المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(274) باب صلاة الخوف - فتح المنعم شرح صحيح مسلم - جـ ٤

[موسى شاهين لاشين]

فهرس الكتاب

- ‌(269) باب بيان أن القرآن أنزل على سبعة أحرف

- ‌(270) باب ترتيل القراءة واجتناب الهذ

- ‌(271) باب ما يتعلق بالقراءات

- ‌(272) باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها

- ‌(273) باب استحباب ركعتين قبل صلاة المغرب

- ‌(274) باب صلاة الخوف

- ‌كتاب الجمعة

- ‌(275) باب الاستعداد لصلاة الجمعة

- ‌(276) باب آداب سماع الخطبة وفضيلة يوم الجمعة

- ‌(277) باب صلاة الجمعة وخطبتها

- ‌كتاب العيدين

- ‌(278) باب صلاة العيد وخطبته

- ‌(279) باب اللهو واللعب والغناء يوم العيد

- ‌كتاب الاستسقاء

- ‌(280) باب صلاة الاستسقاء، ورفع اليدين بالدعاء

- ‌كتاب الكسوف

- ‌(281) باب صلاة الكسوف وأن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد

- ‌كتاب الجنائز

- ‌(282) باب عيادة المريض، وما يقال عند الموت

- ‌(283) باب البكاء على الميت

- ‌(284) باب نهي النساء عن اتباع الجنائز وغسل الميت وكفنه

- ‌(285) باب تشييع الميت واتباع جنازته

- ‌(286) باب الصلاة على الميت والقيام للجنازة

- ‌(287) باب القبور وزيارتها

- ‌كتاب الزكاة

- ‌(288) باب النصاب ومقدار الزكاة

- ‌(289) باب زكاة الفطر

- ‌(290) باب جزاء مانع الزكاة وعقوبته

- ‌(291) باب الترغيب في الإنفاق والتحذير من الإمساك

- ‌(292) باب الاستعفاف عن المسألة

- ‌(293) باب التحذير من الاغترار بزينة الدنيا والحث على القناعة والإجمال في الطلب

- ‌(294) باب إعطاء المؤلفة قلوبهم والتحريض على قتل الخوارج

- ‌(295) باب لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل محمد صلى الله عليه وسلم وتحل لهم الهدية

- ‌(296) باب الدعاء للمتصدق وإرضاء السعاة

- ‌كتاب الصوم

- ‌(297) باب فضل شهر رمضان

- ‌(298) باب وجوب الصوم لرؤية هلال رمضان

- ‌(299) باب صفة الفجر الذي تتعلق به أحكام الصوم

- ‌(300) باب فضل السحور وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر

- ‌(301) باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار

- ‌(302) باب النهي عن الوصال

- ‌(303) باب حكم القبلة والمباشرة في الصوم

- ‌(304) باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب

- ‌(305) باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم ووجوب الكفارة الكبرى فيه، وبيانها، وأنها تجب على الموسر والمعسر، وتثبت في ذمة المعسر حتى يستطيع

- ‌(306) باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية

- ‌(307) باب استحباب الفطر للحاج يوم عرفة

- ‌(308) باب صوم يوم عاشوراء

- ‌(309) باب تحريم صوم يومي العيدين وأيام التشريق وكراهة إفراد يوم الجمعة بصوم

- ‌(310) باب فدية الصوم وقضائه

الفصل: ‌(274) باب صلاة الخوف

(274) باب صلاة الخوف

1681 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة، والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو، وجاء أولئك ثم صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة.

1682 -

عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أنه كان يحدث عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخوف، ويقول صليتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا المعنى.

1683 -

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف في بعض أيامه، فقامت طائفة معه، وطائفة بإزاء العدو، فصلى بالذين معه ركعة ثم ذهبوا، وجاء الآخرون فصلى بهم ركعة، ثم قضت الطائفتان ركعة ركعة. قال: وقال ابن عمر فإذا كان خوف أكثر من ذلك فصل راكباً أو قائماً تومئ إيماءً.

1684 -

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصفنا صفين، صف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعاً، ثم ركع وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر، وتأخر الصف المقدم ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخراً في الركعة الأولى، وقام الصف المؤخر في نحور العدو فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعاً. قال جابر كما يصنع حرسكم هؤلاء بأمرائهم.

