا، وهذا إنما يتأتى منه إذا تمكن حبه من قلبه، وعلم حسن اختياره له وبره به، ولطفه به، وإحسانه إليه بالمصيبة، وإن كره المصيبة.

وعبوديته في قضاء المعائب: المبادرة إلى التوبة منها، والتنصل والوقوف في مقام الاعتذار والانكسار، عالماً بأنه لا يرفعها إلا هو، ولا يقيه شرها سواه، وأنها إن استمرت أبعدته من قربه، وطردته من بابه، فيراها من الضر الذي لا يكشفه غيره، حتى إنه ليراها أعظم من ضر البدن

وأما عبودية النعم فمعرفتها والاعتراف بها أولا، ثم العياذ به أن يقع في قلبه نسبتها وإضافتها إلى سواه وإن كان سببا من الأسباب فهو مسببه ومقيمه، فالنعمة منه وحده بكل وجه واعتبار، ثم الثناء بها عليه ومحبته عليها وشكره بأن يستعملها في طاعته)

(1)

.

وفي الإيمان بالقدر: الاعتراف بأنه مربوب مدبر مأمور منهي، إنما يتصرف بحكم العبودية، لا بحكم الاختيار لنفسه.

والله سبحانه وتعالى هو المتصرف فيه، فنفسه بيد ربه وسيده، وناصيته بيده وقلبه بين أصبعين من أصابعه، وموته وحياته، وسعادته وشقاوته، وعافيته وبلاؤه كله إليه سبحانه، ليس إلى العبد منه شيء. فهو عبد لله من جميع الوجوه، صغيراً وكبيراً، حياً وميتاً، مطيعاً وعاصياً، معافى ومبتلى، بالروح والقلب واللسان والجوارح

(2)

.

(1)

الفوائد ص 46 - 47، ترتيب وتعليق علي حسن عبد الحميد، دار ابن الجو زي، الدمام، 1417 هـ ..

(2)

الفوائد ص 50 - 52.

ص: 23

5 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: أن الإيمان بالقدر طريق إلى توحيد الله:

(وهو أن يشهد انفراد الرب تبارك وتعالى بالخلق والحكم، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه لا تتحرك ذرة إلا بإذنه. وأن الخلق مقهورون تحت قبضته، وأنه ما من قلب إلا وهو بين إصبعين من أصابعه. إن شاء أن يقيمه أقامه، وإن شاء يزيغه أزاغه. فالقلوب بيده. وهو مقلبها ومصرفها كيف شاء وكيف أراد، وأنه هو الذي آتى نفوس المؤمنين تقواها، وهو الذي هداها وزكاها وألهم نفوس الفجار وأشقاها، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، يهدي من يشاء بفضله ورحمته، ويضل من يشاء بعدله وحكمته. هذا فضله وعطاؤه، وما فضل الكريم بمنون. وهذا عدله وقضاؤه {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23)} [الأنبياء: 23]

(1)

.

(وبهذا يتحقق للعبد مقام {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)} علماً وحالا، فيثبت قدم العبد في توحيد الربوبية، ثم يرقى منه صاعداً إلى توحيد الإلهية. فإنه إذا تيقن أن الضر والنفع، والعطاء والمنع، والهدى والضلال، والسعادة والشقاء: كل ذلك بيد الله لا بيد غيره، وأنه الذي يقلب القلوب، ويصرفها كيف يشاء وأنه لا موفق إلا من وفقه وأعانه، ولا مخذول إلا من خذله وأهانه وتخلى عنه. وأن أصح القلوب وأسلمها وأقومها، وأرقها وأصفاها، وأشدها وألينها: من اتخذه وحده إلهاً ومعبوداً. فكان أحب إليه من كل ما سواه، وأخوف عنده من كل ما سواه، وأرجى له من كل سواه. فتتقدم محبته في قلبه جميع المحاب، فتنساق المحاب تبعاً لها كما ينساق الجيش تبعاً للسلطان. ويتقدم خوفه في قلبه جميع المخوفات، فتنساق المخاوف كلها تبعاً لخوفه. ويتقدم رجاؤه في قلبه جميع الرجاء، فينساق كل رجاء تبعاً لرجائه.

فهذا علامة توحيد الإلهية في هذا القلب، والباب الذي دخل إليه منه توحيد الربوبية، أي باب توحيد الإلهية: هو توحيد الربوبية)

(2)

.

6 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: التعبد لله بأسمائه وصفاته: وهو معرفة تعلق الوجود خلقاً وأمراً بالأسماء الحسنى، والصفات العلا، وارتباطه بها، وإن كان العالم - بما فيه - من بعض آثارها ومقتضياتها

(3)

.

فمن أسمائه سبحانه " الغفار، التواب، العفوّ " فلا بد لهذه الأسماء من متعلقات، ولابد من جناية تغفر، وتوبة تقبل، وجرائم يعفى عنها. ولا بد لاسمه " الحكيم " من متعلق يظهر في حكمه. إذ اقتضاء هذه الأسماء لآثارها كاقتضاء اسم " الخالق، الرازق، المعطى، المانع " للمخلوق والمرزوق والمعطى والممنوع. وهذه الأسماء كلها حسنى.

(1)

مدارج السالكين (1/ 410).

(2)

المرجع السابق (1/ 411).

(3)

المرجع السابق (1/ 417).

ص: 24

والرب تعالى يحب ذاته وأوصافه وأسماءه. فهو عفو يحب العفو، ويحب المغفرة. ويحب التوبة. ويفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه أعظم فرح يخطر بالبال وكان تقدير ما يغفره ويعفو عن فاعله، ويحلم عنه، ويتوب عليه ويسامحه: من موجب أسمائه وصفاته، وحصول ما يحبه ويرضاه من ذلك. وما يحمد به نفسه ويحمده به أهل سمواته وأهل أرضه: ما هو من موجبات كماله ومقتضى حمده وهو سبحانه الحميد المجيد، وحمده ومجده يقتضيان آثارهما.

ومن آثارهما: مغفرة الزلات، وإقالة العثرات، والعفو عن السيئات، والمسامحة على الجنايات، مع كمال القدرة على استيفاء الحق، والعلم منه سبحانه بالجناية ومقدار عقوبتها. فحلمه بعد علمه وعفوه بعد قدرته، ومغفرته عن كمال عزته وحكمته. كما قال المسيح صلى الله عليه وسلم:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118)} [المائدة: 118] أي فمغفرتك عن كمال قدرتك وحكمتك، لست كمن يغفر عجزاً، ويسامح جهلا بقدر الحق، بل أنت عليم بحقك. قادر على استيفائه، حكيم في الأخذ به.

