المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب صلاة الاستسقاء) - فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ - جـ ٣

[محمد بن إبراهيم آل الشيخ]

الفصل: ‌(باب صلاة الاستسقاء)

(باب صلاة الاستسقاء)

(842 ـ تقديم صلاتها على الخطبة، الصيام ذلك اليوم، منع الزكاة سبب منع القطر، التقوى سبب كل خير)

نعرف أنه جاء تقديم الصلاة على الخطبة وهو الذي عليه العمل، وصرح به الأصحاب، ولكن يجمع بينه وبين حديث عبد الله بن زيد بأن الكل جائز، فيكون وجهان في ذلك، كل سنة (تقرير) .

الأمر بالصيام لم يجيء فيه شيء من الأحاديث، ولكنه طاعة، وجاء أن دعوة الصائم مجابة.

من أعظم المعاصي تأثيراً في منع القطر منع الزكاة وفي الحديث " ما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ".

إذا وجد التقوى حصل الخير إما كمية أو كيفية، لو لم يكن في التقوى إلا البركة وكفاية الأسقام فان الغنى غنى القلب، فكذلك الخير والبركة ليس عن كثرة المال والمطر، التشاحن سبب كل شر والتآلف سبب كل خير. (تقرير) .

(اربع نصائح)

أرسلها إلى أئمة المساجد والقضاة: حث الناس فيها على التوبة النصوح، والاستغفار، والخروج من المظالم، وجمع الصدقات وتفريقها قبل صلاة الإستسقاء.

ص: 132

(843 ـ النصيحة الأولى)

من محمد بن إبراهيم إلى من يراه من المسلمين، رزقنا الله وإياهم قلوباً صاغية، وآذاناً للحق واعية. آمين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:::::::

قال الله تعالى: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس} (1) قال ابن عباس رضي الله عنهما: الفساد القحط وقلة النبات وذهاب البركة، قال أبو العالية: من عصى الله في الأرض، لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة، وقال تعالى:{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض} (2) قال: البركات المطر والنبات، وقال تعالى في أهل الكتاب:{ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} (3) قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير: {من فوقهم ومن تحت أرجلهم} يعني المطر والنبات، وقال هود لقومه:{ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم} (4) ذكر المفسرون: أن قوم هود حبس الله عنهم المطر بسبب ذنوبهم ثلاث سنين، فقال لهم هود: إن آمنتم أحيا الله بلادكم، وزادكم عزاً على عزكم وقال نوح لقومه {استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم

(1) سورة الروم ـ آية 41.

(2)

سورة الاعراف ـ آية 69.

(3)

سورة المائدة ـ آية 66.

(4)

سورة هود ـ 52.

ص: 133

بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً} (1) قال قتادة: علم نبي الله أنهم أهل حرص على الدنيا، فقال: هلموا إلى طاعة الله، فإن في طاعة الله سعادة الدنيا والآخرة. وقال تعالى {وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً} (2) ومعنى الآية: لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمروا عليها، لاستقيناهم ماءً غدقا يعني سعة الرزق، وضرب الماء الغدق مثلاً لأن الخير والرزق كله من المطر.

هذه الآيات تدل على أن المعاصي سبب لحبس المطر وذهاب البركة وأن طاعة الله سبب للمطر والبركات.

وقد روى الإمام أحمد بن حنبل، عن أبي مخدع أنه قال: وجد رجل في زمان زياد أو ابن أزياد صرة فيها حب يعني من بر أمثال النوى، مكتوب فيها: هذا نبت في زمان كان يعمل فيه العدل وجاءت في هذا المعنى أحاديث: روى ابن ماجه والبزار والبيهقي واللفظ لابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر المهاجرين: خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشى فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم

(1) سورة نوح ـ آية 10.

(2)

سورة الجن ـ آية 16 ـ 17.::::::

ص: 134

لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله تعالى أو يتخيروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم " ورواه الحاكم من حديث ابن بريدة بنحوه، ورواه مالك بنحوه موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: " ماظهر الغلول في قوم إلا ألقى الله في قلوبهم الرعب، ولا فشى الزنا في قوم إلا كثر فيهم الموت، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع الله عنهم الرزق ولا حكم قوم بغير حق إلا فشى فيهم الدم، ولا خفر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو" ورفعه الطبراني إلى النبي صلى الله عليه وسلم في معجمه من حديث سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما طفف قوم كيلاً ولا بخسوا ميزاناً إلا منعهم الله القطر، وما ظهر في قوم الزنا إلا ظهر فيهم الموت، وما ظهر في قوم الربا إلا سلط الله عليهم الجنون، ولا ظهر في قوم القتال ـ يقتل بعضهم بعضاً ـ إلا سلط الله عليهم عدوهم، ولا ظهر في قوم عمل قوم لوط إلا ظهر فيهم الخسف، وما ترك قوم الأمر بالمعروف::::::

والنهي عن المنكر إلا لم ترفع أعمالهم ولم يسمع دعاؤهم " وروى الإمام أحمد، عن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مامن قوم يظهر فيهم الربا إلا أخذوا بالسنين، وما من قوم يظهر فيهم الرشا إلا أخذوا بالرعب " والسنة: العام القحط.

