الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبيل الله وقد زلق زلقة تاب الله عليه منها وضرب الحد عليها، وكان الصديق رضي الله عنه معروفاً بالمعروف، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب فلما نزلت هذه الاية إلى قوله تعالى: (أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ
…
) الخ الآية، فأن الجزاء من جنس العمل فكما تغفر ذنب من أذنب إليك يغفر الله لك وكما تصفح يصفح عنك فعند ذلك قال الصديق: بلى والله نحب ان تغفر لنا يا ربنا ثم رجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة وقال: والله لا أنزعها منه ابداً-في مقابلة ما كان قال: والله لا أنفعه بنافعة أبداً-فلهذا كان الصديق هو الصديق رضي الله عنه وعن بنته] تفسير ابن كثير 3/ 276.
هذا ما يتعلق بيمينك أما صيام الأيام الثلاثة فأنت مشيت على رأي عامة الناس الذين يظنون أن كفارة اليمين هي صيام ثلاثة أيام وهذا من الأخطاء الشائعة والمنتشرة بين الناس والصحيح أن كفارة اليمين هي المذكورة في قوله تعالى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) سورة المائدة الآية 89.
فكفارة اليمين هي إما إطعام عشرة مساكين أو كسوة عشرة مساكين أو عتق رقبة على التخير أي أن الحالف يختار واحدة من هذه الخصال الثلاث فإذا كان فقيراً عاجزاً عن التكفير بإحدى هذه الخصال فإنه يصوم ثلاثة أيام وبناء على ذلك لا يجوز التكفير بصيام ثلاثة أيام إذا كان الشخص قادراً على ما سبق فإذا صام ثلاثة أيام وهو مستطيع للإطعام أو الكسوة فلا يعد مكفر عن يمينه وتبقى الكفارة ديناً في ذمته ولا تبرأ ذمته إلا إذا كفّر بالإطعام أو الكسوة واستثناء العتق لأنه لا يوجد في زمننا هذا تحرير رقاب.
وأخيراً أنبه على جواز إخراج قيمة الإطعام أو الكسوة نقداً كما هو مذهب الحنفية.
لا كفارة في اليمين الغموس
يقول السائل: حلف رجل يميناً على قطعة أرض أنها له ولم تكن
الأرض له وقد راجع نفسه ويريد الآن أن يتوب فماذا يصنع؟
الجواب: إن هذه اليمين التي حلفها الرجل يمين محرمة بل كبيرة من الكبائر والعياذ بالله فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الكبائر: الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس واليمين الغموس). رواه الإمام البخاري في صحيحه. قال الحافظ ابن حجر: [اليمين الغموس .. قيل سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار] فتح الباري 14/ 363.
وفي رواية أخرى للحديث السابق قال: (جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما الكبائر؟ قال: الإشراك بالله. قال: ثم ماذا؟ قال: عقوق الوالدين؟ قال: ثم ماذا؟ قال: اليمين الغموس) قلت-أي أحد رواة الحديث لعامر الشعبي-: [ما اليمين الغموس؟ قال: الذي يقتطع مال امرئ مسلم بيمين صبر هو فيها كاذب] حديث صحيح رواه ابن حبان في صحيحه 12/ 373.
وروى الإمام البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو غضبان) فأنزل الله تصديق ذلك: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا .. ) إلى آخر الآية. فدخل الأشعث بن قيس فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن؟ فقالوا: كذا وكذا. قال: فيّ أنزلت، كان لي بئر في أرض ابن عم لي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:(بينتك أو يمينه فقلت: إذا يحلف عليها يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين صبر هو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو غضبان) صحيح البخاري مع الفتح 14/ 367.
ومما يؤسف له أن كثيراً من الناس يتساهلون في أمر الأيمان فيقدمون على الحلف متعمدين للكذب وهم لا يعرفون عواقب تلك الأيمان الكاذبة أو يعرفونها ومع ذلك يتلاعبون في الأيمان ويظنون الأمر هيناً وهو عند الله عظيم. يقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا
قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) سورة آل عمران الآية 77 ففي هذه الآية عقوبات لمن يحلف كاذباً متعمداً ليأكل حقوق الناس وهي:
1.
لا حظ له في الآخرة ولا نصيب له من رحمة الله.
2.
لا يكلمه الله سبحانه وتعالى كلام أنس ولا لطف.
3.
يعرض الله عنه يوم القيامة فلا ينظر إليه بعين الرحمة.
4.
لا يطهره من الأوزار والذنوب.
5.
يعذبه عذاباً أليماً على ما ارتكب من المعاصي.
وقد ورد في أحاديث أخرى عقوبات غير ذلك منها ما ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حلف على يمين وهو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان) رواه أبو داود وابن ماجة وهو حديث صحيح.
وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: (لا يقتطع رجل حق امرئ مسلم بيمينه إلا حرم الله عليه الجنة وأوجب له النار فقال رجل من القوم: يا رسول الله وإن كان شيئاً يسيراً قال عليه الصلاة والسلام: وإن كان سواكاً من أراك) رواه ابن ماجة وهو حديث صحيح.
وعلى هذا الرجل الذي حلف كاذباً وأراد أن يتوب الآن أن يعيد الأرض لأصحابها وأن يندم على ما فعل وأن يكثر من فعل الخيرات ولا يوجد كفارة ليمينه الغموس وليس له سوى التوبة الصادقة على الراجح من أقوال أهل العلم ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي هريرة أنه عليه الصلاة والسلام قال: (خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله وقتل النفس بغير حق وبهت مؤمن والفرار يوم الزحف ويمين صابرة يقتطع بها مالاً بغير الحق) رواه أحمد وإسناده جيد كما قال الشيخ الألباني. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: كنا نعد الذنب الذي لا كفارة له اليمين الغموس أن يحلف الرجل على مال أخيه كاذباً ليقتطعه.