ص: 41

1685 -

عن جابر رضي الله عنه قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما من جهينة، فقاتلونا قتالاً شديداً، فلما صلينا الظهر قال المشركون لو ملنا عليهم ميلة لاقتطعناهم، فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك فذكر ذلك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وقالوا إنه ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد. فلما حضرت العصر، قال: صفنا صفين والمشركون بيننا وبين القبلة. قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا، وركع فركعنا، ثم سجد وسجد معه الصف الأول، فلما قاموا سجد الصف الثاني، ثم تأخر الصف الأول وتقدم الصف الثاني فقاموا مقام الأول، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا، وركع فركعنا، ثم سجد معه الصف الأول، وقام الثاني فلما سجد الصف الثاني، ثم جلسوا جميعاً سلم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال أبو الزبير ثم خص جابر أن قال كما يصلي أمراؤكم هؤلاء.

1686 -

عن سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف فصفهم خلفه صفين، فصلى بالذين يلونه ركعة، ثم قام فلم يزل قائماً حتى صلى الذين خلفهم ركعة، ثم تقدموا، وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة، ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة، ثم سلم.

1687 -

عن صالح بن خوات عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف: أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائماً وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت ثم ثبت جالساً، وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم.

1688 -

عن جابر رضي الله عنه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بذات الرقاع. قال: كنا إذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فجاء رجل من المشركين وسيف رسول الله صلى الله عليه وسلم معلق بشجرة، فأخذ سيف نبي الله صلى الله عليه وسلم فاخترطه. فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أتخافني؟ قال "لا" قال: فمن يمنعك مني؟ قال: "الله يمنعني منك". قال: فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأغمد السيف وعلقه. قال: فنودي بالصلاة فصلى بطائفة ركعتين

ص: 42

ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين. قال فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات وللقوم ركعتان.

1689 -

عن جابر رضي الله عنه أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحدى الطائفتين ركعتين، ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات، وصلى بكل طائفة ركعتين.

-[المعنى العام]-

في إحدى الغزوات في السنة الرابعة أو الخامسة من الهجرة قاتل المسلمون قوماً من جهينة من المشركين قتالاً شديداً، وجاء الليل فانحسر الجيشان، ولما أصبح الصباح وقف كل من الجيشين يتربص بالآخر ويترقب غفلة أو ضعفاً، وجاء وقت الظهر فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلى خلفه الجيش كله، ولم يتخلف أحد منهم لمراقبة العدو وحراستهم، والعدو واقف بينهم وبين القبلة، وكانت فرصة للمشركين لم ينتهزوها، ولم ينتبهوا لها إلا بعد انتهاء المسلمين من الصلاة فقال بعضهم لبعض: لو أننا كنا حملنا عليهم أثناء الصلاة لقطعنا دابرهم.

قال الآخرون: ما زالت الفرصة قائمة، عما قليل تأتي صلاة العصر، وهي أحب صلاة إليهم، بل أحب إليهم من أولادهم، فلنستعد لهم عندها، ونزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره بمكرهم ونزل بالآية الكريمة:{وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك} أي وطائفة أخرى لا يصلوا {وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة

} [النساء: 102]. وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدث وصلى بهم صلاة الخوف، وفي كل غزوة كان يصلي بهم صلاة قد تختلف عن سابقتها مراعياً ظروف الحذر والحيطة مع تمكين جميع الجيش من الجماعة والصلاة معه صلى الله عليه وسلم، فكانت صلاة الخوف بصورها الواردة في أحاديثنا وفي أحاديث أخرى فضلاً من الله ورحمة، وتخفيفاَ وتيسيراً على الأمة، وتنبيهاً على مر الزمان لأمة الإسلام أن تأخذ حذرها من أعداء الإسلام في السلم والحرب، فإنهم في كل لحظة يودون أن يميلوا على المسلمين، يودون عنتهم، ويودون لو يردونهم عن إيمانهم كفاراً. نسأل الله أن يتيقظ المسلمون من غفلتهم في هذا الزمان. والله المستعان.

ص: 43

-[المباحث العربية]-

(وقام الصف المؤخر في نحر العدو) أي في مقابلته ومواجهته، نحر كل شيء: أوله.

