الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والظاهر أن أخانا الحبيب الشيخ أبا عبد الله بن العدوي قد ظنه الوراق أيضاً، فقال:" ولم نقف لداود البصري على رواية عن ابن عباس ".
كذا قال مع ظهور انقطاع بل إعضال هذا الإسناد على القول بأنه هو.
وأرجو بذلك أن يكون قد استبان لكل ذي عينين سقوط هذا الإسناد، فلا تغتر بقول الحافظ العراقي ـ على جلالته ـ:" رواه الطبراني والبيهقي بأسانيد حسنة "، ولا بقول محقق " الشعب ":" إسناده لا بأس به " كما يأتي ـ بمشيئة الله ـ في نهاية البحث.
ووالله لوددت أن أذكر كلام العلماء والباحثين في نهاية كل طريق لكنني ذهلت عن ذلك ذهولاً تاماً، وكذلك كنتُ سأناقش قضيةً من القضايا التي ينبغي أن يكون كل مشتغل بهذا العلم الشريف على ذكرٍ بها؛ عقب الطريق الأولى كما أومأت من قبل.
لكنني سأرجيء كل هذا إلى نهاية هذا البحث الذي أسأل الله ـ جل وعلا ـ
أن يتقبله مني، ويجعله في كفة حسناتي. آمين.
كذلك سأضع بعض الألغاز التي عنّت لي، اختباراً وتنشيطاً وتدريباً لأحبابي الكرام. فالله المعين.
4ـ طريق (علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه) ـ باختصار المتن
ـ:
قال الطبراني رحمه الله في "المعجم الكبير"(10 /342 رقم 10666) ـ والسياق له ـ، وابن عدي رحمه الله في "الكامل" (3 /958) :
" حدثنا القاسم بن زكريا، ثنا عبد الله بن هاشم الطوسي، ثنا عبد الله بن نمير، عن عتبة بن يقظان، عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن ابن
عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن المؤمن خُلق مُفَتَّناً تَوَّاباً نسَّاءً (وعند غير الطبراني: نسيِّاً) ، إذا ذُكرِّ ذَكَرَ ".
ورواه أبو نعيم في "الحلية"(3 /211) من طريق أبي بكر أحمد بن محمد بن أبي شيبة، ثنا عبد الله بن هاشم به ".
وقال: " هذا حديث غريب من حديث داود بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده، لا أعلم أحداً رواه غير ابن نمير، عن عتبة، عنه ".
تراجم رجال هذا الإسناد:
1ـ القاسم بن زكريا:
هو (أبو بكر القاسم بن زكريا بن يحيى البغدادي المقريء المعروف بالمطرز) وهو ثقة حافظ مقريء مصنف.
* قال الحسن بن محمد الخلال عن الدارقطني: " قاسم بن زكريا أبو بكر المطرز مصنف مقريء نبيل "، كما في ترجمته من "تاريخ بغداد"(12 /441) .
* وقال الخطيب: " وكان ثقةً ثبتاً "، وروى بإسناده إلى ابن المنادي قال:"أبو بكر القاسم بن زكريا المعروف بالمطرز توفي يوم السبت، ودفن يوم الأحد لسبع عشرة خلون من صفر سنة خمس وثلاثمائة، ودفن في مقابر باب الكوفة، ولم يحدِّث الناس في سنة خمس هذه شيئاً البتة فيما بلغنا، وكان من أهل الحديث والصدق، والمكثرين في تصنيف المسند، والأبواب، والرجال ".
قلت: وأرخ وفاته في هذه السنة أيضاً الحافظ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ كما رواه الخطيب عن أبي نعيم رحمه الله عنه.
* وقال الذهبي رحمه الله في ترجمته من "السير"(14 /149) : " الإمام العلامة المقريء، المحدث الثقة " حتى قال: " وصنف المسند والأبواب، وتصدَّرَ للإقراء. وكان ثقةً مأموناً. أثنى عليه الدارقطني وغيره ".
وقال في "تذكرة الحفاظ"(2 /717) : " الحافظ الثقة المقريء أبو بكر القاسم بن زكريا بن يحيى البغدادي المقريء، ويعرف بالمطرز "، وأورد في ترجمته النصوص المتقدم ذكرها عن "تاريخ الخطيب" وقال في وفيات سنة 305 من "العبر" (1 /449) :
"وقرأ على الدوري، وأقرأ الناس، وجمع وصنف، وكان ثقة ".
وقال في "معرفة القراء الكبار"(1 /240 رقم 141) : " وكان ثقةً حجةً إماماً مصنفاً أثنى عليه الدارقطني وغيره ".
قلت: هو من رجال "التهذيب" ـ تمييزاً له عن شيخه وسَمِيِّه: (القاسم بن زكريا بن دينار أبي محمد القرشي الكوفي الطحان)(1) ـ ثقة من شيوخ مسلم
والترمذي والنسائي وابن ماجه.
(1) وسماه ابن أبي حاتم في "الجرح"(7 /110) عن أبيه: " القاسم بن دينار " ـ منسوباً إلى جده ـ وقال: " روى عنه أبي " وسكت عليه.
* ومما زاده الحافظ رحمه الله في ترجمته من "تهذيب التهذيب"(8/315) قوله: " قلت: وقال مسلمة بن قاسم: مات ببغداد وله خمس وثمانون سنة، وكان مشهوراً فاضلاً ".
وقال في "التقريب"(5495) ـ إذ ذكره تمييزاً ـ " حافظ ثقة، أخذ عن الذي قبله، من الثانية عشرة، مات سنة خمس وثلاثمائة، وله خمس وثمانون سنة ".
قلت: ولم يتفرد بالحديث عن (عبد الله بن هاشم الطوسي)، فقد تابعه عند أبي نعيم في " الحلية ":(أحمد بن محمد بن أبي شيبة) وهو (أحمد بن محمد بن شبيب بن زياد أبو بكر البغدادي البزاز) ، ويعرف بأبي بكر (1) بن أبي شيبة البزاز جار ابن منيع، وَثَّقهُ الدارقطني كما في ترجمته من "تاريخ بغداد"(5 /32) .
2ـ عبد الله بن هاشم الطوسي:
هو (أبو عبد الرحمن ـ ويقال: أبو محمد ـ عبد الله بن هاشم بن حيان العَبْدي الرَّاذكاني الطوسي نزيل نيسابور) ثقة، من شيوخ مسلم ولم يرو له سائر الستة شيئاً.
ومن أشهر الرواة عنه: إبراهيم بن أبي طالب النيسابوري المُزكِّي، وأحمد بن سلمة النيسابوري صاحب مسلم، والحسين بن محمد
(1) فمن وجد (أبا بكر بن أبي شيبة) في بعض الأسانيد، فلا ينبغي أن يسارع إلى تعيينه على أنه الكوفي الحافظ الشهير، بل يتأنى في تعيين الطبقة.
القباني، وصالح بن محمد الأسدي جزرة، وأبو بكر بن أبي داود، وأبو بكر بن خزيمة، والقاسم بن زكريا المطرز، ويحيى بن محمد بن صاعد، وابن الجارود صاحب "المنتقى"، وأبو حامد بن الشرقي النيسابوري، وأخوه عبد الله.
* قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(5 /196) : " عبد الله بن هاشم الطوسي، وهو ابن هاشم بن حيان العبدي نزيل (1) بغداد روى عن يحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، روى عنه أحمد بن سلمة النيسابوري ".
ومن الواضح البيِّن أنه لم يخبر حاله، فوهم في وصفه بـ (نزيل بغداد) ، ولم يستوف الرواة عنه وفيهم من هو أشهر من (أحمد بن سلمة) ، كما لم يحضره حاله في الرواية واشتهاره بالحفظ والإتقان عندهم.
* وقال صالح بن محمد الأسدي: "حدثنا عبد الله بن هاشم الطوسي ـ ثقة ـ ".
* وقال إبراهيم ابن أبي طالب: " عبد الله بن هاشم مُجَوِّدٌ (2) في حديث يحيى وعبد الرحمن ".
(1) تعقبة محقق "الجرح" بقوله: " لم ينزل بغداد، وإنما وردها حاجاً وحدَّث بها، فروى عنه بعض أهلها كما في تاريخ بغداد
…
" إلخ.
(2)
كذا في "تاريخ بغداد" و"تاريخ الإسلام" و"تهذيب التهذيب"، وفي "السير":" يجود "، وفي "تهذيب الكمال" وحده:" محمود "، وما أثبتُّه هو الصواب ـ إن شاء الله ـ.
* وقال أحمد بن سيار المروزي ـ صاحب "تاريخ مرو" ـ:
" عبد الله بن هاشم الراذكاني ـ قرية من أعلى طوس ـ ثم تحول هاشم إلى طوس، وكان يقال له: هاشم الراذكاني، وكان عبد الله رجلاً كاتباً، كتب عن وكيع وابن مهدي ويحيى بن سعيد، معروفاً بطلب الحديث، رحلوا إليه من البلدان، وكتبوا عنه أحاديث كثيرة، وكان أظهر كلام الرأي، ثم إنه ترك ذلك، وأظهر أمر الحديث ".
وهذه النصوص في ترجمته من "تاريخ بغداد"(10 /194)(1) .
* وقال ابن حبان في "الثقات"(8 /361 ـ 362) : " عبد الله بن هاشم الطوسي، أبو محمد، حَدَّثَ بنيسابور، يروي عن يحيى القطان، ووكيع وإبراهيم بن عيينة، حدثنا عنه عبد الله بن محمد بن شيرويه وأهل نيسابور، مستقيم الحديث من المتقنين، مات في أول سنة تسع وخمسين ومائتين، وقد قيل: كنيته أبو عبد الرحمن ".
قلت: بل الذي ترجح لي بعد بحث وقرائن عديدة أن كنيته (أبو عبد الرحمن) ، فقد كناه بذلك بعض الرواة عنه كيحيى بن صاعد والإمام مسلم وغيرهما، والذين كنوه بأبي محمد اجتمع في بعضهم البعد عن إدراكه وكثرة
(1) وهو أحسنها سياقاً لترجمته، والناس بعد ذلك عيال عليه، ومع ذلك لم يذكر محقق الجزء الثاني عشر من "السير"" تاريخ بغداد " في جملة مصادر ترجمته، وكذا "ثقات ابن حبان" و"الإرشاد" وهذا قصور ظاهر.
الأوهام منهم نسبياً كابن حبان والخليلي ـ غفر الله لي ولهم أجمعين ـ آمين.
نعم، جزم السمعاني رحمه الله في ترجمته من "الأنساب"(3 /22) بأن كنيته أبو محمد أيضاً، ولست أشك طرفة عين أنه اعتمد اعتماداً كلياً على ترجمته من "ثقات ابن حبان" لكن مع تصرف يسير، وزاد:" وظني أن مسلم بن الحجاج أخرج عنه "، فدار الأمر على ابن حبان أيضاً.
ولو كان مستنده ترجمة الحاكم للرجل من "تاريخ نيسابور" أو تكنية أحد الآخذين عنه بأبي محمد، لنوقش الخلاف بأسلوب آخر، والله أعلم بحقيقة الأمر.
* وقال أبو يعلى الخليلي في ترجمته من "الإرشاد"(2 /815 ـ 816 رقم 715) :
" أبو محمد عبد الله بن هاشم بن حيان الطوسي: [ثقة كبير](1) سمع يحيى ابن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، وأبا عاصم، ووكيعاً، وأقرانهم.
روى عنه مسلم، والسراج، والحسين (2) بن علي الطوسي، وابن أبي داود، وأبو حامد بن الشرقي يروي عنه بالإجازة.
وأخوه عبد الله سمع منه. مات سنة أربع وخمسين ومائتين ".
