الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رُوي هذا المتن عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس وحده ـ فيما أعلم ـ من طريق كل من: عكرمة مولاه، وسعيد بن جبير، وداود البصري عنه.
ورُوي شطره الآخر ـ حَسْبُ ـ من طريق ابنه علي بن عبد الله بن عباس عنه.
ولا يصح منها شيء، بل كلها ما بين إسناد مُعَلٍّ، أو ظاهر الضعف، وهاك بيان ذلك.
1 ـ طريق عكرمة عن ابن عباس
.
وقد اختُلِف على اسم الراوي عنه ـ بنفس الإسناد والمخرج ـ على وجهين:
الأول: عبيد المُكْتِب الكوفي عنه:
قال أبو القاسم الطبراني رحمه الله في (المعجم الكبير) له (11 / 304 رقم 11810) : " حدثنا الحسن (1) بن عباس الرازي ثنا أحمد بن أبي سريج الرازي ثنا علي بن حفص المدائني ثنا عبيد المكتب الكوفي عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه
(1) تحرف اسمه في مطبوع " الكبير " إلى: (الحسين بن العباس) والمثبت في جميع مصادر النقل عنه والتراجم: (الحسن) .
لا يفارقه حتى يفارق الدنيا (1) ، إن المؤمن خلق مُفَتَّناً توَّاباً نَسَّاءً (2) ، إذا ذُكِّرَ ذَكَرَ ".
تفرد الطبراني رحمه الله بروايته في " الكبير " من هذا الوجه ـ فيما أعلم ـ،
ورجاله كلهم ثقات على مقال يسير في (علي بن حفص المدائني) ، إلا أنه معلول بهذا الإسناد كما يأتي بيانه في موضعه بحول الله وقوته.
وهذه تراجم رجال هذا الإسناد مع شيء من الإطالة:
1 ـ الحسن بن العباس الرازي ـ شيخ الطبراني ـ:
هو: (أبو علي الحسن بن العباس بن أبي مهران الرازي المقريء) نزيل بغداد، ويعرف بـ (الجَمَّال) .
قال الخطيب البغدادي رحمه الله في ترجمته من "تاريخ بغداد"(7 /397 رقم 3935) : " سكن بغداد، وحدث بها عن سهل بن عثمان العسكري، وعبد المؤمن بن علي الزعفراني، وعبد الله بن هارون الفروي، ويعقوب بن حميد ابن كاسب. روى عنه: يحيى بن محمد بن صاعد، ومحمد بن
(1) في المطبوع: " لا يفارقه حتى يفارق " حَسْبُ. والتصويب بإثبات الزيادة من المخطوط كما في "الصحيحة"(2276) ، وفي عدة مصادر نقلت عن "المعجم الكبير".
(2)
في المطبوع و "كنز العمال"(10234) : " نسيّاً "، وفي نقل العلامة الألباني في "الصحيحة" عن المخطوط والحافظ الديلمي في "مسند الفردوس" عن "الكبير" والحافظ الهيثمي في "المجمع" عنه:" نسَّاءً "، فهو الصواب ـ إن شاء الله ـ.
مخلد، وأبو عمرو ابن السماك، وعبد الصمد بن علي الطستي، وأبو سهل بن زياد، ومحمد بن الحسن النقاش المقريء، وعبد الباقي بن قانع (1) ، وغيرهم، وكان ثقة ".
ثم روى بإسناده إليه: " حدثنا عبد الله بن هارون بن موسى الفروي
…
" فذكر بإسناده إلى أنس مرفوعاً: " من عَزَّى أخاه المؤمن من مصيبة، كساه الله حلة خضراء يحبر بها يوم القيامة "، قيل: يا رسول الله، ما يحبر؟ قال: " يغبط بها يوم القيامة ".
وبإسناده إلى ابن المنادي قال: " والحسن بن العباس بن أبي مهران الجَمَّال
الرازي المقريء ـ يعني: مات ـ في شهر رمضان لأيام خلت منه سنة تسع وثمانين. وكان بالجانب الغربي في دار القطن، ثم انتقل إلى كرخايا، وهناك مات".
قلت: والحديث الذي أورده له الخطيب عن عبد الله بن هارون
(1) والملاحظ أن الخطيب رحمه الله لم ينص على تحديث الجَمَّال عن (أحمد بن أبي سريج الرازي) ولا على رواية الطبراني عنه، فزدهما في نسختك من " تاريخ بغداد " غير مأمور. ويجاب للخطيب عن الأول أنه قيَّد أولئك بتحديثه ببغداد، فلعل الطبراني سمعه منه بالرَّيّ أو غيرها، ويجاب له عن الثاني بأن الطبراني داخل في قوله:"وغيرهم". فالمتعين علينا أن نتلمس الأعذار لأهل العلم والفضل ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً، فلولاهم ما رُحْنا ولا جئنا!
الفروي لم يتفرد به، بل تابعه عليه محمد بن عبد الله بن عبد السلام مكحول البيروتي الحافظ فيما كتب إلى ابن عدي رحمه الله كما في ترجمة الفروي من "الكامل"(4/ 1572) وتابعه أيضا عبد الجبار بن أحمد السمرقندي عند ابن عساكر في "تاريخه" ـ وضَلَّ عني موضعه لأنه في الأجزاء التي لم تصلني بعد ـ وهو في (المحمدين) ، والراوي عنه سكت عليه ابن عساكر. ثم وجدت الديلمي رواه من طريق أحمد بن منصور المروزي عن الفروي به كما في حاشية "الفردوس"(ح 6148) فالحمد لله رب العالمين.
وترجم له الخطيب أيضاً في "تلخيص المتشابه في الرسم"(1/403) تحت (باب ذكر الخلاف في حرفين: الحسن بن عياش، والحسن بن عباس) باسم: (الحسن بن عباس بن أبي مهران المقريء الرازي) .
قال: " ويعرف بالجَمَّال. حدث عن سهل بن عثمان، ومحمد بن حميد، وأحمد بن عبد الرحمن الدشتكي، وغيرهم.
روى عنه: أبو عمرو بن السماك، وأبو سهل بن زياد. وقلما تجيء عنه الرواية بحذف الألف واللام اللذين للتعريف من اسم أبيه ".
ثم ساق له حديثاً من طريق أبي سهل بن زياد القطان عنه مقروناً بأبي يحيى الزعفراني، عن الدشتكي بإسناده إلى أُبيّ بن كعب ـ رضي الله تعالى عنه ـ.
وأبو يحيى الزعفراني هو: (جعفر بن محمد بن الحسن الرازي) ويعرف
(بالتفسيري) وهو ثقة حافظ لاسيما لمرويات التفسير (1) .
فكان مقصود الخطيب بإيراد هذا الحديث أنه سُمِّي فيه (الحسن بن عباس) بالتنكير خلافاً لأكثر الروايات التي يأتي فيها باسم (الحسن بن العباس) مع أن أبا سهل بن زياد القطان نفسه سمَّاه (الحسن بن العباس) في الحديث الذي أورده له الخطيب في "تاريخه".
ثم إن محققة "تلخيص المتشابه" ـ السيدة: سكينة الشهابي ـ عفا الله عنهاى ـ عزته في حاشية الكتاب إلى "أنساب السمعاني" وحده.
والحق أنها نبهتني إلى وجوده فيه (2/ 83، 84)(دار الجنان) تحت نسبة (الجَمَّال) حيث قال السمعاني رحمه الله: " والحسن بن عباس بن أبي مهران الجمال المقريء الرازي حدث عن
…
" فذكر عَيْن الشيوخ والرواة الذين في "تلخيص المتشابه" بزيادة: (وغيرهما) .
(1) مترجم في "الجرح"(2 / 488، 489) وقال ابن أبي حاتم: " صدوق "، و "تاريخ بغداد"(7 / 184، 185) ولفظ ابن أبي حاتم فيه: " صدوق ثقة " ومعناها ـ بالاستقراء عندي ـ: " ثقة حافظ ". وقال الداراقطني: " صدوق " كما في "سؤالات الحاكم"(69) . وذكره المزي في جملة الرواة عن (أحمد بن عبد الرحمن الدشتكي) في ترجمة هذا من "تهذيب الكمال"(1 / 386) ونعته بـ (الحافظ) . وقال الذهبي في "السير"(14/ 108) أثناء ترجمة (جعفر بن محمد الفريابي الحافظ) في سرده لأَجَلِّ من اسمه (جعفر بن محمد) من العلماء: " وجعفر بن محمد بن الحسن أبو يحيى الزعفراني الرازي
…
ثقة مفسر
…
".
كأنه انتزع الترجمة منه بقرينة أنه ذُكر اسم أبيه مُنَكّراً، بخلاف ما في "التاريخ" وغيره. وترجم له الذهبي رحمه الله في "تاريخ الإسلام" (وفيات 281 ـ 290) (ص 152) وقال:" المقريء المجود "، وقال أيضاً:" تصدر للإقراء، وكان من كبار المحققين للقراءات " حتى قال: " وثقة الخطيب ".
وترجم له ترجمة أوسع من هذه في "معرفة القراء الكبار"(1/235 رقم 134)، فقال:" فقال روى عن سهل بن عثمان، وعبد المؤمن بن علي الزعفراني، ويعقوب بن حميد بن كاسب. وعني بالقراءات، فقرأ على الأحمدين: ابن قالون والحلواني، ومحمد بن عيسى الأصبهاني، وأحمد بن صالح المصري " حتى قال: " وكان إليه المنتهى في الضبط والتحرير، أقرأ ببغداد وغيرها. قرأ عليه ابن مجاهد، وابن شبنوذ، والنقاش، وأحمد بن حماد صاحب المشطاح. وحَدَّثَ عنه ابن السماك، وابن قانع، وعبد الصمد الطستي، وأبو سهل القطان، وأبو القاسم الطبراني "، ثم حكى توثيق الخطيب وتأريخ وفاته باختصار.
وترجم له أيضاً ابن الجزري رحمه الله في "غاية النهاية"(1/216 رقم 986)، وقال:" شيخ عارف حاذق مصدر ثقة، إليه المنتهى في الضبط والتحرير ".
وزاد على الذهبي فيمن قرأ عليهم وقرأوا عليه قليلاً.
فالحاصل أن الرجل ـ مع تثبته وإتقانه في القراءة ـ ثقة أيضاً في الحديث، لا أعلم فيه مَطْعَناً، ولم أجد أحداً قد أخذ عليه شيئاً يقدح في عدالته أو ضبطه.
وقد مَرَّ عليَّ أثناء رحلتي مع هذا العلم الشريف أن بعض الناس ـ ممن لا أستحضره الآن ـ كان إذا وجد الخطيب انفرد بتوثيق رجل، أو شاركه مثل ابن حبان؛ لا يتابعه على هذا التوثيق، ولا يرقى حديثه إلى مرتبة الصحة، بل يحطه إلى مرتبة (الصدوق) حَسْب. ولم أدْرِ ما الحامل له على ذلك.
نعم، ما الخطيب كأحمد والبخاري وأبي حاتم وأضرابهم في المعرفة والإتقان والدقِّة.
بل تكلم بعضهم في تحامله على أهل الرأي والحنابلة، وهذه قضية أخرى لا أستطيع الخوض فيها الآن إذ لم أُحِط بأطرافها، وإذ الأصل في توثيق الخطيب الاعتماد والقبول، لكنني أريد أن أنبه على أن الراوي الثقة ليس معصوماً أو مُبَرَّأً من الوهم والغلط، لاسيّما إن لم يكن من المبرزين في الحفظ والإتقان بحيث تتساوى كِفَّتُه بكفة راوٍ آخر ممن وصفتُ حالهم.
بل الحكم عند المخالفة في حديث بخصوصه للأرجح منه حفظاً وإتقاناً أو عدداً، إلا أن تقوم قرينةٌ تجعلنا نقضي بالضد من ذلك.
فكيف إذا كان المخالف لصاحب هذا الحديث ـ الحسن بن العباس
الرازيّ ـ هو الجبل الأشَمُّ أستاذ الأستاذِين، الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري نفسه؟
هذا ما سنراه قريباً بحول الملك وطَوْله.
2 ـ أحمد بن أبي سريج الرازي:
هو (أبو جعفر أحمد بن الصباح ـ ويقال: أحمد بن عمر بن الصباح الدارمي النهشلي ـ ويقال: الأزدي الجهضمي ـ الرَّازي البغدادي المقريء، أحد الثقات من رجال " التهذيب " ومن شيوخ البخاري، وأبي داود، والنسائي) .
* قال ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل "(2/56 رقم 75) : " وسُئل أبي عنه، فقال: صدوق ".
* وقال يعقوب بن شيبة السَّدُوسي: " وابن أبي سريج هذا أحد أصحاب الحديث، كان ينزل المخرم، ونزع إلى الري ومات بها قديماً قبل أن يحدّث (1) ، وكان ثبتاً ".
* وقال النسائي: " أحمد بن الصباح رازي ثقة ".
(1) بينما يقول الخطيب رحمه الله في أول ترجمته من " تاريخ بغداد ": " وكان يسكن المخرم ببغداد، ثم أنتقل إلى الري فسكنها وأقرأ بها، وحدث إلى حين وفاته "، وقول يعقوب فيه إشكال، فإن كان الرجل مات بالري قبل أن يحدث بها، لايستقيم قول ابن حبان "حدثنا عنه بن خزيمة وأهل الري " ولا تستقيم روايته عن جماعة من أهلها وإن كان مات قبل أن يحدث مطلقاً لا يستقيم القول بأنه (ثقة ثبت) و (أحد أصحاب الحديث) فتأمل.
وهذان النصان رواهما الخطيب في ترجمته من " تاريخ بغداد "(4/206) بعد تعليق قول ابن أبي حاتم المذكور آنفاً (1) .
* وقال ابن حبان في "الثقات"(8/38) : " يُغْرِبُ على استقامة فيه ".
* وقال مغلطاي: " وخرج ابن خزيمة والحاكم حديثه في صحيحهما، وقال مسلمة بن قاسم الأندلسي: " هو ثقة
…
" وقال الحبال: رازي ثقة " كما في حاشية ترجمته من "تهذيب الكمال"(1/357) نقلا عن "الإكمال"(1/الورقة 16) أما ابن خزيمة فحدث عنه كما تقدم عن ابن حبان. وأما الحاكم فلا يسمى "مستدركه" صحيحاً إلا تجوزاً، ولا يُستدل على ثقة من خرج له فيه وصحح حديثه بمجرده، وحسبه أنه من شيوخ البخاري في "الصحيح" مع توثيق من تقدم ذكره.
* وقال الخطيب البغدادي في أول ترجمته من "تاريخ بغداد"(4 /205 رقم 189) :
" هبة الله بن الحسن الطبري (وهو الأمام اللالكائي) يذكر أنه
(1) إلا أنه قال: " قال ابن أبي حاتم:
…
يُعَدُّ في البغداديين " والحق أنه قال بعد ذلك: "سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك " فلم يقله استقلالاً، والله أعلم.