عباد الله. إنه ليس في الدنيا شر إلا سببه الذنوب والمعاصي:

ص: 135

وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء، وطرده ولعنه، ومسخ ظاهره وباطنه: فجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها، وباطنه أقبح من صورته وأشنع، وبدل بالقرب بعداً، وبالرحمة لعنة، وبالجمال قبحاً، وبالجنة ناراً تلظى، وبالإيمان كفراً، وبموالات الولي الحميد أعظم عداوة ومشاقة، وبزجل التسبيح والتقديس والتهليل بزجل الكفر وال شرك والكذب والزور الغش، وبلباس الإيمان لباس الكفر والعصيان والفسوق، فهان على الله غاية الهوان، وسقط من رحمته غاية السقوط، وحل عليه غضب الرب تعالى فمقته أكبر المقت وأرداه.

وما الذي أغرق أهل الأرض حتى علا الماء فوق رؤوس الجبال.

وما الذي سلط الريح العقيم على عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض، كأنهم أعجاز نخل خاوية، ودمرت ما دمرت عليهم من ديارهم وحروثهم ورزوعهم ودوابهم، حتى صاروا عبرة للأمم إلى يوم القيامة.

وما الذي أرسل على ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم.

وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نبح كلابهم ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها، فأهلكهم جميعاً، ثم أتبعهم حجارة من سجيل السماء أمطرها عليهم، فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمة غيرهم، ولإخوانهم أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد

ص: 136

وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل، فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى.

وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم، فالأجسام للغرب، والأرواح للحرق.::::::

وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله.

وما الذي أهلك القرون من بعد نوح بأنواع العقوبات ودمرها تدميراً.

وما الذي أهلك قوم صاحب (يس) بالصيحة حتى خمدوا عن آخرهم.

وما الذي بعث على بني إسرائيل قوماً أُلي بأس شديد فجاسوا خلال الديار: فقتلوا الرجال، وأخربوا الديار، ونهبوا الأموال، ثم بعثهم إليهم مرة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه وتبروا ما علوا تتبيرا.

وما الذي سلط عليهم أنواع العذاب والعقوبات مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد، ومرة بجور الملوك، ومرة بمسخهم قردة وخنازير، وآخر ذلك أقسم الرب تبارك وتعالى {ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب} (1) .

وقد روى الإمام أحمد، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير، عن أبيه، قال: لما فتحت قبرص فرق بين أهلها فبكى بعضهم إلى بعض، فرأيت أبا الدرداء جالساً وحده يبكي، فقلت: ياأبا الدرداء

ص: 137

ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله. فقال: ويحك ما أهون الخلق على الله إذا أضاعوا أمره، بينما هي أمة قاهرة ظاهرة لهم الملك تركوا أمر الله فصاروا إلى ما ترى.

وروى النسائي بإسناد صحيح وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد عن ثوبان رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إن الرجل يحرم من الرزق بالذنب يصيبه ".

واعلموا أن كل معصية من المعاصي هيه ميراث أمة من الأمم التي أهلكها الله عز وجل.

فاللواط ميراث عن قوم لوط، وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص ميراث عن قوم شعيب، والعلو في الأرض والفساد ميراث عن فرعون، والتكبر والتجبر ميراث عن قوم هود، فالعاصي لا بس لباس ثياب بعض هذه الأمم.::::::

وقد روى عبد الله بن الإمام أحمد في " كتاب الزهد " لأبيه عن مالك بن دينار، قال: أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل: أن قل لقومك: لا تدخلوا مداخل أعدائي، وتلبسوا ملابس أعدائي، ولا تطعموا مطاعم أعدائي: فتكونوا أعدائي، كما هم أعدائي.

فتوبوا إلى الله واحذروا من الإغترار بنعمه عليكم، فقد روى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا رأيت الله عز وجل يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج، ثم تلا قول الله عز وجل: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم

ص: 138

بغتة فإذا هم مبلسون} (1) قال بعض السلف: إذا رأيت الله عز وجل يتابع عليك نعمه وأنت مقيم على معاصيه فاحذره فإنما هو استدراج منه يستدرجك به، وقد قال تعالى:{ولولا أن يكون الناس أمة واحد لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوباً وسرراً عليها يتكئون وزخرفاً وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين} (2) .

وقد رد سبحانه على من ظن هذا الظن بقوله: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن} (3) وفي جامع الترمذي، عن النبي صلى الله عليه وسلم:" إن الله يعطي الدنيا من يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب " وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

(هذه النصيحة سبق أن طبعت في ـ الدرر السنية جزء11 ص147)

(844 ـ النصيحة الثانية)

من محمد بن إبراهيم إلى من يراه المسلمين، نفعني الله وإياهم باستماع الوصايا الدينية والنصائح، وجنبنا جميعاً أسباب سخطه وموجبات الخزي والفضائح.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فقد قال الله عز شأنه: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} (4)

(1) سورة الأنعام ـ آية 44.

