الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الفصل الخامس عشر الفرق بين الاستغاثة بالحي الحاضر فيما يقدر عليه والاستغاثة بغيره]
الفصل الخامس عشر
الفرق بين الاستغاثة بالحي الحاضر
فيما يقدر عليه، والاستغاثة بغيره ولهم شبهة أخرى وهو ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم ثم بنوح ثم بإبراهيم ثم بموسى ثم بعيسى فكلهم يعتذرون حتى ينتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا فهذا يدل على أن الاستغاثة بغير الله ليست شركا. والجواب أن نقول: سبحان من طبع على قلوب أعدائه. فإن الاستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها. كما قال الله تعالى في قصة موسى:
{فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ} [القصص: 15] وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب أو غيره في أشياء يقدر عليها المخلوق، ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء، أو في غيبتهم في الأشياء التي لا يقدر عليها إلا الله. إذا ثبت ذلك، فاستغاثتهم بالأنبياء يوم القيامة يريدون منهم أن يدعو الله أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من كرب الموقف. وهذا جائز في الدنيا والآخرة، وذلك أن تأتي عند رجل صالح حي يجالسك ويسمع كلامك فتقول له: ادع الله لي كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه ذلك في حياته. وأما بعد موته، فحاشا وكلا أنهم سألوه ذلك عند قبره، بل أنكر السلف الصالح على من قصد
دعاء الله عند قبره، فكيف بدعائه نفسه. ولهم شبهة أخرى، وهي: قصة إبراهيم لما ألقي في النار اعترض له جبريل في الهواء، فقال له: ألك حاجة؟ فقال إبراهيم: أما إليك فلا. قالوا: فلو كانت الاستغاثة بجبريل شركا لم يعرضها على إبراهيم. فالجواب: إن هذا من جنس الشبهة الأولى، فإن جبريل عرض عليه أن ينفعه بأمر يقدر عليه فإنه كما قال الله فيه {شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم: 5] فلو أذن الله له أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها من الأرض والجبال ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل، ولو أمره أن يضع إبراهيم في مكان بعيد عنهم لفعل، ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل. وهذا كرجل غني له مال كثير يرى رجلا محتاجا،
فيعرض عليه أن يقرضه أو أن يهبه شيئا يقضي به حاجته فيأبى ذلك الرجل المحتاج أن يأخذ ويصبر إلى أن يأتيه الله برزق لا منة فيه لأحد، فأين هذا من استغاثة العبادة والشرك لو كانوا يفقهون؟