ومن أسمائه الحكيم، فهو يشهد حكمة الله في تقديره على عبده ما يبغضه سبحانه ويكرهه، ويلوم ويعاقب عليه، وأنه لو شاء لعصمه منه، ولحال بينه وبينه. وأنه سبحانه لا يعصى قسراً. وأنه لا يكون في العالم شيء إلا بمشيئته {لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54) ادْعُوا} [الأعراف: 54].

وهؤلاء يشهدون أن الله سبحانه لم يخلق شيئاً عبثاً ولا سدى، وأن له الحكمة البالغة في كل ما قدره وقضاه من خير وشر، وطاعة ومعصية، وحكمة باهرة تعجز العقول عن الإحاطة بكنهها، وتكل الألسن عن التعبير عنها.

فمصدر قضائه وقدره، لما يبغضه ويسخطه: اسمه " الحكيم " الذي بهرت حكمته الألباب، وقد قال تعالى لملائكته - لما قالوا {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} فأجابهم سبحانه بقوله {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)} [البقرة: 30]، فلله سبحانه في ظهور المعاصي والذنوب والجرائم، وترتب آثارها من الآيات والحكم. وأنواع التعرفات إلى خلقه، وتنويع آياته، ودلائل ربوبيته ووحدانيته، وإلهيته، وحكمته، وعزته، وتمام ملكه، وكمال قدرته. وإحاطة علمه -: ما يشهده أولو البصائر عياناً ببصائر قلوبهم، فيقولون {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ} [آل عمران: 191]، إن هي إلا حكمتك الباهرة، وآياتك الظاهرة.

ص: 25

ولله في كل تحريكة وتسكينه أبداً شاهد

وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد

(1)

فمن تأمل سريان أثار الأسماء والصفات في العالم، وفي الأمر، تبين له أن مصدر قضاء هذه الجنايات من العبيد وتقديرها: هو من كمال الأسماء والصفات والأفعال. وغاياتها أيضاً: مقتضى حمده ومجده، كما هو مقتضى ربوبيته وإلهيته، فله في كل ما قضاه وقدره الحكمة البالغة، والآيات الباهرة، والتعرفات إلى عباده بأسمائه وصفاته، واستدعاء محبتهم له، وذكرهم له، وشكرهم له، وتعبدهم له بأسمائه الحسنى

(2)

.

7 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: تحقق ولاية الله تعالى:

قال الله تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63)} [يونس: 62 - 63]

(3)

، ومن الأمور التي يجب الإيمان بها: الإيمان بالقدر؛ فإذا لم يؤمن بالقدر لم يكن من أولياء الله.

8 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: أن الله يدافع عن الذين آمنوا:

قال تعالى: {اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ} [الحج: 38]، يدافع عنهم: المكاره قبل نزوله، ويرفعها أو يخففها بعد نزولها

(4)

، وهذا إنما يكون للمؤمنين، ومن جملة ما يؤمنون به الإيمان بالقدر.

9 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: رضا الله عنه، فمن رضي بالله ربا رضي الله عنه، ومن رضي عن ربه سبحانه وتعالى في جميع الحالات أثمر رضى ربه عنه: فإذا رضى عنه بالقليل من الرزق: رضى ربه عنه بالقليل من العمل. وإذا رضى عنه في جميع الحالات، واستوت عنده، وجده أسرع شيء إلى رضاه إذا ترضاه وتملقه

(5)

.

10 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: أنه يورث محبة الله تعالى لعبده:

ولا شك أن هذه أعلى المطالب، وأعلى المنى أن يحظى العبد بمحبة الله تبارك وتعالى له، قال الله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم:{فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران: 159]، وهم الراضون بقضائه والمستسلمون لحكمه فيهم، وافق ذلك منهم هوى أو خالفه

(6)

، قال صلى الله عليه وسلم:«إذا احب الله قوماً ابتلاهم»

(7)

.

(1)

المرجع السابق (1/ 406 - 407).

(2)

المرجع السابق (1/ 419 - 420).

(3)

التوضيح لشجرة الإيمان ص 69.

(4)

المرجع السابق ص 71 - 72.

(5)

مدارج السالكين (2/ 206).

(6)

التوكل على الله وعلاقته بالأسباب لعبد الله الدميجي، ص 118، الطبعة الأولى، دار الوطن، الرياض، 1417 هـ.

(7)

رواه الترمذي، ورواه الطبراني في الأوسط. وهو في السلسلة الصحيحة رقم 146.

ص: 26

11 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: الثقة بالله تعالى:

لأن المؤمن بقضاء الله وقدره يعلم أن تقدير الله له فيه الخير، قال الله تعالى لأم موسى:{فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي} [القصص: 7]، فإن فعلها هذا هو عين ثقتها بالله تعالى، إذ لولا كمال ثقتها بربها لما ألقت بولدها وفلذة كبدها في تيار الماء تتلاعب به أمواجه، وجرياته إلى حيث ينتهي أو يقف

(1)

.

12 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: التسليم وهو نوعان:

تسليم لحكمه الديني الأمري. وتسليم لحكمه الكوني القدري. فأما الأول: فهو تسليم المؤمنين العارفين، قال تعالى:{وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء: 65].

وأما الثاني: فهو تسليم للحكم الكوني: وهي مسألة الرضى بالقضاء. فهو يحمد إذا لم يؤمر العبد بمنازعته ودفعه، ولم يقدر على ذلك، كالمصائب التي لا قدرة له على دفعها.

وأما الأحكام التي أمر بدفعها: فلا يجوز له التسليم إليها، بل العبودية: مدافعتها بأحكام أخر، أحب إلى الله منها

(2)

.

ولقد تأثر رسول الله صلى الله عليه وسلم لفقد ولده إبراهيم، ولكنه قال:«إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون»

(3)

.

فالتسليم هو الخلاص من شبهة تعارض الخبر، أو شهوة تعارض الأمر، أو إرادة تعارض الإخلاص، أو اعتراض يعارض القدر والشرع. وصاحب هذا التخلص: هو صاحب القلب السليم الذي لا ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله به، فإن التسليم ضد المنازعة

(4)

.

(1)

مدارج السالكين (2/ 143).

(2)

مدارج السالكين (2/ 146).

(3)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم «إنا بك لمحزونون» (3/ 172 - فتح الباري).

(4)

مدارج السالكين (2/ 147).

ص: 27

13 -

الإيمان بالقدر على وجه الحقيقي يكشف للإنسان حكمة الله عز وجل فيما يقدره من خير أو شر:

فيعرف الإنسان بذلك أن وراء تفكيره، وتخيلاته من هو أعظم وأعلم، ولهذا كثيراً ما يقع الشيء فنكرهه وهو خير لنا؟ كم من الناس من يتبرم ويضيق صدره لفوات محبوب أو نزول مكروب، وما أن ينكشف الأمر ويستبين سر القدر إلا وتجده جذلاً مسروراً، لأن العاقبة كانت حميدة بالنسبة له، وصدق الله تعالى إذ يقول:{وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)} [البقرة: 216].