(1) استدركها محقق "الإرشاد" من "تهذيب التهذيب"(6 /60) وأثبتها محقق "الإرشاد"(ط. دار الفكر)(ص 301) من نسخة خطية حصل عليها بأخرة تبين له بها الكثير
من مواضع السقط والتصحيف عند المقارنة بالمطبوع منه عليها في المقدمة.
(2)
الصواب (الحسن بن علي الطوسي) كما في (ط. دار الفكر) ونبه المحقق على التصحيف في المقدمة.
ثم أورد له حديثاً من طرقٍ عنه عن إبراهيم بن عيينة، رواه أبو حامد بن الشرقي بنزول عنه، ثم رواه كتابة عنه، فقال: " وكَتَبَ إليَّ عبد الله بن هاشم حدثنا إبراهيم بن عيينة
…
"، قال الخليلي: " بإسناده مثله ".
* وقال الذهبي في ترجمته من"السير"(12 /328) : " الإمام الحافظ المتقن، أبو عبد الرحمن، الطوسي المولد، النيسابوري الوطن ".
وقال في ترجمته من "تاريخ الإسلام"(وفيات 251: 260)(ص189) :
" عبد الله بن هاشم بن حيان ـ م ـ أبو عبد الرحمن الطوسي رحل وعني بالحديث ".
* وقال الحافظ في "التقريب"(3699) : " ثقة صاحب حديث، من صغار العاشرة، مات سنة بضع وخمسين ".
ملحوظة: توقفت قليلاً عند قول الحافظ الكبير إبراهيم بن أبي طالب ـ واسمه (إبراهيم بن محمد بن نوح) ـ وهو (إمام عصره بنيسابور في معرفة الحديث والرجال، جمع الشيوخ والعلل) كما قال الحاكم رحمه الله.
توقفت أتأمل قوله في (عبد الله بن هاشم الطوسي) : " عبد الله بن هاشم مُجَوّد في حديث يحيى وعبد الرحمن "، هل هي على ظاهرها بمعنى أنه يتصف بمزيد تثبت وإتقان فيما يرويه عن يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، أم لها معنى آخر من باب قولهم:" جَوَّده فلان " إذا كان الحديث معروفاً بالإرسال مثلاً عن شيخ مخصوص،
فأتى أحد الرواة عن هذا الشيخ فوصل الحديث، أو كان الحديث مروياً بعنعنة تابعي عن صحابي فأتى هذا الراوي فرواه بنفس الإسناد مصرحاً بسماع هذا التابعي من الصحابي، ونحو هذه الصور التي تظهر إسناد الحديث في هيئة جَيِّدة؟
ثم قوي هذا الظن في نفسي لما وجدت الحافظ الذهبي رحمه الله يحرص في آخر ترجمته من "السير"(12 /329) على رواية حديث من طريق يحيى بن محمد (وهو ابن صاعد) ، حدثنا أبو عبد الرحمن ـ وهو عبد الله بن هاشم بن حيان ـ، حدثنا يحيى ابن سعيد القطان، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً"(1) .
وأفاد محقق "السير" أنه في "الصحيحين" من طرق عن شعبة عن موسى بن أنس عن أنس.
فيكون أتى بالحديث عن شعبة عن قتادة، لأن قتادة أثبت وأحفظ وأكثر حديثاً من ابن أنس نفسه؟؟
وظللت متحيراً من هذا الأمر حتى وجدت الحافظ ابن حجر رحمه الله في "النكت الظراف"(1/412 حاشية التحفة) يقول بعد الاعتراض على المزي في أمور: " وقد خالف الجميع يحيى بن سعيد القطان فزاد بين شعبة وموسى بن أنس: " قتادة "، أخرجه ابن حبان من طريقه ".
(1) ورواه أيضاً ابن المقريء في "معجم شيوخه"(ح 13) من وجه آخر عنه.
يعني أن يحيى القطان خالف سليمان بن حرب، وروح بن عبادة، والنضر
ابن شميل وغيرهم في روايته عن شعبة عن موسى بن أنس رأساً، فأدخل قتادة بين شعبة وموسى بن أنس.
فأفزعني ذلك، قبل أن أعيد مراجعة إسناد ابن حبان، فوجدت الحديث في "الإحسان" (5792) من طريق أبي بكر بن خلاد قال: حدثنا يحيى القطان عن شعبة عن قتادة وموسى بن أنس عن أنس به، كذا بـ (واو العطف) وليس (عن) . فاحتجت إلى مرجِّحٍ، فوجدت الحديث في "إتحاف المهرة" للحافظ نفسه (1555) هكذا أيضاً:" عن قتادة وموسى بن أنس عن أنس به ".
فظهر بذلك أن للحديث أصلاً عن يحيى بن سعيد القطان عن شعبة عن قتادة.
وأبو بكر بن خلاد هو (محمد بن خلَاّد بن كثير الباهلي البصري) وهو ثقة، قال الإمام أحمد: "
…
وكان ملازماً ليحيى بن سعيد "، فبرءت بذلك ساحة صاحبنا (عبد الله بن هاشم الطُّوسي) من الغلط على يحيى بن سعيد القطان ـ رحمهما الله ـ.
وللحديث أصل عن قتادة عن أنس، فقد رواه جماعة عن همام بن يحيى عنه به عند أحمد (3 /193، 251، 268) وابن ماجه (4191) وغيرهما، وصرح قتادة بالتحديث في جميع طرقه عند أحمد.
أما تاريخ وفاته فاختُلف فيه على ثلاثة أقوال:
(الأول) أنه تُوُفي في ذي الحجة سنة (255) .
قاله الحسين بن محمد بن زياد القباني ـ أحد أركان الحديث بخراسان، ثقة حافظ مُصَنِّف روى عنه البخاري حديثاً وهو أصغر منه ـ وعزاه الذهبي في "تاريخ الإسلام" إلى الحاكم، وبه جزم ابن عساكر في "المعجم المشتمل"(ترجمة511) .
وعليه اقتصر الذهبي في "السير"، وصححه في "تاريخ الإسلام" وجزم به في "الكاشف".
(الثاني) أنه تُوُفي سنة (258) .
حكاه الخطيب عن هبة الله بن الحسن الطبري ـ وهو اللاكائي رحمه الله وحكاه ابن عساكر بصيغة التمريض.
(الثالث) أنه توفي في أول سنة (259) .
قاله أحمد بن سيار المروزي وابن حبان ـ وأراه تَبِعَهُ ـ وابن منجويه في "رجال صحيح مسلم"(ترجمة 879) بدون " أول "، وهو يتبع ابن حبان كثيراً أيضاً، لكنه خالفه في الكنية، فجزم بأن كنيته (أبو عبد الرحمن) ولم يحك غيرها، وكذلك صنع الخطيب وابن عساكر والذهبي في غير موضع، لكنه زاد في "الكاشف" (3065) :" ويقال: أبو محمد "
والحمد لله رب العالمين.
ثم وجدت في "الصحيحة"(3 /75 ـ 76 رقم 1087) عند سرد الطرق الموصولة لحديث: " النوم أخو الموت، ولا ينام أهل الجنة " أن أبا عثمان النجيرمي رواه في "الفوائد"(2 /2 /2) من طريق عبد الله بن هاشم عن معاذ ابن معاذ العنبري عن سفيان الثوري عن ابن المنكدر عن جابر به. فقال عبد الله ابن حامد ـ شيخ النجيرمي ـ لشيخه عبد الله بن محمد بن الحسن بن الشرقي، كيف وقع هذا الحديث؟ ، فقال: إن عبد الله بن هاشم كُفَّ بصره، فلُقِّن هذا الحديث، فتلقَّن ".
ثم تولى رحمه الله الدفاع عنه، وبيان براءته من هذه الأوصاف ومن هذا الاتهام بما لا مزيد عليه، وإن كان في تصحيح وصل الحديث نظر ظاهر من حيث الرواة الذين وصلوه، والمصادر التي خرجته موصولاً، والتي منها "مسند البزار" ـ وأشار إلى إعلاله ـ و"المعجم الأوسط" و"فوائد تمام" و"فوائد النجيرمي"
وغيرها.
وكتب الفوائد تعتني بالغرائب وأخطاء الرواة، فلا يظن وقوع الصحيح فيها دون الكتب المشهورة، وقد أتعرض لهذا الحديث بتفصيل أكبر في المحل المناسب، والله المستعان.
3ـ عبد الله بن نُمَيْر:
هو (أبو هشام عبد الله بن نمير بن عبد الله بن أبي حَيَّة الهمداني ثم الخارفي الكوفي) .
وهو والد الحافظ الكبير (محمد بن عبد الله بن نمير الهمداني) الذي
كان يرجع إليه أحمد وابن معين رحمهم الله جميعاً ـ في الكوفيين، وهو ـ الوالد ـ متفق على توثيقه، ومن رجال الجماعة.
* قال ابن محرز في "معرفة الرجال"(1 /89 رقم 327) : " سمعت يحيى ابن معين يقول: ابن نمير ليس به بأس ".
(وقال) عثمان بن سعيد الدارمي في " تاريخه "(50) ـ تحت عنوان: (أصحاب الأعمش) ـ: " قلت ـ يعني لابن معين ـ: فجرير أحب إليك أو ابن نمير؟ فقال كلاهما ".
(قال)(51) : " قلت: وابن إدريس أحب إليك أو ابن نمير؟ فقال كلاهما ثقتان (1) إلا أن ابن إدريس أرفع، وهو ثقة في كل شيء ".
* وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(6 /275) : " تُوُفي بالكوفة في شهر ربيع الأول سنة تسع وتسعين ومائة، وصلى عليه محمد بن بشر العبدي، وكان له صديقاً. وكانت وفاته في خلافة عبد الله المأمون، وكان ثقة كثير الحديث صدوقاً ".
* وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني نا أبو نعيم، قال:" سئل سفيان عن أبي خالد الأحمر، فقال: نعم الرجل عبد الله بن نمير "، كما في "الجرح"(5/186) .
* وقال عبد الله بن أحمد في "العلل ومعرفة الرجال" (1 / 226 رقم
(1) قال محقق "التاريخ": " في الأصل: ثقتين والتصويب من شرح العلل "، قلت: وفي "الجرح"، " كلاهما ثقة " وفي [م]ـ كما قال المحقق ـ:" كلاهما ثقتان ".
1253) : " سمعت أبي ذكره عن معافى أو غيره أنه كان يختار ابن نمير على عيسى بن يونس ".
* وقال ابن أبي حاتم في "الجرح"(5 /186) ـ: " وسألته ـ يعني أباه ـ عنه، فقال: هو مستقيم الأمر ".
* وقال العجلي: " ثقة، صالح الحديث صاحب سُنَّة " كما في "ترتيب معرفة الثقات"(986) مستدركاً من "تهذيب التهذيب"(6 /58) .
* وقال ابن حبان في "الثقات"(7 /60 ـ 61) : " عبد الله بن نمير الهمداني الخارفي ـ مولاهم ـ من أهل الكوفة، كنيته أبو هشام، يروي عن يحيى بن سعيد الأنصاري وابن أبي خالد، روى عنه ابنه محمد بن عبد الله بن نمير وأهل العراق، مات سنة تسع وتسعين ومائة في شهر ربيع الأول، وصلى عليه محمد ابن بشر العبدي وكان له صديقاً ".
(وقال) في "مشاهير علماء الأمصار"(1377) : " من المتقنين ".
* وفي (مسند سعد بن أبي وقاص) من "علل الدارقطني"(س610) قال البرقاني: " وسئل عن حديث عامر بن سعد عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تَصَبَّح بسبع تمرات عجوة على الريق، لم يضره ذلك اليوم سُمٌ ".
فقال: " يرويه هاشم بن هاشم واختلف عنه، فرواه أبو أسامة عن هاشم ابن هاشم عن عامر بن سعد عن سعد، وخالفه ابن نمير فرواه عن هاشم عن عائشة بنت سعد عن أبيها وكلاهما ثقة، ولعل هاشماً سمعه منهما، والله أعلم ".
