الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخاتمة:
أهم النتائج
الخاتمة
أحمدُ اللَّهَ تعَالَى علَى توفِيقِهِ وتَيْسِيرِه، وأسأَلُهُ القَبولَ والبَرَكَة.
قَدْ ظَهَرَتْ لِي ــ في كِتَابِي هَذَا ــ فَوَائِدُ ونَتَائِجُ عَدِيدَةٌ، مِنْ أَبرَزِهَا:
1.
أَهَمِيَّةُ الكِتَابَةِ فِي مَوضُوعِ فَاطِمَةَ رضي الله عنها ابنَةِ نبيِّنَا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، مَحَبَّةً فِي النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَآلِهِ رضي الله عنهم، وَتِبيَانَاً لِجُهُودِ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَماعَةِ فِي مُصَنَّفَاتِهِمْ المُخْتَلِفَةِ، وَرَدَّاً عَلَى أهْلِ الزَّيْغِ وَالضَّلَالِ مِنْ الرَّافِضَةِ، والإسمَاعِيْلِيَّةِ، وغُلَاةِ الصُّوْفِيَّةِ، والمسْتَشْرِقِيْنَ.
2.
أَسعَدُ النَّاسِ بِآلِ بَيتِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم هُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ، فَعَقِيْدَتُهُمْ فِي آلِ البَيْتِ مُسْتَمَدَّةٌ مِنْ الكِتَابِ وَالسُّنَّة، بِفَهْمِ سَلَفِ الأُمَّةِ، وَهُمْ وَسَطٌ بَينَ الغَالِينَ كَالرَّافِضَةِ وَالإسْمَاعِيْلِيَّةِ وَالصُّوْفِيَّةِ، وَالجَافِيْنَ كَالنَّوَاصِبِ.
3.
تَعَدَّدَتْ جُهُودُ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ فِي بَيَانِ فَضَائِلَ وَمَرْوِيَّاتِ آلِ البَيْتِ رضي الله عنهم.
4.
لَمْ يَعْتَنِ أَحَدٌ بفَاطِمَةَ رضي الله عنها عِنَايَةً صَحِيحَةً إلَّا أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ ـ جَزَاهُمُ اللَّهُ خيرَ الجَزَاءِ ـ. وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي التَّمْهِيْدِ: المبْحَثِ الخَامِسِ: فَاطِمَةُ رضي الله عنها فِي كُتُبِ: الرَّافِضَةِ، وَالإسْمَاعِيْلِيَّةِ، وَالمسْتَشْرِقِيْنَ. وَلَمْ أَجِدْ عِنْدَ الثَّلَاثَةِ شَيْئَاً صَحِيحَاً مَذكُورَاً، فَضْلَاً عَنْ إِسْنَادٍ وَاحِدٍ مُتَّصِلٍ.
5.
كَثِيْرٌ مِنْ أَهْلِ الحَدِيثِ بَدَأَوُا فِي مُصَنَّفَاتِهمْ الحَدِيثِيَّةِ بِفَضَائِلَ وَمَناقِبَ فَاطِمَةَ، قَبْلَ غَيرِهَا مِن النِّسَاءِ.
وَكَذَا فَعَلُوْا فِي كُتُبِ التَّرَاجِمِ: فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ بَدَأَوُا بِفَاطِمَةَ فِي النِّسَاءِ، وَمِنهُمْ مَنْ بَدَأَ بِهَا فِي حَرْفِ الفَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّمَهَا عَلَى جَمِيْعِ الفَوَاطِمِ، وَلَمْ يُرَتِّبْهَا عَلَى الحُرُوفِ الَّتِي الْتَزَمَهَا.
وَهَذِهِ عَلَامَةٌ مِنْ العَلَامَاتِ الْكَثِيْرَةِ الصَّرِيحَةِ الدَّالَةِ عَلَى حُبِّ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجمَاعَةِ لِفاطِمَةَ رضي الله عنها وَبنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَآلِ البَيْتِ.
فَمَعَ التزَامِ عَدَدٍ مِنْهُمْ التَّرْتِيْبَ عَلَى الحُروْفِ إلَّا أَنَّهُ خَالَفَ ذَلِكَ فِي بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَعَ قِلَّةِ أَحَادِيثِ فَاطِمَةَ رضي الله عنها، إِلَّا أَنَّ بَعْضَ العُلَمَاءِ بَدَأَ بِذِكْرِهَا وَتَقْدِيمِهَا عَلَى غَيْرِهَا، وَالمسَأَلَةُ كُلُّهَا تَرتِيْبٌ فَحَسْب.
لَكِنَّ المَحَبَّةَ الشَّرْعِيَّةَ العَظِيْمَةَ فِي قُلُوبِ عُلَماءِ أَهْلِ السُّنَّةِ، جَعَلَتْهُمْ يَعْتَنُونَ بِآلِ البَيْتِ عليهم السلام حَتَّى فِي التَّرْتِيْبِ، فَفَي النِّسَاءِ يَبْدَأُوْنَ بِبَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَزْوَاجِهِ رضي الله عنهن.
6.
أنَّ مُدَّعِي مَحَبَّةَ آلِ البيتِ مِنْ الرَّافِضَةِ وَالإسْمَاعِيْلِيَّةِ كَذَبَةٌ،
…
لَا يَمْلِكُوْنَ آيَةً بتَفْسِيرٍ صَحِيحٍ، وَلَا حَدِيْثَاً وَاحِدَاً مُسْنَدَاً مُتَّصِلَاً؛ وَقَدْ جَمعُوْا فِي آلِ البَيْتِ: الغُلُوَّ والجَفَاءَ فِي آنٍ وَاحِدٍ.
7.
خُطُوْرَةُ الكِتَابَةِ فِي الصَّحَابَةِ وآلِ البَيتِ رضي الله عنهم بِطَريقَةِ القَصَصِ السَّرْدِية، خَاصَّةً لِمَنْ لَيْسَ لَدَيهِ اطِّلاعٌ كَافٍ عَلَى المعْلُومَاتِ الصَّحِيْحَةِ؛ لِأَنَّهُ
يَتَعَامَلُ مَعَهَا بِطَريقَةِ التَّشْوِيقِ، والعُقْدَةِ = المشْكِلَةِ المتصَاعِدَةِ، ثُمَّ حَلَّهَا، فيَضْطَرُّ للتَّسَامُحِ وَإدْخَالِ تَوَقُّعَاتِهِ ضِمْنَ الترجَمَةِ، فيَكُونُ كَاذِبَاً.
يَفعَلُ ذَلِكَ الصُّوْفِيَّةُ، وكَثيرُ مِن الأُدَبَاءِ.
8.
يختَلِفُ النَّظَرُ فِي مَروِيَّاتِ السِّيرَةِ النبَوِيَّةِ والتَّارِيخِ عِنْدَ فَحصِهَا، عَن النِّظَرِ فِي مَروِيَّاتِ السُّنَّةِ النبَوِيَّةِ، وَثَمَّةَ ضَوَابِطُ فِي التَّسَامُحِ فِي المرْوِيَّاتِ التَّارِيخيَّةِ، كَمَا فِي التَّمْهِيْدِ: المبْحَثِ السَّادِسِ.
9.
اسْمُهَا ونَسَبُهَا: فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحَمَّدِ بنِ عَبدِاللَّهِ بنِ عَبْدِالمطَّلِبِ بنِ هَاشِم بنِ عَبْدِمَنَافِ بن قُصَيِّ بن كِلابِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ بنِ غَالِبِ بن فِهْر بنِ مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بن كِنَانَةَ بنِ خُزَيْمَةَ بن مُدْرِكَةَ بنِ إلْيَاسَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدْنَان.
إِلَى هُنَا مَوضِعُ إجمَاعٍ مِن العُلَماءِ، لمْ يُخَالِفْ فِيْهِ أَحَدٌ.
وَاتَّفَقُوْا عَلَى أنَّ عَدَنَانَ مِن وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بنِ إبْرَاهِيمَ الخَلِيلَ صلى الله عليه وسلم.
وَلَا يُعلَمُ عَدَدُ الآبَاءِ بينَ عَدنَانَ وإسْماعِيلَ، وإسْمَاعيلَ وَآدَمَ. والاختِلَافُ فِيْهِ كَثِيرٌ جِدَّاً.
10.
أمُّهَا: خَديجَةُ، مِنْ سيِّدَاتِ نِسَاءِ العَالمَين: أُمُّ المؤمِنِينَ، أُمُّ القَاسِمِ: خَدِيجَةُ بنتُ خُوَيلِدِ بنِ أسَدِ بنِ عَبْدِالعُزَّى بنِ قُصَيِّ بنِ كِلَابِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤيِّ بنِ غَالِبِ بن فِهْرِ بن مَالِكِ بنِ النَّضْرِ بن كِنانةَ بنِ خُزَيمَةَ بنِ
مُدرِكةَ بنِ إلياسَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدنَان.