مولى (1) آل جرير بن حازم. وهو أحد القرآء المعروفين، قرأ على على بن حمزة الكسائي، وسمع إسماعيل بن علية، ومروان بن معاوية، وكيع بن الجراح، وأبا أحمد الزبيري، وكان يسكن المخرم
…
" إلخ.
* وقال الذهبي في "معرفة القراء الكبار"(1/219 رقم 117) : " قرأ على الكسائي، قرأ عليه العباس بن فضل الرازي، وغيره.
وروى عن شعيب بن حرب، وأبي معاوية الضرير، وجماعة حدث عنه البخاري، وأبو داود والنسائي في كتبهم، وأبو بكر بن أبي داود، وأبو حاتم، وقال: صدوق ".
وقال في وفيات (241 ـ 250)(ص 155 ـ 156) من "تاريخ الإسلام": " قرأ القرآن على أبي الحسن الكسائي، وأقرأه، وسمع شعيب بن حرب، وأبا معاوية الضرير، وابن علية ووكيعاً، وجماعة.
وعنه: خ. د. ن.، وأبوبكر بن أبي داود، وأهل الري، وقرأ عليه: العباس ابن الفضل الرازي. وقال النسائي: ثقة، وروى عنه أيضاً: أبو زرعة، وأبوحاتم، وقال أبوحاتم: صدوق ".
* وقال ابن الجزري في "غاية النهاية"(1/63 رقم 269) : " ثقة ضابط كبير، وهو شيخ البخاري وأحد أصحاب الشافعي، قرأ على الكسائي وله عنه نسخة، وأخذ أيضا عن عبيد الله بن موسى،
(1) وعليه يكون (أزدياً جهضمياً) لكن الأكثرين جزموا بأنه (نهشلي) لأنه كان مولى خزيمة بن حازم النهشلي القائد العباسي المشهور، وبه جزم الحافظ المزيّ.
وعبد الوهاب بن عطاء (1) صاحب أبي عمرو
…
" حتى قال: " توفي سنة ثلاثين ومائتين ".
قلت: اختلف في تأريخ وفاته على أقوال هذا أحدها وأبعدها عن الصواب كما يأتي بيانه.
والثاني: أنه مات بعد الأربعين ومائتين. قاله الذهبي في "التذهيب"(1/الورقة 15) كما في حاشية " تهذيب الكمال "، ونقله الحافظ في "التهذيب"(1/44) من خطه أيضاً، قال:
" وكذا كتب ابن سيد الناس على حاشية الكمال ".
وأكد الذهبي هذا القول بإيراده في الطبقة الخامسة والعشرين من "التاريخ" كما تقدم.
والثالث: قال الحافظ: " وقال غيره ـ يعني: غير ابن حبان ـ: (مات بعد البخاري) ".
يعني: بعد ست وخمسين ومائتين، أو بعد شوال منها، وهذا فيه بُعد، ولم أرَ أحداً سمى القائل به، أما القول الأول فهو خطأ بيقين، فإن أبا بكر بن أبي داود السجستاني ـ رحمهما الله تعالى ـ ولد في تلك السنة ـ أعني سنة ثلاثين ومائتين (2) ـ
(1) هو عبد الوهاب بن عطاء العجلي البصري الخفاف رحمه الله المحدث الصدوق المشهور، وهو من أخص الناس بسعيد بن أبي عروبة، وراوية مصنفاته، وذكر ابن الجزري في ترجمته أنه روى القراءة عن أبي عمرو (وهو بن العلاء المازني) ، وأن أحمد ابن أبي سريج النهشلي ممن رَوَوْا عنه الحروف. والله أعلى وأعلم.
(2)
كما في ترجمته من "السير"(3 /222) . وما بعد ذلك مقتبس منه أيضاً.
وقد ذكروه في جملة الرواة عن ابن أبي سريج. وسافر به أبوه من سجستان وهو صبي فشهد جنازة إسحاق بن راهويه في شعبان سنة ثمان وثلاثين. وكان أول شيخ سمع منه هو الإمام الربّاني محمد بن أسلم الطوسي ـ رحمة الله تعالى عليه ـ المتوفى سنة اثنتين وأربعين ومائتين. فالله أعلم بحقيقة الأمر".
وأحمد بن الصباح ـ أبي سريج ـ مترجم في مصادر أخرى ليس فيها ما يلفت الانتباه، إلا أن السبكي رحمه الله قد ترجم له في "طبقات الشافعية"(2/25) ناصَّاً على سماعه من الإمام الشافعي رحمه الله، فقد فات الخطيب والمزي ـ رحمهما الله ـ، وعامة مترجميه ـ سوى ابن الجزري فيما أعلم ـ ذِكْرُ الشافعي في جملة شيوخه.
فائدة: ومما سمعه من هذا الإمام الجليل، ما رواه أبو يعلى الخليلي في "الإرشاد" (2/478) بإسناده إليه: " سمعت الشافعي يقول: أتعجب من سفيان الثوري يروي الحديث عن الثقات ثم لايعمل به (1) . أورده في وسط أحاديث وحكايات تتعلق بشعبة رحمه الله.
هذا، وقد لخّص الحافظ رحمه الله حاله في "التقريب"(50) (ط. دار
(1) سفيان رحمه الله من الأئمة المجتهدين والعلماء الربانيين، وحاشاه أن يتعمد مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم ويترك العمل بحديثه بمجرد الهوى والتشهي، وهذا ينطبق على جميع الأئمة المتبوعين ـ رحمة الله عليهم ـ. وبَسْطُ هذه المسألة تجده في مثل "رفع الملام عن الأئمة الأعلام" لشيخ الإسلام رحمه الله.
العاصمة) بقوله: " ثقة حافظ له غرائب، من العاشرة، مات بعد سنة أربعين "، كأن الحافظ تأثر بقول ابن حبان فيه:" يُغرب على استقامة فيه ".
وهو يُغرب حقاً، فإن ابن حبان نفسه روى له في "صحيحه" حديثاً واحداً (1) أغرب فيه (!) كما في "الإحسان" (6556) :" أخبرنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، حدثنا أحمد بن أبي سريج، حدثنا شبابة بن سوار، حدثني ورقاء، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن كريب، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى حَبْرِ بَيْمَاء، فَسَلَّمَ عليه ".
وهذا الحديث لم أجده في مكان آخر بهذا الإسناد أو بغيره، وله علة من فوق، وهي أن العقيلي رحمه الله قال في ترجمته من "الضعفاء الكبير" (4/327) :"تكلموا فيه في حديثه عن منصور "، وأورد حواراً دار بين معاذ بن معاذ ويحيى القطان مؤداه أن حديثه عن منصور بن المعتمر لا يساوي شيئاً.
مع أن شبابة رحمه الله قد روى عنه خلقٌ وفيهم كبار الحفاظ كأحمد، وإسحاق، والحسن بن عرفة، وأبي خيثمة زهير بن حرب، وعباس العنبري، وعباس الدوري، وابني أبي شيبة ـ أبي بكر وعثمان ـ، وابن المديني، وعمرو بن محمد الناقد، ومحمد بن رافع، ومحمود بن غيلان، ويحيى بن معين، ويعقوب بن شيبة، هل أعرضوا جميعاً عن هذا الحديث الفائدة وتركوه لابن أبي سريج الرازي؟
(1) على ما في (فهارس الإحسان) والعهدة على صانعها.
وله في "المعجم الأوسط"(7480، 7488) حديثان تفرد بهما.
الأول: يرويه عن شعيب بن حرب، نا كامل أبو العلاء، ثنا أبو صالح، عن أبي هريرة مرفوعاً:" إن امرأة دخلت النار في هرة لها كانت ربطتها، فلا تطعمها، ولا تخليها تأكل من خشاش (1) الأرض ".
والثاني: يرويه عن عمرو بن مجمع، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس، قال:" أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نرمي الجمرة حتى تطلع الشمس ".
والأول لم أجده في مصدر آخر من هذا الوجه، لكنه صحيح ثابت من أوجه أخرى عن أبي هريرة، ومن حديث ابن عمر، والثاني رواه أيضاً في "الكبير"(11/ 398 رقم 12120) وابن عدي في "الكامل"(5/1782) من طرق عنه عن عمرو بن مجمع به.
وقد رواه جماعة ـ غير إسماعيل بن أبي خالد ـ عن الحكم بنحوه، ورواه الحسن العرني عن ابن عباس أيضاً.
فالأول: الإغراب فيه دائر بينه وبين شيخ الطبراني (محمد بن شعيب الأصبهاني التاجر) قال أبوالشيخ رحمه الله في "الطبقات" (4/43 رقم
(1) كان بأصل مخطوط " الأوسط ": " حشائش "، والمثبت هو الصواب كما بين محققو الكتاب ـ جزاهم الله خيراً ـ وهذا الحديث طلبت من أحد الكرام أن يبحث لي عنه ـ بهذا الإسناد ـ في " مسند إسحاق "، " ومسند البزار "، ولم يتيسر ذلك.
540) : " حَدَّث عن الرازيين بما لم نجده بالري، ولم نكتب إلا عنه "، فساق له ثلاثة أحاديث أحدها عن عبد الرحمن بن سلمة الرازي، والآخران عن الحسن بن علي الخلال ـ وليس (1) رازياً ـ لكن يرويهما عن الفرات بن خالد الرازي.
وقال أبو نعيم في "ذكر أخبار أصبهان"(2/252) : " يروي عن الرازيين بغرائب " فساق له الحديث الأول عند أبي الشيخ، وحديثين آخرين.
والثاني: تفرده وإغرابه عن عمرو بن مجمع ـ وإن كان الإسناد بعد ذلك في غاية الشهرة ـ، فهو محتمل، لأن هذا الشيخ واهٍ.
* قال ابن عدي في آخر ترجمته من "الكامل"(5/1782) : " وعامة ما يرويه لا يتابع عليه، إما إسناداً وإما متناً ".
* وقال ابن معين: " ليس حديثه بشيء " كما في آخر ترجمته من "تاريخ بغداد"(12/195) ولعله قال: " لم يكن به بأس " ـ كما في "تاريخ الدوري"(2/454) ـ قبل أن يتبين له أمره.
(1) يستفاد من ذلك أن قول الحافظ في راوٍ ما: " حدث عن أهل مدينة كذا وكذا " لا يلزم منه بالضرورة أن يكون جميع شيوخه في هذه الأحاديث من نفس هذا المكان، ولكن لابد أن يكون مخرج الحديث بعد ذلك منه، أما في حالتنا هذه، فقد روى التاجر عن العباس بن إسماعيل الرقي، وهو الطيالسي، وكان يسكن الري حقاً كما في ترجمته من"الجرح"، وشيخه أبو زهير عبد الرحمن بن مغراء كوفي نزل الري، والله أعلم.
* وقال أبو حاتم: " ضعيف الحديث " كما في "الجرح"(6/265) .
* وقال الداراقطني في "الضعفاء"(394) : " ضعيف كوفي ".
هذه نماذج مما أغرب فيه أحمد بن أبي سريج الرازي رحمه الله، يضم إليها الحديث الذي نحن بصدد تخريجه وبيان ما ترجح لدينا فيه.
ومن الله العون والسداد وسأذكر المزيد فيه عند الكلام على الوجه الثاني
للحديث عن عكرمة ـ بإذن الله ـ.
1 ـ علي بن حفص المدائني:
هو (أبو الحسن علي بن حفص المدائني البغدادي) وهو من رجال مسلم ـ احتجاجاً ـ وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وأقل أحواله أنه (صدوق (1) لا بأس به) .
* قال محمد بن عبيد الله بن أبي داود المنادي: " حدثنا علي بن حفص المدائني وكان أحمد يحبه حباً شديداً" كما في ترجمته من "تاريخ بغداد"(11/416) .
* وقال أبو بكر المرُّوذي: " قال أحمد بن حنبل: " علي بن حفص أحبُّ إليَّ من شبابة "، وعنه الخطيب.
(1) بل اختار أخي الحبيب عادل أبو تراب في ترجمته أنه (ثقة ربما وهم) .
وقال أبو عبيد الآجري في "سؤلاته"(رقم 1937) :
" سئل أبوداود عن علي بن حفص قال: ثقة. قال لي الحسن بن علي (يعني: الخلال) قال لي أحمد بن حنبل: أكتُبْ عن علي بن حفص حديث حريز. قال: فوجدت يزيد (1) أروى منه ".
* وقال عثمان بن سعيد الدارمي في "تاريخه"(642) : " قلت ـ يعني: ليحيى ابن معين ـ: فعلي بن حفص، حدثنا عنه خلف المخرمي؟ فقال: المدائني ليس به بأس ".
* وقال ابن محرز في "معرفة الرجال"(1/97 رقم 406) : " سمعت يحيى يقول: علي بن حفص المدائني ثقة ".
* وقال ابن الجنيد في "سؤلاته"(314) : " قلت ليحيى بن معين: تفسير ورقاء عمن حملته؟ قال: كتبته عن شبابة وعن علي بن حفص، وكان شبابة أجرأ عليها وجميعاً ثقة ".
* وقال علي بن المديني: " علي بن حفص ثقة "، كما في "الجرح"(6/182) .
* وقال ابن أبي حاتم فيه: " سألت أبي عن علي بن حفص المدائني، فقال: صالح الحديث يكتب حديثه، ولا يحتج به ".
(1) هو (يزيد بن هارون بن زاذي أبو خالد السلمي الواسطي) الحافظ الكبير، وستأتي له ترجمة مختصرة في أحد طرق الحديث.
* فرد عليه الذهبي في "الميزان"(3/125) بقوله: " قلت: احتج مسلم به ".
* وقال النسائي: " أبو الحسن علي بن حفص المدائني ليس به بأس "، كما في "تاريخ بغداد".
* وقال ابن حبان في "الثقات"(8/465) : " ربما أخطأ ".
* وقال بن أبي شيبة: " ثقة "، كما في ترجمته من "تهذيب الكمال"(20/410) .
* وقال الحاكم في "المستدرك"(1/112) : " وعلي بن حفص المدائني ثقة ".
* وقال الحافظ في "التقريب"(4753) : " صدوق ".
قلت: وقول ابن معين ـ في رواية عنه ـ والنسائي: " ليس به بأس " يؤيد قول ابن حبان فيه: " ربما أخطأ "، فقد قال أبو أحمد ابن عدي رحمه الله في ترجمة (المغيرة بن زياد الموصلي) من "الكامل" (6/ 2354) : " وعامة ما يرويه مغيرة بن زياد مستقيم إلا أنه يقع في حديثه كما يقع هذا في حديث مَنْ ليس به بأس من الغلط
…
".