قلت: بل الخلاف أكبر من هذا، فقد رواه جمهور أصحاب هاشم بن هاشم عنه كما قال أبو أسامة، منهم مكي بن إبراهيم، وأبو بدر شجاع بن الوليد، ومروان بن معاوية الفزاري، وأبو ضمرة أنس بن عياض، وأحمد بن بشير، وإبراهيم بن حميد الرؤاسي. انظر حاشية "علل الدارقطني" و"تحفة الأشراف"(رقم3895) بما لا يدع مجالاً للشك في وهم (عبد الله بن نمير) رحمه الله.
وإني لأعجب كيف خفي هذا على الحافظ الكبير الإمام أبي الحسن الدارقطني ـ في هذا الحديث خاصة ـ مع أن عهدنا به دَوْمَاً أنه يأتي بطرق واختلافات لا تخطر على قلب مشتغل بالحديث (لِلَّهِ) والله يعفو عنا وعنه.
وقد كان كل مقصدي من إيراد هذا النص هو الاستدلال على أن (عبد الله ابن نمير) ثقة عند الدارقطني، وما كنت أظن أنني سأعقب هذا التعقيب.
* وقال الذهبي في ترجمته من "السير"(9 /244) : " الحافظ الثقة الإمام أبو هشام الهمداني الخارفي مولاهم الكوفي ولد في سنة خمس عشرة ومائة
…
" (حتى قال) : " وكان من أوعية العلم، وثقه يحيى بن معين وغيره، وممن يروى عنه ابنه الحافظ: محمد بن عبد الله بن نمير
…
".
(وقال) في "تذكرة الحفاظ"(1 /327) : " الحافظ الإمام أبو هشام الهمداني ثم الخارفي الكوفي والد الحافظ الكبير محمد ".
(حتى قال) : " وثقه يحيى بن معين وغيره، وكان من كبار أصحاب الحديث ".
(وقال) في "تاريخ الإسلام"(وفيات 191: 200)(ص 263) : "الكوفي الحافظ " حتى قال: " وثقه يحيى بن معين وغيره ".
(وقال) في "الكاشف"(2 /137) : " عن هشام بن عروة والأعمش، وعنه ابنه، وأحمد، وابن معين. حجة، تُوُفي سنة 199 ".
* وقال الحافظ في "التقريب"(3692) : " ثقة صاحب حديث، من أهل السنة، من كبار التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومائة، وله أربع وثمانون ".
* وذكر له الطبراني في " الأوسط " ثلاثة أحاديث تفرد بها (1550، 3479، 6583) .
(الأول) عن محمد بن أبي إسماعيل، (والثاني) عن عبد الملك بن أبي سليمان، (والثالث) عن الأعمش.
ويمكن لإخواني الكرام طلبة العلم ـ حفظهم الله ووفقهم ـ أن يتدربوا عليها، هل هي من أفراده أم لا؟ والله المعين.
فإن وجد أحدهم متابعاً له في أحدها فلا يسارع بالاستدراك على الإمام الطبراني حتى يتحقق من أمرين:
الأول: صِحَّة الإسناد إلى المتابع.
الثاني: الاتفاق على المتن، ويتجاوز عن الاختلاف غير المؤثر، والحمد لله رب العالمين.
4ـ عتبة بن يقظان:
هو (أبو زَحَّارة ـ ويقال: أبو عمرو ـ عتبة بن يقظان الراسبي) .
وهو واهٍ متروك، أغرب ابن حبان فذكره في " الثقات " وسكت عليه.
* قال البخاري رحمه الله في "التاريخ الكبير"(6 /526) : " عتبة بن يقظان، سمع الحسن ويحيى بن يعمر، روى عنه أبو هلال محمد البصري " وسكت عليه.
(وقال) ـ قبل هذا ـ: " عتبة الراسبي عن عمرو بن دينار، روى عنه أبوهلال محمد بن سليم، منقطع "(1) ، وهو هو.
* وقال ابن أبي حاتم في "الجرح"(5 /374) : " عتبة بن يقظان، روى عن عكرمة، روى عنه فرات بن خالد، سمعت علي بن الحسين بن الجنيد يقول: لا يساوي شيئاً ".
(وقال) أيضاً (6 /375) : " عتبة روى عن أبي رؤبة (2) عن أنس بن مالك، روى عنه الفرات بن خالد الرازي " ثم قال: " عتبة الراسبي بصري روى عن عمرو بن دينار، روى عنه أبو هلال الراسبي، سمعت أبي يقول ذلك".
وعندي أن الثلاثة واحد فيما يظهر، والله أعلم.
(1) يعني أنه روى عن عمرو بن دينار موقوفاً عليه مقطوعاً، والله أعلم.
(2)
كانت بدون همز، لكن الصواب بالهمز كما في ترجمته من "كنى الجرح"(9 /372) .
* وقال النسائي في "الكنى": " وأبو زحارة عتبة بن يقظان غير ثقة ".
* وقال ابن حبان في "الثقات"(7 /271) : " عتبة الراسبي، يروي عن عمرو بن دينار، روى عنه أبو هلال الراسبي "، ثم قال:" عتبة بن يقظان، يروي عن الحسن ويحيى بن يعمر، روى عنه البصريون "(1) .
* وروى الدارقطني في "سننه"(4 /281) حديثاً من طريق المسيب بن
واضح نا المسيب بن شريك، عن عتبة بن يقظان، عن الشعبي، عن مسروق، عن علي رضي الله عنه مرفوعاً: " نَسخت الزكاة كل صدقة في القرآن
…
" الحديث، وقال ـ عقبه ـ: " عتبة بن يقظان متروك أيضاً " (تحرف اسمه إلى: عقبة بن يقظان) .
* ولم يوفِّه الذهبيُّ رحمه الله حقَّه من التضعيف، فقال في "الميزان" (3/30) :" قوَّاه بعضهم، قال النسائي: غير ثقة، وقال علي بن الحسين بن الجنيد: لا يساوي شيئاً "، ثم ساق له حديثاً رواه ابن ماجه في " تفسيره " من طريق عامر بن مدرك عنه عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن ابن مسعود، وقال ـ عقبه ـ:" عامر صدوق، والخبر منكر ".
(وقال) في "الكاشف"(3 /246) : " وثَّقه بعضهم، وقال النسائي: غير ثقة ".
(1) أردت بقولي فيما مَرَّ: " وسكت عليه " أنه لم يقل: " يخطيء " أو: " يخطيء ويخالف " كما يقولها كثيراً فيمن يكون واهياً عند غيره.
(وكذلك قال) في "المغني"(2 /423) .
وعادة الذهبي ـ في مثل هذا المقام ـ أن يقول: " وُثِّق " إشارة إلى لين التوثيق الوارد فيه، لأن مصدره ابن حبان رحمه الله وحده فيما نعلم.
* كذلك هَوَّن الحافظ رحمه الله في "التقريب"(4476) مِن ضعْفه حيث قال: " عتبة بن يقظان الرّاسبي، أبو عمرو، ويقال: أبو زحّارة، بفتح الزاي وتشديد المهملة، البصري، ضعيف من السادسة ".
وقد ناقشتُ رجحان تكنيته بأبي زحّارة، وأن عتبة أبا عمرو آخر سواه فيما تقدم بما يغني عن الإعادة، وإن كان هذا أليق بهذا الموضع، فالله المستعان.
5ـ داود بن علي بن عبد الله بن عباس:
هو (أبو سليمان داود بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي
الهاشمي المدني نزيل (1) الشام) .
* قال عثمان بن سعيد الدارمي في " تاريخه "(317) : " وسألته (يعني: ابن معين) عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس، فقال: شيخ هاشمي. قلت: كيف حديثه؟ فقال: أرجو أنه ليس يكذب، إنما يحدث بحديث واحد ". وعنه ابن أبي حاتم في "الجرح"(3 /418) وابن عدي في أول ترجمته من "الكامل"(3 /955) .
(1) قال الحافظ المزي في "التهذيب"(8 /421) : " كان يكون بالحُميمة من أرض الشراة من أرض البلقاء، وولي إمرة الكوفة في زمن السفاح، وولي المدينة أيضاً ".
ثم روى بإسناده ـ من طرق ـ عن هشيم عن ابن أبي ليلى عنه عن أبيه عن جده
…
ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، وصوموا قبله يوماً وبعده يوماً ".
قال: " ثناه
…
" فروى بإسناده إلى ابن حي عنه عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لئن بقيت إلى قابل لأصومن يوماً قبله ويوماً بعده " يعني: يوم عاشوراء.
وقال: " قال العباس (1) : وغير سفيان يقول: ابن حي عن ابن أبي ليلى يعني: عن داود "، ثم روى من طريق الحارث بن النعمان بن سالم عن سفيان عن داود به:" صوموا عاشوراء " وإسناده إلى سفيان الثوري منكر.
* قال ابن عدي: " وهذا الحديث الذي ذكره ابن معين أن داود إنما يُحدِّث بحديث واحد ـ أظنه أنه يعني هذا الحديث ـ حديث عاشوراء (2) عن أبيه عن جده، قد روى غير هذا الحديث الواحد بضعة عشر حديثاً سأذكرها إن شاء الله".
(ثم روى) من طريق محمد بن أبي رزين الخزاعي سمعت داود بن
(1) هو ابن يزيد البحراني شيخ شيخه وراويه عن ابن عينية، وهو متكلم فيه، وكلامه غير مقبول، فإنه ثابت عن ابن عينية عن ابن أبي ليلى عن داود به.
(2)
الحديث خلاصته أن مداره ـ مرفوعاً ـ على ابن أبي ليلى عن داود بن عليّ عن أبيه عن ابن عباس. ورفعه وهم، وقد صح عن ابن عباس موقوفاً من رواية عطاء وعبيد الله ابن أبي يزيد عنه، وهممت أن أورده في "تبيض الصحيفة" ولم يقدَّر لي بعد والحمد لله، فقد وقفتُ على جديد يتعلق به، والله المستعان.
علي حين بويع لبني العباس وهو مسند ظهره إلى الكعبة
…
فذكر حكايةً.
(ثم من طرق) عن علي بن الجعد أنا ابن ثوبان عن داود به قال: " أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحماً وصلى ولم يتوضَّأ ".
(ثم رواه) من طريق غسان بن الربيع ثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان عن مَن سمع علي بن عبد الله يقول: سمعتُ ابن عباس
…
بنحوه.
(ومن طريق) الوليد (هو ابن مسلم) ثنا الأوزاعي حدثني داود بن علي عن أبيه عن جده ابن عباس: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل ذراعاً أو كتفاً مشويةً يسيل على لحيته أمشاج من دمٍ وماءٍ، ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ ".
وهذا أول حديث ـ من كل ما سبق ـ رجال إسناده ثقات إلى داود بن علي ـ رحمهما الله ـ ولكن تبين لي أنه معلول!!
فقد رواه ابن ماجه (490) : " حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم ثنا الأوزاعي ثنا الزهري قال: حضرتُ عشاء الوليد أو عبد الملك فلما حضرتْ الصلاة قمتُ لأتوضأ فقال جعفر بن عمرو بن أمية: أشهد على أبي أنه شهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أكل طعاماً مما غيرت النار ثم صلى ولم يتوضأ. وقال علي بن عبد الله بن عباس: وأنا أشهد على أبي بمثل ذلك".
وهذا إسناد صحيح، وعبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي هو دُحيم الثقة الحافظ المتقن، ومن أئمة الجرح والتعديل، خالف موسى بن عامر ـ راويه عن الوليد ـ عند ابن عدي، فجعله عن الأوزاعي عن الزهري عن جعفر بن عمرو ابن أمية عن أبيه، وعن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه، وليس عن الأوزاعي عن داود بن علي عن أبيه عن جده (1) .