تَلْتَقِي بِنَسَبِهَا مَعَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في أبيِهِ الخَامِسِ: قُصَي. وهُوَ أبُوهَا الرابِعُ.
وخَدِيجَةُ رضي الله عنها أمُّ أولَادِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كلِّهم، إلا إبراهيم.
11.
اسْمُهَا: فَاطِمَةُ، والاسْمُ مَوجُوْدٌ قَبْلَهَا، وَكُنيَتُها كما يُقال: أمُّ أبيها، وأمُ الحسَنِ، وأمُّ الحَسَنَيْنِ، وَلُقِّبَتْ مِن مُنْتَصَفِ القَرْنِ الرَّابِع بِـ: الزَّهرَاءِ، والبَتُولِ.
أَمَّا لَقَبُ «البتول» ، فإنَّه مِن الرافِضَةِ، لِذَا يُكْرَهُ إيرَادُهُ.
وَأَمَّا لَقَبُ «الزَّهَرَاءِ» فَقَدْ ذكرَهُ عَدَدٌ مِنْ عُلَماءِ الإسْلَامِ مِن القَرْنِ الرَّابِعِ ومَا بَعدَهُ، وَالأَحْسَنُ اجتِنَابُهُ.
وَقَدْ يُقَالُ باسْتِخْدَامِ هَذَا الْلَّقَبِ: «الزَّهْرَاءُ» مَا دَامَ أَنْ وُصِفَت أُختَاهَا: رُقَيَّةُ وَأُمُّ كُلْثُومٍ ابنَتَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِـ «النُّورَيْنِ» كَمَا فِي لَقَبِ عُثْمانَ بنِ عَفَّانَ رضي الله عنه، فَيُقَالُ كَذِلِكَ: فَاطِمَةُ؛ لِأنَّ الزَّهْرَاءَ وَالنُّورَ في مَعنَى واحِدٍ.
ويُؤيِّدُ ذلكَ أنْ ذَكَرَ لقَبَ «الزَّهْرَاءِ» كَثِيرٌ مِن عُلَماءِ الإسلَامِ.
وَلَا شَكَّ أنَّ قَوْلَ المرءِ: فَاطِمَةُ بِنْتُ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، أَجمَلُ وَأَفضَلُ مِن قَوْلِهِ: فَاطِمَةُ الزَّهْرَاء؛ لِنِسْبَتِهَا الشَّرِيفَةِ، ولِلْصَّلَاةِ عَلَى
…
النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وَآلِه، واللَّهُ أعلَمُ بالصَّوابِ.
12.
فَاطِمَةُ، هِيَ صُغْرَى بَنَاتِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وتَرتِيبُهُنَّ كمَا يَلِي: زينبُ، ثم رُقَيَّةُ، ثم أمُّ كُلْثُوم، ثم فَاطِمَةُ رضي الله عنهن.
13.
وُلِدَتْ في مَكَّةَ، قَبْلَ مَبعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخَمْسِ سِنِينَ، وعُمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَمْسٌ وثَلاثُونَ سَنَةً، ولا يُعْلَمُ الشَّهْرُ واليومُ الذِي وُلِدَتْ فيهِ.
14.
أمُّها: خَدِيجَةُ أوَّلُ مَنْ آمَنَ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم مُطْلَقَاً، وَمَعَهَا بَنَاتُهَا رضي الله عنهن.
15.
بَنَاتُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، يَكفِي لمعْرِفَتِهِنَّ نَسَبَاً وحَسَبَاً وعِلْمَاً وَأَخلَاقَاً وصَلَاحَاً وتَربِيَةً؛ أنْ يَكُنَّ بَناتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وكَفَى بِذَلِكَ رِفْعَةً ومَنْزِلَةً، ثم بنات خديجة رضي الله عنهن.
16.
كَانَتْ فاطِمَةُ رضي الله عنها تُشْبِهُ أبَاهَا صلى الله عليه وسلم فِي مِشْيَتِهِ وَهَدْيِهِ وَسَمْتِهِ.
17.
كَانَتْ رضي الله عنها قَوِيَّةَ النَّفْسِ، شُجَاعَةً لَا تَهَابُ في الحَقِّ.
18.
لمعرِفَةِ نَشَأَةِ فَاطِمَةَ مَعرِفَةً كامِلَةً، يَكفِي أنْ تَعلَمَ أنَّها نَشَأَتْ في بيتِ وَالدِهَا رسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، هَذَا يَكْفِي لِيَعْلَمَ المرءُ عِلْماً يَقِينَاً لا شَكَّ فِيه مَبْلَغَ العِلْمِ والهُدَى والعِبَادَةِ والتَّربِيَةِ والسَّكينة والخَيرَاتِ المتَعَدِّدَةِ التِي أكرَمَ اللَّهُ بها بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَوَاءً قَبْلَ زَوَاجِهِنَّ في مَكَّةَ، أو بَعْدَهُ فِي المدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ.
فإذَا أضَفْتَ إِلى ذَلِكَ أَنَّ أُمَّهُنَّ السيدَةُ التَّقِيَّةُ الصَّالِحَةُ الكَامِلَةُ العَاقِلَةُ الرَّزِيْنَةُ الكَرِيمَةُ: أمُّ المؤمِنِينَ خَدِيجَةُ رضي الله عنها كانَ هذَا خَيرَاً عَلَى خَيْرٍ عَظِيْمٍ.
19.
كانَتْ مُلازِمَةً لأبِيْهَا صلى الله عليه وسلم حتَّى وفَاتِهِ، خَاصَّةً مَعَ تَأخُّرِ زوَاجِهَا، وسَكَنِهَا بعدَ زواجِها بجِوارِه ـ بِجِوَارِ بَيْتِ عَائِشَةَ ـ، وَلها ذِكْرٌ في بَعضِ الأحدَاثِ: في مَكَّةَ، وفي غَزوَةِ أُحُد، وفِي عُمْرَةِ القَضَاءِ، وفَتْحِ مَكَّةَ، وحَجَّةِ الوَدَاعِ.
20.
كانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ عَلَيْهَا وعَلَى بَقِيَّةِ أولَادِهِ بِالنَّفَقَةِ والعِنَايَةِ والرِّعَايَةِ التامَّةِ، وكانَ عَادِلَاً بَلْ هُوَ إمَامُ العَادِلِينَ صلى الله عليه وسلم.
21.
مَعَ حُبِّهِ صلى الله عليه وسلم لِبَنَاتِهِ، لم يَكُنْ يُحَابِيْهِنَّ فِي دِيْنِ اللَّهِ، فَقَدْ قَالَ:«لَوْ أنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ محمَّدٍ سَرَقَتْ؛ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» . ومَعَ قُربِهِنَّ الشَّدِيْدَ لَهُ يَقُولُ كمَا فِي أوَّلِ الإسلَامِ في مَكَّةَ أمام قريش على الصَّفا: «يَا فَاطِمَةُ بِنْتُ محمَّدٍ، سَلِيْنِي مَاشِئِتِ مِنْ مَالِي، لَا أُغنِي عَنْكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئَاً» .
22.
عُمْرُهَا عندَ هِجْرَتِهَا نَحْوَ ثَمانِ عَشْرَةَ سَنَةً، بِنَاءً عَلَى الرَّاجِحِ في مَولِدِهَا: قَبْلَ النُّبُوَّةِ بِخَمْسِ سِنِيْنَ.
وَقَدْ هَاجَرَتْ فَاطِمَةُ وَأُمُّ كُلْثُومٍ، مَعَ زَيْدِ بنِ حَارِثَةَ، وزَوْجِهِ أمِّ أيمَنَ، وابنِهِ: أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ، وأُمِّ المؤمِنِينَ سَوْدَةَ، ومَعَهُمْ آلُ أبي بَكْرٍ رضي الله عنهم
…
ولَمْ يَتَعَرَّضْ لهُمْ أَحَدٌ.
وكانَ ذَلِكَ بَعدَ مَقدَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم المدِينَةَ بِنَحْوِ سَبْعَةِ أَشْهُر.
وأمَّا زَيْنَبُ بِنْتُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ حَبَسَهَا زَوْجُهَا أبُوالعَاصِ، ثُمَّ هَاجَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِلَّهِجْرَةِ، فنَخَسَهَا الحُوَيْرِثُ بنُ نُقَيذ، وهَبَّارُ بنُ الأسْوَدِ.
وقَدْ وَهِمَ ابنُ هِشَامٍ في «السِّيْرَةِ» فجَعْلَ النَّخْسَ عَلَى فَاطِمَةَ وأُمِّ كُلْثُومٍ، ولَمْ يتَعَقَّبْهُ شَارِحُهُ السُّهَيْلِيُّ.
