المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل فضائل كلمة التوحيد - كلمة الإخلاص وتحقيق معناها - ضمن رسائل ابن رجب - جـ ٣

[ابن رجب الحنبلي]

الفصل: ‌فصل فضائل كلمة التوحيد

‌فصل فضائل كلمة التوحيد

وكلمة التوحيد لها فضائل عظيمة لا يمكن ها هنا استقصاؤها؛ فلنذكر بعض ما ورد فيها.

فهي كلمة التقوى، كما قاله عمر (1) وغيره من الصحابة.

وهي كلمة الإخلاص، وشهادة الحق، ودعوة الحق، وبراءة من الشرك، ونجاة هذا الأمر، ولأجلها خُلق الخلق.

كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56].

ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25] وقال تعالى: {يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ} [النحل: 2].

وهذه الآية أول ما عدَّد الله عَلَى عباده من النعم في سورة النعم التي تسمى "سورة النحل".

ولهذا قال ابن عيينة: ما أنعم الله عَلَى العباد نعمة أعظم من أن عرَّفهم لا إله إلا الله، وإن لا إله إلا الله لأهل الجنة كالماء البارد لأهل الدُّنْيَا، ولأجلها

(1) أخرج أحمد في مسنده (1/ 63) من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ثم إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد حقًّا من قلبه إلا حرم عَلَى النار". فَقَالَ له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أنا أحدثك ما هي كلمة الإخلاص التي أعز الله تبارك وتعالى بها محمد صلى الله عليه وسلم، وهي كلمة التقوى

" الحديث.

ص: 74

أعدت دارُ الثواب ودار العقاب في الآخرة.

فمن قالها ومات عليها كان من أهل دار الثواب، ومن ردها كان من أهل العقاب.

ومن أجلها أُمرت الرسل بالجهاد، فمن قالها عصم ماله ودمه، ومن أباها فماله ودمه (هدر)(*).

وهي مفتاح دعوة الرسل، وبها كلم الله موسى كفاحًا (1).

وفي "مسند البزار"(2) وغيره عن عياض الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لا إله إلا الله كلمة حقٍّ عَلَى الله كريمة، ولها من الله مكان، وهي كلمة جُمعت وشُرِكَتْ؛ فمن قالها صادقًا أدخله الله الجنة، ومن قالها كاذبًا أحرزت ماله، وحقنت دمه، ولقي الله فحاسبه".

وهي مفتاح الجنة كما تقدم.

وهي ثمن الجنة؛ قاله الحسن.

وجاء مرفوعًا من وجوهٍ ضعيفة (3): "ومن كانت آخر كلامه دخل الجنة"(4).

وهي نجاة من النار:

(*) حلال: "نسخة".

(1)

أي مواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول. النهاية (4/ 185).

(2)

أورده الهيثمي في المجمع (1/ 26) وقال: رواه البزار ورجاله موثقون، إن كان تابعيه عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود.

(3)

منه ما أخرجه ابن عدي (6/ 348) من حديث أنس.

وفي إسناده: موسى بن إبراهيم قال عنه ابن عدي: حدث بالمناكير عن قوم ثقات أو من لا بأس بهم. ثم ذكر له عدة روايات ثم قال: ولموسى بن إبراهيم هذا أحاديث غير ما ذكرت عن ثقات الناس، وهو بَيَّن الضعف عَلَى رواياته وحديثه.

(4)

أخرجه أحمد (5/ 233، 247) بلفظ: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وجبت له الجنة". وأبو داود (3116) بلفظ: "دخل الجنة". والحاكم (1/ 351، 500) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

ص: 75

وسمع النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنًا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، فَقَالَ:"خرج من النار" خرجه مسلم (1).