(2)

سورة الزخرف ـ آية 23 ـ 25.

(3)

سورة الفجر ـ آية 15 ـ 16.::::::

(4)

سورة الذاريات ـ آية 55.

ص: 139

وقال: {وذكرهم بأيام الله} (1) وقال تعالى: {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} (2) .

وأعظم شيء أوصيكم ونفسي به تقوى الله عز وجل، فإنها وصيته تعالى لعباده الأولين والآخرين، كما قال تعالى:{ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله} (3) وهي وصية نبيه صلى الله عليه وسلم لأمته عموماً وخصوصاً، كما قال صلى الله عليه وسلم " أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة"(4) ولما بعث صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال له: " اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن "(5) .

إذا عرف هذا فإن حقيقة التقوى أن يجعل العبد بينه وبين غضب ربه وعقابه وقاية تقيه ذلك: بفعل أوامره، واجتناب نواهيه وزواجره، وأعظم المأمورات وأهمها توحيد الرب جل شأنه فإنه الأمر الذي من أجله خلق الثقلان الجنس والإنس، وأرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، كما قال تعالى {وماخلقت الجن والإنس

(1) سورة سبأ ـ آية 19.

(2)

سورة (ق) ـ آية 45.

(3)

سورة النساء ـ آية131.

(4)

رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

(5)

رواه الترمذي وقال: حديث حسن.::::::

ص: 140

إلا ليعبدون} (1) وقال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} (2) وقال تعالى: {الر. كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير. أن لا تعبدوا إلا الله إنني لكم نذير وبشير} (3) وذلك هو الإقرار بوحدانيته تعالى والإيمان بأسمائه وصفاته وأفعاله، وإثباتها على ما يليق بجلاله وعظمته: إثباتاً بريئاً من تمثيل الممثلين، وتنزيهه تعالى عن جميع ما لا يليق بجلاله وعظمته تنزيهاً بريئاً من تعطيل المعطلين، والإيمان بأنه تعالى رب كل شيء ومليكه، وأن العالم بجيمع ما فيه هو خلقه وحده لا شريك له وتحت تدبيره وتصرفه، وإفراده سبحانه بجميع أنواع العبادة عن اعتقاد جازم أنه سبحانه وتعالى هو المستحق لذلك دون ما سواه، وهذا هو معنى كلمة الإخلاص التي هي أساس الملة (لا إله إلا الله) فإن معناها لا معبود حق إلا الله. وأعظم المحرمات هو الشرك به في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته وأفعاله.

وأهم خصال التقوى وأفرضها وأكدها بعد التوحيد إفراد رسوله صلى الله عليه وسلم بالمتابعة، وتحكيمه في القليل والكثير، والنقير والقطمير، وفي كل شيء يحصل التنازع فيه، قال تعالى {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجندوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليما} (4)

(1) سورة الذاريات ـ آية 56.

(2)

سورة النحل ـ آية 36.

(3)

سورة هود ـ آية 1 ـ 3.::::::

(4)

سورة النساء ـ آية 65.

ص: 141

ومن أهم خصال التقوى وأعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين أداء الجمعة والصلوات الخمس في أوقاتهن، وهي عمود الدين كما قال صلى الله عليه وسلم:" رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله"(1) ولا شيء من الفرائض مجرد تركه كفر غير الصلاة، كما قال صلى الله عليه وسلم:" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"(2) وقال صلى الله عليه وسلم: " بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة"(3) .

ومن أهم فرائضها أيضاً أداء زكاة الأموال الزكوية وهي: بهيمة الأنعام بأنواعها الثلاثة، والنقد أن الذهب والفضة وما في معناهما وحكمها من العروض وغيرها، والخارج من الأرض من الحبوب والثمار مما يكال ويدخر، بشرط كمال النصاب في كل منها، ومضى الحول كل نوع منها بحسبه، ويجب على الجاهل تعلم ذلك ومعرفته وسؤال أهل العلم عنه ليؤدي هذا الفرض العظيم بيقين.

ومن أهم خصال التقوى: صيام رمضان، وحج بيت الله الحرام بشرط الاستطاعة، وهذه الخمس هي أركان الإسلام الخمسة كما في الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان ".

(1) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

(2)

رواه الخمسة وصححه الترمذي.

(3)

رواه مسلم.::::::

ص: 142

ومن أهم خصالها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى:{ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ـ إلى قوله تعالى ـ كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر} (1) وقال تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون، ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم انفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما تخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون} (2) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم " إن من كان قبلكم كان إذا عمل العامل فيهم بالخطيئة جاءه الناهي تعذيراً فقال: ياهذا اتق الله، فإذا كان من الغد جالسه وواكله وشاربه كأنه لم يره على خطيئة بالأمس، فلما رأى الله عز وجل ذلك منهم ضرب بقلوب بعضهم على بعض ثم لعنهم على لسان نبيهم داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، والذي نفس محمد بيده لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم "(3) .