(ومما أخذ عليه) : ما رواه العسكري في " تصحيفات المحدثين "(1/138) من طريق حنبل بن إسحاق قال: " وسمعت أحمد يقول قال علي بن حفص يعني المديني (كذا) : في حديث: (وأما خالد،
فإنكم تظلمونه، قد احتبس أدرعه وأعتاده) ، أخطأ فيه وصحف، إنما هو:(وأعْتُده)". وحنبل ـ ابن عم الإمام أحمد ـ رحمهما الله ـ وإن كان ثقة ثبتاً، فقد نص (1) بعضُ أهل العلم على أنه تفرد بأشياء عن الإمام أحمد رحمه الله غلط فيها، فإن كان حفظه فقد تبين لي أنه لا ذنب لِعَليّ بن حفص في هذا التصحيف، فقد رواه ابن حبان (3273) والدارقطني في "سننه" (2/123) من طرقٍ عن شبابة، ثنا ورقاء، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعاً به، وفيه أيضاً: " وأعتاده ".
فلم يتفرد علي بن حفص بهذه اللفظة، بل الظاهر انها من ورقاء بن عمر اليشكريّ ـ عفا الله عنه ـ بمخالفة شعيب بن أبي حمزة وغيره.
نعم، في رواية أبي داود (1/376) من طريق شبابة:" وأعتده "، وهي كذلك في "مختصر السنن"(1556) للمنذري و "صحيح أبي داود"(1435) .
ولكن رواه البيهقي في "السنن الكبرى"(6/163 ـ 164) عن أبي داود به، فقال:
" وأعتاده " وفي "السنن بشرح العَيْني"(1743) : " وأعتاده "، وهو الثابت ـ عندي ـ عن شبابة والله أعلم.
على أنني لم أجد فيما وقفت عليه ـ من كتب الشروح ـ فارقاً بين
(1) واأسفى لأنني لا أحفظ هذا النص بلفظه، فعسى أن أكون قد أصبت المعنى.
اللفظتين، بل كلاهما جمع (عَتد) إلا على معنى مخصوص ذكره البدر العيني، فانظره إن شئت، وانظر لتمام تخريج الحديث:"إرواء الغليل"(رقم 857) .
ثم إن مسلماً رحمه الله قد رواه في "صحيحه"(2/676 ـ 677 رقم 983) من طريق علي بن حفص محتجاً به حيث بوَّب (باب: في تقديم الزكاة ومنعها) فلم يذكر سواه.
وأسوقه بتمامه تتميماً للفائدة:
قال رحمه الله: " وحدثني زهير بن حرب، حدثنا علي بن حفص، حدثنا ورقاء، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عُمَرَ على الصدقة، فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيراً فأغناه الله، وأما خالد فإنكم تظلمون خالداً، قد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله. وأما العباس فهي عَلَيَّ ومثلها معها ". ثم قال:" يا عمر، أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه "، وانظر لتمام تخريجه "إرواء الغليل"(858) ، فقد نَبَّهَ الشيخ الألباني رحمه الله على بعض الألفاظ فيه.
وعَوْدٌ إلى (علي بن حفص) رحمه الله فمما أخطأ فيه بيقين: ما رواه مسلم في "مقدمة صحيحه"(1/10 رقم 5) ، وأبو داود (2/ 594)، وابن حبان (30) والحاكم (1/112) وغيرهم من طرق عنه قال: حدثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن
عاصم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع "(1) وخالفه المشاهير وغير المشاهير (2) من أصحاب شعبة رحمه الله فممن وقفت عليه منهم:
1 ـ محمد بن جعفر الهذلي البصري غُنْدَرْ.
2 ـ عبد الرحمن بن مهدي العنبري البصري.
3 ـ معاذ بن معاذ التميمي العنبري البصري.
4 ـ سليمان بن حرب الواشحي البصري.
5 ـ حفص بن عمر النَّمَري الحوضي البصري.
6 ـ وهب بن جرير بن حازم الأزدي الجهضمي البصري.
7 ـ أبو أسامة حماد بن أسامة بن زيد القرشي الكوفي.
8 ـ النَّضر بن شميل المازني البصري النحوي نزيل مرو.
ففي (مسند أبي هريرة) من "علل الدارقطني"(س 2008) قال البرقاني رحمه الله:
" وسُئِل ـ يعني: أبا الحسن الدارقطني رحمه الله عن حديث حفص بن
(1) ومقتضى صنيع مسلم أن يكون لفظه: " كفى بالمرء كذباً
…
"، حيث رواه مرسلاً، ثم أتبعه بالرواية الموصولة وقال: " بمثل ذلك "، وما وقع في بعض الطبعات من وصله بالإسناد الأول، فهو خطأ كما سأنبه ـ إن شاء الله ـ.
(2)
كأبي أسامة حماد بن أسامة الكوفي رحمه الله وهو ثقة ثبت لكنه ليس معروفاً جداً بشعبة.
عاصم عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع " فقال: يرويه شعبة واختلف عنه؛ فرواه علي بن حفص المدائني عن شعبة عن خبيب عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وخالفه أصحاب شعبة، رووه عن شعبة عن خبيب عن حفص بن عاصم مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك قال غندر، والنضر بن شميل، وسليمان بن حرب، وغيرهم.
والقول قولهم، وأخرج مسلم حديث علي بن حفص عن أبي بكر بن أبي شيبة المتصل، ثم رواه بإسناده إلى علي بن حفص المدائني به موصولاً، وقال:(تفرد به علي بن حفص عن شعبة متصلاً) ".
وفي (مسند أبي هريرة) أيضاً من "التتبع" للداراقطني أيضاً رحمه الله (الحديث الثامن ص 130 ـ 131) : " وأخرج مسلم عن أبي بكر عن علي بن حفص عن شعبة عن خبيب عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
(كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) والصواب مرسل، قاله معاذ وغندر وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم ".
قلت الإعلال صحيح لا ريب فيه، ولكن لا يصح تعقُّبُ هذا الحديث على الإمام مسلم رحمه الله، فإن أحاديث "المقدمة" ليست على شرطه في أصل "الصحيح".
ثم إنه أشار إلى العلة بتقديمه المرسل من وجهين بلغا الغاية في الصحة إلى شعبة رحمه الله.
قال الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله عند تعليقه على هذا الحديث: " والعذر لمسلم واضح، وهو أنه قدم المرسل ثم ذكر الحديث المسند، وأيضاً ذكره في المقدمة ولم يذكره في أصل الكتاب كما قاله الحاكم ج1 ص112. والله أعلم ".
قلت: أخرج الحاكم (1/ 112) الحديث من طريق محمد بن رافع ثنا علي ابن حفص (1) المدائني ثنا شعبة به موصولاً، وقال: " قد ذكر مسلم هذا الحديث في أوساط الحكايات التي ذكرها في خطبة الكتاب عن محمد بن رافع (2) ، ولم يخرجه محتجاً به في موضعه من الكتاب، وعلي بن حفص (3) المدائني ثقة. وقد نبهنا في أول الكتاب على الاحتجاج بزيادات الثقات، وقد أرسله جماعة من أصحاب شعبة حدثناه
…
".
ثم رواه بأسانيده إلى آدم (3) بن أبي إياس، وسليمان بن حرب، وحفص بن عمر قالوا: ثنا شعبة به مرسلاً.
(1) تحرف اسمه في موضعين إلى (علي بن جعفر المدائني) وجاء في "التلخيص" على الصواب.
(2)
إنما روى مسلم الحديث عن أبي بكر بن أبي شيبة كما في طبعات "الصحيح" ـ على اختلافها ـ وكما قال الدارقطني في "العلل" وغيره، فلعل الحاكم كان يعتمد على حفظه في النقل عن " صحيح مسلم " وقد كان كثيراً ما ينفي وجود الحديث عند البخاري ومسلم، ويكون عندهما أو أحدهما.
(3)
لم أذكر آدم عند سرد أصحاب شعبة الذين أرسلوا الحديث لأن في الطريق إليه: (عبد الرحمن بن الحسن الهمداني) ـ شيخ الحاكم ـ وهو مطعون فيه بكلام شديد لم أجد أحداً دفعه أو أوَّلَه تأويلاً سائغاً يلزم منه براءته من الطعن.
أما التنبيه الذي أومأ إليه، فهو قوله في خطبة "المستدرك" (1/3) :
" وأنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتجَّ بمثلها الشيخان رضي الله عنهما أو أحدهما، وهذا شرط الصحيح عند كافة فقهاء أهل الإسلام أن الزيادة في الأسانيد والمتون من الثقات مقبولة. والله المعين على ما قصدته، وهو حسبي ونعم الوكيل ".
قلت: من المتقرر أنه لابد لمعرفة أصول وقواعد كل علم شرعي أو دنيوي، أن يرجع إلى أهل الاختصاص فيه الذين هم أدرى به من غيرهم بداهة.
والمذهب الذي صححه الحاكم وإن كان هو المترجح عند غير أهل الحديث فلا كذلك عند جهابذة النقاد من المحدثين، فإنهم لا يقبلون الزيادة من الثقة بإطلاق، بل إذا كانت من أمثال مالك والثوري ـ رحمهما الله ـ المبرزين في الحفظ والإتقان.
وهم لا يجرون على قاعدة ثابتة لا محيد عنها أبداً، بل ينظرون إلى كل حديث على انفراده، ويرجحون أحد وَجْهَي أو وجوه الاختلاف بعد مراعاة القرائن المحيطة بهذا الحديث.
ونظراً لأن أصحاب الزيادة في الأسانيد والمتون كثيراً ما تكون كفة الواحد منهم مرجوحة تارةً في الحفظ والإتقان، وتارةً في العدد، بل أحياناً فيهما جميعاً كما في حديثنا هذا؛ فإننا نجدهم في الغالب
يرجحون الرواية الأنقص إرسالاً أو
وقفاً أو قطعاً أو إبهاماً لاسم راوٍ أو غير ذلك، ولا يفعلون ذلك باطِّراد.
ولذلك نجد الدارقطني يقول أحياناً: " فلان ثقة والزيادة من الثقة مقبولة "، وهوبالضرورة لا يعني آحاد الثقات الذين لا يتميزون بمزيد تثبت وإتقان، أو بمزيد حفظ أو بأصحية كتاب أو بطول ملازمة للشيخ
…
إلخ، بل يقصد الحفاظ المبرزين في الحفظ والإتقان.
ولو كان الأمر كما قال الحاكم ـ عفا الله تعالى عنه ـ ما استحق علم " علل الحديث " أن يوصف بأنه (أوعر وأدق علومه على الإطلاق) بحيث لا يقوم به ولا يطيقه إلا جهابذة النقاد وحذاقهم.
ولما كان لتصنيف مثل ابن المديني والنسائي والبرديجي وابن رجب (أصحاب فلان) ـ من المشاهير ـ وذكر طبقاتهم ومعرفة المقدم والمؤخر بل والثقة المضعف في شيخ من الشيوخ كبير فائدة.
بل لاستوى المبتدئ في هذا العلم مع الناقد الجهبذ لو علم ـ فقط ـ من مثل "تقريب التهذيب" أن فلاناً من الرواة ثقة، وأن مخالفيه أيضاً ثقات، بعد اجتماع وجوه الاختلاف عنده بالحاسوب مثلاً!
ولذلك نجد المذهب الذي انتصر له الحاكم، وسيأتي مثله عن الإمام النووي رحمهم الله جميعاً ـ لم يأخذ به إلا المتسمحون أمثال: ابن حبان، والضياء المقدسي، بحيث صححوا عشرات الأحاديث المعلولة إسناداً أو متناً.
فحديثنا هذا، لم يخرج ابن حبان لعلي بن حفص المدائني سواه ـ
والعهدة على صانع فهارس "الإحسان" ـ على الرّغم من أنه قال في ترجمته من "الثقات": " ربما أخطأ "، وذلك لأن زيادة الوصل ـ عنده ـ زيادة ثقة وهي مقبولة، بينما عند أهل التحقيق كالدارقطني ومن وافقه زيادة مرجوحة، وخطأ، ووهم، وسلوك للجادة!
تنبيهات:
الأول: وقع في عدة طبعات من "صحيح مسلم" رحمه الله إثبات زيادة شاذة في الإسنادين المُرسَلَيْن لهذا الحديث، بما أفضى إلى كثير من الخلط والخبط عند أكثر من تكلموا على هذا الحديث.
فمثلا في طبعة الأستاذ / محمد فؤاد عبد الباقي (1/10 رقم 5) : " وحدثنا عبيد الله بن معاذ العنبري حدثنا أبي (ح) وحدثنا محمد بن المثنى، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قالا: حدثنا شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع "، وحدثنا أبوبكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن حفص
…
" إلخ.
فزيادة (عن أبي هريرة) هنا خطأ من وجوه:
الأول: أن مسلماً رحمه الله لو كانت جميع هذه الوجوه عنده موصولة، لأتبع الإسنادين المتقدم ذكرهما بقوله: " (ح) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا علي بن حفص قالوا: حدثنا شعبة
…
" إلخ.
وما احتاج أن يفرد الإسناد الثالث ثم يقول في آخره: " بمثل ذلك ".
الثاني: أننا نجد جهابذة الأئمة الذين يعتنون ببيان العلل في كتبهم
المسندة إذا كان الحديث مختلفاً في وصله وإرساله، أو رفعه وإيقافه؛ نجدهم يبدأون بأحد أوجه الاختلاف ثم يتبعونه بالآخر، أو يسوقون أسانيدهم إلى مَن عليه مدار الحديث، ثم يقولون ـ بعد روايته موصولاً أو مرفوعاً ـ:" ولم يذكر فلان كذا "، أي لم يذكر الصحابي أو لم يرفع الحديث.
وأضرب المثال بالثاني أولاً لأنه يتعلق بنفس الحديث:
قال الإمام أبو داود (2/594) :
"حدثنا حفص بن عمر، ثنا شعبة، (ح) وثنا محمد بن الحسين، ثنا علي بن حفص قال: ثنا شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، قال ابن حسين في حديثه: عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع ". قال راوي "السنن": " قال أبو داود: ولم يذكر حفص أبا هريرة. قال أبو داود: ولم يسنده إلا هذا الشيخ، يعني علي بن حفص المدائني ". ومثال الأول: قال الإمام أحمد رحمه الله في "مسنده"(3/143ـ 144) : " حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن يحيى ثنا ثابت البناني عن أنس ابن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (1) " مثَل أمتي مثل المطر، لا يدرى أوله خير أو آخره ".
(1) قد حسنت هذا الحديث في "البدائل"(رقم 21) وإني أستغفر الله من ذلك، فإن المحفوظ فيه:(عن الحسن مرسلاً) وكل طرقه عن ثابت أو غيره عن أنس، أو عن الحسن عن عمران أو علي غير محفوظة، وسائر طرقه منكرة أو واهية. ثم إن المتن منكر مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم:" خيركم " أو " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم "، وما قيل من تأويل للجمع بينهما لا يخلو من تكلف، والله المستعان ولا رب سواه.
ثم كشف لنا عن علته بأن أتبعه بقوله: " ثنا حسن بن موسى ثنا حماد بن سلمة عن ثابت وحميد ويونس عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مثل أمتي " فذكره ".
الثالث: أن الأئمة الذين عزوا الحديث إلى "صحيح مسلم" قد بينوا أن رواية معاذ بن معاذ وعبد الرحمن بن مهدي عن شعبة مرسلة، كما تقدم عن الدارقطني ويأتي عن النووي والمازري.
