المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الفصل الثاني عشر كشف شبهة من زعم أن من أدى بعض واجبات الدين لا يكون كافرا] - كشف الشبهات - ط الأوقاف السعودية

[محمد بن عبد الوهاب]

فهرس الكتاب

- ‌[الفصل الأول بيان أن مهمة الرسل الأولى تحقيق توحيد العبادة كشف الشبهات]

- ‌[الفصل الثاني بيان الأدلة على أن المشركين الذين قاتلهم الرسول مقرون بتوحيد الربوبية]

- ‌[الفصل الثالث بيان أن توحيد العبادة هو معنى لا إله إلا الله]

- ‌[الفصل الرابع معرفة المؤمن أن نعمة الله عليه بالتوحيد توجب الفرح به والخوف من سلبه]

- ‌[الفصل الخامس إن حكمة الله اقتضت أن يجعل لأنبيائه وأوليائه أعداء من الإنس والجن]

- ‌[الفصل السادس وجوب التسلح بالكتاب والسنة لدحض شبهات الأعداء]

- ‌[الفصل السابع الرد على أهل الباطل إجمالا وتفصيلا]

- ‌[الفصل الثامن الرد على من زعم أن الدعاء ليس بعبادة]

- ‌[الفصل التاسع الفرق بين الشفاعة الشرعية والشركية]

- ‌[الفصل العاشر إثبات أن الالتجاء إلى الصالحين شرك]

- ‌[الفصل الحادي عشر إثبات أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا]

- ‌[الفصل الثاني عشر كشف شبهة من زعم أن من أدى بعض واجبات الدين لا يكون كافرا]

- ‌[الفصل الثالث عشر حكم من وقع من المسلمين في نوع من الشرك جهلا ثم تاب منه]

- ‌[الفصل الرابع عشر الرد على زعم الاكتفاء في التوحيد بقول لا إله إلا الله ولو ناقضها]

- ‌[الفصل الخامس عشر الفرق بين الاستغاثة بالحي الحاضر فيما يقدر عليه والاستغاثة بغيره]

- ‌[الفصل السادس عشر وجوب تطبيق التوحيد بالقلب واللسان والجوارح إلا لعذر شرعي]

الفصل: ‌[الفصل الثاني عشر كشف شبهة من زعم أن من أدى بعض واجبات الدين لا يكون كافرا]

[الفصل الثاني عشر كشف شبهة من زعم أن من أدى بعض واجبات الدين لا يكون كافرا]

الفصل الثاني عشر

كشف شبهة من زعم أن من أدى بعض واجبات الدين

لا يكون كافرا ولو أتى بما ينافي التوحيد وأدلة ذلك بالتفصيل إذا تحققت أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصح عقولا وأخف شركا من هؤلاء. فاعلم أن لهؤلاء (شبهة) يوردونها على ما ذكرنا، وهي من أعظم شبههم، فأصغ سمعك لجوابها. وهي أنهم يقولون: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن (لا إله إلا الله) ، ويكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم وينكرون البعث، ويكذبون القرآن ويجعلونه

ص: 36

سحرا. ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ونصدق القرآن، ونؤمن بالبعث، ونصلي، ونصوم. فكيف تجعلوننا مثل أولئك. فالجواب أنه لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء وكذبه في شيء أنه كافر لم يدخل في الإسلام، وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه، كمن أقر بالتوحيد وجحد وجوب الصلاة، أو أقر بالتوحيد والصلاة وجحد وجوب الزكاة، أو أقر بهذا كله وجحد الصوم، أو أقر بهذا كله وجحد الحج. ولما لم ينقد أناس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم للحج، أنزل الله في حقهم {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] ومن أقر بهذا كله وجحد البعث كفر بالإجماع،

ص: 37

وحل دمه وماله كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا - أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} [النساء: 150 - 151] فإذا كان الله قد صرح في كتابه أن من آمن ببعض وكفر ببعض فهو الكافر حقا، وأنه يستحق ما ذكر، زالت الشبهة. وهذه هي التي ذكرها بعض أهل الإحساء في كتابه الذي أرسله إلينا. ويقال أيضا: إن كنت تقر أن من صدق الرسول في كل شيء، وجحد وجوب الصلاة أنه كافر حلال الدم والمال بالإجماع، وكذلك إذا أقر بكل شيء إلا البعث، وكذلك لو جحد وجوب صوم رمضان وصدق

ص: 38

بذلك كله لا تختلف المذاهب فيه، وقد نطق به القرآن كما قدمنا. فمعلوم أن التوحيد هو أعظم فريضة جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم وهو أعظم من الصلاة والزكاة والصوم والحج فكيف إذا جحد الإنسان شيئا من هذه الأمور كفر، ولو عمل بكل ما جاء به الرسول، وإذا جحد التوحيد الذي هو دين الرسل كلهم لا يكفر، سبحان الله ما أعجب هذا الجهل. ويقال أيضا: هؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة، وقد أسلموا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويؤذنون ويصلون. فإن قال: إنهم يقولون: إن مسيلمة نبي، فقل: هذا هو المطلوب، إذا كان من رفع رجلا إلى رتبة النبي صلى الله عليه وسلم كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه

ص: 39

الشهادتان ولا الصلاة، فكيف بمن رفع شمسان أو يوسف، أو صحابيَاَ، أو نبيا إلى مرتبة جبار السماوات والأرض سبحان الله ما اعظم شأنه {كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم: 59] ويقال أيضا: الذين حرقهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بالنار كلهم يدعون الإسلام، وهم من أصحاب علي، وتعلموا العلم من الصحابة، ولكن اعتقدوا في علي مثل الاعتقاد في يوسف وشمسان وأمثالهما، فكيف أجمع الصحابة على قتلهم وكفرهم، أتظنون أن الصحابة يكفرون المسلمين أم تظنون أن الاعتقاد في " تاج " وأمثاله لا يضر، والاعتقاد في " علي بن أبي طالب " يكفر. ويقال أيضا: بنو عبيد القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس كلهم يشهدون

ص: 40

أن (لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله) ويدعون الإسلام، ويصلون الجمعة والجماعة، فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم، وأن بلادهم بلاد حرب، وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين. ويقال أيضا: إذا كان الأولون لم يكفروا إلا لأنهم جمعوا بين الشرك وتكذيب الرسول والقرآن وإنكار البعث وغير ذلك، فما معنى الباب الذي ذكره العلماء في كل مذهب " باب حكم المرتد " وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه. ثم ذكروا أنواعا كثيرة، كل نوع منها يكفر ويحل دم الرجل وماله حتى أنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها، مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب.

ص: 41

ويقال أيضا: الذين قال الله فيهم {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ} [التوبة: 74] أما سمعت الله كفرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجاهدون معه ويصلون ويزكون ويحجون ويوحدون. وكذلك الذين قال الله فيهم: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ - لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65 - 66] فهؤلاء الذين صرح الله فيهم أنهم كفروا بعد إيمانهم وهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح، فتأمل هذه الشبهة وهي قولهم تكفرون من المسلمين أناسا يشهدون أن (لا إله إلا الله) ويصلون ويصومون، ثم تأمل جوابها، فإنه من أنفع ما في هذه الأوراق.

ص: 42

ومن الدليل على ذلك أيضا ما حكى الله عن بني إسرائيل مع إسلامهم وعلمهم وصلاحهم، أنهم قالوا لموسى: اجعل لنا إلها كما لهم آلهة. وقول أناس من الصحابة: «اجعل لنا ذات أنواط فحلف النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا نظير قول بني إسرائيل، اجعل لنا إلها» .

ص: 43