الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين وسلم تسليماً.
فصل
في تزكية النفس وكيف تزكو بترك المحرمات مع فعل المأمورات
.
قال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى • وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14 - 15]. وقال الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا • وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9 - 10].
قال سفيان بن عيينة وقتادة وغيرهما: قد أفلح من زكى نفسه بطاعة الله وصالح الأعمال (1).
وقال أبو الفرج: (معنى زكّاها: طهّرها من الذنوب وأصلحها بالطاعة)(2). وقيل: قد أفلحت نفس زكاها الله وقد خابت نفس دساها الله. وهذا قول الفراء والزجاج (3).
(1) رواه عبد الرزاق في تفسيره (3/ 431) وابن جرير في تفسيره (24/ 444).
(2)
سقط من المطبوع، وانظر: زاد المسير (4/ 451).
(3)
معاني القرآن للفراء (3/ 267) ومعاني القرآن للزجاج (5/ 332).
وكذلك ذكره الوالي عن ابن عباس وهو منقطع (لا يثبت)(1).
وليس هذا مراد الآية؛ بل المراد بها هو الأول قطعا لفظا ومعنى. أما «اللفظ» فقوله: من زكاها اسم موصول فلا بد فيه من عائد على «مَنْ» .
فإذا قيل: قد أفلح الشخص الذي زكاها كان ضمير (الفاعل)(2) في زكاها يعود على «مَنْ» .
وهذا وجه الكلام الذي لا ريب في صحته كما يقال: قد أفلح من اتقى الله ربّه، وقد أفلح من أطاع ربه، (وقد أفلح من خاف منه)(3).
وأما إذا كان المعنى: قد أفلح من زكاه الله لم يبق في الجملة ضمير يعود على «مَنْ» . فإن الضمير على هذا (المعنى)(4) يعود على الله (على هذا القول)(5). وليس هو «مَنْ» . وضمير المفعول يعود
(1) سقط من المطبوع، وانظر تفسير البغوي (8/ 402).
(2)
في المطبوع: الشخص.
(3)
سقط من المطبوع.
(4)
سقط من المطبوع.
(5)
سقط من المطبوع.
على النفس المتقدمة فلا يعود على «مَنْ» ، لا ضمير الفاعل ولا ضمير المفعول. فتخلو الصلة عن عائد وهذا لا يجوز.
نعم لو قيل: قد أفلح من زكاها الله نفسه أو من زكاها الله له ونحو ذلك صح الكلام.
وخفاء (مثل)(1) هذا على من قال بهذا من النحاة عجب. وهو لم يقل: قد أفلحت نفس زكاها. فإنه هنا كانت تكون زكاها صفة لنفس لا صلة؛ بل قال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}
…
فالجملة (صفة)(2) لمَنْ لا صفة لها. ولا قال أيضا: قد أفلحت النفس التي زكاها؛ فإنه لو قيل ذلك وجعل في زكاها ضمير يعود على اسم الله صح، (وإنما قال قد أفلح من زكاها) (3) فإذا (تكلف أهل هذا القول) (4) وقال: التقدير {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}
…
أي النفس التي زكاها. وقالوا: في زكيّ ضمير والمفعول يعود على «مَنْ» ، (وقالوا:«مَنْ» ) (5) تصلح للمذكر والمؤنث والواحد والعدد فالضمير عائد على معناها المؤنث وتأنيثها غير حقيقي، فلهذا قيل:
(1) سقط من المطبوع.
(2)
في المطبوع: صلة.
(3)
سقط من المطبوع.
(4)
سقط من المطبوع.
(5)
سقط من المطبوع.
{قَدْ أَفْلَحَ}
…
ولم يقل قد أفلحت.
قيل لهم: هذا مع أنه خروج عن اللغة الفصيحة فإنما يصح إذا دلّ الكلام على ذلك في مثل قوله: ({وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا} [الأحزاب: 31] فإن قوله: منكن دلّ)(1) على أن المراد النساء فقيل: تعمل.
وكذلك قوله: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يونس: 42] ونحو ذلك. وأما هنا فليس في لفظ «مَن» وما بعدها ما يدل على أن المراد بهذا النفس المؤنثة (فإنه لم يقل: قد أفلحت. ولا قال: قد أفلح من النفوس من زكاها. وقد تقدمها قوله: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا • فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس: 7، 8] ثم قال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا • وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} فتقدم ما يصح عود ضمير المؤنث إليه، ولم يتقدم دليل على عوده إلى غير ذلك)(2).
