الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) سورة آل عمران الآية 102.
(يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء الآية 1
(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) سورة الأحزاب الآيتان 70 - 71.
أما بعد
فلما كان التبليغ عن الله سبحانه وتعالى يعتمد العلمَ بما يبلغ، والصدق فيه، لم تصلح مرتبة التبليغ بالرواية والفتيا إلا لمن اتصف بالعلم والصدق، فيكون عالماً بما يبلغ، صادقاً فيه، ويكون مع ذلك حَسَنَ الطريقة، مرضيَّ السيرة، عدلاً في أقواله وأفعاله، متشابه السر والعلانية في مدخله ومخرجه وأحواله، وإذا كان مَنصِبُ التوقيع عن الملوك بالمحل الذي لا يُنكَرُ فضله، ولا يُجهل قدره، وهو من أعلى المراتب السنيات، فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات؟
فحقيقٌ بمن أقيم في هذا المنصب أن يُعدَ له عُدَّته، وأن يتأهب له أهبته، وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه، ولا يكون في صدره حرج من قول الحق والصدع به، فإن الله ناصره وهاديه، وكيف وهو المنصب الذي تولاه بنفسه رب الأرباب، فقال تعالى:(وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ)، وكفى بما تولاه الله تعالى بنفسه شرفاً وجلالةً، إذ يقول في كتابه:(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ)، وليعلم المفتي عمن ينوب في فتواه، وليوقن أنه مسؤول غداً وموقوف بين يدي الله.
وأول من قام بهذا المنصب الشريف سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده، فكان يفتي عن الله بوحيه المبين، وكان كما قال له أحكم الحاكمين:(قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)، فكانت فتاويه صلى الله عليه وسلم جوامعَ الأحكام، ومشتملة على فصل الخطاب، وهي في وجوب اتباعها وتحكيمها والتحاكم إليها ثانية الكتاب وليس لأحدٍ من المسلمين العُدول عنها ما وجد إليها سبيلاً، وقد أمر الله عباده بالرد إليها حيث يقول:(فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)(1).
ومع هذه الأهمية الخطيرة للفتوى في دين الله، فقد تسوَّر عليها عددٌ كبيٌر ممن ليسوا لها أهلاً، وأسهمت وسائل الإعلام، وخاصة المحطات الفضائية في تعدي كثيرين على شرع الله، وسمعنا فتاوى عجيبة وغريبة، فيها تساهل كبير بحجة أن الدين يسر، أو أن الدين يجب أن يساير العصر، أو بحجة المصلحة ونحو ذلك.
وصار التساهل في الفتوى، طابعاً لبعض المتصدرين على الفضائيات، فهنالك من أفتى بإباحة الربا، ومن أفتى بجواز خروج المرأة متعطرة متزينة
(1) إعلام الموقعين 1/ 10 - 11.
إلى الشوارع والأسواق، ومنهم من أفتى بجواز عرض المرأة للأزياء أمام الرجال، وغير ذلك من الفتاوى العرجاء.
وقد حذر العلماء قديماً وحديثاً من التساهل في الفتوى، قال الإمام النووي رحمة الله عليه:[يحرم التساهل في الفتوى، ومن عرف به حَرُمَ استفتاؤه، فمن التساهل أن لا يتثبت ويسرع بالفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر، فإن تقدمت معرفته بالمسئول عنه فلا بأس بالمبادرة، وعلى هذا يُحمل ما نقل عن الماضين من مبادرة، ومن التساهل أن تحمله الأغراض الفاسدة، على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة، والتمسك بالشبه طلباً للترخيص، لمن يروم نفعه، أو التغليظ على من يريد ضره، وأما من صح قصدُه فاحتسب في طلب حيلة لا شبهة فيها للتخليص من ورطة يمين ونحوها، فذلك حسنٌ جميلٌ، وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا كقول سفيان - الثوري -: [إنما العلمُ عندنا الرخصة من ثقة فأما التشديد فيحسنه كل أحد](1).
ولا شك أن من دوافع التساهل في الفتاوى بحجج واهية، التقرب إلى السلاطين والحكام، والحرص على الدنيا، وما فيها من جاهٍ ومناصب وأموال، قال العلامة ابن القيم:[كل من آثر الدنيا من أهل العلم واستحبها، فلا بد أن يقول على الله غيرَ الحق في فتواه وحكمه في خبره والتزامه](2).
وختاماً أقول هذا هو الجزء السابع من كتابي يسألونك سرت فيه كما في الأجزاء السابقة، على منهج أهل السنة والجماعة في الاعتماد عل كتاب الله سبحانه وتعالى، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما قرره الأئمة الأعلام، من فقهاء الصحابة والتابعين وسلف الأمة، من إجماع وقياس صحيح، من غير تعصبٍ لمذهبٍ أو إمام. وسعيت فيه إلى الوصول إلى ما أعتقد أنه الحق والصواب، فإن تعارضت الأقوال، اخترت ما أعتقد أنه
(1) المجموع 1/ 46.
(2)
الفوائد ص100.
أرجحها وأقواها دليلاً وأهداها سبيلاً، فإن أصبت بغيتي فذلك الفضل من الله تعالى وإن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان والعياذ بالله.
وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين
أبوديس / القدس كتبه الدكتور حسم الدين بن موسى عفانه
29 رجب 1423هـ الأستاذ المشارك في الفقه والأصول
وفق 6/ 10/ 2002م منسق برنامج ماجستير دراسات إسلامية معاصرة
كلية الدعوة وأصول الدين
جامعة القدس