وجَعَلَ الذِي خَرَجَ بِهِما العَبَّاسُ بنُ عَبْدِالمطَّلِبِ رضي الله عنهم.
وبيَّن هذا الوَهْمَ: التَّقِيُّ الفَاسِيُّ.
ومِن ذَلِكَ يُعْلَم خَطَأُ مَا أورَدَهُ عَدَدٌ مِن المتَرجِمِينَ لِفَاطِمَةَ مِن المعَاصِرِينَ، الذِينَ ذَكَرُوا هَذِهِ المسَأَلَةَ والحَادِثَةَ كما ذَكَرَهَا ابنُ هِشَام رحمه الله.
23.
لم يتَيَسَّرْ الزَّوَاجُ لِفَاطِمَةَ في مَكَّةَ، لِشِدَّةِ أذَى المشْرِكِيْنَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم والمؤمِنِينَ، وهِجرَةِ بَعْضِهِمْ لِلْحَبَشَةِ، وحِصَارِ بَنِي هَاشِمٍ فِي الشِّعْبِ مُدَّةَ ثَلاثِ سَنَوَاتٍ، ثُمَّ مَوْتِ خَدِيجَةَ رضي الله عنها؛ ولمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَقَدَّمَ لِخِطْبَتِهَا: أبو بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما؛ فاعتَذَرَ لهُمَا
…
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأنَّها صَغِيْرَةٌ أي: بِالنِّسْبَةِ لهُمَا، ثُمَّ خَطَبَهَا عَلِيٌّ، فاستَأذَنَهَا، فَقَبِلَتْ، ثُمَّ زوَّجَهَا ـ وكانَ عُمْرُهَا نَحْوَ عِشْرِينَ سَنَةً ـ.
وكَانَتْ الخِطْبَةُ في السَّنَةِ الأُولَى مِن الهِجْرَةِ، والبِنَاءُ بِهَا بَعْدَ غَزْوَةِ بَدْرٍ وقَبْلَ أُحُدٍ، أي في آخِرِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ أوْ أوَائِلِ السَّنَةِ الثَّالِثَةِ.
وقَدْ نبَّهَ عَدَدٌ مِن الحفَّاظِ كابنِ حِبَّانَ، وابنِ نَاصِر الدِّين الدِّمِشْقِيِّ، وابنِ كَثيرٍ إلى كَثْرَةِ المروِيَّاتِ المكذُوبَةِ فِي زَوَاجِ فَاطِمَةَ رضي الله عنها.
24.
كانَ مَهْرُهَا: (480 دِرْهَمَاً) أربَعَمِئَةٍ وثَمانِينَ دِرْهَمَاً، قُوَّتُهَا الشِّرَائِيَّةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ (48) شَاةً.
25.
كانَ جَهَازُهَا: خَمِيْلَاً، وهُوَ كِسَاءٌ فِيهِ لِينٌ. وَقِربَةً، وفي رِوَايَةٍ سِقَاءً. وَوِسَادَةً مِنْ جِلْدٍ حَشْوُهَا لِيْفُ الإذْخِرِ.
ورَحْيَيْن، تَثْنِيَةُ رَحَى، وهِي: التِي يُطحَنُ بِهَا. وجَرَّتَينِ وهُمَا إنَاءَانِ مِنْ فَخَّارٍ، ويُقَالُ أيضَاً: سَرِيْرَاً مُزَيَّنَاً بِحِبَالٍ مِن خُوصٍ أوْ لِيْفٍ. وإنَاءً مِنْ جِلْدٍ. وقِطْعَةً مِنْ أَقِطْ.
26.
يُروَى عِنْدَ البِنَاءِ بِهَا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَجَّ فِي مَاءٍ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى فَاطِمَةَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما، ودَعَا لهُمَا بِقَوْلِهِ:«اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيْهِمَا، وَبَارِكْ عَلَيْهِمَا، وَبَارِكْ لَهُمَا فِي نَسْلِهِمَا» .
27.
بَنَى بِهَا عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي مَنْزِلِهِ وَكَانَ بَعِيْدَاً عَن مَنْزِلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ حَوَّلهَا صلى الله عليه وسلم إلَى بَيْتٍ مُجَاوِرٍ لَهُ ـ لبيت عائشة رضي الله عنها ــ مِنْ الجَهَةِ الشَّمَالِيَّةِ، وَكَانَ البَيْتُ لِحَارِثَةَ بنِ النُّعْمَانَ رضي الله عنه.
28.
أوْلَمَ عَليٌّ رضي الله عنه فِي زَوَاجِهِ، وسَاعَدَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بآصُعٍ مِنْ تَمْرٍ وَشَعِيْرٍ، وكَذَا سَاعَدَهُ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم، فَقَدَّمَ سَعْدُ بنُ مُعَاذٍ كَبْشَاً، وقَدَّمَ الأنصَارُ آصُعَاً مِنْ ذُرَةٍ.
29.
الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم، بَلْ كُلُّ مُسْلِمٍ يَغْبِطُ أصْهَارَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِقُرْبِهِمْ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَاصَةً عَلِيَّاً لِزَوَاجِهِ بِأَفْضَلِ بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَبَقَاءِ نَسْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا، وَكَانَ عَلِيٌّ يَفْخَرُ بِهَذِهِ المصَاهَرَةِ، وَحُقَّ لَهُ.
30.
يَقَعُ بَيْنَ عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ رضي الله عنهما مَا يَقَعُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَرِيْبَاً مِنْهُمَا، زِيَارَةً وتَربِيَةً وَإصْلَاحَاً ونُصْحَاً.
31.
كَانَتْ فَاطِمَةُ خَيْرَ زَوْجٍ، صَبَرتْ وَصَابَرَتْ عَلَى شَظَفِ العَيْشِ، وخِدْمَتِهَا لِزَوْجِهَا وَصِبْيَانِهَا، وَفِي فَتَراتٍ لم يَكُنْ لهَا خَادِمٌ يَخْدِمُهَا، وَلَم يُقدِّمْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَاجَةِ المسْلِمِيْنَ حِيْنَمَا جَاءَهُ السَّبْيُ، وطَلَبَتْ مِنْهُ خادماً، فَأَرْشَدَهَا وَزَوْجَهَا إِلَى خَيْرِ مُعِيْنٍ لهُمَا، وَهُوَ الذِّكْرُ عِنْدَ النَّوْمِ مِنْ التَّسْبِيْحِ وَالتَّحْمِيْدِ وَالتَّكْبِيْرِ.
32.
أوْلَادُهَا: الحسَنُ، والحُسَينُ، وَمُحَسِّنٌ، وأُمُّ كُلْثُومٍ، وَزَيْنَبٌ رضي الله عنهم.
33.
وَلَدَتْ الحسَنَ: في النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ (3 هـ).
34.
وَوَلَدَتْ الحُسَينَ: لخَمْسِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ، سَنَةَ (4 هـ).
35.
وأمَّا أمُّ كُلْثُومٍ، فَلَمْ يُحدَّدْ بِالضَّبْطِ تَارِيخَ وِلَادَتِهَا، قَالَ ابنُ عبدِالبَرِّ: وُلِدَتْ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وقَالَ الذَّهَبِيُّ: (وُلِدَتْ فِي حُدُودِ سَنَةِ سِتٍّ مِنْ الهِجْرَةِ، وَرَأَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ تَرْوِ عَنْهُ شَيْئَاً)
وهِيَ التِي تَزَوَّجَهَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنهما.
36.
وَزَيْنَبٌ، كَذَلِكَ لَمْ يُحَدَّدْ تَارِيْخُ وِلَادَتِهَا، قَالَ ابنُ الأَثِيْرِ:(وُلِدَتْ فِي حَيَاتِهِ، وَلَمْ تَلِدْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وَفَاتِهِ شَيْئَاً).
وَقَدْ تَزَوَّجَهَا عَبْدُاللَّهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبِ بنِ عَبْدِالمطَّلِبِ.
37.
وَأمَّا مُحَسِّنٌ، فَقَدْ قَالَ يُونُسُ بنُ بُكَيْرٍ، سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إسحَاقٍ يَقُولُ: فَوَلَدَتْ فَاطِمَةُ لِعَليٍّ: حَسَنَاً وَحُسَيْنَاً وَمُحَسِّنَاً، فَذَهَبَ مُحَسِّنٌ صَغِيْرَاً، وَوَلَدَتْ لَهُ: أُمَّ كُلْثُومٍ وَزَيْنَب.
وَذَكَرَ ابنُ حَزْمٍ (ت 456 هـ) المحسِّنَ مِن أولَادِ عَلِيٍّ، قَالَ: وَلَا عَقِبَ لَهُ، مَاتَ صَغِيْرَاً جِدَّاً، إِثْرَ وِلَادَتِهِ.
38.
عَقَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الحَسَنِ وَالحُسَينِ، وكَانَ يُحِبُّهُمَا ويُلَاطِفُهُمَا.
39.
كَانَتْ فَاطِمَةُ تُلَاعِبُ صِبْيَانَهَا، مِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ أنَّهَا كَانَتْ تَنْقُزُ الحَسَنَ وَتَقُولُ:
«بِأَبِي شَبَهُ النَّبِيِّ * لَيْسَ شَبِيهَاً بِعَلِيٍّ» .
40.
لَمْ يَصِح أنَّها طَلَبَتْ مِن أَبِيْهَا أَنْ يُوَرِّثَ ابنَيْهَا الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ.
41.
عَقِبُ فَاطِمَةَ: انَحَصَرَ عَقِبُ فَاطِمَةَ رضي الله عنها فِي ذُرِّيَّةِ الحَسَنِ، والحُسَينِ، وَزَيْنَبَ مِنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ جَعْفَرِ بنِ أبي طَالِبٍ رضي الله عنهم.
وَهُمُ الآنَ عَدَدٌ غَفِيْرٌ، فِي: الحِجَازِ، وَنَجْدِ اليَمَامَةِ، وَجَازَانَ، وَاليَمَنِ، والشَّامِ، وَمِصْرَ، وَشَمَالَ أَفِريْقِيَا، وَغَيْرِهَا.
فَائِدَةٌ: الهَاشِمِيُّونَ الموْجُوْدُونَ الآنَ، هُمْ: الطَّالِبِيُّونَ، وَالعَبَّاسِيُّونَ، وهُمْ:
1 ـ آلُ عَلِيٍّ، وَجَعْفَرٍ، وَعَقِيْلٍ، أَبْنَاءَ أبي طَالِبٍ.
2 ـ آلُ العَبَّاسِ بنِ عَبْدِالمطَّلِبِ، رضي الله عنهم.
42.
ذُرِّيَّةُ زَيْنَبَ بِنْتِ عَلِيٍّ، ابَنَةِ فَاطِمَةَ = الزَّيْنَبِيُّونَ، مِنْ الأَشْرَافِ، مِنْ آلِ هَاشِمٍ = آلِ البَيْتِ بِإجمَاعِ العُلَمَاءِ، لَكِنَّهُمْ لَا يَنْتَسِبُونَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ أَوْلَادِ الحَسَنِ وَالحُسَينِ؛ لِأَنَّهُمْ أَوْلَادُ بِنْتِ البِنْتِ.
وَلِلْسِّيُوطِيِّ رِسَالَةٌ جَمِيْلَةٌ فِيْهَا جُمْلَةُ مَسَائِلَ عَنْ ذُرِّيَّةِ زَيْنَبَ.
43.
كَانَ يُطْلَقُ لَقَبُ «الأشراف» عَلَى آلِ البَيْتِ جَمِيْعَاً، سَوَاءً كَانَ حَسَنِيَّاً، أَوْ حُسَيْنِيَّاً، أَوْ زَيْنَبِيَّاً، أَوْ عَلَوِيَّاً، أَوْ جَعْفَرِيَّاً، أَوْ عَقِيْلِيَّاً، أَوْ عَبَّاسِيَّاً.
ثُمَّ قَصَرَهُ الحُكَّامُ العُبَيدِيُّونَ البَاطِنِيُّونَ ـ المنْتَسِبُونَ زُوْرَاً إلِى
…
الفَاطِمِيِّينَ ــ عَلَى ذُرِّيَةِ الحَسَنِ وَالحُسَينِ فَقَطْ لَا غَيْرَ.
وَذَكَرَ ابنُ تَيِمِيَّةَ، وَابْنُ حَجَرٍ: أنَّهُ لُقِّبَ بِالشَّرِيْفِ: كُلَّ عَبَّاسِيٍّ فِي بَغْدَادَ، وَكُلَّ عَلَوِيٍّ فِي مِصْرَ، وَالشَّامِ.
قَالَ ابنُ تَيِمِيَّةَ: (ولَفْظُ «الأَشْرَافِ» لَا يَتَعَلَّقُ بِه حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، وَإنِّمَا الحُكْمُ يَتَعَلَّقُ بِبَنِي هَاشِمٍ، كتَحْرِيْمِ الصَّدَقَةِ، وَأنَّهمْ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم،
وَغَيْرِ ذَلِكَ).
44.
إطلَاقُ لَقَبِ «الشَّرِيْفِ» و «السَّيِّدِ» عَلَى آلِ البَيْتِ، مَقْرُوْنَاً بِاسْمِهِمْ، لَمْ يَكُنْ مَعْرُوْفَاً فِي القُرُونِ المفَضَّلَةِ الأُوْلَى، لَا تَجِدُ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الأَسَانِيْدِ ـ وَهِيَ أَدَقُّ وَأَوْثَقُ ـ، وَكُتُبِ التَّراجِمِ، وَالتَّارِيْخِ.
وَقَدْ ظَهَرَ لَقَبُ الهَاشِمِيِّينَ بِالسَّيِّدِ وَالشَّرِيْفِ مَعَ الاسْمِ مِن القَرْنِ الرَّابِعِ ـ عَلَى قِلَّة ـ، ثُمَّ كَثُرَ فِي القَرْنِ الخَامِسِ الهِجْرِيِّ، وَمَا بَعْدَهُ.
45.
الأَفْضَلُ وَالأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ وَلَدُ فَاطِمَةَ لَقَبَهُ: الحسَنِيَّ أَوْ الحُسَينِيَّ الهَاشِمِيَّ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ ذِكْرِ:«السَّيِّدِ» وَ «الشَّرِيْفِ» قَبْلَ الاسْمِ أَوْ بَعْدَهُ، لِأُمُورِ ذَكَرْتُهَا فِي التَّمْهِيْدِ.
46.
كَرِهَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ أَنْ يُلقِّبَ الهَاشِمِيُّ نَفْسَهُ بِـ: الشَّرِيْفِ، وَالسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ فِيْهِ تَعْظِيْمَ نَفْسِهِ وَتَزْكِيَتَها.
قُلْتُ: وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مُصْطَلَحٌ تَعْرِيْفِيُّ لَا تَعْظِيْمَ فِيْهِ وَلَا تَزْكِيَةَ، بَلْ إِشَارَةٌ إِلَى النَّسَبِ لَا غَيْرَ.
وَلَقَبُ الشَّرَفِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الفِسْقِ.
47.
لَا فَرْقَ بَيْنَ لَقَبِ الشَّرِيْفِ وَالسَّيِّدِ، فَيُطْلَقَانِ فِي التَّارِيْخِ عُرْفَاً عَلَى ذُرِّيَّةِ الحَسَنِ، وُذُرِّيَّةِ الحُسَيْنِ، وَقَدْ فَرَّقَ بَعْضُ المتَأَخِّرِيْنَ فِي إِطْلَاقِ هَذَيْنِ الْلَّقَبَيْنِ، فَجَعَلُوا لَقَبَ «الشَّرِيْفِ» لِذُرِّيَّةِ الحَسَنِ، وَلَقَبَ «السَّيِّدِ» لِذُرِّيَّةِ الحُسَيْنِ.
وَهُوَ تَفْرِيْقٌ مُحْدَثٌ، بَلْ هُوَ بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ إِنْ كَانَ القَصْدُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ لَقَبٍ مَحْدُوْدَاً فِيْمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ لَا يَتَجَاوَزُهُ، فَلَا يُطْلَقُ الشَّرِيْفُ عَلَى ذُريَّةِ الحُسَيْنِ، وَلَا السَّيِّدُ عَلَى ذُرِّيَّةِ الحَسَنِ.
فَالعُلَمَاءُ السَّابِقُونَ مِنْ قُرُوْنٍ مُتَطَاوِلَةٍ يُطْلِقُوْنَ اللَّفْظَيْنِ عَلَى ذُرِّيَّةِ الاثْنَيْنِ: الحسَنِ وَالحُسَيْنِ دُوْنَ تَفْرِيْقٍ.
48.
مِن العُلَمَاءِ مَنْ يَرَى عَدَمَ جَوَازِ تَلْقِيْبِ غَيْر ذُرِّيَّةِ السِّبْطَيْنِ
…
بِـ «الأَشْرَافِ» ؛ لِجَرَيَانِ العُرْفِ بِذَلِكَ، وَلِعَدَمِ اخْتَلَاطِ الأَنْسَابِ، وَالاشْتِبَاهِ بَيْنَ النَّاسِ، وَيَرَى بَعْضُهُمْ تَأَدِيْبَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى جَوَازَ لَقَبِ الشَّرِيْفِ لِكُلِّ شَرِيْفٍ أَيَّاً كَانَ، وَكَذَا السَّيِّدِ لِمَنْ كَانَ سَيِّدَاً، وَلَا يَجُوزُ مَنْعُ إطْلَاقِهِمَا عَلَى غَيْرِ الهَاشِمِيِّيْنَ أَوْ ذُرِّيَّةِ السِّبْطَيْنِ. وَإنْ كَانَ الأَوْلَى عِنْدَ الإطْلَاقِ ـ فِي مَوَاطِنِ الاشْتِبَاهِ ـ التَّقْيِيْدُ حَتَّى لَا يَشْتَبِهَ بِذُرِّيَّةِ السِّبْطَيْنِ، وَهَذَا هُوَ الأَوْلَى؛ لِأَنَّ الأَنْسَابَ مَحْفُوْظَةٌ لَا تَتَأَثَّرُ بِلَقَبٍ
…
أَوْ لِبَاسٍ ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ـ.
