الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالتربية قبل الولادة هي التي يطلبها الإسلام في زوجة صالحة وامرأة منجبة خالية من الأمراض والعيوب وزوج يتميز بالاستقامة وحسن الرعاية والإنفاق وحسن المعاملة وحسن التربية لأنه مسؤول عنها أمام الله سبحانه وتعالى بنص حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أو ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته"1.
وقد ثبت مما تقدم أن العامل الوراثي له أثر كبير في مستقبل الطفل وتربيته فكانت أهمية مراعاة هذه الجوانب في اختيار كل من الزوجين للآخر كما أن العوامل البيئية لا نستطيع إغفالها أو التقليل من دورها، وعلى رأس هذه العوامل الناحية الغذائية للأم من حيث كمه وكيفه لأن الأم التي تعاني من نقص غذائي قد تلد طفلا يعاني نقصا جسمانيا أو عقليا أو اضطرابا نفسيا حادا، كما أن المرض الذي يصيب الأم عامل هام في التأثير على نمو الجنين هذا بالإضافة لعامل الإفراط في تناول المكيفات كالتدخين وشرب الخمر والمخدرات وكلها تعوق نمو الجنين في بطن أمه ثم تؤثر في مستقبل حياته الصحية والنفسية والعقلية، ولذلك كله لابد من الاهتمام بالمرأة الحامل نفسيا واجتماعيا وغذائيا حتى يتهيأ للطفل الذي يراد تربيته الظروف المساعدة لإيجاد بيئة صالحة للنمو.
1 رواه البخاري ومسلم في الإمارة والترمذي في الجهاد.
الطفولة الأولى:
تبدأ هذه المرحلة في الغالب من فترة الولادة إلى ست سنوات أو سبع كما يرى كثير من علماء التربية والنفس وإن كانت هناك تقسيمات أخرى.. وقد اهتم الإسلام بالطفل من حيث تربيته على أسس معينة منذ ولادته وتبدأ بالتهنئة والبشارة بالمولود ذكرا كان أو أنثى، وفى القرآن ما يشير إلى ذلك كما في قصة زكريا {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ} (آل عمران: 39) وقوله: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً} (مريم: 7) ، ويمكن أن تكون التهنئة مادية بتقديم الهدايا وغيرها، كما يستحب له التأذين في الأذن اليمنى والإقامة في اليسرى حتى يكون الأذان والإقامة من أول ما يسمع الطفل كما أن في ذلك رمزاً إلى المهمة التي جاء بها في الوجود وهي عبادة الله وتلبية النداء إلى العبادة وقد فعل ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي كما يستحب تحنيكه وحلق رأسه يوم سابعه والتصدق بوزنه فضة أو ذهبا على الفقراء وكلها قد فعلها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بل إن الإسلام يحدد نوع الاسم الذي يستحسن
تسمية المولود به لما للاسم من دلالة على المسمى فإذا كان الاسم جميلا متفائلا ذا دلالة طيبة سر به صاحبه وإن كان قبيحا متشائما كان مثار سخرية واستهزاء بصاحبه، ولهذه الدلالة النفسية للأسماء على أصحابها غير الرسول صلى الله عليه وسلم أسماء كثير من أصحابه أمثال حزن وحرب بسهل وسلم وغيرهما والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وبأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم" 1 كما دعا الإسلام أن لا يسمى بأسماء الله كالملك والوهاب والصمد وغير ذلك ولا الأسماء الدالة على تعظيم غير الله أو المعبودة غيره كعبد يغوث وعبد العزى وعبد الرسول وعبد النبي وغيرها ويدخل في هذا ما نرا5 في بلاد العرب من يسمون أبناءهم بأسماء لينين وخرشوف وقاقارين وغاندي وأتاتورك أو من يسمون بأسماء النصارى واليهود مثل جوزيف وألين ومارية وغيرها أو التسميات المائعة التي يسمى بها كثير من الأولاد والبنات.
ويحض الإسلام على اختيار أسماء الأنبياء وما يدل على العبادة لله فقد روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله "تسموا بأسماء الأنبياء وأحب الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة"2.
