المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3ـ طريق داود البصري عن ابن عباس: - أحاديث ومرويات في الميزان ٢ - حديث الفينة

[محمد عمرو بن عبد اللطيف]

الفصل: ‌3ـ طريق داود البصري عن ابن عباس:

وأكثر المصادر تجويداً لترجمته: "الطبقات الكبرى" و"حلية الأولياء" و"السير" و"تهذيب الكمال"، وهو من خواص أصحاب عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ومن المقدمين فيه مع مجاهد، وعطاء، وطاووس، وعكرمة.

وقدمه بعضهم على طاووس ـ رحمهم الله تعالى جميعاً بما بذلوا للإسلام والسنة ـ.

والآن أنتقل بحول الله وقوته إلى طريق أخرى.

‌3ـ طريق داود البصري عن ابن عباس:

قال عبد بن حميد رحمه الله في "المنتخب من المسند"(673) :

" أخبرنا يزيد بن هارون أنا عبد الله بن دكين، ثنا قيس الماصر، ثنا داود البصري عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن لكل مؤمن ذنباً قد اعتاده الفينة بعد (1) الفينة أو ذنباً ليس بتاركه حتى يموت أو تقوم

(1) لفظة " بعد الفينة " ليست في "المنتخب" المطبوع. واستدركتها من " المطالب العالية "(النسخة المسندة)(رقم 3576) و"المطالب" ـ غير المسند ـ رقم (3246) .

ص: 109

عليه الساعة، إن المؤمن خلق مذنباً مفتناً خطاءً نسياً (1) ، فإن (2) ذُكرِّ ذَكَرَ ".

ورواه البيهقي في "شعب الإيمان"(12/434 ـ 435 رقم 6722 ط. الدار السلفية بالهند) من طريق يحيى بن يحيى أخبرنا عبد الله بن دكين، عن قيس الماصر، عن داود البصري، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

".

ومن طريق موسى بن إسماعيل، حدثنا عبد الله بن الدكين، قال: سمعت قيساً يحدث عن داود البصري ـ وليس بابن أبي هند ـ عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن للمؤمن ذنباً قد اعتاده الفينة بعد الفينة وذنباً (3) ليس بتاركه حتى يموت أو تقوم الساعة، إن المؤمن خُلِق مذنباً خطَّاءً نَسَّاءً، إذا ذُكرِّ ذَكَرَ ".

قال البيهقي: " وفي رواية يحيى: (إن لكل مؤمن) ، وزاد: (مُفَتَّنَاً خَطَّاءً) ".

قلت: وهذا إسناد ضعيف جداً، كما سيتبين من الترجمة لرجاله بحول الله وقوته.

(1) في "المنتخب": " نساء " وفي "المطالب" و"الإتحاف" كما أثبتُّ.

(2)

فيه " فإذا " والتصويب من "المطالب".

(3)

كذا في طبعتي "الشعب" بالواو، وقد وقع في طبعة دار الكتب العلمية (7124) عدة تحرفات في الإسناد هي:(عن قيس الماضي عن داود النصري) وفي الطريق الأخرى: (عن داود البصري، وليس بأبي هند) مما دعاني إلى ترك الاعتماد عليها، ولاشك أن الطبعة الهندية أتقن وأصوب.

ص: 110

تراجم رجال هذا الإسناد:

1ـ يزيد، شيخ عبد بن حميد ـ رحمهما الله تعالى ـ.

هو (أبو خالد يزيد بن هارون بن زاذي ـ ويقال: زادان ـ بن ثابت السمكي

ـ مولاهم ـ الواسطي) .

* قال الحافظ الذهبي رحمه الله في "تذكرة الحفاظ"(1)(1/317) : "الحافظ القدوة شيخ الإسلام ".

وقال أثناء الترجمة: " وروى أحمد بن زهير عن أبيه (يعني: أبا خيثمة زهير ابن حرب) قال: (كان يُعاب على يزيد حيث ذهب بصره أنه ربما سئل عن حديث لا يعرفه، فيأمر جارية له فتُحَفِّظُهُ إياه من كتابه) . قلت: ما بهذا من بأس، فيزيد حجة حافظ بلا مثنوية ".

