المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌[فضائل صلة الرحم]

[فضائل صلة الرحم]

فضائل صلة الرحم أما فضائل صلة الرحم فحدث ولا حرج؛ ففضائلها كثيرة، وعوائدها جمة، وهذه الفضائل تنتظم خيري الدنيا والآخرة، ونصوص الكتاب والسنة في ذلك متظاهرة، وكذلك أقوال العلماء والحكماء، فمن تلك الفضائل ما يلي:

1 -

صلة الرحم شعار الإيمان بالله واليوم الآخر: فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه» (1) .

2 -

صلة الرحم سبب لزيادة العمر وبسط الرزق: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه» (2)

(1) البخاري (6138) .

(2)

البخاري (5986) ، ومسلم (2557) .

ص: 24

ومما قاله العلماء في معنى زيادة العمر، وبسط الرزق الواردين في الحديث ما يلي:

1 -

أن المقصود بالزيادة أن يبارك الله في عمر الإنسان الواصل، ويهبه قوة في الجسم، ورجاحة في العقل، ومضاء في العزيمة، فتكون حياته حافلة بجلائل الأعمال.

2 -

أن الزيادة على حقيقتها؛ فالذي يصل رحمه يزيد الله في عمره، ويوسع له في رزقه.

ولا غرو في ذلك؛ فكما أن الصحة وطيب الهواء، وطيب الغذاء، واستعمال الأمور المقوية للأبدان والقلوب من أسباب طول العمر- فكذلك صلة الرحم جعلها الله سببا ربانيا؛ فإن الأسباب التي تحصل بها المحبوبات الدنيوية قسمان: أمور محسوسة تدخل في إدراك الحواس، ومدارك العقول. وأمور ربانية إلهية قدرها من هو على كل شيء قدير، ومن جميع الأسباب وأمور العالم منقادة لمشيئته " (1) وقد يشكل هذا الأمر على بعض الناس فيقول: إذا كانت

(1) بهجة قلوب الأبرار للشيخ ابن سعدي، ص 74- 75.

ص: 25

الأرزاق مكتوبة، والآجال مضروبة لا تزيد ولا تنقص، كما في قوله- تعالى-:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [الأعراف: 34] فكيف نوفق بين ذلك وبين الحديث السابق.

والجواب: أن القدر قدران:

أحدهما: مثبت، أو مبرم، أو مطلق، وهو ما في أم الكتاب - اللوح المحفوظ- الإمام المبين- فهذا لا يتبدل ولا يتغير.

والثاني: القدر المعلق، أو المقيد، وهو ما في صحف الملائكة، فهذا هو الذي يقع فيه المحو والإثبات.

قال شيخ الإسلام- ابن تيمية - رحمه الله تعالى-: " والأجل أجلان: مطلق يعلمه الله، وأجل مقيد، وبهذا يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم:«من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه.»

فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلا، وقال: إن وصل رحمه زدته كذا وكذا، والملك لا يعلم أيزداد أم لا، لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر، فإذا جاء الأجل لا يتقدم ولا يتأخر " (1)

(1) مجموع الفتاوى 8

.

ص: 26

وقال في موطن آخر عندما سئل عن الرزق: هل يزيد أو ينقص؟ فأجاب: الرزق نوعان: أحدهما: ما علمه الله أن يرزقه، فبهذا لا يتغير، والثاني: ما كتبه، وأعلم به الملائكة فهذا يزيد وينقص بحسب الأسباب (1) ثم إن:" الأسباب التي يحصل بها الرزق هي من جملة ما قدره الله وكتبه؛ فإن كان قد تقدم بأن يرزق العبد بسعيه واكتسابه ألهمه السعي والاكتساب، وذلك الذي قدره له بالاكتساب لا يحصل بدون الاكتساب، وما قدره له بغير اكتساب- كموت مورثه- يأتيه بغير اكتساب "(2) " فلا مخالفة في ذلك لسبق العلم، بل فيه تقييد المسببات

(1) مجموع الفتاوى، 8/ 540. وانظر تفصيل الأقوال السابقة في شرح النووي لصحيح مسلم 16/ 4، وفتح الباري لابن حجر 10/ 430. وإفادة الخبر بنصه في زيادة العمر ونقصه للسيوطي. وتنبيه الأفاضل على ما ورد في زيادة العمر ونقصه من الدلائل للشوكاني ص32. وانظر: تفسير الشيخ ابن سعدي لقوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ [الرعد: 39] ، والأدب النبوي لمحمد الخولي ص115، والإيمان بالقضاء والقدر للكاتب.