فلا يجوز أن يراد بالكلام ما ليس فيه دليل على إرادته؛ فإن مثل هذ (تلبيس)(3) يصان كلام الله عز وجل عنه، فلو
(1) سقط من المطبوع.
(2)
سقط من المطبوع.
(3)
سقط من المطبوع.
قدر احتمال عود ضمير «زكاها» إلى «نفس» وإلى «منْ» مع أن لفظ «منْ» لا دليل يوجب عوده إليه لكان إعادته إلى المؤنث (المعلوم تأنيثه)(1) أولى من إعادته إلى ما يحتمل التذكير والتأنيث، وهو في التذكير أظهر لعدم دلالته على التأنيث، فإن الكلام (إذا)(2) احتمل معنيين وجب حمله على أظهرهما (الذي يدل على الكلام ولا يجوز حمله على الآخر بلا دليل إرادته)(3) ومن تكّلف غير ذلك فقد خرج عن كلام العرب المعروف، والقرآن منزّه عن ذلك والعدول عما يدل عليه ظاهر الكلام إلى ما لا يدل عليه بلا دليل لا يجوز البتة، فكيف إذا كان نصًّا من جهة المعنى فقد أخبر الله أنه يلهم التقوى والفجور. ولبسط هذا موضع آخر.
والمقصود هنا أمر الناس بتزكية أنفسهم (والتحذير من)(4)(تدسيسها)(5)(كما قال في السورة الأخرى)(6): {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ
(1) سقط من المطبوع.
(2)
زيادة من المطبوع.
(3)
سقط من المطبوع.
(4)
زيادة من المطبوع.
(5)
في المطبوع: تدسيتها.
(6)
سقط من المطبوع.
تَزَكَّى} فلو قُدّر أن المعنى: أفلح من زكى الله نفسه: لم يكن في هذا أمر لهم ولا نهي؛ ولا ترغيب ولا ترهيب. والقرآن إذا أمر أو نهى لا يذكر مجرد القدر فلا يقول: من جعله الله مؤمناً. بل يقول: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ • الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ} و {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى • وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} إذ ذكر مجرد القدر (في الأمر والنهي والترغيب والترهيب)(1) يناقض المقصود، ولا يليق هذا بأضعف الناس عقلاً، فكيف بكلام الله تعالى ألا ترى أنه في مقام الأمر والنهي والترغيب والترهيب يذكر ما يناسب ذلك من الوعد والوعيد والمدح والذم (والتحضيض والترهيب)(2)، وإنما يذكر القدر عند بيان نعمه عليهم: إما بما ليس من أفعالهم، وإما بإنعامه بالإيمان والعمل الصالح، ويذكره في سياق قدرته ومشيئته، وأما في معرض الأمر فلا يذكره إلا عند النعم.
كقوله: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور: 21] فهذا هناك مناسب. وقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} معنى آخر، وهذه الآية من جنس الثانية لا
(1) سقط من المطبوع.
(2)
سقط من المطبوع.
(من جنس)(1) الأولى. والمقصود ذكر التزكية، قال الله تعالى:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} الآية [النور: 30]. وقال تعالى: {وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ} [النور: 28]. وقال تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ • الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6، 7]. وقال تعالى: {وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى} (وقال موسى لفرعون {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى • وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى} [النازعات: 18، 19]، وقال تعالى: {وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} [طه: 76])(2).
وأصل الزكاة الزيادة في الخير. ومنه يقال: زكا الزرع (وزكا المال)(3) إذا نما. ولن ينمو الخير إلا بترك الشر، كالزرع الذي لا يزكو حتى يزال عنه الدغل، فكذلك النفس والأعمال لا تزكوا (حتى يزال عنها ما يناقضها)(4)، ولا يكون الرجل متزكيا قد زُكّي إلا مع ترك الشر؛ (ومن لم يترك الشر لا يكون زاكياً البته فإن الشر)(5) يدنّس النفس ويدسيها.
(1) سقط من المطبوع.
(2)
ساقط من المطبوع.
(3)
ساقط من المطبوع.
(4)
زيادة من المطبوع.
(5)
ساقط من المطبوع.
قال الزجاج: معنى دساها جعلها ذليلة (حقيرة)(1) خسيسة (2).
وقال الفراء: دسسها؛ لأن البخيل يخفي نفسه ومنزله وماله (3).
قال ابن قتيبة: أي أخفاها بالفجور والمعصية (4).