وزاد إيضاحاً في "السير"(9 /363)، فقال:" ما بهذا الفعل بأس مع أمانة من يُلَقِّنهُ ويزيد حجة بلا مثنوية ".

ثم وجدت الخطيب يقول في "تاريخه"(14/339) ـ عقب هذا القول ـ: " قلت: قد وصف غير واحد من الأئمة حفظ يزيد بن هارون كان (2) لحديثه وضبطه له، ولعله ساء حفظه لما كف بصره، وعلتْ سِنُّه، فكان يستثبت جاريته فيما شك فيه، ويأمرها بمطالعة كتابه لذلك ".

(1) ونحوه في أول ترجمته من "السير"(9/358) .

(2)

(كذا) وتكررت في "تاريخ بغداد"(16/495) تحقيق د. بشار عواد معروف. ولا أدري وجهها وظني أنها زيادة مقحمة لا معنى لها.

ص: 111

* وقال الحافظ رحمه الله في "التقريب"(7842) : " يزيد بن هارون بن زاذان (1) السلمي مولاهم، أبو خالد الواسطي، ثقة متقن عابد، من التاسعة، مات سنة ست ومائتين، وقد قارب التسعين ".

قلت: وأمره رحمه الله في الحفظ والإتقان والجلالة والتأله لا يحتاج إلى

إغراق في هذا المقام، بل يتلمس في مظانه لمن شاء، ولا شك أن تفرده عن ذاك الواهي ـ الآتي قريباً ـ محتملٌ بداهةً ـ وإن كان كوفياً ـ، فكيف وقد تابعه عند البيهقي في " الشعب " الحافظان الثبتان: يحيى بن يحيى التميمي النيسابوري، وأبو سلمة موسى بن إسماعيل المِنْقَريّ البصري؟ والطريف أنه ليس فيهم كوفي أيضاً!

2ـ عبد الله بن دكين:

هو (أبو (2) عُمَر عبد الله بن دكين الكوفي نَزيل بغداد) .

وهو مختلف فيه، ولكن كل من صح عنه أو نُسِب إليه أنه وثقه أو قوَّاه، إما أنه قد صح عنه أيضاً أنه ضعفه أو وهَّاه، أو كان القول بتوثيقه بلاغاً لايثبت أو وَهَماً وغلطاً عليه

(1) كذا جزم الحافظ في "التقريب" على الرغم من كونه ذكر هذا الاسم بصيغة التمريض في "تهذيب التهذيب"(11/366) وكذا فعل المزي. والقرائن كثيرة على صحة هذا الاسم لجده، أعني:"زاذي".

(2)

جاءت هذه الكنية في بعض المصادر ـ خطأً ـ: " أبا عمرو ".

ص: 112

وبيانه كالآتي:

* قال الآجري رحمه الله في "سؤلاته"(1917) : سألت أبا داود عن عبد الله بن دكين، فقال: بلغني عن أحمد أنه وثقه ".

وهذا بلاغٌ لا يُحتج به، وما أحمد رحمه الله بالذي يجازف بإطلاق توثيق مثله، أو تخفى عليه المناكير التي أتى بها على قلة حديثه.

وقد بحثت فيما تيسر من كتب "السؤالات" وغيرها التي تعتني بنقل أقوال أحمد في الرجال ك "بحر الدم" فلم أقف على أثر لهذا التوثيق ولا غيره، ويلاحظ أيضاً أن أبا داود رحمه الله لم يصدر في هذا الرجل برأي حاسم منه.

* وقال عباس بن محمد الدوري رحمه الله في "تاريخه"(3/392 رقم 1907، 1908) : " سمعت (1) يحيى يقول: عبد الله بن بكير، كوفي يروي عنه

يعلى وأبو نعيم، ليس به بأس، وعبد الله بن دكين كوفي ليس به بأس ".

وفصَّل في الرجلين بصورة أكبر في موضع آخر، قال الدوري (3 /404 رقم 1965، 1966) : " سمعت يحيى يقول: عبد الله بن بكير الغنوي، لا بأس به، سمع منه الفضل بن دكين، وحسين الأشقر، وعبد الله بن دكين، كوفي، وهو ثقة ليس به بأس.

قلت ليحيى: عبد الله بن دكين هذا بينه وبين أبي نعيم قرابة؟ قال: لا ".