(1) سورة آل عمران ـ آية 104 ـ 110.

(2)

سورة المائدة ـ آية 78 ـ 81.

(3)

وفي هذا المعنى أحاديث أخرجها الامام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهما.::::::

ص: 143

فتقوى الله تعالى بفعل المأمورات وترك المنهيات هي مجانبة كل خير، والنجاة والسلامة من كل شر في الدنيا والآخرة، فكل صلاح وبركة وخير في الدنيا والآخرة واستقامة في العقائد ونزاهة في الأخلاق والحصول على كل خير والسلامة من كل شر وضير والخروج من كل ضيق وحصول الفرقان بين الحق والباطل وغير ذلك مما لا يحصى كل ذلك سببه تقوى الله تعالى، وكل فساد ونقص في الإعتقاد والأخلاق والأعمال والعلوم والفهوم والقوى والإرادات والتصورات وغور المياه وحبس القطر من السماء ونقص الحروث والثمرات وغير ذلك فسببه الإخلال بتقوى الله، وعدم المبالاة بأوامره ونواهيه، وقلة الاكتراث بوعيد الله الذي يعيده في كتابه وبيديه. فما حل بسالف الأمم شديد العقوبات، ولا أخذ من غير بفضيع المثلات إلا بسبب الإخلال بالتقوى، وإيثار الشهوات والأهواء، وقد ق ال تعالى:{ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} (1) .

و" الأمر بالمعروف" يشمل الأمر بجميع الفرائض التي تقدمت وغيرها، ومن أهمها: بر الوالدين، وصلة الأرحام، وصدق الحديث والوفاء بالعهود، والقيام بجميع أنوا ع المنكرات: الزنا وغيره من الفواحش، والربا، وآكل الربا محارب لله ولرسوله، كما قال

(1) سورة الأعراف ـ آية 167.::::::

ص: 144

تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربى إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله} وفي الأثر: ماظهر الربى والزني في قرية إلا أذن الله بخرابها.

ومن أعظم المنكر: تعاطي المسكرات، واستعمال جميع الملاهي والاستماع إليها، وبخس المكاييل والموازين، إلى غير ذلك من سائر المنكرات، وفي سنن ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب:" كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: يامعشر المهاجرين خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن: ماظهرت الفاحشة في قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عذواً من غيرهم فأخذوا بعضهم بعض ما في أيديهم، وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم ".::::::

فيجب على المسلمين التوبة إلى الله مما سلف من المعاصي والمخالفات، وذلك بالتخلي من جميع المعاصي، والندم حقاً على ما فات، والعزيمة على عدم العودة، فإنه لا توبة من المعاصي بدون ذلك كما يجب اجتناب ذلك في المستقبل، والصدق مع الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك واجب على ولاة المسلمين أن يقوموا بعزم صارم، ويبذلوا المجهود حقيقة، فإن الله جعل الأمور في أيديهم، وهم الذين بين الله وبين خلقه، كما يجب على العلماء

ص: 145

النصيحة بها، والبيان حقيقة، والبعد كل البعد عن الكتمان ويجب على كل أحد إنكار المنكر كل بحسبه، والتوبة واجبة في كل حين، ومن كل أحد، وتتأكد عند سؤالهم ربهم ما هو من ضرورياتهم الدينية، وكذلك ضرورياتهم الدنيوية، ومن أهمها طلب الغيث الذي هو سبب الحياة، ومن التوبة الخروج من المظالم، والتخلي من حقوق الخلق في الدماء والأموال والأعراض، وترك التشاحن ـ وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" أريتُ ليلة القدر، فخرجت لأخبركم فتلاحا رجلان فرفعت "(1) فهذا يدل على أن التشاحن من أسباب موانع حصول الخير ـ وتعاطي الحلال أكلاً ومشرباً وملبساً، وفي حديث أبي هريرة الذي في الصحيح:" ثم ذكر الرجل يطيل السفر يمد يديه إلى السماء يقول: يارب يارب ومأكله حرام ومشربه حرام وملبسه حرام فأنى يستجال لذلك " وفي الأثر عن بعض أنبياء بني إسرائيل: أنه خرج بقومه يستسقون فلم يسقوا، فأوحى الله إلى نبيهم أن قل لهم: إنكم قد رفعتم أكفاً قد سفكتم بها الدماء، وأكلتم بها الحرام.

ويجب الحرص كل الحرص على التخلي من حق الزكاة، والتطهير للمال من ذلك.