وما أجمل قول من قال:

كم نعمة لا تستقل بشكرها لله في طي المكاره كامنة

وقول الآخر:

تجري الأمور على حكم القضاء وفي طي الحوادث محبوب ومكروه

وربما سرني ما كنت أحذره وربما ساءني ما كنت أرجوه

(1)

14 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: أن الإيمان بالقدر يفتح باب حسن الخلق مع الله تعالى ومع الناس:

فإن حسن الخلق من الرضى، وسوء الخلق من السخط. وحسن الخلق يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم، وسوء الخلق يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب

(2)

.

15 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: إحسان الظن بالله، وقوة الرجاء:

فالمؤمن بالقدر حسن الظن بالله، قوي الرجاء به في كل أحواله، يصدق عليه قول القائل:

ما مسني قدر بضر أو رضا إلا وجدت به إليك طريقا.

(لأنه عارف بربه، حسن الظن به، لا يتهمه فيما يجريه عليه من أقضيته وأقداره، فحسن ظنه به يوجب له استواء الحالات عنده ورضاه بما يختاره له سيده سبحانه، وسوء الحال، والظن بالله خلاف ما هو أهله. والرضى يخلصه من ذلك كله ويفتح له باب جنة الدنيا قبل جنة الآخرة)

(3)

.

(1)

انظر: جنة الرضا في التسليم لما قدر الله وقضى للغرناطي ص 3/ 52، نقلا عن القضاء والقدر للحمد ص 29.

(2)

مدارج السالكين (2/ 220).

(3)

المرجع السابق (2/ 206 - 207).

ص: 28

16 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: التوبة والرجوع إلى الله:

فإن العبد إذا وقع في الذنب خرج من قلبه الغلظة والقسوة والكيفية الغضبية التي كانت عنده لمن صدر منه ذنب حتى لو قدر عليه لأهلكه وربما دعاء الله عليه أن يهلكه ويأخذه غضباً منه لله وحرصاً على ألا يعصي فلا يجد في قلبه رحمة للمذيبين الخاطئين ولا يراهم إلا بعين الاحتقار والازدراء ولا يذكرهم إلا بلسان الطعن فيهم والعيب لهم والذم فإذا جرت عليهم المقادير وخلي ونفسه استغاث الله والتجأ إليه وتململ بين يديه تململ السليم ودعاه دعاء المضطر فتبدلت تلك الغلظة على المذنبين رقة وتلك القساوة على الخاطئين رحمه وليناً مع قيامه بحدود الله، وتبدل دعاءهم عليهم دعاء لهم، وجعل لهم وظيفة من عمره يسأل الله أن يغفر لهم فما أنفعه لهم من مشهد وما اعظم جدواه عليه والله اعلم

(1)

.

17 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: الخوف والحذر من الله:

فالمؤمن بالقدر على حذر من الله، إذ لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون، فلا يغتر بعمله مهما كثر؟ فإن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها حيث يشاء، والخواتيم علمها عند الله عز وجل.

18 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: التوكل واليقين والاستسلام لله، والاعتماد عليه:

لأن رضى العبد بتدبيره الله له يتضمن إفراده بالتوكل عليه، والاستعانة به، والثقة به، والاعتماد عليه، وأن يكون راضياً بكل ما يفعل به.

قال ابن القيم: (فصل والأسماء الحسنى والصفات العلا مقتضية لآثارها من العبودية والأمر، اقتضاءها لآثارها من الخلق والتكوين، أعني من موجبات العلم بها والتحقق بمعرفتها. وهذا مطرد في جميع أنواع العبودية التي على القلب والجوارح. فعلم العبد بتفرد الرب تعالى بالضر والنفع والعطاء والمنع والخلق والرزق والإحياء والإماتة يثمر له عبودية التوكل عليه باطناً ولوازم التوكل وثمراته ظاهراً)

(2)

، كما قال تعالى:{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 151].

(فاستراح حينئذ من الهموم والغموم والأنكاد والحسرات، وحمل كله وحوائجه ومصالحه من لا يبالي بحملها، ولا يثقله ولا يكترث بها، فتولاها دونه، وأراه لطفه وبره ورحمته وإحسانه فيها من غير تعب من العبد ولا نصب ولا اهتمام منه، لأنه قد صرف اهتمامه كله إليه، وجعله وحده همه، فصرف عنه اهتمامه بحوائجه ومصالح دنياه، وفرغ قلبه منها، فما أطيب عيشه! وما أنعم قلبه وأعظم سروره وفرحه!

وإن أبى إلا تدبيره لنفسه، واختياره لها، واهتمامه بحظه - دون حق ربه - خلاه وما اختاره، وولاه ما تولى، فحضره الهم والغم والحزن والنكد والخوف والتعب وكسف البال وسوء الحال، فلا قلب يصفو، ولا عمل يزكو، ولا أمل يحصل، ولا راحة يفوز بها، ولا لذة يتهنى بها، بل قد حيل بينه وبين مسرته وفرحه وقرة عينه، فهو يكدح في الدنيا كدح الوحش، ولا يظفر منها بأمل ولا يتزود منها لمعاد)

(3)

.

(1)

المرجع السابق (1/ 426).

(2)

مفتاح دار السعادة ص (2/ 90)، طبعة رئاسة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض.

(3)

الفوائد ص 84 - 85.

ص: 29

والتوكل على الله والاعتماد عليه لا ينافي الأخذ بالأسباب وقد سئل النبي صلى الله عن إسقاط الأسباب نظرا إلى القدر؟ فرد ذلك، وألزم القيام بالأسباب كما في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«ما منكم من أحد إلا وقد علم مقعده من الجنة، ومقعده من النار. قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ فقال: لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له»

(1)

.

والموحد المتوكل: لا يلتفت إلى الأسباب، بمعنى أنه لا يطمئن إليها، ولا يرجوها ولا يخافها، فلا يركن إليها. ولا يلتفت إليها - بمعنى أنه لا يسقطها ولا يهملها ويلغيها - بل يكون قائماً بها، ملتفتا إليها، ناظراً إلى مسببها سبحانه ومجريها، فلا يصح التوكل - شرعاً وعقلاً - إلا عليه سبحانه وحده

(2)

.