(1) حرصت على إيراد الترجمتين ـ مع عدم الاحتياج إلى الأولى في هذا الموضع ـ للإتيان بالنص كاملاً من أوله.

ص: 113

أي لأن أبا نعيم رحمه الله اسمه (الفضل بن دكين) .

وحكى جماعة عن يحيى بن معين غير ذلك:

قال إسحاق بن منصور عنه: " عبد الله بن دكين ضعيف الحديث ". كما في ترجمته من

"الجرح والتعديل"(5 /48ـ 49) .

وقال أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز البغدادي في "معرفة الرجال"(1/57 رقم 59) : " وسمعت يحيى بن معين يقول: عبد الله بن دكين، ليس بثقة " وذكر بعده: (عمرو بن شمر) و (حارثة بن محمد بن أبي الرجال) و (أبا المقدام هشام بن أبي هشام) ـ وهو (هشام بن زياد المدني) ـ، ووصفهم بنفس الوصف.

وكل هؤلاء متروكون عند أهل العلم.

وقال أحمد بن أبي يحيى الأنماطي: " سمعت يحيى بن معين يقول: عبد الله بن دكين ليس بشيء، يروي عنه أبو نعيم " كما في "الكامل"(4 /1542) .

والأنماطي كذبه إبراهيم بن أورمة الأصبهاني، وقال ابن عدي: " له غير

حديث منكر عن الثقات".

وفيما تقدم غنية، ومعنى ما حكاه ثابت عن ابن معين في رواية ابن محرز.

* وقال البرذعي في "سؤالاته لأبي زرعة الرازي"(2/356) : " قلت: عبد الله بن دكين؟ قال: ضعيف الحديث ".

ص: 114

وعنه الخطيب في ترجمته من "تاريخ بغداد"(9/452ـ 453) .

* وقال ابن أبي حاتم في "الجرح"(5/49) : " سئل أبي عن عبد الله بن دكين، فقال: منكر الحديث، ضعيف الحديث، روى عن جعفر بن محمد غير حديث منكر ".

* وقال ابن الغلابي: " عبد الله بن دكين ضعيف " كما في "تاريخ بغداد"(9/452) .

* وقال النسائي: " ليس بثقة " كما في "تهذيب الكمال"(14/471) . قال المزي: " وقال في موضع آخر: ليس به بأس ".

فتعقبه الحافظ في " تهذيب التهذيب "(5 /201) : " قلت: إنما نقل هذا القول الثاني عن ابن معين بسنده إليه ".

قلت: ومع ذلك لم يتبعه، بل وهَّاه بقوله:" ليس بثقة " وقال أبو الفتح الأزدي: " عبد الله بن دكين ضعيف " كما في آخر ترجمته من "تاريخ بغداد"(9/453) .

أما ابن حبان رحمه الله فهذا من القلائل جداً الذين فاتوا كتابيه "الثقات" و"المجروحين".

* وأورد ابن عدي في ترجمته من "الكامل"(4/1542) من طريق محمد ابن بكار ثنا عبد الله بن دكين، ثنا كثير بن عبيد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم إلا بحقها، وحسابهم على الله ".

ص: 115

وأورد له (4 /1543) من طريق بشر بن الوليد عنه، ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، قال: قال علي بن أبي طالب: " يوشك أن يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، مساجدهم عامرة وهي خرابٌ من الهدى علماؤهم شر من تحت أديم السماء، من عندهم خرجت الفتنه، وفيهم تعود ".

ثم من طريق يزيد بن هارون عنه ثنا جعفر بن محمد به، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فذكره بنحوه.

قال ابن عدي: " ولعبد الله بن دكين غير ما ذكرت أحاديث يسيرة "، ولم يورد من كلام الأئمة فيه سوى رواية أحمد بن أبي يحيى الأنماطي عن ابن معين:" ليس بشيء " كما تقدم.

* وأورد له الخطيب في ترجمته من طريق سعيد بن سليمان عنه: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة عاق، ولا مدمن خمر ".

ومن طريق بشر بن الوليد عنه حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال: قال علي بن أبي طالب: " ستة لايأمنهم مسلم: اليهودي، والنصراني، والمجوسي، وشارب الخمر، وصاحب الشطرنج، والمتلهي بأمه "، قال ابن دكين:"فسألته عن المتلهي بأمه، قال: الذي يقول: أمه زانية إن لم أفعل كذا وكذا ".