وكل من: منع الزكاة، وأكل الحرام، وترك الأمر بالمعروف: سبب خاص في منع القطر، وعدم استجابة الدعاء كما تقدم في حديث ابن عمر في منع القطر، وعدم استجابة الدعاء كما تقدم في حديث ابن عمر:" خمس خصال" الخ.. وكما في بعض روايات التشديد

(1) أخرجه البخاري في صحيحه عن عبادة بن الصامت.::::::

ص: 146

والوعيد في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما معناه " ثم تدعونه فلا يستجيب لكم"(1) وكما في آخر حديث أبي هريرة السابق.

ومما ينبغي أن يقدم بين يدي الاستسقاء الصدقة، وملاحظة الفقير والنظر إليه نظرة رحمة، عسى أن يرحمنا ربنا، وفي الحديث:" الراحمون يرحمهم الرحمن (2) "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" (3) .

وينبغي اللجاء إلى الله عن صدق، ودعاؤه عن تضرع وخشية وصدق رغبة إليه في إجابة المطلوب، والإكثار من الاستغفار. أسأله تعالى بأسمائه وصفاته أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويمن على المسلمين بالغيث الشامل النافع، وصلى الله على محمد. (2/5/381)

(هذه من فتاويه التي بعث بها إلينا ديوان رئاسة مجلس الوزراء برقم7953/3 في 23/11/1393هـ)

(845 ـ نصيحة ثالثة)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على صفوته من بريته وخيرته من خليقته محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

(1) روى ابن ماجه في سننه عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم "

(2)

أخرجه الترمذي.

(3)

أخرجه أبو داود والنسائي.::::::

ص: 147

من محمد بن إبراهيم، إلى من يراه من المسلمين، وفقني الله وإياهم للإتعاظ بالمواعظ وقبول النصائح، وجنبنا جميعاً أسباب الخزي والندم والفضائح.

سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

تعلمون وفقني الله وإياكم ما أصيب به المسلمون من قحوط الأمطار، وتأخر الغيث عن الأكثر من الديار، وما نشأ من ذلك من غور مياه الآبار وما نال المواشي من النقص الكثير والأضرار، وليس ذلك لعمرو الله من نقص في جود الباري جل شأنه وفضله وكرمه وإحسانه، ولا نقص مما بيمينه، بل الأمر كما قال صلى الله عليه وسلم:" يمين الله ملئى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه والقسط بيده الأخرى يخفض ويرفع" وإنما سبب ذلك إضاعة أمر الله وعدم المبالاة بأوامره نواهيه، قال الله تعالى:{ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} (1) وقال تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير} (2) وقال صلى الله عليه وسلم: " ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة"(3) .

وكل من هاتين الآيتين الكريمتين والحديث المذكور على أثرها يدل بعمومه على أن جميع ما في الوجود من النقص والفساد في العلوم والأعمال والأفهام والتدبيرات والتصرفات والأمراض في الأبدان

(1) سورة الروم ـ آية 41.

(2)

سورة الشورى ـ آية 30.

(3)

هذا وجدته من قول الحسن رحمه الله.

ص: 148

والأشجار والثمرات، إلى غير ذلك مما يصيب أي نوع وأي فرد من الموجودات: فسببه المعاصي والمخالفات.

ومن أكبر الكبائر ترك الصلاة، وهو بمجرده ردة عن الإسلام، ولو كان ذلك الترك تهاوناً أو كسلاً، قال صلى الله عليه وسلم:" العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"(1) .

أما ترك فعلها في الجماعة فليس بردة، وإنما هو من المحرمات، ومن أسباب تركها بالكلية، قال صلى الله عليه وسلم:" أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر، ولو بعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام وآمر رجلاً فيؤم الناس ثم انطلق ومعي رجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار" وفي رواية " لولا ما فيها من النساء والذرية لأحرقتها عليهم"(2) .

ومن أكبر الكبائر أيضاً عدم أداء الزكاة، وإقام الصلاة وإ يتاء الزكاة هما أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهما مع الشهادتين الأركان التي يقاتل من ترك واحداً منها، قال صلى الله عليه وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم وأموالهم إلا بحق الإسلام (3) .

(1) رواه مسلم.::::::

(2)

متفق عليه من حديث ابن عمر.

(3)

أخرجه الخمسة.

ص: 149

ومن أكبر الكبائر أيضاً الربا في المعاملات، ولكل من هاتين الكبيرتين كبيرة منع الزكاة وكبيرة أكل الربا من الخصوصية في منع القطر ما سيأتي بيانه إن شاء الله.

ومن أكبر الكبائر وأعظم العظائم التهاون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعدم القيام حولهما بما يشترط ويفتقر إليه في حصوله على الوجه الذي تبرؤ به الذمة ويحصل به المقصود، قال الله تعالى:{لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون} وقال صلى الله عليه وسلم في حديث حذيفة، والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم (1) .

ومن أعظم الجرائم والمحرمات تطفيف المكاييل والموازين، قال صلى الله عليه وسلم: " يا معشر المهاجرين خمس خصال إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم، وما لم تحكم

(1) أخرجه أحمد والترمذي وقال هذا حديث حسن.::::::

ص: 150

أئمتهم بكتاب الله تعالى أو يتخيروا في ما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم (1) وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: " لم ينقص قوم المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا "(2) .