فالفاجر (بارتكاب الفواحش)(5) دس نفسه؛ أي قمعها (وخباها)(6)، وصانع المعروف شهر نفسه ورفعها.
وكانت أجواد العرب تنزل الرُّبا (7) تشتهر (بذلك)(8) أنفسها، واللئام تنزل الأطراف (والوديان)(9).
فالبر والتقوى يبسط النفس ويشرح الصدر بحيث يجد الإنسان في نفسه أنه (اتسع وعظم)(10) عما كان عليه قبل
(1) زيادة من المطبوع، والذي في طبعة معاني القرآن للزجاج: قليلة.
(2)
معاني القرآن للزجاج (5/ 332).
(3)
معاني القرآن للفراء (3/ 267).
(4)
غريب القرآن (530).
(5)
سقط من المطبوع.
(6)
زيادة من المطبوع.
(7)
مأخوذ من الربوة وهو ما ارتفع من الأرض. النهاية في غريب الحديث (2/ 192)
(8)
سقط من المطبوع.
(9)
زيادة من المطبوع. وانظر تأويل مشكل القرآن (345).
(10)
في المطبوع: اتساعا وبسطاً.
ذلك؛ (فإنه لما اتسع بالبر والتقوى والإحسان بسطه الله وشرح صدره)(1)، والفجور والبخل يقمع النفس (ويصغرها) (2) ويهينها بحيث يجد البخيل في نفسه أنه ضيق. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في الحديث الصحيح فقال:«مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما، فجعل المتصدق كلما (تصدق) (3) بصدقة (اتسعت) (4) وانبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما همّ بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها وأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بإصبعه في جيبه فلو رأيتها يوسعها فلا تتسع» . أخرجاه (5)، (وهذا لفظ مسلم)(6).
وإخفاء المنزل وإظهاره تبعا لذلك، قال الله تعالى:{يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} [النحل: 59]. فهكذا النفس البخيلة الفاجرة قد دسها صاحبها في البدن وبعضها في
(1) زيادة من المطبوع.
(2)
في المطبوع: ويضعها.
(3)
في المطبوع: همّ.
(4)
زيادة من المطبوع.
(5)
رواه البخاري كتاب اللباس باب جيب القميص من عند الصدر وغيره (5779)، ومسلم كتاب الزكاة (1121) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6)
سقط من المطبوع.
بعض، ولهذا وقت الموت تنزع من بدنه كما ينزع السفود من الصوف المبتل، والنفس البرة النقية التقية (التي)(1) قد زكاها صاحبها فارتفعت واتسعت ومجدت ونبلت فوقت الموت تخرج من البدن (تسيل كالقطرة من فَيّ السقاء)(2) وكالشعرة من العجين.
وقد قال تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا} [الأعراف: 58]. وهذا مثل البخيل والمنفق. وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125].
(1) زيادة من المطبوع.
(2)
زيادة من المطبوع.
(3)
لم أجده من قول ابن عباس رضي الله عنهما، ولكن للحسن البصري كلام نحوه فقال: العمل بالحسنة نور في القلب وقوة في البدن، والعمل بالسيئة ظلمة في القلب، ووهن في البدن. رواه ابن أبي الدنيا في التوبة (193)(197).
وقال تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257] الآية ونحوها. وقوله تعالى في سياق ذكر الرمي بالفاحشة وذم (المظهر لها)(1) والمتكلم بما لا يعلم: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} [النور: 21]. بيّن أن الزكاة إنما تحصل بترك الفاحشة، ولهذا قال:{قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور: 30].
وذلك أن ترك السيئات هو من أعمال (النفس)(2) فإنه (يؤمن)(3) أن السيئات مذمومة ويكره فعلها ويجاهد نفسه إذا دعته إليها (إن كان مصدقا لكتاب ربه مؤمناً بما جاء عن نبيه صلى الله عليه وسلم (4)، وهذا التصديق (والإيمان)(5) والكراهة وجهاد النفس أعمال تعملها النفس المزكاة فتزكو (النفس)(6) بذلك أيضا؛ بخلاف ما إذا عملت السيئات فإنها (تتدنس)(7) وتندس وتنقمع كالزرع إذا نبت معه الدغل. والثواب إنما يكون على
(1) في المطبوع: من أحب إظهارها في المؤمنين.
(2)
أشار في حاشية المخطوط: الإنسان.
(3)
في المطبوع: تعلم.