وله في مصنفات الأئمة الستة أثر واحد، قال البخاري رحمه الله في "الأدب المفرد" (1256) : " حدثنا موسى بن

ص: 116

إسماعيل، قال: حدثنا عبد الله بن دكين، سمع كثير بن عبيد قال: كانت عائشة رضي الله عنها إذا ولد فيهم مولود (يعني: في أهلها) لا تسأل غلاماً أو جارية، تقول: خُلِق سوياً؟ فإذا قيل: نعم، قالت: الحمد لله رب العالمين ".

هذا هو جميع ما وقفتُ له عليه ـ مع حديث ابن عباس ـ من أحاديث وآثار دون استعانة بأحد سوى الله عز وجل.

أما حديث ابن عباس، فلم أقف له على أصل عن شيخه قيس بن أبي مسلم الماصر، ولا عن شيخ شيخه داود البصري ـ على ما سيأتي فيه ـ وإنما الطريق الوحيدة المحفوظة إلى راويها إلى الآن هي (عتبة بن عمرو المكتب عن عكرمة عن ابن عباس) .

وأما حديثه عن كثير بن عبيد عن أبي هريرة ـ مرفوعاً ـ: " أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا اله إلا الله

"؛ فقد تابعه أبو العنبس سعيد بن كثير بن عبيد عن أبيه لكن بأطول من هذا كما رواه أحمد (2 /345) والدارقطني في "سننه" (1 /231ـ 232) من طريق عبد الواحد بن زياد ثنا سعيد بن كثير بن عبيد قال: حدثني أبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، ثم قد حرم عليَّ دماؤهم وأموالهم، وحسابهم على الله عز وجل "، ورواه ابن خزيمة في "صحيحه" (2248) والدارقطني (2/89) والحاكم (1/387) من طرق عن أبي نعيم ثنا أبو العنبس سعيد بن كثير به، ولم يقل: "وأن محمداً رسول الله ".

ص: 117

وسعيد بن كثير بن عبيد أبو النعبس وثقه ابن معين والدارقطني، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبوحاتم الرازي:" صالح الحديث ".

فهذا هو الحديث الوحيد الذي وجدت (عبد الله بن دكين) هذا توبع عليه

إلا أنه لم يُقِم المتن، فأسقط " ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة "(1) .

وأما حديثه عن جعفر بن محمد بإسناده إلى علي رضي الله عنه تارةً مرفوعاً، وتارةً موقوفاً؛ فقد خرجه الشيخ الألباني رحمه الله في "السلسلة الضعيفة"(4/410، 411)(رقم 1936)، وقال في هذه الطريق له:

" قلت: وهذا إسناد واهٍ، عبد الله بن دكين مختلف فيه، وفي ترجمته ساق الحديث الذهبيُّ مشيراً إلى نكارته. وهذا هو الوجه عندي إن كان قد صح رواية يزيد (يعني: ابن هارون) له عنه

".

حتى قال: " وجملة القول: إن هذا الحديث بهذه الطرق الثلاث، يظل على وهائه لشدة ضعفها

".

قلت: وقد خرجته ـ بفضل الله ومنّه ـ في "تكميل النفع"(رقم25)(الجزء الأول ص 117: 123) وذكرت له طريقاً أوهى من هذه من طريق شريك عن الأعمش عن أبي وائل عن علي إسنادها مظلم وفيها أيضاً متروك، كأن أحداً دون شريك سرقه وركب له هذا الإسناد!

(1) فأتى بمعنى منكر حيث جعلتْ روايته قول (لا إله إلا الله) كافياً في عصمة الدم والمال.

ص: 118

وانظر أيضاً تخريج الحديث (519) من "المجالسة" للدينوري للأستاذ مشهور بن حسن آل سلمان فإنه لا يخلو من فوائد.

والحاصل أنه أيضاً ليس له أصل عن ثقة عن جعفر بن محمد بهذا الإسناد لا موقوفاً، ولا مرفوعاً والله المستعان.