وقد أحسن من قال:

سهرت أعين ونامت عيون في شؤون تكون أو لا تكون

إن رباً كفاك بالأمس ما كان سيكفيك في غدٍ ما يكون

(3)

19 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: الحياة الطيبة:

قال الله تعالى: {يَعْمَلُونَ (96) مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا} [النحل: 97].

فأخبر تعالى ووعد من جمع بين الإيمان والعمل الصالح، بالحياة الطيبة في هذه الدار، وبالجزاء الحسن في هذه الدار وفي دار القرار.

وسبب ذلك واضح فإن المؤمنين بالله الإيمان الصحيح - يشمل الإيمان بالقضاء والقدر - المثمر للعمل الصالح المصلح للقلوب والأخلاق والدنيا والآخرة، معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج، وأسباب القلق والهم والأحزان.

يتلقون المحاب والمسار بقبول لها، وشكر عليها، واستعمال لها فيما ينفع، فإذا استعملوها على هذا الوجه. أحدث لهم من الابتهاج بها، والطمع في بقائها وبركتها، ورجاء ثواب الشاكرين، أموراً عظيمة تفوق بخيراتها وبركاتها هذه المسرات التي هذه ثمراتها.

(1)

سبق تخريجه ص 12 حاشية رقم 3.

(2)

مدارج السالكين (3/ 500).

(3)

جدد حياتك، محمد الغزالي ص 27، ط. التاسعة، دار القلم دمشق، 1416 هـ.

ص: 30

ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته وتخفيف ما يمكنهم تخفيفه، والصبر الجميل لما ليس لهم عنه بد، وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة، والتجارب والقوة، ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب أموراً عظيمة تضمحل معها المكاره، وتحل محلها المسار والأمال الطيبة، والطمع في فضل الله وثوابه، كما عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا في الحديث الصحيح أنه قال:«عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا المؤمن»

(1)

.

فأخبر صلى الله عليه وسلم أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمرات أعماله في كل ما يطرقه من السرور والمكاره

(2)

.

20 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: أن الإيمان بالقدر طريق الخلاص من الشرك:

فالمجوس زعموا: أن النور خالق الخير، والظلمة خالقة الشر، والقدرية قالوا: إن الله لم يخلق أفعال العباد، فهم أثبتوا خالقين مع الله -جل وعلا - وهذا شرك، والإيمان بالقدر على الوجه الصحيح توحيد لله.

21 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: الإخلاص:

إن جميع الأعمال والأقوال إنما تصح وتكمل بحسب ما يقوم بقلب صاحبها من الإيمان والإخلاص، ولهذا يذكر الله هذا الشرط الذي هو أساس كل عمل، قال تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ} [الأنبياء: 94]، فإذا تأسست الأعمال على الإيمان، وانبنت عليه كان السعي مشكوراً مقبولاً مضاعفاً، لا يضيع منه مثقال ذرة، وأما إذا فقد العمل الإيمان فلو استغرق العامل ليله ونهاره، فإنه غير مقبول، قال تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)} [الفرقان: 23]

(3)

.

(فالإيمان بالقدر يخلص العبد من أن يرضى الناس بسخط الله، وأن يذمهم على ما لم يؤته الله. وأن يحمدهم على ما هو عين فضل الله، فيكون ظالماً لهم في الأول: وهو رضاهم وذمهم، مشركا بهم في الثاني: وهو حمدهم، فإذا رضى بالقضاء تخلص من ذمهم وحمدهم، فخلصه الرضى من ذلك كله)

(4)

.

فالذي يؤمن بالقدر لا يعمل لأجل الناس، لعلمه أنهم لن ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له.

(1)

رواه مسلم، كتاب الزهد، باب في أحاديث متفرقة (18/ 125 - شرح النووي).

(2)

ابن سعدي، الوسائل المفيدة للحياة السعيدة، ص 11 - 12، الطبعة الرابعة، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء، 1409 هـ.

(3)

التوضيح لشجرة الإيمان ص 73 - 74.

(4)

مدارج السالكين (2/ 223).

ص: 31

22 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: أن الإيمان ملجأ المؤمنين في كل ما يلم بهم من سرور وحزن، وخوف وأمن، وطاعة ومعصية وغير ذلك من الأمور التي لابد لكل أحد منها.

فعند المحاب والسرور، يلجئون إلى الإيمان فيحمدون الله، ويثنون عليه ويستعملون النعم فيما يحب المنعم، وعند المكاره والأحزان يلجؤون إلى الإيمان من جهات عديدة:

يتسلون بإيمانهم وحلاوته. ويتسلون بما يترتب على ذلك من الثواب.

ويقابلون الأحزان والقلق، براحة القلب، والرجوع إلى الحياة الطيبة المقاومة للأحزان والأتراح.

ويلجؤون إلى الإيمان عند الخوف فيطمئنون إليه، ويزيدهم إيماناً وثباتاً، وقوة وشجاعة، ويضمحل الخوف الذي أصابهم، قال تعالى:{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)} [آل عمران: 173 - 174]

(1)

.

ويلجؤون إلى الإيمان إذا ابتلوا بشيء من المعاصي بالمبادرة إلى التوبة منها، وعمل ما يقدرون عليه من الحسنات لجبر نقصها، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)} [الأعراف: 201]

(2)

.

23 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: أن الإيمان بالقدر من سعادة ابن آدم، وسخطه من شقاوته:

عن سعد بن أبي وقاص رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سعادة ابن آدم: استخارة الله عز وجل، ومن سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله، ومن شقاوة ابن آدم: سخطه بما قضى الله، ومن شقاوة ابن آدم ترك استخارة الله»

(3)

، فالرضا بالقضاء من أسباب السعادة والتسخط على القضاء من أسباب الشقاوة

(4)

.

(1)

التوضيح لشجرة الإيمان ص 86 - 88.

(2)

أصول التربية الإسلامية ص 102 - 103.

(3)

رواه الترمذي، باب ما جاء في الرضا بالقدر، وهو في ضعيف سنن الترمذي للألباني، رقم 381، الطبعة الأولى، المكتب الإسلامي، بيروت، 1411 هـ.

(4)

مدارج السالكين (2/ 208).