ثم لم يأت بهذه اللفظة المنكرة جداً: " يسيل على لحيته أمشاج من دم وماء "، ولم يتفرد بالحديث الأوزاعيُّ عن الزهري، فروى أصله عنه عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أبيه: عقيلُ، وصالحُ بن كيسان، وإبراهيمُ بن سعد، وشعيبُ بن أبي حمزة، ومعمرُ، ويونس، وعمرو بن الحارث، كما في "تحفة الأشراف"(10700) .
ورواه ـ بالزيادة ـ عن الزهري: عمرو بن الحارث، ورواها ـ فقط ـ عنه هشام بن عروة، كما رواه هشام عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده كما في "التحفة" أيضاً (6289) .
وحديث عمرو بن الحارث وهشام ـ بطريقيه ـ في "صحيح مسلم"(برقم 354، 355)(1 /273، 274) .
(1) وجزى الله خيراً صاحب "بذل المساعي في جمع ما رواه الإمام الأوزاعي" الأستاذ: خضر محمود شيخو، فإنه هو الذي هيأ لي الطريق لمعرفة علة هذا الحديث، فأورد الطريقين في "مسند ابن عباس"(196، 218) .
بل رواه بعض الضعفاء عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه ـ بدون هذه الزيادة المنكرة عند ابن عدي ـ ورواية هؤلاء في "المعجم الكبير"(10 /340 ـ 341) . بل تقدم أن عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ـ أحد الضعفاء أيضاً ـ رواه عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه به عند ابن عدي، وهي كذلك
عند الطبراني في "الكبير".
وهذا أصح من الرواية التي أبهمت شيخ ابن ثوبان لضعف في (غسان بن الربيع الموصلي) ، وكان شيخاً صالحاً رحمه الله.
أما (موسى بن عامر) الذي خالف دحيماً في إسناد الحديث، وزاد الزيادة المنكرة، فهو (ابن عمارة بن خريم أبو عامر المُري الخزيمي الدمشقي) روى عنه أبو داود (1) ، والنسائي في "الكنى" له ترجمة جيدة في "الكامل"(6 /2349)، قال ابن حبان في " الثقات " (9 /162) :" يُغرب ".
وقال الذهبي في "الميزان"(4 /209) : " صدوق صحيح الكتب، تكلم فيه بعضهم بغير حجة، ولا ينكرله تفرده عن الوليد، فإنه أكثر عنه ".
قلت: ولكن ينكر له مخالفة مثل دحيم رحمه الله الذي لم يلقَ (عبد الله
(1) وأما ما وقع في صدر ترجمته من "الكامل" عن عبدان الأهوازي أن أبا داود كان لا يحدث عنه فمحمول على ترك الإكثار، وإلا فإن الأئمة قد نصّوا على روايته عنه بل نفس النصّ عن عبدان يدل على ذلك، والله تعالى أعلم.
بن محمد بن سيار الفرهيناني الحافظ) ـ على تشدده ـ شامياً أعلى منه، والذي قال فيه أبو داود:" حجة، لم يكن بدمشق في زمنه مثله ".
ثم أنتقل ـ بحول الله العليم القدير ـ إلى سائر الأحاديث التي ساقها ابن عدي لداود بن علي ـ رحمهما الله ـ فأقول:
(ثم روى) عن قيس بن الربيع عن ابن أبي ليلى ـ وهما ضعيفان ـ عنه بالإسناد قال: " بعثني العباس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُمسياً وهو في بيت خالتي ميمونة، قال: فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل، فلما صلى الركعتين قبل الفجر قال: " اللهم إني أسألك رحمة من عندك تهدي بها قلبي، وتجمع بها أمري، وتلم بها شعثي " قال:"حديثاً طويلاً في الدعاء ".
(ثم من طريق) الحسين بن عمارة عن داود به: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يختم وتره بهذا الدعاء وهو جالس حين يفرغ من الوتر: " اللهم إني أسألك
…
" فذكر مثل ما قبله، وعلق نفس التعليق.
(ثم روى) من وجه آخر عن ابن أبي ليلى به، فذكر قطعة أخرى من نفس الدعاء المتقدم.
(ثم روى) من طريق ابن أبي ليلى به، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"علق السوط حيث يراه أهل البيت ".
(ثم من طريق) قيس بن الربيع عن داود به " اجعلوا السوط حيث
يراه أهل البيت " وقال: " هكذا قال لنا الشطوي " يعني: شيخه في هذا الإسناد قيس، عن داود، وإنما هو قيس عن ابن أبي ليلى، عن داود.
(ثم رواه) من وجه آخر عن قيس، عن ابن أبي ليلى به نحوه والحديث رواه النضر بن علقمة عن داود بنحوه عند البخاري في "الأدب"(1229) ، والنضر مجهول.
(ثم روى) من طريق سليمان بن قرم عن محمد بن سعيد (تحرف في طبعتي الكامل إلى: محمد بن شعيب) عن داود به: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بطير، فقال: (اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير) فجاء عليُّ فأكل معه".
وقال: " وهذا يرويه عن داود محمد بن سعيد (1) ، ومحمد بن سعيد لا أعرفه، ويرويه عن محمد بن سعيد: سليمان بن قرم، وعن سليمان بن قرم: حسين بن محمد المرّوذي "(2) .
قلت: وسليمان بن قرم أيضاً ضعيف الحديث، لكنه لا يحتمل رواية هذا الإفك، ولا شك أن البلاء من شيخه وحده.
(ومن طريق) حسين ـ يعني ابن أبي بردة ـ عن قيس، عن ابن
(1) تحرف اسمه في جميع المواضع إلى: " محمد بن شعيب " وأتى اسمه على الصواب في ترجمة (داود بن علي) من "تهذيب الكمال"(8 /422) .
(2)
تحرفت النسبة إلى: " المروزي " بزاي.
أبي ليلى، عنه، عن أبيه: أن ابن عباس نزل عن قوله: حيث سمع أبا سعيد الخدري يروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه "نهى عن الصرف" وقيس وابن أبي ليلى ضعيفان.
والراوي عن قيس أورده العقيلي في "الضعفاء"(1 /253) ومن طريق عفيف بن سالم عن شريك عنه عن ابن عباس (كذا، والظاهر أنه سقط منه: عن أبيه) مرفوعاً: " يمن الخيل في شقرها ".
وهذا منكرٌ بهذا الإسناد، لا تصح نسبته إلى داود، إنما رواه يزيد بن هارون وحسين بن محمد المروذي (1) عن شيبان بن عبد الرحمن عن أخيه عيسى بن علي ابن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده.
والعجيب أن أبا حاتم الرازي رحمه الله صحح رواية زيد بن الحباب عن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده، ورواية حسين بن محمد المروذي عن شيبان عن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده.
وهاتان الروايتان لم أقف عليهما البتة.
أما حديث حسين بن محمد، فقد رواه الأئمة والحافظ: أحمد، وابن معين، ومحمد بن إسحاق الصغاني، وجعفر بن محمد بن شاكر الصائغ عنه عن شيبان عن عيسى به.
(1) ومعهما إسماعيل بن عمرو البجلي ـ على ضعفه ـ عند الطبراني (10 /347) ورواه أحد الضعفاء عن عيسى به، فزاد في المتن ألفاظاً عند الطبراني أيضاً والإسناد إلى هذا الضعيف ضعيف أيضاً لِلَّهِ
وإنما أطلتُ في بيان نكارة نسبة هذا الحديث ـ خاصةً ـ إلى داود بن علي ـ رحمهما الله ـ لأن شريكاً القاضي رحمه الله يُعدُّ من أمثل من روى عن داود فيما ساقه له ابن عدي.
على أن في الطريق إليه (حرب بن محمد الطائي) والد (علي بن حرب) سكت عليه ابن أبي حاتم، وأورده ابن حبان في " الثقات "، وروى من طريق ابن أبي ليلى عن داود به أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ، فقال: إن لي والدَين، وإنهما يمنعاني من الجهاد، فقال:" بِرَّهُما، فإنك في جهاد "، وابن أبي ليلى سيء الحفظ جداً، وفي الطريق إليه: محمد بن حميد الرازي وهو واهٍ.
(ثم روى) بنفس إسناد الطبراني حديث: " إن المؤمن خلق
…
" إلا أنه قال: " مفتوناً ". وفي الإسناد شكٌ، إذ فيه: " ثنا عتبة بن يقظان أو ابن أبي اليقظان (1) لا أدري ممن.
وقال ابن عدي ـ عقبه ـ: " قال لنا القاسم ـ يعني: المطرز ـ: كتب عني هذا الحديث أبو أحمد بن عبدوس "، قلت: هو الثقة الحافظ (محمد بن عبدوس بن كامل السلمي البغدادي السراج) قال الخطيب (2/381) : " وكان من أهل العلم والمعرفة
(1) تحرف في مطبوع "الكامل" إلى " ابن أبي القظان " وجاء في الطبعة الثالثة (3 /91) على الصواب.
والفضل "، وهو أكبر من القاسم المطرز ـ إذ أدرك بعض من لم يدركهم ـ وإن شاركه في بعض الشيوخ كأبي بدر شجاع بن الوليد، وتوفي قبله بنحو اثنتى عشرة سنة، سنة 293، ولعله كتبه عنه لغرابته، وشدة الفردية في إسناده.
(ثم روى ابن عدي) من طريقين عن حبان بن علي العنزي ثنا ابن أبي ليلى عن داود به: " ولد الزنا شر الثلاثة، إذا عمل بعمل أبويه "، تفرد به حبان وكان
ضعيفاً.
وقال الطبراني في "الأوسط"(7294) : " لم يرو هذا الحديث عن داود بن علي إلا ابن أبي ليلى، تفرد به بكر بن يحيى بن زبان ".
قلت: ولا يقُال: تابعه بشر بن آدم الضرير عند ابن عدي، فإن سليمان بن محمد الخزاعي ـ وهو الدمشقي ـ شيخ ابن عدي فيه، قال أبو أحمد الحاكم:" فيه نظر "، وقال ابن عبد البر:" لا يحتج به "(1) ، وهو معروف روى عنه جمع كبير.
(1) ذكره الحافظ في "اللسان" بالمعنى، فلما رجعت إلى "جامع بيان العلم"(ح 1385)، إذا لفظ ابن عبد البر:" في إسناده رجلان لا يحتج بهما، وهما: سليمان وبقية "، وتمام الكلام على الحديث المذكور في نفس الترجمة.
وكأن ذلك خفي على الحافظ رحمه الله فقال في ترجمته من "اللسان"(3/104) : " وما عرفتُ سليمان بعد ".
وسبحان الله، جئتُ أدافع عن جزم الطبراني بتفرد ابن زبان به عن مندل، فإذا بي أجده يروي عين الحديث في "المعجم الكبير"(10 /346 رقم 10674) عن أبي زرعة الدمشقي ثنا محمد بن الصلت الكوفي ثنا مندل به.
ومحمد بن الصلت ليس متهماً ولا مخلطاً، بل هو ثقة من شيوخ البخاري (1) ، ووثقه ابن نمير، والرازيان وغيرهم.
(ثم روى) ابن عدي من طريق سليمان بن أبي هوذة، ثنا عمرو بن أبي قيس، عن محمد بن أبي ليلى عن داود به:"أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم، وهو صائم".
(وبإسناد حديث) : " برهما فإنك في جهاد ": " أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ
فقال: يا رسول الله، إن داري شاسع فهل تنفعني التقوى؟ قال: نعم، وإن كنت في جحر فأرة ".
وتقدم أنه إسناد تالف، ثم ما علاقة ضيق أو اتساع الدار بالتقوى؟!
ثم روى من طريق عبد الله بن يوسف ـ وهو التنِّيسي ـ ثنا سعيد بن عبد العزيز، عن داود بن علي، عن عبد الله بن عباس (كذا، والظاهر أنه سقط منه: عن أبيه) ، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم " كان يقرأ في صلاة الصبح يوم الجمعة، ألم تنزيل ".