وبالجملة فما أهلكت الأمم وحلت بهم المثلات: من إغراق قوم نوح بالطوفان، وتدمير الريح العقيم لعاد، ولا أخمدت ثمود في ديارهم بالصيحة التي أخمدتهم في مساكنهم، وما أغرق فرعون وقومه في البحر، وما قلبت ديار قوم لوط وجعل عاليها سافلها، وما أخذ غيرهم من الأمم التي دمر الله عليهم إلا بمعاصيهم ومخالفتهم رسلهم والتمادي في ما نهوهم عنه.

وكما أن كل فساد ونقص في الأرض مطلقاً سببه المعاصي، فكل خير ونمو وبركة وإجابة دعوات ودفع نقمات وإعطاء طلبات فإنما سببه تقوى الله تعالى والقيام بأوامره والإنزجار عن محارمه والاتعاض بمواعظه وأداء فرائضه، قال الله تعالى:{ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً، وإذاً لآتيناهم من لدُنا أجراً عظيماً ولهديناهم صراطاً مستقيماً} (3) .

فيا عباد الله اتقوا الله تعالى تنالوا المطلوب، وتحصل لكم النجاة من كل مرهوب في الدنيا والآخرة، قال تعالى: {ومن يتق الله

(1) وتقدم في النصيحة الأولى تخريج هذا الحديث.

(2)

تقدم تخريجه أيضاً.

(3)

سورة النساء ـ آية 66.::::::

ص: 151

يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب} (1) وقال تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} (2) وقال تعالى: {ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم، ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منها ساء ما يعملون} (3) .

وقد عزم المسلمون على الاستسقاء يوم الإثنين الموافق سبعة عشر (17) رمضان، فيجب أن نقدم بين يدي نجوانا لربنا ودعائنا إياه التوبة، وإن كانت واجبة في كل حال فلها من آكدية الوجوب أمام الاستسقاء مالا يخفى، وأن نحافظ على الصلاة، ونقيم الجمعة والجماعات، وأن نؤدي الزكاة المفروضة على وجهها ونحذر من المحابات، وذلك كل مسلم ملك نصاباً وحال عليه الحول وهو في ملكه، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً، وقدره من الجنيه السعودي والإفرنجي أحد عشر جنيهاً ونصف جنيه، ونصاب الفضة مائة وأربعون مثقالاً، وقدره من الريالات السعودية فضة كانت أو ورقاً ستة وخمسون ريالاً ومن الريالات الفرنسية ثلاثة وعشرون ريالاً تقريباً، وتجب الزكاة أيضاً في قيم العروض، وهي ما عدى الذهب والفضة مما أُعد للبيع والشراء، إذا ملكها بفعله، وبلغت قيمتها من أحد النقدين نصاباً،

(1) سورة الطلاق ـ آية 3.

(2)

سورة الأعراف ـ آية 96.

(3)

سورة المائدة ـ آية 66.::::::

ص: 152

وتم عليه الحول في ملكه، ويتأكد الإكثار من الاستغفار، كما قال نوح لقومه {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً. يرسل السماء عليكم مدراراً} (1) وكما قال هود لقومه:{وياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} (2) .

وكان جل خطبة النبي صلى الله عليه وسلم في الإستسقاء استغفار الله سبحانه، ودعوته، والابتهال إليه. وينبغي أن يكثر من الدعاء بتضرع وخشوع ورغبة ورهبة وكمال صدق في الطلب، ويجب الخروج من المظالم لوجوبه في كل حال وهو ها هنا آكد، ويجب ترك التشاحن قال صلى الله عليه وسلم:" تعرض الأعمال في كل اثنين وخميس فيغفر الله لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً إلا امرء كان بينه وبين أخيه شحناء فيقول اتركوا هذين حتى يصطلحا"(3) .

ويجب التباعد مما يمنع إجابة الدعاء من أكل الحرام، لحديث " أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة"(4) وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما سبق في حديث حذيفة. وينبغي الإكثال من الصدقة صدقة

(1) سورة نوح ـ آية 10.

(2)

سورة هود ـ آية 52.

(3)

رواه مسلم.::::::

(4)

أخرجه الطبراني عن ابن عباس ولفظه: عن ابن عباس قال: تليت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {ياأيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً} فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مجاب الدعوة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ياسعد أطب مطعمك تكن مجاب الدعوة والذي نفس محمد بيده أن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل الله منه عملاً أربعين يوماً، وايما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به ".

ص: 153

التطوع رحمة للفقراء وإحساناً إليهم، وذلك من أسباب رحمة الله بعباده وإحسانه إليهم، وحصول ما طلبوا من ربهم ورغبوا إليه فيه، وفي الحديث " الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء " وفي الحديث الآخر " إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم"(1) .

