المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تتمة ترجمة أبي الحسن الأشعري - فهرسة اللبلي

[اللبلي]

الفصل: ‌تتمة ترجمة أبي الحسن الأشعري

بَان فورك وترحم على ابْن سبكتكين جهلا وجرأة وَقد ذكر الْحَافِظ ابْن عَسَاكِر قَالَ ذكر لي الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْأَصْبَهَانِيّ عَمَّن أدْركهُ من شُيُوخ أَصْبَهَان أَن السُّلْطَان مَحْمُود بن سبكتكين لما استولى على أَصْبَهَان ولى عَلَيْهَا واليا من قبله ورحل عَنْهَا فَوَثَبُوا عَلَيْهِ وقتلوه فَرجع مَحْمُود إِلَيْهِم وأمنهم حَتَّى اطمأنوا ثمَّ قصدهم يَوْم الْجُمُعَة فِي الْجَامِع فَقتل مِنْهُم مقتلة عَظِيمَة

قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رضي الله عنه فعلى من فعل هَذِه الفعلة الشنيعة يترحم ابْن حزم ويلعن من بَقِي عمره فِي نصْرَة الدّين وَالرَّدّ على المبتدعة الْمُلْحِدِينَ

‌تَتِمَّة تَرْجَمَة أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ

رَجعْنَا إِلَى الْمَقْصُود وَهُوَ ذكر الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه فَنَقُول وَأما الإِمَام أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه إِمَام الْأمة وناصر السّنة وقامع الْبِدْعَة فَذكر الإِمَام الْحَافِظ أَبُو بكر أَحْمد بن عَليّ بن ثَابت الْخَطِيب فَقَالَ عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن أبي بشر واسْمه إِسْحَاق بن سَالم بن إِسْمَاعِيل بن عبد الله مُوسَى بن بِلَال بن أبي بردة وبن أبي مُوسَى أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ

ص: 97

الْمُتَكَلّم صَاحب الْكتب والتصانيف فِي الرَّد على الملحدة وَغَيرهم من الْمُعْتَزلَة والرافضة والجهمية والخوارج وَسَائِر أَصْنَاف المبتدعة وَهُوَ بَصرِي سكن بَغْدَاد إِلَى أَن توفّي بهَا وَكَانَ يجلس أَيَّام الْجُمُعَات فِي حَلقَة أبي إِسْحَاق الْمروزِي الْفَقِيه من جَامع الْمَنْصُور وَقَالَ بعض الْبَصرِيين ولد أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ فِي سنة سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَمَات سنة نَيف وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة

وَذكر لي أَبُو الْقَاسِم عبد الْوَاحِد بن عَليّ الْأَزْدِيّ أَن الْأَشْعَرِيّ مَاتَ بِبَغْدَاد بعد سنة عشْرين وَقبل سنة ثَلَاثِينَ وثلاثمائة وَدفن فِي مشرعة الروايا فِي تربة إِلَى جَانبهَا مَسْجِد وبالقرب مِنْهَا حمام وَهِي عَن يسَار الْمَار من السُّوق إِلَى دجلة

وَذكر أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن سعيد بن حزم الأندلسي أَن أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ مَاتَ فِي سنة أَربع وَعشْرين وثلاثمائة قَالَ وَله خَمْسَة وَخَمْسُونَ تصنيفا

حَدثنَا القَاضِي أَبُو مُحَمَّد عبد الله مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الْأَصْبَهَانِيّ قَالَ سَمِعت أَبَا عبد الله بن بانيال يَقُول سَمِعت بنْدَار بن الْحسن يَقُول وَكَانَ خَادِم أبي الْحسن على بن إِسْمَاعِيل بِالْبَصْرَةِ فَقَالَ كَانَ عَيْش أبي الْحسن من

ص: 98

غلَّة ضَيْعَة وَقفهَا جده بِلَال بن أبي برده بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ على عقبه وَكَانَت نَفَقَته فِي كل سنة سَبْعَة عشر درهما

