المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب صلاة العيدين) - فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ - جـ ٣

[محمد بن إبراهيم آل الشيخ]

الفصل: ‌(باب صلاة العيدين)

ومن تقرير لشيخنا على (كتاب الإيمان ص147) في وصف ابن تيمية لنفاق عبد الله بن أبي سلول.:

قال ابن تيمية: فإن ابن أبي كان مظهراً لطاعة النبي صلى الله عليه وسلم والإيمان به، وكان كل جمعة يقوم خطيباً في المسجد يأمر باتباع النبي صلى الله عليه وسلم.

قال شيخنا: هذا مما يستدل به على أنه لا بأس بالموعظة بعد الجمعة، ولعله لا في كل شيء، وكان الشيخ تقي الدين يحاضر بعد الجمعة في أشياء من بيان السنة، فلعله إذا كان لأشياء هامة لا بأس ولعله إذا كان من باب الوعظ لا ينبغي، إكتفاء بالخطبة.

(تقرير 79هـ)

(باب صلاة العيدين)

(الحكمة في شريعة العيدين)

" عيد الفطر " شكر لله وسرور وابتهاج بما من الله على العبد بتكميل رمضان. ومثله " عيد النحر " فإنه يوم سرور وأنس لكمال ماتعبد به في يوم عرفة وماحواليه من أيام الحج، وأيضاً مابعده من الأيام الثلاثة هي أيام أعياد تبعاً. (تقرير)

(812 ـ انقسام الأعياد إلى شرعية وبدعية)

" العيد ": منه مايكونواجباً اعتياد ذلك، ومنه مايكون منندوباً، ومنه ماهو بدعي ولا يجوز، لا يسوغ تعظيم شيء إلا ماعظم في الشريعة.

ص: 46

فالبدعي هو اتخاذ زمن عيداً لم يتخذه الشرع ولم يأذن فيه لمفهوم قوله " عيدُنا أهل الإسلام"(1) .

وفي الحديث الآخر " هل كان في ها عيدٌ من أعياد الجاهلية"(2) فأهل الجاهلية يعظمون أزمنة لمناسبات لها، ويعظمون أمكنة لمناسبات لهم، وكلها أو أكثرها أو الكثير منها على تخيل جهلي وخرافة، والخالي من الخرافة من الأمور الجاهلية.

وقد اتبع الجاهلية في تعظيم الأزمنة والأمكنة كثير من أمة الدعوة وهي من قبور، وفي الحديث:" لا تتخذوا قبري عيداً "(3) ومن تماثيل، ومن أزمنة، وقد يسمونها (الذكريات) جمع ذكرى، كل معظم يكون له ذكرى إما حولية أو مأوية أو ألفية، أو لأوقات جرى لمعظميهم فيها سرور من تولية رياسة، يجعلون ذلك اليوم عيداً، حتى يجعلون لبعض الأشياء التي ليست من الأناسي كما عند أهل مصر من ذلك ألوان، ومن ذلك (عيد النيل) وراثة منهم للصنيع الفرعوني من عيد النيل الذي جاء في الأثر أن عمراً كتب إلى عمر أنه كان لهم في النيل عادة وأنه يقف ولا يجرى حتى يجهزوا جارية حسناء بالحلي وغير ذلك ثم يلقونها فيه فيجري فكتب عمر كتاباً وأرسله إلى عمرو، ومضمونه، من عبد الله عمر، إلى نهر النيل، وبعد إن كنت تجري من عند نفسك فلا تجر، وإن كنت تجري بأمر الله

(1) ولفظه عند مسلم عن عائشة قال: " دخل عليّ أبو بكر وعندي جاريتان تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث قالت: وليستا بمغنيتين فقال أبو بكراً بمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في يوم عيد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ياأبا بكر ان لكل قوم عيد وهذاعيدنا، وأخرجه ابن ماجه في النكاح.

(2)

الحديث أخرجه أبو داود في كتاب الايمان.::::::

(3)

رواه في المختاره.::::::

ص: 47

فاجر، فجرى وانقطعت تلك العادة، لكن العيد لم ينقطع فكانوا يعملون جارية من جبس.

المقصود: أن الأعياد الزمانية السنوية ليس لأهل الإسلام إلا هي، وهي عيد الفطر والأضحى وأيام التشريق، ثم الأعياد المكانية مافيه إلا يوم عرفة والمشاعر، وماسوى ذلك فهو من أسباب الشرك ومحرم. (تقرير) .

(813 ـ حكم إقامة الموالد، وذكريات الأيام، والاحداث، والوقائع في الهجرة والفتح، وهل هي من علامة حب الرسول)

1 ـ السؤال الأول: مجمع الموالد والجلوس فيها ثم القيام فيها وإيقاد العود واللبان وفرش البساط وغير ذلك: هل هذا جائز، أو منهي عنه؟ وكذلك تعيين يوم معلوم لذلك؟ .

2 ـ السؤال الثاني: بعد الصلاة المكتوبة والإمام والمأمومين يصلون السنة والنوافل يرفع الإمام يديه ويدعو هو والمأمومين، ويؤمنون: هل هذا جائز، أو منهي عنه؟

3 ـ السؤال الثالث: بعد صلاة التراويح وبعدما يصلي الرجل ركعتين منها يرفع رجل منهم صوته ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرفع الباقون أصواتهم معه حتى يكونوا بصوت واحد: هل هذا جائز، أم لا؟

4 ـ السؤال الرابع: بعدما يتم العشرين من التراويح يجتمعوا على صوت واحد لإظهار شوكة الإسلام فيقولوا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، برفع الصوت حتى يكونوا كصوت واحد، هل هذا يجوز، أم لا؟ .

ص: 48

(هذه الأسئلة موجهة من الجمعية الإسلامية ببرمان بلدة ماندلي)

الجواب: الحمد لله، إقامة الموالد وذكريات الأيام والاحداث والوقائع مما شرعه النصارى واليهود، وقد نهينا عن أعياد أهل الكتاب والأعاجم، لما في ذلك من الإبتداع ومشابهة الكفار. وسائر ما استحدث من الأعياد والمواسم منكر مستكره، حتى وإن لم تكن فيه مشابهة لأهل الكتاب والأعاجم، لدخوله في مسمى البدع والمحدثات، حتى ولو كانت إقامتها لذكرى " مولد الرسول صلى الله عليه وسلم " ذلك لأن الأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ماشرعه الله تعالى.

والأصل إنما قام على اتخاذ دين لم يشرعه الله أو تحريم مالم يحرمه ومن هنا بنى الأئمة انقسام الأعمال إلى عبادات تتخذ ديناً وعادات ينتفع بها، والأصل في العبادات أن لا يشرع منها إلا ما شرعه الله، والأصل في العادات أن لا يحظر منها إلا ما حظره.

والمواسم المحدثة إنما استكرهت وأنكرت ونهى عنها لما يحدث فيها مما يتقرب به كدين، ولدخولها في مسمى البدع والمحدثات.

وقد روى مسلم في صحيحه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا خطب يقول: " أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة ".::::::

وروى مسلم كذلك في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد، وفي حديث صحيح من رواية أهل السنن أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ".

وكما أن هذه القاعدة مدلول السنة ومدلول الإجماع فهي كذلك

ص: 49

مدلول كتاب الله تعالى، قال تعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله)(1) فمن ندب إلى شيء يتقرب به أو أوجبه بقول أو فعل من غير أن يشرعه الله فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، ومن اتبعه في ذلك فقد اتخذه شريكاً لله فيما أوجبه عليه من طاعة، ومن أطاع أحداً في دين لم يأذن به الله من تحليل أو تحريم أو استحباب أو إيجاب فقد لحقه من الإثم ما يلحق الآمر الناهي، أخذاً من قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم) الآية (2) وقد أثر في تفسيرها أن عدي بن حاتم قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ما عبدوهم قال: " ما عبدوهم ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم ".

هذا والذهاب إلى انقسام البدع والمحدثات إلى حسن وقبيح أخذاً من قول عمر في صلاة التراويح: نعمت البدعة هذه.

واستدلالاً بما حدث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال مما استحسن ولم يستكره أخذاً من الأدلة الدالة عليه من الإجماع والقياس ـ الذهاب إلى ذلك مدفوع بإطلاق نص رسول الله صلى الله عليه وسلم " وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة".

فلا يحل لأحد أن يقيد إطلاق دلالة هذا النص، والمنازع في ذلك مراغم على أنه يقال: ما ثبت حسنه فليس من البدع، فيبقى العموم محفوظاً لا خصوص فيه، أو يقال: ما ثبت حسنه مخصوص من هذا العموم، فيبقى فيما عداه على عمومه، والمخصص إنما هو الدليل الشرعي من الكتاب والسنة والإجماع نصاً واستنباطاً، لا عادات

(1) سورة الشورى ـ 31

(2)

سورة التوبة ـ آية 21.::::::

ص: 50

بعض البلاد ولا الأقوال ولا الآراء مهما كثر أصحابها، فإن شيئاً من ذلك لا ينهض أبداً، ولا يصلح معارضاً لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم.

وعلى هذا فتخصيص يوم من الايام وتمييزه على غيره بشيء من الطاعات أمر توقيفي إنما يصار في معرفته إلى الشريعة المطهرة، ولم تخصص الشريعة يوماً من الأيام باتخاذه عيداً للإسلام سوى يومي العيدين عيد الفطر وعيد النحر وما يتبعه من أيام التشريق الثلاثة، وسوى العيد النسبي وهو يوم الجمعة، فإنه عيد الأسبوع فليس للمسلمين أن يتخذوا عيداً سواها.

على أن الوقائع المتعددة وأبرزها " الهجرة" و " الفتح " لم تتخذ أعياداً فاتخاذ الذكريات والموالد أعياداً حدث في الإسلام منكر مستكره لم يشرعه الله وليس من دين الحق في شيء، ولو كانت إقامتها خيراً محضاً أو راجحاً لسارع إليها السلف الصالح، فإنهم كانوا أحرص الناس على الخير أخذاً به وسبقاً إليه.

ولو كانت إقامة الموالد للنبي صلى الله عليه وسلم من أعلام حبه أو تعظيمه لأقاموها، فإنهم كانوا أعلم الناس بما يصلح له صلى الله عليه وسلم، ومن أشدهم تعظيماً له وحباً فيه، ولو كانت خيراً لسبقونا إليها، لكنه لم يؤثر شيء من ذلك أصلاً عن أحد من خلفائه أو صحابته أو أئمة آله المرضيين المهديين، وإنما الذي أثر عنهم هو ما عرفوه من الحق من محبته وتعظيمه وهو متابعته وطاعته وإحياء سنته ونشر ما بعث به، وهذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.::::::

(ص ـ ف ـ 178 في 11/4/1375هـ)(1)

(1) جواب السؤال الثالث والرابع تقدماً في صلاة التطوع.::::::

ص: 51

(814 ـ انكار ما في مفكرة الرابطة من أعياد أهل الضلال)

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

اطلعت على مفكرة عام 1389هـ التي تهديها الرابطة لبعض الشخصيات، ووجدنا في الورقة الرابعة منها ما عنوانه (الأعياد الدينية) وعدد فيها عشرة أعياد، والحقيقة أن هذا شيء مؤسف جداً كيف وصلت الحال إلى هذه الغاية، فإن أعياد الإسلام هي عيد الفطر وعيد الأضحى فقط، هذه أعياده السنوية، وما عداها مما ذكر في الورقة فهو من أعياد أهل الضلال والإبتداع وشرع دين لم يأذن به الله:[أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله] ولانقر صدور هذا وأمثاله عن الرابطة، ونبرؤ إلى الله من ذلك. وإنا لمنتظرون ما تعملونه تجاه هذه الدسية الشيطانية. والسلام عليكم ورحمة الله.

(ص ـ م ـ 195 في 13/8/1389هـ)

(815 ـ حكم نشر ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فقد طالعنا مجلة رابطة العالم الإسلامي العدد الأول الصادر في ربيع الأول قام 1383هـ فوجدنا فيها في الصحيفة السادسة

ص: 52

والسابعة كلمة بعنوان " مولد محمد صلى الله عليه وسلم " إعداد هيئة التحرير، كما وجدنا في الصحيفة الثامنة عشرة قصيدة قيل إنها للشاعر جورج نقولا عطية في ذكرى مولد النبي صلى الله عليه وسلم، وأنت تعرف أن ذكرى المولد شيء محدث في الدين، ولا أصل له في صدر هذه الأمة أبداً، وأن تعظيم وقت من الأوقات على سواه وتمييزه على ما عداه كتخصيص مكان على خلافه من الأمكنة من غير تخصيص شرعي لذلك الزمان أو المكان باطل، والتخصيص المذكور يدخل في التعبد، والعبادات مبناها على الأمر، وتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم هو بالإيمان به، واتباعه، ومحبته، وتقديم محبته على النفس والأهل والمال والولد والناس أجمعين، إننا إن عظمنا يوماً من الأيام لم يجيء عن المعصوم صلى الله عليه وسلم تعظيمه أو مكاناً لم يثبت في الشرع المطهر تعظيمه نكون قد قدمنا بين يدي الله ورسوله، ودخلنا في عموم من ذمهم الله عز وجل بقوله:[أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله] وأعياد المسلمين ما جعله الشرع للمسلمين عيداً كعيد الفطر وعيد الأضحى ويوم عرفة وأيام التشريق وكيوم الجمعة فإنه عيد الأسبوع، كما أن أعيادهم المكانية هي التي جعلها الله لهم عيداً وهي مكة شرفها الله والمشاعر.::::::::::::

هذا وإن هذا الاقدام على إثبات ذلك ونشره في مجلة الرابطة من غير إذن من رئيس المجلس التأسيسي افتيات عليه، وربما نكتب رسالة حول هذا الصدد نبين فيها بالبرهان الشرعي صحة ما أبديته في هذه الأسطر، ولديكم كتاب إقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم، لشيخ الإسلام ابن تيمية فإنه ذكر حول ما نحن

ص: 53

بصدده ما يكفي ويشفي، وكذلك غيره من كتب السلف التي اعتمد مؤلفوها بيان حقيقة ما بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، والسلام عليكم (ص ـ م)

(16 ـ حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم وقولهم ان الرسول يحضره، وهل يجوز حضور هذه الموالد، والانفاق عليها)

من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الرحمن بلوشي

سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فقد جرى اطلاعنا على استفتائك الموجه إلينا بخصوص مجموعة مسائل.

" إحداها ": سؤالك عن حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وهل فعله أحد من أصحابه أو التابعين وغيرهم من السلف الصالح؟

الجواب: لاشك أن الإحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم من البدع المحدثة في الدين، بعد أن انتشر الجهل في العالم الإسلامي وصار للتضليل والإضلال والوهم والإيهام مجال، عميت فيه البصائر وقوي فيه سلطان التقليد الأعمى، وأصبح الناس في الغالب لا يرجعون إلى ما قام الدليل على مشروعيته، وإنما يرجعون إلى ما قاله فلان وارتضاه علان، فلم يكن لهذه البدعة المنكرة أثر يذكر لدى أصحاب رسول الله ولا لدى التابعين وتابعيهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " وقال أيضاً " من

ص: 54

أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " (1) وفي رواية: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" (2) .

واذا كان مقصدهم من الاحتفال بالمولد النبوي تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وإحياء ذكره فلاشك أن تعزيره وتوقيره يحصل بغير هذه الموالد المنكرة وما يصاحبها من مفاسد وفواحش ومنكرات، قال الله تعالى:[ورفعنا لك ذكرك](3) فذكره مرفوع في الأذان والإقامة والخطب، والصلوات، وفي التشهد، والصلاة عليه في الدعاء وعند ذكره، فلقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" البخيل من ذكرت عنده فلم يصل عليّ"(4) .

وتعظيمه يحصل بطاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجر، وألا يعبد الله إلا بما شرع، فهو أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط، ولو كانت هذه الاحتفالات خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف الصالح رضي الله عنهم أحق بها منا، فإنهم كانوا أشد منا محبة وتعظيماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم على الخير أحرص، ولكن قد لا يتجاوز أمر أصحاب هذه الموالد ما ذكره بعض أهل العلم: من أن الناس إذا اعترتهم عوامل الضعف والتخاذل والوهن راحوا يعظمون أئمتهم بالاحتفالات الدورية دون ترسم مسالكهم المستقيمة، لأن تعظيمهم هذا لا مشقة فيه على النفس الضعيفة.

ولاشك أن التعظيم الحقيقي هو طاعة المعظم والنصح له والقيام بالأعمار التي يقوم بها أمره ويعتز بها دينه: إن كان رسولاً، وملكاً إن كان ملكاً، وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيماً للنبي

(1) رواه البخاري ومسلم.

(2)

رواه مسلم.::::::::::::

(3)

سورة الم نشرح ـ 4.