وينبغي ـ وفقني الله وإياكم ـ أن أهل كل مسجد من المساجد يجمعون صدقاتهم، ويدفعونها إلى وكيل منهم أمين إما المؤذن أو غيره، وبعد ما تجتمع تفرق على المساكين من جيران المسجد ومن يحضر معهم من الغرباء الفقراء، ويكون تقسيمها عليهم قبل يوم الاستسقاء بيوم. ولا يخفى ما في هذا الصنيع من التنشيط والتعاون على البر والتقوى. أسأل الله أن يغيث قلوب الجميع بالتوبة النصوح ويغيث البلاد والعباد بالغيث العام العاجل غير الآجل، الهنيء، النافع الذي ليس بضار، الذي هو سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا بلاء ولا هدم ولا غرق، كما أسأله تعالى أن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويدمر أعداء الدين، ويكفينا سوءهم، ويرد كيدهم في نحورهم، إنه على كل شيء قدير. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.

14/9/1382هـ.

(هذه النصيحة قدمها لي إمام " بلد الفرعه " محمد بن عبد الله ابن فايز ـ أثابه الله) .

(1) أخرجه البخاري.::::::

ص: 154

(846 ـ النصيحة الرابعة)

من محمد بن إبراهيم إلى من بلغه هذا الكتاب من المسلمين، وفقنا الله وإياهم لقبول النصائح، وجنبنا وإياهم أسباب الخري والفضائح آمين.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أما بعد:

فقد رأيتم الواقع ـ وهو تأخر نزول الغيث عن إبانه، وقحوط المطر وعدم مجيئه في أزمانه. ولاريب أن سبب ذلك هو معاصي الله ومخالفة أمره بترك الواجبات، وارتكاب المحرمات، فإنه ما من شر في العالم ولا فساد ولا نقص ديني أو دنيوي إلا وسببه المعاصي والمخالفات، كما أنه ما من خير في العالم ولا نعمة دينية أو دنيوية إلا وسببها طاعة الله تعالى وإقامة دينه، قال الله تعالى:{وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيدكم ويعفو عن كثير} (1) قال الحسن رحمه الله تعالى: لما نزلت هذه الآية: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} الآية. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لا يصيب ابن آدم خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب، وما يعفوا الله عنه أكثر "(2) وقال رضي الله عنه: ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة. وفي دعاء العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم حين استسقى به عمر والصحابة رضي الله عنهم عام الرمادة: اللهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة

(1) سورة الشورى ـ آية 30.

(2)

أخرجه ابن أبي حاتم.

ص: 155

وهذه أكفنا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا ، وفي الحديث:" إن العبد ليحرم الرزق الذنب يصيبه"(1) وقال تعالى: {ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأر ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} (2) .

وقال تعالى في حق أهل الكتاب: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} الآية. قال ابن عباس: {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم} يعني لا رسل السماء عليهم مدراراً {ومن تحت أرجلهم} (3) تخرج الأر من بركاتها.

وجاء في تفسير قوله تعالى {ويلعنهم اللاعنون} (4) عن مجاهد قال: إذا اسنتت السنة قالت: البهائم هذا من أجل عصاة بني آدم، لعن الله عصاة بني آدم. وعن مجاهد أيضاً قال: تلعنهم دواب الأرض وما شاء الله حتى الخنافس والعقارب تقول نمنع القطر بذنوبهم وروى ابن ماجه في سننه من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: كنت عاشر عشرة رهط من المهاجرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل علينا بوجهه فقال: " يا معشر المهاجرين خمس خصال أعوذ بالله أن تدركوهن: ما ظهرت الفاحشة في يوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن في

(1) أخرجه الإمام أحمد.

(2)

سورة الأعراف ـ آية96.::::::

(3)

سورة المائدة ـ آية 66.

(4)

سورة البقرة ـ آية 159.::::::

ص: 156

أسلافهم الذين مضوا، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا ابتلوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان، وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا، ولا خفر قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدواً من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم وما لم تعمل أئمتهم بما أنزل الله في كتابه إلا جعل الله بأسهم بينهم.

فقوله صلى الله عليه وسلم: " وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء " واضح في أن لهذا الذنب خصوصية في منع القطر من السماء، لما في ذلك من منعهم الفضل عن مستحقه، فجوزوا بنظير أعمالهم، لأن الجزاء من جنس العمل، وكثير من الناس لا يؤدي الزكاة المفروضة من الأموال الخفية: إما بخلا ـ والعياذ بالله ـ أو جهلاً بالنصاب، أو غير ذلك. فإنه كان عند الإنسان ستة وخمسون ريالاً عربياً فحال عليها الحول وجبت فيها الزكاة وهي ربع العشر، وإذا كان عنده من الذهب أحد عشر جنيهاً ونصفاً تقريباً سعودياً أو جرحاً فحال عليه الحول وجبت فيه الزكاة وهو ربع العشر.

وقوله " ولولا البهائم لم يمطروا " يدل على أن ما ينزله الله تعالى من المطر في بع الأحيان رحمة للبهائم التي لا جرم لها.