حَدثنِي مُحَمَّد بن عَليّ الصُّورِي قَالَ سَمِعت عبد الْغَنِيّ بن سعيد الْحَافِظ يَقُول سَمِعت أَبَا الْحسن عَليّ بن مُحَمَّد بن يزِيد يَقُول سَمِعت أَبَا بكر ابْن الصَّيْرَفِي يَقُول كَانَت الْمُعْتَزلَة قد رفعوا رؤوسهم حَتَّى أظهر الله تَعَالَى الْأَشْعَرِيّ فجحرهم فِي أقماع السمسم انْتهى مَا ذكره الإِمَام الْحَافِظ أَب برك الْخَطِيب من نسب الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وتصانيفه ورده على المبتدعة ومولده ووفاته وقوته وَقدر نَفَقَته رضوَان الله عَلَيْهِ

قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رضي الله عنه وَذكره أَيْضا شيخ السّنة الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ على مَا أخبرنَا بِهِ الإِمَام عز الدّين بن عبد السَّلَام الدِّمَشْقِي عَن شَيْخه الْحَافِظ بهاء الدّين أبي مُحَمَّد الْقَاسِم عَن وَالِده الإِمَام الْحَافِظ مُحدث الشَّام أبي الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر قَالَ أخبرنَا الشَّيْخ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْفضل الفراوي أخبرنَا أَبُو بكر أَحْمد بن الْحُسَيْن الْبَيْهَقِيّ الْحَافِظ قَالَ أما بعد فَإِن بعض أَئِمَّة الْأَشْعَرِيين

ص: 99

رَضِي الله عَنْهُم ذاكرني بمتن الحَدِيث الَّذِي أخبرناه أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ قَالَ حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد بن يَعْقُوب عَن إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوق عَن وهب بن جرير وَأَبُو عَامر الْعَقدي قَالَا حَدثنَا شُعْبَة عَن سماك بن حَرْب عَن عِيَاض الْأَشْعَرِيّ قَالَ لما نزلت {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} الْمَائِدَة 54 أَوْمَأ النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَى أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه فَقَالَ هم قوم هَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَذَلِكَ لما وجد فِيهِ من الْفَضِيلَة الجليلة والمرتبة الشَّرِيفَة للْإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه فَهُوَ من قوم أبي مُوسَى وَأَوْلَاده الَّذين أُوتُوا الْعلم ورزقوا الْفَهم مَخْصُوصًا من بَينهم بتقوية السّنة وقمع الْبِدْعَة بِإِظْهَار الْحجَّة ورد الشُّبْهَة وَالْأَشْبَه أَن يكون رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا جعل قوم أبي مُوسَى من قوم يُحِبهُمْ الله وَيُحِبُّونَهُ لما علم من صِحَة دينهم وَعرف من قُوَّة يقينهم فَمن نحا فِي علم الْأُصُول نحوهم وَتبع فِي نفي

ص: 100

التَّشْبِيه مَعَ مُلَازمَة الْكتاب وَالسّنة قَوْلهم جعل من جُمْلَتهمْ وعد من حسابهم بِمَشِيئَة الله تَعَالَى وإذنه أعاننا الله على ذَلِك بمنه وَختم لنا بالسعادة وَالشَّهَادَة بجوده وليعلم الْمنصف من أَصْحَابنَا صنع الله تَعَالَى فِي تَقْدِيم هَذَا الأَصْل الشريف لما ذخره لِعِبَادِهِ من هَذَا الْفَرْع المنيف الَّذِي أَحْيَا بِهِ السّنة وأمات بِهِ الْبِدْعَة وَجعله خلف حق لسلف صدق

قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رضي الله عنه وَمِمَّا يدل أَيْضا على شرف أَصله وَالْإِشَارَة إِلَى مَا يظْهر من علمه وَكبر مَحَله حَدِيث الْأَعْمَش عَن جَامع بن شَدَّاد عَن صَفْوَان بن مُحرز عَن عمرَان بن حُصَيْن رضي الله عنه قَالَ أتيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فعقلت نَاقَتي بِالْبَابِ ثمَّ دخلت فَأَتَاهُ نفر من بني تَمِيم فَقَالَ اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بني تَمِيم قَالُوا فبشرتنا فَأَعْطِنَا فجَاء نفر من أهل الْيمن فَقَالَ اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أهل الْيمن إِذْ لم يقبلهَا إخْوَانكُمْ من بني تَمِيم قَالُوا قبلنَا يَا رَسُول الله أَتَيْنَاك لنتفقه فِي الدّين ونسألك عَن أول هَذَا الْأَمر كَيفَ كَانَ قَالَ كَانَ الله وَلم يكن شَيْء غَيره وَكَانَ عَرْشه على المَاء ثمَّ كتب فِي الذّكر كل شَيْء ثمَّ خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض قَالَ ثمَّ أَتَانِي رجل فَقَالَ أدْرك نَاقَتك قد ذهبت فَخرجت فَوَجَدتهَا يَنْقَطِع دونهَا السراب وأيم الله لَوَدِدْت أَنِّي كنت تركتهَا قَالَ الإِمَام الْحَافِظ