وهي توجب المغفرة:

في "المسند"(2) عن شداد بن أوس وعبادة بن الصامت أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمًا: ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، وَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَرَفَعْنَا أَيْدِيَنَا سَاعَةً، ثُمَّ وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، اللَّهُمَّ بَعَثْتَنِي بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ وَأَمَرْتَنِي بِهَا، وَوَعَدْتَنِي الْجَنَّةَ عَلَيْهَا، وَإِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. ثُمَّ قَالَ: أَبْشِرُوا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكُمْ".

وهي أحسن الحسنات:

قال أبو ذَرٍّ: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي عَمَلًا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ، وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: "إِذَا عَمِلْتَ سَيِّئَةً فَاعْمَلْ حَسَنَةً، فَإِنَّهَا عَشْرُ أَمْثَالِهَا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ؟ قَالَ: هِيَ أَحْسَنُ الْحَسَنَاتِ" (3).

(1) برقم (382) ولفظه: "خرجت من النار".

(2)

(4/ 124).

أخرجه البزار في مسنده (2717 - البحر الزخار) وكما في كشف الأستار (10)، والطبراني في الكبير (7/ 7163)، والحاكم في المستدرك (1/ 501).

قال البزار: وهذا لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد.

وقال الحاكم: حال إسماعيل بن عياض يقرب من الحديث قبل هذا، فإنَّه أحد أئمة الشام، وقد نسب إِلَى سوء الحفظ، وأنا عَلَى شرطي في أمثاله.

وقال الذهبي في التلخيص: راشد ضعفه الدارقطني وغيره، ووثقه دحيم.

وقال الهيثمي في المجمع (1/ 24): رواه أحمد والطبراني والبزار، ورجاله موثقون.

وقال أيضاً في (10/ 84): رواه أحمد وفيه راشد بن داود وقد وثقه غير واحد وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات.

(3)

أخرجه أحمد (5/ 169).

وقال الهيثمي في المجمع (10/ 84): رواه أحمد ورجاله ثقات، إلا أن شمر بن=

ص: 76

وهي تمحو الذنوب والخطايا:

وفي "سنن ابن ماجه"(1) عن أم هانئ بنت أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا إله إلا الله لا تترك ذنبًا، ولا يسبقها عملٌ".

رؤي بعض السَّلف بعد موته في المنام، فسئل عن حاله، فَقَالَ: ما أبقت لا إله إلا الله شيئًا.

وهي تجدد ما دُرِسَ من الإيمان في القلب:

وفي "المسند"(2)"أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: جَدِّدُوا إِيمَانَكُمْ. قَالُوا: كَيْفَ نُجَدِّدُ إِيمَانَنَا؟! قَالَ: قُولُوا: لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ".

وهي التي لا يعدلها شيء في الوزن، فلو وزنت بالسماوات والأرض رجحت بهن.

كما في "المسند"(3) عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ نُوحًا قَالَ

=عطية حدَّث به عن أشياخه عن أبي ذر، ولم يسم أحدًا منهم.

(1)

برقم (3797). قال في الزوائِد: في إسناده زكريا بن منظور، وهو ضعيف.

(2)

(2/ 359)، وأخرجه ابن عدي (4/ 77)، والحاكم (4/ 256) من طريق صدقة بن موسى ثنا محمد بن واسع عن سُمَيرِ بن نهار عن أبي هريرة مرفوعًا.

وفي إسناده صدقة بن موسى قال عنه ابن عدي: وبعض أحاديث مما يتابع عليه، وبعضه مما لا يتابع عليه.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بأن صدقة ضعفوه.

وقال الهيثمي في المجمع (10/ 85): رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد ثقات.

(3)

(2/ 170، 225)، وأخرجه الحاكم (1/ 49) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه للصقعب بن زهير، فإنه ثقة قليل الحديث.

وقال الذهبي: صحيح الإسناد والصقعب ثقة، ورواه ابن عجلان عن زيد بن أسلم مرسلاً.

وأورده الهيثمي (4/ 219 - 220) مطولا في كتاب الوصايا وقال: ورجال أحمد ثقات.