(4)
زيادة من المطبوع.
(5)
زيادة من المطبوع.
(6)
سقط من المطبوع.
(7)
زيادة من المطبوع.
عمل موجود، (والعقاب إنما يكون على عمل موجود)(1). فأما العدم المحض فلا ثواب فيه ولا عقاب لكن فيه عدم الثواب والعقاب.
والله تبارك وتعالى (2) أمر (الناس)(3) بالخير ونهاهم عن الشر، وقد اتفق الناس على أن المطلوب بالأمر فعل موجود، واختلفوا في (المطلوب) (4) بالنهي وهو الترك: هل (هو)(5) أمر وجودي أم أمر عدمي؟ فقيل: (المطلوب أمر)(6) وجودي وهو الترك وهذا قول الأكثرين. وقيل: المطلوب عدم الشر وهو أن لا يفعله. (ومن قال هذا قال: لو لم يخطر النهي عنه بباله بحال لكان ممتثلاً)(7).
والتحقيق (الأمر)(8) أن المؤمن إذا نهى عن المنكر (فلا بد أن يقر بهذا النهي)(9) ويعزم على ترك (المنهي عنه)(10)،
(1) سقط من المطبوع، وفي المطبوع: وكذلك العقاب.
(2)
في المطبوع: سبحانه.
(3)
سقط من المطبوع.
(4)
زيادة من حاشية المخطوط.
(5)
في المطبوع: المطلوب.
(6)
سقط من المطبوع.
(7)
سقط من المطبوع.
(8)
سقط من المطبوع.
(9)
في المطبوع: فلا بد ان لا يقربه.
(10)
سقط من المطبوع.
ويكره فعله وهذا أمر وجودي بلا ريب؛ فلا يتصور أن المؤمن الذي قد علم أنه (نهي عن فعل لا يصدر منه أمر)(1) وجودي لكن قد لا يكون مريداً (لما نهي عنه بل هو كارها له طبعاً)(2) كما يكره (الإنسان)(3) أكل الميتة (والعذرة مع نهي الشارع له عن ذلك لكن مع نهي الشارع)(4) فلا بد له من اعتقاد التحريم والعزم على تركه لطاعة الشارع، وهذا قدر زائد على كراهة الطبع وهذا أمر وجودي يثاب عليه؛ ولكن ليس ثواب من كف نفسه وجاهدها (لطلبها الفعل)(5) المحرم (كثواب من يكرهه طبعه)(6).
ومن كانت كراهته للمحرمات كراهة إيمان وقد غمر إيمانه حكم طبعه؛ فهذا أعلى الأقسام الثلاثة وهذا صاحب النفس المطمئنة، وهو أرفع من صاحب (النفس)(7) اللوّامة التي تفعل الذنب وتلوم صاحبها عليه وتتلوّم وتتردّد هل يفعل أو لا
(1) سقط من المطبوع.
(2)
سقط من المطبوع.
(3)
سقط من المطبوع.
(4)
سقط من المطبوع.
(5)
في المطبوع: عن طلب.
(6)
سقط من المطبوع.
(7)
سقط من المطبوع.
(يفعل)(1)، وأما من لم يخطر بقلبه أن الله حرمه ولا هو مريد له؛ بل لم يفعله فهذا لا يعاقب عليه ولا يثاب إذا لم يحصل منه أمر وجودي يثاب عليه (أو يعاقب)(2)، فمن قال: المطلوب ألا يفعل: إن أراد أن هذا المطلوب يكفي في عدم العقاب فقد صدق (فإن إذا لم يصدر منه ذنب لم يعاقب)(3).
وإن أراد أنه يثاب على هذا العدم فليس كذلك (فإن الثواب لا يكون إلا على أمر وجودي وكذلك العقاب أيضاً)(4). فإن الكافر إذا لم يؤمن بالله ورسوله فلا بد (أن يكون)(5) لنفسه أعمال تشتغل بها عن الإيمان (وتلك)(6) الأعمال كفر يعاقب عليها.
ولهذا لما ذكر الله عقوبة الكفار في النار ذكر أموراً وجودية (عوقبوا عليها وتلك الأمور المباينة للإيمان هي)(7) تدس النفس؛ ولهذا كان التوحيد والإيمان أعظم ما تتزكى به
(1) سقط من المطبوع.
(2)
زيادة من المطبوع.
(3)
زيادة من المطبوع.
(4)
زيادة من المطبوع.
(5)
زيادة من المطبوع.