الرابع: أن جماعة من الأئمة صرحوا بتفرد علي بن حفص المدائني بوصل
الحديث، منهم: أبو داود، والدارقطني، والحاكم كما تقدم، والمازري، والنووي كما سيأتي بإذن الله.
قد يقال: لعل هناك اختلافاً على معاذ وابن مهدي بحيث وقعت رواية مسلم ـ خاصةً ـ للحديث موصولة. ولم يقف أبو داود وغيره على هذا.
والجواب: أن ذلك مدفوع بالأوجه المتقدم ذكرها، وأن (عَرش) هذه الزيادة غير مُثَبَّت بل مزعزع ومزلزل!
* قال الحافظ المنذري رحمه الله في "مختصر سنن أبي داود"(7/281) :
" وأخرجه مسلم في المقدمة مسنداً ومرسلاً، وعند بعض رواة مسلم كلاهما مسند، وقال الدارقطني: والصواب مرسل ".
* وقال الإمام المازري رحمه الله في "المعلم بفوائد مسلم"(1)
(ص 184) : " رواه شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى به مرسلاً، لم يذكر فيه (أبا هريرة) ؛ هكذا رُوي من حديث معاذ ابن معاذ، وغندر، وعبد الرحمن بن مهدي عن شعبة.
(1) كما في كتاب أخينا المفضال: محمد عبد المنعم بن محمد رشاد: "العلل والمناكير الواقعة في صحيح ابن حبان
…
" ـ والتسمية من الناشر كما صرح لي ـ وللكتاب قصة معي، حيث طلب مني كتابة تقديم له بكلام ظاهره أن (مكتبة أولاد الشيخ) تشترط أن يقدم للكتاب إما الشيخ الحويني أو العبد الفقير، فوافقت من باب المعاونة على البر والتقوى فلما طبع الكتاب في (دار الضياء) سألته عن الأمر السابق فقال: " إنهم نصحوني بذلك "، يعني: مجرد مشورة فقط. وكان قد دفع إلَيَّ كراسة فيها بعض الأحاديث التي خرجها ثَمَّ، ولم يتسع وقتي لمعرفة جميع ما فيها حتى استردها مرة أخرى، ولم يكن في القدر الذي طالعته تلك العجائب التي أذهلتني عند صدور الألف حديث الأولى من "الإحسان" ووقفت طويلاً عند حديث مسلم عن أبي الدرداء: " من قرأ عشر آيات من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال "، فقد اضطرب حكمه عليه بين ترجيح رواية بعينها في أول الكلام، وبين دعوى اضطراب المتن والاختلاف على الإسناد وتوهم معارضة الحديث لأحاديث أخرى أجملت عدد الآيات، بل اكتفى بالحكم عليه بالغرابة كما فعل مع كثير غيره، وزعم أن مسلماً أخرجه في المتابعات فلم يصب، إذ هما حديثان فقط تحت الباب هذا أولهما والآخر في فضل آية الكرسي بمطابقة التبويب!
وقد طلبت من أحد الإخوة الكرام أن يبلغ أخانا المذكور أنني لستُ أُقِرُّ كتابة اسمي ولا تقديمي للكتاب في طبعته الثانية. ولكن إحقاقاً للحق، فإن حديث عليّ بن حفص هذا من الأحاديث ـ غير الكثيرة ـ التي أجاد أخونا عند الكلام عليها وأفاد، وأعني بذلك الأحاديث التي صححها أهل العلم المحققين، لا الأحاديث التي لا تخلو من جهالة، أو شذوذ، أو علة، مما لا يختلف عليه اثنان رزقا الفهم والبصيرة.
وفي نسخة أبي العباس الرازي وحده في هذا الإسناد: (عن شعبة، عن خبيب، عن حفص، عن أبي هريرة مسنداً) ولا يثبت هذا ".
* وقال الإمام النووي رحمه الله في "شرح صحيح مسلم"(1/72) :
" فيه خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) ، وفي الطريق الآخر عن خبيب أيضاً عن حفص عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك ".
وقال أيضا بعد قليل (1/74) :
" وأما فقه الإسناد فهكذا وقع في الطريق الأول: عن حفص عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، فإن حفصاً تابعي.
وفي الطريق الثاني: عن حفص عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم متصلاً فالطريق الأول رواه مسلم من رواية معاذ وعبد الرحمن بن مهدي وكلاهما (كذا) عن شعبة، وكذلك رواه غندر عن شعبة فأرسله.
والطريق الثاني عن علي بن حفص عن شعبة، قال الدارقطني: الصواب المرسل عن شعبة كما رواه معاذ وابن مهدي وغندر.
قلت: وقد رواه أبو داود في سننه أيضاً مرسلا ًومتصلاً فرواه مرسلاً عن حفص عن عمر النميري (1) عن شعبة، ورواه متصلاً من رواية علي بن حفص.
(1) كذا، والصواب:" النَّمَري "، قال المزي في ترجمته من "تهذيب الكمال" (7/ 26) :" من النمر بن غيمان ".
وإذا ثبت أنه رُوي متصلاً ومرسلاً، فالعمل على أنه متصل، هذا هو الصحيح الذي قاله الفقهاء وأصحاب الأصول وجماعة من أهل الحديث، ولا يضر كون الأكثريين رووه مرسلاً، فإن الوصل زيادة من ثقة وهي مقبولة، وقد تقدمت هذه المسألة موضحة في الفصول السابقة والله أعلم.
وأما قوله في الطريق الثاني " بمثل ذلك " فهي رواية صحيحة، وقد تقدم في الفصول بيان هذا وكيفية الرواية به ".
قلت: قد تقدم الجواب عن الكلام الأخير بما لا يدعو لتكراره لاسيما وقد أطلتُ فيه جداً، وإنما أردت بيان الدَّخَل في زيادة (عن أبي هريرة) على الأسانيد المرسلة في النسخة التي قام الإمام النووي رحمه الله بشرحها.
التنبيه الثاني:
روى ابن أبي شيبة في "مصنفه"(8 / 407 ـ 408) الحديث مرسلاً، حيث قال:
" حدثنا أبو أسامة، عن شعبة، قال: حدثني خبيب، عن حفص بن عاصم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع ".
فزاد محققه ـ عفا الله عنه ـ بين قوسين معكوفين: [عن أبي هريرة] قائلاً في الحاشية:
" زيد من صحيح مسلم 1/8 حيث أخرجه عن ابن أبي شيبة ".
قلت: لكن عن علي بن حفص المدائني، وليس عن أبي أسامة حماد بن أسامة الكوفي.
والظاهر أن الوجهين ـ المرسل والموصول ـ كانا عنده. ولكن يحترز من هذا الصنيع الذي تكرر من المحقق المذكور في تضاعيف "المصنف" نقلاً واعتماداً على مصادر روت الحديث بأسانيد لا علاقة لها بالمثبت في الأصل المخطوط.
الثالث: جاء في حاشية "الإحسان"(1 /214) ـ تعليقاً على نفس هذا الحديث ـ:
" إسناده صحيح على شرط الصحيح، وأخرجه مسلم (5) في مقدمة صحيحه عن علي بن حفص، ومعاذ العنبري، وعبد الرحمن بن مهدي (!) ، وأبو داود (4992) عن علي بن حفص، وابن أبي شيبة (8/595) عن أبي أسامة (!) ، والحاكم (1/112) عن علي بن جعفر المدائني (!)، قالوا خمستهم (!) : حدثنا شعبة بهذا الإسناد.
وقد أرسله حفص بن عمرو، وآدم بن أبي إياس، وسليمان بن حرب، فقالوا: حدثنا شعبة، عن خبيب بن عبد الرحمن، عن حفص بن عاصم، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه أبو داود (4992) ، والحاكم (1/112) ، والقضاعي (1416) ، ولا يضر إرسالهم، فإن الوصل زيادة وهي من الثقات مقبولة.
وله شاهد من حديث أبي أمامة عند الحاكم (2/2120)(كذا، والصواب: 2/20 ـ 21) وسنده حسن في الشواهد " أهـ.
قلت: في هذا التعليق على الحديث عدة أوهام وتخبطات:
الأول: عدَّ روايتي معاذ بن معاذ وابن مهدي عند مسلم موصولتين اغتراراً
بالغلط الواقع في طبعات " الصحيح "، والذي بينته تفصيلياً.
الثاني: عدَّ رواية ابن أبي شيبة في "المصنف" عن أبي أسامة موصولة أيضاً، اغتراراً بصنيع محقق الكتاب.
الثالث: إعتقاد أن هناك راوياً اسمه (علي بن جعفر المدائني) ممن وصلوا الحديث مع علي بن حفص والآخرين (!) اغتراراً بالتَّحَرُّف الواقع في "مستدرك الحاكم".
الرابع: عزو روايات حفص بن عمر، وآدم، وسليمان بن حرب المرسلة إلى أبي داود، والحاكم، والقضاعي في " مسند الشهاب "، بينما لم يروه الأخير عن واحد من هؤلاء الثلاثة بل عن محمد بن جعفر الهذلي ـ غندرـ وحده.
نعم، شيخ القضاعي فيه ـ هبة الله بن إبراهيم الخولاني ـ لم أقف له على ترجمة، ولكن الرواية ثابتة عن غندر رحمه الله فقد جزم الدارقطني في كتابيه، وغير واحد بأنه ممن رووا الحديث عن شعبة مرسلاً.
فانبنى على الخبط المذكور أن هؤلاء الخمسه المتوهمين (!) من أصحاب شعبة وصلوا الحديث فرجحت زيادتهم على الثلاثة الآخرين!
وحقيقة الأمر أنهم واحد فقط في مقابل ثمانية، ولو صح أن آدم بن أبي إياس العسقلاني رواه أيضاً، فهم تسعة الواحد منهم ـ على انفراده ـ أحفظ وأثبت من المدائني.
الخامس: الجَزْم بأن سند حديث أبي أمامة حسن في الشواهد، وما هو كذلك بل ضعيف جداً مسلسل بالعلل التي أسوؤها شدة ضعف (العلاء بن هلال الرقي) فقد اتهمه أبوحاتم الرازي، ووهاه ابن حبان، وعدَّ ابن عدي هذا الحديث من مناكيره، فرواه مختصراً.
تنبيه: والتبس أمره على العلامة الشيخ الألباني ـ رحمة الله عليه ـ فقال في "الضعيفة"(2234)(1) ـ بعدما رجَّحه على ابنه هلال: " فقد وثقه ابن معين وأبوحاتم وابن حبان، لكن هذا عاد فذكره في " الضعفاء " أيضاً
…
".
أقول: الذي وثقه ابن معين وأبوحاتم وابن حبان هو (العلاء بن هلال الباهلي البصري) من شيوخ حماد بن سلمة وطبقته، والذي تردد النسائي بينه وبين ابنه هلال، وأورده ابن عدي في "الكامل"، وابن حبان في "الضعفاء" هو:(العلاء بن هلال بن عمر الباهلي الرَّقي) وترجمته في "الجرح"(6/361 ـ 362) بعد البصري رأساً (2) ، فسبحان من لا تخفى عليه خافية.
ثم فوجئت بالعلامة الألباني رحمه الله يورد المتن في "الصحيحة"(2025) معتمداً ما رآه في "صحيح مسلم" ـ المطبوع ـ من الروايات
(1) أورد رحمه الله حديث أبي أمامة فيها بزيادة في متنه وهي التي استنكرها ابن عدي.
(2)
ولذلك سأورده بعون ربي القدير في "مختصر فضل ذي الجلال بتقييد ما فات العلامة الألباني من الرجال"، إذ لا يختص فقط بالذين لم يقف عليهم، بل فيه أيضاً الذين لم يقف فيهم على جرح أو تعديل وليسوا كذلك وسيتراوح الجزء الأول ـ بإذن الله ـ بين مائتي ترجمة وثلاثمائة وخمسين.
التي بينَّا الخطأ في وصلها، رادَّاً على الإمام أبي داود جَزْمه بتفرد المدائني بوصل الحديث، وذكر طريقاً أخرى عن أبي هريرة مقتصراً على تضعيفها، وفيها يحيى بن عبيد الله التيمي أحد المتروكين، وشاهداً هو حديث أبي أمامة الذي بيَّنَّا وهاءه ونكارته.
التنبيه الأخير: وقع وهم آخر للحافظ البزار رحمه الله حيث روى الحديث ـ مرسلاً ـ في "مسنده" من طريق وهب بن جرير نا شعبة به، وقال:"وهذا الحديث أرسله وهب، وأَسْنَده محمد بن جعفر عن شعبة عن خبيب عن حفص عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ".
كذا نقله محقق "علل الدارقطني"(10/276) نقلاًعن مخطوط "مسند البزار"
(1/161) فوقع لي ارتياب في صحة النَّقل، ولم آمن التَّحَرُّف، فطلبت من أخي ومفيدي ـ وخِرِّيجي السابق ـ الشيخ عادل أبي تراب أن ينظر لي في النسخة التي عنده، فوجده كذلك، ولا شك أن الكل يدرك أن الذي أسند هذا الحديث هو (علي بن حفص) وليس (محمد بن جعفر غندر) ، فإنه من أبرز من أرسلوه كما بينت بياناً لا خفاء فيه (1) .
(1) ولو استقصيت الأوهام الواقعة لمخرجي الحديث لأضَعتُ الكثير من الوقت والجهد، فمنها أن الشيخ حمدي السلفي ـ حفظه الله ـ في تحقيق "مسند الشهاب" عزا الرواية الموصولة لابن المبارك في "الزهد"(735)، وإنما رواه عن يحيى بن عبيد الله التيمي عن أبيه عن أبي هريرة وإسناده واهٍ. ومنها أن المعلق على"الآداب" (401) للبيهقي عزاه لأبي داود والحاكم ثم لمسلم في "صحيحه" وقال:
" وأخرجه أيضاً أبو داود في "مراسيله"، وفيه أن الصواب: (مسلم في "مقدمة صحيحه") ثم إنه لاوجود له في " مراسيل أبي داود " وإنما الرواية المرسلة مع المتصلة في مكان واحد من "سننه"، والله المستعان لا رب سواه.
والآن أنتقل إلى الراوي الذي فوق (علي بن حفص المدائني) في إسناد الطبراني وهو:
4-
عبيد المُكْتِب الكوفي:
هو (عبيد بن مهران ـ وقيل: ابن عمرو ـ الضَّبِّي (1) الكوفي المُكْتِب) .
ثقة باتفاق، ومن رجال "التهذيب"، فقد روى له مسلم حديثاً واحداً في الشواهد (2969) والنسائي في "الكبرى" ـ نفس الحديث ـ عن فضيل بن عمرو الفُقَيْميّ، وأبوداود في " الناسخ والمنسوخ " عن مجاهد بن جبر المكي.
* قال إسحاق بن منصور عن ابن معين: " عبيد بن مهران المُكْتِب ثقة "
كما في "الجرح"(6/2) .
* وقال أبوحاتم الرازى: " ثقة صالح الحديث " كما فيه.
* وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (6 /237 ط. دار الفكر
(1) تفرد ابن سعد رحمه الله بهذه النسبة، وهذا من حسنات كتابه الكثيرة، والتي لا يرفع بها بعض الناس رأساً، ظناً أن جميعها من الواقدي!
العربي) : " عبيد المكتب ابن مهران مولى لبني ضَبَّة، وكان ثقة قليل الحديث ".
* وقال العجلي: " عبيد بن مهران المكتب كوفي روى عن الشعبي ومجاهد، وكان ثقة في عداد الشيوخ " كما في "ترتيب معرفة الثقات"(1186) .
قلت: وذكر الحافظ المزي رحمه الله: أبا الطفيل رضي الله عنه في جملة شيوخه، فلو صح لقاؤه إياه، فهو من صغار التابعين. والله أعلم بحقيقة الأمر.
* وقال يعقوب بن سفيان الفسوي في "المعرفة والتاريخ"(3/93) :
" وقال ـ يعنى أبا نعيم الفضل بن دكين ـ: حدثنا سفيان عن عبيد المكتب ابن مهران، ثقة "، وقال أيضاً (3 /238 ـ 239) :
" حدثنا أبو نعيم: ثنا سفيان عن معبد بن خالد الجدلي، وعن يحيى بن هانيء المرادي، وعن شبيب بن غرقدة العجلي
…
" فذكر جماعة، حتى قال: "وعن عبيد المكتب
…
" وقال بعد سرد هؤلاء الشيوخ: " وكل هؤلاء كوفيون ثقات ".
* وقال ابن حبان في "الثقات"(7/156) : " عبيد بن مهران المكتب، من أهل الكوفة، يروي عن: سعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، والشعبي، ومجاهد، روى عنه: الثوري، وشريك، وجرير، ويقال: عبيد بن عمرو المكتب ".
قلت: كأنه بنى هذه الترجمة على قول البخاري رحمه الله في "التاريخ الكبير"(6/4) : " سمع سعيد بن جبير، وإبراهيم، ومجاهداً، وأبا رزين روى
عنه: الثوري، وشريك، وجرير بن عبد الحميد ".
إلا أن البخاري رحمه الله يمتاز على غيره بالتنصيص على سماع المترجَم له من شيوخه، وفي الرواة الذين لم يقف لهم على هذا السماع يقول:" عن فلان "، وقد يجمع بين العبارتين في ترجمة واحدة كما فعل في ترجمة (عبد الله بن بريدة الأسلمي) (5/51) حيث قال:
"
…
عن أبيه سمع سمرة (1) وعمران بن حصين "، ثم أورد له حديثاً إسناده كالشمس، يصرح فيه بسماعه من عبد الله بن مغفل المزني ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ والحمد لله رب العالمين.
* وترجم الذهبي رحمه الله لعبيد المكتب في "الميزان"(3/23) تمييزاً، فقال:
" عبيد بن مهران الوزان، عن الحسن، ما علمتُ روى عنه غير حرمي بن حفص. له في اليوم والليله للنسائي، أما: عبيد بن مهران [م، س] المُكْتِب الكوفي، عن: أبي الطفيل، ومجاهد. وعنه: السفيانان وجماعة، فوثقوه ".
كما ترجم له في وفيات (131: 140) من "تاريخ الإسلام"(ص481)
(1) هذا ما رجحه محقق "التاريخ" جزاه الله خيراً من (ق) على ما في الأصل: "
…
ومن عمران بن حصين " ثم إننا لا نقر القول بنفي سماعه من أبيه رضي الله عنه فقد أثبته أبو أحمد الحاكم.
وروى الأثرم عن أحمد أنه سأله: سمعا من أبيهما؟ (يعني هو أخاه سليمان) قال: " ما رأيت أحداً يشك في هذا، أنهما سمعا ".
أما ما رُوِيَ عنه رحمه الله من طريق حنبل ومحمد بن علي الجوزجانيلما سئل عن سماعه من أبيهأنه قال: " ما أدري "، وفي رواية حنبل:" لا أدري "؛ فالإسناد إليهما لا يثبت، وحنبل معروف برواية الغرائب عن الإمام أيضاً.
فقال:
" عن: أبي الطفيل، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، ومجاهد. وعنه: فضيل بن عياض، وجرير، وابن عيينة، وُثِّق ".
قلتُ: (وُثق) هنا ـ من الذهبي رحمه الله بمعنى: " وثقوه "، وإلا فإنه غالباً ما يعبِّر عن تفرد ابن حبان ـ ومن قاربوه في التساهل ـ بالتوثيق بنفس هذه اللفظة.
وفيه أيضاً من الفوائد: أن الفعل المبني للمجهول لا يلزم بالضرورة وفي جميع أحوال استخدامه أن يدلَّ على تمريض القول.
ومن الملاحظ عند النظر في ترجمة العلماء لهذا الرجل ـ عبيد بن مهران المكتب ـ أنهم اتفقوا على عدم ذكر (عكرمة مولى ابن عباس) في جملة شيوخه، كما أنني لا أعلم أحداً من المترجِمين لعكرمة ذكره في جملة الرواة عنه.
وأبرز هؤلاء: الحافظ المزي في ترجمة عكرمة من " تهذيب الكمال "، أما في ترجمة المكتب نفسه (19/234) فذكر له ثمانية شيوخ ـ على سبيل الحصر ـ ليس عكرمة أحدهم.
ولم أكتف بتهذيب الكمال لعلمي بفوات أشياء عليه ـ أحياناً ـ فطالعت بعض التراجم المطولة لعكرمة رحمه الله في " الطبقات الكبرى " لابن سعد، و" تاريخ دمشق " لابن عساكر، و "السير"(1) للذهبي،
(1) كتاب "سير أعلام النبلاء" لا يستغني عنه طالب علم ولا مشتغل بالحديث، فالذهبي وإن كان جُلّ اعتماده على "تاريخ دمشق" بحيث يُظَنُّ إجزاءُ أحدهما عن الآخر؛ إلا أنه ليس كل (النبلاء) قد ترجم لهم ابن عساكر (أولاً) ، وللذهبي نقده الخاص في التعليق على بعض النصوص وله استطرادات قيمة جداً (ثانياً) ، ويزيد أشياء على ابن عساكر في التراجم المشتركة بينهما (ثالثاً) ، وقد زاد رواةً عن عكرمةَ مثلاً لم يذكرهم ابنُ عساكر، كما زاد نصوصاً وآثاراً ليست عنده والله أعلم.
والذي خَلُصْتُ إليه: أن عبيداً المكتب لا رواية له عن عكرمة أصلاً ـ فضلاً ـ عن أن يكون سمع منه، والذى روى عنه بيقين: مكتب آخر، فانتقل وَهَمُ الوَاهمينَ إليه!
5-
عكرمة:
هو (أبو عبد الله عكرمة البربري القرشي الهاشمي) مولى أبي العباس عبد الله بن العباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبر هذه الأمة وأعلمها بتفسير القرآن استجابة لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم له: "اللهم علمه الحكمة".
أما عكرمة، فكنت قد هممت بإيراد ترجمته من "هدي الساري" للحافظ ابن حجر رحمه الله لتضمنها الدفاع عنه ضد التهم الموجهة إليه، وإثبات أنه حجة في الحديث ظناً مني أن الحافظ ترجم له في بضعة أسطر، فإذا به يترجم له في نحو خمس صفحات (!) ، كما تصدى للدفاع عنه أيضاً في ترجمته من "تهذيب التهذيب"، وكذلك أطال الحافظ الذهبي رحمه الله ترجمته في "الميزان" و"السير"، ورد في ثانيهما على بعض الانتقادات لكنه كأنه توقف فيه في آخر الترجمة، وسبق إلى الدفاع عنه أبو جعفر بن جرير الطبري وابن منده،
فانظر الموضعين المذكورين عند ابن حجر، وحاشية "السير" تجد الكثير الطيب.
وأكتفي هنا بقول الحافظ في "التقريب"(4707) : " ثقة ثبت، عالم بالتفسير لم يثبت تكذيبه عن ابن عمر، ولا تثبت عنه بدعة (1) ، من الثالثة مات سنة أربع ومائة، وقيل بعد ذلك ".
6-
ابن عباس ـ رضوان الله عليهما ـ:
لا ريب أنه غني عن التعريف به، فأكتفي بما تقدم قريباً لأنتقل ـ بحَوْل الله
وقوته ـ إلى عنوان جديد.
وكنت كلما تذكرت أن أثبت كلام العلماء حول هذا الإسناد أصابني الذهول، ولذلك سأجعل كلامهم حول كل طريق بعد سوق جميع أسانيد الحديث، والله المستعان.
الوجه الثاني عن عكرمة:
علي بن حفص أيضاً عن عتبة بن عمرو المكتب عنه.
سأبدأ ـ إن شاء الله ـ بترجمة عتبة هذا من "التلخيص" للخطيب رحمه الله إذ فيها إسناده إلى البخاري، ثم أُثَنِّي بترجمته من " التاريخ الكبير"، وذلك
(1) وأصرح من ذلك قوله في "الهدي"(ص 477) : "
…
فأما البدعة فإن ثبتت عليه فلا تَضُرُّ حديثه لأنه لم يكن داعية مع أنها لم تثبت عليه "، وأما وفاته فذهب الذهبي في "السير" (5 / 34) إلى أنّ: "
…
الأصح سنة خمس "، وجزم في "التذكرة" (1/96) بموته سنة سبع ومائة بالمدينة، وقال في "الكاشف" (2 / 276) : " مات سنة 106 وقيل 107 ".
لوقوع المتن في المصدر الأول على الصواب، وإن لم يسلم المصدران من تحرف إسناد الحديث فيهما.
* قال الخطيب البغدادي رحمه الله في "تلخيص المتشابه في الرسم"(2/779)(باب عقبة بن عمرو وعتبة بن عمرو) بعدما ترجم في الثاني لـ: (عتبة بن عمرو بن عياش بن علقمة) وساق له حديثاً عن أبي هريرة: " وعتبة بن عمرو المكتب: من أهل الكوفة ".
ثم روى بإسناده إلى أبي أحمد بن فارس ـ من رواة "التاريخ الكبير" ـ نا البخاري قال: " عتبة بن عمرو المكتب الكوفي، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم:
" للمؤمن ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة "، قال أحمد بن الصباح، سمع عاصماً، سمع عتبة ".
وهذا خطأ صوابه: " قاله أحمد بن الصباح، سمع علي بن حفص، سمع عتبة " كما سيأتي من " التاريخ " مع تَحَرُّفٍ آخر.
قالت محققة الكتاب في الحاشية: " في تاريخ البخاري: (المؤمن أنت لعبادة
العتبة بعد العتبة) ، تصحيف صوابه ما في التلخيص ".
* وقال البخاري رحمه الله في "التاريخ الكبير"(6/523) :
" عتبة بن عمرو المكتب الكوفي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: المؤمن انت (1) لعبادة العتبة بعد العتبة ـ قاله أحمد بن الصباح سمع علي بن جعفر سمع عتبة ".
وعلي بن جعفر صوابه: علي بن حفص، وهو المدائني،
(1) كذا بغير همز.
أما المتن فتقدم أن صوابه:
" للمؤمن ذنب يعتادة الفينة بعد الفينة " وهذا التحريف العجيب دعا المحقق الفاضل (1) للكتاب أن يقول: " كذا في الأصل، ولم نجد الحديث. وكان في الأصل: انت (2) ، ولعله: أمؤمن أنت يا عتبة، والله أعلم ".
تراجم رجال هذا الإسناد:
1-
أحمد بن الصباح: هو أحمد بن أبي سريج الهنشلي الرازي المقريء.
تقدمت ترجمته، وهو من شيوخ البخاري ـ رأساً ـ في "الصحيح" كما ذكرتُ هناك.
* وقال أبو نصر الكلاباذي في "رجال صحيح البخاري"(14) : " أحمد ابن أبي سريج ـ واسمه: الصبَّاح ـ أبو جعفر النهشلي الرازي، سمع شبابة بن سوار (3) ، وعبيد الله بن موسى روى عنه البخاري في (التوحيد) وفي (غزوة
أحد) ".
قلت: أما روايته عن عبيد الله بن موسى، فهي التي في كتاب المغازي، (باب {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 122] ) (ح: 4053) .
وفي إدخال البخاري واسطة بينه وبين عبيد الله ابن موسى نزول، لأنه
(1) وليس هو العلامة المعلمي رحمه الله فإنه لم يحقق هذا الجزء.
(2)
لم أفهم مراده لأنه أثبت اللفظة هكذا " انت " أيضاً.
(3)
تحرف اسمه في المطبوع من "رجال صحيح البخاري" إلى: (شبابة بن سواد) .
يروي عنه رأساً، وهو من كبار شيوخه، فالظاهر أنه لم يسمع هذا الحديث منه، والله أعلم.
وأما روايته عن شبابة بن سوار، فهي التي في كتاب التوحيد، (باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه) (ح: 7540) ، وفيها نزول نِسْبِيٌّ أيضاً، لأن البخاري رحمه الله يصل إلى شعبة بن الحجاج ـ شيخ شبابة فيه ـ بواحد أحياناً، كآدم بن أبي إياس، وحفص بن عمر الحوضي، وسليمان بن حرب.
ثم وجدت الحافظ رحمه الله يذكر في "الفتح"(13/525) أن البخاري روى الحديث عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة في (تفسير سورة الفتح) ، وعن أبي الوليد الطيالسي عنه في (غزوة الفتح) ، إلا أن لفظ ابن أبي سريج عن شبابة عن شعبة فيه بعض المغايرة كما نَبَّه رحمه الله، والله أعلم.
تنبيه: توقفت قليلاً عند قول الحافظ رحمه الله في "الفتح"(13/524) :
" قوله (حدثنا أحمد بن أبي سريج) وهو بمهملة ثم جيم، وهو أحمد بن عمر، فقيل: هو اسم أبي سريج، وقيل: أبو سريج جد أحمد
…
".
قلت: الذي وجدتُ أكثر التراجم متفقة عليه أن اسمه (أحمد بن صباح) وحَكَى بعضهم أنه (أحمد بن عمر بن صباح) بصيغة: " وقيل ". فكانحقه رحمه الله أن يقول: (وهو أحمد بن الصباح) أبي: فيكون والده الصباح هو أبو سريج، والله أعلم بالصواب.
فظهر مما تقدم أن البخاري رحمه الله أقلَّ من الرواية جداً عنه مع أنه يوصله إلى شيوخ كثيرين لم يدركهم، وقلما يشاركه في شيخ بعينه، فالله أعلم بالعِلَّة في ذلك.
والذي يهمنا أن قوله في ترجمة (عتبة بن عمرو المكتب) ـ بعد إيراد المتن باختصار ـ:
" قاله أحمد بن الصباح "؛ حكمه حكم السماع والاتصال، وهو الاستعمال الغالب عليه في "تواريخه" بخلاف "الصحيح" وسائر المصنفات.