ص: 32

24 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: الثبات والرزانة في مواجهة المصائب:

قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)} [الحديد: 22 - 23]. قال الشيخ عبدالرحمن السعدي: (يقول تعالى مخبرا عن عموم قضائه وقدره: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ} وهذا شامل لعموم المصائب التي تصيب الخلق، من خير وشر، فكلها قد كتبت في اللوح المحفوظ، صغيرها وكبيرها، وهذا أمر عظيم لا تحيط به العقول، بل تذهل عنده أفئدة أولي الألباب، ولكنه على الله يسير، وأخبر الله عباده بذلك لأجل أن تتقرر هذه القاعدة عندهم، ويبنوا عليها ما أصابهم من الخير والشر، فلا يأسوا ويحزنوا على ما فاتهم، مما طمحت له أنفسهم وتشوفوا إليه، لعلمهم أن ذلك مكتوب في اللوح المحفوظ، لا بد من نفوذه ووقوعه، فلا سبيل إلى دفعه، ولا يفرحوا بما آتاهم الله فرح بطر وأشر، لعلمهم أنهم ما أدركوه بحولهم وقوتهم، وإنما أدركوه بفضل الله ومنه، فيشتغلوا بشكر من أولى النعم ودفع النقم، ولهذا قال: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)} أي: متكبر فظ غليظ، معجب بنفسه، فخور بنعم الله، ينسبها إلى نفسه، وتطغيه وتلهيه)

(1)

،

فعندما يتزن الإنسان في مشاعره في قبول المصائب أو الأفراح فإنه يكون مطمئناً في حياته ومستقراً بها أيضاً

(2)

.

25 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: التربية على التعقل وعدم تعليل الأمور حسب هواه ومصلحته، بل يجب أن يعرف أن لكل ظاهرة كونية فوائد ومضار، فيطلب فوائدها ويستبعد مضارها

(3)

.

26 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: الجهاد والشجاعة والإقدام:

لقد أصبح المسلمون أشجع الناس، وأفرس الناس، وكانوا يقاتلون الأعداء، ويحرصون على الشهادة ويحرصون أن يكونوا في أوائل الصفوف. وكانوا لا يرهبهم أي قوة ولا يزعجهم أي كثرة، لان المسلم يعلم أن السلاح لا يقتل إلا من دنا أجله. علموا أنه لن يرفع عنهم قعودهم عن الجهاد في سبيل الله أجلهم ولن يؤخرهم ساعة من نهار

(4)

.

(1)

تفسير السعدي: 842.

(2)

عبد الله الخاطر، الحزن والاكتئاب في ضوء الكتاب والسنة، ص 35 - 37، طبعة المنتدى الإسلامي، لندن.

(3)

عبد الرحمن النحلاوي، أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، ص 104، الطبعة الثانية، دار الفكر، دمشق، 1403 هـ.

(4)

الشيخ عبد الرحمن الدوسري، وصالح اللحيدان، شريط أثر الإيمان بالقضاء والقدر على المؤمن، تسجيلات التقوى، رقم 3362.

ص: 33

فالذي يؤمن بالقدر يعلم أنه لن يموت إلا إذا جاء أجله، ولا يناله إلا ما كتب له، فيقدم غير هياب ولا مبال بما يناله من الأذى والمصائب في سبيل الله، قال الله تعالى:{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} [آل عمران: 145]، وكما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

أي يوم الموت أفر يوم لا يقدر أو يوم قدر

يوم ما قدر لا أرهبه وإذا قدر لا ينجي الحذر

(1)

(فإذا تربى المؤمن على الجرأة أمام الموت فقد أصبح جريئاً أمام كل شيء. أمام فقد مال أو ولد أو جاه، أو أمام مرض أو أي مصاب آخر، ما دام يؤمن بأنه مقدر من الله)

(2)

.

27 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: الدعوة إلى الله:

لقد كان الفهم الصحيح للإيمان بالقدر عند السلف الصالح حافز لهم لنشر الدعوة إلى الله، حيث جعلهم يجتهدون في نشر الإسلام في جميع بقاع الأرض وأن يتحملوا الأذى في ذلك، ويصبروا عليه، لعلمهم أن ما أصابهم فإنما هو بقضاء الله وقدره.

فنجد أن الإسلام قد امتد من المحيط غرباً إلى الهند شرقاً في فترة من الزمن لا تتجاوز نصف قرن! ! وهي سرعة لا مثيل لها في التاريخ! وانتشر مع الإسلام سلطان الدولة الإسلامية بما أرهب أعداء الله، وانتشر معه كذلك اللسان العربي بسرعة تفوق الوصف في انتشار اللغات.

28 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: التفاؤل وقطع دابر التشاؤم:

وهو تعليل المصائب بعلل أو أسباب غير صحيحة، كالتشاؤم من صوت البوم، أو من المرض أو من الزمان وحوادثه أو من الريح، فالمؤمن بالقضاء والقدر يعلم أن كل شيء بتقدير الله وقضائه، وأن ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن:{قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [يس: 18 - 19]

(3)

.

(1)

ديوان الإمام علي ص 79 - 80 نقلا من القضاء والقدر للحمد ص 25.

(2)

أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، ص 102.

(3)

المرجع السابق: ص 102.

ص: 34

29 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: عدم اليأس من انتصار الحق:

فقد قضى الله سبحانه وتعالى بأن البقاء للحق، لأنه الأصل الذي قامت عليه السموات والأرض وأما الباطل فهو طارئ وزاهق، قال تعالى:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)} [الإسراء: 81]، وقال سبحانه:{فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا} [الرعد: 68]، ولكن حكمة الله عز وجل البالغة اقتضت أن يوجد الباطل لاختبار أوليائه وإظهار آثار أسمائه الحسنى وصفاته العلا وليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً، وإلا لو شاء الله عز وجل لم يكن هناك كفر ولا باطل، قال تعالى:{ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد: 4].

فالمؤمن بالقدر يعلم علم اليقين أن العاقبة للمتقين وأن قدر الله في ذلك نافذ لا محالة، فلا يدب اليأس إلى قلبه، ولا يعرف إليه طريقا مهما اشتدت ظلمة الباطل.

30 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: علو الهمة، وعدم الرضا بالدون، وعدم الرضا بالواقع الأليم:

فالمؤمن بالقدر تجده عالي الهمة لا يرضى بالدون ولا بالواقع المر الأليم، ولا يستسلم له محتجا بالقدر، إذ أن هذا ليس مجال الاحتجاج بالقدر؟ لأنه من المعائب، والاحتجاج بالقدر إنما يسوغ عند المصائب دون المعائب، بل إن إيمانه بالقدر يحتم عليه أن يسعى سعيا حثيثا لتغيير هذا الواقع حسب قدرته واستطاعته.

31 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: العزم والقضاء على التردد:

ليس في المجتمعات البشرية أمضى عزيمة من المؤمن بقدر الله، فهو إذا ناقش الأمور ورجح بينها واستشار غيره، واستخار ربه، يمضي قدما فيما عزم عليه، دون توقف أو تردد أو خوف، ليقينه بأن جميع الظروف والاحتمالات التي يمكن أن تكون غير واقعة في طوقه وحسبانه، هي مما وقع في علم الله وقدره، وأن الله مؤيده، فإذا يسر له ما عزم عليه فهو الخير المقدر له، أو ليصرف الله عنه شراً كان محتملاً

(1)

.

