المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌التحقيق ‌ ‌مدخل … القسم الثاني التحقيق قاعدة في الصَّبر للشّيخ تقيّ الدّين ابن تيميّة (ت 728) - قاعدة في الصبر

[ابن تيمية]

الفصل: ‌ ‌التحقيق ‌ ‌مدخل … القسم الثاني التحقيق قاعدة في الصَّبر للشّيخ تقيّ الدّين ابن تيميّة (ت 728)

‌التحقيق

‌مدخل

القسم الثاني

التحقيق

قاعدة في الصَّبر

للشّيخ تقيّ الدّين ابن تيميّة (ت 728) رحمه الله

ورحم جميع أموات المسلمين

ص: 87

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم اعف واغفر.

قال الشيخ الإمام العامل شيخ الإسلام، مفتي الأنام تقي الدين أبو العباس أحمد ابن تيمية1.

فصل:

جعل الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بكل منزلة خيراً منه، فهم دائماً في نعمة من ربهم، أصابهم ما يحبون، أو ما يكرهون، وجعل أقضيته وأقداره التي يقضيها لهم ويقدرها عليهم متاجر يربحون بها عليه، وطرقاً يصلون منها إليه، كما ثبت في الصحيح عن إمامهم ومتبوعهم الذين إذا دعي يوم القيامة كل أناس بإمامهم دعوا به - صلوات الله وسلامه عليه -2

1 افتتحت نسخة (ب) بعد البسملة بالعبارة التالية: "وصلي الله على سيدنا محمد، قال الشيخ الإمام العالم العلامة شيخ الإسلام، مفتي الأنام تقي الدين أبو العباس أحمد بن تيمية الحراني رضي الله عنه".

2 أخرج الخطيب في تاريخ بغداد (1/317) عن أنس في قوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} الآية [71] من سورة الإسراء قال: "نبيهم"، وأورده السيوطي في الدر المنثور (5/316) وعزاه لابن أبي حاتم وابن مردويه.

وروي مثله عن مجاهد أخرجه ابن جرير في تفسيره (15/126) ، وأورده السيوطي في الدر المنثور (5/316) وعزاه لابن المنذر.

ص: 88

أنه قال: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله عجب لا1يقضي الله لمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له"2.

فهذا الحديث يعم جميع أقضيته لعبده المؤمن وأنها خيرله إذا صبر على مكروهها وشكر لمحبوبها، بل هذا داخل في مسمى الإيمان كما3 قال بعض السلف:"الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر"4 لقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ

1 في (ب) : (ما) .

2 أخرجه مسلم،كتاب الزهد، باب المؤمن أمره كله خير (8/227) ، وأخرجه الإمام أحمدفي المسند (1/173) ، وأخرجه الدارمي في سننه، كتاب الرقائق،باب المؤمن يؤجر في كل شيء (2/318)، بلفظ: "عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير

الحديث".

ولم أقف على الحديث بلفظ: "

كله عجب" كما أورده المؤلف.

3 في (ب) : "فإنه كما قال

"

4 أخرجه وكيع بن الجراح في الزهد (2/456) برقم (203) ،والطبراني في الكبير (9/107) ، والمنذري في الترغيب والترهيب (4/171 ح 4976)، موقوفاً على ابن مسعود بلفظ:"الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله".

والبخاري في صحيحه (1/45) كتاب الإيمان باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "بني الإسلام على خمس" تعليقاً واقتصر على شطر منه من قول ابن مسعود بلفظ: "اليقين الإيمان كله".

والخرائطي في فضيلة الشكر لله على نعمته (ص 39) برقم (18) بلفظ: "الإيمان نصفان: فنصف في الصبر ونصف في الشكر".