ص: 77

لَابْنِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ: آمُرُكَ بِلَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِنَّ السَّمَاوَات السَّبع وَالْأَرْضين السَّبع لَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ فِي كِفَّةٍ، رَجَحَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَلَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضين السَّبع كُنَّ حَلْقَةً مُبْهَمَةً قَصَمَتْهُنَّ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ".

وفيه أيضاً عن عبد الله بن عمرو (1) عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن مُوسَى عليه السلام قَالَ: يَا رَبِّ، عَلِّمْنِي شَيْئًا أَذْكُرُكَ بِهِ وَأَدْعُوكَ بِهِ. قَالَ: يَا مُوسَى: قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، قَالَ: يَا رَبِّ!، كُلُّ عِبَادِكَ يَقُولُونَ هَذَا.! قَالَ: قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، إِنَّمَا أُرِيدُ شَيْئًا تَخُصَّنِي بِهِ، قَالَ: يَا مُوسَى، لَوْ أَنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَعَامِرَهُنَّ غَيْرِي وَالْأَرَضِينَ السَّبْعَ فِي كَفَّةٍ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي كَفَّةٍ، مَالَتْ بِهِنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ"(2).

ولذلك نرجح بصحائف الذنوب:

كما في حديث السجلات والبطاقة، وقد خرّجه أحمد (3) والنسائي (4)

(1) كذا وقع في نسخنا الخطية عزو الحديث إِلَى المسند وإِلَى عبد الله بن عمرو.

قال العلامة الألباني رحمه الله: إن العزو للمسند خطأ كما أن عزوه إِلَى حديث عبد الله بن عمرو خطأ، وإنَّما هو من حديث أبي سعيد الخدري اهـ.

(2)

أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (834، 1141)، وأبو يعلي (1393)، وابن حبان (6218 - إحسان)، والحاكم في "المستدرك" (1/ 528 - 529) وأبو نعيم في الحلية (8/ 327 - 328) من طرق عن عبد الله بن وهب قال: أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجًا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا.

قال أبو نعيم: غريب من حديث عمرو لم يروه عنه إلا ابن وهب.

وقال الهيثمي في المجمع (10/ 82): ورجاله قد وثقوا، وفيهم ضعف.

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

قلت: وليس كما قال؛ لأنّ في رواية دراج عن أبي الهيثم ضعف كما ذكر العُلَمَاء.

(3)

(2/ 213، 221 - 222).

(4)

لم أجده في سنن النسائي ولا في تحفة الأشراف وهو من رواية أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو، وهو في سننن ابن ماجه (4300)، وفي مستدرك الحاكم (1/ 6، 529) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح لم يخرج في الصحيحين، وهو صحيح عَلَى شرط مسلم.

ص: 78

والترمذي (1) أيضاً من حديث عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهي التي تخرق الحجب كلها حتى تصل إِلَى الله عز وجل.

وفي "الترمذي"(2) عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب، حتى تصل إليه".

وفيه أيضاً (3) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا قَالَ عَبْدٌ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ حَتَّى تُفْضِيَ إِلَى العَرْشِ مَا اجْتَنَبَ الكَبَائِرَ» .

ويُروى عن ابن عباس مرفوعًا: "ما من شيء إلا بينه وبين الله حجابٌ، إلا قول: لا إله إلا الله، كما أن شفيتك لا تحجبها كذلك، لا يحجبها شيءٌ، حتى تنتهي إِلَى الله عز وجل"(4).

وقال أبو أمامة: ما من عبد يهلل تهليلة فينهنهها (5) شيء دون العرش.

وهي التي ينظر الله إِلَى قائلها، ويجيب دعاه.

خرَّج النسائي في كتاب "اليوم والليلة"(6) من حديث رجلين من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، مخلصًا بها روحه مصدقًا بها قلبه ولسانه، إلا فتق الله له السماء فتقًا، حتى ينظر إلى قائلها من أهل الأرض، وحُقّ لعبدٍ نظر الله

(1) برقم (2639) وقال: هذا حديث حسن غريب.

