الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الأنفال
بسم الله الرحمن الرحيم
صرح كثير من المفسرين بأنها مدنية لم يستثنوا منها شيئاً. وبه قال الحسن وعكرمة وجابر بن زيد وعطاء وعبد الله بن الزبير وزيد ابن ثابت. وعن ابن عباس أنه قال: نزلت في بدر. وفي لفظ تلك سورة بدر. قال القرطبي وعنه: هي مدنية إلا سبع آيات من قوله: (واذ يمكر بك الذين كفروا) إلى آخرها. يعني فإنها مكيه. " قلت " وإن كانت في شأن الواقعة التي وقعت بمكة فلا يلزم أن تكون كذلك فالآيات نزلت بالمدينة تذكيراً بما وقع في مكة. فهذا القول ضعيف والأول هو الأصح. وجملة آياتها خمس أو ست أو سبع وسبعون آية، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ بها في صلاة المغرب كما أخرجه الطبراني بسند صحيح عن أبي أيوب.
بسم الله الرحمن الرحيم
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1)
(يسألونك) يا محمد (عن الأنفال) جمع نفل محركاً وهو الغنيمة أي الغنائم لمن هي، وبه قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وقتادة وأكثر المفسرين على أنها نزلت في غنائم بدر، وأصل النفل الزيادة وسميت الغنيمة به لأنها زيادة فيما أحل الله لهذه الأمة مما كان محرماً على غيرهم، أو لأنها زيادة على ما يحصل للمجاهدين من أجر الجهاد.
ويطلق النفل على معان أخر منها اليمين والابتغاء ونبت معروف، والنافلة التطوع لكونها زائدة على الواجب والنافلة ولد الولد لأنه زيادة على الولد.
وهو سؤال استفتاء لأن هذا أول تشريع الغنيمة، وفاعل السؤال من حضر بدراً، وقال الضحاك وعكرمة: هو سؤال طلب، وعن بمعنى من، وهذا لا ضرورة تدعو إليه، وقيل صلة ويؤيده قراءة سعد بن أبي وقاص وابن مسعود وعلي بن الحسين وغيرهم بدون عن، والصحيح أنها على إرادة حرف الجر.
وكان سبب نزول الآية اختلاف الصحابة في غنائم يوم بدر، فقال الشبان: هي لنا لأنا باشرنا القتال، وقال الشيوخ: كنا رِدْءاً لكم تحت الرايات، ولو انكشفتم أي انهزمتم لفئتم أي لرجعتم إلينا، فنزع الله ما غنموه من أيديهم وجعله لله والرسول فقال:(قل) لهم (الأنفال لله والرسول) أي حكمها مختص بهما يقسمها بينكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمر الله سبحانه حيث شاء، وليس لكم حكم في ذلك، فقسمها صلى الله عليه
وسلم بينهم على السواء، رواه الحاكم في المستدرك.
وقد ذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى أن الأنفال كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاصة ليس لأحد فيها شيء حتى نزل قوله تعالى: (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه) فهي على هذا منسوخة، وبه قال مجاهد وعكرمة والسدي، وقال ابن زيد: محكمة مجملة، وقد بين الله مصارفها في آية الخمس، وللإمام أن ينفل من شاء من الجيش ما شاء قبل التخميس.
(فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) أي نفس ما بينكم، والذي بينهم هو الوصلة الإسلامية، فالبين هنا بمعنى الاتصال كما في قوله:(لقد تقطع بينكم) والبين يطلق على الضدين الاتصال والفراق، وذات هذا البين هي حاله أي الأمور التي تحققه بالمودة وترك النزاع (وأطيعوا الله ورسوله) أمرهم بالتقوى وإصلاح ذات البين وطاعة الله والرسول بالتسليم لأمرهما وترك الاختلاف الذي وقع بينهم، وقال: امتثلوا هذه الأوامر الثلاثة (إن كنتم مؤمنين) بالله جوابه كما ذهب إليه أبو العباس المبرد وغيره أطيعوا الله السابق، إذ يجوز عندهم تقديم الجواب على الشرط، والصحيح ما ذهب إليه سيبويه وهو أنه محذوف لدلالة ما قبله عليه.
وفيه من التهييج والإلهاب والتنشيط للمخاطبين والحث لهم على المسارعة إلى الامتثال ما لا يخفى مع كونهم في تلك الحال على الإيمان فكأنه قال إن كنتم مستمرين على الإيمان بالله لأن هذه الأمور الثلاثة لا يكمل الإيمان بدونها، بل لا يثبت أصلاً لمن لم يمتثلها، فإن من ليس بمتق وليس بمطيع لهما ليس بمؤمن، قال عطاء: طاعة الله والرسول اتباع الكتاب والسنة. أخرجه ابن أبي حاتم.
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)
(إنما المؤمنون) جملة مستأنفة مسوقة لبيان من أريد بالمؤمنين بذكر أوصافهم الجليلة المستتبعة لما ذكر من الخلال الثلاث، وفيه مزيد ترغيب لهم في الامتثال بالأوامر المذكورة، أي إنما الكاملون في الإيمان المخلصون فيه.