2-
علي بن حفص: هو (أبو الحسن المدائني البغدادي) تقدم تفصيلياً.
3-
عتبة بن عمرو المكتب الكوفي: قدمتُ ترجمته من "التلخيص" ثم "التاريخ الكبير" لمناسبة تميزهما بإيراد متن حديثه دون سائرالمصادر التي وقفتُ له عليها، وهو مترجم أيضاً في عدة مصادر فيها فوائد شتى تتعلق به.
* قال العباس بن محمد الدُّوري في "تاريخه"(3/479 ـ 480 رقم 2343) :
" سمعت يحيي يقول: سمعت ابن إدريس يقول عن عتبة المُكتب، قال: لقيني محارب بن دثار فقال: أنتم الذين تقولون: لسنا من المؤمنين ولسنا من الفئة الباغية، وهل بين ذلك من منزلٍ يُدان به الناس في الآخرة؟ كذا قال يحيي عن ابن إدريس عن عتبة المكتب، ولم يقل: عبيد (1) المكتب، قلت ليحيي: من عتبة المكتب هذا؟ قال: شيخٌ لابن إدريس ".
(1) قال محقق تاريخ الدوري: " في الأصل عتبة وكتب فوقها عبيد وهي التي تناسب السياق ".
* وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(6/372) :
" عتبة بن عمرو المكتب الكوفي، روى عن: عكرمة، وقتادة. روى عنه:
محاضر والوليد بن مسلم، سمعت أبي يقول ذلك، قريء على العباس بن محمد الدوري
…
" فذكر قول ابن معين فيه باختصار القصة، وختم الترجمة بقوله:
" سألت أبي عن عتبة الكوفي، فقال: لا أعرفه ".
* وقال ابن حبان في "الثقات"(7/269) : " عتبة بن عمرو المكتب، من أهل الكوفة، يروي عن الشعبي وعكرمة، روى عنه أبو صَيْفِيّ (1) والكوفيون، وليس هذا بعبيد بن عمرو المكتب ".
* وقال البرقاني في "سؤالاته للدارقطني"(396) عنه: " عُتبة أبو عمر كوفي شيخ لا بأس به، يحدث عن ابن نهشل مجهول يترك حديثه "، كذا في "السؤالات" المطبوع:" عتبة أبو عمر " فإن كان صواب الكنية " أبا عمرو " فالظاهر أنه هو، فقد قال الأردبيلي في "جامع الرواة" (1/ 531 رقم 4326) :"عتبة بن عمرو المكتب الكوفي أبو عمرو [ق] (مج) ".
و [ق] رمز جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم الملقب
(1) هو (بشير بن ميمون الواسطي) ـ ولم أجد بهذه الكنية سواه ـ، وهذا من رجال ابن ماجه وهو متروك متهم كما في التقريب (732) .
بـ (جعفر الصادق) والمراد أنه روى عنه، وهذا محتمل مع تقاربهما في الطبقة، وقد بدأت ببيان كنيته من مصدر من مصادر الرافضة ـ أخزاهم الله ـ لكون ذلك واقعاً في ترجمة مستقلة.
وإلا، ففي "أطراف الغرائب والأفراد" لأبي الفضل بن طاهر المقدسي (2/261) ط. دار الكتب العلمية) الذي أصله كتاب "الأفراد" لأبي الحسن الدارقطني رحمه الله (مسند أنس) ـ على ترتيب الرواة عنه ـ:(أبو روق عنه)(الحديث رقم 132) :
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم (
…
) (1) تفتح رجل
…
الحديث ".
ثم ذكر قول الدارقطني: " غريب من حديث أبي روق عطية بن الحارث عن أنس، تفرد به عتبة بن عمر وأبو عمرو عنه (كذا) ، ولم يروه عنه غير محمد ابن الحسن بن أتش الأسري ". (كذا) ، ووقع في هذه الطبعة التجارية تصحيفات عدة ـ سوى العجز عن قراءة المتن وعن الرجوع إلى مصادر الحديث ـ تخص الإسناد، منها:
(1) قال محققاه هنا: " كلمات غير واضحة بالأصل "، قلت: يشبه أن تكون: (في حائط رجل من الأنصار) كما هي رواية الطبراني في "الأوسط"(7288) أو في حائط كما هي رواية ابن عساكر (ترجمة عمربن الخطاب)(44 / 164) و (ترجمة عبد الله بن عثمان أبي بكر الصديق)(30/ 222) بإسنادين إلى محمد بن الحسن الأسدي نا عتبة به، وعند الطبراني " نا عتبة أبو عمرو "، أما (تفتح رجل) فصوابها:(فاستفتح رجل) كما في روايتي ابن عساكر، ولفظ الطبراني (فجاء رجل يستفتح) .
1-
عتبة بن عمر وأبو عمرو (حيث جاء اسم عمر في آخر السطر)، ولا شك أن الصواب:" عتبة بن عمرو أبو عمرو ".
2-
محمد بن الحسن بن أتش الأسدي ـ وإن ذهب المحققان المسكينان إلى التعريف به على أنه (محمد بن الحسن بن أتش الصنعاني الأبناوي اليماني أبوعبد الله) وأحالا على عشرة مصادر (لِلَّهِ) وابن أتش هذا ليس أسدياً، بل هو فارسي من الأبناء.
فهذا إما وهم من ابن طاهر على الدارقطني (1)، أو متحرف من (محمد بن الحسن ابن التلّ الأسدي) وكثير من المتقدمين يلقبونه بـ (التل) ويلقبون كلاً من ولديه عُمَر وجعفر بـ (ابن التل) فلعل الدارقطني رحمه الله يذهب إلى الأول ـ أعني:(ابن التل) ـ فقد جرى عليه الذهبي في تصانيفه، وكذلك ابن نقطة في " تكملته " ـ رحمهما الله ـ وسماه الحافظ في "هدي الساري" (ص460) :" محمد بن الحسن بن التل ".
تنبيه: حديث أنس المذكور آنفاً منكر جداً، ففيه نَصٌّ على خلافة أبي بكر وعمر وعثمان وقد رُوِيَ من حديث المختار بن فلفل (2) أيضاً عن أنس من طرق لا يصح منها شيء، فمنها ما رواه الطبراني في "الأوسط"(5172) من طريق عبد الأعلى بن
(1) فإني أُجِلُّ الإمام الدارقطني رحمه الله عن الخلط بين راويين هكذا، والكمال لله وحده.
(2)
كما روي من حديث أخيه المبارك عن أنس عند ابن عساكر (39 / 146 - 147) والإسناد إليه واهٍ جداً، بل هو موضوع والله أعلم.
أبي المساور ـ أحد المتروكين، وقد كُذِّبَ ـ عنه به، قال:" دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطاً من حيطان المدينة، فأمرني أن أجيف الباب، فأجفته، فجاء رجل فقرع الباب، فقال: " افتح الباب، وبشره بالجنة، وأنه سيلي الأمة من بعدي "، ففتحتُ الباب، فإذا هو أبوبكر
…
" الحديث بطوله.
قال الطبراني: " لم يرو هذا الحديث عن المختار بن فلفل إلا عبد الأعلى بن أبي المساور وبكر بن المختار بن فلفل وعتبة أبو عمرو المكتب ".
قلت: هذا وَهَمٌ من أبي القاسم الطبراني رحمه الله، فإن عتبة لم يرو الحديث إلا عن أبي رَوْق ـ عطية بن الحارث الهمداني ـ عن أنس، وأدلتي على ذلك:
1 ـ أن الحافظ ابن حجر رحمه الله في ترجمة (الصقر بن عبد الرحمن بن مالك بن مغول) من "لسان الميزان"(ترجمة 868) أطال في تخريج الحديث، وبيان طرقه عن المختار بن فلفل) فلم يذكر أن عتبة أيضاً رواه بهذا الإسناد.
2 ـ أن الحافظ ابن عساكر رحمه الله على شدة اعتنائه بطرق الحديث الواحد لم يذكر أيضاً أن عتبة أباعمرو رواه عن المختار عن أنس في تراجم كل من (أبى بكر الصديق عبد الله بن عثمان) و (عثمان بن عفان) و (عمر بن الخطاب) ـ رضوان الله تعالى عليهم ـ من "تاريخ دمشق"، ولكن روى حديث محمد بن الحسن الأسدي عن عتبة ـ ولم يُنسب
عنده ـ عن أبي روق عن أنس به في ترجمتي أبي بكر وعمر كما قدَّمتُ بل لم يروه في ترجمة الصِّدِّيق عن المختار أصلاً.
3 ـ أنه لم يمُرَّ عَليَّ ـ على ضَعْفي وقِلَّة إمكانيَّاتي ـ موصولاً عن عتبة على النحو الذى ذكره الطبراني رحمه الله.
وانظر لبيان كذب هذا الحديث ترجمتي (السقر بن عبد الرحمن) و (الصقر ابن عبد الرحمن) من "لسان الميزان"(3/56 (1)، 192: 194) ـ وهما رجل واحد (2) ـ، لكنَّ الحافظ رحمه الله اختصر في الأولى وأطال شيئاً في الثانية، و" ظلال الجنة " للشيخ الألباني رحمه الله (2/ 546، 547، 557، 558) وقد صح المتن عن النبي صلى الله عليه وسلم بدون هذه الزيادة الباطلة، أنظر " الظلال "(2/544، 545) عند الحديث (1147) من "السُّنّة".
ولكن يبقى تساؤلٌ هنا:
حديث محمد بن الحسن الأسدي عن عتبة عن أبي روق ـ وهو صدوق ـ عن أنس بنحو حديث المختار بن فلفل عن أنس، الذي جزم ابن المديني وأبوحاتم والذهبي وابن حجر والألباني وغيرهم بوضعه وبطلانه؛ من المتهم به؟
فإني قد وجدتُ كثيراً مما استُنكِرعلى الأسدي إنما هو متون معروفة
(1) ووقع في الطبعة الهندية التي أحلتُ عليها ـ تسهيلاً على القراء ـ سقط، فانظر (ط. الفاروق الحديثة)(4/ 59) .
(2)
وغاير بينهما ابن حبان ـ عفا الله عنه ـ وهذا من أوهامه الكثيرة.
أتى لها بأسانيد منكرة أو مراسيل أخطأ في وصلها ولم أَرَ له متناً جاوز الحد في النكارة مثل هذا، فالله أعلم بحقيقة الأمر.
تنبيه: وقع وهم آخر بخصوص عتبة أبي عمرو في هذا الحديث، فقد قال الحافظ الهيثمي رحمه الله في "مجمع الزوائد" (5/177) ـ بعد عزو المتن لأبي يعلى والبزار:
"وفيه (1) صقر بن عبد الرحمن، وهو كذاب، وفي إسناد البزار عتبة أبوعمرو ضعفه النسائي وغيره ووثقه ابن حبان، وبقية رجاله ثقات، ورواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما رجال البزار
…
".
قلت: هذا الخلاف لا ينطبق إلا على (عتبة بن يقظان الراسبي البصري أبى زحارة) الذي وهَّاه ابن الجنيد والنسائي، وقال الدارقطني:" متروك "، وذكره ابن حبان في" الثقات "، فقد جزمتْ (2) بعض المصادر ك"تهذيب الكمال" و"تهذيب التهذيب" ـ تبعاً لعبد الغني المقدسي صاحب "الكمال" رحمه الله، فيما يظهر ـ بأن كنيته (أبو عمرو) .
وقد وجدتُ كلمة المصنفين في "الكنى" وغيرها متفقة على أن كنية ابن يقظان هذا:
" أبو زَحَّارة "، منهم ابن معين ـ كما في "تاريخ الدوري" ـ،
(1) يلاحظ أن الهيثمي خلط أيضاً بين إسنادي (المختار بن فلفل عن أنس) و (أبي روق عن أنس) ، وبين المتنين شيء من التفاوت اليسير.
(2)
وأوردتْ الكنية الحقيقية له بصيغة التمريض ولذلك كان الاعتماد على الأصول هو الأصل.
والنسائي، والدولابي، وابن منده في "فتح الباب"، والذهبي في "المقتنى" وهو يتبع أصله "كنى أبي أحمد الحاكم" أما البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان فلم يكنُّوه أصلاً. كما لم يكنوا عتبة (1) المكتب نفسه (لِلَّهِ) وسأتعرض لعتبة بن يقظان أبي زحارة في موضع آخر يأتي ـ بإذن الله ـ عند طريق (علي بن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن أبيه) .
ومن الأوهام أيضاً أن الحافظ العقيلي رحمه الله أورد في ترجمة (عتبة بن أبي عتبة الفزاري) من "الضعفاء الكبير"(4/330) حديثاً بنفس إسناد الطبراني في " الأوسط " إلى عتبة أبي عمرو، فقال:" وحدثنا محمد بن العباس الأخرم، قال: حدثنا عمر بن محمد بن الحسن، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عتبة أبو عمرو، عن عامر الشعبي (تحرف في المطبوع إلى: عامر الشعي) ، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن هذه الأرواح عارية في أجساد العباد، فيقبضها الله إذا شاء ويرسلها إذا شاء " وقال:" هذا هو عندي (تحرفت إلى: عند) ، الفزاري، ولا يتابع على الحديثين جميعاً إلا من طريق تقارب هذا ".
(1) وأهدي هذا التنبيه على ما في كلام الحافظ الهيثمي رحمه الله لأخي الحبيب وتلميذي النجيب الشيخ خليل بن محمد العربي لكي يستدركه إن أمكن ذلك على الطبعة الأولى من "الفرائد على مجمع الزوائد"، والله المستعان لاحول ولا قوة إلا به، ثم وجدت الهيثمي في موضع من"المجمع" (1 / 322) قال فيه:"لم أجد من ذكره " فاستدرك عليه أخي بكلام طيب في "الفرائد"(ترجمة: 352) فليضم إليها ما ذكرت إن شاء الله.
قلت: الحديث الأول عن هذا الفزاري من طريق مالك بن الحسن عنه عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعاً: " إذا أتاكم كريم قوم، فأكرموه "، ولا تصح نسبته إليه لأن العقيلي نفسه قال في نفس الترجمة:" روى عنه مالك بن الحسن، وفي مالك نظر ".
أما الحديث الثاني، فقد علمنا من تعليقين للطبراني والدارقطني أن عتبة أبا عمرو هو ابن عمرو المكتب الكوفي.
وهذا الحديث أيضاً منكر كما دل صنيع العقيلي رحمه الله وإن وَهِم في تعيين أحد رواته على النحو الذي أسهبنا في بيانه، وعتبة المكتب قد نص ابن حبان في ترجمته من "الثقات" على روايته عن الشعبي كما تقدم.
وسأعيد ذكر هذا الحديث، فقد وجدته مطولاً في "مجمع الزوائد"، هذا وقد وجدت حديثين آخرين رُوِيَا عنه عن عكرمة عن ابن عباس أختم بهما ما وقفتُ عليه من أحاديث له.
ثم ألخص ملاحظاتي عليه وعلى مروياته في نهاية البحث بإذن الله ـ جل وعزَّ ـ.
