الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يجب إبعاده عن الرذائل وقرناء السوء، وأن يبعد عن الكلام الفاحش واللغو واللعن والشتم ومن تعود على ذلك من الأطفال لأن أصل تأديب الصبي حفظه من قرناء السوء1.
1 الغزالي-احياء علوم الدين ج3 ص73.
الطفولة الثانية:
تبدأ هذه المرحلة من السابعة إلى الثانية عشرة وهي المرحلة التي يلتحق فيها الطفل بالمدرسة بعد أن تعلم القراءة والكتابة وهي المرحلة التي يمكنه أن يتذكر ما يحدث أمام بصره وسمعه نتيجة لقوة ذاكرته وقدرته على الحفظ وتعلم اللغات فيها، ولذلك جعل الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المرحلة هي مرحلة أمر الطفل بالصلاة حيث يقول:"مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر وفرقوا بينهم في المضاجع" 1، وفي هذه المرحلة يعلم الطفل امتثال أوامر الله سبحانه واجتناب نواهيه ويعرف بالحلال والحرام ويوجه إلى حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته عملا بقوله صلى الله عليه وسلم:"أدبوا أولادكم على ثلاث خصال: حب نبيكم، وحب آل بيته وتلاوة القرآن، فإن حملة القرآن في ظل عرش الله يوم لا ظل إلا ظله" 2 كما أنه يلقن آداب الأكل والشرب كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع عمر بن أبي سلمة الذي يقول: "كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عديه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام سم الله تعالى، وكل بيمينك وكل مما يليك"3.
وفي هذه المرحلة يتعرف الطفل على زملائه في المدرسة ويكون مع بعضهم صداقات وهو ما يسمى في علم النفس الحديث بشلة الرفاق ولأن الحاجة إلى الأصدقاء والرفقاء من الأمور الطبيعية والمهمة فقد اهتمت التربية الإسلامية بذلك، ودعت إلى أن يختار الأب لابنه الأصدقاء المؤمنين والجلساء الصالحين ليس بطريقة مباشرة وإنما باختيار أصدقائه هو ممن لهم مثل أبنائه وتوطيد صلته بهم حتى تنشأ العلاقة بين الأطفال بحكم سنهم، ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"لا تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي" 4، ويقول: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، أو تشتري منه، أو تجد منه ريحا طيبا، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك أو تجد
1 رواه الحاكم وأبو داود عن عمرو بن العاص.
2 رواه الطبراني.
3 متفق عليه رياض الصالحين ص332.
4 سنن أبي داود والترمذي.
منه ريحا منتنة" 1 ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم مبينا أن الفرد يقارن بخليله سيئا كان أم حسنا-: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" 2، والقرآن يوضح أن أصدقاء الشر أعداء لبعضهم يوم القيامة وأن أصدقاء الخير والتقوى سعداء حتى في الآخرة {الأَخِلَاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَاّ الْمُتَّقِينَ} (الزخرف 67) ويقول تعالى موضحا أثر رفقة السوء على الإنسان وندمه على ذلك {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً} (الفرقان 27- 29) وقد نبه علماء التربية في الإسلام أمثال ابن سينا والغزالي وغيرهما إلى أهمية هذه الناحية في التربية وأثر اختيار الأصدقاء على مستقبل الأطفال وتوجيههم إلى الخير والشر، فابن سينا يرى أن الطفل يتأثر برفيقه ويكتسب منه كثيرا من العادات لما ركب فيه من نزعة التقليد والمحاكاة فيقول: "وينبغي أن يكون مع الصبي صبية من أولاد الحلة حسنة آدابهم مرضية عاداتهم فإن الصبي عن الصبية ألقن وهو عنه آخذ وبه آنس" 3 أما الغزالي فيقول: "وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فَأنْ يصونه عن نار الآخرة أولى. وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه، ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء، ولا يعوده التنعم ولا يحبب إليه الزينة وأسباب الرفاهية، فيضيع عمره في طلبها إذا كبر، فيهلك هلاك الأبد، بل ينبغي أن يراقبه من أول أمره فلا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلا امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال"4 ويقول:"ويمنع الطفل من لغو الكلام وفحشه ومن اللعن والشتم ومن مخالطة من يجري على لسانه شيء من ذلك فإن ذلك يسري لا محالة من قرناء السوء، وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء"5.
ومن أهم الحاجات التربوية في هذه المرحلة غرس الإيمان بالله في نفس الطفل وتبسيط مبادئ العقيدة وتنشئته على الخوف من الله وإحساسه بأن الله مطلع عليه مراقب لأعماله وأن عليه أن يستعين بالله ويلجأ إليه ويدعوه ويطلب منه الهداية للخير، وعلى الوالد ألا يدع فرصة إلا واستفاد منها في ترسيخ المثل العليا واليقين في الله ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة فقد روى ابن عباس قوله: "كنت خلف النبي صلى الله عليه
1 رواه البخاري ومسلم.
2 رواه الترمذي.
3 نقلا عن الابراهيمي، التربية الإسلامية.
4الإحياء ج1.
5 المصدر السابق.