(ثم سجد وسجد معه الصف الأول) قال النووي: هكذا وقع في بعض النسخ "الصف الأول" ولم يقع في أكثرها ذكر "الأول" والمراد الصف المقدم الآن. اهـ.

(عن صالح بن خوات عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرواية السابقة وهي السادسة "عن صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة" وهي تبين مراده بقوله: "عمن صلى".

(ذات الرقاع) هي غزوة معروفة، كانت سنة خمس من الهجرة بأرض غطفان من نجد، سميت ذات الرقاع لأن أقدام المسلمين نقبت من الحفاء، فلفوا عليها الخرق. هذا هو الصحيح في تسميتها. وقيل: سميت لجبل هناك يقال له الرقاع، لأن فيه بياضاً وحمرة وسواداً. وقيل: سميت بشجرة هناك يقال لها: ذات الرقاع. وقيل لأن المسلمين رقعوا راياتهم. قال النووي: ويحتمل أن هذه الأمور كلها وجدت فيها.

(أن طائفة صفت معه) قال النووي: هكذا هو في أكثر النسخ، وفي بعضها:"صلت معه". وهما صحيحان.

(وطائفة وجاه العدو)"وجاه" بكسر الواو وضمها، يقال: وجاهه وتجاهه أي قبالته، والطائفة: الفرقة والقطعة من الشيء، تقع على القليل والكثير.

(شجرة ظليلة) أي ذات ظل، ففعيل بمعنى فاعل، أي مظلة.

(فاخترطه) اخترط السيف أي سله وأخرجه من غمده.

-[فقه الحديث]-

الأصل في مشروعية صلاة الخوف قوله تعالى: {وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا * وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة .... }

وقد اختلف العلماء في صلاة الخوف في الحضر: فمنعها مالك أخذاً بمفهوم {وإذا ضربتم في الأرض} وجمهور العلماء على مشروعيتها في الحضر كالسفر، لأن صلاة الخوف شرعت للاحتياط في الحرب، وهذا قد يكون في الحضر، قد يكون المسلمون في ديار الأعداء وحاضرتهم وقد يكون العكس.

ص: 44

كما اختلفوا في بقاء مشروعيتها على مر الزمان، قال النووي: قال علماء الأمة بأسرها إلا أبا يوسف والمزني: إن شريعتها مستمرة إلى الآن، وهي مستمرة إلى آخر الزمان. وقال أبو يوسف والمزني: لا تشرع بعد النبي صلى الله عليه وسلم واحتج بمفهوم قول الله تعالى: {وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة} وزعم أن الناس إنما صلوها معه لفضل الصلاة معه صلى الله عليه وسلم. واحتج الجمهور بأن الصحابة لم يزالوا على فعلها بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد صلاها علي بن أبي طالب في حروبه في صفين وغيرها وصلاها معه آلاف من الصحابة مما يعد إجماعاً، وبقوله صلى الله عليه وسلم:"صلوا كما رأيتموني أصلي". فعموم منطوقه مقدم على المفهوم. قال ابن العربي وغيره: شرط كونه فيهم إنما ورد لبيان الحكم لا لوجوده، والتقدير: بين لهم بفعلك لكنه أوضح من القول، ثم إن الأصل أن كل عذر طرأ على العبادة فهو على التساوي كالقصر، والكيفية وردت لبيان الحذر من العدو وذلك لا يقتضي التخصيص بقوم دون قوم. ولئن كانت الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة مع الناس جميعاً إلا أنه يقطعها ما يقطع الصلاة خلف غيره.

وقد ذكرت روايات مسلم أوجها متعددة لصلاة الخوف، وروى فيها أبو داود أوجهاً أخرى، وذكر ابن القصار المالكي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها في عشرة مواطن. وقال الخطابي: صلاة الخوف أنواع صلاها النبي صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة وأشكال متباينة يتحرى في كلها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة، فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى. اهـ.