وأما حديثه عن جعفر بن محمد أيضاً بهذا الإسناد مرفوعاً:

" لا يدخل الجنة عاق، ولا مدمن خمر " فرواه أيضاً البيهقي في " شعب

الإيمان" (5205) من وجه آخر عن سعيد بن سليمان الواسطي عنه به. وقال محقق "الشعب" (ط. السلفية) : " إسناده حسن".

قلت: بل منكر، لقول أبي حاتم الرازي رحمه الله:" روي عن جعفر بن محمد غيرَ حديث منكر"، وإيراد الخطيب للحديث في ترجمته يدل على تفرده به، ولم أجد له متابعاً بهذا الإسناد بعد البحث عنه في مظانه.

ولا شك أن هذا التحسين قائم على قول الحافظ في "التقريب"(3319) : " صدوق يخطيء "، وهذه مرتبة لا يستحقها، بل الجمهور على ضعفه أو وهائه كما رأينا عند استعراض كلامهم فيه.

على أن صيغة (صدوق يخطيء) قرنها الحافظ ابن حجر في المرتبة الخامسة مع (صدوق سيئ الحفظ) و (صدوق يهم) و (صدوق له أوهام) و (صدوق تغير بآخره) بما يدل بظاهره أنه لا يحتج بحديث جميع من قال فيهم إحدى هذه الصيغ.

ثم أنه لا يجوز قبول حديث الراوي الذي له أوهام ومناكير قبل أن ننظر كتب (الضعفاء) و (العلل) ، وهل هذا الحديث بخصوصه مما أنكر عليه أم لا؟

ثم في النهاية، هذا إسناد منقطع بين علي بن الحسين وعلي رضي الله عنه.

ص: 119

قال أبو زرعة الرازي رحمه الله: " لم يدرك جده علياً رضي الله عنه " كما في "جامع التحصيل"(ترجمة 539) .

وقال الترمذي في "جامعه" عقب الحديث (3665) : " ولم يسمع علي بن الحسين من علي بن أبي طالب ".

وأما الأثر الذي رواه عن جعفر بن محمد بهذا الإسناد موقوفاً: " ستة لا يأمنهم مسلم: اليهودي، والنصراني، والمجوسي، وشارب الخمر، وصاحب

الشطرنج، والمتلهي بأمه " فلم أقف له على أصل بهذا الإسناد واللفظ.

وقد رُوي بلفظ آخر، بإسناد تالف إلى علي رضي الله عنه ففي "مساويء الأخلاق" للخرائطي (753) (1) من طريق إسرائيل عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:" ستة لا يسلم عليهم: اليهود، والنصارى، والمجوس، والذين بين أيديهم الخمر، والريحان، والمتفكهين (2) بالأمهات، وأصحاب الشطرنج ".

وسعد بن طريف متروك، ورماه ابن حبان بالوضع، وكان رافضياً كما في "التقريب"(2254) وأصبغ بن نباتة أيضاً متروك رمي بالرفض كما فيه (541)

(1)(ط. مكتبة القرآن) وبرقم (759)(ط. مكتبة السوادي بجدة) . والخطأ الذي نبهت عليه وقع في الطبعتين جميعاً.

(2)

كذا في "مساويء الأخلاق" والصواب (والمتفكهون) كما في "كنز العمال"(25736) .

ص: 120

فهذا هو الإسناد المعروف لهذا الكلام، الذي أتى به الثقات والله المستعان.

وأما الأثر الذي رواه عن كثير بن عبيد ـ رضيع عائشة رضي الله عنها قال: " كانت عائشة

" الأثر في حمد الله عند الولادة إذا كان المولود سوياً، فلا أعرف له إلا هذا الإسناد.

وبقيت روايات لعبد الله بن دكين عن شيخين آخرين، لم أقف عليها بعد، هما:(فراس بن يحيى الهمداني) صاحب الشعبي، و (القاسم مهران القيسي) خال هشيم رحمهم الله جميعاً ـ.

3ـ قيس الماصر:

هو (قيس بن أبي مسلم الكوفي الماصر) والد (عمر بن قيس الماصر)

وهو أبو الصباح الكوفي، ثقة من رجال " الأدب المفرد " و " سنن أبي داود ".

أما قيس فمختلف في ولائه، فقيل:(مولى ثقيف)، وقيل: (مولى الأشعث

ابن قيس الكندي) ، وقيل:(العجلي) كما في ترجمة الابن من "تهذيب الكمال"(21 /484) .

