المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌احذروا الرياء أول من تُسعر به النار من الموحدين العباد المراءون - كلمة الإخلاص وتحقيق معناها - ضمن رسائل ابن رجب - جـ ٣

[ابن رجب الحنبلي]

الفصل: ‌ ‌احذروا الرياء أول من تُسعر به النار من الموحدين العباد المراءون

‌احذروا الرياء

أول من تُسعر به النار من الموحدين العباد المراءون بأعمالهم؛ أولهم العالم والمجاهد والمتصدق للرياء (1)؛ لأنّ يسير الرياء شرك.

ما ينظر المرائي إِلَى الخلق في عمله إلا لجهله بعظمة الخالق.

المرائي يُزوِّر التواقيع عَلَى اسم الملك ليأخذ البراطيل (2) لنفسه، ويوهم أنَّه من خاصة الملك، وهو ما يعرف الملك بالكلية.

نقش المرائي عَلَى الدرهم الزائف اسم الملك ليروج، والبهرج (3) ما يجوز إلا عَلَى غير الناقد.

وبعد أهل الرياء يدخل النار أصحاب الشهوات وعبيد الهوى، الذين أطاعوا هواهم، وعصوا مولاهم، فأما عبيد الله حقًّا، فيقال لهم:{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27 - 30].

نار جهنم تنطفئ بنور إيمان الموحدين.

في الحديث: "تقول النار للمؤمن: (جُزْ)(4)، فقد أطفأ نورك

(1) يشير إِلَى الحديث الَّذِي رواه مسلم برقم (1905) من حديث أبي هريرة.

(2)

البراطيل: جمع برطيل بكسر الباء، وهو الرشوة، ويقال في المثل: البراطيل تنصر الأباطيل. كأنه مأخوذ من البرطيل الَّذِي هو المعول؛ لأنه يستخرج به ما استتر.

وفتح الباء عاميُّ - المصباح المنير (ص 42).

(3)

البهرج: مثل جعفر. الرديء من الشيء

ودرهمٌ بَهْرَجٌ: رديء الفضة. وبُهْرِجَ الشيء -بالبناء للمفعول-: أخذ به عَلَى غير الطريق - المصباح المنير (ص 64).

(4)

كذا وقع في الأصول المخطوطة، وفي جميع النسخ المطبوعة ومصادر التخريج [جُز يا مؤمن].

ص: 66

لهبي! " (1).

وفي "المسند"(2) عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لَا يَبْقَى (بَرٌّ) (*) وَلَا فَاجِرٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِ بَرْدًا وَسَلَامًا، كَمَا كَانَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ حَتَّى إِنَّ لِلنَّارِ ضَجِيجًا مِنْ بَرْدِهِمْ".

هذا ميراث ورثه المحبون من حال الخليل عليه السلام.

نار المحبة في قلوب المحبين تخاف منها نار جهنم.

قال الجنيد: قالت النار: يا رب لو لم أطعك هل كنت تعذبني بشيء هو أشد مني؟ قال: نعم كنت أسلط عليك ناري الكبرى. قالت: وهل هناك نار أعظم مني وأشد؟! قال: نار محبتي أسكنها قلوب أوليائي المؤمنين.

قفا قليلاً بها عَلَيَّ فلا

أقلَّ من نظرة أرددها

ففي فؤاد المحبِّ نارُ جويّ

أحرُّ نار الجحيم أبردُها

لولا دموع المحبين تطفئ بعض

حرارة الوجد لاحترقوا كمدًا

دعوه يطفي بالدموع حرارة

عَلَى كبدٍ حرِّي دعوه دعُواه

سلوا عاذليه يعذروه هنيهة

فبالعذل دون الشوق قد قتلوه

كان بعض العارفين، يقول: أليس عجبًا أن كون حيًّا بين أظهركم، وفي

(1) أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 394)، والطبراني في الكبير (22/ 668)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 329)، والخطيب في تاريخ بغداد (9/ 232) من طرق عن بشير بن طلحة عن خالد بن دريك عن يعلي بن منية مرفرعًا.

قلت: وهذا الطريق فيه علتان، إحداهما: ضعف بشير بن طلحة، والثانية: الانقطاع بين خالد بن دريك ويعلي بن منية.

وقد أخرجه البيهقي في الشعب (469 - سلفية) من طريق سليم بن منصور بن عمار حدثني أبي عن الهقل بن زياد عن خالد بن دريك عن بشير، وهو منكر.

قلت: وقد حدث قلب في هذا السند؛ لأن خالدًا شيخ بشير لا تلميذه.

(2)

(3/ 328، 329).

(*) مؤمن: "نسخة".

ص: 67

قلبي من الاشتياق إِلَى ربي مثل شُعَلِ النار التي لا تنطفئ؟!

ولم أرَ مِثْل نارِ (المحبين)(*) نارًا

تزيدُ بُبُعد موقِدِها اتِّقادًا

ما للعارفين شغل بغير مولاهم، ولا همّ في غيره.

وفي الحديث: "من أصبح وهمه غير الله فليس من الله"(1).

قال بعضهم: من أخبرك أن الله وليه [و](2) همه في غيره فلا تصدقه.

وكان داود الطائي يقول في الليل: همك عطّل عليّ الهموم، وحال بيني وبين السهاد، وشوقي إِلَى النظر إليك أوبق مني اللذات، وحال بيني وبين الشهوات، فأنا في سجنك أيها الكريم مطلوب.

ما لي شُغْلٌ سواه ما لي شُغلُ

ما يصرفُ قلبي عن هواه عذل

ما أصنع إن جَفَا وخَابَ الأملُ

مني بَدلٌ ومنه مالي بَدَلُ

إخواني: إذا فهمتم هذا المعنى فهمتم معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله (صدقًا) (**) من قلبه حرّمه الله عَلَى النار"(3).

(*) الحب: "نسخة".

(1)

أخرجه بهذا اللفظ ابن بشران في "الأمالي"(7/ 105/ 1)، (ج19/ 3/ 2) كما في الضعيفة للألباني برقم (311)، والحاكم (4/ 320) من طريق إسحاق بن بشر، ثنا مقاتل بن سليمان عن حماد عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود مرفوعًا.

ونقل العلامة الألباني رحمه الله قول ابن بشران: "هذا حديث غريب، تفرد به إسحاق بن بشر" وقال الذهبي في "التلخيص": "إسحاق ومقاتل ليسا بثقتين ولا صادقين".

وحكم عليه العلامة الألباني بالوضع؛ فراجعه في الضعيفة برقم (311).

(2)

سقطت من الناسخ، وبها يستقيم المعنى.

(**) خالصًا: "نسخة".

(3)

أخرجه البخاري (128).

ص: 68