49.
يَجُوزُ لمَوْلَى الهَاشِمِيِّيْنَ أَنْ يَنْتَسِبَ إِلَيْهِمْ، لَكِنْ يَجِبُ أَنْ يُصَرِّحَ بِأَنَّهُ مَوْلَاهُمْ، فَيَقُولُ: .... الحسَنِيُّ مَوْلَاهُمْ، أَوْ الحُسَينِيُّ مَوْلَاهُمْ، أَوْ الهَاشِمِيُّ مَوْلَاهُمْ، أَوْ العَبَّاسِيُّ مَوْلَاهُمْ، أَوْ العَقِيْلِيُّ مَوْلَاهُمْ، وَهَكَذَا كمَا هُوَ مُتَقَرِّرٌ فِي عِلْمِ النَّسَبِ، وَمَعْمُولٌ بِهِ فِي كُتُبِ التَّراجِمِ.
50.
مُيِّزَ الأَشْرَافُ مِنْ وَلَدِ فَاطِمَةَ، مِنْ ذُرِّيَّةِ الحسَنَيْنِ بِلِبَاسٍ:
…
شُطْفَةٌ = قِطعَةٌ خَضْرَاءُ عَلَى العِمَامَةِ، ثُمَّ تَوَسَّعَ بَعْضُهُمْ فَجَعَلَ العِمَامَةَ كُلَّهَا خَضْرَاءَ.
وَلَيْسَ لَها أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ الحَكِيْمِ، وَلَا فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِيْنَ وتَابِعِيْهِمْ.
أَصْلُهَا: أَنَّ الخَلِيْفَةَ المأَمُونَ: أبَا العَبَّاسِ، عبدَاللَّهِ بنَ هَارُونَ الرَّشِيْدِ بنِ مُحمَّدٍ المَهْدِيِّ بنِ أَبِي جَعْفَرِ المنْصُوْرِ العَبَّاسِيُّ (خِلَافَتُهُ مِنْ أَوَّلِ سَنَةِ 198 هـ إِلَى 218 هـ) بَايَع بِالعَهْدِ (سنة 201 هـ) لِـ: عَلِيِّ بنِ مُوسَى ـ الرِّضَى ـ بنِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ ـ الصَّادِقِ ـ بنِ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ (ت 203 هـ) رضي الله عنهم، وَنَوَّهَ بِذِكْرِهِ، وَنَبَذَ السَّوَادَ، وَاتَّخَذَ لهُمْ شِعَارَاً أَخْضَرَا؛ فَهَاجَتْ بَنُو العَبَّاسِ، وَخَلَعُوا المأَمُونَ، ثُمَّ بَايَعُوْا عَمَّهُ إبْرَاهِيْمَ بنَ المَهْدِيِّ .... ثُمَّ انْثَنَى عَزْمُهُ، وَرَدَّ الخِلَافَةَ إِلَى بَنِي العَبَّاسِ.
فَبَقِيَ الأَخْضَرُ شِعَارَ الأشْرَافِ مِنْ ذُرِّيَّةِ السِّبْطَيْنِ.
ثُمَّ اخْتَصَرُوا الثِّيَابَ إِلَى قِطْعَةِ ثَوْبِ خَضَرَاءَ = شُطْفَةٌ خَضْرَاءُ، تُوضَعُ عَلَى عَمَائِمِهِمْ؛ شِعَارَاً لهُمْ، ثُمَّ انْقَطَعَ ذَلِكَ إِلَى أَوَاخِرِ القَرْنِ الثَّامِنِ الهِجْرِيِّ.
ثُمَّ فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَسَبْعِيْنَ وَسَبْعِمِئَةٍ (773 هـ) أَمَرَ السُّلْطَانُ الأَشْرَفُ ــ الَّذِي أَجْمَعَ المؤَرِّخُونَ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ ــ: شَعْبَانُ بْنُ حُسَيْنِ بنِ النَّاصِرِ محَمَّدِ بنِ قَلَاوُونَ الصَّالِحِيِّ النَّجْمِيِّ، سُلْطَانُ الدِّيَارِ المصْرِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ
…
(ت 778 هـ) وَعُمرُهُ (24 سنة) أَمَرَ أَنْ يمتَازُوا عَلَى النَّاسِ بِعَصَائِبَ خُضْرٍ = عَلَامَةٍ خَضْرَاءَ = شُطْفَةِ أي قِطْعَةٍ خَضْرَاءَ عَلَى العَمَائِمِ
(1)
وَلَيْسَ عِمَامَةً خَضْرَاءَ، فَفُعِلَ ذِلكَ بِأَكثَرِ البِلادِ كَمِصْرَ، وَالشَّامِ، وَغَيْرِهِمَا.
وَالعُلَمَاءُ اختَلَفُوا بَعْدَ ذَلِكَ:
مِنْهُمْ مَنْ يَرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ غَيْرِ ذُرِّيَّةِ السِّبْطَيْنِ لُبْسُ العِمَامَةِ الخَضْرَاءَ أَوْ الشُّطْفَةِ الخَضْرَاءِ، المُخْتَصَّةِ عُرْفَاً بِذُرِّيَّةِ السِّبْطَيْنِ؛ لِئَلَّا يَحْصُلَ اخْتِلَاطٌ فِي الأَنْسَابِ، وَقَدْ يُسَبِّبُ ذَلِكَ اخْتِلَاطَاً وَإشْكَالَاً فِي الاسْتِفَادَةِ مِنْ الأَوْقَافِ المُخَصَّصَةِ لِلأَشْرَافِ مِنْ ذُرِّيَّةِ السِّبْطَيْنِ.
ذَكَرَ ذَلِكَ وَشَدَّدَ فِيهِ بَعْضُ المتَأَخِّرِيْنَ مِنْ المَالِكِيَّةِ، بَلْ رَأَوْا تَأَدِيْبَ مَنْ يَلْبَسُهَا مِنْ غَيْرِ ذُرِّيَّةِ السِّبْطَيْنِ.
وَيَبْدُو أَنَّهُ لَمْ يَسْتَمِرَّ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدُّسُوقِيَّ المَالِكِيَّ (ت 1230 هـ) يَرَى أَنَّهُ لَمْ تَعُدْ الشُّطْفَةُ الخَضْرَاءُ فِي زَمَانِهِ مُخْتَصَّةً بِالأَشْرَافِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ عَمَّتْ بِهْا البَلْوُى، وَلَبِسَهَا غَيْرُهُمْ، فَلَا تَأَدْيْبَ إِذَنْ.
وَمَعَ ذَلِكَ يَرَى أَنَّ الأَفْضَلَ عَدَمُ لُبْسِهَا لِغَيْرِ ذُرِّيَّةِ السِّبْطَيْنِ.
ومِنَ العُلَمَاءِ مَنْ يَرَى الجَوَازَ، وَأَنَّهُ لَا دَلِيْلَ عَلَى تَخْصِيْصِ اللِّبَاسِ
(1)
زَادَ المقرِيْزِيُّ فِي «السُّلُوكِ» : وَالعَلَامَةُ الخَضْرَاءُ ـ أَيْضَاً ـ فِي أُزُرِ النِّسَاءِ! ! قُلْتُ: وَلَمْ أَجِدْ هَذِهِ الإضَافَةَ عِنْدَ غَيْرِهِ.
الأَخْضَرِ، وَلَا عَلَى مَنْعِ غَيْرِهِمْ مِن لُبْسِهِ، وَأَنَّ الاخْتِلَاطَ وَالاشْتِبَاهَ مُتَوَهَّمٌ، لِأَنَّ الأَنْسَابَ مَحْفُوْظَةٌ مَضْبُوْطَةٌ لَا تَتَأَثَّرُ بِالْلِّبَاسِ.
فَيَجُوزُ أَنْ يُلَقَّبَ غَيرُ الهَاشِمِيِّيْنَ بِالأَشْرَافِ، وَأَنْ يَلْبَسُوْا العَمَائِمَ الخُضْرَ.
51.