أورد أبو الفضل بن طاهر المقدسي رحمه الله في "أطراف الغرائب والأفراد"(3/247)(مسند ابن عباس) ـ على ترتيب الرواة عنه ـ تحت عنوان (عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس) وعلى ترتيب الرواة عن عكرمة: "عتبة المكتب"؛ أورد حديثين:
الأول: (رقم2557) : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين عن نكاح الحبالى
…
" الحديث.
والثاني: (رقم 2558) : " العجماء (1) جبار
…
" الحديث.
قال الدارقطني رحمه الله:
" تفرد به حماد بن داود عن عتبة عنه ". كذا فيه، ولعل الصواب:"تفرد بهما" كما في نظائر أخرى لهذا في الكتاب، والاحتمال الأبعد أن يكون قد سقط تعليق الدارقطني على الحديث الأول.
وهذان الحديثان لم يصح إسنادهما إلى عتبة ـ على افتراض الاحتمال الأوجه عندي ـ وحماد بن داود، الظاهر أنه أبو سليمان الكوفي الذي ذكره ابن حبان في "الثقات"(8/204ـ 205)، وقال:" يروي عن أبي يحيى شعيب بن صفوان عن عبد الملك بن عمير أبياتاً بحسان بن ثابت (كذا، ولعل الصواب: لحسان) ، روى عنه العباس بن أبي طالب ".
والظاهر أيضاً أنه (حماد بن داود الكوفي) الذي أورده ابن عدي في "الكامل"(2/668) ، لحديث رُوِيَ عنه عن علي بن صالح (وهو ابن صالح ابن حي الهمداني) بإسناده إلى ابن عباس، وقال:" وهذا ـ بهذا الإسناد ـ معضل لا يرويه غير حماد بن داود هذا، وليس بالمعروف ".
قلت: الراوي عنه (زيدان بن عبد الغفار) سكت عليه الخطيب في "تاريخه"(8/487) ، ولا أدري أتوبع عليه عن حماد هذا أم لا، والذي يعنينا هو قول ابن عدي فيه:" وليس بالمعروف "، الذي لم
(1) تحرف في طبعة دار الكتب العلمية التجارية السقيمة إلى: " العجمار جبار " لِلَّهِ
يعارَض بتوثيق إمام معتبر، بل إن ذكر ابن حبان للرجل في كتاب "الثقات" ـ بمجرده ـ لا يلزم منه التوثيق بمعناه الاصطلاحي، بل قد يراد به إثبات العدالة حَسْبُ بقرينة العديد من العُبَّاد والزُّهَّاد الذين أدخلهم في هذا الكتاب مع نصه على أنه لا يعلم لأحدهم حديثاً مسنداً، فتنبه.
وسأجيب عن هذين الحديثين على افتراض ثبوتهما عن عتبة المكتب، فلعل الأيام والليالي تثبت أن حماد بن داود الكوفي هذا قد وثقه إمام من الأئمة المعتبرين، كالإمام النسائي في "الكنى"، أو غيرها من الكتب غير المتداولة، أو الدارقطني ـ في غير "السؤالات المشهورة" ـ أو الخطيب في موضعٍ ما من "تاريخه"، أو غيره من التصانيف.
فأما الحديث الأول، فقد كنت أظن تفرده به عن عكرمة عن
ابن عباس رضي الله عنهما وإن وجدت له طرقاً عن مجاهد ومقسم ـ وربما غيرهما ـ لا يثبت منها شئ، بعد التغاضي عن لفظة " يوم حنين " التي صار من السهولة بمكان أن تتحرف إلى " يوم خيبر" أو العكس، لا أقول في الكتب المطبوعة، بل وفي المخطوطات أيضاً.
حتى وجدت عند الطبراني في "الأوسط"(479) والدارقطني في "سننه"
(3/257) من طريقين عن عبد الله بن عمران العابدي (1) نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن مسلم الجَنَدي عن عكرمة عن ابن عباس قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن توطأ حامل حتى تضع، أو حائل حتى تحيض "، واللفظ للدارقطني رحمه الله هكذا دون تقييد، وعمرو بن مسلم الجَنَدي أكثر عبارات الأئمة على تليينه، ومع ذلك فثم علتين أخريين:
الأولى: أن الدارقطني قال ـ عقبه ـ: " قال لنا ابن صاعد: وما قال لنا في هذا الإسناد أحدٌ (عن ابن عباس) إلا العابدي ".
وابن صاعد حافظ كبير وناقد من أهل البصر والفهم، وظاهر هذا أنه وقع له بهذا الإسناد عن عكرمة مرسلاً، والعابدي، وإن قال أبوحاتم رحمه الله:" صدوق " إلا أنه وَهِم على ابن عيينة في غير حديث، وقال ابن حبان في ترجمته من "الثقات" (8/363) :" يخطيء، ويخالف ".
الثانية: أن ابن أبي شيبة رواه في "المصنف"(4/370) : من طريق مَعْمَر عن عمرو بن مسلم عن طاووس: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر منادياً في غزاة غزاها أن لايطأ الرجال حاملاً حتى تضع، ولا حائلاً (2)
حتى تحيض"،
(1) تحرفت هذه النسبة في الموضعين من "سنن الدارقطني" إلى: (العائذي) ، والتصويب من "الأنساب" وغيره.
(2)
تحرفت في "المصنف" المطبوع إلى " حابلاً " بالباء، والحائل هي الحامل التي انقطع عنها الحمل سنة أو سنوات حتى تحمل، و (حالت الناقة والفرس والنخلة والمرأة والشاة وغيرهن) إذا لم تحمل، كما في مادة " حَوَلَ " من "لسان العرب"(2/1057) .
أما الحَبَل فهو الحمل أيضاً، وأصله امتلاء الرحم، والصفة منه (حبلى)، ويقال (حبلانة) ـ على اختلاف في عمومها للإناث أو اختصاصها لبعضها ـ ويقال:(حابلة) ، وهو نادر كما في "اللسان" أيضاً (2 / 762) باختصار وتصرف، وليس فيه لفظة (حابل) بنفس هذا المعنى، والله أعلى وأعلم وأعزُّ وأكرم.
لكن يُعَكِّر على هذا الإسناد أن رواية البصريين عن مَعْمَر فيها شيء ـ من أجله لا من أجلهم ـ
وهذا يرويه المعتمر بن سليمان التيمي، فإن كان محفوظاً، فيمكن حَمْلُه على أن عمرو بن مسلم الجَنَدي قد أضطرب فيه، والله أعلم بحقيقة الأمر.
ثم وجدته عند عبد الرزاق في "مصنفه"(7 / 226 ـ 227) عن معمر به، نحوه فصح بذلك عن معمر، والله المستعان.
أما حديث: " العجماء جبار
…
" فهو متفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: " العجماء (1)
جرحها جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس ".
(1) العجماء هي كل الحيوان سوى الآدمي، وَسُمِّيَت البهيمةُ عجماء لأنها لا تتكلم، والجبار: الهدر. فأما قوله صلى الله عليه وسلم: " العجماء جرحها جبار " فمحمول على ما إذا أتلفت شيئاً بالنهار، أو أتلفت بالليل بغير تفريط من مالكها، أو أتلفت شيئاً وليس معها أحد، فهذا غير مضمون وهو مراد الحديث، والمراد بجرح العجماء إتلافها، سواء كان بجرح أو غيره.
وقوله صلى الله عليه وسلم: " والبئر جبار " معناه أنه يحفرها في ملكه أو في موات فيقع فيه إنسان أو غيره وَيَتْلَفُ فلا ضمان، فأما إذا حفر البئر في طريق المسلمين أو في ملك غيره بغير إذنه فتلف فيها إنسان فيجب ضمانه على عاقلة حافرها والكفارة في مال الحافر، وإن تَلَفَ بها غيرُ الآدميّ وجب ضمانه في مال الحافر، وقوله صلى الله عليه وسلم:" والمعدن جبار " معناه أن الرجل يحفر معدناً في ملكه أو في موات، فيمر بها مارٌ فيسقط فيها فيموت، أو يستأجر أجراء يعملون فيها، فيقع عليهم فيموتون، فلا ضمان في ذلك. وقوله صلى الله عليه وسلم:" وفي الركاز الخمس " الركاز هو دفين الجاهلية، أي فيه الخمس لبيت المال والباقي لواجده. قال النووي رحمه الله: وأصل الركاز في اللغة: الثبوت. وما تقدم كله من تعليق الأستاذ / محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله على "صحيح مسلم"(3/1334) بتصرف يسير، وهو مختصر من شرح النووي رحمه الله ومما زاده على ذلك النووي في "شرح صحيح مسلم" (11/2206) في القطعة الأخيرة: " ففيه تصريح بوجوب الخمس فيه، وهو زكاة عندنا، والركاز هو دفين الجاهلية، وهذا مذهبنا ومذهب أهل الحجاز وجمهور العلماء، وقال أبو حنيفة وغيره من أهل العراق: هو المعدن وهما عندهم لفظان مترادفان، وهذا الحديث يرد عليهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بينهما وعطف أحدهما على الآخر، وأصل الركاز
…
" إلخ. والله أعلى وأعلم.
ولم أجده من حديث ابن عباس إلا من طريقٍ واحدةٍ منكرةٍ، فروى ابن عدي في "الكامل" (1/350) وابن عساكر (10/96) عنه وعن غيره ـ من طريق أيوب بن خالد (وهو الجهني الحراني) حدثنا الأوزاعي عن محمد بن مسلم عن (وتحرف في الكامل إلى: ابن) عبيد الله بن عبد الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العجماء جبار، والقليب جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس ".
وأيوب بن خالد هذا:
* قال أبو عروبة الحراني رحمه الله: " ولي بريد بيروت فسمع من الأوزاعي هناك، فجاء بأحاديث مناكير ".
* وقال ابن عدي: " لأيوب بن خالد غير ما ذكرت في أخباره، قل ما يتابعه عليه أحد " يعني: هذا الحديث وحديثين آخرين.
* وقال أبو أحمد الحاكم: " لا يتابع في أكثر حديثه ".
* وروى عنه إبراهيم بن هانيء النيسابوري، وقال:" وكان ثقة ".
والنصان الأخيران في ترجمته من "تاريخ دمشق"(10/98) .
وإبراهيم بن هانيء رحمه الله وإن كان حافظاً رحَّالةً قدوةً عابداً، إلا أنه لم يكن من أهل الشأن، ومن النقاد الجهابذة.
أما ابن حبان، فألان فيه القول إذ أورده في "الثقات"(8/125)، وقال:"يخطيء".
والمقصود أن الحديث بهذا الإسناد منكر لا أصل له من رواية الثقات عن الأوزاعي أو الزهري.
وإنما المحفوظ عن الزهري أنه يرويه عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة في " الصحيحين " كما قدمتُ، وأَعضل الزهري بعضه
ـ مرة ـ في قصة دارت بينه وبين مَعْمَر كما في "مصنف عبد الرازق"(18377) .
نعم، له أصل عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة من رواية أحد الثقات، عن غير ابن عباس.
ففي "صحيح مسلم"(1710) من طريق ابن وهب عن يونس بن يزيد عن الزهري عن ابن المسيب وعبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة به، ورواه إسحاق ابن راشد ـ وهو ضعيف في الزهري خاصة ـ عنه عن عبيد الله ـ وحده ـ به كما في "علل الدارقطني"(س 1814)
وخالفهما جمهور أصحاب الزهري فرووه عنه عن سعيد وأبي سلمة كما ذكرتُ.
قال الدارقطني رحمه الله: " والصحيح عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة، وحديثه عن عبيد الله غير مدفوع (1) لأنه قد اجتمع عليه اثنان والله أعلم".
قلت: إن كان يعني رحمه الله احتمال صحته؛ ففي القلب من ذلك، فإن الرواة عن يونس لم يتفقوا على ذلك، فرواه شبيب بن سعيد عن يونس عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة كما قال الدارقطني، وشبيب وإن كان دون ابن وهب في الحفظ إلا أن حمل رواية يونس على ما يوافق الجماعة أولى، وإن كانت الأخرى هي المحفوظة عن يونس، فقد خالفة أثبت ثلاثة في الزهري وهم: مالك وابن عيينة ومعمر وانضم إليهم الليث بن سعد، وابن جريح، وعقيل بن خالد الأيلي.
وأحياناً كان بعض الرواة عن بعض هؤلاء يفردون سعيداً ـ وحده ـ أو أبا سلمة ـ وحده ـ والله المستعان.
وعَوْداً إلى حديث عتبة أبي عمرو عن الشعبي عن أنس فإن رواية العقيلي قد اختصرت المتن جداً.
فإنني رجعت إلى كتاب "الفرائد على مجمع الزوائد" لأخي الحبيب
(1) قال محقق "العلل" رحمه الله: " في الأصل (غير مرفوع) ولعله خطأ والصواب (غير مدفوع بالدال المهملة) كما يقتضي كلام المؤلف ".
الشيخ / خليل بن محمد العربي ـ حفظه الله ـ لأثبت في نسختي اسم (عتبة أبي عمرو) بعد استدراكي إياه على الحافظ الهيثمي رحمه الله إذ جعله (عتبة بن يقظان) وإن لم يصرح باسم أبيه كما بيَّنتُ.
فإذا به أيضاً يستدرك على قوله في "المجمع"(1/322) : " رواه البزار، وفيه عتبة أبوعمرو. روى عن الشعبي، وروى عنه محمد بن الحسن الأسدي، ولم أجد من
…
ذكره
…
" لكنه اختصر كلامه، قائلاً:
" قلت: الراجح أنه: عتبة بن عمرو المكتب، فقد ترجم له ابن حبان في الثقات،
…
وقال: يروي عن الشعبي شيخه في هذا الحديث، بالإضافة إلى أنه كوفي كما نسبه ابن حبان، وإسناد البزار إسناد كوفي، وكذلك عادة كثير من الرواة (1) أن يسموا أبنائهم باسم آبائهم (تحرفت إلى: آباءهم) ، ثم يكتنوا بها، وصاحب الترجمة كنيته أبو عمرو (تحرفت إلى: أبو عمر) فهذه أمور عدة ترجح ما ذهبت إليه، والله أعلم، وعتبة بن عمرو هذا ترجم له البخاري، وابن أبي حاتم، وابن حبان " أهـ.
قلت: هذه متابعة لي من أخي الحبيب أزداد بها يقيناً بما هداني ربي جلَّ وعزَّ إليه، وإن فاتته بعضُ مصادر الترجمة، والنصُّ على كنيته في أحدها، وفاته وصفُ الطبراني في حديث الخلافة لـ (عتبة أبي عمرو) بأنه (المكتب) ، ونصُّ الدارقطني في (الأفراد) على أنه (عتبة بن عمرو
(1) قد يظن أن هذا خاصّ برواة الحديث، وليس الأمر كذلك، بل عامٌّ في المسلمين.
أبو عمرو) بل في حديث الشعبي أيضاً بأنه (عتبة بن عمرو) كما سيأتي ـ بإذن الله ـ، فالحمد لله على توفيقه.