(2)

برقم (3518) وقال: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي.

(3)

برقم (3590) وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

(4)

أخرجه الختلي في الديباج كما في اللآلئ المصنوعة للسيوطي (2/ 345) وفي إسناده: عثمان بن عطاء بن أبي أسلم الخراساني، وقد ضعفه ابن معين والساجي، ولينه غيرهما وقالوا: ليس بالقوي قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به.

وقد استفدت في تخريج هذا الحديث من أخي أبي إسحاق السمنودي مجدي بن حمودة في تخريجه لنفس الرسالة - رغم اعتراضي عليه في مواضع كثيرة منها.

(5)

يكفها: القاموس المحيط مادة: "نهنه".

(6)

برقم (28).

ص: 79

إليه أن يعطيه سؤله (*) ".

وهي الكلمة التي يصدق الله قائلها.

كما خرجه النسائي (1) والترمذي (2) وابن حبان (3) من حديث أبي هريرة وأبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِذَا قَالَ الْعَبْدُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ، صَدَّقَهُ رّبُّهُ، وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَأَنَا أَكْبَرُ وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، يَقُولُ اللهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي، وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، قَالَ اللهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا وَحْدِي لَا شَرِيكَ لِي، وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، قَالَ اللهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، لِي الْمُلْكُ، وَلِيَ الْحَمْدُ. وَإِذَا قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، قَالَ اللهُ: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِي".

وكان يقول: "من قالها في مرضه ثم مات لم تطعمه النار"(4).

وهي أفضل ما قاله النبيون، كما ورد في دعاء يوم عرفة (5).

(*) سؤاله: "نسخة".

(1)

في عمل اليوم والليلة (30، 31) من طريقين عن أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم أنَّه شهد عَلَى أبي هريرة وعلى أبي سعيد أنهما شهدا عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

الحديث.

وأخرجه النسائي (32) من طريق شعبة عن أبي إسحاق عن الأغر عن أبي هريرة موقوفًا، ولم يذكر أبا سعيد.

(2)

برقم (3430) وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقد رواه شعبة عن أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة وأبي سعيد بنحو هذا الحديث بمعناه، ولم يرفعه شعبة.

(3)

برقم (851 - إحسان).

(4)

هذا لفظ الترمذي برقم (3430).

(5)

أخرجه مالك في الموطأ (1/ 422 - 423 - بترقيم عبد الباقي) من حديث طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال

الحديث.

قال ابن عبد البر في التمهيد (6/ 39): لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث كما رأيت ولا أحفظه بهذا الإسناد مسندًا من وجه يحتج بمثله، وقد جاء مسندًا من حديث علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمرو بن العاص.=

ص: 80

وهي أفضل الذكر:

كما في حديث جابر المرفوع: "أفضل الذكر لا إله إلا الله"(1).

وعن ابن عباس قال: أَحَبُّ كلمة إِلَى الله -تعالى- لا يقبل الله عملاً إلا بها.

وهي أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفًا، وتعدل عتق الرقاب، وتكون حرزًا من الشيطان.

كما في "الصحيحين"(2) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم

=فأما حديث علي، فإنَّه يدور عَلَى دينار أبي عمرو، عن ابن الحنفية، وليس دينار ممن يحتج به.

وحديث عبد الله بن عمرو من حديث عمرو بن شعيب، وليس [من] دون عمرو من يحتج به فيه. وأحاديث الفضائل لا يحتاج فيها إِلَى من يحتج به. اهـ.

قلت: أما حديث علي فأخرجه الطبراني في الدعاء (874) وإسناده ضعيف.

وقد ورد من حديث ابن عمر فأخرجه العقيلي في الضعفاء (3/ 462) من طريق فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر

فذكره.

قال العقيلي: لا يتابع عليه -أي: فرج بن فضالة،- وقد نقل عن عبد الرحمن بن مهدي أن حديث فرج بن فضالة عن يحيى بن سعيد أحاديث منكرة مقلوبة.

وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الترمذي (3585) من طريق حماد بن أبي حميد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا.

قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وحماد بن أبي حميد هو محمد بن أبي حميد، وهو أبو إبراهيم الأنصاري المدني، وليس بالقوي عند أهل الحديث.

وأخرجه ابن عدي (4/ 290) من طريق مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة.

قال ابن عدي: وهذا منكر عن مالك عن سمي عن أبي هريرة، لا يرويه عنه غير عبد الرحمن بن يحيى هذا، وعبد الرحمن غير معروف. وهذا الحديث في الموطأ عن زياد ابن أبي زياد عن طلحة بن عبيد اله بن كريز عن النبي عليه السلام مرسلاً.

(1)

أخرجه الترمذي (3383) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث موسى بن إبراهيم، وأخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة (831)، وابن ماجه (3800)، وابن حبان (846 - إحسان)، والحاكم (1/ 503) وقال: هذا حديث صحيح، ولم يخرجاه.

(2)

أخرجه البخاري (3293)، ومسلم (2691).

ص: 81

"من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو عَلَى كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مائة حسنة ومُحي عنه مائة سيئة، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يُمسي، ولم يأت أحدُ بأفضل مما جاء به، إلا (أحد) (*) عمل أكثر من ذلك".

وفيهما أيضاً عن أبي أيوب (1)، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"مَنْ قَالَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ".

وفي "الترمذي"(2) عن ابن عمر مرفوعًا: "مَنْ قَالَهَا إِذَا دَخَلَ السُّوقَ وَزَادَ

(*) رجل: "نسخة".

(1)

أخرجه البخاري (6404)، ومسلم (2693) وذكر البخاري اختلافًا في وقف الحديث ورفعه ثم قال: والصحيح قول عمرو.

أي: عمرو بن ميمون وروايته عن ابن أبي ليلى عن أبي أيوب مرفوعًا.

(2)

برقم (3428) من طريق محمد بن واسع قال: قدمت مكة فلقيني أخي سالم بن عبد الله بن عمر فحدثني عن أبيه عن جده أن رسول الله قال

فذكره.

قال أبو عيسى: هذا حديث غريب.

وقد رواه عمرو بن دينار -وهو قهرمان آل الزبير- عن سالم بن عبد الله هذا الحديث نحوه.

وأخرجه الترمذي (3429) من طريق عمرو بن دينار -قهرمان آل الزبير- عن سالم ابن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده مرفوعًا.

قال أبو عيسى: وعمرو بن دينار هذا هو شيخ بصرى، وقد تكلم فيه بعض أصحاب الحديث من غير هذا الوجه.

ورواه يحيى بن سليم الطائفي عن عمران بن مسلم عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر فيه عن عمر رضي الله عنه.

وسئل أبو حاتم الرازي عن هذا الحديث كما في العلل لابنه برقم (2038) فَقَالَ: هذا حديث منكر.

قال ابن أبي حاتم: وهذا الحديث هو خطأ، وإنَّما أراد عمران بن مسلم عن عمرو بن دينار -قهرمان آل الزبير- عن سالم عن أبيه. فغلط وجعل بدل عمرو، عبد الله بن دينار، وأسقط سالمًا من الإسناد.

وذكر الدارقطني في العلل (2/ 48 - 50) برقم (101) اختلافًا في جعل الحديث من رواية عمر، ومن رواية ابن عمر مرفوعًا، ومن رواية عمر مرقوفًا.=

ص: 82

فيها: يُحْيِي وَيُمِيتُ- كُتِبَ لَهُ أَلْفُ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَ عَنْهُ أَلْفُ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَرُفِعَ لَهُ ألف ألف دَرَجَة".

وفي رواية: "وبني له بيت في الجنة"(1).