نِكَاحُ الفَاطِمِيَّاتِ: يَجُوزُ لِكُلِّ عَرَبِيِّ كُفْؤٌ فِي النَّسَبِ أَنْ يَتَزَوَّجَ الفَاطِمِيَّاتِ = ذُرِّيَةِ الحَسَنِ أَوْ الحُسَيْنِ؛ وَلَا يَجُوزُ مَنْعُ تَزْوِيْجِ الفَاطِمِيَّاتَ إِلَّا مِنْ الفَاطِمِيِّينَ أَوْ الهَاشِمِيِّيْنَ، فَهَذِهِ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ، وَضَرَرٌ بَالِغٌ بِنَسَاءِ آلِ البَيْتِ، وَقَصْرُ الفَاطِمِيَّاتِ عَلَى الفَاطِمِيِّينَ قَوْلٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ الزَّيْدِيَّةِ، وَأَوَّلُ مَنْ قَالَ بِهِ: الحُسَينُ بنُ القَاسِمِ العِيَانِيُّ مِنْ عُلَمَاءِ الزَّيْدِيَّةِ (ت 404 هـ)، ولا يَعْرِفُ هَذَا القَوْلَ عُلَمَاءُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ.
52.
أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي مُسَارَّتِهِ لابنَتِهِ: بقُرْبِ أَجَلِهِ، وَأَنَّهَا أَوَّلُ مَنْ يَتْبَعُهُ مِنْ أَهْلِهِ.
53.
تَضَاعَفَ الحُزْنُ عَلَيْهَا بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيْهَا صلى الله عليه وسلم، وَبَقِيَتْ حَزِيْنَةً، وَمَرِضَتْ رضي الله عنها، فَشُغِلَ بِهَا عَليٌّ رضي الله عنه، فِي تَمْرِيْضِهَا، وَفِي تَسْلِيَتِهَا بَعْدَ مُصِيْبَتِهَا فِي فَقْدِ أَبِيْهَا نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ يُلَازِمُهَا، حَتَّى تُوُفِّيَتْ، وَكَانَتْ صَابِرَةً مُحْتَسِبَةً رضي الله عنها.
54.
وَصِيَّتُهَا: ذَكَرَ أَهْلُ التَّارِيْخِ الأَوَّلُونَ أَنَّهَا أَوْصَتْ عَلِيَّاً أَنْ يَتَزَوَّجَ بَعْدَهَا ابنَةَ أُخْتِهَا زَيْنَبَ: أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي العَاصِ رضي الله عنها.
وَأَوْصَتْ أَنْ تُدْفَنَ لَيْلَاً، قِيْلَ: حِرْصَاً مِنْهَا عَلَى السِّتْرِ.
وَرُوِيَ أَنَّهَا اغْتَسَلَتْ، وَلَبِسَتْ أَكْفَانَهَا، وَأَوْصَتْ أَلَّا تُغَسَّلُ. وهَذَا بَاطِلٌ لَايَصِحُّ.
وَرُوِيَ أَنَّها أَوْصَتْ عَلِيَّاً وَأَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ رضي الله عنهم أَنْ يُغَسِّلَاهَا. وَهَذَا ضَعِيْفٌ لَايَثْبُتُ.
وَثَمَّةَ وَصَايَا كَثِيرَةٌ، وَكُلُّ مَاقِيْلَ فِيْهَا وَفِي مَظْلَمَتِهَا كَذِبٌ وَزُوْرٌ مِنْ افْتِعَالِ الرَّافِضَةِ.
55.
وَفَاتُهَا: تُوُفِّيَتْ رضي الله عنها لَيْلَةَ الثَّلَاثَاءِ، لِثَلاثٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، سَنَةَ (11 هـ) بَعْدَ أَبِيْهَا بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، غَسَّلَهَا عَلِيٌّ، وَصَلَّى عَليْهَا مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ آلِهِ، وَدَفَنَهَا فِي البَقِيْعِ لَيْلَاً، وَلَمْ يُخْبِرْ بِذَلِكَ أَبَا بَكْرٍ وَالصَّحَابَةَ رضي الله عنهم.
وَكَانَ عُمُرُهَا نَحْوَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً، وَنِصْفَ السَّنَةِ تَقْرِيْبَاً.
56.
قِيْلَ: بِأَنَّها أَوَّلُ مَنْ غُطِّيَ نَعْشُهَا فِي الإسْلَامِ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ ذَكَرَتْ لهَا مَا رَأَتْهُ فِي الحَبَشَةِ مِنْ سِتْرِ المَرَأَةِ بِهَذَا النَّعْشِ، فَاسْتَحْسَنَتْهُ.
57.
مَوْضِعُ قَبْرِهَا: لَا إِشْكَالَ أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها دُفِنَتْ فِي المقْبَرَةِ فِي بَقِيْعِ الغَرْقَدِ؛ وَلَايَصِحُّ أَنَّهَا دُفِنَتْ فِي بَيْتِهَا، هَذَا هُوَ المعْتَمَدُ عِنْدَ المؤَرِّخِيْنَ، وَقَدْ رَدُّوْا عَلَى مَنْ ادَّعَى أَنَّ قَبْرَهَا فِي بَيْتِهَا، أَوْ أَمَامَ مُصَلَّى الإِمَامِ بِالرَّوْضَةِ الشَّرِيْفَةِ،
وَهِيَ أَقْوَالٌ وَاهِيَةٌ جِدَّاً.
وَأَيْضَاً لَا يَصِحُّ أَنَّ قَبْرَهَا أُخْفِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ ـ كَمَا تَدَّعِيْهِ الرَّافِضَةُ ـ.
وَلَا يَكَادُ يَعْلَمُ أَحَدٌ الآنَ ـ وَلَا قَبْلَ قُرُوْنٍ عَدِيْدَةٍ ـ قَبْرَاً مُعَيَّنَاً مِنْ القُبُورِ التِي ذُكِرَتْ فِي عَدَدٍ مِنْ النُّصُوصِ الأَثَرِيَّةِ ـ التِي ذَكَرْتُهَا فِي الدِّرَاسَةِ المَوْضُوْعِيَّةِ لِفَصْلِ: وَفَاتِهَا.
فَالقُبُورُ تَتَغَيَّرُ مَعَالِمَهَا، وَتَنْدَثِرُ تَمَامَاً مَعَ تَعَاقُبِ القُرُونِ، فَكَيْفَ بِتَعَاقُبِ قُرُونِ طَوِيْلَةٍ تَصِلُ إِلى خَمْسَةَ عَشَرَ قَرْنَاً، وَفِي التَّارِيْخِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَعَاقُبِ الدَّفْنِ فِي البَقِيْعِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ دُوْنَ مَعْرِفَةٍ بِالسَّابِقِ.
وَلِمْ يَكُنْ عَلى قَبْرِهَا وَلَا قَبْرِ أَحَدٍ مِنْ المسْلِمِيْنَ تَجْصِيْصٌ، وَلَا قُبَّةٌ، وَلَا بِنَاءٌ؛ لِنَهْي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، وَإنِّمَا حَدَثَ البِنَاءُ عَلَى القُبُورِ فِي مَكَّةَ وَالمَدِيْنَةَ، وَغَيْرِهَا، فِي زَمَنِ العُبَيْدِيِّيْنَ البَاطِنِيِّيْنَ فِي القَرْنِ الخَامِسِ الهِجْرِيِّ.
وَمِنْ مَحَاسِنِ الدَّوْلَةِ السُّعُودِيَّةِ السُّنِّيَّة السَّنِيَّةِ السَّلَفِيَّةِ المبَارَكَةِ
…
ـ حَفِظَهَا اللَّهُ وَحَمَاهَا وَجَزَاهَا خَيْرَاً كَثِيْرَاً ـ أَنَّهَا هَدَمَتْ القِبَابَ البِدْعِيَّةَ المبنِيَّةَ عَلَى القُبُورِ فِي مَكَّةَ وَالمَدِيْنَةَ، وَمِنْهَا: قُبَّةٌ عَظِيْمَةٌ جِدَّاً بُنِيَتْ فِي البَقِيْعِ عَلَى قُبُوْرٍ يُدَّعَى أَنَّهَا لِبَعْضِ آلِ البَيْتِ، وَمِنْهُمْ: فَاطِمَةُ رضي الله عنهم.
فَالحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّوْحِيْدِ، وَالسُّنَّةِ، وَالعَقْلِ الرَّشِيْدِ، وَالعَمَلِ السَّدِيْدِ.
58.
كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ أَوْلَادَهُ كُلَّهُمْ، وَكَانَ يَحْتَفِي كَثِيْرَاً بِفَاطِمَةَ رضي الله عنها بَعْدَ وَفَاةِ أَخَوَاتِهَا، وَتَفَرُّدِهَا، وَكَانَ يُكثِرُ مِنْ زِيَارَتِهَا فِي بَيْتِهَا، وَكَانَ يَغَارُ عَلَيْهَا، فَغَضِبَ لَهَا حَيْنَمَا عَلِمَ بِخِطْبَةِ عَليٍّ ابنةَ أَبِي جَهْلِ رضي الله عنهما.