ص: 101

أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فِي هَذَا الحَدِيث خرجه البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح من أوجه عَن الْأَعْمَش وَأخرج أَوله فِي بَاب قدوم الْأَشْعَرِيين وَأهل الْيمن وَفِي سُؤَالهمْ دَلِيل على أَن الْكَلَام فِي علم الْأُصُول وَحدث الْعَالم مِيرَاث لأولادهم عَن أجدادهم وَقَوله وَكَانَ الله وَلم يكن شَيْء غَيره وَيدل على أَنه لم يكن شَيْء غَيره لَا المَاء وَلَا الْعَرْش وَلَا غَيرهمَا فَجَمِيع ذَلِك غير الله تَعَالَى وَقَوله {وَكَانَ عَرْشه على المَاء} هود يَعْنِي ثمَّ خلق المَاء وَخلق الْعَرْش على المَاء ثمَّ كتب فِي الذّكر كل شَيْء

قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس أبقاه الله وثنا شيخ السّنة الإِمَام الْحَافِظ أَبُو بكر الْبَيْهَقِيّ فِي تصانيف كَثِيرَة وَهُوَ على مذْهبه وناهيك بِهِ وَقد أفرد للثناء عَلَيْهِ كلَاما مِنْهُ رسَالَته إِلَى العميد يَقُول فِي فصل مِنْهَا وَكَأَنَّهُ خَفِي عَن الشَّيْخ العميد أَقَامَ الله عزه حَال شَيخنَا أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رحمه الله عَلَيْهِ ورضوانه وَمَا يرجع إِلَيْهِ من شرف الأَصْل وَكبر الْمحل فِي الْعلم وَالْفضل وَكَثْرَة الْأَصْحَاب من الخنفية والمالكية وَالشَّافِعِيَّة الَّذين رَغِبُوا فِي علم الْأُصُول وأحبوا معرفَة دَلَائِل الْعُقُول وفضائل الشَّيْخ أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ ومناقبه أَكثر

ص: 102

من أَن يُمكن ذكرهَا فِي هَذِه الرسَالَة لما فِي الإطالة من خشيَة الملالة لكني أذكر بِمَشِيئَة الله تَعَالَى من شرفه بآبائه وأجداده وفضله بِعِلْمِهِ وَحسن اعْتِقَاده وَكبر مَحَله بِكَثْرَة أَصْحَابه مَا يحملهُ على الذب عَنهُ وَعَن أَتْبَاعه فَليعلم الشَّيْخ العميد أدام الله سيادته أَن أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ رحمه الله من أَوْلَاد أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه فَإِنَّهُ أَبُو الْحسن عَليّ بن إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق بن سَالم بن إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن مُوسَى بن بِلَال بن أبي بردة بن أبي مُوسَى وَأَبُو مُوسَى هُوَ عبد الله بن قيس بن سليم الْأَشْعَرِيّ ينْسب إِلَى الْجمَاهِر بن الْأَشْعر والأشعر من أَوْلَاد سبأ الَّذين كَانُوا بِالْيمن فَلَمَّا بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم هَاجر أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ مَعَ إخوانه فِي بضع وَخمسين من قومه إِلَى أَرض الْحَبَشَة فأقاموا مَعَ جَعْفَر بن أبي طَالب رضي الله عنه حَتَّى قدمُوا جَمِيعًا على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حِين افْتتح خَيْبَر ثمَّ ذكر من فضل أبي مُوسَى بعض مَا عدمته بأسانيده إِلَى أَن قَالَ ورزق من الْأَوْلَاد والأحفاد من الدِّرَايَة وَالرِّوَايَة وَالرِّعَايَة مَا يكثر نشره وأساميهم فِي التواريخ مثبتة ومعرفتهم عِنْد أهل الْعلم بالرواية مَشْهُورَة إِلَى أَن بلغت النّوبَة إِلَى شَيخنَا أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ رحمه الله فَلم يحدث فِي