والرضاعة تمثل جانبا مهما في حياة الطفل المستقبلية ولذلك جعلها الإسلام من وظيفة المرأة وحدد لها مدة {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (البقرة: 233) ، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن للرضاعة أثراً كبيراً في تربية المولود وأخلاقياته، فالمرأة السيئة الخلق الكثيرة الانفعال تؤثر في المولود، وقد اشترط كثير من علماء المسلمين اختيار المرضع للطفل لأن اللبن يعدى كما رأوا أن تكون المرضع صالحة تأكل من الحلال لأن طباع الطفل تتأثر باللبن وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن إرضاع الحمقاء، ولأن الرضاع وظيفة خاصة بالمرأة فلا يجب استبدال الرضاع الطبيعي بالصناعي لأن اللبن الصناعي لا يعطي الأطفال القيمة الغذائية الكاملة التي يحتاجون إليها ولأن له تأثيراً على العواطف والطباع.
أما بالنسبة للحضانة وهى التي تستمر إلى السابعة فإن الأم هي التي تقوم بها لأنها مهيأة بعواطفها ورقتها وحنانها ورحمتها للقيام بذلك الدور فالطفل السوي هو الذي ينشأ في حضن والديه مستمتعا بدفء عواطفهما ورحمتهما بعيدا عن الاضطرابات النفسية والعصبية والنقص في النمو وغير ذلك من الأمراض التي يمكن أن يصاب بها الطفل الفاقد لوالديه أو
1 رواه أبو داود.
2 رواه أبو داود والنسائي.
لأمه فالظروف التي ينشأ فيها الأطفال هي التي تؤثر في مستقبل حياتهم ونموهم فقد أثبتت الدراسات النفسية أن كثيرا من الانحرافات التي تظهر في الكبار راجعة إلى مواقف وظروف عاشها الشخص في طفولته، ولذلك يرى علماء التربية أن إحساس الطفل بالأمن والاستقرار والمحبة هو الذي يسهل له عملية التكيف والتوافق المطلوبين من كل عضو من أعضاء المجتمع فإذا عاش الطفل في وسط عائلي يحيطه بالرعاية والحب ويشعره بمكانته في المنزل ويقدم له الكثير في سبيل إسعاده أحس بالأمن والطمأنينة ونما نموا طبيعيا خاصة إذا عاش في عائلة مستقرة متجانسة غنية في القيم الاجتماعية الإسلامية ثابتة في أساليب تعاملها مع الطفل لا يحس بالتناقض في معاملة والديه له ولأن الأسرة تمثل البيئة الاجتماعية الأولى التي ينشأ فيها الطفل اهتم الإسلام بنظام الأسرة وتنظيم العلاقات بين الرجل والمرأة وقيام هذه العلاقة على أساس من الرحمة والمودة والعطف والاحترام المتبادل وأداء كل واحد لما عليه من حقوق نحو الآخر وغض الطرف من الجانبين عن بعض نواحي النقص خاصة من الرجل ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"1.
إن حضانة الأم لطفلها من أهم العوامل المساعدة على تحقيق النمو الكامل له كما أنه العامل المهم في إحداث التكيف بين الطفل والمجتمع الذي يعيش فيه أما إذا انشغلت المرأة عن حضانة أطفالها بالانشغال بالعمل خارج المنزل أو بالانفصال عن زوجها أو بالتعالي على الحضانة وترك الأمر للخادمة في البيت أو الحضانة الصناعية في المدارس والمؤسسات- إذا حدث ذلك نتيجة لهذا الحرمان من الأمومة أدى ذلك إلى التأخر في نواحي النمو المختلفة وتعرض الأطفال للاضطرابات النفسية في حياتهم المقبلة، وقد أجريت بحوث على عدد من الأطفال بلغوا 123 طفلا أعمارهم بين عام وأربعة أعوام يعيشون في مؤسسات مختلفة وقارنوا هذا العدد بأطفال مثلهم يعيشون مع أسرهم ولكنهم في الصباح يذهبون الى دور الحضانة نسبة لانشغال الأمهات بالعمل فكانت النتيجة أن نمو الأطفال في المؤسسات يختلف عن النمو مع أسرهم لأن حرمان الطفل من أمه يعطل نموه جسميا وذهنيا واجتماعيا وإن القليل من عناية الأم قد تثمر2، أما إذا عاش الطفل كل وقته تحت حضانة أمه فإن نموه سيكون متكاملا والدليل على ذلك رجوع كثير من الدول التي تعتمد على الحضانة الصناعية إلى تشجيع الحياة العائلية وتكريم الأمهات اللائي يتفرغن لتربية أطفالهن.
وفي هذه المرحلة يرى علماء التربية من المسلمين أمثال ابن سينا والغزالي أن الطفل
1 رواه ابن ماجة والدارمي في باب النكاح.
2 د/مصطفى فهمي –الصحة النفسي ص92-93.