قلت: ورجاله كلهم ثقات، وسعيد بن عبد العزيز من الثقات الأثبات، وقدَّمَهُ بعضهم على أهل الشام بإطلاق، وبعضهم على الأوزاعي رحمه الله وجعله بعضهم بعده رأساً، أما القول باختلاطه؛ فيرى البعضُ أنه اختلط قبل موته، ووصفه البعض بأنه " تغيّر " والأكثرون لم يتعرضوا لهذه القضية أصلاً.
(1) قلت هذا قبل أن أعلم أنه قد روى له حديثاً واحداً متابعةً. وقال الذهبي في "الميزان": " وقال بعضهم: فيه لين "، ولم أَدْر من هذا البعض. أما قول ابن نمير:" وأبو غسان أحب إليّ منه " فلا يعتبر قدحاً، بل من باب (ثقة وأوثق) . والله أعلم.
والذي لاح لي بعد النظر في عدة تراجم له:
أولاً: أنه اختلط قبل موته بيسير.
ثانياً: أنه كان يأبى التحديث في هذه الحالة.
قال عباس الدوري رحمه الله في "تاريخه"(3 /479 رقم 5377) :
" سمعت يحيى يقول: قال أبو مسهر: كان سعيد بن عبد العزيز قد اختلط قبل موته، وكان يُعْرَضُ عليه قبل (1) أن يموت، وكان يقول: لا أُجِيْزُهَا ".
وعليه، فهذا إسناد صحيح إلى داود بن علي رحمه الله وهو الحديث الوحيد في جميع ما ساقه له ابن عدي الذي يصح إسناده إليه ـ في نقدي ـ.
أما قوله هنا: " عن داود بن علي " فالظاهر أنه من تصرف الرواة، فإنه كان لايذكر صيغ الحديث ـ أصلاً ـ عن شيوخه لا احتيالاً ولا تدليساً، حاشاه ـ رحمة الله تعالى عليه ـ.
قال أبو زرعة الدمشقي رحمه الله في "تاريخه"(1 /360 رقم 769) : "فقلت لأبي مسهر: كان سعيد بن عبد العزيز يقول: حدثنا؟ قال: لا.
(1) وفي ترجمة سعيد من "تاريخ دمشق"(21 /205) : " وكان يَعْرِض عليه قبل موته أن يموت
…
" ولفظة موته زيادة لا معنى لها، كذلك شكل الفعل بالبناء للمعلوم خطأٌ أيضاً.
قلت: كيف كان يقول؟ قال: يقول يعني: مكحول، ربيعة أو كما قال ".
ومعناه ـ إن شاء الله ـ أنه كان يقول: " مكحول: " ويذكر قوله أو الأمر المتعلق به، ويقول:" ربيعة: " ويذكر قوله أو الأمر المتعلق به بإسقاط آلة التحديث وليس كما قال محقق "التاريخ"(1) في الحاشية: "يقصد أن سعيداً يقول: يقول مكحول، يقول ربيعة، أو كما قال مكحول
…
"، وإن استشهد بتعليقه.
ولو كان الأمر كما فهم، لقال: " يقول: يقول ـ يعني مكحولاً ـ ربيعة
…
" جواباً لسؤال: " كيف كان يقول؟ ". كذلك قوله: " أو كما قال مكحول " فيه إغراب، بل الظاهر أنه قول أبي زرعة الدمشقي نفسه، والعلم عند العليم الخبير ـ جلَّ وعزَّ ـ.
وأخيراً، يظهر لي أن في متن هذا الحديث اختصاراً، إذ الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قراءة (ألم تنزيل) في الركعة الأولى من فجر الجمعة و (الإنسان) في الركعة الثانية.
(1) الحاصلُ بهذا الكتاب القيم على ماجيستير في التاريخ الإسلامي، تقدم به إلى كلية الآداب بجامعة بغداد، على الرغم من أن هذا الكتاب يشبه "تواريخ" البخاري، و"علل" الإمام أحمد، و"تواريخ" ابن معين بحيث يحتاج إلى تمكن في علم الحديث الشريف وملكة جيدة فيه.
وبقى من كلام ابن عدي رحمه الله قوله في آخر الترجمة: " وهذا الذي
أمليتُ لداود هو عامة ما يرويه، ولعله لا يروي غير ما ذكرتُه إلا حديثاً أو حديثين، وعندي أنه لا بأس برواياته عن أبيه، عن جده، فإن عامة ما يرويه عن أبيه عن جده " أهـ.
قلت: قد وقفت عليهما بفضل الله عز وجل ومدارهما ـ أيضاً ـ على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري عنه!
الأول: رواه الطبراني في "الكبير"(10 /345، 346 رقم 10673) :
" حدثنا عبيد (1) بن محمد بن صبيح الزيات الكوفي ثنا محمود بن بكر بن عبد الرحمن ثنا أبي عن عيسى بن المختار عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن داود بن عليّ عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فقال: " اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريعاً طبقاً عاجلاً غير رائث، نافعاً غير ضارٍّ "، فما لبثنا أن مُطِرنا حتى سال كل شيء حتى أتوه، فقالوا: قد غرقنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم حوالينا، ولا علينا ".
قال الهيثمي في "المجمع"(2 /213) : " وفيه محمد بن أبي ليلى، وفيه كلام كثير ".
قلت: ومحمود بن بكر بن عبد الرحمن لم أقف له على ترجمة، وإن ذكره المزي في جملة الرواة عن أبيه في "التهذيب"(4 /219) .
(1) في "سؤالات الحاكم للدارقطني"(153) : " عبيد بن صبيح الكناني الزيات، لا بأس" أهـ. فالظاهر أنه هو.
الثاني: رواه البزار في "مسنده" كما في "كشف الأستار"(2019) و"مختصر الزوائد"(1716) : " حدثنا عبد الله بن أحمد بن شبويه المروزي (1) ، ثنا محمد ابن عمران (2) بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، حدثني أبي، ثنا ابن أبي ليلى، عن داود بن علي، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
…
" لا تجلسوا في المجالس، فإن كنتم لابد فاعلين، فردّوا السلام، وغُضُّوا البصر، واهدوا السبيل، وأعينوا على الحمولة ".
قال الهيثمي في "المجمع"(8 /62) : " رواه البزار، وفيه محمد بن أبي ليلى، وهو ثقة سيء الحفظ، وبقية رجاله وُثِّقوا ".
قلت: محمد بن أبي ليلى لا يستحق وصف (الثقة) إلا على معنى (العدالة) وليس هو المتبادر عند الإطلاق عندهم.
وأحسن منه قول الحافظ ابن حجر رحمه الله في "مختصر الزوائد": " والراوي عنه ـ يعني داود بن علي ـ: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، فقيه فاضل، لكنه سيء الحفظ ".
قلت: والراوي عنه ابنه عمران، ليس له شيخ سواه، ولم أرَ توثيقه
(1) له ترجمة جيدة في "تاريخ بغداد"(9 /371) وقال ابن حبان في "الثقات": " مستقيم الحديث ".
(2)
في "الكشف": " محمد بن عمران بن محمد بن عبدعمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى "، ولاشك أن (محمد بن عمران) الثانية زيادة لا معنى لها، ومع ذلك زادها أخي الحبيب أبو ذر الشافعي في إسناد "مختصر الزوائد" بين قوسين معقوفين، وقد انتقدت عليه هذا الصنيع في حديث تقدم.
لمعتبر، وإنما ذكره ابن حبان في "الثقات"(8 /496) . فالخلل يدور بينه وبين أبيه، وإن كان هو أَستَرُ حالاً.
وهذا الحديث دلَّني على موضعه عند البزار أخي الفاضل الحبيب المتواضع
…
ـ إن شاء الله ـ طارق بن محمد آل بن ناجي في الطبعة الثانية من كتابه القيم
…
"التذييل على كتب الجرح والتعديل"، حيث ترجم لـ (داود بن علي) ـ رحمهما الله ـ (رقم 263 ص 94، 95) وزاد على بعض نصوص "التهذيب" بقوله:
" قلت: قال أبو بكر البزار: " لم يكن بالقوي في الحديث، على أنه لا يتوهم عليه إلا الصدق، وإنما يُكتب من حديثه ما لم يروه غيره ".
وأحال على مواضع ترجمته في "الكامل" ـ الطبعة الثانية ـ و"كشف الأستار" و"البحر الزخار"(1)، يزاد عليه ـ إن شاء الله ـ "مختصر الزوائد" للحافظ رحمه الله وقد اختصر كلام البزار بقوله:" قال: لا نعلم: " وأعينوا على الحمولة " إلا في (2) هذا، وداود ليس بالقوي في الحديث، ولا يتوهم عليه إلا الصدق ".
وأصل اللفظ: " لا نعلم لابن عباس غير هذا الطريق، وروي عن غيره بألفاظ، ولا نعلم في حديث: وأعينوا على الحمولة إلا في هذا
…
" إلخ.
(1)(11 /395 ح 5232) . وقد وعدني بعضهم بتزويدي بالمجلدات الصادرة حديثاً من "البحر الزخار"، ولكن لم يفعلوا مع أن أهمية مثل ذلك لمثلي عظيمة جداً، متعدية النفع.
(2)
بل يشهد لهذه اللفظة حديث في "الصحيحين" أنظر "الفتح"(11 /14) عند شرح
…
الحديث (6229) .
* وقال ابن حبان في "الثقات"(6 /281) : " داود بن علي بن عبد الله بن عباس ابن عبد المطلب الهاشمي، أخو عيسى ومحمد، يروي عن أبيه، روى عنه ابن أبي ليلى والمسور بن الصلت، يخطيء ".
قلت: لم يذكر ابن حبان واحداً منهما في "الثقات"، أما ابن أبي ليلى فقال في "المجروحين" (2 /244) :" كان رديء الحفظ، كثير الوهم، فاحش الخطأ، يروي الشيء على التوهم، ويحدِّثُ على الحسبان، فكثر المناكير في رواياته فاستحق الترك، تركه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ".
ووهَّى مسور بن الصلت أيضاً، فقال في "المجروحين" (3 /31) :" كان غالياً في التشيع يشتم السلف، وكان يروي عن الثقات الموضوعات، لا يجوز الاحتجاج به، كان أحمد بن حنبل يكذِّبُه، وأما يحيى فحسن القول فيه ".
ثم روى عن صالح بن محمد قال: " سألت يحيى بن معين عن مسور بن الصلت، فقال: شيخ صدوق ".
قلت: لم أقف لمسور بن الصلت على حديث يرويه عن داود رحمه الله ولعل ابن حبان أراد ذكرهما على سبيل التمثيل، لا على سبيل الحصر، فإن ابن أبي ليلى أكثر عنه جداً كما رأينا عند استعراض مروياته.
أما رأي الحافظين الذهبي وابن حجر في داود:
* فقال الذهبي في "المغني"(1 /219) : " ليس حديثه بحجة. قال ابن معين: أرجو أنه لا يكذب ".
(وقال) في "الكاشف"(1 /290) : " وُثِّق، فصيح مُفَوَّه بليغ، عاش 53 سنة، تُوُفِّي سنة 133 ".
(وقال) في "السير"(5 /444) : " له حديث طويل في الدعاء، تفرد به عنه ابن أبي ليلى، وقيس، وما هو بحجة. والخبر يُعَدُّ منكراً، ولم يقحم أولو النقد على تليين هذا الضرب لدولتهم، وكان داود ذا بأس وسطوة وهيبة وجبروت وبلاغة. وقيل كان يرى القدر ".
قلت: بل الحديث رواه قيس عن ابن أبي ليلى عنه كما هو عند ابن خزيمة (1119) وابن عدي والطبراني (10 /343 رقم 10668) ولم يروه عنه رأساً.