(4)

أخرجه الترمذي في الدعوات وأخرجه الأمام أيضاً.::::::

ص: 55

صلى الله عليه وسلم ثم للخلفاء الراشدين من بعده، وناهيك ببذل أموالهم وأنفسهم في هذا السبيل، إلا أن تعظيمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين لم يكن كتعظيم أهل هذه القرون المتأخرة ممن ضاعت منهم طريقة السلف الصالح في الإهتداء والإقتداء وسلكوا طريق الغواية والضلال في مظاهر التعظيم الأجوف، ولا ريب أن الرسول صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بكل تعظيم يناسبهم إلا أنه ليس من تعظيمه أن نبتدع في دينه بزيادة أو نقص أو تبديل أو تغيير لأجل تعظيمه به.

كما أنه ليس من تعظيمه عليه الصلاة والسلام أن نصرف له شيئاً مما لا يصلح لغير الله من أنواع التعظيم والعبادة. وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين، فقد كان جل ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية، وما زالوا يبتدعون بقصد التعظيم وحسن النية حتى صارت أديانهم غير ما جاءت به رسلهم، ولو تساهل سلفنا الصالح كما تساهلوا وكما تساهل الخلف لضاع أصل ديننا أيضاً، ولكن السلف الصلاح حفظوا لنا الأصل فالواجب علينا أن نرجع إليه ونعض عليه بالنواجذ.

والخلاصة أن الاحتفال بالموالد من البدع المنكرة وقد كتبنا فيها رسالة مستقلة فيها مزيد تفصيل نزودكم بصورة منها (1) للانتفاع والله ولي التوفيق.

" الثانية" ذكرك عما يقوله بعض الجهال والمضللين: من أن الرسول عليه الصلاة والسلام يحضر الاحتفالات بمولده، وهذا من أبطل الباطل ومما لا يتسع له عقل عاقل.

(1) وهي التي بعد هذه الفتوى.::::::

ص: 56

" الثالثة " سؤالك عن حكم هذه الموالد، وهل يجوز الاشتراك فيها والإنفاق عليها ، وقد مر الجواب عن حكم هذه الموالد في معرض جوابنا عن المسألة الأولى، أما الاشتراك فيها بالحضور والإنفاق عليها ونحوها فقد سبق لنا القول بأنها بدعة، وأن كل بدعة ضلالة فحضورها ضلال، والإنفاق عليها أو المشاركة في الإنفاق عليها مشاركة في الضلال والإضلال، وإشاعة الفحشاء والمنكر.

(ص ـ ف ـ 2110 ـ 1 في 21/7/188هـ)(1)

(701 ـ واذا اجتمع مع الاحتفال بمولده غناء ورقص ومردان واختلاط ونحو ذلك)

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم إبراهيم بن محمد بن حمد

سلمه الله.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فقد وصل إلينا كتابك الذي تستفى به عن المسائل الآتية.

" المسألة الأولى": عن حكم الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، وهجرته، وغير ذلك مما ذكرتم في كتابكم.

والجواب: الحمد لله ـ لم يكن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم مشروعاً ولا معروفاً لدى السلف الصالح رضوان الله عليهم، ولم يفعلوه مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه، ولو كان خيراً لسبقونا إليه، فهم أحق بالخير وأشد محبة للرسول صلى الله عليه وسلم وأبلغ تعظيماً له، وهم الذين هاجروا معه وتركوا أوطانهم وأموالهم

(1) وتقدم السؤال الرابع في رفع اليدين في الصلاة في الجزء الثاني والخامس عن اعتقاد أكثر الناس أن الرسول صلى الله عليه وسلم نور من الله وجزء منه وليس بشراً في الرد على أهل الوحدة، والسادس في الذبح والنذر لغير الله، وكلاهما في الجزء الأول، والسادس في حكم الطعام للميت ويأتي الجنائز.::::::

ص: 57

وأهليهم، وجاهدوا معه حتى قتلوا دونه، وفدوه بأنفسهم وأموالهم رضي الله عنهم وأرضاهم، فلما كان غير معروف لدى السلف الصالح ولم يفعلوه وهم القرون المفضلة دل على أنه بدعة محدثة، وقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:" أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة " وروى أصحاب السنن عن العرباض ابن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة " قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلية وهي قوله: " كل بدعة ضلالة" بسلب عمومها، وأن يقال ليست كل بدعة ضلالة فإن هذا إلى مشاقة الرسول أقرب منه إلى التأويل، وقال: إن قصد التعميم المحيط ظاهر من نص الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة الجامعة فلا يعدل عن مقصوده.::::::

وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " متفق عليه وفي رواية لمسلم: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " تعرف بذلك أن هذا العمل لما كان مخالفاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو مردود على صاحبه، لأنه محدث لم يكن عليه عمل الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين وأصحابه السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم.

ص: 58

إذا عرف هذا فالاحتفال بالمولد بدعة محدث مردود على فاعله، وهو يختلف بحسب على فاعله، وهو يختلف بحسب ما يعمل فيه من البدع والمحرمات، فإن خلا من المحرمات عموماً واقتصر فيه على عمل الدعوة من طعام وشراب وطيب ولم يحضره مردان ولا اختلط الرجال بالنسوان واعتقد فاعله أن هذامن الدين الذي يتقرب به إلى رب العالمين فهذا بدعة محدث مردود على فاعله.

وإن انضم إلى ذلك مايفعله كثير ممن يقيمون الاحتفالات بالموالد من استعمال الأغاني وآلات الطرب وقلة احترام كتاب الله تعالى، فإنهم يجمعون في هذه الاحتفالات بينه وبين والأغاني ويبدؤن به وقصدهم الأغاني، ولذلك ترى بعض السامعين إذا طول القارئ القراءة يملون ويتثاقلون منه لكونه طول عليهم.

وكذلك الافتتان بالمردان فإن الذي يغني في الاحتفالات ربما يكون شاباً لطيف الصورة حسن الهيئة فتجدهم يتثنون ويتكسرون في مشيتهم وحركاتهم ويرقصون ويتعانقون فتأخذهم أحوال النفوس الرديئة ويتمكن منهم الشيطان وتقوى فيهم النفس الأمارة بالسوء والعياذ بالله من ذلك.

وكذلك ما يحضره من النساء وافتتان الرجال بهن، وتطلعهم إليهن، وسماع أصواتهن، وتصفيقهن، وغير ذلك مما يكون سبباً لوقوع مفاسد عظيمة، إلى غير ذلك من الفتن والمفاسد التي لا تخفى على من عرف أحوالهم.::::::

وهذه البدعة أول من أحدثها أبو سعيد كوكابوري بن أبي الحسن علي بن باتكين في القرن السادس الهجري، ولم يزل العلماء المحققون

ص: 59

ينهون عنها، وينكرون مايقع فيها من البدع والمحرمات منذ حدثت حتى الآن، وإليك بعض ما قالوا:

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلكواتخاذه عبادة فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات واتخاذه عبادة فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولا يستحب ذلك إلا لجاهل أو زنديق.

وقال العلامة تاج الدين علي بن عمر اللخمي الكندري المشهور بالفاكهاني في رسالته في المولد المسماة " بالمورد، في الكلام على المولد " قال في النوع الخالي من المحرمات: لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولم ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها البطالون، وشهوة اعتنى بها الأكالون، بدليل أنا إذا أدرنا عليها الأحكام الخمسة: إما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً، أو مكروهاً، أو محرماً، فليس بواجب إجماعاً، ولا مندوباً، لأن حقيقة المندوب ماطلبه الشرع من غير ذم على تركه وهذا لم يأذن فيه الشرع ولا فعله الصحابة ولا التابعون ولا العلماء المتدينون فيما علمت وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سئلت ، ولا جائز أن يكون مباحاً بإجماع المسلمين، فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً أو محرماً.::::::

ثم صور الفاكهاني نوع المولد الذي تكلم فيه بما ذكرناه: بأن يعمل رجل من عين ماله لأله وأصحابه وعياله، ولا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام، ولا يقترفون شيئاً من الآثام وقال: فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروه وشناعة، إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة الذين هم فقهاء الإسلام، وعلماء الأنام

ص: 60

إلى أن قال الفاكهاني في " النوع الثاني " من المولد: وهو أن تدخله الجناية، وتقوى به العناية، لا سيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء مع البطون الملئى بآلات الباطل من الدفوف والشابابات، واجتماع الرجال مع الشبان المرد والنساء الفاتنات، إما مختلطات بهم أو مشرفات، ويرقصن بالتثني والانعطاف والإستغراق في اللهو.

وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذو المروءة من الفتيان، وإنما يحلو لنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب، وأزيدك أنهم يرونه من العبادات، لا من الأمور والمنكرات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وقال ابن الحاج في " المدخل ": إن نية المولد بدعة، ولو كان الاشتغال في ذلك اليوم بقراءة صحيح البخاري.

وقال ابن حجر الهيثمي في " الفتاوى الحديثة": إن الموالد التي تفعل عندهم في زمنه أكثرها مشتمل على شرور، ولو لم يكن منها إلا رؤية النساء الرجال الأجانب لكفى ذلك في المنع، وذكر إنما يوجد في تلك الموالد من الخير لا يبررها مادامت كذلك القاعدة المشهورة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.

وأما كونهم يرون أن من لم يفعل هذا فهو مقصر بحقوق النبي صلى الله عليه وسلم ومتنقص له.::::::

فجوابه: وأي تعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم في هذه الاحتفالات التي وصفها العلماء بما تمجه الأسماع، وتنفر منه سليمة الطباع، أليس المرجع في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره إلى ما يفعله به أصحابه وأهل بيته، وما فعله التابعون وتابعوهم بإحسان المشهود لهم بالخير، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم " كلّ بدعة

ص: 61

ضلالة " وقوله " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وعن حذيفة رضي الله عنه: كل عبادة لم يتعبدها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها، فإن الأول لم يترك للآخر مقالاً.

وأيضاً فأكثر ما يقصد من تلك الاحتفالات التي تقام للرؤساء ونحوهم إنما هو الذكرى وبقاء أسمائهم، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أُعطى من ذلك ما لم يعطه أحد غيره، فقد رفع الله له ذكره دائماً قال تعالى:[ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذين أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك] فذكره صلى الله عليه وسلم مرفوع ومقرون بذكر ربه كما في الأذان والإقامة وخطبة الجمعة وغيرها.

وفي الصلوات، وفي التشهد، وغيرها، فهو صلى الله عليه وسلم أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط.

وقال السيد محمد رشيد رضى في كتابه " ذكرى المولد النبوي": إن من طباع البشر أن يبالغوا في مظاهر أئمة الدين والدنيا في طور ضعفهم في أمر الدين والدنيا، لأن هذا التعظيم لا مشقة فيه على النفس، فيعملونه بدلاً مما يجب عليهم من الأعمال الشاقة التي يقوى بها أمر المعظم ويعتز بها دينه.::::::

وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم، وناهيك ببذل أموالهم وأنفسهم في هذا السبيل، ولكنهم دون أهل هذه القرون التي ضاع فيها الدين في مظاهر التعظيم اللساني، ولاشك أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بكل تعظيم، وليس من تعظيمه أن يبتدع في دينه شيء نعظمه به وإن كان بحسن نية، فقد كان جل ما أحدث أهل الممل قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية، ومازالوا يبتدعون بقصد التعظيم وحسن النية حتى صارت أديانهم

ص: 62

غير ما جاءت به رسلهم، ولو تساهل سلفنا الصالح كما تساهلوا وكما تساهل الخلف الذين اتبعوا سننهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع لضاع أصل ديننا أيضاً، ولكن السلف الصالح حفظوا لنا الأصل، فعلينا أن نرجع إليه ونعض عليه بالنواجذ. انتهى.

وفيما ذكرنا كفاية لإيضاح حكم الاحتفالات بالموالد، وبيان مايفعل فيها من البدع والمفاسد.

(ص ـ ف ـ 1234 في 21/6/1389هـ)(1)

(818 ـ انكار الاحتفال بالمولد النبوي أو رد شبه الشنقيطي في تجويزه)

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أما بعد:

فإن مما أحدث بعد القرون المشهود لها بالخير " بدعة الاحتفال بالمولد النبوي ".

وقد تجاهل محمد مصطفى الشنقيطي ذلك، حيث برر هذه البدعة في مقالته المنشورة في جريدة الندوة عدد 1111 الصادر في 7/4/1383هـ بأمور:

أحدها: دعوى تلقي الأمم الإسلامية هذا الاحتفال بالقبول منذ مئات السنين.

الثاني: تقسيم العز بن عبد السلام البدعة إلى أحكام الشريعة الخمسة.

الثالث: قول عمر بن الخطاب في قضية التراويح: " نعمت البدعة"

(1) المسألة الثانية في رجل اضطر للاقتراض من البنك. والمسألة الثالثة في حكم سفور المرأة وخروجها بين الرجال الأجانب، وتأتي في أول النكاح.

هذه الرسالة الثانية من ضمن " ثلاث رسائل " لسماحة مفتي الديار السعودية، نشرتها دار الافتاء عام 84هـ.::::::

ص: 63

الرابع: قول عمر بن عبد العزيز: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.

الخامس: دعوى الكاتب في إقامة الاحتفال بالمولد صون عرض المملكة الغربية السعودية عن أن تنسب إلى تنقص النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يذاع عنها تنقصه وإحراق كتب الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.

فلهذا وجب نقض هذه الشبه التي أتى بها هذا الشخص أولاً، وبيان حكم المولد، ثانياً فمنقول، وبالله التوفيق:

أما دعوى الشنقيطي أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي وإن كان بدعة فقد تلقته الأمة بالقبول، فمن أقوى الأدلة على جهالته لأمور:

" أحدها ": أن الأمة معصومة من الاجتماع على ضلالة، والبدعة في الدين بنص الأحاديث النبوية ضلالة، فمقتضى كلام الشنقيطي أن الأمة اجتمعت في قضية الاحتفال بالمولد على ضلالة.

" الثاني " أن الاحتجاج على تحسين البدع بهذه الدعوى ليس بشيء في أمر تركته القرون الثلاثة المقتدى بهم كما بينه الشاطبي في " الاعتصام" نقلاً عن بعض مشايخه، ثم قال: ولما كانت البدع والمخالفات وتواطأ الناس عليها صار الجاهل يقول لو كان هذا منكراً لما فعله الناس، ثم قال: ما أشبه هذه المسألة بما حكي عن أبي علي ابن شاذان بسند يرفعه إلى أبي عبد الله بن إسحاق الجعفري، قال: كان عبد الله بن الحسن ـ يعني ابن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم يكثر الجلوس إلى ربيعة، فتذاكروا يوماً، فقال رجل كان في المجلس: ليس العمل

ص: 64

على هذا فقال عبد الله: أرأيت إن كثر الجهال حتى يكونوا هم الحكام فهم الحجة على السنة، فقال ربيعة: أشهد أن هذا كلام أبناء الأنبياء.::::::

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " إقتضاء الصراط المستقيم، مخالفة أصحاب الجحيم ": من اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليها بناءاً على أن الأمة أقرتها ولم تنكرها فهو مطئ في هذا الاعتقاد، فإنه لم يزل ولا يزال في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المستحدثة المخالفة للسنة.

قال: ولا يجوز دعوى إجماع بعمل بلد أو بلاد من بلدان المسلمين فكيف بعمل طوائف منهم.

قال: وإذا كان أكثر أهل العلم لم يعتمدوا على عمل علماء أهل المدينة وإجماعهم في عصر مالك بل رأوا السنة حجة عليهم كما هي حجة على غيرهم مع ما أتوه من العلم والإيمان فكيف يعتمد المؤمن العالم على عادات أكثر من اعتادها عامة أومن قيدته العامة، أو قوم مترئسون بالجهالة لم يرسخوا في العلم، ولا يعدون من أولي الأمر ولا يصلحون للشورى، ولعلهم لم يتم إيمانهم بالله وبرسوله، أو قد دخل معهم فيها بحكم العادة قوم من أهل الفضل عن غير روية أو لشبهة أحسن أحوالهم فيها أن يكونوا فيها منزلة المجتهدين ثم ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الاحتجاج بمثل هذه الحجة ـ وهي دعوى الاجماع على العادات المخالفة للسنة ـ ليس طريقة أهل العلم، لكن لكثرة الجهالة قد يستند إلى مثلها خلق من الناس حتى من المنتسبين إلى العلم والدين، وذكر أن الأستناد إلى أمور ليست مأخوذة عن الله ولا رسوله ليس من طريقة أولي العلم والإيمان ثم قال: والمجادلة

ص: 65

المحمودة إنما هي بإبداء المدارك وإظهار الحجج التي هي مستند الأقوال والأعمال. وأما إظهار الاعتماد على ما ليس هو المعتمد في القول والعمل فنوع من النفاق في العلم والجدل والكلام والعمل.::::::

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الإقتضاء": ما أكثر ما قد يحتج بعض من يتميز من المنتسبين إلى علم أو عبادة بحجج ليست من أصول العلم التي يعتمد في الدين عليها، وذكر أن التعلق في تحسين البدع بما عليه الكثير من الناس إنما يقع ممن لم يحكم أصول العلم، فإنه هو الذي يجعل ما اعتاده هو ومن يعرفه إجماعاً وإن لم يعلم قول سائر المسلمين في ذلك، ويستنكر تركه.

