الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرك والكفر له أصل وفروع
وهذا كله من فروع الشرك، ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك عَلَى كثير من المعاصي (التي)(*) منشؤها من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه، أو التوكل عليه أو العمل لأجله، كما ورد في (الصحيح)(**) إطلاق الشرك عَلَى الرياء (1)، وعلى الحلف بغير الله (2)، وعلى التوكل عَلَى غير الله والاعتماد عليه، وعلى من سوَّى بين الله وبين المخلوق في المشيئة، مثل أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان (3).
وكذا قوله: ما لي إلا الله وأنت؛ وكذلك ما يقدح في التوكل وتفرد الله بالنفع والضر: كالطيرة، والرُّقَى المكروهة، وإتيان الكهان وتصديقهم بما يَقُولُونَ، وكذلك اتباع هوى النفس فيما نهى الله عنه، قادحٌ في تمام التوحيد وكماله.
ولهذا أطلق الشرع عَلَى كثير من الذنوب التي منشؤها من اتباع هوى النفس بما هو كفر وشرك؛ كقتال المسلم (4)، ومن أتى حائضًا أو امرأة في
(*) الَّذِي: "نسخة".
(**) في نسخة استانبول: صحيح، وما أثبته الأنسب للسياق، والأحاديث في "المسند" وليست في الصحيح.
(1)
أخرجه أحمد (5/ 428) بلفظ: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر.
قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: "الرياء" من حديث محمود بن لبيد.
(2)
أخرجه أحمد (2/ 125)، وأبو داود (3251)، والترمذي (1535). بلفظ:"لا تحلف بأبيك؛ فإنَّه من حلف بغير الله فقد أشرك" من حديث ابن عمر.
(3)
أخرجه أحمد (5/ 384، 394، 398)، وأبو داود (4980) بلفظ:"لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان" من حديث حذيفة بن اليمان.
(4)
أخرج البخاري (6044)، ومسلم (64) من حديث ابن مسعود مرفوعًا بلفظ:=
دبرها (1)، ومن شرب الخمر في المرة الرابعة (2)، وإن كان ذلك لا يخرجه عن الملّة بالكلية.
ولهذا قال السَّلف: كُفر دون كفر، وشرك دون شرك.
= "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر".
(1)
أخرج الترمذي (135) وغيره من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: "من أتى حائضًا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل عَلَى محمد".
وقال الترمذي: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي عن أبي هريرة. وإنَّما معنى هذا عند أهل العِلْم عَلَى التغليظ. وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى حائضًا فليتصدق بدينار". فلو كان إتيان الحائض كفرًا لم يؤمر فيه بالكفارة.
وضعف محمد هذا الحديث من قبل إسناده.
(2)
أخرج الترمذي (1444) وغيره من حديث معاوية مرفوعًا بلفظ: "من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه".
قال الترمذي: وفي الباب عن أبي هريرة والشريد وشرحبيل بن أوس وجرير وأبي الرَّمَد البَلَوي وعبد الله بن عمرو.
وقال أبو عيسى: حديث معاوية هكذا روى الثوري أيضاً عن عاصم عن أبي صالح عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى ابن جريج ومعمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: سمعت محمدًا يقول: حديث أبي صالح عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا أصح من حديث أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كان هذا في أول الأمر ثم نسخ بعد.
هكذا روى محمد بن إسحاق عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ فِي الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ"، قال: ثُمَّ أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الرَّابِعَةِ فَضَرَبَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ.
وكذلك روى الزهري عن قبيصة بن ذويب عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا، قال: فَرَفَعَ الْقَتْلَ وَكَانَتْ رُخْصَةً، والعمل عَلَى هذا الحديث عند عامة أهل العِلْم لا نعلم بينهم اختلافًا في ذلك في القديم والحديث، ومما يقوي هذا ما رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أوجه كثيرة أنَّه قال:"لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلا بِإِحْدَى ثَلاثٍ: النَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبُ الزَّانِى، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ".
وقد ورد إطلاق الإله عَلَى الهوى المتَّبع، قال تعالى:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23] وقال الحسن: هو الَّذِي لا يهوى شيئًا إلا ركبه.
وقال قتادة: هو الَّذِي كلما هوى شيئًا ركبه، وكلما اشتهى شيئًا أتاه لا يحجزُه عن ذلك ورعٌ ولا تقوى.
ورُوي من حديث أبي أمامة مرفوعًا بإسناد ضعيف: «مَا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ إِلَهٌ يُعْبَدُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ» (1).
وفي حديث آخر: "لا تزال لا إله إلا الله تدفع عن أصحابها حتى يؤثروا دنياهم عَلَى دينهم، فَإِذَا فعلوا ذلك رُدَّت عليهم، وقِيلَ لَهُم: كذبتم"(2).
(1) أخرجه ابن عدي (2/ 301)، (3/ 69) والطبراني في الكبير (8/ 7502)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 118) من طريق الحسن بن دينار عن الخصيب بن جحدر عن راشد بن سعد عن أبي أمامة.
قال ابن عدى (2/ 301): وهذا إن كان البلاء فيه من الحسن، وإلا من الخصيب ابن جحدر، ولعله أضعف منه.
وقال ابن عدي (3/ 69): وللخصيب أحاديث غير ما ذكرته، وأحاديثه قلما يتابعه أحد عليها، وربما روى عنه ضعيف مثله مثل عباد بن كثير والحسن بن دينار، كما ذكرته، فلعل البلاء منهم لا منه.
وقال الهيثمي في المجمع (1/ 193): رواه الطبراني في الكبير، وفيه الحسن بن دينار، وهو متروك الحديث.
(2)
أخرجه أبو يعلى (4034) من حديث أنس.
وسئل أبو حاتم الرازي عنه كما في العلل لابنه برقم (1857) فَقَالَ: هذا خطأ، إِنَّمَا هو أبو سهيل عن مالك بن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل.
وقال الهيثمي في المجمع (7/ 277): رواه البزار وإسناده. حسن. قلت: وليس كما قال.
وأخرجه العقيلي في الضعفاء (2/ 297) من حديث أبي هريرة، وفي إسناده: عبد الله بن محمد بن عجلان، قال عنه العقيلي: منكر الحديث، لا يتابع على هذين الحديثين. وذكر هذا الحديث وآخر.
وأورده الهيثمي في المجمع (7/ 277) وقال: رواه البزار، وفيه: عبد الله بن محمد ابن عجلان، وهو ضعيف جدًّا. اهـ.
وللحديث روايات أخرى كلها ضعيفة.
ويشهد لذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ، تَعِسَ عَبْدُ الْقَطِيفَةِ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وَإِذَا شِيكَ فَلا انْتَقَشَ"(1).
فدل هذا عَلَى أن كل من أَحَبّ شيئًا وأطاعه، وكان غاية قصده ومطلوبه، ووالى لأجله، وعادى لأجله؛ فهو عبده، وذلك الشيء معبوده وإلهه.
…
(1) أخرجه البخاري (2886).