(6)
في المطبوع: ترك.
(7)
سقط من المطبوع.
النفس، وكان الشرك أعظم ما يدسسها، وتتزكى بالأعمال الصالحة والصدقة وهذا كله مما ذكره السلف (في التزكي)(1).
قالوا: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} من تطهر من الشرك ومن المعصية بالتوبة (2). وعن أبي سعيد وعطاء وقتادة: صدقة الفطر (3). وهؤلاء لم يريدوا أن الآية لم تتناول إلا (صدقة الفطر)(4) بل مقصودهم: أن من أعطى صدقة الفطر وصلى صلاة العيد فقد تناوله قوله: ({قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى • وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14 - 15])(5).
ولهذا كان يزيد بن أبي حبيب كلما خرج إلى الصلاة خرج معه بصدقة يتصدق بها قبل الصلاة ولو لم يجد إلا بصلاً (6).
(1) سقط من المطبوع.
(2)
انظر تفسير ابن جرير الطبري (24/ 319).
(3)
انظر تفسير ابن جرير الطبري (24/ 320).
(4)
سقط من المطبوع.
(5)
سقط من المطبوع.
(6)
هو من فعل أبي الخير مرثد بن عبد الله اليزني، وفيه حديث وهو صحيح: رواه الإمام أحمد (28/ 568) واللفظ له وابن المبارك في الزهد (645) وابن خزيمة (2431)، وابن حبان (3310) وغيرهم، من طرق عن يزيد بن أبي حبيب، أن أبا الخير، حدثه، أنه سمع عقبة بن عامر، يقول: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم يقول: «كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس» .
قال يزيد: «وكان أبو الخير لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو كعكة أو بصلة أو كذا» وفي رواية عند أحمد (38/ 475): عن يزيد بن أبي حبيب قال: «كان مرثد بن عبد الله لا يجيء إلى المسجد إلا ومعه شيء يتصدق به، قال: فجاء ذات يوم إلى المسجد ومعه بصل، فقلت له: أبا الخير، ما تريد إلى هذا ينتن عليك ثوبك ..... » الحديث.
وقال الحسن: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} من كان عمله زاكياً (1).
وقال أبو الأحوص: (زكوات الأموال)(2) كلها (3).
وقال الزجاج: (تزكو بتقوى)(4) الله عز وجل ومعنى الزاكي النامي الكثير (5).
كذلك قالوا في قوله تعالى: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ • الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6، 7] قال ابن عباس: لا يشهدون أن لا إله إلا الله (6).
(وهو قول عكرمة. قيل: المعنى لا يطهرون أنفسهم من الشرك التوحيد)(7). وقال مجاهد: لا يزكون أعمالهم أي ليست
(1) رواه ابن جرير الطبري (24/ 319).
(2)
في المطبوع: زكاة الأمور.
(3)
رواه ابن جرير الطبري (24/ 319) نحوه.
(4)
في المطبوع: تزكى بطاعة.
(5)
معاني القرآن (5/ 316).
(6)
رواه ابن جرير الطبري (20/ 379).
(7)
سقط من المطبوع. وأثر عكرمة رواه ابن جرير الطبري (20/ 379).
(أعمالهم)(1) زاكية. (وقيل: لا يطهرونها بالإخلاص. كأنه أراد - والله أعلم - أهل الرياء فإنه شرك)(2). وعن الحسن: لا يؤمنون بالزكاة ولا يقرون بها. وعن الضحاك: لا يتصدقون ولا ينفقون في الطاعة. وعن ابن السائب: لا يعطون زكاة أموالهم. قال: كانوا يحجون ويعتمرون ولا يزكون (3).
والتحقيق أن الآية تتناول كل ما يتزكى به الإنسان من التوحيد والأعمال الصالحة. (كما قال موسى لفرعون)(4): {فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى} [النازعات: 18]، وكما قال:{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} .
والصدقة المفروضة لم تكن فرضت عند نزول (هذه الآية وهي قوله: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ • الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6، 7])(5). فإن قيل: يؤتى فعل متعد قيل: هذا كقوله: {وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا} [الأحزاب: 14] (وقوله: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60]، وقد قرئ: (ما
(1) سقط من المطبوع.
(2)
زيادة من المطبوع.
(3)
انظر أقوال السلف في تفسير الآية: معالم التنزيل (7/ 164) وزاد المسير (4/ 46).
(4)
سقط من المطبوع.
(5)
سقط من المطبوع.