المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

عليه زمانه، وتفرق عليه قلبه، وفاته من مصالحه، ما لا - قاعدة في الصبر

[ابن تيمية]

الفصل: عليه زمانه، وتفرق عليه قلبه، وفاته من مصالحه، ما لا

عليه زمانه، وتفرق عليه قلبه، وفاته من مصالحه، ما لا يمكن استدراكه، ولعل هذا يكون أعظم عليه من المصيبة التي نالته من جهتهم، فإذا عفى وصفح فرغ قلبه وجسمه لمصالحه التي هي أهم عنده من الانتقام.

ص: 98

‌الوجه الثامن

الثامن: أن انتقامه واستيفاءه وانتصاره لنفسه وانتقامه، لها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه قط1 فإذا كان هذا خير خلق الله وأكرمهم على الله لم يكن ينتقم لنفسه23 مع أن أذاه أذًى لله ويتعلق به حقوق الدين، ونفسه أشرف الأنفس، وأزكاها، وأبرها وأبعدها من كل خُلقٍ مذموم، وأحقها بكل خُلقٍ جميل، ومع هذا فلم يكن ينتقم لها. فكيف ينتقم أحدنا4 لنفسه التي هو أعلم بها وبما فيها من العيوب والشرور5 بل الرجل العارف لا تساوي نفسه عنده أن ينتقم لها، ولا قدر لها عنده يوجب عليه انتصاره لها.

1 انظر: صحيح البخاري كتاب المناقب باب صفة النبي صلى الله عليه وسلم (6/566 مع الفتح) رقم: (3560) .

وصحيح مسلم كتاب الفضائل باب مباعدت هـ صلى الله عليه وسلم للآثام رقم (2327 - 2328) .

2 من قوله: "وانتقامه لها، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم

إلى هنا" مكرر في (أ) .

(ق 3/ب) .

4 في (ب) : (أحد) .

5 في (ب) : "من الشرور والعيوب".

ص: 98

‌الوجه التاسع

التاسع: إن أوذي على ما فعله لله أو على ما أمره6 به من طاعته ونهى عنه من معصيته وجب عليه الصبر ولم يكن له الانتقام، فإنه قد أوذي في الله، فأجره على الله، ولهذا لما كان المجاهدون في سبيل الله ذهبت دماؤهم وأموالهم في

6 في (ب) : "أمر به".

ص: 98

الله لم تكن مضمونة، فإن الله - تعالى - اشترى منهم أنفسهم وأموالهم1، فالثمن على الله لا على الخلق، فمن طلب الثمن منهم لم يكن له على الله ثمن، فإنه من كان في الله تلفه كان على الله خلفه2.

وإن كان قد أوذي على معصية3، فليرجع باللوم على نفسه، ويكون في لومه لها شغل عن لومه لمن آذاه.

وإن كان قد أوذي على حضٍ، فليوطن نفسه على الصبر، فإن نيل الحظوظ دونه أَمْرٌ أَمَرُّ من الصبر، فمن لم يصبر على حر الهواجر4، والأمطار، والثلوج، ومشقة الأسفار، ولصوص الطريق، وإلا فلا حاجة له في المتاجر، وهذا أمر معلوم عند الناس أن من صدق في [طلب] 5 شيء من الأشياء بذل من الصبر في تحصيله بقدر صدقه في طلبه.

1 يريد المصنف قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} الآية [111] من سورة التوبة.

2 روى أبو يعلى في مسنده (4/36 ح 2040 تحقيق حسين سليم أسد) عن بشر بن الوليد الكندي عن المسور بن الصلت عن محمد بن المنكدر عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل معروف صدقة، وما أنفق الرجل على أهله وماله كتب له صدقة، وما وقى به عرضه فهو صدقة. قال: وكل نفقة مؤمن في غير معصية فعلى الله خلفه ضامناً إلا نفقة في بنيان".

قال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/136) : "وفي إسناد أبي يعلى مسور بن الصلت وهو ضعيف".

ورواه أيضا ًالدارقطني في سننه (3/28 برقم 101) والحاكم في مستدركه (2/50) كلاهما من طريق عبد الحميد بن الحسن الهلالي عن محمد بن المنكدر بنحوه.

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح ولم يخرجاه، وشاهده ليس من شرط هذا الكتاب" وتعقبه الذهبي بقوله: "بل ضعفوه".

3 في (ب) : (مصيبة) .

4 جمع هاجرة: وهي نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر، أو نصف النهار عند اشتدادا الحر. انظر: لسان العرب مادة (هجر)(5/254) .

5 ساقطة من (أ) .

ص: 99