المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم ‌ ‌مقدمة المصنف الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله - قاعدة في الانغماس في العدو وهل يباح

[ابن تيمية]

الفصل: بسم الله الرحمن الرحيم ‌ ‌مقدمة المصنف الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله

بسم الله الرحمن الرحيم

‌مقدمة المصنف

الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل الله ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد:

الحاجة إلى هذه المسألة.

1-

فهذه مسألة يحتاج إليها المؤمنون عموما، والمجاهدون منهم خصوصا، وإن كان1 الإيمان لا يتم إلا بالجهاد2.

2-

وكما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} (الحجرات: من الآية15) .

3-

ولكن الجهاد يكون للكفار والمنافقين أيضا.

4-

كما قال تعالى: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ} (التوبة: من الآية73) .

1 في الأصل: "جاز".

2 يقول المصنف رحمه الله: "والجهاد تمام الإيمان وسنام العمل""مجموع الفتاوى"(10/410) .

ص: 17

جهاد النفس والمال

5-

ويكون الجهاد بـ: النفس والمال1.

6-

كما قال تعالى: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (التوبة: من الآية41)2.

7-

ويكون بـ: غير ذلك وبنفقة.

8-

لما ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" من جهز غازيا فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا"3.

1 قال المصنف رحمه الله: "الغزو يحتاج إلى جهاد بالنفس، وجهاد بالمال، فإذا بذل هذا بدنه وهذا ماله مع وجود الإرادة الجازمة في كل منهما؛ كان كل منهما مجاهدا بإرادته الجازمة ومبلغ قدرته وكذلك لا بد للغازي من خليفة في الأهل، فإذا خلفه في أهله بخير فهو أيضا غاز". "مجوع الفتاوى"(10/722) .

2 في الأصل: وقع خطأ في الآية: {وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم} !!

3 البخاري (2843) ومسلم (1895)(135) من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه.

قال الإمام النووي رحمه الله: "أي حصل له الأجر لأجل الغزو، وهذا الأجر يحصل بكل جهاد وسواء قليله وكثيره، ولكل خالف له في أهله بخير من قضاء حاجة لهم، وإنفاق عليهم، أو مساعدتهم في أمرهم، ويختلف قدر الثواب بقلة ذلك وكثرته. وفي هذا الحديث: الحث على الإحسان إلى من فعل مصلحة للمسلمين، أو قام بأمر من مهامهم".

وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قوله: "فقد غزا" قال ابن حبان: معناه أنه مثله في الأجر وإن لم يغزو حقيقة ثم أخرجه من وجه آخر عن بسر بن سعيد بلفظ: "كتب له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجره شيء، ولابن ماجه وابن حبان من حديث عمر نحوه بلفظ:"من جهز غازيا حتى يستقل كان له مثل أجره حتى يموت أو يرجع"، وأفادت فائدتين: إحداهما: أن الوعد المذكور مرتب على تمام التجهيز وهو المراد بقوله: "حتى يستقل"، وثانيهما: أنه يستوي معه في الأجر إلى أن تنقضي تلك الغزوة" "فتح الباري" (6/50) .

ص: 18

جهاد اليد والقلب واللسان

9-

ويكون الجهاد بـ: اليد والقلب واللسان.

10-

كما قال صلى الله عليه وسلم: "جاهدوا المشركين بأيديكم وألسنتكم وأموالكم"1.

11-

وكما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إن بالمدينة لرجالا ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم العذر"2.

1 رواه أبو داود (2504) ، والدارمي (2/280) وأحمد (3/124، 251) والبيهقي (2/6، 9/20) والحاكم (2/91) وقال: "صحيح على شرط مسلم" عن أنس بن مالك رضي الله عنه بلفظ: "بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" وفي لفظ لأحمد (3/153) : "بألسنتكم وأنفسكم وأموالكم وأيديكم" ورواه النسائي في "الكبرى"(3/6) والمجتبى (6/7) بلفظ: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم" ورواه ابن حبان (4708) وأبي يعلى (6/468) بلفظ: "بأيديكم وألسنتكم".

فائدة:

قال المنذري رحمه الله: "يحتمل أن يريد بقوله: بألسنتكم الهجاء، ويؤيده قوله: "فلهو أسرع فيهم من نضح النبل"، ويحتمل أن يريد به حض الناس على الجهاد وترغيبهم فيه وبيان فضائله لهم". شرح السيوطي للنسائي (6/7) .

قال العلامة شمس الحق أبادي رحمه الله: "قال في السبل: الحديث دليل على وجوب الجهاد بالنفس وهو بالخروج والمباشرة للكفار، وبالمال وهو بذله لما يقوم به من النفقة في الجهاد والسلاح ونحوه، وباللسان بإقامة الحجة عليهم ودعائهم إلى الله تعالى والزجر ونحوه من كل ما فيه نكاية للعدوا {وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} " عون المعبود (7/182) .

2 البخاري (4423) ومسلم (1911)(159) عن أنس بن مالك رضي الله عنه.

قال المصنف رحمه الله: "فأخبر أن القاعد بالمدينة الذي لم يحبسه إلا العذر هو مثل من معهم في هذه الغزوة، ومعلوم أن الذي معه في الغزوة يثاب كل واحد منهم ثواب غاز على قدر نيته فكذلك القاعدون الذين لم يحبسهم إلا العذر، ومن هذا الباب ما ثبت في الصحيحين عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل وهو صحيح=

ص: 19

12-

فهؤلاء كان جهادهم بقلوبهم ودعائهم.

13-

وقد قال تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} (النساء:95) .