وذكر الشاطبي في " الإعتصام " أن منشأ الاحتجاج بعمل الناس في تحسين البدع الظن بأعمال المتأخرين وإن جاءت الشريعة بخلاف ذلك، والوقوف مع الرجال دون التحري للحق.

" الأمر الثالث " ما سنذكره عن علماء المسلمين من احتواء الاحتفال بالمولد على المحرمات، وبيان أن ما لم يحتو على المحرمات منه بدعة.

وأما تقسيم الشنقيطي للبدعة إلى أحكام الشريعة الخمسة، وتمثيله للبدعة الواجبة بنقط حروف القرآن وتشكيلها وبناء مدارس العلم.

فالجواب عنه: أن هذا التقسيم في غاية المناقضة لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول:" أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة " وفي رواية النسائي " وكل ضلالة في النار"(1) وروى أصحاب السنن عن العرباض بن

(1) وتقدم إلى شيخ الإسلام يتعقب هذه الرواية.::::::

ص: 66

سرية، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" إنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة ".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الاقتضاء ": لا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم الكلية وهو قوله: " كل بدعة ضلالة " بسلب عمومهاوهو أن يقال ليست كل بدعة ضلالة فإن هذا إلى مشاقة الرسول أقرب منه إلى التأويل وقال: إن قصد التعميم المحيط ظاهر من نص رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الكلمة الجامعة فلا يعدل عن مقصوده بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم. وذكر شيخ الإسلام: أن تخصيص عموم النهي عن البدع بغير دليل من كتاب أو سنة أو إجماع لا يقبل، فالواجب التمسك بالعموم.

وقال الشاطبي في " الاعتصام " في رد تقسيم البدعة إلى أحكام الشرع الخمسة: إن هذا التقسيم أمر مخترع لا يدل عليه دليل شرعي، قال: وهو ـ أي هذا التقسيم ـ في نفسه متدافع، فإن من حقيقة البدعة أن لا يدل عليها دليل شرعي لا من نصوص الشرع ولا من قواعده، إذ لو كان هناك من الشرع ما يدل على وجوب أو ندب أو إباحة لما كان ثم بدعة، ولكان العمل داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها أو المخير فيها، فالجمع بين كون تلك الأشياء بدعاً وبين كون الأدلة تدل على وجوبها أو ندبها أو إباحتها جمع بين متناضين أما المكروه منها والمحرم فمسلم من جهة كونها بدعة لا من جهة أخرى إذ لو دل دليل على منع أمر أو كراهته لم يثبت

ص: 67

ذلك كونه بدعة، لإمكان أن يكون معصية كالقتل والسرقة وشرب الخمر ونحوها، فلا بدعة يتصور فيها ذلك التقسيم إلا الكراهية والتحريم.

ومن تعقب تقسيم العز بن عبد السلام البدعة إلى أحكام الشريعة الخمسة العلامة زروق (1) في " شرح رسالة القيرواني" قال بعد ذكر هذا التقسيم: قال المحققون، إنما تدور ـ أي البدعة ـ بين محرم ومكروه لقوله عليه الصلاة والسلام: " كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكلام العلماء في رد هذا التقسيم كثير.

وأما التمثيل بنقط المصحف وتشكيله، وبناء المدارس للبدعة الواجبة فليس بمسلم، لأن ما ذكر ليس من البدعة في الدين، فإن نقط المصحف وتشكيله إنما هو لصيانة القرآن من اللحن والتحريف وهذا واجب شرعاً.

وأما بناء المدارس للعلم، فيقول الشاطبي في " الاعتصام " رداً على التمثيل به للبدعة ما نصه: أما المدارس فلم يتعلق بها أمر تعبدي يقال في مثله بدعة إلا على فرض أن يكون من السنة أن لا يقرأ العلم إلا في المساجد، وهذا لا يوجد، بل العلم كأن في الزمان الأول يبث بكل مكان من مسجد أو منزل أو سفر أو حضر أو غير ذلك حتى في الأسواق، فإذا أعد أحد من الناس مدرسة يعني بإعدادها الطلبة، فلا يزيد ذلك على إعداده له منزلاً من منازله أو حائطاً من حوائطه أو غير ذلك، فأين مدخل البدعة ههنا، وإن قيل البدعة في تخصيص ذلك الموضع دون غيره فالتخصيص هنا ليس بتخصيص

(1) قال في الاعلام: فقيه محدث صوفي.::::::

ص: 68

تعبدي، وإنما هو تعيين بالحبس كما تتعين سائر الأمور المحبسة (1) وأما استدلال الشنقيطي على أن البدعة في الدين تكون حسنة بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في " قضية التراويح" نعمت البدعة هذه فاستدلال ليس في محله، فإن عمر لم يقصد بذلك تحسين البدعة في الدين.

قال الشاطبي في " الاعتصام ": إنما سماها بدعة باعتبار ظاهر الحال من حيث تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم واتفق أن لم تقع في زمان أبي بكر رضي الله عنه، لا أن هذا بدعة من حيث المعنى، فمن سماها بدعة بهذا الاعتبار فلا مشاحة في الأسامي، قال: وعند ذلك فلا يجوز أن يستدل بها على جواز الابتداع بالمعنى المتكلم فيه، لأنه نوع من تحريف الكلم عن مواضعه.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " إقتضاء الصراط المستقيم " أما قول عمر: نعمت البدعة هذه، فأكثر المحتجين بهذا لو أردنا أن نثبت حكماً بقول عمر الذي لم يخالف فيه لقالوا: قول الصاحب ليس بحجة فكيف يكون حجة لهم في خلاف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن اعتقد قول الصاحب حجة فلا يعتقده إذا خالف الحديث، فعلى التقديرين لا تصلح معارضة الحديث بقول الصاحب قال: ثم نقول: أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بدعة مع حسنها، وهذه تسمية لغوية لا تسمية شرعية، وذلك أن " البدعة في اللغة " تعم كل ما فعل ابتداء من غير مثال سبق، وأما " البدعة الشرعية " فكل ما لم يدل عليه دليل شرعي، قال: فإذا كان نص رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دل على استحباب فعل أو إيجابه

(1) المحبسة الموقوفة.::::::

ص: 69

بعد موته أو دل عليه مطلقاً ولم يعمل به إلا بعد موته ككتاب الصدقة الذي أخرجه أبو بكر رضي الله عنه فإذا عمل أحد ذلك العمل بعد موته صح أن يسمى بدعة في اللغة لأنه عمل مبتدأ قال: وقد علم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم" إن كل بدعة ضلالة" لم يرد به كل عمل مبتدأ، فإن دين الإسلام بل كل دين جاءت به الرسل فهو عمل مبتدأ، وإنما أراد ما ابتدئ من الأعمال التي لم يشرعها هو صلى الله عليه وسلم، قال: وإذا كان كذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون قيام رمضان على عهده جماعة وفرادى، وقد قال لهم في الليلة الثالثة والرابعة لما اجتمعوا:" إنه لم يمنعني أن أخرج إليكم إلا كراهة أن يفرض عليكم فصلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ".::::::

فعلل صلى الله عليه وسلم عدم الخروج بخشية الافتراض، فعلم بذلك أن المقتضي للخروج قائم، وأنه لولا خوف الافتراض لخرج إليهم فلما كان في عهد عمر جمعهم على قارئ واحد وأسرج المسجد، فصارت هذه الهيئة ـ وهي اجتماعهم في المسجد على إمام واحد مع الإسراج ـ عملاً لم يكونوا يعملونه من قبل، فسمى بدعة لأنه في اللغة يسمى بذلك، وإن لم يكن بدعة شرعية، لأن السنة اقتضت أنه عمل صالح لولا خوف الافتراض، وخوف الافتراض قد زال بموته صلى الله عليه وسلم فانتفى المعارض.

وقال شيخ الإسلام أيضاً في " الاقتضاء" أما صلاة التراويح فليست بدعة في الشريعة: بل هي سنة بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله، فإنه قال: " إن الله فرض عليكم صيام رمضان

ص: 70

وسننت لكم قيامه (1) ولا صلاتها جماعة بدعة بل هي سنة في الشريعة، بل قد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجماعة في أول شهر رمضان ليلتين، بل ثلاثاً، وصلاها أيضاً في العشر الأواخر في جماعة مرات وقال:" إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كُتب له قيام ليلة " لما قام بهم حتى خشوا أن يفوتهم الفلاح رواه أهل السنن، وبهذا الحديث احتج أحمد وغيره على أن فعلها في الجماعة أفضل من فعلها في حال الانفراد. وفي قوله هذا ترغيب في قيام شهر رمضان خلف الإمام وذلك أوكد من أن يكون سنة مطلقاً. وكان الناس يصلونها جماعة في المسجد على عهده صلى الله عليه وسلم ويقرهم، وإقراره سنة منه صلى الله عليه وسلم.

وأما استدلال الشنقيطي على استحسان الابتداع في الدين بما عزاه إلى عمر بن عبد العزيز أنه قال: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور، يقصد الشنقيطي بذلك القياس، أي فكذلك تحدث لهم مرغبات في الخير بقدر ما أحدثوا من الفتور، فقد أجاب الإمام الشاطبي في " الاعتصام" عن هذا الاستدلال بأمور:

"أولها" أن هذا قياس في مقابلة النص الثابت في النهي عن الابتداع، وهو من باب فساد الاعتبار.

" الثاني" إن هذا قياس على نص لم يثبت بعد من طريق مرضي.

"الثالث" أن هذا الكلام على فر ثبوته عن عمر بن عبد العزيز لا يجوز قياس إحداث العبادات عليه، لأن كلام عمر إنما هو في معنى عادي يختلف فيه مناط الحكم الثابت فيما تقدم كتضمين الصناع، أو الظنة في توجيه الأيمان دون مجرد الدعاوي،

(1) رواه أهل السنن.::::::

ص: 71

فيقول إن الأولين توجهت عليهم بعض الأحكام لصحة الأمانة والديانة والفضيلة، فلما حدثت أضدادها اختلف المناط فوجب اختلاف الحكم وهو حكم رادع أهل الباطل عن باطلهم، فأثر هذا المعنى ظاهر مناسب، بخلاف ما نحن فيه فإنه على الضد من ذلك.

ألا ترى أن الناس إذا وقع فيهم الفتور عن الفرائض فضلاً عن النوافل ـ وهي ما هي من القلة والسهولة ـ فما ظنك بهم إذا زيد عليهم أشياء أخرى يرغبون فيها ويحضون على استعمالها، فلاشك أن الوظائف تتكاثر حتى تؤدي إلى أعظم من الكسل الأول وإلى ترك الجميع، فإن حدث للعامل بالبدعة هو في بدعته أو لمن شايعه فيها فلابد من كسله عن ماهو أولى، قال فصارت هذه الزيادة عائدة على ماهو أولى منها بالإبطال أو الإخلال، وقد مر أنه ما من بدعة تحدث ألا ويموت من السنة ماهو خير منها.

" الرابع ": إن هذا القياس مخالف لأصل شرعي وهو طلب النبي صلى الله عليه وسلم السهولة والرفق والتيسير وعدم التشديد، فزيادة وظيفة لم تشرع تظهر ويعمل بها دائماً في مواطن السنن هي تشديد بلا شك، فليس قصد عمر بن عبد العزيز بهذا الكلام على فرض ثبوته عنه فتح السبيل إلى إحداث البدع.::::::

وقال العلامة قاسم بن عيسى بن ناجي المالكي في " شرح رسالة القيرواني، في معنى: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور، قال معناه، ما أحدثوا من الفجور مما ليس فيه نص، وقال: قال التقي السبكي في الكتاب الذي ألفه في شأن رافضي جاهر بلعنة أبي بكر الصديق وقال فيه: عدو الله فقتله القاضي المالكي، قال في هذه الكلمة بعدما عزاها إلى مالك بن أنس بلفظ: يحدث للناس

ص: 72

أحكام بقدر مايحدثون من الفجور: لا نقول إن الاحكام تتغير بتغير الزمان، بل باختلاف الصور الحادثة، فإذا حدثت صورة على صفة خاصة علينا أن ننظر فيها، فقد يكون مجموعها يقتضي الشرع له حكماً، على هذا حمل التقي السبكي هذه الكلمة، وذكر أنها منطبقة على قضية الرافضي، لكن صورتها مجموعة من إظهار سب الصديق في ملإ من الناس ومجاهرته وإصراره عليه وإعلاء البدعة وغمض السنة، ونقل السيوطي هذا التأويل عن السبكي في " الحاوي ".

ومن هذه النقول يعلم أن عمر بن عبد العزيز لم يقصد بهذه الكلمة فتح أي باب يناقض الشريعة، وكيف ينسب إلى عمر بن عبد العزيز فتح باب الابتداع في الدين وهو الذي يقول حينما بايعه الناس بعد ما صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه: يا أيها الناس إنه ليس بعد نبيكم نبي، ولا بعد كتابكم كتاب، ولا بعد سنتكم سنة ولا بعد أمتكم أمة، وإن الحلال ما أحله الله في كتابه على لسان نبيه حلال إلى يوم القيامة، ألا وإن الحرام ما حرم الله في كتابه على لسن نبيه حرام إلى يوم القيامة، ألا وإني لست بمبتدع ولكني متبع.

وأما دعوى الشنقيطي أن عدم احتفال المملكة العربية السعودية بالمولد النبوي وازدرائه حيث تحتفل بغيره ولا تحتفل بمولده، ويذاع عنها ذلك، كما يذاع عنها أنها تحرق كتب الصلاة عليه، فهذا من عندياته وذلك لأمور:::::::

" احدها ": أن الحكومات الإسلامية كلها تعترف للحكومة السعودية بتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم، مع علمها بأنها لا تحتفل بالمولد النبوي مخافة من الابتداع، وأقرب شاهد في زماننا

ص: 73

هذا على ذلك إقبال وفودها على المؤتمر الإسلامي الذي يعقد بمكة.

فإنه لا يتصور ذلك الإقبال الشديد على من يتهم بما ذكره الشنقيطي، وكذلك على الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وتلك الإشاعات التي يشير إليها الشنقيطي إنما حاول المبطلون التنفير بها عن دعوة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، وكان الشيخ يجيب عن كل ذلك بقوله: سبحانك هذا بهتان عظيم.

وكان يذكر أن ما ينسب إليه من إحراق كتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليس له أصل، إلا أنه نصح بعض من يتعلق بكتاب " دلائل الخيرات " بأنه لا يصير هذا الكتاب أجل في قلبه من كتاب الله، فيظن أن القراءة فيه أنفع من قراءة القرآن، ورغم هذه الإفتراءات أبى الله إلا أن يظهر الحق ويبطل الباطل، ويعلي الدعوة التي حاول أولئك المبطلون التنفير عنها بمثل تلك الإشاعات الباطلة.

" الثاني " أن القائل بأن تارك الإحتفال بالمولد متنقص للنبي صلى الله عليه وسلم، إن أراد بقوله هذا أن ذلك اعتقاد التارك فقد كذب وافترى، وإن أراد أن ذلك تنقيص للنبي صلى الله عليه وسلم عما يستحقه شرعاً، فالمرجع في ذلك إلى الكتاب والسنة وما عليه القرون المشهود لها بالخير فنحاكم كل من يطالبنا بهذا إلى ذلك، فإن جاء بدليل صحيح صريح وإلا فنحن مستمسكون بقول النبي صلى الله عليه وسلم:" إن كل بدعة ضلالة" وبما روى أبو داود في سننه عن حذيفة رضي الله عنه، قال: كل عبادة لا يتعبدها أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها، فإن الأول لم يترك للآخر

ص: 74

مقالاً، ولا نصون أعراضنا في الدنيا بالتقريب إلى الله تعالى بما لم يشرعه.::::::

" الثالث ": أن أكثر ما يقصد من تلك الاحتفالات التي تقام للرؤساء إحياء الذكرى والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال الله في حقه: {ورفعنا لك ذكرك} فذكره مرفوع في الأذان والإقامة والخطب والصلوات وفي التشهد والصلاة عليه وفي قراءة الحديث واتباع ما جاء به، فهو أجل من أن تكون ذكراه سنوية فقط. ولكن الأمر كما قال السيد رشيد رضا في كتابه " ذكرى المولد النبوي" قال: إن من طباع البشر أن يبالغوا في مظاهر تعظيم أئمة الدين أو الدنيا في طور ضعفهم ـ أي البشر ـ في أمر الدين أو الدنيا، لأن هذا التعظيم لا مشقة فيه على النفس، فيجعلونه بدلاً مما يجب عليهم من الأعمال الشاقة التي يقوم بها أمر الدين أو الدنيا، وإنما التعظيم الحقيقي بطاعة المعظم والنصح له والقيام بالأعمال التي يقوم بها أمره ويعتز دينه إن كان رسولاً، وملكه إن ك ان ملكاً، وقد كان السلف الصالح أشد ممن بعدهم تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم ثم للخلفاء، وناهيك ببذل أموالهم وأنفسهم في هذا السبيل، ولكنهم دون أهل هذه القرون التي ضاع فيها الدين في مظاهر التعظيم اللساني، ولاشك أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم أحق الخلق بكل تعظيم، وليس من التعظيم الحق له أن نبتدع في دينه بزيادة أو نقص أو تبديل أو تغيير لأجل تعظيمه به، وحسن النية لا يبيح الابتداع في الدين، فقد كان جل ما أحدث أهل الملل قبلنا من التغيير في دينهم عن حسن نية، وما زالوا يبتدعون بقصد التعظيم وحسن النية حتى صارت أديانهم غير ما جاءت به رسلهم، ولو تساهل سلفنا الصالح

ص: 75

كما تساهلوا، وكما تساهل الخلف الدين اتبعوا سننهم شبراً بشبر وذراعاً بذراع لضاع أصل ديننا أيضاً، ولكن السلف الصالح حفظوا لنا الأصل: فالواجب علينا أن نرجع إليه، ونعض عليه بالنواجذ.::::::

هذا مع أن الاحتفال بالمولد النبوي إذا كان بطريق القياس على الاحتفالات بالرؤساء صار ملحقاً بهم في التعظيم، وهذا مالا يرضاه عاقل.