ص: 103

دين الله حَدثا وَلم يَأْتِ فِيهِ ببدعة بل أَخذ أقاويل الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ من الْأَئِمَّة فِي أصُول الدّين فنصرها بِزِيَادَة شرح وتبيين وَأَن مَا قَالُوهُ وَجَاء بِهِ الشَّرْع فِي الْأُصُول صَحِيح فِي الْعُقُول خلاف مَا زَعمه أهل الْأَهْوَاء من أَن بعضه لَا يَسْتَقِيم فِي الآراء فَكَانَ فِي بَيَانه تَقْوِيَة مَا لم يدل عَلَيْهِ من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة ونصرة أقاويل من مضى من الْأَئِمَّة كَأبي حنيفَة وسُفْيَان الثَّوْريّ من أهل الْكُوفَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَغَيره من أهل الشَّام وَمَالك وَالشَّافِعِيّ من أهل الْحَرَمَيْنِ وَمن نحا نَحْوهمَا من أهل الْحجاز وَغَيرهَا من سَائِر الْبِلَاد وكأحمد بن حَنْبَل وَغَيره من أهل الحَدِيث وَاللَّيْث بن سعد وَغَيره وَأبي عبد الله مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ وَأبي الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج النَّيْسَابُورِي إمامي أهل الْآثَار وحفاظ السّنَن الَّتِي عَلَيْهَا مدَار الشَّرْع رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ وَذَلِكَ دأب من تصدر من الْأَئِمَّة فِي هَذِه الْأمة وَصَارَ رَأْسا فِي الْعلم من أهل السّنة فِي قديم الدَّهْر وَحَدِيثه وَبِذَلِك وعد سيدنَا الْمُصْطَفى صلى الله عليه وسلم أمته فِيمَا روى عَنهُ أَبُو هُرَيْرَة أَنه قَالَ يبْعَث لهَذِهِ الْأمة على رَأس كل مائَة من يجدد لَهَا دينهَا وهم هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّة الَّذين قَامُوا فِي كل عصر من أعصار أمته بنصرة شَرِيعَته وَمن قَامَ بهَا إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

وَحين نزل قَول الله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا من يرْتَد مِنْكُم عَن دينه فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّة على}

ص: 104

الْمُؤمنِينَ أعزة على الْكَافرين يجاهدون فِي سَبِيل الله وَلَا يخَافُونَ لومة لائم) الْمَائِدَة 54

أَشَارَ الْمُصْطَفى صلى الله عليه وسلم إِلَى أبي مُوسَى وَقَالَ قوم هَذَا فوعد الله شَيْئا مُعَلّقا بِشَيْء وَخص النَّبِي الْمُصْطَفى صلى الله عليه وسلم بِهِ قوم أبي مُوسَى فَكَانَ خَبره حَقًا ووعد الله صدقا

وَحين خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من بَين أمته وَقَبضه الله تَعَالَى إِلَى رَحمته ارْتَدَّ نَاس من الْعَرَب فجاهدهم أَبُو بكر الصّديق رضي الله عنه بأصحاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مِنْهُم أَبُو مُوسَى وَقَومه حَتَّى عَاد أهل الرِّدَّة إِلَى الْإِسْلَام كَمَا وعد رب الْأَنَام

وَحين كثرت المبتدعة فِي هَذِه الْأمة وَتركُوا ظَاهر الْكتاب وَالسّنة وأنكروا مَا ورد بِهِ من صِفَات الله عز وجل نَحْو الْحَيَاة وَالْعلم وَالْقُدْرَة والمشيئة والسمع وَالْبَصَر وَالْكَلَام وجحدوا مَا دلا عَلَيْهِ من الْمِعْرَاج وَعَذَاب الْقَبْر وَالْمِيزَان وَأَن الْجنَّة وَالنَّار مخلوقتان وَأَن أهل الْإِيمَان يخرجُون من النَّار وَمَا لنبينا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم من الْحَوْض والشفاعة مَا لأهل الْجنَّة من الرُّؤْيَة وَأَن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة كَانُوا محقين فِيمَا قَامُوا بِهِ من الْولَايَة وَزَعَمُوا أَن شَيْئا من ذَلِك لَا يَسْتَقِيم على الْعقل وَلَا يَصح فِي الرَّأْي أخرج الله عز