14-

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الساعي1 على الصدقة بالحق كالمجاهد في سبيل الله"2.

=مقيم"؛ فإنه إذا كان يعمل في الصحة والإقامة عملا ثم لم يتركه إلا لمرض أو سفر ثبت أنه إنما ترك لوجود العجز والمشقة لا لضعف النية وفتورها فكان له من الإرادة الجازمة التي لم يتخلف عنها الفعل إلا لضعف القدرة ما للعامل، والمسافر وإن كان قادرا مع المشقة كذلك بعض المرض إلا أن القدرة الشرعية هي التي يحصل بها الفعل من غير مضرة راجحة كما في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} ، وقوله: {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} ونحو ذلك ليس المعتبر في الشرع القدرة التي يمكن وجود الفعل بها على أي وجه كان بل لا بد أن تكون المكنة خالية عن مضرة راجحة بل أو مكافئة" مجموع الفتاوى (10/72) .

قال النووي رحمه الله: "وفي هذا الحديث فضيلة النية في الخير، وأن من نوى الغزو وغيره من الطاعات فعرض له عذر منعه حصل له ثواب نيته، وأنه كلما أكثر من التأسف على فوات ذلك وتمنى كونه مع الغزاة ونحوهم كثر ثوابه والله أعلم""شرح النووي لمسلم"(5/57) .

1 رواه أبو داود (2936) وابن ماجه (1809) والترمذي (645) وقال: "حديث حسن صحيح" وصححه ابن خزيمة (2334) والحاكم (1/564) وقال: "صحيح على شرط مسلم" من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه بلفظ: "العامل على الصدقة بالحق كالغازي في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته".

2 في الأصل: "الساعين" وكتب بالهامش لعله "الساعي" وهو الموافق أيضا لما جاء في "مجموع الفتاوى"(28/360) .

ص: 20

15-

وقال أيضا: "المجاهد من جاهد نفسه في الله"1.

16-

كما قال: "المؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم، والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"2.

17-

والجهاد في سبيل الله أنواع متعددة

3

1 رواه أحمد (20، 22) والترمذي (1621) وقال: "حسن صحيح" وابن حبان (4706) والطبراني (18/309) برقم (797) والقضاعي في مسند الشهاب (184) وابن أبي عاصم في الجهاد (175) من حديث فضالة بن عبيد رضي الله عنه. وقد جاءت هذه الجملة أيضا ضمن حديث فضالة بن عبيد الآتي عند أحمد (3/154) وابن حبان (510) .

2 الحديث بهذا اللفظ: "صحيح بعضه في الصحيحين وبعضه صححه الترمذي" كما قال المصنف في السياسة الشرعية (42) .

فرواه البخاري (10) من حديث عبد الله بن عمرو بلفظ: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" والترمذي (2627) عن أبي هريرة: " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم" وقال: "حديث حسن صحيح". وقد رواه أحمد (6/21، 22) والحاكم (1/10، 11) وابن حبان (4862) وأبو يعلى (7/199) برقم (4187) من حديث فضالة بن عبيد قال قال رسول اله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: "ألا أخبركم بالمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب". ورواه ابن حبان (510) والحاكم (1/11) وصححه الحافظ في الفتح (1/54) من حديث أنس بلفظ: " والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده والمجاهد من هجر السوء".

3 بياض بالأصل وعليه كلمة "كذا".

ص: 21

18-

سبيل الله، ويفرق بينهما النية وإتباع الشريعة.

الغزو غزوان

19-

كما في "السنن" عن معاذ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الغزو غزوان:

فأما من ابتغى وجه الله، وأطاع الإمام، وأنفق الكريمة واجتنب الفساد؛ كان نومه [ونبهه] 1 كله أجر.

وأما من غزا فخر ورياء وسمعة، وعصى الإمام، وأفسد في الأرض؛ فإنه لم يرجع بالكفاف" 2.

1 رواه أحمد (5/234) وأبو داود (2515) والنسائي في الكبرى (8730) وفي المجتبى (6/49، 7/155) والطبراني في الكبير (20/91-92) وفي مسند الشاميين (1159) والحاكم (8512) والبيهقي في السنن (9/168) وفي الشعب (4265) وابن أبي عاصم في الجهاد (133) وقد رواه مالك في الموطأ (2/466) برقم (998) عن يحي بن سعيد عن معاذ بن جبل موقوفا على معاذ بن جبل رضي الله عنه. وقد حسنه الألباني في الصحيحة (1990) .

فائدة:

قال العلامة الزرقاني رحمه الله: "تنفق فيه الكريمة: يريد كرائم الأموال، ويحتمل أن يريد به: حلال المال دون خبيثه ودون ما فيه شبهة ويحتمل أن يريد به: كثيره إذا أراد بالنفقة النفقة على نفسه والصدقة، ويحتمل أن يريد بالكريمة أفضل المتاع مثل: أن يغزوا على أفضل الخيل وأسبقها ويقتنيها لذلك، وكذلك يغزوا بأفضل السلاح والآلة؛ فيكون إنفاقها في سبيل الله ابتياعها لذلك، ويكون استعمالها في ذلك حتى يعطب الفرس وتفنى الآلة والسلاح، وقد يحتمل أن يريد بالإنفاق الغازي ذلك في سبيل الله أن يحبس في سبيل الله أفضل ما يغزو به معه من ذلك " المنتقى شرح الموطأ.

2 في الأصل: "يومه" بدل "نومه" والتصويب وما بين المعقوفتين أيضا أثبته من مصادر التخريج.

ص: 22