حكم المولد

قسم العلماء الاجتماع الذي يعمل في ربيع الأول ويسمى باسم " المولد " إلى قسمين:

" أحدهما" ماخلا من المحرمات، فهو بدعة لها حكم غيرها من البدع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الفتاوى الكبرى": أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول الذي يقال إنها ليلة المولد: أن بعض ليالي رجب، أو ثامن عشر ذي الحجة، أو أول جمعة من رجب، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال " عيد الأبرار" فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها.

وقال في " الإقتضاء " إن هذا ـ أي إتخاذ المولد عيداً ـ لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه، قال: ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا وهم على الخير أحرص.::::::

ص: 76

وقال ابن الحاج في " المدخل": فإن خلا ـ أي المولد النبوي" ـ منه ـ أي من السماع وتوابعه ـ وعمل طعاماً فقط ونوى به المولد ودعا إليه الإخوان وسلم من كل ما تقدم ذكره فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ أن ذلك زيادة في الدين، وليس من عمل السلف الماضين، واتباع السلف أولى وأوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيماً له ولسنته صلى الله عليه وسلم، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع فيسعنا ما وسعهم، وقد علم أن اتباعهم في المصادر والموارد كما قال الشيخ أبو طالب المكي رحمه الله في كتابه: وقد جاء في الخبر " لا تقوم الساعة حتى يصير المعروف منكراً والمنكر معروفاً " (1) وقد وقع ما قاله عليه الصلاة والسلام بسبب ما تقدم ذكره وما يأتي بعد، لأنهم يعتقدون أنهم في طاعة، ومن لا يعمل عملهم يرون أنه مقصر، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وقال العلامة تاج الدين علي بن عمر اللخمي السكندري المشهور بالفاكهاني في رسالته في المولد المسماة " بالمورد في الكلام على المولد" قال في النوع الخالي من المحرمات من المولد: لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بدعة أحدثها الباطلون، وشهوة نفس اعتنى بها الأكالون، بدليل أنا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا: إما أن يكون واجباً، أو مندوباً، أو مباحاً، أو مكروهاً، أو محرماً، وليس بواجب إجماعاً، ولا مندوباً

(1) وتقدم تخريجه في الجزء الأول.::::::

ص: 77

لأن حقيقة المندوب ماطلبه الشرع من غير ذم على تركه وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون: ولا العلماء المتدينون فيما علمت، وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سئلت، ولا جائز أن يكون مباحاً، لأن الابتداع في الدين ليس مباحاً بإجماع المسلمين، فلم يبق إلا أن يكون مكروهاً أو محرماً، ثم صور الفاكهاني نوع المولد الذي تكلم فيه بما ذكرنا بأنه هو أن يعمله رجل من عين ماله لأهله واصحابه وعياله لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام ولا يقترفون شيئاً من الآثام قال: فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة وشناعة، إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة، الذين هم فقهاء الإسلام، وعلماء الأنام، وسرج الأزمنة، وزين الأمكنة.::::::

ويرى ابن الحاج في " المدخل " إن نية المولد بدعة، ولو كان الاشتغال في ذلك اليوم بقراءة صحيح البخاري وعبارته: وبعضهم أي المشتغلين بعمل المولد يتورع عن هذا ـ أي سماع الغناء وتوابعه ـ بقراءة البخاري وغيره عوضاً عن ذلك، وهذا وإن كانت قراءة الحديث في نفسها من أكبر القرب والعبادات، وفيها البركة العظيمة والخير الكثير، لكن إذا فعل ذلك بشرطه اللائق به على الوجه الشرعي لا بنية المولد ألا ترى أن الصلاة من أعظم القرب إلى الله تعالى ومع ذلك فلو فعلها إنسان في غير الوقت المشروع لها لكان مذموماً مخالفاً، فإذا كانت الصلاة بهذه المثابة فما بالك بغيرها، هذا مابينه المحققون في هذا النوع من المولد.

وقد حاول السيوطي في رسالته "حسن المقصد، في عمل المولد: الرد على ما نقلناه عن الفاكهاني، لكنه لم يأتي بشيء يقوى على معارضة ما ذكره الفاكهاني: فإنه عارضه بأن الاحتفال بالمولد النبوي

ص: 78

إنما أحدثه ملك عادل عالم قصد به التقرب إلى الله، وارتضاه ابن دحية، وصنف له من أجله كتاباً، وهذا ليس بحجة، فإن البدعة في الدين لا تقبل من أي أحد كان بنصوص الأحاديث، فلا يمكننا أن نعارض الأحاديث المحذرة من الابتداع في الدين بعمل أبي سعيد " كوكبوري " بن أبي الحسن علي بن بكتكين الذي أحدث الاحتفال بالمولد في القرن السادس، وعدالته لا توجب عصمته، وقد ذكر ابن خلكان: أنه يحب السماع، وأما " ابن دحية" فلا يخفى كلام العلماء فيه، وقد اتهموه بوضع حديث في قصر صلاة الم غرب كما في تاريخ ابن كثير.

وأما " القسم الثاني" من عمل المولد، وهو المحتوى على المحرمات، فهذا قد منعه العلماء، وبسطوا القول فيه، وإليك بعض عباراتهم في ذلك:::::::

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له: فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك واتخاذه عبادة فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان في أن هذا من المنكرات التي ينهى عنها ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق (1) .

وقال الفاكهاني في رسالته في المولد: " الثاني" أي من نوعي عمل المولد ـ أن تدخله الجناية، وتقوى به العناية، حتى يعطي أحدهم الشيء ونفسه تتبعه، وقلبه يؤلمه ويوجعه، لما يجد من ألم الحيف، وقد قال العلماء: أخذ المال بالحياء كأخذه بالسيف، لاسيما إن انضاف إلى ذلك شيء من الغناء، مع البطون الملئى بآلات الباطل من الدفوف والشبابات، واجتماع الرجال مع الشباب المرد

(1) وانظر جـ25 من فتاويه ص 298.::::::

ص: 79

والنساء الفاتنات، إما مختلطات بهم أومشرفات، ويقصن بالتثني والانعطاف، والاستغراق في اللهو ونسيان يوم المخاوف: وكذلك النساء إلا اجتمعن على انفرادهن رافعات أصواتهن بالتهنيك والتطريب في الانشاد، والخروج في التلاوة والذكر عن المشروع والأمر المعتاد، غافلات عن قوله تعالى (إن ربك لبالمرصاد) وهذا الذي لا يختلف في تحريمه اثنان، ولا يستحسنه ذو المروءة من الفتيان، وإنما يحلو ذلك لنفوس موتى القلوب، وغير المستقلين من الآثام والذنوب، وأزيدك أنهم يرونه من العبادات لا من الأمور المنكرات، فإنا لله وإنا إليه راجعون " بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ" ولله در شيخنا القشيري حيث يقول فيما أجازناه:

قد عرف المنكر واستنكر الـ

معروف في أيامنا الصعبة

وصار أهل العلم في وحدة

وصار أهل الجهل في رتبه

حادوا عن الحق فما للذي

ساروا به فيما مضى نسبه

فقلت للأبرار أهل التقى

والدين لما اشتدت الكربه

لاتنكروا أحوالكم قد أتت

نوبتكم في زمن الغربه

قال الفاكهاني: ولقد أحسن أبو عمرو بن العلا حيث يقول: لا يزال الناس بخير ما تعجب من العجب.

هذا مع أن الشهر الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم وهو ربيع الأول ـ هو بعينه الذي توفي فيه، فليس الفرح فيه بأولى من الحزن فيه: وهذا ما علينا أن نقول، ومن الله تعالى نرجو حسن القبول.

ص: 80

وقال الشيخ أبو الحسن ابن عبد الله بن الحسن النباهي المالقي الأندلسي في كتابه " المرقبة العليا، فيمن يستحق القضاء والفتيا " في ترجمة القاضي أبي عبد الله محمد بن عبد السلام المنستيري: إن الأمير أبا يحيى استحضره مع الجملة من صدور الفقهاء للبيت بدار الخلافة والمثول بين يديه " ليلة الميلاد " الشريف النبوي، إذ كان قد أراد إقامة رسمه على العادة المغربية من الاحتفال في الأطعمة، وتزيين المحل بحضور الأشراف، وتخير القوالين للأشعار المقرونة بالأصوات المطربة فحين كمل المقصود من المطلوب، وقعد السلطان على أريكة ملكه ينظر في ترتيبه، والناس على منازلهم بين قاعد وقائم، هز المسمع طاره، وأخذ يهنؤهم بألحانه، وتبعه صاحب يراعه كعادته من مساعدته، تزحزح القاضي أبو عبد الله عن مكانه، وأشار بالسلام على الأمير، وخرج من المجلس، وتبعه الفقهاء بجملتهم إلى مسجد القصر فناموا به.::::::

فظن السلطان أنهم خرجوا لقضاء حاجتهم، فأمر وزراءه بتفقدهم، والقيام بخدمتهم إلى عودتهم، وأعلم الوزير الموجه لما ذكر القاضي بالغرض المأمور به فقال له: أصلحك الله، هذه الليلة المباركة التي وجب شكر الله عليها، وجمعنا السلطان ـ أبقاه الله ـ من أجلها، لو شهدها نبينا المولود فيها صلوات الله وسلامه عليه لم يأذن لنا في الاجتماع علىما نحن فيه من مسامحة بعضنا البعض في اللهو ورفع قناع الحياء، بمحضر القاضي والفقهاء، وقد وقع الاتفاق من العلماء على أن المجاهرة بالذنب محظورة، إلا أن تمس إليها حاجة كالإقرار بما يوجب الحد أو الكفارة، فليسلم لنا الأمير ـ أصلحه الله ـ في العقود بمسجده هذا إلى الصباح، وإن كنا في مطالب أُخر من تبعات رياء ودسائس أنفس وضروب غرور،

ص: 81

لكنا كما شاء الله في مقام الاقتداء، لطف الله بنا أجمعين بفضله.

فعاد عند ذلك الوزير المرسل للخدمة الموصوفة إلى الأمير أبي يحيى، وأعلمه بالقصة، فأقام يسيراً وقام من مجلسه، وأرسل إلى القاضي من ناب عنه في شكره وشكر أصحابه، ولم يعد إلى مثل ذلك العمل بعد، وصار في كل ليلة يأمر في صبيحة الليلة المباركة بتفريق طعام على الضعفاء، وإرفاق الفقراء شكراً لله، انتهى كلام النباهي.

وقد ذكر ابن الحاج في " المدخل " مما احتوى عليه الاحتفال بالمولد في زمانه ـ فكيف بزماننا هذا ـ مايلي:

1 ـ إستعمال الأغاني وآلات الطرب من الطار الصرصر والشبابة وغير ذلك. قال ابن الحاج: مضوا في ذلك على العوائد الذميمة في كونهم يشتغلون في أكثر الأزمنة التي فضلها الله وعظمها ببدع ومحرمات، وذكر ابن الحاج قول القائل:

ياعصبة ماضر أمة أحمد

وسعى إلى إفسادها إلا هي

طار ومزمار ونغمة شادن

أرأيت قط عبادة بملاهي

2 ـ قلة احترام كتاب الله عز وجل، فإنهم يجمعون في هذه الاحتفالات بينه وبين الأغاني، ويبتدئون به وقصدهم الأغاني.::::::

قال ابن الحاج: ولذلك نرى بعض السامعين إذا طول القارئ القراءة يتقلقلون منه لكونه طول عليهم ولم يسكت حتى يشتغلوا بما يحبونه من اللهو قال: وهذا غير مقتضى ماوصف الله به أهل الخشية من أهل الإيمان، وهو أنهم يحبون سماع كلام مولاهم، لقوله تعالى في مدحهم:{وإذا سمعوا ماأُنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين} (1)

(1) سورة المائدة ـ آية 83.::::::

ص: 82

فوصف الله من سمع كلامه بما ذكر، وبعض هؤلاء يستعملون الضد من ذلك إذا سمعوا كلام ربهم عز وجل قاموا بعده إلى الرقص والفرح والسرور والطرب بما لا ينبغي، فإنا لله وإنا إليه راجعون على عدم الاستحياء من عمل الذنوب، يعملون أعمال الشياطين، ويطلبون الأجر من رب العالمين، ويزعمون أنهم في تعبد وخير، قال: وياليت ذلك لو كان يفعله سفلة الناس، ولكن قد عمت البلوى فتجد بعض من ينتسب إلى شيء من العلم أو العمل يفعله، وكذلك يعض من ينتسب إلى الشيخة ـ أعني في تربية المريدين ـ كل هؤلاء داخلون فيما ذكر.

ثم العجب كيف خفيت عليهم هذه المكيدة الشيطانية والدسية من اللعين.

2 ـ الافتتان بالمردان، فإن الذي يغني في الاحتفالات ربما يكون شاباً نظيف الصورة، حسن الكسوة والهيئة، أو أحداً من الجماعة الذين يتصنعون في رقصهم، بل يخطبونهم للحضور، فمن لم يحضر منهم ربما عادوه ووجدوا في أنفسهم عليه، وحضوره فتنة، سيما وهم يأتون إلى ذلك شبه العروس، لكن العروس أقل فتنة لأنها ساكنة حبيبة، وهؤلاء عليهم العنبر والطيب يتخذون ذلك بين أثوابهم، ويتكسرون مع ذلك في مشيتهم إذ ذاك وكلامهم ورقصهم، ويتعانقون فتأخذهم إذ ذاك أحوال النفوس الرديئة من العشق والاشتياق إلى التمتع بما يرونه من الشبان، ويتمكن منهم الشيطان، وتقوى عليهم النفس الأمارة بالسوء، وينسد عليهم باب الخير سداً. قال ابن الحاج: وقد قال بعض السلف: لأن أؤتمن على سبعين عذراء أحب إليّ من أن أؤتمن على شاب وقوله هذا ظاهر بين، لأن العذراء

ص: 83

تمتنع النفوس الزكية ابتداء من النظر إليها، بخلاف الشاب، لما ورد أن النظرة الأولى سهم، والشاب لا يتنقب ولا يختفي بخلاف العذراء، والشيطان من دأبه أنه إذا كانت المعصية كبرى أجلب عليها بخيله ورجله ويعمل الحيل الكثيرة، قال ابن الحاج: وبعض النسوة يعاين ذلك على ما قد علم من نظرهن من السطوح والطاقات وغير ذلك. فيرينه ويسمعنه، وهن أرق قلوباً. وأقل عقولاً، فتقع الفتنة في الفريقين. هذا بعض ما ذكره ابن الحاج من المحرمات التي تحصل في احتفال الرجال بالمولد.

ثم ذكر من المفاسد المتعلقة بالنساء ما يلي:

1 ـ افتتان الرجال بالنساء، لأن بعض الرجال يتطلع عليهن من بعض الطاقات والسطوح، وتزداد الفتنة برفع أصواتهن وتصفيقهن بالأكف وغير ذلك مما يكون سبباً إلى وقوع المفسدة العظمى.::::::

2 ـ إفتتانهن في الاعتقاد، وذلك لأنهن لا يحضرن للمولد إلا ومعهن شيخة تتكلم في كتاب الله وفي قصص الأنبياء بما لا يليق، فربما تقع في الكفر الصريح وهي لا تشعر، لأنها لا تعرف الصحيح من السقيم، والحق من الكذب فتدخل النسوة في الغالب وهن مؤمنات ويخرجن وهن مفتتنات في الاعتقاد أو فروع الدين.