والذي يعنينا أولاً وبالذات الأوجه التي رواها الإمام مسلم وموقف مذاهب الفقهاء منها، وهي:

1 -

ما تصفه الرواية الثامنة والتاسعة حيث يكون العدو في غير جهة القبلة، أو في جهة القبلة وبينه وبين المسلمين حائل وساتر لا يمكن من الرؤية، يجعل الإمام الناس طائفتين، طائفة تقف مواجهة للعدو للحراسة، وطائفة يصلي بهم الإمام جميع الصلاة، ويسلم بهم، سواء أكانت الصلاة ركعتين أم ثلاثاً أم أربعاً، ثم تخرج التي صلت مع الإمام إلى وجه العدو، وتجيء الطائفة الأخرى، فيصلي بهم مرة ثانية، يكون الإمام فيها متنفلاً، وتكون لمن خلفه فريضة.

وهذه الصلاة صحيحة عند الشافعية من غير خوف، ففي الخوف أولى، والكلام في كونها مندوبة في الخوف أو المندوب وجه آخر؟ خلاف، ويمنعها من يمنع صلاة المفترض خلف المتنفل.

وقد حملت على هذه الصورة الرواية الثامنة والتاسعة، في حالة كون الصلاة ثنائية، ولفظ الثامنة:"فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربع ركعات، وللقوم ركعتان".

2 -

ما تصفه الرواية السابعة، حيث يكون العدو أيضاً في غير جهة القبلة، أو في جهة القبلة وبينه وبين المسلمين حائل يمنع مراقبة المصلين له، يفرق الإمام الناس فرقتين، فرقة تقف في مقابلة العدو، وفرقة ينحدر بها الإمام إلى حيث لا يلحقهم سهام العدو، فيحرم بهم، ويصلي بهم ركعة، فإذا قام إلى الركعة الثانية نوى من خلفه الخروج عن المتابعة وصلوا لأنفسهم ركعة أكملوا بها صلاتهم، وتشهدوا وسلموا، وذهبوا إلى وجه العدو، وثبت الإمام واقفاً في صلاة، يقرأ أو لا يقرأ،

ص: 45

وجاء الآخرون فأحرموا خلف الإمام في ركعته الثانية يطيل الوقوف حتى يلحقوه ويقرءوا الفاتحة ويركع بهم ويسجد، فإذا جلس للتشهد قاموا فصلوا ثانيتهم، وانتظرهم الإمام حتى يلحقوه ويسلم بهم، فتكون فرقة قد حازت فضيلة الاشتراك في تكبيرة الإحرام، وتكون الأخرى قد حازت فضيلة الاشتراك في السلام، مع الإمام، وهذا الوجه هو الذي تصوره الرواية السابعة ولفظها:"أن طائفة صفت معه، وطائفة وجاه العدو، فصلى بالذين معه ركعة، ثم ثبت قائماً، وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى، فصلى بهم الركعة التي بقيت، ثم ثبت جالساً، وأتموا لأنفسهم، ثم سلم بهم".

3 -

ما تصفه الرواية الأولى والثالثة حيث يكون العدو كذلك في غير جهة القبلة، أو بينه وبين المسلمين ساتر يمنع مراقبة المصلين له، يجعل الإمام الناس فرقتين -وليس لازماً في كل ذلك أن تكون الفرقتان متساويتين- فرقة تقف في مواجهة العدو، وفرقة ينحدر بها إلى حيث لا تلحقهم السهام، فيحرم بهم ويصلي ركعة ويقوم إلى الثانية، ولا يتم المقتدون صلاتهم كما في الوجه السابق، وإنما يذهبون إلى مكان إخوانهم فيقفون قبالة العدو وهم في الصلاة يقفون سكوتاً، وتجيء الطائفة الأخرى فيصلي الإمام ركعته الثانية، فإذا سلم قاموا فذهبوا إلى وجه العدو، وجاء الأولون إلى مكان صلاة الإمام، فصلوا الركعة الباقية عليهم، ثم ذهبوا إلى وجه العدو، وجاء الآخرون إلى مكان الصلاة فصلوا ركعتهم الباقية وسلموا. وهذه هي رواية ابن عمر ولفظ الرواية الأولى:"صلى بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو، وجاء أولئك، ثم صلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم ثم قضى هؤلاء ركعة، وهؤلاء ركعة".

واختار الشافعي وأصحابه الوجه الثاني [روايتنا السابعة] وأخذ بها مالك لأنها أحوط لأمر الحرب، ولأنها أقل مخالفة لقاعدة الصلاة، بل اختلفوا في صحة الصلاة على الوجه الثالث [رواية ابن عمر الأولى والثالثة] فقال البعض: لا تصح لكثرة الأفعال فيها بلا ضرورة، واعتبروا حديث ابن عمر منسوخاً، واختار أبو حنيفة حديث ابن عمر.