ص: 105

وَجل من نسل أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ إِمَامًا قَامَ بنصرة دين الله تَعَالَى وجاهد بِلِسَانِهِ وَبَيَانه من صدعن سَبِيل الله وَزَاد فِي التَّبْيِين الْأَهْل الْيَقِين أَن مَا جَاءَ بِهِ الْكتاب وَالسّنة وَمَا كَانَ عَلَيْهِ سلف هَذِه الْأمة مُسْتَقِيم على الْعُقُول الصَّحِيحَة والاراء تَصْدِيقًا لقَوْله وتحقيقا لتخصيص رَسُوله صلى الله عليه وسلم قوم أبي مُوسَى بقوله {فَسَوف يَأْتِي الله بِقوم يُحِبهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}

هَذَا وَالْكَلَام فِي علم الْأُصُول وحدوث الْعَالم مِيرَاث أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ عَن أجداده وأعمامه الَّذين قدمُوا على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذْ لم يثبت عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ أَن وَفْدًا من الْوُفُود وفدوا على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَسَأَلُوهُ عَن علم الْأُصُول وَحدث الْعَالم إِلَّا وَفد الْأَشْعَرِيّ من أهل الْيمن ثمَّ ذكر حَدِيث عمرَان بن الْحصين حِين أَتَاهُ نفر من بني تَمِيم وَقد ذكرته قبل بِإِسْنَادِهِ ثمَّ قَالَ فَمن تَأمل هَذِه الْأَحَادِيث وَعرف مَذْهَب شَيخنَا أبي الْحسن فِي علم الْأُصُول وَعلم تبحره فِيهِ أبْصر صنع الله عزت قدرته فِي تَقْدِيم هَذَا الأَصْل الشريف لما ذخره لِعِبَادِهِ من هَذَا الْفَرْع المنيف الَّذِي أَحْيَا بِهِ السّنة وأمات بِهِ الْبِدْعَة وَجعله خلف حق لسلف صدق

ص: 106

قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْعَبَّاس رضي الله عنه فَهَذَا كَلَام هَذَا الإِمَام الْعَظِيم الْقدر شيخ السّنة الْحَافِظ أبي بكر الْبَيْهَقِيّ فِي الإِمَام أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وثناؤه عَلَيْهِ وَكَونه على مذْهبه واعتقاده

وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو الْقَاسِم ابْن عَسَاكِر كتب إِلَيّ الشَّيْخ أَبُو الْقَاسِم نصر بن نصر بن عَليّ بن يُونُس بن العكبري الْوَاعِظ من بَغْدَاد يُخْبِرنِي عَن القَاضِي أبي الْمَعَالِي عزيزي بن عبد الْملك قَالَ سَمِعت الشَّيْخ الإِمَام أَبَا عبد الله الْحُسَيْن بن مُحَمَّد الدَّامغَانِي قَالَ سَمِعت الإِمَام أَبَا الْحُسَيْن يَعْنِي مُحَمَّد بن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن سمعون قَالَ سَمِعت أَبَا عمرَان مُوسَى بن أَحْمد بن عَليّ الْفَارِسِي الْفَقِيه قَالَ سَمِعت أبي يَقُول خدمت الإِمَام أَبَا الْحسن الْأَشْعَرِيّ بِالْبَصْرَةِ سِنِين وعاشرته بِبَغْدَاد إِلَى أَن توفّي رحمه الله فَلم أجد أحدا أورع مِنْهُ وَلَا أَغضّ طرفا وَلم أر شَيخا أَكثر حَيَاء مِنْهُ فِي أُمُور الدُّنْيَا وَلَا أنشط مِنْهُ فِي أُمُور الْآخِرَة قَالَ القَاضِي أَبُو الْمَعَالِي فأظهر الْحق ونشره وأدحض

ص: 107