(2)

مجموع الفتاوى 8/ 540- 541.

ص: 27

بأسبابها، كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء، وقدر حصول الزرع بالبذر، فهل يقول عاقل بأن ربط المسببات بأسبابها يقتضي خلاف العلم السابق، أو ينافيه بوجه من الوجوه " (1)

3 -

صلة الرحم تجلب صلة الله للواصل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؛ قالت: بلى، قال: فذلك لك.» (2)

4 -

صلة الرحم من أعظم أسباب دخول الجنة: فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رجلا قال: يا رسول الله، «أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم» (3)

(1) تنبيه الأفاضل للشوكاني ص 32.

(2)

البخاري (5987) ، ومسلم (2554) .

(3)

البخاري (1396) ، ومسلم (13) .

ص: 28

5 -

صلة الرحم طاعة لله عز وجل: فهي وصل لما أمر الله به أن يوصل.

قال- تعالى- مثنيا على الواصلين: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ} [الرعد: 21]

6 -

وهي من محاسن الدين: فالإسلام دين الصلة، ودين البر والرحمة، فهو يأمر بالصلة، وينهى عن القطيعة، مما يجعل جماعة المسلمين مترابطة، متآلفة، متراحمة، بخلاف الأنظمة الأرضية التي لا ترعى ذلك الحق، ولا توليه اهتمامها.

7 -

وهى مما اتفقت عليه الشرائع: فالشرائع السماوية كلها أمرت بالصلة، وحذرت من ضدها، وهذا يدل على فضلها، وعظم شأنها.

8 -

صلة الرحم مدعاة للذكر الجميل: فهي مكسبة للحمد، مجلبة للثناء الحسن، حتى إن أهل الجاهلية ليتمدحون بها، ويثنون على أصحابها؛ فهذا الأعشى يمدح الأسود بن المنذر بن يزيد اللخمي، فيقول:

ص: 29

عنده الحزم والتقى وأسى الصرع

وحمل لمضلع الأثقال

وصلات الأرحام قد علم الناس

وفك الأسرى من الأغلال (1)

9 -

أنها تدل على الرسوخ في الفضيلة: فهي دليل كرم النفس، وسعة الأفق، وطيب المنبت، وحسن الوفاء، وصدق المعشر.

ولهذا قيل: " من لم يصلح لأهله لم يصلح لك، ومن لم يذب عنهم لم يذب عنك "(2) .

10 -

شيوع المحبة بين الأقارب: فبسببها تشيع المحبة، وتسود الألفة، ويصبح الأقارب لحمة واحدة، وبهذا يصفو عيشهم، وتكثر مسراتهم.

11 -

رفعة الواصل: فإن الإنسان إذا وصل أرحامه، وحرص على إعزازهم- أكرمه أرحامه، وأعزوه، وأجلوه،

(1) ديوان الأعشى ص 166.

(2)

أدب الدنيا والدين للماوردي ص153.

ص: 30

وسودوه، وكانوا عونا له. (1)

ولم أر عزما لامرئ كعشيرة

ولم أر ذلا مثل نأي عن الأهل (2)

12 -

عزة المتواصلين: فالأرحام المتواصلون، المتوادون المتآلفون- يعلو قدرهم، ويرتفع ذكرهم، فيكون لهم شأن، ويحسب لهم ألف حساب، فلا يتجرأ أحد أن يسومهم خطة ضيق، أو أن يمسهم بلفحة من نار ظلم؛ فيظلون بأعز جوار، وأمنع ذمار.

بخلاف ما إذا تقاطعوا، وتدابروا؛ فإنهم يذلون ويسترذلون، فيلقون هوانا بعد عز، وضعة بعد رفعة، ونزولا بعد شمم.

***

(1) انظر: الأخلاق الإسلامية لعبد الرحمن الميداني، 2 / 34، والأدب النبوي للخولي، ص14-115، وبر الوالدين وصلة الأرحام لأسعد الصاغرجي ص84 - 85.

(2)

عيون الأخبار لابن قتيبة 3 / 91.

ص: 31