الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكل من الفريقين أدلته وحججه وردوده على الفريق الآخر، وقد اختار بعض أهل العلم قولاً وسطاً بين هذين القولين السابقين فقرروا أن الشفعة تثبت للشريك وللجار إذا كان شريكاً مع جاره في حقٍ من حقوق الإرتفاق الخاصة كأن يكون طريقهما واحداً، وهذا القول اختاره العلامة ابن القيم والإمام الشوكاني ونقل عن الإمام أحمد.
.وقد استدل لهذا القول بحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائباً إذا كان طريقهما واحداً)، رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والترمذي وحسنه.
.قال ابن القيم: والصواب القول الوسط الجامع بين الأدلة الذي لا يحتمل سواه وهو قول البصريين وغيرهم من فقهاء الحديث أنه أن كان بين الجارين حقٌ مشترك من حقوق الأملاك من طريقٍ أو ماء أو نحو ذلك تثبت الشفعة وأن لم يكن بينهما حق مشترك البتة بل كان كل واحدٍ منهما متميزاً ملكه وحقوق ملكه فلا شفعة)، إعلام الموقعين 2/ 149.
.وقال أيضاً: والقياس الصحيح يقتضي هذا القول فإن الإشتراك في حقوق الملك شقيق الإشتراك في الملك، والضرر الحاصل بالشركة فيها كالضرر الحاصل بالشركة في الملك أو أقرب إليه، ورفعه مصلحة للشريك من غير مضرة على البائع ولا على المشتري فالمعنى الذي وجبت لأجله شفعة الخلطة في الملك الموجود في الخلطة في حقوقه فهذا المذهب أوسط المذاهب وأجمعها للأدلة وأقربها إلى العدل .. )،
إعلام الموقعين 2/ 150 - 151.
وبناءً على ما تقدم فإن الشفعة تثبت للشريك وتثبت للجار إذا كان بينه وبين جاره حق مشترك لهما وفي ذلك تحقيق الحكمة من مشروعية الشفعة وهي إزالة الضرر.
رد القرض للمقرض مع هدية
يقول السائل: إنه استقرض مبلغاً من المال من شخص ولما قضاه القرض أهداه هدية فما حكم ذلك؟
الجواب: الإقراض من الأمور الطيبة التي يعين بها المسلم أخاه ويفك عسره ويفرج كربته وهو داخل في عمومات الأدلة التي تحض على قضاء حاجة المسلم وإعانته كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (من نفس على أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه).
وورد في الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقتها مرة) رواه ابن ماجة وقال الشيخ الألباني: حديث حسن. الإرواء 5/ 226.
وقد ثبت في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم استقرض جملاً من أعرابي) رواه البخاري.
وورد في الحديث عن عبد الله بن أبي ربيعة قال: (استقرض مني النبي صلى الله عليه وسلم أربعين ألفاً فجاءه مال فدفعه إلي وقال: إنما جزاء السلف الحمد والأداء) رواه النسائي وابن ماجة وأحمد وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني. الإرواء 5/ 224، وغير ذلك من الأحاديث.
والأصل في القرض أن يسدده المقترض كما اقترضه وأما إذا أقرض وشرط أن يزيد عند السداد فهذا من الربا المحرم.
وأما إذا اقترض وزاده عند الوفاء وكانت تلك الزيادة غير مشروطة عند العقد فمذهب جمهور الفقهاء جواز ذلك. ولا تعد تلك الزيادة من الربا ومثل ذلك الهدية بعد سداد القرض كما في السؤال.
ويدل على جواز ذلك أحاديث واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم وآثار عن الصحابة رضي الله عنهم منها:
1.
عن أبي رافع رضي الله عنه قال: (استلف النبي صلى الله عليه وسلم بكراً - الفتي من الإبل - فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره، فقلت: إني لم أجد من الإبل إلا جملاً خياراً رباعياً - جملاً كبيراً له من العمر ست سنوات - فقال: أعطه إياه فإن من خير الناس أحسنهم قضاء) رواه مسلم.
2.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (استقرض رسول الله صلى الله عليه وسلم سناً فأعطى سناً خيراً من سنه، وقال: خياركم أحاسنكم قضاء) رواه أحمد والترمذي وصححه.
3.
وفي رواية أخرى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان لرجل على النبي صلى الله عليه وسلم مسن من الإبل فجاء يتقاضاه، فقال: أعطوه فطلبوا سنه فلم يجدوا إلا سناً فوقها، فقال: أعطوه. فقال: أوفيتني أوفاك الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن خيركم أحسنكم قضاء) رواه البخاري ومسلم.
4.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد ضحى فقال: صل ركعتين وكان لي عليه دين فقضاني وزادني) رواه البخاري.
وفي رواية أخرى عند البخاري قال جابر: (فلما قدمنا المدينة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم يا بلال: اقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطاً).
5.
وعن مجاهد قال: (استلف عبد الله بن عمر من رجل دراهم ثم قضاه دراهم خيراً منه فقال الرجل: يا أبا عبد الرحمن هذه خير من دراهمي التي أسلفتك، فقال عبد الله بن عمر: قد علمت ولكن نفسي بذلك طيبة) رواه مالك في الموطأ.
6.
وقال الإمام مالك رحمه الله: (لا بأس بأن يقبض من أسلف شيئاً من الذهب أو الورق أو الطعام أو الحيوان ممن أسلفه ذلك أفضل مما أسلفه إذا لم يكن ذلك على شرط منهما).
7.
وقال القرطبي: [أجمع المسلمون نقلاً عن نبيهم صلى الله عليه وسلم أن اشتراط الزيادة في السلف ربا ولو كان قبضة من علف كما قال ابن مسعود أو حبة واحدة ويجوز أن يرد أفضل مما استلف إذا لم يشترط ذلك عليه لأن ذلك من باب المعروف استدلالاً بحديث أبي هريرة في البكر: (إن خياركم أحسنكم قضاء) رواه الأئمة البخاري ومسلم. فأثنى صلى الله عليه وسلم على من أحسن القضاء وأطلق ذلك ولم يقيده بصفة.