59.
كَانَ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو لِآلِ بَيْتِهِ رضي الله عنهم.
60.
لِوَجَاهَتِهَا، وَقُرْبِهَا مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يُطْلَبُ مِنْهَا الشَّفَاعَةُ إِلَى أَبِيْهَا النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، من ذلك:
أـ لَمَّا حَصَلَ بَيْنَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا يَحْصُلُ بَيْنَ الأَزْوَاجِ، وَكُنَّ حِزْبَيْنِ كَمَا فِي «الصَحِيْحِ» أَرْسَلَ حِزْبُ أُمِّ سَلَمَةَ فَاطِمَةَ لِأَبِيْهَا صلى الله عليه وسلم يَنْشُدْنَ العَدْلَ فِي ابنَةِ أَبِي قُحَافَةَ، فَلَمْ يُجِبْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ابنَتَهُ، بَلْ حَثَّهَا عَلَى حُبِّ عَائِشَةَ.
وَكَانَتْ بَيْنَ عَائِشَةَ وَفَاطِمَة عَلَاقَةٌ حَمِيْمِيَّةٌ رضي الله عنهما.
ب ــ جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ رضي الله عنه ــ قَبْلَ إِسْلَامِهِ ـ إِلَى المَدِيْنَةِ، قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ، يُرِيْدُ العَفْوَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ نَقْضِ العَهْدِ، فَطَلَبَ مِنْ فَاطِمَةَ أَنْ تَشْفَعَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لِيُجَدِّدَ الهُدْنَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ
…
؛ وَلَمْ تَسْتَجِبْ فاطمة رضي الله عنها له.
61.
كَانَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها بَارَّةً بِأَبِيْهَا، تُنَاصِرُهُ فِي مَكَّةَ، وَتَذُبُّ عَنْهُ، وَتُعِيْنُهُ، وَتُدَاوِي جِرَاحَهُ كمَا فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَتَسْتُرُهُ عِنْدَ اغتِسَالِهِ فِي فَتْحِ مَكَّةَ، وَقَدْ حَفِظَتْ لِأَبِيْهَا السِّرَّ الَّذِي اسْتَوْدَعَهَ إيَّاهَا، فَلَمْ تُخْبِرْ بِهِ أَحَدَاً، مَعَ تَشَوُّفِ
نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَعْرِفَتِهِ، وُكُنَّ حَاضِرَاتِ كُلُّهُنَّ وَقْتَ الإِسْرَارِ، وَشَاهَدُوْا أَمْرَاً غَرِيْبَاً مِنْ بُكَائِهَا ثُمَّ ضَحِكِهَا فِي وَقْتٍ قَرِيْبٍ.
62.
لَمْ أَجِدْ أَحَدَاً مِنْ المُسْلِمِيْنَ مِنْ بِدْءِ الإسْلَامِ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، صَرَّحَ بِمَا يُخَالِفُ حُبَّهُ لِفَاطِمَةَ وَأَخَوَاتِهَا، فَالمسْلِمُونَ جَمِيْعَاً يُحِبُّوْنَهُنَّ، وُيُحِبُّوْنَ آلَ البَيْتِ مِنْ: أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَآلِ هَاشِمٍ، وَكَذَا يُحُبُّوْنَ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ رِجَالَاً وَنِسَاءً، حُبَّاً شَرْعِيَّاً يَتَقَرَّبُوْنَ بِهِ إِلَى اللَّهِ عز وجل، حُبَّاً لَا إِفْرَاطَ فِيْهِ وَلَا تَفْرِيْطَ.
وَأَمَّا فِرْقَةُ النَّوَاصِبِ أَعْدَاءِ آلِ البَيْتِ، فَهُمْ طَائِفَةٌ بَغِيْضَةٌ مُبْتَدِعَةٌ، ظَهَرَتْ فَتْرَةً قَلِيْلَةً مِنْ التَّارِيْخِ، ثُمَّ انْقَرَضُوْا مِنْ قُرُوْنٍ بَعِيْدَةٍ ـ وَلِلَّهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ ـ.
63.
لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْدٍ مُبَاشِرٍ لِفَاطِمَةَ رضي الله عنها إِلَّا مِنْ بَعْضِ المُسْتَشْرِقِيْنَ أَعْدَاءِ الإِسْلَامِ مِنْ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى.
مَعَ الانْتِبَاهِ إِلَى أَنَّ ثَمَّةَ غُلُوَّاً فَاحِشَاً تَضَمَّنَ نَقْدَاً وَاسْتِنْقَاصَاً لِفَاطِمَةَ رضي الله عنها ظَهَرَ مِنْ بَعْضِ مُدَّعِي مَحَبَّةَ آلِ البَيْتِ مِنْ الرَّافِضَةِ وَالإسْمَاعِيْلِيَّةِ.
64.
كَانَ الشَّيْخَانُ: أَبُوْ بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ رضي الله عنهم، والمسْلِمُونَ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ يُحِبُّوْنَ آلَ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَحَبَّةً شَرْعِيَّةً، وَيَعْرِفُونَ لهُمْ حُقُوْقَهُمْ، وَكَانَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَآلِ البَيْتِ أُلْفَةٌ وَحَمِيْمِيَّةٌ وَمُصَاهَرَةٌ، لَمْ يُنْكِرْهَا إِلَّا مُكَابِرٌ مُعَانِدٌ.
65.
لَمْ تَكُنْ تَعَلَمُ فَاطِمَةُ ـ كَمَا بَقِيَّةُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَدَا عَائِشَةَـ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَا يُوْرَثُ، فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَطْلُبُ مِيْرَاثَهَا مِنْ أَبِي بَكْرٍ، فَأَخْبَرَهَا بِالسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ، فَصَدَّقَتْ، وَلَمْ تُنَاقِشْهُ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ تَعُدْ تَطْلُبُ المِيْرَاثَ مِنْهُ مَرَّةً ثَانِيَةً.
66.
كَانَ الشَّيْخَانُ الخَلِيْفَتَانِ الرَّاشِدَانِ البَارَّانِ: أَبُوْ بَكْرٍ، وَعُمَرَ رضي الله عنهما يَعْتَنِيَانِ بِفَاطِمَةَ وَأَوْلَادِهَا غَايَةَ العِنَايَةِ، وَقَدْ طَلَبَتْ فَاطِمَةُ مِنْ أَبِي بَكْرٍ أَمْرَيْنِ: مِيرَاثَهَا، وَأَنْ يَتَوَلَّى زَوْجُهَا صَدَقَاتِ النِّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ أَخْبَرَهَا أَبُو بَكْرٍ بِالشَّرْعِ الوَارِدِ، وَأَنْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَا يُوْرَثُ، وَأَمَّا الصَّدَقَاتُ فَإنَّهُ يَتَوَلَّاهَا خَلِيْفَةُ الرَّسُوْلِ، وَيَعْمَلُ فِيْهَا كَمَا كَانَ يَعْمَلُ فِيْهَا الرَّسُوْلُ صلى الله عليه وسلم، وَخَيْرَاً فَعَلَ رضي الله عنه.
67.
لَمْ يَحْصُلْ لِفَاطِمَةَ مَا طَلَبَتْهُ، فَعَتَبَتْ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَهَجَرَتْهُ حَتَّى مَاتَتْ، كَمَا ذَكَرَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ رضي الله عنها وَهِيَ بِهَذَا أَعْلَمُ، وَحِدِيْثُهَا فِي الصَّحِيْحَيْنِ، لَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ مِنْ الأَئِمَةِ وَغَيْرِهِمْ صِحَّةَ مَا وَرَدَ فِيْهِ، إِلَّا بَعْضُ المعَاصِرِيْنَ الَّذِيْنَ طَعَنُوا فِي عَدَدٍ مِنْ الجُمَلِ الوَارِدَةِ، وَمِنْهَا: هَجْرُ فَاطِمَةَ
…
أَبَا بكر رضي الله عنهما، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ حُجَّةٌ فِيْمَا ذَهَبُوْا إِلَيْهِ مِنْ القَدْحِ فِي الحَدِيْثِ.
68.
لَمْ يَكُنْ لِفَاطِمَةَ وَلَا نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ المسْلِمَاتِ رَأَيٌ فِي خِلَافة أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَبَيْعَتِهِ، لِأَنَّ أَمْرَ الإِمَامَةِ وَعَقْدَهَا لِلرْجَالِ فَقَطْ بِاتِّفَاقِ العُلَمَاءِ، وَلَمْ يَظْهَرْ مِنْ فَاطِمَةَ أَيُّ خِلَافٍ أَوْ رَأَيٍ فِيْ ذَلِكَ.