3 ـ خروج النساء إلى المقابر وارتكاب أنواع المحرمات هناك من الاختلاط وغيره ويذكر ابن الحاج أن هذه المفسدة من آثار بناء البيوت على المقابر، قال: إذ لو امتثلنا أمر الشرع في هدمها لانسدت هذه المثالم كلها، وكفي الناس أمرها، قال: فبسبب ما هناك من البنيان والمساكن وجد من لا خير فيه السبيل إلى حصول أغراضه الخسيسة ومخالفة الشرع قال: ألا ترى ما قد قيل: من

ص: 84

العصمة أن لا تجد. فإذا هم الإنسان بالمعصية وأرادها وعمل عليها ولم يجد من يفعلها أو وجده ولكن لا يجد مكاناً للاجتماع فيه فهو نوع من المعصية فكان البنيان في القبور فيه مفاسد منها هتك الحريم بخروجهن إلى تلك المواضع، فيجدن أين يقمن أغراضهن. هذا " وجه "

" الثاني ": تيسير الأماكن للاجتماع للأغراض الخسيسة، فتيسير الأماكن هناك سبب وتسهيل لوقوع المعاصي هناك.

4 ـ فتح باب الخروج لهن لغير ضرورة شرعية، فإنهم ـ أي أهل زمانه ـ ضموا لأيام المولد النبوي الثلاثة يوم الإثنين لزيارة الحسين وجعلوا يوم الأربعاء لزيارة نفيسة. فالتزمن الزيارة في تلك الايام لما يقصدن من أغراض الله أعلم بها. قال ابن الحاج: ولو حكى هذا عن الرجال لكان فيه شناعة وقبح فكيف به في النساء. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

هذا ماذكره ابن الحاج في " المدخل " من مفاسد الاحتفالات بالمولد في زمانه بالنسبة لمن يقصدن المولد. ثم قسم الذين يعملون المولد في ذلك الزمن لا لقصد المولد إلى خمسة أقسام:::::::

" أحدها ": من له فضة عند الناس متفرقة قد أعطاها لهم في بعض الأفراح والمواسم فعمل المولد ليستردها. قال ابن الحاج: فهذا قد اتصف بصفة النفاق وهو أنه يظهر خلاف ما يبطن. إذ ظاهر حاله أنه عمل المولد يبتغي به الدار الآخرة وباطنه أنه يجمع به فضته.

"الثاني": من يتظاهر من ذوي الأموال بأنه من الفقراء المساكين فيعمل المولد لتزيد دنياه بمساعدة الناس له. فيزداد هذا فساداً على

ص: 85

المفاسد المتقدم ذكرها، ويطلب مع ذلك ثناء الناس عليه بما ليس فيه.

" الثالث": من يخاف الناس من لسانه وشره وهو من ذوي الأموال فيعمل المولد ليأخذ من الناس الذين يعطونه تقية على أنفسهم وأعراضهم. قال ابن الحاج: فيزداد من الحطام بسبب ما فيه من الخصال المذمومة شرعاً، وهذا أمر خطر، لأنه زاد على الأول أنه ممن يخاف من شره، فهو معدود بفعله من الظلمة.

"الرابع": من يعمل المولد وهو ضعيف الحال ليتسع حاله.

"الخامس": من له من الفقراء لسان يخاف منه ويتقي لأجله فيعمل المولد حتى يحصل له من الدنيا ممن يخشاه ويتقيه، حتى إنه لو تعذر عن حضور المولد الذي يفعله أحد من معارفه لحل به من الضرر ما يتشوش به، وقد يؤول ذلك إلى العداوة أو الوقوع في حقه في محافل بعض ولاة الأمور قاصداً بذلك حط رتبته بالوقيعة فيه أو نقص ماله، أو غير ذلك مما يقصده من لا يتوقف على مراعاة الشرع الشريف.

قال ابن الحاج بعد بسط الكلام على هذه المفاسد: هذا الذي ذكر بعض المفاسد المشهورة المعروفة، وما في ذلك من الدسائس ودخول وساوس النفوس وشياطين الإنس والجن مما يتعذر حصره، فالسعيد السعيد من أعطى قياده للاتباع وترك الابتداع، وفقنا الله لذلك بمنه.::::::

وذكر ابن الحاج أن سكوت من سكت من العلماء على إنكار ما ذكر ليس بدليل، لأن الناس كانوا يقتدون أولاً بالعلماء، فصار الأمر بعد ذلك بالعكس وهو أن من لا علم عنده يرتكب ما لا ينبغي فيأتي العالم فيقتدى به في ذلك. قال: فعمت الفتنة، واستحكمت

ص: 86

هذه البلية، فلم تجد في الغالب من يتكلم في ذلك ولا من يعين على زواله أو يشير إلى أن ذلك مكروه أو محرم.

وقد ذكر ابن حجر الهيثمي في " الفتاوى الحديثية" أن الموالد التي تفعل عندهم في زمنه أكثرها مشتمل على شرور أو لم يكن منها إلا رؤية النساء الرجال الأجانب لكفى ذلك في المنع، وذكر أن مايوجد في تلك الموالد من الخير لا يبررها ما دامت كذلك، للقاعدة المشهورة المقررة: أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح قال: فمن علم وقوع شيء من الشر فيما يفعله من ذلك فهو عاص آثم، وبفرض أنه عمل في ذلك خيراً فربما خيره لا يساوي شره، ألا ترى أن الشارع صلى الله عليه وسلم اكتفى من الخير بما تيسر، وفطم عن جميع أنواع الشر، حيث قال:" إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه " فتأمله تعلم ما قررته من أن الشر وإن قل لا يرخص في شيء منه، والخير يكتفى منه بما تيسر.

هذا ما ذكره أهل العلم في بحث الاحتفال بالمولد النبوي ولم يخل عصر من العصور المتقدمة منذ أحدث من عالم يبين الحق فيه، ولم يزل المتبصرون من أهل العلم في وقتنا هذا ينكرون ما يقع في تلك الأيام من البدع والمحرمات.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الطائفة المنصورة التي لا يضرها من خذلها، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

ص: 87

بسم الله الرحمن الرحيم

ملحق في انكار الاحتفال بالمولد النبوي، والرد على الشنقيطي

بعدما نشر ردنا على الشنقيطي كتب مرة أخرى في الموضوع رددنا عليها بالسرد التالي:

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وآله وصحبه وسلم.::::::

وبعد: فقد نشرت جريدة " الندوة" في العدد الصادر يوم السبت 16/4/1382هـ للشنقيطي محمد مصطفى العلوي في تبرير الاحتفال بالمولد النبوي مقالاً آخر تحت عنوان (هذا ما يقوله ابن تيمية في الاحتفال المشروع بذكرى " المولد النبوي" مضمون ذلك المقال أن شيخ الإسلام ابن تيمية يرى الاحتفال بالمولد النبوي واعتمد الشنقيطي في تلك الدعوى على ثلاثة أمور:

1 ـ قول شيخ الإسلام في " اقتضاء الصراط المستقيم" في بحث المولد: فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو كما قدمت أنه يستحسن من بعض الناس ما يستقبح من المؤمن المسدد.

يقول الشنقيطي: فكلام شيخ الإسلام ـ يقصد هذه العبارة ـ صريح في جواز عمل مولد النبي صلى الله عليه وسلم الخالي من منكرات تخالطه.

2 ـ قول شيخ الاسلام في " الاقتضاء " أيضاً: إذا رأيت من يفعل هذا ـ أي المنكر ـ ولا يتركه إلا إلى شر منه فلا تدع إلى ترك

ص: 88

منكر بفعل ما هو أنكر، أو بترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه.

يقول الشنقيطي: من الجدير بالذكر ما اشار إليه شيخ الإسلم أن مرتكب البدعة لا ينهى عنها إذا كان نهيه يحمله إلى ما هو شر منها ومن المعلوم عند العموم أن أكثر أهل هذا الزمان يضيعون الليالي وخصوصاً ليلة الجمعة في سماع أغاني أم كلثوم وغيرها من حفلات صوت العرب الخليعة، مما يذيعه الراديو والتلفزيون، فلا يخفى علىمسلم عاقل أن سماع ذكر صفة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من سماع الأغاني الخليعة والتمثيليات الماجنة.

3 ـ دعوى أن شيخ الإسلام ابن تيمية لا ينكر الابتداع في تعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويذكر الشنقيطي أن أكبر شاهد على ذلك تأليفه " كتاب الصارم المسلول".

هذا ماذكره الشنقيطي مما برر به هذه الدعوى الباطلة.::::::::::::

والحق أنه إنما أتى من سوء فهم كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وسيرته. وفي نوع ما وقع فيه يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب " الاستغاثة ": الوهم إذا كان لسوء فهم المستمع لا لتفريط المتكلم لم يكن على المتكلم بذلك بأس: ولا يشترط في العلماء إذا تكلموا في العلم أن لا يتوهم من ألفاظهم خلاف مرادهم، بل مازال الناس يتوهمون من أقوال الناس خلاف مرادهم. وهذا هو عين ما وقع للشنقيطي في عبارات شيخ الإسلام ابن تيمية. وإلى القراء بيان ذلك فيما يلي:

أما قول شيخ الإسلام: فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له فيه أجر عظيم لحسن قصده وتعظيمه لرسول

ص: 89

الله صلى الله عليه وسلم فليس فيه إلا الإثابة على حسن القصد، وهي لا تستلزم مشروعية العمل الناشئة عنه، ولذلك ذكر شيخ الإسلام أن هذا العمل ـ أي الاحتفال بالمولد ـ يستقبح من المؤمن المسدد.::::::::::::::::::

ولكن الشنقيطي أخذ أول العبارة دون تأمل في آخرها. وفي أول بحث المولد في " اقتضاء الصراط المستقيم " فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الذين يتخذون المولد عيداً محبة للنبي صلى الله عليه وسلم ص294 ـ 295: والله تعالى قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً مع اختلاف الناس في مولده، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره وإحياء سنته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فهذا تصريح من شيخ الإسلام بأن إثابة من يتخذ المولد عيداً محبة للنبي صلى الله عليه وسلم من ناحية حسن قصده لا تقتضي مشروعية اتخاذ المولد عيداً ولا كونه خيراً، إذ لو كان خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا لأنهم أشد محبة وتعظيماً لرسول الله منا، ثم بعد ذلك صرح شيخ الإسلام بذم الذين يتخذون المولد عيداً فقال في ص295، 296: أكثر هؤلاء الذين تجدونهم حرصاء على أمثال هذه البدع مع مالهم فيها من حسن القصد والاجتهاد الذي يرجى لهم به المثوبة تجدونهم

ص: 90

فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه، وإنما هم بمنزلة من يحلي المصحف ولا يقرأ فيه، أو يقرأ فيه ولا يتبعه، وبمنزلة من يزخرف المسجد ولا يصلي فيه، أو يصلي فيه قليلاً، وبمنزلة من يتخذ المسابح والسجادات المزخرفة وأمثال هذه الزخارف الظاهرة التي لم تشرع ويصحبها من الرياء الكثير والاشتغال عن المشروع ما يفسد حال صاحبها.::::::::::::

وقال شيخ الإسلام في " الاقتضاء " ص371: من كانت له نية صالحة أُثيب على نيته وإن كان الفعل الذي فعله ليس بمشروع إذا لم يتعمد مخالفة الشرع. وصرح في ص290 بأن إثابة الواقع في المواسم المبتدعة متأولاً ومجتهداً على حسن قصده لا تمنع النهي عن تلك البدع والأمر بالاعتياض عنها بالمشروع الذي لا بدعة فيه.

وذكر أن ما تشتمل عليه تلك البدع من المشروع لا يعتبر مبرراً لها (1) كما صرح في كلامه على مراتب الأعمال بأن العمل الذي يرجع صلاحه لمجرد حسن القصد ليس طريقة السلف الصالح، وإنما ابتلى به كثير من المتأخرين، وأما السلف الصالح فاعتناؤهم بالعمل الصالح المشروع الذي لا كراهة فيه بوجه من الوجوه، وهو العمل الذي تشهد

(1) عبارته بعد ذكر الاثابة لما فيها من المشروع ولحسن القصد ممن فعل ذلك متأولاً مجتهداً أو مقلداً: لكن هذا القدر لا يمنع كراهتها والنهي عنها والاعتياض عنها بالمشروع الذي لا بدعة فيه، كما أن الذين زادوا الاذان في العيدين هم كذلك، بل اليهود والنصارى يجدون في ع باداتهم أيضاً فوائد، وذلك لأنه لا بد أن تشتمل عباداتهم على نوع ما مشروع في جنسه، كما أن قولهم لا بد أن يشتمل على صدق مأثور عن الأنبياء، ثم ذلك لا يوجب أن تفعل عباداتهم أو تروى كلماتهم، لأن جميع المبتدعات لابد أن تشتمل على شر راجح على ما فيها من الخير، إذ لو كان خيرها راجحاً لما أهملتها الشريعة، فنحن نستدل بكونها بدعة على أن اثمها أكبر من نفعها، وذلك هو الموجب للنهي.::::::

ص: 91

له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: وهذا هو الذي يجب تعلمه وتعليمه والأمر به على حسب مقتضى الشريعة من إيجاب واستحباب.

أضف إلى هذا أن نفس قول شيخ الاسلام: فتعظيم المولد واتخاذه موسماً قد يفعله بعض الناس ويكون له أجر عظيم لحسن قصده الخ.

إنما ذكره بصدد الكلام على عدم محاولة إنكار المنكر الذي يترتب على محاولة إنكاره الوقوع فيما هو أنكر منه يعني: أن حسن نية هذا الشخص ولو كان عمله غير مشروع خير من اعراضه عن الدين بالكلية.

ومن الأدلة على عدم قصده تبرير الاحتفال بالمولد تصريحاته في كتبه الأخر بمنعه، يقول في " الفتاوى الكبرى": أما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد أو بعض ليالي رجب أو ثامن عشر ذي الحجة أو أول جمعة من رجب أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف الصالح ولم يفعلوها.

وقال في بعض فتاويه: فأما الاجتماع في عمل المولد على غناء ورقص ونحو ذلك واتخاذه عبادة فلا يرتاب أحد من أهل العلم والإيمان إن هذا من المنكرات التي ينهى عنها، ولا يستحب ذلك إلا جاهل أو زنديق.

وأما قول شيخ الإسلام: إذا رأيت من يعمل هذا ـ أي المنكر ـ ولا يتركه إلا إلى شر منه فلا تدع إلى ترك منكر يفعل ما هو أنكر أو يترك واجب أو مندوب تركه أضر من فعل ذلك المكروه.::::::

ص: 92

فمن غرائب الشنقيطي الاستدلال به على مشروعية الاحتفال بالمولد مادام شيخ الإسلام يسمي ذلك منكراً، وإنما اعتبر مايترتب على محاولة إزالته من خشية الوقوع في أنكر منه عذراً عن تلك المحاولة، من باب اعتبار مقادير المصالح والمفاسد وقد بسط شيخ الإسلام الكلام على هذا النوع في رسالته في " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " ومن ضمن بحثه في ذلك قوله: ومن هذا الباب ترك النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبي ابن سلول وأمثاله من أئمة النفاق والفجور لما لهم من أعوان، فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك بغضب قومه وحميتهم، وبنفور الناس إذا سمعوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه، ولهذا لما خطب الناس في قضية الإفك بما خطبهم به واستعذر منه وقال له سعد بن معاذ قوله الذي أحسن فيه حمي له سعد بن عبادة ـ مع حسن إيمانه وصدقه ـ وتعصب لكل منهما قبيلته حتى كادت تكون فتنة.

ومن هذا يعلم أن لا ملازمة بين ترك النهي عن الشيء لمانع وبين إباحة ذلك الشيء كما تخيله الشنقيطي، وقد فاته أن هذه العبارة التي نقلها عن شيخ الإسلام في عدم النهي عن المنكر إذا ترتب عليه الوقوع في أنكر منه لا تصلح جواباً لمن سأل عن الاحتفال بالمولد هل هو بدعة أم لا في بلد لا يقام فيه ذلك الاحتفال، وإنما تعتبر جواباً لمن سأل عن حكم الإنكار على من اتخذ المولد عيداً إذا ترتب على الإنكار الوقوع في أنكر منه.

كما فاته أن ما ذكره من جهة أغاني أم كلثوم وما عطفه عليها لا يعتبر مبرراً للابتداع، فإن الباطل إنما يزال بالحق لا بالباطل.::::::

ص: 93

قال تعالى: {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} (1) وليس النهي عن الاحتفال بالمولد من ناحية قراءة السيرة، بل من ناحية اعتقاد ما ليس مشروعاً مشروعاً، والتقرب إلى الله تعالى بما لم يقم دليل على التقرب به إليه ومن أكبر دليل على عدم اعتبار ما ذكره الشنقيطي أن المواضع التي تقام فيها الاحتفالات بالموالد ما حالت بينها وبين الاستماع لأغاني أم كلثوم وما عطف عليها، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم أرفع من أن لا تقرأ في السنة إلا في أيام الموالد.

وأما دعوى الشنقيطي فتح شيخ الإسلام ابن تيمية باب الابتداع فيما يتعلق بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم فكتابات شيخ الإسلام ابن تيمية تدل أوضح دلالة على بطلانها، فقد قرر فيها أن كيفية التعظيم لابد من التقيد فيها بالشرع، وأنه ليس كل تعظيم مشروعاً في حق النبي صلى الله عليه وسلم، فإن السجود تعظيم ومع ذلك لا يجوز لغير الله، وكذلك جميع التعظيمات التي هي من خصائص الألوهية لا يجوز تعظيم الرسول بها، كما قرر في غير موضع من كتبه أن الأعمال المضادة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وإن قصد فاعلها التعظيم فهي غير مشروعة، لقوله تعالى:{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله} (2) ويستدل كثيراً بما جاء في النصوص من النهي عن الإطراء، وكلامه في ذلك كثير لا يحتاج إلى الإطالة بذكره مادامت المراجع بحمد الله موجودة، هذا على سبيل العموم.