وهو مترجم في عدة مصادر:

* قال أبو عبيد الآجري في "سؤالاته لأبي داود"(2) : "سئل أبو داود عن عمر بن قيس الماصر، فقال: من الثقات، وأبوه أشهر منه وأوثق ".

وقال أيضاً (3) : " سئل أبو داود عن قيس الماصر، فقال: ثقة،

ص: 121

قال الأوزاعي:

أول من تكلم في الإرجاء رجل من أهل الكوفة يقال له: قيس الماصر ".

* وهو مترجم في "أنساب السمعاني" أفادنيه محقق " الشعب " ـ جزاه الله خيراً ـ.

قال: السمعاني في مادة (الماصري) من "الأنساب"(5 /173 ـ 174) :

" هذه النسبة إلى ماصر وسأذكر السبب فيه. والمشهور بهذه النسبة: أبو بشر يونس بن حبيب بن عبد القاهر بن عبد العزيز بن عمر بن قيس بن أبي مسلم العجلي الماصري، كان له محل عظيم، كاتبه المعتز بالله كتاباً بالنظر في أمرمتظلم تظلم إليه، وهو ابن بنت حبيب بن الزبير الذي روى عنه شعبة، وكان ينزل المدينة. وكان أبو مسلم من سبي الديلم، سباه أهل الكوفة، وحسن إسلامه، فولد له قيس الماصر، ويقال إنه مولى لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم ولاّه الماصر، وكان من أول من مصّر الفرات ودجلة، فسُمِّي قيس الماصر، والنسبة إليه: ماصري، وكان ممن خرج مع عبد الرحمن بن الأشعث أيام الحجاج مع القُرَّاء، فلما هزم ابن الأشعث هرب عبد العزيز بن عمر بن قيس مع أهله إلى أصبهان، وأقام عمر بن قيس الماصر بالكوفة، روى عنه الكوفيون وتزوج عبد العزيز بأم البنين بنت الزبير بن مشكان، وتزوجوا في الزبير، وتزوج فيهم الزبير بن مشكان، فهذه قصة قيس الماصر. وأما أبو بشر يونس بن حبيب، فهو من مشاهير المحدثين بأصبهان

".

قلت: فشرع في التعريف بيونس بن حبيب صاحب أبي داود الطيالسي

رحمهم الله أجمعين ـ.

ص: 122

وقوله في أول الكلام: " وكان ينزل المدينة " يعني به، (مدينة أصبهان)(1) وتسمى الآن (اليهودية) .

انظر "الأنساب"(5/237) مع الحاشية، وانظر أيضاً ترجمة (يونس بن حبيب) من "طبقات محدثي أصبهان"(3 /44 ـ 45) و"ذكر أخبار أصبهان"(2 /345 ـ 346) .

تنبيه: أما (قيس بن أبي مسلم) الذي يقال له: (قيس بن رمانة)، والمترجم في "التاريخ الكبير" (7 /154 ـ 155) و"الجرح" (7/96) و"الثقات" (7/328) و"تعجيل المنفعة" (رقم 894) فعندي أنه غير قيس الماصر لأسباب منها:

1 ـ أن المترجمين لقيس الماصر لم يذكر أحد منهم أنه يقال له (قيس بن رمانة) أو أن هذا اسم أمه.

2 ـ أن المترجمين لقيس بن رمانة لم يذكر أحد منهم أيضاً أنه هو الذي يقال له (قيس الماصر) .

3 ـ أن قيس بن أبي مسلم الماصر ثقفي أو كندي أو عجلي. وقيس بن

(1) وليس المراد (مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم) كما يتبادر إلى الأذهان. فهذا من قبيل (مشترك النسبة) .

هذا، وتسمية كثير من الناس إياها ـ إلا من رحمه الله ورزقه الفهم والبصيرة ـ بـ (المدينة المُنَوَّرة) أمر ليس له مستند صحيح، ولا أصل يرجع إليه، والله المستعان.

ص: 123

رمانة

أشعري قولاً واحداً كما في ترجمتيه من "جامع الرواة" للأردبيلي (2 / 24)(رقم 200، 203) وقوله في الموضع الثاني، " كأنه ابن أبي مسلم " لا وجه له، بل هو قطعاً.