وتوبع قيس عند الترمذي (3419) من عمران بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ـ وتقدم الكلام فيه ـ والذي تابع ابن أبي ليلى حقاً هو (الحسنُ بن عمارة
…
البجلي الكوفي) ـ أحد المتروكين ـ عند ابن عدي ـ بإسناد لا يصح إليه ـ والبيهقي في "الدعوات"(69) بإسناد جيد إلى الحسن به.
فوائد:
الأولى: اختَلَف الحافظ الذهبي مع الحافظ ابن عدي ـ رحمهما الله ـ في الحديث الواحد لداود بن علي ـ الذي عناه ابن معين ـ وسيأتي كلامه الآن أثناء النقل من ترجمة داود من "تاريخ الإسلام".
قال الذهبي رحمه الله في وفيات (131: 140) من "تاريخ الإسلام"
(ص 412) ـ عقب قول يحيى بن معين: "أرجو أنه ليس يكذب، إنما يحدث بحديث واحد " ـ: " قلت: يعني: حديث آدم بن أبي إياس وعاصم بن علي عن قيس عن ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن أبيه عن ابن عباس، الحديث الطويل في الدعاء، تفرد به ابن أبي ليلى عنه ـ وليس بذاك ـ، وقيس (1) ـ وهو ضعيف ـ، لكنهما لا يحتملان هذا المتن المنكر، فالله أعلم.
وفي الخلفاء وآبائهم وأهلهم قوم أعرض أهل الجرح والتعديل عن كشف حالهم خوفاً من السيف والضرب، وما زال هذا في كل دولة قائمة يصف المؤرخ محاسنها ويُغضي عن مساوئها، هذا إذا كان المحدث ذا دين وخير، فإن كان مدَّاحاً مُداهناً لم يلتفت إلى الورع، بل ربما أخرج مساويء الكبير وهنّاته في هيئة المدح والمكارم والعظمة، فلا قوة إلا بالله.
وكان داود هذا من جبابرة الأمراء له هيبة ورواء، وعنده أدب وفصاحة، وقيل: كان قدرياً ".
* وقال الحافظ في "التقريب"(1812) : " مقبول، من السادسة، مات سنة ثلاث وثلاثين، وهو ابن اثنتين وخمسين ".
قلت: يعني أنه (لين الحديث) حيث تفرد، ولم يتابع.
(1) كذا، والأظهر أن يقول:" وعنه قيس ـ وهو ضعيف ـ " وقد علمت أن قيساً لم يتفرد به عن ابن أبي ليلى.
الثانية: وقفت لدواد بن علي ـ رحمهما الله ـ على حديثين أعضلهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسندهما عن أبيه عن جده.
فقد كنت علّقت ـ منذ زمان بعيد ـ في آخر ترجمته من "الكامل"(3 /959) بقولي: " روى الدارمي 1/35 من طريق الأوزاعي عنه قال: قيل: يا رسول الله ألا نحجبك، فقال: لا، دعوهم يطؤون عقبي وأطأ أعقابهم حتى يريحني الله منهم) أهـ.
كذا كتبتُ، لَعلّه مما يقرب من عشرين عاماً.
وتركت أشياء يسيرة مثل (علامة الاستفهام) بعد " ألا نحجبك ". ووضع الكلام النبوي بين أقواس هكذا "
…
".
ولعلي فعلتُ ذلك ذهولاً عن هذه الآداب أو استعجالاً، وإسناد هذا الحديث إلى الأوزاعي صحيح، وقد غلطتُ غلطاً آخر، فإن صواب الرقم (1/36) .
والحديث الثاني: أورده بعد الأول صاحب " بذل المساعي في جمع ما رواه الإمام الأوزاعي " ـ جزاه الله خيراً ـ في (قسم المراسيل) تحت (ما أرسله الأوزاعي عن داود بن علي) في (الرقمين 590، 590أ)، فقال:
" قال ابن شبّه (1) ـ رحمه الله تعالى ـ: حدثنا محمد بن مصعب، قال: حدثنا الأوزاعي، عن داود بن علي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم بموضع يقال له
(1) الصواب: " ابن شبّة " وقد تكررت في الحاشية إذ فيها: " رواه ابن شبّه في تاريخ المدينة المنورة 2 /539 " وقد يكون التقصير من الطباعة لا منه، عفا الله عنا أجمعين.
القارة فشرط بكسرة شفرة، فمر به عيينة بن بدر فقال له: يا محمد علام تعطي هذا الأعرابي يبطط جلدك؟
فقال: " إن هذا الحجم خير ما يُداوى به ".
وهذا ـ مع إعضاله ـ فيه محمد بن مصعب القرقساني، وهو ضعيف.
وقد روى قريباً منه أحمد في "مسنده"(5 /9، 15، 18، 19) والحاكم في "المستدرك"(4 /208 ـ 209) من طرق عن عبد الملك بن عمير، عن حصين ابن أبي الجر، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه وكذا الطبراني في "الكبير" (7 /185 ـ 186 رقم 6784: 6787) ، اختصره شعبة عن عبد الملك، وطَوَّله جماعة ورجاله كلهم ثقات.
ثم تبين لي أن النسائي رواه في "السنن الكبرى"(7596) من طريق داود الطائي رحمه الله عن عبد الملك به.
والآن أنتقل إلى آخر رجل في إسناد هذا الحديث، ألا وهو:
1 ـ علي بن عبد الله بن عباس:
هو (أبو محمد ـ ويقال: أبو عبد الله ـ علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم القرشي الهاشمي المدني نزيل (1) الشام) .
(1) هو لم ينزلها باختياره ولكن قهراً، قال الذهبي رحمه الله في آخر ترجمته من السير:(5 /253)" قلت: كان هو وأولاده قد خاف منهم هشام ـ (يعني ابن عبد الملك بن مروان) ـ فأسكنهم بالحميمة من البلقاء ".
والد محمد، وعيسى، وداود، وسليمان، وعبد الصمد، وإسماعيل، وصالح، وعبد الله بني عليِّ، ثقة متفق على توثيقه وفضله، روى له البخاري في "الأدب" وسائر الستة.
* قال البخاري رحمه الله في ترجمته من "التاريخ الكبير"(6 /282) : "علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي. ويقال: كنيته أبو عبد الله. حجازي، يحدث عن أبيه، روى عنه ابنه محمد والزهري ".
* وقال ابن سعد رحمه الله في "الطبقات الكبرى"(5 /229) :
"
…
وهو كندي (يعني: تبعاً لوالدته) ويكنى أبا محمد، ولد ليلة قتل علي ابن أبي طالب ـ رحمة الله عليه ـ في شهر رمضان سنة أربعين
…
".
(حتى قال) : " وكان علي بن عبد الله بن عباس أصغر ولد أبيه سناً، وكان أجمل قرشي على وجه الأرض وأوسمه، وأكثر صلاة، وكان يقال له: السَّجَّاد لعبادته وفضله
…
".
(حتى قال) : " وكان ثقة قليل الحديث ". وختم الترجمة بأن روى عن الواقدي قال:
" تُوُفي علي بن عبد الله بن عباس سنة ثماني عشرة ومائة " قال: " وقال أبو معشر وغيره: توفي بالشام سنة سبع عشرة ومائة ".
قلت: الأكثرون على قول الواقدي، وهو الذي رجَّحه ابن حبان والذهبي والحافظ ـ رحمهم الله تعالى ـ.
* وقال ابن أبي حاتم ـ رحمهما الله ـ في "الجرح والتعديل"
(6 /192) :
" علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي حجازي وكنيته أبو عبد الله روى عن أبيه. روى عنه بنوه: عبد الصمد، وسليمان، ومحمد، سمعت أبي يقول ذلك ".
(ثم قال) : " سئل أبو زرعة عن علي بن عبد الله بن عباس، فقال: مديني ثقة ".
* وقال العجلي رحمه الله: " تابعي ثقة " كما في " ترتيب معرفة الثقات "(1305) .
* وقال ابن حبان في "الثقات"(5 /160) :
"
…
كنيته أبو محمد، وقد قيل: أبو عبد الله، ولد ليلة قتل علي بن أبي طالب فَسُمِّي باسمه، يروي عن أبيه، روى عنه الزهري وابنه محمد بن علي، وكان من العُبَّاد يصلي في كل يوم ألف ركعة، وكان يخضب بالوسمة، مات بالشام سنة ثمان عشرة ومائة، وقد قيل: سنة أربع عشرة ومائة، وقد قيل: سنة سبع عشرة ومائة، أمه زرعة بنت مشرح بن معديكرب ".
(وقال) في "مشاهير علماء الأمصار"(437) :
"
…
أبو محمد، ولد ليلة قتل علي بن أبي طالب فسُمِّيَ باسمه، وكان من عباد أهل المدينة وصالحي بني هاشم، كان يصلي في كل يوم ألف ركعة، مات بالشام سنة ثماني عشرة ومائة ".
قلت: أما صلاته في كل يوم ألف ركعة، فصحيح ثابتٌ عنه رواه عنه علي ابن أبي حملة وجماعة ـ وكان ابن أبي حملة قد أدركه ـ كما في
"تاريخ دمشق"(43/48 ـ 49)، وفيه رد على قول الهيثمي رحمه الله في "المجمع" (2/258) : رواه الطبراني في الكبير وإسناده منقطع.
ورُوي في تفصيل هذه الركعات قصة طريفة، فعند ابن عساكر أيضاً من طريق يعقوب بن شيبة حدثني صاحبنا أحمد بن أبي موسى، نا محمد بن يحيى الأزدي، نا هشام بن سفيان، عن ابن المبارك، قال:" كان لعلي بن عبد الله بن عباس خمسمائة أصل شجرة، فكان يصلي كل يوم إلى شجرة ركعتين ".
وهذا إسناد منقطع، ابن المبارك رحمه الله ولد في السنة التي مات فيها علي بن عبد الله ـ سنة 118 ـ (لِلَّهِ) وشيخ يعقوب بن شيبة لم أهتد إليه الآن.
وأما وصفه بأنه كان يخضب بالوسمة، فروى ابن عساكر أيضاً من طريق أبي بكر محمد بن الحسين بن شهريار، أنا أبو حفص الفلاس، حدثني ميمون بن زياد العدوي، نا أبو سنان، قال:" كان علي بن عبد الله بن عباس معنا بالشام، وكانت له لحية طويلة، وكان يخضب بالوسمة، وكان يصلي كل يوم ألف ركعة". وابن شهريار مختلفٌ فيه، وشيخ الفلاس لم أهتد إليه.
هذا وقد ترجم له الذهبي رحمه الله في موضعين من "السير"(2 /252 ـ 253 رقم 116) و (5 /284 ـ 285 رقم 134) وذكر فيهما أشياء لا تصح بصيغة الجزم، ذكرتُ بعضها.
ومنها
قوله: " قال علي بن أبي حملة: دخلت على علي بن عبد الله، وكان جسيماً آدم، ورأيت له مسجداً كبيراً في وجهه ".
وهذا في "تاريخ دمشق"(43 /49) بزيادة: "
…
داره بدمشق
…
" وفي إسناده أحمد بن مروان الدينوري، رماه الدارقطني بالوضع، وهو صاحب كتاب "المجالسة".
* وأختم بترجمة هذا الرجل الصالح من "التقريب"(4795) حيث قال الحافظ رحمه الله:
"
…
أبو محمد، ثقة عابد، من الثالثة، مات سنة ثماني (1) عشرة على الصحيح ".
والآن، أستعرض كلام العلماء والباحثين في طرق هذا الحديث، كل طريق على حدة بإذن الله.
* طريق الطبراني في "الكبير" عن الحسن بن العباس الرازي عن أحمد بن أبي سريج الرازي عن علي بن حفص المدائني عن عبيد المكتب الكوفي عن عكرمة عن ابن عباس.