ومن فضائلها أنها أمان من وحشة القبر وهول الحشر:

كما في المسند وغيره (2)، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَيْسَ عَلَى أَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْشَةٌ فِي قُبُورِهِمْ وَلَا فِي نُشُورِهِمْ، وَكَأَنِّي بِأَهْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَدْ قَامُوا يَنْقُضُونَ التُّرَابَ عَنْ رُءُوسِهِمْ، وَيَقُولُونَ:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ}

=قال الدارقطني: ويشبه أن يكون الاضطراب فيه من عمرو بن دينار؛ لأنّه ضعيف قليل الضبط.

ثم ذكر أن عمرو بن دينار ضعيف الحديث لا يحتج به.

(1)

وهي عند الترمذي (3429).

(2)

هذا الحديث ليس في المسند كما ذكر العلامة الألباني رحمه الله في تعليقه عَلَى هذه الرسالة (ص 64)، وإنَّما أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 65)، والطبراني في الأوسط (4978)، والبيهقي في البعث والنشور (79)، (99) وغيرهم من حديث ابن عمر.

قال ابن عدي وقد رواه من طريق بهلول بن عبد الله الكندي: ولبهلول هذا غير ما ذكرت من الحديث قليل، وأحاديثه عمن روى عنه فيه نظر، وحديثه عن أبي إسحاق أنكر منه عن غيره، وإنَّما ذكرته لأبين أن أحاديثه ليس مما يتابعه الثقات عليها، إذ لم أرَ لمن تكلم في الرجال فيه كلامًا.

وقال البيهقي في الشعب: تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.

وقال أيضاً: ورُوي من وجه آخر ضعيف عن ابن عمر، قد أخرجناه في كتاب البعث والنشور.

وذكر الهيثمي فى المجمع (10/ 82 - 83) له روايتين ثم قال: وفي الرواية الأولى يحيى الحماني، وفي الأخرى مجاشع بن عمرو وكلاهما ضعيف.

وقال أيضاً (10/ 333): رواه الطبراني وفيه جماعة لم أعرفهم.

وأخرجه ابن حبان في المجروحين (2/ 268) من حديث ابن عباس وقال: وهذا خبر باطل، إنما يعرف هذا من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر فقط.

ص: 83

[فاطر: 34]».

وفي حديث مرسل (1): من قال: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَهُ الْمُلْكُ كُلِّ يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ أَمَانًا مِنَ الْفَقْرِ، وَأُنْسًا مِنْ وَحْشَةِ الْقَبْرِ، وَاسْتُجْلِبَ بِهِ الْغِنَى وَاسْتُقْرِعَ بِهِ بَابُ الْجَنَّةِ".

وهي شعار المؤمنين إذا قاموا من القبور:

قال النضر بن عربي: بلغني أن الناس إذا قاموا من قبورهم كان شعارهم: لا إله إلا الله.

وقد خرَّج الطبراني (2) حديثًا مرفوعًا: "إن شعار هذه الأمة عَلَى الصراط: يا لا إله إلا أنت".

ومن فضائلها أنها تفتح لقائلها أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء:

كما في حديث عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن أتى بالشهادتين بعد الوضوء، خرجه مسلم (3).

وفي الصحيحين (4) عن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ، وَأَنَّ اللهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي

(1) أخرجه أبو نعيم في صفة الجنة (185) وفي الحلية (8/ 280) من طريق مالك بن أنس عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فذكره ولم يذكر أبو نعيم "عليًّا" في إسناد الحلية.

قال أبو نعيم في الحلية: غريب من حديث سالم عن مالك -رضي الله تعالى عنه.

(2)

في الكبير (13/ 168) وفي الأوسط (160) من طريق ابن لهيعة عن أبي قبيل عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا.

قال الهيثمي في المجمع (10/ 359) رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه من وثق عَلَى ضعفه، وعبدوس بن محمد لم أعرفه.

(3)

برقم (234).

(4)

أخرجه البخاري (3435)، ومسلم (28).

ص: 84

الْقُبُورِ، فُتِحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ مِنَ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاء".