4 ـ قيس الماصر رمي بالإرجاء كما في "سؤالات الآجري"(3) عن الأوزاعي. أما قيس بن رمانة، فقال أبو سعيد الأشج:" كان رافضياً " كما في ترجمته من "اللسان"(4/479 ـ 480) .

5 ـ قيس بن رمانة يروي عن ربعي بن حراش، من كبار التابعين، ثقة عابد مخضرم يروي عن علي، وابن مسعود، وحذيفة.

وابن قيس الماصر ـ عمر ـ يروي عن بعض كبار التابعين أيضاً كـ (زيد بن وهب) و (شريح بن الحارث القاضي) ، وهذا يدل على أن (القيسَيْن) ليسا من طبقة واحدة. والحمد لله رب العالمين.

تنبيه أخير:

قد خفي حال (قيس الماصر) على أخينا الحبيب الشيخ مصطفى بن العدوي ـ حفظه الله تعالى ـ فقال عند تخريج الحديث في حاشية "المنتخب من مسند عبد ابن حميد"(1/570) : " وقيس هذا لم نعرفه ".

ونلتمس له العذر في ذلك، فإن الرجل لا يجده الباحث في الكتب

ص: 124

المشهورة كـ "التهذيب" وفروعه، و"التاريخ الكبير" و"الجرح" و"الثقات".

4ـ داود البصري:

لم يتعين لي على وجه القطع.

نعم، ترجم الذهبي في "الميزان"(2 /22) لرجل بهذا الاسم، وقال:"عن أنس بن مالك. قال الأزدي: متروك الحديث ".

وزاد الحافظ في "اللسان"(2 /427) : " وأورد له من رواية إسماعيل بن عياش عن ليث عنه عن أنس رضي الله عنه رَفعه ـ من استعاذ من الشيطان عشر مرات وكل الله به ملكاً يرد عنه الشيطان ".

قلت: والإسناد إليه أيضاً منكر لا يصح، لمكان إسماعيل بن عياش وضعف ليث بن أبي سليم، فإن كان هذا هو المستند الوحيد للأزدي ـ عفا الله عنه ـ في الحكم عليه بالترك، فما أصاب.

على أن إسماعيل بن عياش قد خولف في هذا الإسناد بإسناد آخر يماثله في الضعف!

قال أبو يعلى في "مسنده"(7 /146 ـ 147 رقم 4114) :

" حدثنا أبو هشام الرفاعي، حدثنا المحاربي، عن ليث بن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعاً: " من استعاذ بالله في اليوم عشر مرات من الشيطان، وكَّل الله به ملكا ً يرد عنه الشياطين ".

ص: 125

وهذا أيضاً لا يصح إلى ليث لضعف الرفاعي، وعنعنة المحاربي، فإنه كان يدلس بل يظن به الأخذ عن بعض الكذابين كما في ترجمته من "الضعفاء الكبير"(2 /348) ، وخلاصة الأمر أن هناك ارتياباً في وجود رجل اسمه (داود البصري) يروي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

أما قول محقق "شعب الإيمان"(12/434) ـ عند التعريف به في حاشية الكتاب ـ:

" داود البصري أبو سليمان الوراق: مقبول، من السادسة، وقيل: إنه داود ابن أبي هند، ولم يصح ذلك

".

فمن المعلوم بداهة أن رجال الطبقة السادسة عند الحافظ رحمه الله هم:

(طبقة عاصروا الخامسة، لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة كابن جريج) كما في "مقدمة التقريب"(ص82 بتحقيق أبي الأشبال الباكستاني) .

فلما رجعنا إلى ترجمة (أبي سليمان الوراق) هذا من "تهذيب الكمال"(8/472) وجدناه يروي عن التابعين كـ (سماك بن حرب) وأتباعهم كـ (سعيد بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري) ـ أخي (بهز بن حكيم) ـ و (عباد ابن راشد) صاحب الحسن البصري.

فلا مدخل للرجل بابن عباس ولا غيره من الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ ولا ينبغي لقيس الماصر أن ينزل إلى الرواية عنه، وإلا كان إسناداً في منتهى الغرابة، لكن لا غرابة ولا استشكال حين يأتي به (عبد الله بن دكين) وأمثاله!

ص: 126