(1) سورة الإسراء آية 81.

(2)

سورة آل عمران ـ آية 31.::::::

ص: 94

أما مايخص مسألة اتخاذ المولد النبوي عيداً بدعوى التعظيم فقد تقدم قول شيخ الإسلام ابن تيمية فيه: إنه لم يفعله السلف مع قيام المقتضي، وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره واحياء سنته باطناً وظاهراً ونشر ما بعث به والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان فإن هذه هي طريقة السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان.

وتمثيل الشنقيطي " بالصارم المسلول" لدعواه فتح شيخ الإسلام ابن تيمية لباب الابتداع في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم، إنما نشأ من عدم تدبر كلام شيخ الإسلام في مقدمته، فإنه قد بين فيها أن مضمون الكتاب" الصارم المسلول" بيان الحكم الشرعي الموجب لعقوبة من سب النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر بياناً مقروناً بالأدلة، ومن نظر إلى الأدلة التي سردها شيخ الإسلام في هذا الكتاب من نصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة تبين له أنه دفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم وحماية لجنابه من التعرض له بما لا يليق به، وهذا لا صلة له بالابتداع، هذا وليت الشنقيطي فكر في تعذر الجمع بين الأمور التي استدل بها على تبرير الاحتفال بالمولد، فإن كون الشيء الواحد مشروعاً منكراً بدعة في آن واحد لا يتصور، لكن من تكلم فيما لا يحسنه أتى بالعجائب، هذا ما لزم بيانه وبالله التوفيق.

(انتهى ملحق الرسالة الثانية)

ص: 95

(819 ـ الاحتفال بذكرى نزول القرآن بدعة)

من محمد بن إبراهيم إلى سعادة وكيل وزارة الخارجية

المحترم.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:::::::

فبالإشارة إلى خطابكم رقم 34 ـ 1 ـ 41143 ـ 3 وتاريخ 3/4/1396هـ المرفق به صورة مذكرة السفارة الباكستانية بجدة رقم ـ ح وـ 66 ـ س وتاريخ 14 يوليو 1966 المتضمنة أن حكومة الباكستان تنوي الاحتفال بذكرى الـ 1400 لنزول القرآن الكريم.

وبما أن المؤسسات الدينية في الباكستان تختلف آراؤها في تحديد تاريخ نزول القرآن الكريم بالضبط. فطلبت حكومة الباكستان من سفارتها أن تتصل بحكومة المملكة العربية السعودية للحصول على التاريخ الصحيح الذي أُنزل الله فيه القرآن الخ.

وعليه ونظراً لأن ما جاء بمذكرة السفارة الباكستانية تطرق إلى بحثين مهمين:

" البحث الأول" عن وقت نزول القرآن.

البحث الثاني" عن جواز اتخاذ مثل هذا عيداً.

فلهذا نلفت النظر إلى مايلي:

" أولاً ": أما تاريخ نزول القرآن فإنه معروف لدى العلماء في كتب التفسير والحديث والتاريخ، بل ذكره الله في كتابه بقوله {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} (1) ولاشك أن بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإنزال القرآن عليه من أكبر النعم التي أنعم الله بها على هذه الأمة، بل هي أكبرها على الإطلاق، فلهذا

(1) سورة البقرة ـ آية 185.::::::

ص: 96

يجب أن تقابل بالشكر ، والشكر إنما هو باتباع شريعته والاقتداء بهديه وهدي الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم.

أما " البحث الثاني " هو جواز اتخاذ يوم نزول القرآن عيداص يتكرر بتكرر الأعوام فهذا ـ وإن ك ان قصد صاحبه حسناً ـ إلا أنه لما لم يكن مشروعاً، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من خلفائه الراشدين وسائر صحابته والتابعين لهم بإحسان ولا عن أحد من الأئمة الأربعة ـ مالك وأبي حنيفة والشافعي، وأحمد بن حنبل ـ ولا عن غيرهم من الأئمة المقتدى بهم سلفاً وخلفاً فلما لم يكن مشروعاً ولا ورد عن أحد ممن ذكر تعين التنبيه على أن مثل هذا لا يجوز شرعاً، لأنه لا أصل له في الدين، ولم يكن من عمل المسلمين، ونحن نجزم أن حكومة الباكستان أيدها الله بنصره وأعز بها شريعته ورزقها التمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ترد من هذا إلا خيراً، ونجزم أنها إذا تبين لها أن مثل هذا لا يجوز ستعدل عنه إلى غيره من الأمور المشروعة والله الموفق، والسلام.

مفتي البلاد السعودية (ص ـ ف ـ 1313 ـ 1 في 6/5/1386هـ)

(820 ـ والاحتفال بذكرى الاسراء والمعراج غير مشروع)

من محمد بن إبراهيم إلى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

بالإشارة إلى خطابكم لنا رقم 9ـ3ـ2ـ2939 وتاريخ

ص: 97

11/8/1388هـ ومشفوعه البطاقة المرفوعة إليكم من الاتحاد الإسلامي في الغرب وهذا نصها: دعوة جميع المسلمين في روما إلى مقر الاتحاد الإسلامي في الغرب وهذا نصها: دعوة جميع المسلمين في روما إلى مقر الاتحاد الإسلامي في الغرب في الساعة السابعة والربع من مساء السبت تاريخ 19/10/1968م بمناسبة " ذكرى المعراج المعظم" في ليلة 17 رجب للعام الثاني عشر من الرسالة إذ حضر محمد صلى الله عليه وسلم الوحي الأمير جبريل عليه السلام وعرج بالمصطفى عيناً وروحاً إلى المسجد الاقصى القدس الجريحة فصلى سيد الأنبياء ثم عرج به إلى السماء ليريه من آيات ربه.::::::

إن الإتحاد الإسلامي في الغرب يدعو كل مسلم بعد إقامة صلاة المعراج (12: ركعة كل في بيته التفضل إلى مقر الاتحاد للإسهام بالدعاء الخاص بهذه المناسبة " سبحان الله، أستغفر الله، اللهم صلي، بإمامية الشيخ باكير إمام الاتحاد الإسلامبي في الغرب، سيختتم الاحتفال بتلاوة قصيرة من آيات الله البينات. انتهى.

وتطلبون منا الجواب عن ذلك.

والجواب: هذا ليس بمشروع: لدلالة الكتاب والسنة وا لاستصحاب، والعقل، أما الكتاب فقد قال تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً} (1)

وقال تعالى {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول} (2) والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه، والرد إلى الرسول هو الرجوع إليه في حياته وإلى سنته بعد موته، وقال تعالى: {قل إن كنتم تحبون

(1) سورة المائدة ـ آية 3.

(2)

سورة النساء ـ آية 59.

ص: 98

الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم} (1) .

وقال تعالى: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (2) .

وأما السنة: فالأول ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وفي رواية لمسلم " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ".

" الثاني " روى الترمذي وصححه وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إياكم والمحدثات فإن كل محدثة ضلالة ".

" الثالث " روى الإمام أحمد والبزار عن غضيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة" رواه الطبراني إلا أنه قال: " ما من أمة ابتدعت بعد نبيها بدعة إلا أضاعت مثلها من السنة ".

" الرابع ": روى ابن ماجه وابن أبي عاصم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته " ورواه الطبراني. إلا أنه قال: " إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته ".

وأما الاستصحاب فهو هنا استصحاب العدم الأصلي. وتقرير ذلك أن العبادات توقيفية، فلا يقال: هذه العبادة مشروعة إلا بدليل

(1) سورة آل عمران ـ آية 31.

(2)

سورة النور آية 63.::::::::::::

ص: 99

من الكتاب والسنة والإجماع، ولا يقال إن هذا جائز من باب المصلحة المرسلة أو الإستحسان أو القياس أو الاجتهاد، لأن باب العقائد والعبادات والمقدرات كالمواريث والحدود لا مجال لتلك فيها.

وأما المعقول فتقريره أن يقال: لو كان هذا مشروعاً لكان أولى الناس بفعله محمد صلى الله عليه وسلم.

هذا إذا كان التعظيم من أجل الإسراء والمعراج وإن كا ن من أجل الرسول صلى الله عليه وسلم وإحياء ذكره كما يفعل في مولده صلى الله عليه وسلم فأولى الناس به أبو بكر رضي الله عنه ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم ثم من بعدهم من الصحابة على قدر منازلهم عند الله ثم التابعون ومن بعدهم من أئمة الدين ولم يعرف عن أحد منهم شيء من ذلك فيسعنا ما وسعهم.::::::::::::::::::

ونسوق لك بعض كلام العلماء في ذلك، فمن ذلك ما قاله ابن النحاس في كتابه " تنبيه الغافلين": ومنها ـ أي البدع المحرمة ـ ما أحدثوه ليلة السابع والعشرين من رجب وهي " ليلة المعراج " الذي شرف الله به هذه الأمة، فابتدعوا في هذه الليلة وفي ليلة النصف من شعبان وهي الليلة الشريفة العظيمة كثرة وقود القناديل في المسجد الأقصى وفي غيره من الجوامع والمساجد، واجتماع النساء مع الرجال والصغار اجتماعاً يؤدي إلى الفساد وتنجيس المسجد وكثرة اللعب فيه واللغط، ودخول النساء إلى الجوامع متزينات متعطرات، ويبتن في المسجد بأولادهن فربما سبق الصغير الحدث، ربما اضطرت المرأة والصبي إلى قضاء الحاجة، فإن خرجا من المسجد لم يجدا إلا طريق المسلمين في أبواب المساجد وإن لم يخرجا حرصا على مكانهما

ص: 100

أو حياء من الناس ربما فعلا ذلك في إناء أو ثوب أو في زاوية من زوايا المسجد وكل ذلك حرام، مع أن الداخل في الغلس لصلاة الصبح قل أن يسلم من تلويث ذيله أو نعله بما فعلوه في باب المسجد، ويدخل بنعله وما فيه من النجاسة إلى المسجد فينجسه وهو لا يشعر، إلى غير ذلك من المفاسد المشاهدة المعلومة.

وكل ذلك بدعة عظيمة في الدين ومحدثات أحدثها إخوان الشياطين، مع ما في ذلك من الإسراف في الوقيد والتبذير وإضاعة المال.::::::::::::

وقال أيضاً: واعتقاد أن ذلك قربة من أعظم البدع، وأقبح السيئات، بل لو كان في نفسه قربة وأدى إلى هذه المفاسد لكان إثماً عظيماً. فينبغي للعاجز عن إنكار هذه المنكرات أن لا يحضر الجامع وأن يصلي في بيته تلك الليلة إن لم يجد مسجداً سالماً من هذه البدع، لأن الصلاة في الجامع مندوب إليها وتكثير سواد أهل البدع منهي عنه، وترك المنهي عنه واجب وفعل الواجب متعين. هذا إن لم يكن مشهوراً بين الناس، فإن كان مشهوراً بينهم بعلم أو زهد وجب عليه أن لا يحضر الجامع ولا يشاهد هذه المنكرات، لأن في حضوره مع عدم الإنكار إيهاماً للعامة بأن هذه الأفعال مباحة أو مندوب إليها وإذا فقد من المسجد وتأخر عن عادته في الصلاة جماعة وأنكر ذلك بقلبه لعجزه ربما يسلم من الإثم، ولا يغتر به غيره، ويستشعر الناس من عدم حضوره أن هذه الأفعال غير مرضية، لأن حضور من يقتدى به في هذه الليلة هو الشبهة العظمى. فظن الجهال. والعوام أن ذلك مستحسن شرعاً، ولو اتفق العلماء والصلحاء على إنكار ذلك لزال

ص: 101

بل لو عجزوا عن الانكار وتركوا الصلاة في الجامع المذكور لظهر للناس أن ذلك بدعة لا يسوغها الشرع ولا يرضاها أهل الدين، وربما امتنع الناس عن ذلك أو بعضهم فحصل لهم الثواب بفعل ما يقدرون عليه من الإنكار بالقلب والإمتناع عن الحضور إن كانوا عاجزين عن التبيين، وإن كانوا قادرين فيسقط عنهم بعض الإثم ويخفف عنهم الوزر.

وقال الشيخ علي محفوظ في كتابه " الإبداع في مضار الابتداع " تحت عنوان " المواسم التي نسبوها إلى الشرع وليست منه ": ومنها " ليلة المعراج " التي شرف الله تعالى هذه الأمة بما شرع لهم فيها.::::::

وقد تفنن أهل هذا الزمان بما يأتونه في هذه الليلة من المنكرات، وأحدثوا فيها من أنواع البدع ضروباً كثيرة: كالاجتماع في المساجد وإيقاد الشموع والمصابيح فيها وعلى المنارات مع الإسراف في ذلك، واجتماعهم للذكر والقراءة وتلاوة قصة المعراج، وكان ذلك حسناً لو كان ذكراً وقراءة وتعلم علم: لكنهم لا يخرجون عن الثابت قيد شعرة ويعتقدون الخروج عنه ضلالة لاسيما عصر الصحابة ومن بعدهم من أهل القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير. إنتهى.

وإن اردتم المزيد من الكلام على الموضوع فعليكم مراجعة " الاعتصام" للشاطي و " البدع والحوادث " للطرطوشي و " البدع والنهي عنها" لابن وضاح القرطبي. هذا ونسأل الله لنا ولكم ولجميع المسلمين التوفيق والهداية إلى دين الإسلام والثبات عليه والسلام عليكم.

مفتي الديار السعودية

(ص ـ ف ـ 1125 في 2/6/1389هـ)

ص: 102

(821 ـ الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج مبتدع لا تجوز المشاركة فيه)

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فقد اطلعت على خطابكم رقم 682 في 4/7/85هـ بصدد الدعوة الموجهة لكم من قاضي القضاة في المملكة الأردنية الهاشمية لحضور الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج، وطلبكم الإفادة برأينا تجاه ذلك.

إنني أقول: الاحتفال بذكرى " الإسراء والمعراج" أمر باطل، وشيء مبتدع، وهو تشبه باليهود والنصارى في تعظيم أيام لم يعظمها الشرع. وصاحب المقام الأسمى رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم هو الذي شرع الشرائع، وهو الذي وضح ما يحل وما يحرم، ثم إن خلفاءه الراشدين وأئمة الهدى من الصحابة والتابعين لم يعرف عن أحد منهم أنه احتفل بهذه الذكرى.::::::

المقصود أن الاحتفال بذكرى " الإسراء والمعراج" بدعة، فلا يجوز ولا تجوز المشاركة فيه، ولا أوافق على أن تشارك الرابطة فيه لا بإرسال أحد من موظفيها ولا بإنابة الشيخ القلقيلي أو غيره عنها في ذلك والسلام عليكم.

مفتي الديار السعودية (ص ـ م ـ 2803 في 8/7/1385هـ) .

ص: 103

(822 ـ الذبح ليلة الاسراء والمعراج معصية)

من محمد بن إبراهيم إلى المكرم عبد الكريم سعيد زهراني

سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:

كتابك لنا المؤرخ في 21/7/1387هـ وصل وقد ذكرت فيه أن والدتك نذرت بعدما وضعت في شعبان أن تذبح ذبيحة في اليوم السابع والعشرين من رجب من كل سنة وذلك منذ ثمان وعشرين سنة واستمرت موفية بنذرها طول هذه المدة، وتسأل عن حكم هذا النذر.

والجواب: هذا النذر لا ينعقد لاشتماله على معصية، وهي أن شهر رجب شهر معظم عند أهل الجاهلية، وليلة السابع والعشرين منه يعتقد بعض الناس أنها ليلة " الإسراء والمعراج" فجعلوها عيداً يجتمعون فيها، ويعملون أموراً بدعية، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوفاء بالنذر في المكان الذي يفعل فيه أهل الجاهلية أعيادهم أو يذبح فيه لغير الله فعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه قال: نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد. قالوا: لا قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم، قالوا: لا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم " رواه أبو داود وإسناده على شرط البخاري ومسلم. والسلام عليكم.

مفتي الديار السعودية (ص ـ ف 3727 ـ 1 في 25/9/1387هـ)

ص: 104

(823 ـ الهدايا بمناسبة عيد النصارى ـ عيد الميلاد ـ لا تجوز)

من محمد بن إبراهيم إلى معالي وزير التجارة

سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:::::::

ذكر لنا أن بعض التجار في العام الماضي استوردوا هدايا خاصة لمناسبة العيد المسيحي لرأس السنة الميلادية، من ضمن هذه الهدايا " شجرة الميلاد المسيحي" وأن بعض المواطنين كانوا يشترونها ويقدمونها للأجانب المسيحيين في بلادنا مشاركة منهم في هذا العيد.