32 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: الجد والحزم في الأمور، والحرص على كل خير ديني أو دنيوي:

فقد ذم الرسول صلى الله عليه وسلم التواني والكسل، وعلمنا هذا الدعاء «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال»

(2)

.

(1)

أصول التربية الإسلامية ص 101.

(2)

رواه البخاري، كتاب الدعوات، باب التعوذ من غلبة الرجال، (11/ 173 - فتح الباري).

ص: 35

وكما في قوله عليه الصلاة والسلام: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل»

(1)

.

فلا تقل: لو أني فعلت وفعلت وفعلت، وتبقى تلوم نفسك وتعيش على ماض تتحسر عليه.

المسلم لابد أن تكون عنده نفسية قوية فإذا أخطأ، أو حصلت له مشكلة فيقول:«قدر الله وما شاء فعل» ويبدأ من جديد ويعمل للمستقبل

(2)

.

33 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: أن الإيمان بالقدر ينفى عنه آفات الحرص والكلب على الدنيا:

وذلك رأس كل خطيئة، وأصل كل بلية. وأساس كل رزية. فرضاه عن ربه في جميع الحالات، ينفى عنه مادة هذه الآفات.

(3)

34 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: الكرم:

فالذي يؤمن بالقدر، وأن الفقر والغنى بيد الله، وأنه لا يفتقر إلا إذا قدر الله له ذلك - فإنه ينفق ولا يبالي. لأنه يعلم أن غناه بقضاء الله وقدره، وأن فقر الفقير بقضاء الله وقدره، فيشكر الله على هذه النعمة، فيحمله ذلك على الإنفاق في سبيل الله.

35 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: الصبر والاحتساب ومواجهة الأخطار والصعاب:

فالذين لا يؤمنون بالقدر ربما يؤدي الجزع ببعضهم إلى أن يكفروا بالله، وبعضهم يجن، وبعضهم يصبح موسوسا، وبعضهم يلجأ إلى المخدرات، وبعضهم يقتل نفسه، ولذلك يكثر الانتحار في البلاد التي لا يؤمن أهلها بالقدر.

قال الله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)} [البقرة: 216].

(من أسرار هذه الآية: أنها تقتضي من العبد التفويض إلى من يعلم عواقب الأمور، والرضا بما يختاره له ويقضيه له، لما يرجو فيه من حسن العاقبة.

فإذا فوض إلى ربه، ورضي بما يختاره له، أمده فيما يختاره له بالقوة عليه والعزيمة والصبر، وصرف عنه الآفات التي هي عرضة اختيار العبد لنفسه، وأراه من حسن عواقب اختياره له ما لم يكن ليصل إلى بعضه، بما يختاره هو لنفسه).

(4)

(1)

رواه مسلم، كتاب القدر، باب الإيمان للقدر والإذعان له (16/ 215 - شرح النووي).

(2)

عبد الله الخاطر، الهزيمة النفسية عند المسلمين' ص 54 - 55، الطبعة الأولى، المنتدى الإسلامي، لندن، 1412 هـ.

(3)

مدارج السالكين (2/ 209).

(4)

الفوائد ص 175 - 176.

ص: 36

36 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: التسلية عن المصائب والابتلاء:

لان مصاحبة الإيمان واليقين أعظم مسل عنها ومهون لها، وذلك لقوة إيمانه، وقوة توكله، ولقوة رجائه بثواب ربه، وطمعه في فضله.

فأول ما يخفف الابتلاء والمصائب قضية الإيمان بالقضاء والقدر، فلا يجزع ولا يندب كندب الجاهلية، ولا يغضب عند النكبات والحوادث لأنه يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، فتهون عليه المصائب ويكون دائماً متذكر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«قدر الله وما شاء فعل»

(1)

.

37 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: عدم الندم أو الحسرة على ما فات:

فالمؤمن لا ينوح على الماضي بالتندم والتحسر، لأن ذلك لن يرد عليه شيئاً مما فات، ولأنه إنما حصل على ما كتب الله له، ولا اعتراض على قدر الله ما دام قد وقع، ولكن له أن يعتبر، فيتوب من الخطأ أو الذنب، ولا يلدغ من جحر مرتين

(2)

.

38 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: الاعتراف بفضل الله ومنته وطرد الإعجاب بالنفس عند حصول المراد:

فالمؤمن لا ينسب الخير إلى نفسه، بل إلى الله تبارك وتعالى، لأن حصول ذلك نعمة من الله بما قدره من أسباب الخير والنجاح، فيشكر الله تعالى على ذلك

(3)

. فلا يعجب بنفسه ولا يدلي بعمله لعلمه أن الله تعالى هو الذي تفضل عليه بالتوفيق والإعانة وصرف الموانع والعوائق، وأنه لو وكل إلى نفسه لضَعُف وعجز عن العمل

(4)

.

39 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: عدم الاغترار بالعمل:

لأن المؤمن لا يدري ما نتيجة العمل، حتى الهداية، ما يدري ما نتيجتها كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:«والله إني لرسول الله لأدري ما يفعل بي ربي» قالت أم العلاء رضي الله عنها: وقد زكت عثمان ابن مظعون لما مات "أن الله قد أكرمك"، فقال لها رسول الله:«وما يدريك أن الله قد أكرمه» ؟ فقالت: سبحان الله يا رسول الله، ومن يكرم الله إذا لم يكرمه؟ فقال لها رسول الله:«والله إني لرسول الله لأدري ما يفعل بي»

(5)

.

40 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: الاعتراف بالذنب والخطاء:

فالعبد المؤمن ينسب إلى نفسه التقصير على الأبد ولا ينسبه إلى الله عز وجل. فإذا وقع في المعصية نسبها إلى نفسه، فحمله ذلك على الاستغفار والتوبة.

(1)

سبق تخريجه ص 36 حاشية رقم 2.

(2)

أصول التربية الإسلامية ص 102.

(3)

عقيدة أهل السنة والجماعة، ابن عثيمين، ص 47، الطبعة الثالثة، إدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، 1416 هـ.

(4)

التنبيهات اللطيفة، ص 84.

(5)

رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه (3/ 114 - فتح الباري).

ص: 37

41 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: التأسي بالأنبياء عليهم السلام:

فالمذنب إذا استغفر ربه من ذنبه، فقد تأسى بالسعداء من الأنبياء والمؤمنين كآدم عليه السلام وغيره. وإذا أصر واحتج بالقدر، فقد تأسى بالأشقياء، كإبليس ومن اتبع من الغاوين

(1)

.