2 ـ قال الهيثمي رحمه الله في "مجمع الزوائد"(10 /201) : " رواه
(1) وضع محقق "التقريب" ـ جزاه الله خيراً ـ ثماني عشرة بين حاصرتين وقال: " كذا في (المخطوطة) ، وهو الصواب. وفي أكثر النسخ المطبوعة: " ثمان عشرة " أهـ فاقتنِ "التقريب" بتحقيق هذا المحقق البارع الذي بذل جهداً يُحمد له في إثبات الراجح في كل ترجمة من الكتاب، أجزل الله له المثوبة على خدمة العلم والسنة، لكن لا تركن إلى جميع ما فيه، ففيه أنساب لم يحررها المحقق ـ عفا الله عنه ـ كالخلط بين (البصري) و (المصري) .
الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" ـ باختصار ـ، وأحد أسانيد "الكبير" رجاله ثقات، وله السياق " يعني: هذا.
3 ـ وقال العراقي رحمه الله في " المغني عن حمل الأسفار في الأسفار "(3644)(وقد أورده الغزالي رحمه الله في "الإحياء" (4 /44) بلفظ: وفي الخبر: " لابد للمؤمن من ذنب يأتيه الفينة بعد الفينة ") : " الطبراني والبيهقي في "الشعب" من حديث ابن عباس بأسانيد حسنة ".
4 ـ والحديث مرموز له في "الجامع الصغير" بالرمز (ح) أي: حسن، قال المناوي في "فيض القدير" (5 /491) :" قال الهيثمي: أحد إسناد (كذا والصواب: إسنادي) الكبير رجاله ثقات ".
5 ـ وقال أحمد بن محمد بن الصديق الغماري ـ عليه من الله ما يستحق ـ في "المداوي"(5 /528) : " لم يتعرض الشارح لذكر مخرج آخر لهذا الحديث مع أنه مخرج أيضاً في مسند الشهاب للقضاعي الذي اختصرة الشارح ورتب أحاديثه، قال القضاعي: أخبرنا أبو علي الحسن بن خلف الواسطي
…
" فساق الإسناد الذي فيه (عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني) ـ الوضَّاع كما تقدم ـ وأعله في مكان آخر بغيره كما سيأتي.
6 ـ وقال الغماري ـ عليه من الله ما يستحق ـ في "فتح الوهّاب"(2 /63) : " محمد بن سليمان الخزاز ضعيف. لكن رواه الطبراني في
الكبير والأوسط من حديثه أيضاً (يعني: ابن عباس) بأسانيد أحدها في الكبير رجاله ثقات كما قال الحافظ الهيثمي ".
7 ـ وقال حمدي السلفي في حاشية "فتح الوهاب": " رواه الطبراني في الكبير (11810) بإسناد رجاله ثقات
…
".
(وقال) في حاشية "مسند الشهاب"(2 /24) : " ورواه الطبراني في الكبير (11810) من طريق آخر عن ابن عباس ورجاله ثقات كما في المجمع (10/201) ولذا صحَّحَه شيخنا
…
".
قلت: لم يُصَحِّحْه الشيخ الألباني لقول الهيثمي ـ بمجرده ـ بل إنه نظر بنفسه في إسناده وأداه اجتهاده إلى تصحيحه كما يأتي.
7 ـ وقال محقق "شعب الإيمان"(12 /435 الطبعة السلفية) : بعد ذكر الرمز لحسنه وعزو المناوي أيضاً للأوسط ـ: " وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (10 /201) : رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" وأحد إسنادي "الكبير" رجاله ثقات، وقال الألباني: صحيح (صحيح الجامع الصغير)(5611) .
8 ـ وقال الألباني رحمه الله في "صحيح الجامع الصغير"(5 /172) عند الحديث (5611) : " صحيح "، وأحال على "الصحيحة" (2277) وقال في "الصحيحة" (2276) ـ بعد أن ساق إسناده ـ:" قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات رجال "الصحيح"، غير الحسن بن العباس الرازي، وهو ثقة، كما قال الخطيب (7 /397) مات سنة تسع وثمانين ومائتين، والظاهر أنه قد توبع فقد قال الهيثمي
في "المجمع"(10 /201)
…
" فذكره، ثم قال الشيخ: "أقول: فإني لم أره في ترجمة الرازي هذا من "الأوسط"، والله أعلم ".
قلت: لم يروه الطبراني ـ بهذا الإسناد ـ إلا في "الكبير"، وما أحراه أن يكون مروياً ـ به ـ في "الأوسط" الذي ضمّنه غرائب شيوخه، فإنه ينطبق عليه أنه (لم يروه عن عبيد المكتب عن عكرمة إلا علي بن حفص المدائني) وأنه (تفرد به أحمد بن أبي سريج الرازي) وأنه (لم يروه بهذا الإسناد إلا الحسن بن العباس الرازي) ، والله أعلم وأَجَلُّ وأكرم.
أما كون (رجاله رجال الصحيح) فالحق أنه ملفق من رجالهما، فأحمد بن
أبي سريج وعكرمة من أفراد البخاري، وعلي بن حفص وعبيد المكتب من أفراد مسلم، والله المستعان.
9 ـ وقال قاسم بن صالح القاسم ـ محقق " المطالب العالية المسندة " ـ (رقم 3264) : " وذكره الهيثمي في المجمع
…
" حتى قال: " وذكره الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة (5 /346)، وقال: هذا إسناد صحيح. قلت: إسناده حسن لحال علي بن حفص، قال الحافظ: صدوق (التقريب ص 400)
…
".
تعقيب:
أـ وجدنا الكثيرين تابعوا الهيثمي على قوله " رجاله ثقات " بدون أن يدرسوا هذا الإسناد بأنفسهم، فكم من إسناد مجزوم بضعفه، قال فيه هذه العبارة.
ب ـ لم نَرَ أحداً بحث: هل عبيد المكتب له رواية عن عكرمة أم لا؟
جـ ـ لم نَرَ أحداً بحث: هل خولف أحد رجال هذا الإسناد أم لا؟
مسألة:
هل يجوز أن يتفرد الطبراني رحمه الله في أحد "معاجمه" بحديث صحيح الإسناد، يفوت الأئمة الستة جميعاً، وأحمد في "مسنده"، والصحاح المشهورة؟
الجواب ـ بحول الله العليِّ العظيم ـ:
قال الحافظ الكبير ابن رجب الحنبلي رحمه الله في "شرح علل الترمذي" ـ عند الكلام عن الحديث الغريب الذي هو ضد المشهور ـ (ص 300 ـ 301 بتحقيق صبحي السامرائي) : " قال أبو بكر الخطيب: أكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب عليهم كَتْبُ الغريب دون المشهور، وسماع المنكر دون المعروف، والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ من رواية المجروحين والضعفاء حتى لقد صار الصحيح عند أكثرهم مجتَنَباً، والثابت مصدوفاً عنه مطرحاً، وذلك لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم، ونقصان علمهم بالتمييز وزهدهم في تعلمه، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين والأعلام من أسلافنا الماضين.
وهذا الذي ذكره الخطيب حق، ونجد كثيراً ممن ينتسب إلى الحديث لا يُعْنَى بالأصول الصحاح كالكتب الستة ونحوها، ويُعْنَى بالأجزاء الغريبة، وبمثل مسند البزار، ومعاجم الطبراني، وأفراد الدارقطني وهي مجمع الغرائب والمناكير ".
قلت: فإذا وجدتَ حديثاً في أحد "المعاجم" الثلاثة، رجاله كلهم ثقات أو صدوقون، فلا تتسرع بالحكم عليه بالصحة أو الثبوت، إذ لابد أن تجد فيه خللاً ما، من إعلال، أو شذوذ، أو عدم اشتهار بعضهم بالرواية عن بعض.
وقد يجتمع فيه الأمران جميعاً ـ كما في حديثنا هذا ـ المخالفةُ في الإسناد وانتفاءُ الرواية.
وليس هذا خاصاً بالطبراني وحده، و"مسند البزار"، و"أفراد الدارقطني"، فإنما ذكرها الإمام ابن رجب على سبيل التمثيل بقوله: " وبمثل مسند البزار
…
".
أما البزار فقد سمى كتابه " المسند المعلل " فهو يشبه في معناه " علل ابن أبي حاتم " و" علل الدارقطني "، وفي الغالب يكون الوجه الراجح هو الوجه المرسل، أو الموقوف أو الذي فيه راوٍ مبهم أو ضعيف التبس اسمه باسم ثقة
…
إلخ.
نعم، لا تعدم أن تجد فيه حديثاً معلاًّ بالوقف على صحابي، فإن صح الإسناد فيكون أثراً صحيحاً، أو بالإرسال عن كبار التابعين الذين لايُسندون إلا عن أهل الثقة والصدق، أو لايروون إلا عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كسعيد ابن المسيب، وأبي أمامة بن سهل بن حنيف، ونحوهما فتكون لهم مكانة متميزة في الاحتجاج أو الاعتبار.
* طريق البخاري، عن أحمد بن الصباح الرازي، عن علي بن حفص، عن عتبة بن عمرو المكتب، عن عكرمة، عن ابن عباس.
لم أَرَ أحداً ـ في جميع من تعرضوا لهذا المتن ـ أورده، أو تكلم عليه أو تفطن له، والحق أن "التاريخ الكبير" و"تاريخ أبي زرعة الدمشقي" و"تاريخ الدوري" و"تاريخ ابن أبي خيثمة" وغيرها؛ فيها كنوز خفية لا يتفطن لها الكثيرون فـ (في الزوايا خبايا) .
نعم، "التاريخ الكبير" ليس له كبير فائدة عاجلة للمبتدئين ـ فقط ـ أما مطلقاً، فلا.
* طريق محمد بن سليمان بن بزيع عن مصعب بن المقدام عن أبي معاذ عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
1 ـ أشار إليه الهيثمي، ولم يعلق عليه.
2 ـ قال العراقي: " الطبراني والبيهقي في "الشعب" من حديث ابن عباس بأسانيد حسنة " والبيهقي إنما رواه بإسناد واحد، فيكون العراقي حسَّنه أيضاً.
3 ـ قال الغماري ـ عليه من الله ما يستحق ـ في "فتح الوهاب"(2 /63) :
" ومحمد بن سليمان الخزاز ضعيف
…
"، ولم يدرك أن الراوي عنه يضع الحديث، وأن أحد الثقات خالفوه، فسموا هذا الشيخ:(محمد بن سليمان بن بزيع) كما أنه أعرض عن سائر
العلل أو لم يتفطن لها، لاسيما وأبو معاذ جزم الطبراني بأنه:(سليمان بن أرقم) .
(وقال) في "المداوي": " لم يتعرض الشارح لذكر مخرج آخر لهذا الحديث
مع أنه مخرج أيضاً في مسند الشهاب للقضاعي
…
" وأورد إسناده كله.
مع أن إسناد الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" والأصبهاني في "الترغيب" ليس فيه (عبد الله بن محمد بن جعفر) ، بل إسناد عبد بن حميد والبيهقي في "الشعب" ـ على وهائه ـ أمثلُ من إسنادٍ فيه وضّاع وضعيف (لِلَّهِ) إن كان الخزاز الذي زعم ذاك الوضاع أنه سمعه منه غير ابن بزيع (لِلَّهِ) ، كما قدمت بتفصيل أوضح.
4 ـ وقال حمدي السلفي في حاشية "فتح الوهاب": " رواه الطبراني في الكبير
…
وفي الأوسط (ص 460 مجمع البحرين) بإسنادين آخرين "، ولم يتفطن أن أحد الإسنادين الآخرين هو طريق أصح لنفس حديث القضاعي، ولم يحكم عليه.