وابن الأعرابي في معجمه (1/309) ، وأبو نعيم في الحلية (5/34) ، وتمام في فوائده (2/40) ، وأبو الحسن الأزدي في المجلس الأول من المجالس الخمسة (16-17) ، والقضاعي في مسند الشهاب (1/126 - 127) ، والبيهقي في شعب الإيمان (7/123) برقم (9715) ،والأصبهاني في الترغيب والترهيب (2/661) برقم (1582) ، والخطيب في تاريخ بغداد (13/226) ، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/330-331) ، والذهبي في مختصر العلل (3/1125)، مرفوعاً بلفظ:"الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله"

وابن أبي الدنيا في الشكر برقم (14) بلفظ: "الشكر نصف الإيمان، والصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله".

والبيهقي في الزهد (1/28) موقوفاً على ابن مسعود: "الإيمان نصفان، نصف في الصبر ونصف في الشكر".وقال: "قد روي هذا من وجه آخر غير قوي مرفوعاً"، وقال في الشعب:"والمحفوظ عن ابن مسعود من قوله غير مرفوع".

وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (1/57) وقال عن إسناد الطبراني: "رجاله رجال الصحيح".

والسيوطي في الجامع الصغير (مع الفيض 4/233) ورمز لضعفه، وأعله المناوي بيعقوب بن حميد، وهو ضعيف من قبيل حفظه.

وقال الحافظ في الفتح (1/48) : "هذا التعليق طرف من أثر وصله الطبراني بسند صحيح، وبقيته: والصبر نصف الإيمان". وقال: "وأخرجه أبو نعيم والبيهقي من حديثه (أي ابن مسعود) في الزهد مرفوعاً ولا يثبت رفعه". وقال في اللسان (5/152) : "قال أبو علي النيسابوري: هذا الحديث منكر، لا أصل له من حديث زبيد ولا من حديث الثوري".

ولم يحسنه غير العراقي في تخريج الإحياء (1/72، 1/231) .

وقال عنه الألباني كما في سلسلة الأحاديث الضعيفة (1/506-507) برقم (499) :"منكر".

وخلاصة القول في هذا الأثر أنه صحيح موقوفاً، وضعيف مرفوعاً، وقول ابن تيمية هنا "قال بعض السلف" يؤيد بكونه موقوفاً.

ص: 89

لآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} 1 وإذا اعتبر العبد الدين كله رآه يرجع بجملته إلى الصبر والشكر، وذلك لأن الصبر ثلاثة أقسام:

صبر على الطاعة حتى يفعلها، فإن العبد لا يكاد يفعل المأمور به إلا بعد

1 الآية [5] من سورة إبراهيم والآية [31] من سورة لقمان والآية [19] من سورة سبأ والآية [33] من سورة الشورى

ص: 90

صبرٍ ومصابرة ومجاهدة لعدوه الباطن والظاهر1، فبحسب هذا الصبر يكون أداؤه للمأمورات وفعله للمستحبات.

النوع الثاني: صبر عن المنهي عنه2 حتى لا يفعله، فإن النفس ودواعيها، وتزيين الشيطان، وقرناء السوء، تأمره بالمعصية وتجرئه عليها، فبحسب قوة صبره يكون تركه لها، قال بعض السلف: أعمال البر يفعلها البر والفاجر ولا يقدر على ترك المعاصي إلا صديق3.

النوع الثالث: الصبر على ما يصيبه بغير اختياره من المصائب وهي نوعان:

نوع لا اختيار للخلق فيه، كالأمراض وغيرها من المصائب السماوية، فهذه يسهل الصبر فيها، لأن العبد يشهد فيها قضاء الله وقدره، وإنه لا مدخل للناس فيها، فيصبر إما اضطرارا، وإما اختيارا، فإن فتح الله على قلبه باب الفكرة في فوائدها وما في حشوها4 من النعم والألطاف5 انتقل من الصبر عليها إلى الشكر

1 في (ب) : "الظاهر والباطن

".

(عنه) ساقطة من (ب) .

3 أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء (10 /197) بإسناده عن سهل بن عبد الله التستري ضمن كلام له طويل بلفظ "ليس من عمل بطاعة الله صار حبيب الله، ولكن من اجتنب ما نهى الله عنه صار حبيب الله، ولا يجتنب الآثام إلا صديق مقرب، وأما أعمال البر يعملها البر والفاجر".

4 معنى الحشى: الناحية، والمقصود نواحيها أو داخلها. انظر: لسان العرب مادة (حشا)(14/180-181) .

5 اللطيف من الكلام: ما غمض معناه وخفي، واللطف في العمل: الرفق فيه. انظر: لسان العرب مادة (لطف)(9/316) .

ص: 91

لها والرضا بها، فانقلبت حينئذ في حقه نعمة، فلا يزال هجيرى1 قلبه ولسانه2 رب أعني على ذكرك3 وشكرك4 وحسن عبادتك5، وهذا يقوى ويضعف بحسب [قوة] 6 محبة العبد لله وضعفها، بل هذا يجده أحدنا في الشاهد كما قال الشاعر7 يخاطب محبوبا له [ناله ببعض ما يكره] 8:

لئن ساءني أن نِلتِنِي بمساءة

لقد سرني أني خطرت ببالِكِ9

النوع الثاني10: أن11 يحصل له بفعل الناس في ماله أو عرضه أو نفسه.

1 أي دأبه وشأنه. انظر: لسان العرب مادة (هجر)(5/254) .

2 في (ب) : "ولسانه فيها".

(ق 2/ب) .

(شكرك) ساقطة من (ب) .

5 يشير إلى حديث معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: "يا معاذ والله إني لأحبك، فقال: أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة تقول: اللهم اعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"، أخرجه أبو داود في سننه (2/181) كتاب الوتر باب في الاستغفار برقم (1522) .

والنسائي في سننه (3/53) كتاب السهو باب نوع آخر من الدعاء.

والإمام أحمد في المسند (5/245،247) .

6 ساقطة من (أ) .

7 في (ب) : (بعض الشعراء) .

8 ساقطة من (أ) .

9 انظر ديوان ابن الدمينة (ص17) تحقيق أحمد راتب النفاخ، مكتبة دار العروبة ط الأولى عام 1379.

10 في (أ) : (الثالث)، وفي (ب) :(الرابع) والصواب ما أثبته.

11 في (ب) : (إذا) .

ص: 92

فهذا النوع يصعب الصبر عليه جداً، لأن النفس تستشعر المؤذي لها1، وهي تكره الغلبة، فتطلب الانتقام، فلا يصبر على هذا النوع إلا الأنبياء والصديقون، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم إذا أوذي يقول: يرحم الله موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر2 وأخبر عن نبي من الأنبياء أنه ضربه قومه فجعل يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون" 3 وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه جرى له هذا مع قومه [فجعل يقول مثل ذلك] 4، فجمع في هذا ثلاثة أمور: العفو عنهم، والاستغفار لهم، والاعتذار عنهم بأنهم لا يعلمون، وهذا النوع من الصبر عاقبته النصر والعز5 والسرور والأمن والقوة في ذات الله، وزيادة محبة الله ومحبة الناس له وزيادة العلم، ولهذا قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا

(لها) ساقطة من (ب) .

2 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (28) ، رقم (3405) .

ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم (3/109) .

3 أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (54) رقم (3477) .

ومسلم في صحيحه، كتاب الجهاد، باب غزوة أحد (5/179) .

4 ساقط من (أ) .

وهذا الحديث رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائم حنين بالجعرانة ازدحموا عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن عبداً من عباد الله بعثه الله إلى قومه فضربوه وشجوه قال: فجعل يمسح الدم عن جبهته ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. قال عبد الله: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الدم عن جبهته يحكي الرجل ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"، أخرجه الإمام أحمد في المسند (7/ 376) برقم (4366)،ط. مؤسسة الرسالة وقال محققه: صحيح لغيره.

5 في (ب) : (والنصر والهدى) .

ص: 93