42 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: قوة الإيمان:

فالذي يؤمن بالقدر يقوى إيمانه، فلا يتخلى عنه ولا يتزعزع أو يتضعضع مهما ناله في ذلك السبيل. لقوله صلى الله عليه وسلم:«المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير»

(2)

.

43 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: الهداية:

كما في قوله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]. قال بعض السلف: هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم

(3)

.

فالعبد إذا أصابته المصيبة فآمن أنها من عند الله، وأن الله حكيم رحيم في تقديرها، وأنه أعلم بمصالح عبده هدى الله قلبه هدايةً خاصةً للرضا والصبر والتسليم والطمأنينة

(4)

.

44 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: عزة النفس والقناعة والتحرر من رق المخلوقين:

(إن من ملأ قلبه من الرضى بالقدر، ملأ الله صدره غنى وأمناً وقناعة. وفرغ قلبه لمحبته، والإنابة إليه، والتوكل عليه. ومن فاته حظه من الرضى، امتلأ قلبه بضد ذلك. واشتغل عما فيه سعادته وفلاحه. فالرضى يفرغ القلب لله، والسخط يفرغ القلب من الله)

(5)

.

(1)

شيخ الإسلام ابن تيمية، الحسنة والسيئة، ص 50، الطبعة الأولى، تحقيق محمد الخشت، دار الكتاب العربي، بيروت، 1405 هـ.

(2)

رواه مسلم، كتاب القدر، باب الأمر بالقوة وترك العجز، (16/ 215 - شرح النووي).

(3)

تفسير ابن كثير (4/ 401).

(4)

التوضيح لشجرة الإيمان ص 35.

(5)

مدارج السالكين (2/ 208).

ص: 38

والمؤمن بالقدر، يعلم أن رزقه مكتوب، وأنه لن يموت حتى يستوفي رزقه، ويدرك أن الله كافيه وحسبه ورازقه، وأن العباد مهما حاولوا إيصال الرزق له، أو منعه عنه فلن يستطيعوا إلا بشيء قد كتبه الله، فينبعث بذلك إلى القناعة وعزة النفس، والإجمال في الطلب، وترك التكالب على الدنيا، والتحرر من رق المخلوقين، وقطع الطمع مما في أيديهم، والتوجه بالقلب إلى رب العالمين، وهذا أس فلاحه ورأس نجاحه، ومن جميل ما يذكر في هذا المعنى ما ينسب لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله:

أفادتني القناعة كل عز وهل عِزٌ أعز من القناعة

فصيرها لنفسك رأس مال وصير بعدها التقوى بضاعة

تحز ربحا وتغنى عن بخيل وتنعم في الجنان بصبر ساعة

(1)

ومن ذلك قول الشافعي رحمه الله تعالى:

رأيت القناعة كنز الغنى فصرت بأذيالها متمسك

فلا ذا يراني على بابه ولا ذا يراني به منهمك

وصرت غنياً بلا درهم أمر على الناس شبه الملك

(2)

45 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: عدم الاعتماد على الكهان، والمنجمين، والمشعوذين، والتمسح بأتربة القبور، ودعاء غير الله، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، لأنها لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا فضلاً عن غيرها.

46 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: تفريغ القلب من الشواغل:

فإن الإيمان بالقدر على الوجه الصحيح (يريحه من الأفكار المتعبة في أنواع الاختيارات ويفرغ قلبه من التقديرات والتدبيرات التي يصعد منها في عقبة وينزل في أخرى، ومع هذا فلا خروج له عما قدر عليه، فلو رضي باختيار الله أصابه القدر وهو محمود مشكور ملطوف به فيه، وإلا جرى عليه القدر وهو مذموم غير ملطوف به فيه، لأنه مع اختياره لنفسه.

ومتى صح تفويضه ورضاه، اكتنفه في المقدور العطف عليه، واللطف به، فيصير بين عطفه ولطفه، فعطفه يقيه ما يحذره، ولطفه يهون عليه ما قدره)

(3)

.

فطريق المؤمن أن ينهض بالتكاليف الواضحة - ما استطاع - وأن يجتنب النواهي المحددة كما نهي. وأن يشتغل بمعرفة ما أمر الله به، وما نهى الله عنه، ولا يبحث في شيء وراءهما من أمر الغيب المحجوب عن إدراكه المحدود.

وما كان الله سبحانه ليكلفه شيئاً يعلم أن لا طاقة له به، أو أنه ممنوع بمانع قهري عن النهوض به. وما كان الله سبحانه لينهاه عن شئ، يعلم أن لا طاقة له بالامتناع عنه، أو أنه مدفوع بدافع قهري لا يقاوم لإتيانه! قال تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286].

47 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: سكون القلب، وطمأنينة النفس، وراحة البال:

هذه الأمور من ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر، وهي مطلب ملح، وهدف منشود، فكل من على وجه البسيطة يبتغيها ويبحث عنها، ولكن كما قيل:

كل من في الوجود يطلب صيدا غير أن الشباك مختلفات

فلا يدرك هذه الأمور، ولا يجد حلاوتها، ولا يعلم ثمرتها إلا من آمن بالله وبقضائه وقدره.

ذلك (لأنه متى علم أن ذلك بقضاء الله تعالى وأن المكروه كائن لا محالة ارتاحت النفس واطمأن القلب ورضي بقضاء الرب، فلا أحد أطيب عيشاً وأريح نفساً وأقوى طمأنينة ممن آمن بالقدر)

(4)

.

وإنك لتجد عند خواص المسلمين من العلماء العاملين، والعباد القانتين المتبعين، من سكون القلب، وطمأنينة النفس ما لا يخطر على بال، ولا يدور حول ما يشبهه خيال، فلهم في ذلك الشأن، القدح المعلى، والنصيب الأوفى.

فهذا أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: (أصبحت ومالي سرور إلا في مواضع القدر. قيل له: ما تشتهي؟ فقال: ما يقضي الله عز وجل

(5)

.

وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يقول: (إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة)

(6)

.

ويقول مقولته المشهورة التي قالها عندما اقتيد إلى السجن: (ما يصنع أعدائي بي، أنا جنتي وبستاني في صدري، أنى رحلت فهي معي لا تفارقني، أنا حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة)

(7)

.

49 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: طرد القلق والضجر عند فوات المراد أو حصول المكروه:

لأن ذلك بقضاء الله تعالى الذي له ملك السموات والأرض وهو كائن لا محالة فيصبر على ذلك ويحتسب الأجر

(8)

.

(1)

ديوان الإمام علي ص 121 - 122، نقلا من القضاء والقدر للحمد ص 30.

(2)

ديوان الإمام الشافعي ص 68. الطبعة الثالثة، مؤسسة الزعبي، بيروت، 1392 هـ.

