الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مدخل
…
التربية الإسلامية ومراحل النّمو
للدكتور عباس محجوب أستاذ مساعد بكلية الدعوة بالجامعة
قسم علماء التربية التربية إلى مستويات تختلف باختلاف مراحل نمو الإنسان باعتبار التربية عملية ملازمة للإنسان في نموه الطبيعي ونمو استعداداته وميوله وقدراته، ومع الاختلاف البسيط في هذه التقسيمات إلا أننا يمكن أن نأخذ بالتقسيم التالي:
ا- مرحلة ما قبل الولادة.
2-
مرحلة الطفولة.
2-
مرحلة المراهقة.
4-
مرحلة الشباب.
مرحلة ماقبل الولادة
…
أولا: مرحلة ما قبيل الولادة:
حض الإسلام على الزواج باعتباره حاجة فطرية للإنسان فطره الله عليها وهيأه لها ووجهه إليها ليقوم بواجبه في الحياة من المحافظة على النوع الإنساني وتكاثر هذا النوع وزيادته، وفى ذلك يقول الله سبحانه وتعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً} (النساء: آية 1) . وقد وضع الإسلام ضوابط لاختيار الزوج حتى يختار كل منهما الشريك الأصلح لأداء هذه المهمة في الحياة، فالرجل مطالب باختيار المرأة ذات الدين التي تفهم واجباتها
الشرعية في البيت والحياة والتي يقوم سلوكها على أساس السلوك الإسلامي والآداب الإسلامية، وإذا لم يكن الدين بمعناه الواسع هو أساس الاختيار لم يكن البناء قائما على أسس سليمة وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلا، ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فقرا، ومن تزوجها لحسبها لم يزده الله إلا دناءة ومن تزوج امرأة لم يرد بها إلا أن يغض بصره ويحصن فرجه أو يصل رحمه، بارك الله له فيها وبارك لها فيه"1.. كما يقول: "ولا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة خرماء سوداء ذات دين أفضل"2.. فذات الدين هي التي تقوم بحق الله وحق الزوج وحق الأمة في تربية الجيل المؤمن بالله السائر على هديه.
كما أن على الزوج أن تختار زوجها ممن يتوفر فيه الشروط المناسبة لها وأهمها الدين والخلق حتى يمكنه أن يقوم بواجبه، واجب الرعاية والقوامة والتربية "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلاّ تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" 3 واشتراط الدين والأخلاق أمر مهم حتى تعيش الأسر في أجواء شريفة مؤمنة وفي كنف رجال صالحين يتقون الله في نسائهم وأولادهم وحتى تتحقق السعادة في ظل البيت المؤمن وتنشأ الأجيال مؤمنة بالله متحملة المسؤوليات ناقلة للصفات الطيبة من الأبوين الطيبين، ولذلك حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من التهاون في الاختيار وترك الصفات الإسلامية المطلوبة من أصالة وصلاح وشرف فقال:"إياكم وخضراء الدمن، قالوا وما خضراء الدمن يا رسول الله؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء"4.. وقد أثبت العلماء أن الصفات الخِلْقِيةَ والخُلُقِيةَ تنتقل عن طريق الوراثة كما تنتقل الصفات المادية وإلى هذا أشار القرآن الكريم في استنكار المستنكرين لمريم حيث قالوا: {يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً} (سورة مريم 28) وقد رأى بعض علماء النفس والتربية أن الإصابة بمرض الزهري أو وجود أي نوع من العيوب الوراثية العقلية بعين الزوجين يؤدي إلى إنجاب أطفال يحملون المرض نفسه كما أن الأطفال الذين يولدون لأبوين يدمنان السكر والمخدرات بأنواعها خاصة في ساعات التلقيح كثيرا ما يصابون بأمراض عقلية وعصبية قل أن يشفوا منها لأن الأبوين لا يورثان الصفات الجسمية فقط بل الصفات النفسية ولذلك يرى بعض العلماء أن الرجال
1 رواه الطبراني.
2 سنن ابن ماجه ج1 كتاب النكاح.
3 رواه الترمذي.
4 رواه الدارقطني.
المتفائلين ينجبون أولادا متحررين من العادات القبيحة والخوف والأوهام، أما الحمقى والموهومون والسكارى فينجبون أولادا عصبي المزاج مصابين بمركب نقص، يعانون من العقد والإحساس بالضعف وعن ذلك يقول كريس مورسون:"إن الجينات جزء من خلايا الوراثة، غير أن خلايا الوراثة لا تشترك فى التكوين العام للجسم، ولكنها منعزلة ولا تسهم في أي وجه من وجوه النشاط الأقل أهمية التي تقوم بها الكائنات الحية، إن هذه الخلايا تحفظ الشبه الكامل للنوع، ويبدو أنها لا تتأثر بمسلك الوالدين إلا أن سوء الخلق، أو المرض، أو الحوادث، قد تمدها بمواد جد فقيرة لتشتغل بها. إن الوالدين القويين قد ينسلان أطفالا أقوياء، ولكن ذلك لأنه كان هناك أسلاف أقوياء، وان الوالدين قد يمنحان طفلهما مبدأ طبيعيا ليعيش فيه، أوقد يهبانه مباءة لا تصلح مكانا لنفس خالدة".
إن الأبوة والأمومة هما أعظم تبعة تقع على عاتق الإنسان والله سبحانه وتعالى يقول {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} (النور: آية 32)، والرسول صلى الله عليه وسلم يطلب اختيار وانتقاء الزوج من النساء فيقول:"تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء" 1 وقد سئل سيدنا عمر رضي الله عنه عن حق الولد على أبيه فأجاب "أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه القرآن". إن نشأة الأجيال على الطهارة والعفة والاستقامة تعتمد على الصفات التي يتوارثها الأبناء عن الآباء خلقية أو جسمية أو عقلية، وقد حثت الأحاديث النبوية على تحسين النسل بتفضيل المرأة البعيدة أو التي لا صلة قربى تربطها بالرجل حرصا على انتفاء العيوب الوراثية التي يحملها الزوجان عن الأبناء وقد أثبتت التجارب العلمية في اختبارات الذكاء صحة هذه النظرية التي تنادي بالتغرب في الزواج حتى لا يأتي نسل ذوي القرابة ضعفاء الجسم والخلق وغيرها من العيوب الوراثية.
ولأن تربية الأبناء تبدأ قبل الولادة كما قلنا فإن الأمر لا ينتهي باختبار كل من الزوجين الصحيحين لبعضهما بل لابد من تعهد الجنين فترة الحمل بتعهد الأم نفسها وإبعادها عما يسبب لها الضعف والقلق النفسي وإحسان معاشرتها ومعاملاتها لأن الحالة الصحية والنفسية للحامل تؤثر كثيرا على الجنين ولذلك يرى الدكتور (الكسيسى كاريل) : "أن للحمل قواعد يجب أن تتعلمها النساء في مدارس خاصة لذلك من حيث السلوك الذي يجب اتباعه أثناء الحمل والنواحي الغذائية التي تهتم بها والمخاطر التي يمكن أن يتعرض لها المولود أثناء الحمل والرضاعة من جراء إسراف النساء في التدخين وشرب القهوة والمسكرات والمخدرات"2.
1 رواه ابن ماجه والدارقطني.
2 تأملات في سلوك الإنسان ص110.