ويشهد لهذا ما رواه أبو يعلى والبزار من حديث أبي هريرة: " مهلاً عباد الله مهلاً، فإنه لولا شباب خشع، وبهائم رتع، وأطفال رضع، لصب عليكم العذاب صباً " وروى أبو نعيم من حديث أبي الزاهرية

ص: 157

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من يوم إلا وينادي مناد: مهلاً أيها الناس، مهلاً، فإن لله سطوات، ولولا رجال خشع وصبيان رضع وبهائم رتع: لصب عليكم العذاب صباً، ثم لرضتم به رضا ".::::::

فعلى من يقتدي بهم خصوصاً وسائر المسلمين عموماً أن يتقوا الله ويتوبوا إليه، وأن يرجعوا إلى ربهم بالتجرد والتخلص من حقوقه التي له قبلهم، وأن يخرجوا من جميع المظالم التي عند بعضهم لبعض وأن يرحموا الفراء والمساكين ويتصدقوا عليهم، لما في الحديث، " الراحمون يرحمهم الرحمن "" ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" وأن يتركوا التشاحن والتهاجر والتقاطع وغير ذلك مما هو من أسباب عدم إجابة الدعاء، وأن يكثروا من الاستغفار حتى يجيب دعاءهم ويغيث قلوبهم وأوطانهم، قال الله تعالى: " ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين} وصلى الله نينا محمد وآله وصحبهوسلم في 22/1/1386هـ.

(هذه من النصائح التي كانت لدي)

(847 ـ تعميم مستعجل ولجمع الصدقات وتوزيعها

)

فضيلة

تعلمون ما أصيب به المسلمون من قحط الأمطار، وتأخر الغيث عن أكثر الديار، وقد عزم المسلمون على الاستسقاء يوم الإثنين الموافق

ص: 158

سبعة عشر رمضان، فحثوا من قبلكم على التوبة، والإكثار من الاستغار، وأداء الزكاة، والتزود من الخير، ولو جمع أهل كل مسجد صدقاتهم عند أمين منهم، ثم وزعت على الفقراء والمساكين من جيران المسجد وغيرهم من الفقراء قبل يوم الاستسقاء بيوم أو يومين لكان في ذلك خير كثير بفضل الله وتوفيقه. وقد أعددنا نصيحة في هذه المناسبة تصلكم إن شاء الله عن قريب. أغاث الله القلوب والبلاد آمين. رئيس القضاة ـ محمد بن إبراهيم

(صورة بدون رقم ولا تاريخ في ملفات رئاسة القضاة)

(848 ـ مراد الأصحاب بقولهم: والتوسل بالصالحين)

التوسل بدعائهم الله، لا بذواتهم، فإن ذات أحد لا تكون وسيلة لإجابة دعوة أحد. (تقرير)

(849 ـ قولهم: ويجلس للاستراحة) ::::::

يحتاج إلى دليل، فإن قام دليل وإلا فلا، ولهذا العمل على خلافه وهذا الذي علمنا عن مشايخنا، والداعي قليل إلى هذا، اللهم إذا كان شخص يحتاج إلى ذلك لكبر ونحو ذلك. وهم يريدون أن له ذلك بقدر ما يتراد إليه نفسه بحيث إذا قام إلى الخطبة إذا هو قد جم، قاسوه على العيد. (تقرير)

(850 ـ رفع المأموم يديه في دعاء الاستسقاء)

من محمد بن إبراهيم إلى حضرة صاحب الفضيلة الشيخ فيصل ابن محمد آل مبارك وفقه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

ص: 159

فقد استلمت كتابكم المؤرخ 25/6/1375هـ والمتضمن السؤال عن مايلي: ـ

1 ـ ماذا يحسن بالمأموم في حالة رفع الإمام يديه بالدعاء في خطبة الاستسقاء.

2 ـ نستنكر على الإمام في حالة سجود التلاوة في الصلاة التكبير جهراً في الرفع من السجود كما يكبر في الهبوط.

3 ـ قول صاحب " لمعة الاعتقاد": وما اشكل من ذلك وجب الإيمان به لفظاً.

الجواب: الحمد لله، أما رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء فمستحب للإمام والمأموم، كما هومصرح به، لما روى البخاري عن أنس، قال:" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا الاستسقاء، وأنه يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه" وفي حديث أيضاً لأنس: " فرفع النبي صلى الله عليه وسلم ورفع الناس أيديهم"(1) .

(ص ـ ف ـ 328 في 28/7/1375هـ)

(851 ـ قوله: وينادى لها: الصلاة جامعة)

هذا عند الأصحاب مقيس على الكسوف. ولا يصح هذا القياس، فإنه انعقد سببه زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا جاء أنه نادى لها. (تقرير)

مما يندب الخروج إلى الوادي إذا سال، وترجم عليه البخاري في الأدب المفرد، وهذا مطلقاً، وبعد الاستغاثة آكد. (تقرير) .

(1) رواه البخاري.::::::::::::

ص: 160