4 -

ما تصفه الرواية الرابعة والخامسة، حيث يكون العدو في جهة القبلة ولا ساتر يمنع من رؤيته تقول الرواية الرابعة: "فصفنا صفين، صف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعاً [أي الصفان] ثم ركع وركعنا جميعاً ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخر [وظل واقفاً] في نحر العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم [وقام] وقام [معه] الصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود [فسجدوا السجدتين] وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر [ليلي رسول الله] وتأخر الصف المقدم [فقرأ الركعة الثانية] ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعاً، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه، الذي كان مؤخراً في الركعة الأولى، وقام الصف المؤخر في نحر العدو، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف

ص: 46

الذي يليه [وجلسوا] انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا [السجدتين وتشهدوا] ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعاً".

ففي هذه الصورة تحمل كل صف نصيباً متساوياً من الحراسة، ونصيباً متساوياً من السجود مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكان تبادل الصفين تأخر المقدم وتقدم المؤخر ليكون المتابع والياً للإمام. وهذا الوجه أفضل الأوجه حين يكون العدو في جهة القبلة.

5 -

الوجه الخامس ما تصفه الرواية السادسة، حيث يكون العدو كذلك في جهة القبلة، ولا ساتر يمنع من رؤيته، تقول الرواية السادسة:"صفهم خلفه صفين، فصلى بالذين يلونه ركعة [والصف المؤخر يحرس] ثم قام [ومن صلى معه] فلم يزل قائما [هو والصف الذي يليه الذي صلى معه الركعة الأولى] حتى صلى الذين خلفهم ركعة [منفردين] ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة، [وهي الثانية له ولهم] ثم قعد [وقعدوا] حتى صلى الذين تخلفوا ركعة [وأدركوا القاعدين وتشهدوا] ثم سلم [بالجميع] ".

هذه الأوجه التي تصورها روايات الإمام مسلم، وهناك أوجه أخرى:

6 -

منها ما يشبه الوجه الرابع لكن بدون تبادل الصفين.

7 -

ومنها ما يشبه الوجه الرابع أيضاً لكن الحراسة لكل من الفرقتين تكون في الركوع مع السجود.

8 -

ومنها ما ذكره الشافعي من أنه يصلي بهم الإمام ويركع ويسجد بهم جميعاً إلا صفاً يليه وبعض صف ينتظرون العدو، فإذا قاموا بعد السجدتين سجد الصف الذي حرسهم فهذا القول جعل الحراسة للصف الذي يلي الإمام.

والذي ينبغي ألا يغيب عنا هو أن هذه الأوجه لا يجب شيء منها، بل هي مندوبة وبعضها يفضل بعضاً في الظروف دون بعض، فلو صلى الإمام ببعضهم كل الصلاة، وصلى غيره بالباقين، أو صلى بعضهم أو كلهم منفردين جاز بلا خلاف، لكن الصحابة كانوا لا يسمحون لأنفسهم بترك الجماعة رضي الله عنهم لعظم فضلها فسنت لهم هذه الصفات ليحصل لكل طائفة حظ من الجماعة والوقوف قبالة العدو، والله أعلم.

(ملحوظة) قال النووي في المجموع: وإن كانت الصلاة مغرباً صلى بإحدى الطائفتين ركعة وبالثانية ركعتين، وإن كانت الصلاة ظهراً أو عصراً أو عشاءً في الحضر صلى بكل طائفة ركعتين.

وإن اشتد الخوف ولم يتمكن من تفريق الجيش صلوا رجالاً وركباناً مستقبلي القبلة وغير مستقبلي القبلة، لقوله تعالى:{فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً} [البقرة: 239].

وقال: قال الشافعي والأصحاب: لا تختص صلاة شدة الخوف بالقتال بل تجوز في كل خوف؛ فلو هرب من سيل أو حريق أو سبع أو جمل أو كلب ضار أو صائل أو حية ونحو ذلك، ولم يجد عنه معدلاً فله صلاة شدة الخوف بالاتفاق لوجود الخوف، وهذه الصلاة جائزة بالإجماع.

ص: 47