(3)

الفوائد ص 176.

(4)

ابن عثيمين، عقيدة أهل السنة والجماعة، ص 46 - 47.

(5)

مختصر منهج القاصدين ص 337.

(6)

الشهادة الزكية في ثناء الأئمة على أبن تيمية لمرعي الكرمي الحنبلي ص 34. نقلا من القضاء والقدر للحمد ص 31.

(7)

شيخ الإسلام أحمد تقي الدين أبن تيمية: جهاده، دعوته، عقيدته، للشيخ أحمد القطان ومحمد الزين ص 101، الطبعة الأولى، مكتبة السندس، الكويت، 1406 هـ.

(8)

عقيدة أهل السنة والجماعة، ابن عثيمين، ص 47.

ص: 39

50 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: التواضع:

فالمؤمن بالقدر إذا رزقه الله بمال، أو جاه، أو علم، أو غير ذلك، تواضع لله، لعلمه أن هذا من الله، ولو شاء لانتزعه منه، إنه على كل شيء قدير. قال الله تعالى:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)} [آل عمران: 26].

51 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: الشكر:

فالمؤمن بالقدر يعلم أن ما به من نعمة فمن الله وحده، وأن الله هو الدافع لكل مكروه ونقمة، فينبعث بسبب ذلك إلى شكر الله، إذ هو المنعم المتفضل الذي قدر له ذلك وهو المستحق للشكر. قال الله تعالى عن سليمان عليه السلام:{وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ} [النمل: 19].

52 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: الرضا:

(إن أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين وأعلم العالمين الذي هو أرحم بعباده منهم بأنفسهم ومن آبائهم ومن أمهاتهم، إذا أنزل بهم ما يكرهون كان خيراً لهم من أن لا ينزله بهم، نظراً منهم لهم وإحساناً إليهم ولطفاً بهم، ولو مكنوا من الاختيار لأنفسهم لعجزوا عن القيام بمصالحهم علماً وإرادةً وعملاً، لكنه سبحانه تولى تدبير أمورهم بموجب علمه وحكمته ورحمته، أحبوا أم كرهوا، فعرف ذلك الموقنون بأسمائه وصفاته، فنازعوه تدبيره، وقدحوا في حكمته ولم ينقادوا لحكمه، وعارضوا حكمه بعقولهم الفاسدة وآرائهم الباطلة وسياساتهم الجائرة، فلا لربهم عرفوا ولا لمصالحهم حصلوا.

ومتى ظفر العبد بهذه المعرفة، سكن في الدنيا قبل الآخرة في جنة لا يشبه نعيمها إلا نعيم الآخرة، فإنه لا يزال راضياً عن ربه، والرضا جنة الدنيا، ومستراح العارفين، فإنه طيب النفس بما يجري عليها من المقادير التي هي عين اختيار الله له، وطمأنينتها إلى أحكامه الدينية، وهذا هو الرضا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً، وما ذاق طعم الإيمان من لم يحصل له ذلك.

وهذا الرضا هو بحسب معرفته بعدل الله وحكمته ورحمته وحسن اختياره، فكلما كان بذلك أعرف كان به أرضى، فقضاء الرب سبحانه في عبده دائر بين العدل والمصلحة والحكمة والرحمة، لا يخرج عن ذلك البتة، كما قال صلى الله عليه وسلم في الدعاء المشهور:«اللهم! إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، ما قالها أحد قط إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرجاً» ، قالوا: أفلا نتعلمهن يا رسول الله؟ قال: «بلى! ينبغي لمن يسمعهن أن يتعلمهن»

(1)

.

(1)

قال المحقق: حديث صحيح، رواه الإمام أحمد في المسند (1/ 391 و 452).

ص: 40

والمقصود قوله: «عدل في قضاؤك» ، وهذا يتناول كل قضاء يقضيه على عبده، من عقوبة أو ألم وسبب ذلك، فهو الذي قضى بالسبب وقضى بالمسبب، وهو عدل في هذا القضاء، وهذا القضاء خير للمؤمن، كما قال صلى الله عليه وسلم:«والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له وليس ذلك إلا للمؤمن»

(1)

(2)

.

فيرضى بالله ربا مدبرا مشرعا، فتمتلئ نفسه بالرضا عن ربه، فإذا رضي بالله أرضاه الله عز وجل.

53 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: الفرح:

فيفرح المؤمن بالقدر بذلك الإيمان الذي حرم منه أمم كثيرة: {(57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 158].

54 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: المحبة وعدم الحسد بين المؤمنين:

لأن الإيمان بالقدر و (الرضى يفتح له باب السلامة، فيجعل قلبه سليماً نقياً من الغش والدغل والغل. ولا ينجو من عذاب الله إلا من أتى الله بقلب سليم. وكذلك تستحيل سلامة القلب مع السخط وعدم الرضى. وكلما كان العبد أشد رضى كان قلبه أسلم. فالخبث والدغل والغش: قرين السخط. وسلامة القلب وبره ونصحه: قرين الرضى. وكذلك الحسد: هو من ثمرات السخط. وسلامة القلب من ثمرات الرضى)

(3)

.

فالمؤمن لا يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، لإيمانه بأن الله هو الذي رزقهم، وقدر لهم ذلك، فأعطى من شاء، ومنع من شاء، ابتلاءً وامتحاناً منه عز وجل وأنه حين يحسد غيره، إنما يعترض على القدر

(4)

.

55 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: إغاظة المبتدعة الذين يتحكمون في حكمة الله وشرعه

(5)

. فيقولون ينبغي على الله أن يفعل كذا وكذا، أو ينفون حكمة الله في أفعاله فالإيمان بالقدر عند أهل السنة يغيضهم لأنهم يسلمون لأوامر الكونية والشرعية.

56 -

من ثمرات الإيمان بالقدر: الاستقامة على منهج سواء في السراء أو الضراء:

فالعباد فيهم قصور، ونقص، وضعف، لا يستقيمون على منهج سواء إلا من آمن بالقدر، فإن النعمة لا تبطره، والمصيبة لا تقنطه.

(1)

قال المحقق: هذه الرواية - والله أعلم - بالمعنى، وقد ورد الحديث بلفظ أخر عند مسلم، كتاب الزهد، باب في أحاديث متفرقة (18/ 125 - شرح النووي).

(2)

الفوائد ص 171 - 173.

(3)

مدارج السالكين (2/ 207).

(4)

انظر: مجلة البحوث الإسلامية عدد 34 ص 25 مبحث وسطية أهل السنة في القدر، د. عواد المعتق. نقلا من القضاء والقدر للحمد ص 27.

(5)

الجامع الصحيح في القدر ص 12.

ص: 42