(وقال) في حاشية "مسند الشهاب"(2 /24) : " عبد الله بن محمد بن جعفر، اتُّهم بوضع الحديث، ومحمد بن سليمان الخزاز ضعيف، ومصعب بن المقدام صدوق له أوهام، ورواه الطبراني في الأوسط (460 مجمع البحرين) من طريق سليمان بن بزيع الكوفي عن مصعب به، وسليمان منكر الحديث ".
وتقدم ما في كلامه من الوهم، وأن الصواب في اسم الراوي (محمد
بن سليمان بن بزيع الكوفي) وأن (سليمان بن بزيع) الذي وُصِف بهذا الوصف (إسكندراني) ، وليس كوفياً.
5 ـ وقال قاسم بن صالح القاسم ـ محقق "المطالب العالية" ـ:
" وإسناده ضعيف لحال مصعب بن المقدام، قال الحافظ: صدوق له أوهام (التقريب ص 533) ، وأبو معاذ إما هو فضيل بن ميسرة البصري وهو صدوق، أو سليمان بن أرقم البصري، وهو ضعيف (التقريب ص 448، 250) " أهـ. ولم يتعرض للراوي عن مصعب بن المقدام.
6 ـ وقال أيمن بن صالح في حاشية "الترغيب والترهيب" لأبي القاسم التيمي الأصبهاني (1/76) : " رجاله ثقات قال (الصواب: قاله) الهيثمي في المجمع (10/201) وعزاه للطبراني في الكبير والأوسط، وخّرجه الطبراني في الكبير 12/56 عن شيخه محمد بن علي بن مهدي العطار
…
".
ولم يتفطن المسكين أنه ليس هو الإسناد الذي قال فيه الهيثمي " رجاله ثقات" ـ مع أنه عزاه إلى موضعه في " المعجم الكبير " ـ، وأن الهيثمي لم يعقب على هذا الإسناد أصلاً!
7 ـ واستدل العلامة الألباني رحمه الله على أن شيخ الطبراني ـ في الإسناد الأول ـ قد توبع، بكلام الهيثمي، لكنه لم يهتد إلى موضعه في "الكبير" ـ فيما يظهر ـ على العكس من المسكين المذكور.
* طريق عبد الله بن دكين، عن قيس الماصر، عن داود البصري عن ابن عباس.
1 ـ قال الحافظ العراقي رحمه الله: " الطبراني والبيهقي في "الشعب" من حديث ابن عباس، بأسانيد حسنة "، ولم يروه البيهقي في "الشعب" إلا بهذا الإسناد.
2 ـ وقال الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي رحمه الله في حاشية "المطالب العالية"(3 /198) : " قال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط باختصار، وأحد أسانيد الكبير رجاله ثقات وله السياق (10/201) قلت: سياقه قريب من سياق الكتاب، وسكت على إسناده البوصيري (3 /103) " أهـ.
3 ـ وقال محقق "الشعب"(12 /434 ـ 435) في الحاشية: " إسناده لا بأس به، قيس الماصر ـ هو قيس بن أبي مسلم العجلي الماصري
…
" إلخ " داود البصري أبو سليمان الوراق. مقبول، من السادسة، وقيل إنه داود بن أبي هند ولم يصح ذلك (دس)
…
".
قلت: ولم يتعرض لـ (عبد الله بن دكين الكوفي) ، وقدمتُ ما في حُكْمِهِ على هذا الإسناد من النظر، بما يغني عن الإعادة.
4 ـ وقال الشيخ مصطفى بن العدوي ـ حفظه الله ـ في حاشية "المنتخب من المسند"(1 /570) ـ كما تقدم ـ: " في هذا الإسناد
عبد الله (1) بن دكين صدوق يخطيء، ولم نقف له على رواية عن قيس هذا، وقيس هذا لم نعرفه، ولم نقف لداود البصري على رواية عن ابن عباس " أهـ.
وقدمتُ التعقيب على هذا عند الترجمة لرجال هذا الإسناد.
5 ـ وقال قاسم بن صالح القاسم في حاشية "المطالب العالية":
" هذا الحديث في سنده عبد الله بن دكين وهو ضعيف، وفيه داود البصري لم أُميّزْه، لذا أتوقف في الحكم عليه ".
* طريق عتبة بن يقظان الراسبي، عن داود بن علي بن عبد الله بن عباس، عن أبيه عن جده.
1 ـ أورده ابن عدي في ترجمة (داود بن علي) ـ رحمهما الله ـ من "الكامل"(3 /958) في معرض الاستدراك على إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين رحمه الله في جَزْمه بأن داود رحمه الله (إنما يحدِّث بحديث واحد) ، ولم يعقب على هذا الحديث ولا غيره باستنكار، بل ذهب إلى أن داود:" لا بأس برواياته، عن أبيه، عن جده "، ولو قيَّد هذا الإطلاق بقوله: " إن كان دُونَه
ثقة" أو نحو ذلك، لكان أصوب.
2 ـ قال أبو نعيم في "الحلية"(3 /211) : " هذا حديث غريب من
(1) وقع تصحيف عجيب جداً في المطبوع من "المنتخب"(دار الأرقم بالكويت) إذ جاء الاسم هكذا (عبد ?) زادهم الله حرصاً.
حديث داود بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده، لا أعلم أحداً رواه غير ابن نمير، عن عتبة عنه "، وقد تقدم.
3 ـ وقال قاسم بن صالح في حاشية "المطالب" ـ عقب قول أبي نعيم ـ:
" قلت: سنده ضعيف، فيه عتبة بن يقظان، قال الحافظ: ضعيف، وفيه داود بن علي قال الحافظ: مقبول (التقريب ص 381، 199) " أهـ.
تعقيب على هذا الحديث:
في متن هذا الحديث: " ما من عبد مؤمن، إلا وله ذَنبٌ يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مُفَتَّنَاً توَّاباً نَسَّاءً، إذا ذُكِّرَ ذَكَرَ ".
ألفاظٌ ومعان يأباها القلب، ويستنكر صحتها، فضلاً عن صدورها عن المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.
فإن: " ما من كذا، إلا
…
" من صيغ الحَصْر عند أهل اللغة، مثل كلمة التوحيد سواءً بسواء (لا إله إلا الله) .
قال تعالى: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} [المائدة: 73] .
{مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [هود: 56] .
وقال تعالى: {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [يونس: 3] .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما منكم من أحدٍ، إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان
…
" الحديث متفق عليه عن عدي بن حاتم رضي الله عنه.
فهل حقاً لا يوجد عبد مؤمن مُنذ خَلَقَ اللهُ آدم عليه السلام حتى تقوم الساعة إلا وله ذَنْبٌ قد اعتاد إتيانَهُ الحينَ بعد الحينِ؟!
أو ذنبٌ ـ وهذه أعظم ـ هو مقيمٌ عليه ومُصِرٌّ على مواقعته، لا يَفرِقُ بينه وبين مقارفته إلا الموت؟!
وهل هذه الصفة من خصائص ولوازم الإيمان الذي هو أعلى مرتبةً من الإسلام ودون الإحسان؟
لقد وجدتُ كثيراً من الحفاظ والأئمة يعتنون بتفسير لفظة (الفَيْنة بعد الفَيْنة) بأنها (الحين بعد الحين)، منهم: أبو القاسم التيمي، والديلمي، والبيهقي، دون أن يتعرضوا لأول الحديث لإزاحة هذا الاستشكال.
بل أن قِوَامَ السُّنَّة أبا القاسم التيمي رحمه الله لم يورده في أبواب (التوبة والاستغفار) من "ترغيبه" كما فعل أكثرُ من وقفتُ عليه من العلماء، بل أورده في الباب الأول (الإيمان)(فصل في صفة الإيمان والمؤمنين) ، فأورد أحاديث فيها صفات (الصبر) و (السماحة) و (حسن الخلق) و (أن تسرك حسنتك
…
وتسوءك سيئتك) .
وحديث: " كيف أصبحت يا حارثة؟ " ـ على ضعفه هو وغيره ـ ونحو ذلك من الصفات الطيبه الصالحة، حتى ختم الفصل بهذا الحديث (رقم 26) وقال ـ عقبه ـ:
" الفينة بعد الفينة، أي: الوقت بعد الوقت، والساعة بعد الساعة ".
ولعله آثر لفظ حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس، لأنه ليس فيه هذه اللفظة الشنعاء:" أو ذنب هو مقيم عليه، لا يفارقه حتى يفارق الدنيا " الواقعة في أصح أسانيده ظاهراً والتي لم تقع إلا في " المعجم الكبير " للطبراني ـ عفا الله
عنه ـ ولعله لو كان لفظه:
" ما من عبد مسلم إلا وله ذنب " لكان أهون، كما لو كان اللفظ: " ما من عبد مُحسن
…
" لكان أشنع، لما في مدلول مرتبة " الإحسان " من المراقبة الدائمة للحي القيوم الذي (لا يعزُبُ عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض)
مع علمي بأن (الإسلام) و (الإيمان) لو أُفرد كل منهما بالذكر لترادفا، ولو اجتمعا ـ كما في حديث جبريل ـ لتغايرا.
فبالله: أكان أبو بكر، أو عمر، أو عثمان، أو علي هكذا؟ أو يظن بهم ذلك؟
وكذلك طلحة، والزبير، وسعد، وسائر العشرة.
أكان ابن عمر، وابن عمرو، وابن عباس، وابن مسعود هكذا؟ أو يظن بأحدهم ذلك؟
أكان سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والأسود بن يزيد، وعلقمة، ومسروق، والربيع بن خثيم هكذا؟
أليس كل هؤلاء مؤمنين أم ماذا؟
إني أخاف أن يُحَرّض هذا الحديثُ المنكرُ على عدم ترك الاعتياد على الذنوب، بل الإصرار عليها بحجة أن هذا لا ينافي الاتصاف بالإيمان، بل بحجة أن أحد كبار الأئمة يرى أنه (من صفات الإيمان والمؤمنين) .
ولقد أحسن الحافظ المنذري رحمه الله صُنعاً إذ لم أجد لهذا الحديث عنده أثرٌ في كتابه القيم "الترغيب والترهيب" ـ على كثرة ما فيه من الواهيات ـ ولا يخفى على مثله هذا الحديث وجَوْدَةِ إسناده في الظاهر!!
فإن قال قائل: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: " كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين
التوابون "؟ ، و (كل) أيضاً من صيغ العموم؟
قلت له: نِسْبَةُ هذا الحديث إليه صلى الله عليه وسلم غلطٌ عليه، فقد استنكره ابن حبان، وابن عدي، وأبو أحمد الحاكم رحمهم الله وإنما هو من الإسرائيليات كما رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عنها.
وإنما الثابت قول ابن عمر رضي الله عنهما: " كل ابن آدم خطَّاء ـ وفي رواية: ابن آدم خلق خطّاء ـ إلا ما رحم الله عز وجل ".
ولابد من هذا الاستثناء لأن الصالحين والصديقين من الصحابة وتابعيهم بإحسان ليسوا كذلك، وإنما الذنوب واقعة من أهل الإسلام في الجملة، وما أجمل قوله صلى الله عليه وسلم الدال على هذا المعنى ـ:" لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقاً يذنبون، يغفر لهم "، وفي اللفظ الآخر:" والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون، فيستغفرون الله فيغفر لهم " رواهما مسلم عن أبي أيوب وأبي هريرة.
هذا ما بدا لي، ولم يتيسر لي أن أستشير أحداً من أهل العلم، إلا أخاً واحداً حبيباً إلى نفسي أقرَّني على هذا الفهم، وإني بانتظار من عنده جديد في المسألة.
اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقه وجِلَّه، وأوله وآخره، وعلانيته وسره.
اللهم اغفر لي جدي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي.
اللهم اغفر لي ما قدَّمتُ، وما أخَّرْتُ، وما أسرَرْتُ، وما أعلَنْتُ، وما أسرَفْتُ، وما أنت أعلم به مني، أَنْتَ المُقَدِّمُ، وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. آمين
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله.