الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإمام السيوطي
اسمه ونسبه: عبد الرَّحمن بن الكمال أبي بكر بن محمَّد بن سابق الدِّين بن الفخر عثمان بن ناظر الدِّين محمَّد بن سيف الدين خضر بن نجم الدين أبي الفلاح أيوب بن ناصر الدِّين محمَّد بن الشيخ همام الدِّين الخُضيري الأسيوطي الطولوني (1) .
كنيته: أبو الفضل، ولقبه: جلال الدِّين.
ونسبته: السيوطي، إلى أسيوط، بصعيد مصر.
ولادته: ولد في القاهرة ليلة الأحد بعد المغرب، مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة (2) وكانت ولادته في مكتبة أبيه عندما طلب من أمه أن تأتي بكتاب، فجاءها المخاض فولد وسط الكتب، ولذا أطلق عليه ابن الكتب (3) .
نشأته: نشأ السيوطي رحمه الله في وسط علم وفضل، فوالده من قضاة أسيوط، ثم انتقل إلى القاهرة
"توفي والده رحمه الله وله من العمر خمس سنوات وسبعة أشهر، فنشأ يتيمًا فكان وصيا عليه كمال الدِّين بن الهمام، ولقد كان آية في الحفظ والعلم، فحفظ القرآن وكان دون الثامنة"(4) ، حتَّى أصبح من النوابغ في وسط علمي ذهبي.
عصره:
كان عصر السيوطي من العصور الذَّهبية في النواحي العلمية وقد
(1) السيوطي: حسن المحاضرة (1/336) . التحدث بنعمة الله ص (5) .
(2)
ابن إياس بدائع الزهور (1/256) .
(3)
حاشية الأجهوري ص (10) .
(4)
حسن المحاضرة (1/336) .
كانت مصر، وبغداد، ودمشق تزخر بالقراء والعلماء والمحدثين، وكانت مكاتب التعليم في كل صقع من هذه الأصقاع، بل زاد الأمر قوة عندما أصبح المماليك مولعين بحب اللغة، بل وصل الأمر بهم إلى الخوض والنظر في تراكيب اللغة والشعر، لذا كان البعض منهم من أوائل المتقنين لهذه الفنون (1) ، ولقد كان المماليك يفخرون بأنهم حكام العرب، كما أنَّ اعتناقهم للإسلام وتوقيرهم للخلفاء، واعتبارهم أنَّ اللغة العربية لغة الإسلام والقرآن جعلهم يهتمون بالعلوم الشرعية، كانت هذه الأسباب التي أدت إلى ازدهار الناحية العلمية، وتشجيع العلم ومدارسته وتوقير العلماء والقضاة، ولعلَّ أهم وأبرز أسباب ازدهار الناحية العلمية تتلخص فيما يلي:
1-
حب الأمراء والسلاطين للعلم والعلماء، والاشتغال بهذا الجانب والتشجيع على التصنيف والتأليف.
2-
نقل المماليك دار الخلافة إلى مصر، جعل مصر حاملة لواء الثقافة الإسلامية.
3-
الاستقرار وعدم وجود الفتن والحروب والقلاقل التي تشغل عن الاهتمام بهذا الجانب.
4-
كثرة الأوقاف التي وقفها المسلمون على طلبة العلم، مما جعل الجامع الأزهر محطًّا لكثير من العلماء وطلبة العلم.
5-
كثرة المدارس ووفرة المكتبات العامة والمعاهد حتى ذكر أنه يصعب حصرها، بل كانت لكل مدرسة مرافق تدل على الاهتمام بها، فالمدرسة يكون بها مسجد ومكتبة، ومساكن لطلبة العلم، وإعاشة للطلبة.
6-
حضور السلاطين مجالس الحديث والعلم والاهتمام بها.
(1) بدائع الزهور، ابن إياس (2/90) .
7-
كان الطالب في هذه المدارس يقوم بدراسة كل فن على حدة، ويقوم بدراسة متن أو كتاب كامل على شيخ، ثم ينتقل إلى الشيخ الآخر، فتجد الطالب قد تقلب في تعليمه على عدد من الشيوخ، وفي جميع التخصصات.
مما سبق جعل للتأليف مجالاً واسعًا، وكثرت المؤلفات الموسعة والمختصرة، بل انتشر في ذلك العصر كثرة الموسوعات في شتى أنواع المعرفة وكان لهذه الموسوعات، أثر في حفظ كثير من العلوم من الضياع بعد أن ألقى التتار بكثير من المكتبات في بغداد في النَّهر مما جعل النهر يتغير لونه (1) .
حياته:
لقد حفلت حياة السيوطي بالحفظ، والعلم والتعليم والإفتاء، والتأليف والمناظرة، حتى قال عن نفسه:" إنِّي رجل حبب إليَّ العلم والنظر فيه -دقيقه وجليله- والغوص على حقائقه، والتطلع إلى دقائقه، والفحص عن أصوله، وجبلت على ذلك فليس فيَّ مَنْبَتُ شَعْرَةٍ إلَاّ وهي ممحونة بذلك، ولقد أوذيت على ذلك أذى كثيرًا، من الجاهلين والقاصرين، وذلك سنة الله في العلماء السالفين (2) ".
وهذا الكلام الموجز يبين ما كان عليه ذلك العالم، ونحن نرى ما جرى معه من علماء عصره من أخذ ورد، واستدراك، ومؤلفات مما يدل على ما كان عليه هذا العالم من التفرغ للعلم بكل وقته، وإغراقه فيه تدل عليه كتبه في التفسير، والحديث، وغيرها من فنون مختلفة، التي تشهد على أنه أفنى العمر كله في الاشتغال بالتأليف والجمع والكتابة.
(1) الإمام الحافظ السيوطي وجهوده في الحديث، د. بديع اللحام ص (49-58) ، عصر سلاطين المماليك ونتاجه العلمي والأدبي (2/357) .
(2)
السيوطي: تقريب الفئة بأجوبة الأمثلة المائة، ضمن الحاوي للفتاوى (2/300) .
طلبه للعلم:
كان أبناء المسلمين في ذاك العصر يتسابقون في حفظ القرآن ومعرفة معانيه، فكيف بالإمام السيوطي وهو في بيت عالم من قضاة ذلك العصر، فقد حفظ القرآن ولم يتجاوز الثامنة من عمره، كما ذكرت آنفًا، ولأن ولايته كانت بأيدي العلماء فقد حفظ كثيرًا من المتون، مثل كتب الحنفية، والحاوي، وكتاب التهذيب وروضة الطالبين، وعمدة المتقين، في فروع الشافعية.
ثم شرع في قراءة صحيح مسلم على شمس الدين محمد بن موسى ابن محمود السيرامي، ومنهاج النووي، ومنهاج الوصول للبيضاوي في أصول الفقه، والشفاء، وألفية ابن مالك. كان ذلك في مستهل رجب عام (866 هـ) وكتب له الإجازة بخطه (1) .
ثم بدأ في التصنيف فشرح الاستعاذة، والبسملة.
قال السيوطي: ووقفت عليه شيخ الإسلام علم الدين البُلْقيني فكتب عليه تقريظًا، ولازمته في الفقه إلى أن مات (ت: 868 هـ) ، فلازمت ولده، فقرأت عليه من أول التثريب لوالده، إلى الوكالة، وسمعت عليه من أول الحاوي الصغير إلى العدة، ومن أول المنهاج إلى الزكاة، ومن أول التنبيه إلى قريب من باب الزكاة، وقطعة من الروضة من باب القضاء، وقطعة من تكملة شرح المنهاج للزركشي (ت: 795 هـ) ، ومن إحياء الموات إلى الوصايا أو نحوها، وأجازني بالتدريس والإفتاء سنة ست وسبعين (876 هـ) ، وكانت بدايته في الطلب سنة (865) ، ولازم تقي الدِّين أحمد الشمني أربع سنين، فأخذ عنه الحديث واللغة وعلم المعاني، وهو أعظم شيوخه في اللغة، وكتب له تقريظًا على شرح ألفية ابن مالك، وكتاب جمع الجوامع.
(1) التحدث بنعمة الله ص (237) .
وقرأ على الشيخ محمد بن سليمان بن سعد الرومي الحنفي (ت: 879 هـ) الكافيجي -نسبة إلى كثرة اشتغاله بالكافية في النحو -مدة أربع عشرة سنة وأخذ عنه التفسير والحديث والأصلين، والنحو وسائر علوم العربية، وأجازه فيها (1) .
ولقد بين السيوطي طريقته في تنظيم أوقاته في طلب العلم حيث قال: كنت أذهب من الفجر إلى دروس البلقيني، فأحضر مجلسه إلى قرب الظهر، ثم أرجع إلى الشُّمُنيِّ فأحضر مجلسه إلى قرب العصر، هكذا ثلاثة أيام في الأسبوع: السبت، والاثنين، والخميس، كنت أحضر الأحد والثلاثاء، عند الشيخ سيف الدِّين الحنفي (ت: 881 هـ) بكرة، ومن بعد الظهر في هذين اليومين ويوم الأربعاء عند الشيخ محيي الدِّين الكافيجي (2) .
رحلاته:
ْللعلماء في تلك العصور رحلات لأخذ إجازة من عالم، أو أخذ حديث، أو سؤالات في بعض المسائل، وكانت الرحلة العلمية لها أثرها في صقل العلماء والتقائهم بعلماء الأقطار الأخرى، ولقد أخذ الإمام السيوطي بحظه في هذا الجانب، فقد رحل إلى مكة المكرمة عام (869 هـ) ، وأخذ عن علمائها وجاور بها سنة كاملة، من منتصف جمادى الأولى إلى أن حج في نفس السنة، ولقد لقي في رحلته كبار شيوخ الرواية من علماء الحرمين أمثال العلامة قاضي المالكية محمد بن عبد القادر بن أحمد الأنصاري (ت: 885 هـ) وكان السيوطي يجله كثيرًا (3) . والعلامة الحافظ نجم الدين بن تقي الدين محمد بن فهد
(1) حسن المحاضرة (1/337) .
(2)
حياة جلال الدين السيوطي مع العلم من المهد إلى اللحد ص (28) .
(3)
بغية الوعاة (1/104) ، والتحدث بنعمة الله (39-40) حيث ذكر تقريظًا على شرح الألفية للسيوطي.
المكي (ت: 885 هـ) ، وأجاز السيوطي بمروياته (1) . والعلامة الشيخ كمال الدين محمد بن محمد بن عبد الرحيم الشافعي، وقد جمع السيوطي فوائد هذه الرحلة، وما وقع له، ومن لقيه في "النحلة الزكية في الرحلة المكية". كما رحل إلى اليمن، والهند والمغرب، وبلاد التكرور (2) .
كما كانت له رحلات داخل مصر في الفيوم، ودمياط، والمحلة وغيرها كتب عن كثير من العلماء منهم جعفر بن إبراهيم بن سنهور وعلي عز الدِّين عبد العزيز بن عبد الواحد التكروري الشافعي في منية سمنود.
مكانته العلمية:
لقد هيَّأ الله للسيوطي حياته، حيث تربى في بيت علم، ثم ترعرع بين أيدي العلماء منذ نعومة أظفاره فحفظ القرآن، وكثيرًا من المتون، كما أنه لازم علماء أجلاء في كثير من بلدان العالم، إضافة إلى ما كان يتلقاه عن شيوخه في بداية الطلب، وقد كان لجد السيوطي في طلبه للعلم والقراءة على العلماء، ومطالعة الكتب -لا سيما وأن مكتبة المحمودية (3) كانت تضم نفائس الكتب التي كان يتردد عليها- مع ذكاء مفرط وهمة عالية، وحرص أكيد كان له أثره البارز في نبوغه، مما جعل الكثير من علماء عصره يقرون له بالفضل والعلم، بل يعد نفسه أنه بلغ درجة الاجتهاد، قال عن نفسه:" رزقت التبحر في سبعة علوم: التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والمعاني والبيان، والبديع (4) ".
(1) التحدث بنعمة الله ص (80) .
(2)
حسن المحاضرة (1/338) ، والضوء اللامع (4/66) .
(3)
المحمودية: نسبة إلى محمود بن علي بن أصغر الأستاذ بدار أحد أمراء المماليك (ت: 799 هـ) وقد أفاد منها السيوطي وألف في شأنها رسالة بعنوان "بذل المجهود في خزانة محمود" وقد قدر الحافظ ابن حجر عدد الكتب فيها أربعة آلاف مجلد. انظر: الدرر الكامنة (2/329) مجلة معهد المخطوطات العربية (مجلد 4/1/134-136) .
(4)
حسن المحاضرة (1/338) ، والتحدث بنعمة الله ص (203) .
وقال: " وقد كملت عندي الآن آلات الاجتهاد بحمد الله تعالى، أقول ذلك تحدثًا بنعمة الله تعالى لا فخرًا، ولو شئت أن أكتب في كل مسألة مصنفًا بأقوالها وأدلتها النقلية والقياسية، ومداركها، ونصوصها وأجوبتها، والموازنة بين اختلاف المذاهب فيها لقدرت على ذلك من فضل الله لا بحولي ولا بقوتي (1) ".
وقد بدأ السيوطي بالتأليف والتبويب في سن مبكرة سنة (866 هـ) وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره.
يقول السيوطي: " وشرعت في التصنيف سنة ست وستين، وبلغت مؤلفاتي إلى الآن ثلاثمائة كتاب سوى ما غسلته ورجحت عنه (2) ".
قال عن نفسه: " وليس على وجه الأرض من مشرقها إلى مغربها أعلم بالحديث والعربية منِّي (3) ".
كما ذكر أنه ممن يبعثه الله تعالى على رأس كل مائة سنة (4) .
(1) حسن المحاضرة (1/339) ، وتدريب الراوي ص (12) .
(2)
حسن المحاضرة (1/338) .
(3)
رسالة الرد على من أخلد إلى الأرض للسيوطي.
(4)
انظر: التحدث بنعمة الله ص (45) .