أما رواية البزار للحديث ـ بطوله ـ فأني أسوقها الآن:
قال رحمه الله: " حدثنا عمر (1) بن محمد بن الحسن ثنا أبي عن عتبة أبي عمرو (2) عن الشعبي عن أنس قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فقال: من يكلؤنا (3) الليلة؟ فقلت: أنا. فنام ونام الناس ونمت، فلم نستيقظ (4) إلا بحر الشمس، فقال: أيها الناس، إن هذه الأرواح عارية في أجساد العباد يقبضها ويرسلها إذا شاء، فاقضوا حوائجكم على رسلكم. فقضينا حوائجنا على رسلنا، وتوضأنا، وتوضأ النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتي الفجر، ثم صلى بنا".
قال البزار: " لا نعلم رواه عن الشعبي عن أنس إلا عتبة، ولا حدث به
(1) وفي "كشف الأستار": (عمر بن محمد بن محمد بن الحسن) والصواب ما أثبتُّه. ومع ذلك أَثْبَتَ أبو ذر الشافعي ـ حفظه الله ـ الزيادة في الاسم بين معقوفين، ولم يعلق عليها في حاشية "مختصر الزوائد".
(2)
في "الكشف" و"المختصر": " عن عتبة بن أبي عمرو " وتعليق الهيثمي على الحديث يقتضي أن الصواب: " عن عتبة أبي عمرو " ومع ذلك زادها أخونا أبو ذر حين حكى كلام الهيثمي في الحاشية، فقال: " وقال: رواه البزار وفيه عتبة [بن] أبو عمرو
…
" إلخ، وذلك أيضاً يخالف مقتضى الإعراب، وإسناد العقيلي للحديث وتعليق الدارقطني عليه في " الأفراد " يؤكد ما أثبتُّ.
(3)
في "الكشف" و "المجمع": " من يكلأنا "، والتصويب من "مختصر الزوائد" كما أنه مقتضى اللغة.
(4)
كذا في "المجمع" وهو الأشبه عندي، وفي "الكشف" و "المختصر": "فلم يستيقظ
…
".
إلا محمد بن الحسن الأسدي " كما في "كشف الأستار" (396) و"مختصر الزوائد" (1) للحافظ رحمه الله (247) .
وكنت قد وجدت الحديث في "أطراف الغرائب والأفراد"(مسند أنس)
(2/128) تحت عنوان: (عامر الشعبي عن أنس)(رقم 939)، وقال الدارقطني رحمه الله:" غريب من حديث الشعبي عن أنس، تفرد به عتبة بن عمرو عنه، وتفرد به محمد بن الحسن الأسدي عن عتبة بن عمرو " ولم يستطع المحققان ـ عفا الله عنهما ـ إثبات طرف المتن على الصواب، فأثبتاه هكذا:"كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من " كلو " ما فعلت أنا
…
" الحديث. مع كثرة الوسائل الهادية إلى أن صوابه: " من يكلؤنا؟ فقلت: أنا " وإنما التوفيق من الله عز وجل وحده.
ثم إنني أثناء بحثي عن طرف: " من يكلؤنا الليلة " ـ لتأكيد أنه الصواب ـ وجدتُ متعلقاً وحجة لمن ذهب إلى أن عتبة بن يقظان الراسبي كنيته (أبو عمرو) إذ كان من جملة المصادر التي وقعتْ عيناي عليها: "كنى الدولابي"(2/45)، فإذا به ـ تحت عنوان:" من كنيته أبو عمرو "(2/43) ـ يذكر: " وأبو عمرو عتبة بن اليقظان " ثم يروي حديثه (2/45 ـ 46) : " أخبرنا أحمد بن شعيب (وهو الإمام النسائي) قال: أنبا عمر بن محمد بن الحسن قال: حدثنا أبي قال: حدثنا عتبة أبو عمرو ـ وهو ابن اليقظان ـ عن الشعبي عن أنس
…
" فذكر الحديث بطوله.
(1) إلا أن أبا ذر الشافعي ـ عفا الله عنه ـ أثبت أول الكلام بالبناء للمجهول: "لا يُعْلَم رواه
…
" ولا أراه صواباً فالله أعلم.
فالظاهر أن الإمام النسائي رحمه الله أورد هذه الترجمة وهذا الحديث في كتابه "الكنى"، ولعله هو القائل:" وهو ابن اليقظان " ولو كان القائل هو الراوي عن عتبة أبي عمرو (محمد بن الحسن الأسدي) ؛ لكانت القضية محسومة، وما أرى هذا التعيين إلا ممن دونه، وبذلك يَثْبُتُ أن الخلاف في تعيين (عتبة أبي عمرو) قديم جداً.
وقد قال النسائي رحمه الله في "الكنى": " أبو زحارة عتبة بن يقظان غير ثقة " كما في ترجمته من "تهذيب التهذيب"(7/104) والذي كناه بذلك هو الراوي عنه، وبَلَدِيُّه وقِرنه أبو هلال محمد بن سليم الراسبي. قال عباس الدوري في "تاريخه" (4/323 رقم 4603) :" سمعت يحيى يقول: قد روى أبو هلال عن عتبة بن يقظان أبي زخَّارة، هكذا قال سليمان بن حرب: أبو زخَّارة ".
فهو ينكر على سليمان بن حرب إعجام الحاء فحسب.
هذا والذي أخَّر وقوفي على ذلك النص في " كنى الدولابي " أنني وجدته يكنيه (أبا زحارة) ويستدل على ما في "تاريخ الدوري" فلم يخطر ـ وقتها ـ على قلبي قط أنه سيكنيه كنية أخرى في موضع آخر، فأستغفر الله على تقصيري.
وقد وقع سقط وتحرف في "كنى الدولابي"(1/184) ففيه " وأبو زحارة " ثم انتقل إلى كنية أخرى ولكن ختم (أفراد الزاي) بإيراد نص الدوري، وفيه:" عتبة بن بوطان " هكذا والله، فلا أدري أهو خطأ يتعلق بالطباعة كما عهدناه بكثرة في هذه الطبعة السقيمة، أم تَحَرَّفَ الاسمُ
على الحافظ الدولابي رحمه الله وبذلك لا يكون كرر ذكر (عتبة بن يقظان) في الموضعين؟؟
ومقصودي الآن أن نص الراوي عن الشيخ على كنيته بعد أن سماه وسمى أباه هو المقدم على نص مَن دونه على شيخ مكنّىً في إسنادٍ على أنه (ابن فلان) .
وأسأل الله عز وجل أن يجلي لي هذا الأمر أكثر مما تقدم، فقد طال جداً
…
الأخذ والردّ فيه.
والآن انتقل إلى تلخيص ما خلصت إليه من التراجم والأحاديث المتقدمة:
1 ـ أن عتبة بن عمرو المكتب قد روى عنه جماعة من الثقات وغيرهم.
2 ـ أنني لم أقف على رواية بعض المنصوص عليهم عنه: كالوليد بن مسلم، ومحاضر بن المورع، وأبي صَيْفي، ولا على روايته عن بعض شيوخه كقتادة.
3 ـ أنه لم ينص على توثيقه توثيقاً مطلقاً إمام معتبر، ومع أن إدخال ابن حبان إياه في كتابه "الثقات" لا يلزم منه هذا المعنى، فإن توثيقه أيضاً لأهل هذه الطبقة غير معتبر (!) بل إنه في كتابه الآخر ـ "مشاهير علماء الأمصار" ـ نص على إتقان جماعة ووثقهم بصيغ رفيعة جداً (1) ، وغيره من النقاد يرون فيهم عكس ذلك، ولا يحضرني الآن للتدليل على ما أقول.
(1) ثم استدركتُ ـ لما عثرت على الكتاب ـ بذكر بعض الأمثلة في المقدمة فانظره إن شئتَ.
4 ـ أن أبا حاتم الرازي ـ على سعة علمه ـ لم يعرفه، بمعنى أنه لم يعرف حاله في الحديث.
وإمام الجرح والتعديل لم يعرف عنه أكثر من كونه شيخاً لعبد الله بن إدريس الأودي، كأنه ـ على غزارة محفوظه ـ لم يبلغه عنه أكثر من تلك القصة التي لا يصلح أن نمرّ عليها مرور الكرام، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على أنه مُقِلٌّ جداً في الرواية.
5 ـ على الرُّغم من حرصي الشديد على اقتناص أي حديث يتعلق به، فأني لم أجد إلى الآن حديثاً له رواه أكثرُ من واحد، ولم أجد له أيضاً حديثاً صح إسناده إليه أو لم يصح، توبع عليه إسناداً ومتناً من ثقة أو غير ثقة.
6 ـ قد يكون متشيعاً لكوفيته، ولكونه مذكوراً في بعض كتب القوم من أصحاب (جعفر الصادق) رحمه الله، وإن كان الأمران لا يصلح واحد منهما كدليل قطعي على ذلك، ففي أهل الكوفة جماعة من أهل الفضل والسنة كزائدة بن قدامة وغيره كما أن فيهم من هو مذكور بغير التشيع كعمر بن ذر وأبيه، فإنهما من المرجئة، وهذا ما سأناقشهُ في العنصر التالي.
أما الأمر الآخر، ففي (جامع الرواة) كثير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتابعيهم بإحسان، بل فيهم بعض الغلاة الشَّتَّامين لمثل عثمان رضي الله عنه وللسلف ـ في النصوص التي في كتبنا ـ؛ ومع ذلك يعتبرونه عامي المذاهب (!!) كعباد بن يعقوب الرواجني.
7 ـ الأمر الأدهى من سابقه ـ إن ثبت عليه التشيع بغير غلو ـ أن قول
(محارب بن دثار) الثقة الزاهد رحمه الله له يدل بظاهره أنه كان ينتحل بدعة أخرى من بدع الاعتقاد، لأنه أقره ولم يرد عليه!
8 ـ عجباً لعدم ذكر الذهبي له في "ميزان الاعتدال" من أجل قول ابن معين وأبي حاتم فيه، بل ومن أجل قصته مع محارب بن دثار رحمه الله، وعدم استدراك الحافظ لذلك في "اللسان" وابن العراقي في "الذيل"(لِلَّهِ) فهذا لو فات واحداً فكيف فات الجميع؟!
9 ـ قد يكون هو الذي قال فيه الدارقطني رحمه الله " لا بأس به " وقد لا يكون، لاسيما والمثبت في كنيته في "سؤالات البرقاني":" أبو عمر"، أقول هذا مع علمي بوقوع تصحيفات فيه، لاسيما و (ابن نهشل) المذكور في نفس الترجمة لم أَدْرِ من يكون، وهل هو (أبو نهشل) المجهول الذي نص أكثرهم أو دل صنيعه على تفرد المسعودي عنه أم لا؟ وقد قلَّبْتُ اسمه على وجوه فلم أستدل عليه.
10ـ أنه لم يبين سماعه لهذا الحديث الغريب الذي سأتعرض لنكارة متنه في آخر البحث ـ بحول الله وقوته ـ؛ لم يبين السماع من عكرمة ـ عفا الله عنه ـ كما لم ينص على سماعه منه أحدٌ من مترجميه فيما أعلم، وهو إن كان ينزل إلى الرواة عن عكرمة كقتادة بن دعامة ـ عفا الله عنه ـ فلا يؤمن عليه أيضاً الإرسال.
11ـ أن عكرمة رحمه الله خاصةًّ قد رَوَى عنه جمع كبير من الثقات كأيوب السختياني، وثور بن زيد الديلي، وثور بن يزيد الرحبي، وأبو بشر جعفر بن إياس ـ وهو جعفر بن أبي وحشية ـ، وحصين بن عبد الرحمن
السلمي، وخالد الحذاء، وداود بن أبي هند، وعاصم الأحول، وعمرو بن دينار المكي وعمران بن حدير، وقتادة، وأبي إسحاق الشيباني، فأين كانوا حين حَدَّث عكرمة بهذا الحديث الغريب الذي يطمئن الذين اعتادوا على إتيان ذنب مخصوص الحين بعد الحين أو أقاموا على ذنب مخصوص حتى فارقوا الدنيا؛ على أن النبي صلى الله عليه وسلم أثبت لهم صفة ومنزلة الإيمان " ما من عبد مؤمن
…
"؟
وكان الرواة يحتوشون عكرمة أينما ذهب في أقل من هذا، بل أين كان من دونهم ـ مطلقا أو في عكرمة خاصة ـ كهشام بن حسان، وسماك بن حرب وعمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، وعبد العزيز بن أبي رواد، والحسين بن واقد المروزي، ومطر الوراق، وأبي حريز (1) ؟
أم أنه اختص عتبة بن عمرو المكتب، الذي خفي حاله على كبار الأئمة، بهذا الحديث الفريد في بابه إن كان لقيه؟!
فلما عرضنا هذا الإسناد ـ الإمام البخاري، عن أحمد بن الصباح الرازي، عن علي بن حفص المدائني، عن عتبة بن عمرو المكتب، عن عكرمة، عن ابن عباس ـ على إسناد الطبراني الذي بدأت بإيراده ـ الحسن بن العباس الرازي، عن أحمد بن أبي سريج الرازي، عن علي بن حفص المدائني، عن عبيد المكتب الكوفي، عن عكرمة، عن ابن
(1) أبو حريز قاضي سجستان واسمه (عبد الله بن الحسين الأزدي) مختلف فيه، وأقوالهم يؤول مجموعها إلى ضعفه، وهناك نص يرميه بالرجعة ـ والعياذ بالله ـ لم أتحقق من صحته.
عباس ـ؛ لما فعلنا ذلك اكتشفنا أن إسناد الطبراني معلولٌ، لا تقوم له قائمة وأن ترجمة البخاري لعتبة المكتب والحديث الذي ساقه له فيها بما يدل دلالة قاطعة على أنه حديثه المعروف به؛ كل ذلك كشف زَيْفَ وعوار الإسناد الذي أتى به الحسن بن العباس الرازي ـ شيخ الطبراني ـ وهو رجل ثقة من كبار القراء، غير موصوف بحفظ ولا إتقان ـ عفا الله عنهم ـ جميعاً.
وذلك لأن اللبس واقع منذ وقت مبكر في حياة بعض شيوخ البخاري، فقد لاحظه عباس الدوري وسطره في " تاريخه " حين قال:" كذا قال يحيى عن ابن إدريس عن عتبة المكتب. ولم يقل عبيد المكتب ".
ثم لاحظه ابن حبان لما قال في ترجمة " عتبة " من "الثقات": " وليس هذا بعبيد بن عمرو المكتب ".
فبين الرجلين تشابه شديد:
* فهذا كوفي، وذاك كوفي.
* وهذا مكتب، وذاك أيضاً مكتب.
* وهذا يروي عن الشعبي، وذاك كذلك بما يدل على اشتراكهما في الطبقة.
* وعتبة اسم والده: عمرو. وعبيد حَكَى ابن حبان في ترجمته أنه يقال له كذلك، بل قال في ترجمة عتبة ما ذكرته قريباً جداً.