(الذين إذا ذكر الله) أي وعيده (وجلت) أي فزعت وخضعت وخافت ورقت (قلوبهم) لذكر الله استعظاماً له وتهيباً من جلاله، والوجل الخوف والفزع، يقال وجل بالكسر في الماضي يوجل بالفتح، وقرئ كوعد يعد ويقال بإثبات الواو في المضارع، والمراد أن حصول الخوف من الله والفزع منه عند ذكره هو شأن المؤمنين الكاملي الإيمان المخلصين لله، فالحصر باعتبار كمال الإيمان لا باعتبار أصل الإيمان.
قال جماعة من المفسرين: هذه الآية متضمنة للتحريض على طاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما أمر به من قسمة الغنائم، ولا يخفاك أن هذا وأن صح إدراجه تحت معنى الآية من جهة أن وجل القلوب عند الذكر وزيادة الإيمان عند تلاوة آيات الله يستلزمان امتثال ما أمر به سبحانه. من كون الأنفال لله والرسول.
ولكن الظاهر أن مقصود الآية هو إثبات هذه المزية لمن كمل إيمانه من غير تقييد بحال دون حال، ولا بوقت دون وقت، ولا بواقعة دون واقعة.
وعن ابن عباس: وجلت فرقت، وقال المنافقون: لا يدخل قلوبهم شيء
من ذكر الله عند أداء فرائضه ولا يؤمنون بشيء من آيات الله ولا يتوكلون على الله ولا يصلون إذا غابوا، ولا يؤدون زكاة أموالهم، فأخبر الله أنهم ليسوا بمؤمنين، ثم وصف المؤمنين فقال:(إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم) فأدوا فرائضه.
وعن أم الدرداء قالت: إنما الوجل في القلب كاحتراق السعفة يا شهر ابن حوشب أما تجد قشعريرة؟ قلت: بلى، قالت: فادع عندها فإن الدعاء يستجاب عند ذلك، وقال ثابت البناني: قال فلان إني لأعلم متى يستجاب لي، قالوا: ومن أين لك؟ قال: إذا اقشعر جلدي ووجل قلبي وفاضت عيناي فذلك حين يستجاب لي.
وعن عائشة قالت: ما الوجل في قلب المؤمن إلا كضرمة السعفة فإذا وجل أحدكم فليدع عند ذلك، وعن السدي قال: هو الرجل يريد أن يظلم أو يهم بمعصية فيقال له اتق الله فيجل قلبه، فإن قيل، قال: هنا وجلت قلوبهم وقال في آية أخرى (وتطمئن قلوبهم) فكيف الجمع بينهما، قلت: الاطمئنان بذكره بصفات الجمال، والوجل إنما هو بذكر وعيده.
(وإذا تليت عليهم آياته) المراد من التلاوة الآيات المنزلة أو التعبير عن بديع صنعته وكمال قدرته في آياته التكوينية بذكر خلقها البديع وعجائبها التي يخشع عند ذكرها المؤمنون (زادتهم ايماناً) أي تصديقاً، قاله ابن عباس، وعن الربيع بن أنس قال خشية، والمراد بزيادة الإيمان هو زيادة انشراح الصدر وطمأنينة القلب وانفلاح الخاطر عند تلاوة الآيات.
وقيل المراد بها زيادة العمل لأن الإيمان شيء واحد لا يزيد ولا ينقص، والآيات المتكاثرة والأحاديث المتواترة ترد ذلك وتدفعه، والآية صريحة في زيادة الإيمان، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان (1)، أخرجه الشيخان.
وفي هذا دليل على أن الإيمان فيه أعلى وأدنى، وإذا كان كذلك كان قابلاً للزيادة والنقصان، قال الواحدي عن عامة أهل العلم: إن كل من كانت الدلائل عنده أكثر وأقوى كان إيمانه أزيد، قال الكرخي: إن نفس التصديق يقبل القوة وهي التي عبر عنها بالزيادة للفرق المميز بين يقين الأنبياء وأرباب المكاشفات ويقين آحاد الأمة.
ويؤيد ذلك قول عليّ رضي الله عنه لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً، وكذا من قام عليه دليل واحد ومن قامت عليه أدلة كثيرة لأن تظاهر الأدلة أقوى للمدلول عليه وأثبت لقدمه، وعليه يحمل ما نقل عن الشافعي من أنه يقبل الزيادة والنقص، فلا يرد كيف قال ذلك مع أن حقيقة الإيمان عند الأكثر لا تزيد ولا تنقص كالإلهية والوحدانية اهـ. وقيل المعنى أنهم كلما سمعوا آية جديدة أتوا بإقرار جديد وتصديق جديد فكان ذلك زيادة في إيمانهم.
(وعلى ربهم يتوكلون) التوكل على الله تفويض الأمر إليه في جميع الأمور قال ابن عباس: لا يرجون غيره، وعلى بمعنى الباء ويتوكلون بمعنى يثقون، وتقديم المعمول للحصر، وقال السمين التقديم يفيد الأختصاص أي عليه لا على غيره والجملة في محل الحال أو مستأنفة أو معطوفة على الصلة.
(1) مسلم/59 - البخاري/31.
(الذين يقيمون الصلاة) المفروضة بحدودها وأركانها في أوقاتها، ومن في (ومما) للتبعيض (رزقناهم ينفقون) ويدخل فيه النفقة في الزكاة والحج والجهاد وغير ذلك من الإنفاق في أنواع البر والقربات، وخص إقامة الصلاة والصدقة لكونهما أصل الخير وأساسه.