69.
كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه يُقَدِّمُ آلَ البَيْتِ فِيْ العَطَاءِ، وَقَدْ أَظْهَرَ مَحَبَّتَهُ لِفَاطِمَةَ، وَبَيَّنَ مَكَانَتَهَا عِنْدَهُ، وَأَخْبَرَهَا بِخَطَأ اجْتِمَاعِ نَفَرٍ مِنْ الرِّجَالِ عِنْدَ زَوْجِهَا رضي الله عنه فِي الأَيَّامِ الأُوْلَى مِنْ البَيْعَةِ، وَالبَيْعَةُ قَدْ قَامَتْ لِأَبِي بَكْرٍ، فَأَمَرَهَا عُمَرُ بِعَدَمِ اجتَمَاعِهِمْ، وَهَدَّدَ الرِّجَالَ ــ وَلَيْسَ فَاطِمَةَ ــ إِنْ اجَتَمَعُوْا أَنْ يُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ، كُلُّ ذَلِكَ إتمَامَاً لِلْجَمَاعَةِ وَدَفْعَاً لِلْفُرْقَةِ وَالنِّزَاعِ، وَلِلْسِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَحْكَامٌ.
70.
مِنْ مَحَبَّةِ عُمَرَ لِفَاطِمَةَ: زَوَاجُهُ بِابْنَتِهَا أُمِّ كُلْثُومٍ رضي الله عنهم.
71.
رُوِيَ عَنْ فَاطِمَةَ رضي الله عنها ــ وَهِيَ الصَّالِحَةُ القَانِتَةُ ـ كَثِيرٌ مِنْ الأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، لَكِنْ لَمْ تَثْبُتْ مِنْ جِهَةِ إسْنَادِهَا.
72.
قِصَّةُ أَبِي لُبَابَةَ بنِ عَبْدِالمنْذِرِ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه وَرَبْطِهِ نَفْسَهُ فِي المسْجِدِ نَدَمَاً عَلَى خَطِيْئَتِهِ ــ إمَّا بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكٍ، وَإمَّا بَعْدَ قُرَيْظَةَ عَلَى اخْتَلافٍ فِي ذَلِكَ ــ، وَحَلَفَ أَنْ لَا يحِلَّ رِبَاطَهُ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَحَلَّهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم ــ كَذَا فِي أَغْلَبِ الأَسَانِيْدِ وَالرِّوَايَاتِ، وَهِيَ مِنْ رِوَايَاتِ السِّيَرِ وَالمغَازِيِّ ــ وَهَذَا القَوْلُ هُوَ المتَنَاقَلُ عِنْدَ المحَدِّثِيْنَ وَالمفَسِّرِيْنَ والمؤَرِّخِيْنَ.
وَفِي رِوَايَةٍ ضَعِيْفَةٍ جِدَّاً: أَنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها هِيَ الَّتِي حَلَّتْهُ وَفَكَّتْ رِبَاطَهُ، وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِثْرَ ذَلِكَ:«هِيَ بَضْعَةٌ مِنِّي» . فَبَرَّ أَبُو لُبَابَةَ بِيَمِيْنِهِ.
وَالصَّوَابُ والأشْهَرُ، هُوَ الأوَّلُ، وَلَا يَصِحُّ لِفَاطِمَةَ ذِكْرٌ فِي القِصَّةِ.
73.
أَدْخَلَ أَهْلُ البِدَعِ وَالضَلَالِ مَرْوِيَّاتٍ كَثِيْرَةً فِي فَضَائِلَ فَاطِمَةَ، لَكِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لهَا بِالمِرْصَادِ، فَنَخَلُوْهَا، وَبَيَّنُوْا زَيْفَهَا، وَهِيَ رضي الله عنها غَنِيَّةٌ عَنْ هَذِهِ المكْذُوْبَاتِ، مِنْ ذَلِكَ: أَنَّ مُنَادِيَاً يُنَادِيْ الخَلَائِقَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِقَوْلِهِ: غُضُّوْا أَبْصَارَكُمْ، لِأَنَّ فَاطِمَةَ سَتَمُرُّ عَلَى الصِّرَاطِ! ! وَمَرْوِيَّاتٍ أُخْرَى مِنْ جِنْسِ هَذَا الافْتِرَاءِ.
74.
خُصَّتْ بِمَنَاقِبَ، مِنْهَا: أَنَّهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَسَيِّدَةُ نِسَاءِ العَالَمِيْنَ، وَقَدْ بُشِّرَتْ بِالجَنَّةِ، وَكَذَا زَوْجُهَا، وَابْنَاهَا، وَأمُّهَا رضي الله عنهم.
75.
مِنْ خَصَائِصِهَا وَمَنَاقِبِهَا أَنَّ عَقِبَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْحَصَرَ فِي وَلَدِهَا، وَأَنَّ المهْدِيَّ المنْتَظَرَ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ مِنْ وَلَدِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ رضي الله عنهما، وَشَبَهُهَا بِأَبِيْهَا فِيْ حَدِيْثِهَا، وَمِشْيَتِهَا، وَصِدْقِ لَهْجَتِهَا، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
76.
أَمَّا عِلْمُهَا، فَلَا شَكَّ أَنَّهَا فِي الدَّرَجَةِ العَالِيَةِ مِنْ الْعِلْمِ، وَقَدْ حَفِظَتْ كَثِيْرَاً مِنْ أَقْوَالِ وَأَفْعَالِ وَهَدْي أَبِيْهَا صلى الله عليه وسلم مُنْذُ أَنْ عَقَلَتْ نَفْسَهَا إِلى وَفَاتِهِ صلى الله عليه وسلم، لَكِنَّهَا لَمْ تُحَدِّثْ بِهِ لِعَدَمِ احتِيَاجِ النَّاسِ إِلَيْهَا، فَبَيْتُهَا مُجَاوِرٌ لِأَبِيْهَا، وَالنَّاسُ يَسْأَلُونَ وَالِدَهَا صلى الله عليه وسلم وَيَرْوُوْنَ عَنْهُ، وَلَمْ تُفَارِقْ المَدِيْنَةَ النَّبَوِيَّةَ ـ إِلَّا مَعَ أَبِيْهَا ـ فَلَمْ يَحْتَجْ النَّاسُ لِسُؤَالِهَا وَحَدِيْثِهَا، وَلَمْ تَطُلْ مُدَّتُهَا بَعْدَ أَبِيْهَا فَقَدْ مَاتَتْ بَعْدَهُ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، وَرُبَّمَا لَوْ قُدِّر لَهَا الْعُمُرَ المَدِيْدَ، لَنَشَرَتْ عِلْمَاً غَزِيْرَاً كَمَا نَشَرْتْ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ، وَغَيْرَهَا، بَلْ أَكْثَرُ مِنْهُنَّ.
77.
لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ غَيْرُ فَاطِمَةَ.
وقد بلغت أحاديث مسندها (49) حديثا:
فِي الصَّحِيْحَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا: (3) أَحَادِيْثَ.
وَفِيْ السُّنَنِ الأَرْبَعِ: (4) أَحَادِيْثَ.
وَفِيْ مُسَنَدِ أَحْمَدَ: (4) أَحَادِيْثَ.
وَفِيْ بَقِيَّةِ كُتُبِ السُّنَّةِ: (35) حَدِيْثَاً.
وَفِيْ كُتُبِ التَّارِيْخِ: (1) حَدِيْثٌ وَاحِدٌ ــ وَهُوَ رَقْمُ (46) ــ.
وَمَالَمْ أَجِدْ لَهُ إِسْنَادَاً: (2) حَدِيْثَانِ ــ وهما رقم (47) و (48) ــ.
المجموع (49) حديثا:
الصَّحِيْحُ مِنْهَا: (3) أَحَادِيْثَ.
وَالحَسَنُ: (2) حَدِيْثَانِ، وَالثَّالِثُ مُحْتَمِلُ التَّحْسِيْنِ.
وَالضَّعِيْفُ: (17) حَدِيْثَاً، وَوَاحِدٌ مُحْتَمِلُ التَّحْسِيْنِ.
وَالضَّعِيْفُ جِدَّاً: (13) حَدِيْثَاً.
وَالمَوْضُوْعُ: (14) حَدِيْثَاً.
78.
الْكِتَابُ الَّذِيْ بَيْنَ يَدَيْكَ كِتَابٌ كَبيرٌ ـ وَلِلَّهِ الحَمْدُ وَالمنَّةُ ـ وسَأَطْبَعُ ــ بِإذْنِ اللَّهِ وَمَشِيْئَتِهِ ــ مُخْتَصَرَاً لَهُ بِعُنْوَان:
«المُخْتَصَرُ مِنْ أَخْبَارِ فَاطِمَةَ بِنْتِ سَيِّدِ البَشَرِ - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -» .
* * *