وهذا أمر منكر ما كان ينبغي لهم فعله، ولا نشك في أنكم تعرفون عدم جواز ذلك، وما ذكره أهل العلم من الاتفاق على حظر مشاركة الكفار من مشركين وأهل كتاب في أعيادهم.

فنأمل منكم ملاحظة منع ما يرد للبلاد من هذه الهدايا وما في حكمها مما هو خصائص عيدهم.

كما أننا نلفت نظركم إلى أن كثيراً من الغيورين على دينهم قد ذكروا لنا أن لحوماً معلبة مستوردة من الخارج تباع في البقالات وغيرها، وتعرفون بارك الله فيكم أن الذبح الشرعي شرط في حل ذلك وأن مصدري هذه اللحوم المعلبة لا يعتبرون للذكاة الشرعية دخلاً في الحل والتحريم، لا سيما البلدان الشيوعية وما في حكمها ممن تربوا على الإلحاد والكفر بالله.

فاعتمدوا بارك الله فيكم الاحتياط لبراءة ذمم المسلمين بمنع ورود هذه اللحوم المعلبة، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد، والسلام عليكم.

مفتي الديار السعودية

(ص ـ ف 3340 ـ 1 في 24/8/1387هـ)

ص: 105

(824 ـ ذكرى ابن سيناء)

لكن " ابن سيناء" الذي هذه حالته (1) كيف يجعل له ذكرى وعيد.

(تقرير على شرح الطحاوية)

(825 ـ عيد الجلوس)

عيد الجلوس هو من طرائق اليهود والنصارى، فإن الأعياد كلها من باب العبادة، فإن تعظيم الزمان والأعياد المكانية ما لأهل الإسلام إلا المساجد الثلاثة وما يتبع المسجد الحرام من المشاعر، وغيره لا أبدا (2)

(تقرير)

(825/م ـ تكذيب مانشرته جريدة)

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة فضيلة الشيخ محمد البيز

رئيس محكمة الطائف

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد نشرت جريدة البلاد في عددها رقم (240) الصادر يوم الجمعة الموافق12 الجاري أن المشائخ توافدوا إلى قصر الحكم في الرياض لتهنئة جلالة الملك بيوم ذكرى جلوسه.

ونقول إن هذا غلط، فإننا وإخواننا المشايخ لا نرى ذلك سائغاً، فضلاً عن أن نهنئ الملك به، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (الختم)

(ص ـ م ـ 1290 في 28/5/1375هـ) .

(1) ابن سيناء: هو ابن علي الملقب (الرئيس) قال شيخ الاسلام ابن سيناء وأمثاله في العلوم الالهية خير من سلفه (فلاسفة الصائبة) وأهل بيته (الباطنية) لما عرف شيئاً من دين المسلمين أراد أن يجمع بينه وبين ماتلقاه عن سلفه، كما أحدث أشياء أصلح بها فلسفة من قبله حتى ضل بها من لم يعرف الإسلام. أنظر ج36 ص26، 490.::::::

(2)

وانظر فتوى لسماحته مع الشيخ محمد بن عبد اللطيف والشيخ صالح بن عبد العزيز في هذا الموضوع في الدرر السنية جزء (4)(ص/ 239) .

ص: 106

(826 ـ العيد الوطني)

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.

أما بعد: ـ فإن تخصيص يوم من أيام السنة بخصيصة دون غيره من الأيام يكون به ذلك اليوم عيداً، علاوة على ذلك أنه بدعة في نفسه ومحرم وشرع دين لم يأذن به الله، والواقع أصدق شاهد، وشهادة الشرع المطهر فوق ذلك وأصدق، إذ العيد اسم لما يعود مجيؤه ويتكرر سواء كان عائداً يعود السنة أو الشهر أو الأسبوع كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (1) .

ولما كان للنفوس من الولع بالعيد ما لا يخفى لا يوجد طائفة من الناس إلا ولهم عيد أو أعياد يظهرون فيه السرور والفرح ومتطلبات النفوس شرعاً وطبعاً من عبادات وغيرها، ولهذا لما أنكر أبو بكر الصديق رضي الله عنه على الجويريتين الغناء يوم العيد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" دعهما ياأبا بكر فإن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا أهل الإسلام ".

وقد منّ الله على المسلمين بما شرعه لهم على لسان نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم من العيدين الإسلاميين العظيمين الشريفين الذين يفوقان أي عيد كان، وهما:" عيد الفطر " و " عيد الأضحى " ولا عيد للمسلمين سنوياً سواهما، وكل واحد من هذين العيدين شرع شكر الله تعالى على أداء ركن عظيم من أركان الإسلام.::::::

(1) في اقتضاء الصراط المستقيم ص189.::::::

ص: 107

فـ" عيد الفطر" أوجبه الله تعالى على المسلمين وشرعه ومنّ به عليهم شكراً لله تعالى على توفيقه إياهم لإكمال صيام رمضان وما شرع فيه من قيام ليله وغير ذلك من القربات والطاعات المنقسمة إلى فرض كالصلاة وصدقة الفطر وإلى مندوب وهو ماسوى ذلك من القربات المشروعة فيه، وللجميع من المزايا ومزيد المثوبة ما لا يعلمه إلا الله تعالى و " عيد الأضحى " شرع شكراً لله تعالى على أداء ركن آخر من أركان الإسلام وهو حج بيت الله الحرام، وقد فرض الله فيه صلاة العيد، وشرع فيه وفي أيام التشريق ذبح القرابين من الضحايا والهدايا التي المقصود منها طاعة الله تعالى والإحسان إلى النفس والأهل بالأكل والتوسع والهدية للجيران والصدقة على المساكين، وشرع فيه وفي أيام التشريق وفي عيد الفطر من التكبير والتهليل والتحميد ما لا يخفى، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:" يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب " وفي حديث آخر زيادة " وذكر لله تعالى " كما منّ تعالى بشرعه إظهار السرور والفرح ولابروز بأحسن مظهر وأكمل نظافة والامبساط والفراغ في ذلك اليوم والتهاني بذلك العيد والراحة من الأعمال توفيراً للسرور والأنس وغير ذلك وكل ذلك يدخل في مسمى العيد حتى أذن فيه بتعاطي شيء من اللعب المباح في حق من لهم ميل إليه كالجويريات والحبشة الذين لهم من الولع باللعب ما ليس لغيرهم ، كما أقر فيه صلى الله عليه وسلم الجويريتين على الغناء المباح بين يديه صلى الله عليه وسلم: وأقر الحبشة على اللعب بالدرق والحراب في المسجد يوم العيد، وبذلك يعرف أن المسلمين لم يخلوا بحمد الله في السنة من عيد، بل شرع

ص: 108

لهم عيدان اثنان، اشتمل كل واحد من العيدين من العبادات والعادات من الفرح والامبساط ومظهر مزيد التآلف والتواد والتهاني به بينهم ودعاء بعضهم لبعض على ما لم يشتمل عليه سواهما من الأعياد.::::::

وتعيين يوم ثالث من السنة للمسلمين فيه عدة محاذير شرعية. " أحدها " المضاهات بذلك للأعياد الشرعية.

" المحذور الثاني ": أنه مشابهة للكفار من أهل الكتاب وغيرهم في إحداث أعياد لم تكن مشروعة أصلاً، وتحريم ذلك معلوم بالبراهين والأدلة القاطعة من الكتاب والسنة، وليس تحريم ذلك من باب التحريم المجرد، بل هو من باب تحريم البدع في الدين، وتحريم شرع دين لم يأذن به الله كما يأتي إن شاء الله بأوضح من هذا، وهو أغلظ وأفضع من المحرمات الشهوانية ونحوها.

وقد ألف شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية قدس الله روحه ونور ضريحه في تحريم مشابهة الكفار ولا سيما في أعيادهم سفراً ضخماً سماه " اقتضاء الصراط المستقيم، في مخالفة أصحاب الجحيم " ذكر فيه تحريم مشابهة الكفار بالأدلة: من الكتاب، والسنة، والإجماع، والآثار، والإعتبار، فذكر من الآيات القرآنية ما ينيف على ثلاثين آية، وقرر بعد كل آية وجه دلالتها على ذلك ، ثم ذكر من الأحاديث النبوية الدالة على تحريم مشابهة أهل الكتاب ما يقارب مائة حديث، وأعقب كل حديث بذكر وجه دلالته على ذلك، ثم ذكر الإجماع على التحريم، ثم ذكر الآثار.

ص: 109

ثم ذكر من الاعتبار ما في بعضه الكفاية، فما أجل هذا الكتاب وأكبر فائدته في هذا الباب.

" المحذور الثالث": أن ذلك اليوم الذي عين الموطن الذي هو أول يوم من الميزان هو يوم المهرجان الذي هو عين الموطن الذي هو أول يوم من الميزان هو يوم المهراجان الذي هو عيد الفرس المجوس، فيكون تعيين هذا اليوم وتعظيمه تشبهاً خاصاً، وهو أبلغ في التحريم من التشبه العام.::::::

" المحذور الرابع ": ان في ذاك من التعريج على السنة الشمسية وإيثارها على السنة القسرية التي أولها المحرم ما لا يخفى، ولو ساغ ذلك ـ وليس بسائغ البتة ـ لكان أول يوم من السنة القمرية أولى بذلك، وهذا عدول عما عليه العرب في جاهليتها وإسلامها، ولا يخفى أن المعتبر في الشريعة المحمدية بالنسبة إلى عباداتها وأحكامها الفتقرة إلى عدد وحساب من عبادات وغيرها هي الأشهر القمرية، قال تعالى {هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون} (1) وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما:" إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا وهكذا، وعقد الإبهام في الثالثة ثم قال: الشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام الثلاثين يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين " فوقت العبادات بالأشهر القمرية من الصيام والحج وغير ذلك كالعدد، وفضل الله الأزمنة بعضها على بعض باعتبار الأشهر القمرية.

(1) سورة يونس ـ آية 5.

ص: 110

" المحذور الخامس" أن ذلك شرع دين لم يأذن به الله، فإن جنس العيد الأصل فيه أنه عبادة وقرية إلى الله تعالى، مع ما اشتمل عليه مما تقدم ذكره، وقد قال تعالى:{أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} (1) .

وأنا أذكر إن شاء الله أنموذجاً مما استدل به شيخ الإسلم رحمه الله في هذا الباب من الأصول الخمسة التي تقدمت الإشارة إليها، إقامة للحجة، وإيضاحاً للمحجة، وبراءة للذمة، ونصحاً لإمام المسلمين ولجميع الأمة، ثم أنقل بعد مواضع مفرقة من كتابه المذكور، ثم أذكر بعد ذلك خاتمة دعت إلى ذكرها الضرورة.

فمن الكتاب قوله تعالى: {كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالاً وأولاداً فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون} (2) .

قال شيخ الإسلام رحمه الله في الكتاب المذكور المطبوع في مطبعة أنصار السنة المحمدية حول دلالة هذه الآية الكريمة على ما نحن بصدده صحيفة (26) ما نصه: وقد توعد الله سبحانه هؤلاء المستمتعين الخائضين بقوله {أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون} وهذا هو المقصود هنا من هذه الآية وهو أن الله قد أخبر أن في هذه الأمة من استمتع بخلاقه كما استمتعت الأمم قبلهم، وخاض كالذي خاضوا، وذمهم على ذلك، وتوعدهم

(1) سورة الشورى ـ آية 21.::::::

(2)

سورة التوبة ـ آية 69.

ص: 111

على ذلك، ثم حظهم على الإعتبار بمن قبلهم، فقال:{ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود} الآية (1) وقد قدمنا أن طاعة الله ورسوله في وصف المؤمنين بإزاء ما وصف به هؤلاء من مشابهة القرون المتقدمة وذم من يفعل ذلك ـ إلى أن قال:

ثم هذا الذي دل عليه الكتاب من مشابهة بعض هذه الأمة بالقرون الماضية في الدنيا وفي الدين وذم من يفعل ذلك دلت عليه أيضاً سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأول هذه الآية على ذلك أصحابه رضي الله عنهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لتأخذن كما أخذت الأمم من قبلكم ذراعاً بذراع وشبراً بشبر وباعاً بباع حتى لو أن أحداً من أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه "(2) قال أبو هريرة: إقرؤوا إن شئتم {كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة} الآية قالوا: يارسول الله كما صنعت فارس والروم وأهل الكتاب، قال: فهل الناس إلا هم " وعن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية أنه قال: ما أشبه الليلة بالبارحة، هؤلاء بنوا إسرائيل شبهنا بهم، وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: أنتم أشبه الأمم ببني إسرائيل سمتاً وهدياً، تتبعون عملهم حذو القذة بالقذة، غير أني لا أدري أتعبدون العجل أم لا.

وقال رحمه الله صحيفة (184) : وأما السنة فروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم

(1) سورة التوبة ـ آية 70.::::::

(2)

رواه ابن جرير في تفسير هذه الآية، وله شاهد في الصحيح عن ابي سعد.::::::

ص: 112

يومان يلعبون فيهما فقال: " ماهذان اليومان، قالوا: كنا نلعب فيها في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر " رواه أبو داود بهذا اللفظ، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا حماد، عن حميد، عن أنس ورواه أحمد والنسائي وهذا على شرط مسلم.

وقال رحمه الله: وأيضاً مما هو صريح في الدلالة ما روى أبو داود في سننه: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو النظر يعني هاشم بن القاسم، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت، حدثنا حسان بن عطية، عن أبي منيب الجرشي: عن ابن عمر رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تشبه بقوم فهو منهم، " وهذا إسناد جيد وهذا الحديث أقل أحواله أنه يقتضي تحريم التشبه بهم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم، كما في قوله {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} (1) وهو نظير ما سنذكره عن عبد الله بن عمرو أنه قال: من بنى بأرض المشركين، وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت حشر معهم يوم القيامة، فقد يحمل هذا على التشبه المطلق فإنه يوجب الكفر، ويقتضي تحريم أبعاض ذلك وقد يحمل على أنه صار منهم في القدر المشترك الذي شابههم فيه، فإن كان كفراً أو معصية أو شعاراً للكفر أو للمعصية كان حكمه كذلك. وبكل حال فهو يقتضي تحريم التشبه بهم بعلة كونه تشبهاً.

وقال رحمه الله صحيفة (198) : وأما الإجماع والآثار فمن وجوه:

(1) سورة المائدة ـ آية 51.::::::

ص: 113

" أحدها ": ما قدمت التنبيه عليه من أن اليهود والنصارى والمجوس ما زالوا في أمصار المسلمين بالجزية يفعلون أعيادهم التي لهم، والمقتضى لبعض ما يفعلونه قائم في كثير من النفوس، ثم لم يكن على عهد السلف من المسلمين من يشركهم في شيء من ذلك، فلولا قيام المانع في نفوس الأمة كراهة ونهياً عن ذلك وإلا لوقع ذلك كثيراً، إذ الفعل مع وجود مقتضيه وعدم مانعه واقع لا محالة، والمقتضي واقع، فعلم وجود المانع، والمانع هنا هو الدين، فعلم أن الدين دين الإسلام هو المانع من الموافقة وهو المطلوب.

و" الثاني " أنه قد تقدم في شروط عمر رضي الله عنه التي اتفقت عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم: أن أهل الذمة من أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام وسموا (1) الشعانين والباعوث، فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها فكيف يسوغ للمسلمين فعلها، أو ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها مظهراً لها، وذلك أنا إنما منعناهم من إظهارها لما فيه من الفساد: إما لأنها معصية: أو شعار المعصية، وعلى التقديرين فالمسلم ممنوع من المعصية ومن شعار المعصية، ولو لم يكن في فعل المسلم لها من الشر إلا تجرئة الكافر على إظهارها، لقوة قلبه بالمسلم، فكيف بالمسلم إذا فعلها، فكيف وفيها من الشر ما سننبه على بعضه إن شاء الله.

ومن الآثار التي ذكرها رحمه الله ها هنا ما رواه البيهقي بإسناده

(1) أي: سموا أعيادهم بـ " الشعانين " و " الباعوث ".::::::

ص: 114

عن عبد الله بن عمرو قال: من بنى ببلاد الأعاجم، وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة.

ومنها أيضاً ما رواه البخاري في صحيحه عن قيس بن أبي حازم قال: دخل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على امرأة من أحمس يقال لها: زينب، فرآها لا تتكلم، فقال: ما لها لا تتكلم، قالوا حجت مصمتة، فقال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية فتكلمت فقالت: من أنت، قال: امرؤ من المهاجرين، فقالت: من أي المهاجرين قال: من قريش قالت: من أي قريش قال: إنك لسؤول، وقال: أنا أبو بكر، قالت: مابقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية، قال: بقاؤكم عليه ما استقامت لكم أئمتكم قالت: وما الأئمة، قال: أما كان لقومكم رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم، قالت: بلى قال: فهم أولئك على الناس.

وقال رحمه الله صفحة (27) وأما الاعتبار في مسألة العبد فمن وجوه.