وفي حديث عبد الرحمن بن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة منامه الطويل، وفيه قال:"ورأيت رجلاً من أمتي انتهى إِلَى أبواب الجنة، فأغلقت الأبواب دونه، فجاءته شهادة أن لا إله إلا الله، ففتحت له الأبواب، وأدخلته الجنة"(1).

ومن فضائلها أن أهلها وإن دخلوا النار بتقصيرهم في حقوقها فإنهم لابد أن يخرجوا منها:

وفي الصحيحين (2) عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله: "وَعِزَّتِى وَجَلالِى وَكِبْرِيَائِى وَعَظَمَتِى، لأخْرِجَنَّ مِنْهَا مَنْ قَالَ -لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ".

وخرَّج الطبراني (3) عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أن أناسًا من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم، فيقول لهم أهل اللات والعزى: ما أغنى عنكم قول: لا إله إلا الله! فيغضب الله لهم فيخرجهم من النار، فيدخلون الجنة".

ومن كان في سُخطه محسنًا فكيف يكون إذا ما رضي؟! لا يُسوي بين من وحَّده وإن قصر في حقوق توحيده وبين من أشرك به.

قال بعض السَّلف: كان إبراهيم عليه السلام يقول: اللهم لا تشرك من

(1) أخرجه الطبراني في الأحاديث الطوال بآخر المعجم الكبير برقم (39) من طريق سليمان بن أحمد الواسطي، ثنا مروان بن معاوية الفزاري، ثنا الوزير بن عبد الرحمن، عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن عبد الرحمن بن سمرة

فذكره.

قال الهيثمي في المجمع (7/ 180): رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما: سليمان ابن أحمد الواسطي، وفي الآخر: خالد بن عبد الرحمن المخزومي، وكلاهما ضعيف.

(2)

أخرجه البخاري (7510)، ومسلم (193)، وقد سبق تخريجه في أول الرسالة.

(3)

في الأوسط برقم (7289).

قال الهيثمي في المجمع (10/ 397)، رواه الطبراني في الأوسط وفيه من لم أعرفهم.

ص: 85

كان يشرك بك بمن كان لا يشرك بك.

كان بعض السَّلف يقول في دعائه: اللهم إنك قلت عن أهل النار إنهم {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ} [النحل: 38]. ونحن نقسم بالله جهد أيماننا: ليبعثن الله من يموت، اللهم لا تجمع بين أهل القسمين في دار واحدة.

كان أبو سليمان يقول: إن طالبني ببخلي طالبته بجوده، وإن طالبني بذنوبي طالبته بعفوه، وإن أدخلني النار أخبرت أهل النار أني كنت أحبه.

ما أطيب وصله وما أعذبه

وما أثقل هجره وما أصعبه

في السخط وفي الرضا ما أهيبه

القلب يُحبُّه وإن عذَّبه

وكان بعض العارفين يبكي طول ليله، ويقول: إن تعذبني فإني لك محب، وإن ترحمني فإني لك محب. العارفون يخافون من الحجاب أكثر مما تخافون من العذاب.

قال ذو النون: خوف النار عند خوف الفراق كقطرة في بحر لُجِّيٍّ.

كان بعضهم يقول: إلهي وسيدي ومولاي! لو أنك عذبتني بعذابك كله كان ما فاتني من قربك أعظم عندي من العذاب.

قيل لبعضهم: لو طردك ما كنت تفعل؟ فَقَالَ:

أنا إن لم أجد من الحبِّ وَصْلا

رُمْتُ في النار منزلا ومَقيلا

ثم أزعجت أهلها بندائي

بُكرةً في (عُرَاصها)(*) وأصيلا

معشر المشركين نُوحوا عَلَى من

يدَّعي أنَّه يُحبُّ الخليلا

لم يكن في الَّذِي ادّعاه محقًّا

فجزاه به العذاب الطَّويلا

(*) عرصاتها: "نسخة".

ص: 86