" أحدها " أن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} (1) وقال: {لكل أمة جعلنا منسكاً هم ناسكوه} (2) كالقبلة والصلاة والصيام، فلا فرق بين مشاركتهم في العيد وبين مشاركتهم في سائر المناهج

(1) سورة المائدة ـ آية 48.

(2)

سورة الحج ـ آية 63.::::::

ص: 115

فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر، والموافقة في بعض فروع موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به بين الشرائع، ومن أظهر مالها من الشرائع، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة وشروطه إلى أن قال:

"الوجه الثاني" من الاعتبار: أن ما يفعلونه في أعيادهم معصية لله، لأنه إما محدث مبتدع وإما منسوخ، وأحسن أحواله ـ ولا حسن فيه ـ أن يكون بمنزلة صلاة المسلم إلى بيت المقدس، هذا إذا كان المفعول مما يتدين به، وأما ما يتبع ذلك من التوسع في العادات من الطعام واللباس واللعب والراحة فهو تابع له في دين الإسلام إلى أن قال:

" الوجه الثالث " من الاعتبار يدل أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس، بل عيداً، حتى يضاهى بعيد الله، بل قد يزيد عليه حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر، إلى أن قال:

" الوجه الخامس" من الإعتبار: أن مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، خصوصاً إذا كانوا مقهورين تحت ذل الجزية والصغار، فإنهم يرون المسلمين قد صاروا فرعاً لهم في خصائص دينهم، فإن ذلك يوجب قوة قلوبهم وانشراح صدورهم إلى أن قال:

ص: 116

" الوجه الثامن "من الاعتبار أن المشابهة في الظاهر نورت نوع مودة ومحبة وموالات في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة، إلى أن قال رحمه الله: فإذا كانت المشابهة في أمور دينية تورث المحبة والموالاة فكيف بالمشابهة في أمور دينية فإن افضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان، قال الله تعالى:{ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين} (1) .

وأما المواضع المتفرقة (2) فقال رحمه الله (ص293) : " النوع الثاني" ماجرى فيه حادثة كما كان يجري في غيره من غير أن يوجب ذلك جعله موسماً ولا كان السلف يعظمونه كثامن عشر ذي الحجة الذي خطب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بغدير خم مرجعه من حجة الوداع، فإنه صلى الله عليه وسلم خطب فيه خطبة وصى فيها باتباع كتاب الله، ووصى فيها بأهل بيته، كما رواه مسلم في صحيحه عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، فزاد بعض أهل الأهواء في ذلك حتى زعموا أنه عهد إلى علي رضي الله عنه بالخلافة بالنص الجلي، إلى أن قال: وليس الغرض الكلام في " مسألة الإمامة" وإنما الغرض أن اتخاذ هذا اليوم عيداً محدث لا أصل له

(1) سورة المائدة ـ آية 51 ـ 53.::::::

(2)

من كتاب اقتضاء الصراط المستقيم التي أشار إليها سماحته في أول هذه الرسالة.::::::

ص: 117

فلم يكن في السلف لا من أهل البيت ولا من غيرهم من اتخذ ذلك عيداً حتى يحدث فيه أعمالاً، إذ الأعياد شريعة من الشرائع فيجب فيها الاتباع لا الابتداع، وللنبي صلى الله عليه وسلم خطب وعهود ووقائع في أيام متعددة: مثل بدر، وحنين، والخندق، وفتح مكة، ووقت هجرته، ودخوله المدينة، وخطب له متعددة يذكر فيها قواعد الدين، ثم لم يوجب ذلك أن تتخذ أمثال تلك الأيام أعياداً، وإنما يفعل مثل هذا النصارى الذين يتخذون أمثال أيام حوادث عيسى عليه السلام أعياداً أو اليهود، وإنما العيد شريعة، فما شرعه الله اتبع، وإلا لم يحدث في الدين ما ليس منه.

وقال أيضاً صحيفة 18 (فصل) إذا تقرر هذا الأصل في مشابهة الكفار فنقول: موافقتهم في أعيادهم لا تجوز من الطريقين " الأول العام": هو ما تقدم من أن هذه موافقة لأهل الكتاب فيما ليس من ديننا ولا عادة سلفنا، فيكون فيه مفسدة موافقتهم، وفي تركه مصلحة مخالفتهم، حتى لو كانت موافقتهم في ذلك أمراً اتفاقياً مأخوذاً عنهم لكان المشروع لنا مخالفتهم، لما في مخالفتهم من المصلحة لنا كما تقدمت الإشارة إليه.

وقال رحمه الله ص 267 (فصل) ومن المنكرات في هذا الباب سائر الأعياد والمواسم المبتدعة، فإنها من المنكرات المكروهات، سواء بلغت الكراهة التحريم أو لم تبلغه، وذلك أن أعياد أهل الكتاب والأعاجم نهى عنها لسببين:

أحدهما: أن فيها مشابهة الكفار

ص: 118

و" الثاني " أنها من البدع.

فما أحدث من المواسم والأعياد فهو منكر وأن لم يكن فيه مشابهة لأهل الكتاب لوجهين:

" أحدهما": أن ذلك داخل في مسمى البدع والمحدثات، فيدخل فيما رواه مسلم في صحيحه عن جابر قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم، ويقول: أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة " وفي رواية للنسائي: " وكل ضلالة في النار" وفيما رواه أيضاً في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" وفي لفظ في الصحيحين: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " وفي الحديث الصحيح الذي رواه أهل السنن عن العرباض بن سارية عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" وهذه قاعدة دلت عليها السنة والإجماع مع ما في كتاب الله من الدلالة عليها أيضاً، قال تعالى:{أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} (1) إلى أن قال: وقد قال سبحانه: {اتخذوا

(1) سورة الشورى ـ آية21.

ص: 119

أحبارهم ورهبانهم أرباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلا إلاهاً واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} (1) .

قال عدي بن حاتم للنبي صلى الله عليه وسلم: " يا رسول الله ما عبدوهم قال: ما عبدوهم ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم فتلك عبادتهم " انتهى.

وأما " الخاتمة" فقد جاء الكتاب والسنة والإجماع بوجوب طاعة الله ورسوله، والرد عند التنازع إلى الله والرسول، وتحريم الخروج عن سبيل المؤمنين، وتحريم طاعة العلماء والعباد والأمراء في معصية الله، فقال تعالى:{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً} (2) وقال تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً} (3) وفي الصحيحين عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا طاعة في معصية إنما الطاعة في المعروف " والآيات والأحاديث في هذا الباب أكثر من أن تستقصى فإنه لا طاعة لمخلوق في خلاف ما أمر الله به ورسوله سواء كان من العلماء أو الأمراء والعباد، قال شيخ الإسلام إمام الدعوة قدس الله روحه في " كتاب التوحيد " ما نصه: " باب من أطاع العلماء

(1) سورة التوبة ـ آية 31.::::::

(2)

سورة النساء ـ آية 59.

(3)

سورة النساء ـ آية 115.

ص: 120

والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرمه فقد اتخذهم أرباباً من دون الله " وقال ابن عباس: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر، وقال الإمام أحمد: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان، والله تعالى يقول: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) (1)

أتدري ما الفتنة، الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، وعن عدي بن حاتم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلاها واحداً لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون} فقلت له: إنا لسنا نعبدهم قال: أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه، فقلت: بلى، قال: فتلك عبادتهم " رواه أحمد والترمذي وحسنه انتهى. والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

تحريراً في 19/5/1385هـ) (2)

(برقية)

صاحب الجلالة الملك المعظم أيده الله

الرياض

بلغني أن هناك يوماً في السنة عند الموظفين والمدارس يسمى " يوم النظافة"

(1) سورة النور ـ آية 63..::::::

(2)

هذه الفتوى وجدتها بيد بعض طلاب العلم، وهي مما أملاه علي في مكتبته الخاصة.::::::

ص: 121

وقد احتفل به في جدة، وأبدى لجلالتكم حفظكم الله، أن تخصيص هذا اليوم والاحتفال به أمر لا يجيزه الشرع حيث يكون بصفة العيد، ولا عيد لأهل الإسلام غير أعيادهم التي سنها الشرع، وما سواها فحدث باطل ينهى عنه الإسلام ويمنعه.

أما النظافة فأمرها معروف، وهي مطلوبة في كل وقت، لا تخصص بوقت دون وقت، قف، بلغني هذا الخبر وعسى أن لا يكون صحيحاً وغيرتكم للشرع وحمايتكم له تأبى إقرار هذا الشيء وأمثاله تولاكم الله بتوفيقه.

محمد بن إبراهيم (ص ـ م ـ 229 في 16/8/1379هـ)

(827 ـ كان في أميركا يوم يشبه عيد، يكذب فيه وهذا يدل على ميل القلوب للباطل

(تقرير)

(828 ـ إذا قامت البينة في أثناء النهار فمتى يصلون العيد)

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة المكرم محمد السعود العيسى

سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد وصلني كتابكم المؤرخ 3 شوال 76هـ وفهمنا ما أشرتم إليه من تأخير القاضي لديكم لصلاة عيد الفطر من السنة الماضية إلى اليوم الثاني مع أن خبر العيد قد وصل إليكم الساعة الحادية عشر والنصف صباحاً

ص: 122

ونفيدكم أنه إذا قامت البينة من أول النهار وجبت صلاة العيد، لبقاء الوقت، فإنه من ارتفاع الشمس إلى الزوال، وإن لم يعلم بالعيد إلا بعد زوال الشمس أو قبله ولم يمكن فعلها في الوقت فإنهم يصلونها من الغد قضاء، لفوات وقت فعلها يوم العيد بزوال الشمس، لما روى أبو داود عن ابن عمير بن أنس عن عمومة له من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم " أن ركباً جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا فإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم " وفي لفظ " فجاء ركب في آخر النهار " الخ. والسلام عليكم. في 9/3/1377هـ.

مفتي الديار السعودية (ص ـ ف ـ 252 في 11/3/1377هـ)

(اللعب والطرب المباح في العيدين، والمحظور، والعرضات)

العيد من شأنه اللعب، حتى إن الصغار من الجواري لهم أن يلعبوا في ذلك اليوم اللعب الذي لا يشتمل على محظور، لأنه يوم سرور، والصغار لهم ميل في وقت السرور إلى جنس ذلك، وكذلك ما يشبههم، والنبي صلى الله عليه وسلم أقر الحبشة يلعبون ومعهم الحراب، لكون الحبشة يميلون للطرب المباح في مثل هذا اليوم الذي لا يفضي إلى محظور، ولهذا في الحديث " دعهما فإن لكل قوم

ص: 123

عيداً وهذا عيدنا" (1) ولهذه في الزواج: أتيناكم أتيناكم (2) أما مايشتمل على محظور فلا يجوز بحال كمدح الخدود والقدود ونحو ذلك. فإنه لا يجوز، وأكل مال بالباطل، ويكون سبباً لاستيلاء الغفلة.

" العرات" التي توجد في هذه السنوات أيام الأعياد مما ينافي العيد، وهو من الباطل لا من السرور، ثم اتخاذه عيداً لا يجوز كثيراً ما يلتبس على الناس عرضات العيد، من قال إن الصحابة يعرضون يوم العيد؟ والحبشة لهم ميل إلى أشياء مباحة في الأصل من ناحية القول والعمل، أما الأشياء التي هي مواسم الفساد وأهل الفساد والاختلاط الذي لا يجوز وترك الصلوات بعض الأحياء فإنه سكر بخمر الهوى.

سكر هوى وسكر مدامة

فمتى يفيق من به سكران

وقد كان في العام الماضي وقبله بعام يأخذ ثلاثة أيام، وهذا من عادات الجاهلية، وقد صدر الأمر بتركه في هذه البلاد وأظن في البلدان التي يكون من شأنها، ولم يكن في نجد قبل الحاصل أن هذا أمر جاهلي يبطل واللعب الذي مثل التدرب مثل أخذ الحراب وهزها وأخذ الدرق ونحو ذلك (3) .

(تقرير 16 ـ 10 ـ 1378هـ) .

(1) أخرجاه في الصحيحين.

(2)

أتيناكم أتيناكم

فحيونا نحييكم

لولا الذهب الأحـ

ـمر ماحلت بواديكم

لولا الحبة السمرا

ما سمنت عذاريكم::::::

(3)

جائز.::::::

ص: 124

(830 ـ تناول طعام العيد في الأسواق)

تناول طعام العيد في البيوت كان مشهوراً في نجد، وأخرج في الأسواق ليكمل الانتفاع به، فهو رآه من رآه نظراً إلى أن مجمع فيه يكمل السرور والاطعام ونحو ذلك

(تقرير)

(831 ـ تجول أهل القرى بعضها على بعض وتقديم بعض أنواع الطعام)

من محمد بن إبراهيم إلى المكرم علي الصعيري

سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

جواباً على خطابكم المرفوع إلينا بصدد الاستفسار عن حكم ما يجري عندكم عادة من تجول أهل القرى بعضها على بعض في أيام العيد، وذلك بعد عودتهم من صلاة العيد وتقديم بعض أنواع الطعام، وأن بعض المرشدين منعكم من فعل ذلك، ورأى الاكتفاء بأحد هذه الأشياء دون غيرها.

نفيدكم أن منع أحد المرشدين في غير محله، إلا أن يكون من باب المشورة والإرشاد إلى الاقتصار على واحد منها ولا سيما الأخف فهذا حسن إن شاء الله والسلام.

(ص ـ ف ـ 294 في 6/3/1381هـ)

(832 ـ مصلى العيد)

من محمد بن إبراهيم إلى فضيلة قاضي الدلم

سلمه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

نرفق لك بهذا الأوراق الواردة منك برقم 944 ـ 2 وتاريخ

ص: 125

22/9/138هـ بشأن مصلى العيد في العذار، ونشعرك أننا اطلعنا على ما شهد به الشهود لديك على ما أجراه سلفك الشيخ عبد الرحمن بن فارس، وحيث أن القاضي الذي شهدوا على تصرفه قد قرر في خطابه لنا المرفق بهذا برقم117 وتاريخ 10/7/1380هـ أن ذلك التصرف صدر منه مؤقتاً للضرورة ريثما تصدر منا الفتوى في ذلك فإن ذلك التصرف لا يعتبر نافذ المفعول.

والذي نراه أن يكون مصلى عيد أهل العذار في بقعة ليس فيها شبهة ولا وقف على جهة أخرى، ويكون تعيين البقعة بواسطتك سواء كانت في موات أو في أرض مملوكة تشترى من أهلها، وقد بلغنا أنهم كانوا يصلون مع أهل الدلم في مسجد ثم قد عين لأهل حلة الدلم وما حولها مسجد قرب المحلة وبقي الأول الآن معطلاً وإذا كان ذلك صحيحاً فينبغي بيع ذلك المسجد المتعطل وصرف ثمنه في مصلى لأهل العذار، وإن احتاج لزيادة ثمن سعي في تحصيله بواستطك من جهة الحكومة أو من أهل البلد أنفسهم، وأن لم يتيسر تعيين مسجد لهم قبل هذا العيد فيصلون مع أهل الدلم كعادتهم السابقة والسلام.

رئيس القضاة

(ص ـ ق ـ 182 ـ 1 في 29/11/138هـ)

(833 ـ افتتاح خطبتهما بالحمد لله)

خطبة العيدين تفتتح بالحمد، لما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح خطبه بالحمد لله، وهذا هو اختيار الشيخ (1)

(1) قال في الاختيارات ص82: ويستفتح خطبتها " بالحمد لله " لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح خطبة بغيرها.::::::

ص: 126

وتلميذه، وهو الراجح في الدليل، وبقول ابن القيم: إن التكبير يعني جنسه ـ في أثناء الخطبة، أما كونها تبتدى بذلك فلا بل نبتدي بالحمد كسائر الخطب. (تقرير)

(834 ـ التكبير في مصلى العيد أفضل)

التكبير في حال الجلوس في مصلى العيد أفضل من قراءة القرآن ومن سائر الذكر، لتخصيص شرعيته في هذا الوقت، لكن نعرف أنها ليست من المنكرات في الجلوس لانتظار صلاة العيد، البحث في بيان الأفضل.

(تقرير)

(835 ـ التكبير الجماعي في المسجد الحرام)

(برقية)

صاحب الجلالة الملك المعظم

أيده الله

الرياض

ج ـ 15189 ـ في 4/1/79هـ اطلعت على برقية عمر فتحي من مكة لجلالتكم، وأعرض لأنظار جلالتكم أن الذي حدث وصار حوله كلام هو التكبير الذي كان يعمل في المسجد الحرام يوم العيد، يجلس شخص أو أشخاص في سطح زمزم ويكبرون، وأناس يجاربونهم في المسجد فقام الشيخ عبد العزيز بن باز وأنكر عليهم هذه الكيفية وقال: إنها بدعة، ومقصود الشيخ أنها بدعة نسبية بهذا الشكل الخاص، ولا يقصد أن التكبير بدعة، فتذمر من ذلك بعض عوام أهل مكة، لأنهم قد ألفوا ذلك، وهذا هو الذي حدى عمر فتحي على رفعه هذه البرقية، قف وسلوك هذه الكيفية في التكبير

ص: 127