الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقديم فضيلة الشيخ محمد عيد العباسي حفظه الله
الحمد لله حمداً يليقُ بجلاله وكماله، ويُكافئُ نِعمَهُ ويُوافِي فضلَ مزِيده، والصلاةُ والسلامُ على محمدٍ عبده ورسوله، الدَّاعي إلى طاعته وتوحيده، وعلى مَن اتَّبَع هُداهُ ونصر دينه، ورجا وعدَه وخاف من وعيده، أما بعد:
فقد منَّ الله سبحانه على عباده بأنْ أرسل إليهم رسلاً يُبلِّغونهم رسالة ربهم إليهم، ويُنيرون لهم الطريق إلى معرفته ومعرفة دينه وشريعته التي إذا آمنوا وعملوا بها فازوا في الدارين، وكانوا فيهما من السعداء.
وكان خاتمة هؤلاء الرسل وخيرهم نبيُّنا وإمامنا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي بلَّغ الرسالة، وادَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى اختاره الله إلى جواره، فلَحِق بالرفيق الأعلى، وترك أمته على المحجَّة البيضاء، والشريعة الواضحة الغرَّاء، التي لا يَضلُّ عنها إلا هالك، والتي تتمثَّلُ في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقد قام سلفنا الصالح بخدمة هذين المصدرين العظيمين حق القيام، مما لم يحظ به نبيّ سابق، ولا تابع لاحق، ففسروا غريبهما، ووضَّحوا معانيهما، وكشفوا عن مقاصدهما، ووفَّقوا بين مشكلهما، وبذلوا الغالي والنفيس في تقريبهما للأمة ونشرهما، والدعوة إليهما.
ثم اصاب الوهن والضعف والتخلف والجهل أمة الإسلام، وجرت عليها سنة الله في خلقه، فالأيام دُوَل، وحكمة الله تعالى في تغيير الأحوال، وتبدُّل الشؤون، فكل يومٍ ربنا في شأن، والحياة والأحياء ينتقلون ويركبون طبقاً عن طبق، وها هو دولاب الزمن يدور، وتقتضي حكمة الله أن تستيقظ الأمة الإسلامية فيبعث الله تعالى فيها المصلحين والدعاة العلماء العاملين
فيُجدِّدون ما انقطع، ويُحيُون ما اندثر، وينشطون ويعملون ويجدون ويدعون بكل قوة وهمة، ويستجيب لهم الكثيرون، وتكون هذه الصحوة الإسلامية التي فاجأت الأعداء الذين ظنوا أنهم قد نالوا أربهم في القضاء على هذا الدين، وصرف أتباعه عن هُداه، بما نشروا فيه من الشبهات، وأثاروا بين أبنائه من الشهوات؛ ولكن الله لهم بالمرصاد، فأبطل سعيهم، وأفسد كيدهم، وهم يبذلون الآن كل ما يستطيعون لإطفاء هذا النور (ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون)
ولكنا مع فرحنا بهذه الصحوة، فإننا نعترف بأنها لابد لها من تسديد وترشيد حتى لا يستغلها أصحاب الاهواء، ولا يحرفها الشانئون والاعداء، ولا يكون ذلك إلا بوضعها على الطريق القويم، وضبطها بمنهج الكتاب والسنة وفهمها على ضوء فهم سلف الأمة، وعساه يكون قريباً.
وقد كان لأستاذنا الكبير العلامة محمد ناصر الدين الألباني فضل كبير في بيان هذه الدعوة، وخاصة في إحياء علم الحديث الذي كان هُجر وأُهمل من قرون، فأعاد إليه بفضل الله أهميته ونشاطه، بما صنَّف من الرسائل والكتب، وبما نشر من العلم، ودرَّس في الحلقات والمجالس ودور العلم، فنبغ ممن كان يحضر مجالسه ويقرأ كتبه طائفة، جدَّت واجتهدت ودرست وصبرت وآتاها الله الذكاء، ووهبها الإخلاص، ووفقها الله تعالى، فكانت لها جهود وتلاميذ وألَّفت كتباً نافعة وبحوثا رائعة، وفي مقدمة هؤلاء الإخوة، الأخ الفاضل والشيخ العالم العامل - فيما أحسب ولا أزكي على الله أحدا -أبو إسحاق الحويني، من مصر العزيزة، حفظه الله وعافاه واثابه عما قدم كبير الأجر والثواب، فكان غزير الإنتاج، سيَّال القلم، قويَّ الحافظة، حسن المحاكمة، وقد كان يُسأَلُ عن بعض الأحاديث الشائقة والمتداولة، فيبحث عنها فيجد بعضها قد حكم عليها شيخه الألباني بالصحة، ويجد بحسب اجتهاده وعلمه أنها ضعيفة، فيستحضر ما استفاده من توجيه الله
تعالى أولاً، ومما تعلَّمه من أئمة الإسلام السابقين واللاحقين ومنهم استاذه الألباني ثانياً، من أنَّ الحق أحق أن يُتَّبع، وأن كل إنسان يُؤخذ من قوله ويُترك إلا المعصوم صلوات الله وسلامه عليه، وأنه لا مُحاباة ولا مُجاملة في مسائل العلم، فيُصرِّح برأيه ويُبيِّن ما وصل أليه علمه، هذا مع إجلاله للعلامة الألباني وحُبِّه الشديد له، وهذا مما يرد على المتحاملين على الدعوة السلفية فيتهمون أصحابها بأنهم يصرفون الناس عن اتباع الأئمة لينقلوهم إلى اتباع شيخهم وإمامهم، وهذا اتهامٌ باطلٌ، فقد رأى الجميع أن الحق فيما يبدو لنا مُقدَّمٌ على كل شئ، ونحن إذا تبيَّن لنا خطأ شيخنا أو أصحابنا خالفناهم وتمسَّكنا بالحق، فالأمانة العلمية وكتاب الله وسنته وهدي أصحابه تؤكد على ذلك، ونحن على هذا المنهج سائرون، وبه
متمسكون إن شاء الله تعالى.
وقد قام الأخ الفاضل أبو المنذر عمرو عبد العظيم الحويني، بجمع ما تفرق من هذه المسائل التي خالف فيها الأخ الكبير أبو إسحاق، أستاذنا العلامة الألباني، وبيَّن مواضع هذه البحوث من كتب كل منهما، وحدد ذلك بالجزء والصفحة تسهيلاً على من يريد التحقُّق من ذلك، ودراسة الامر بتفصيل، فجزاه الله خيراً.
وكنتُ أوَدُّ أن ينقل مع ذلك خلاصة دليل كل منهما؛ لكني أُقَدِّر أنَّ ذلك سيُكلِّفه جهداً كبيراً، ووقتاً زائداً، ويُطيلُ الكتاب، وأنَّ ذلك متوفر في المراجع التي ذكرها، وبإمعان من يريد الرجوع إليها، كما أنني أُقَدِّر له وأتفهَّم موقفه من عدم الخوض في الترجيح بين حكم كل منهما على الاحاديث لأن هذا له اهله، وهو شاقٌّ وعسير، فتركه لمن لديه أهلية لذلك، وربما حتى لا يُتَّهم بالتحيُّز لأحدهما، وعلى كل حال فرحم الله امرءً عرف حدَّه فوقف عنده.
وفي هذا الأمر - أعني الترجيح بين حكم كل من الألباني والحويني - فالذي رأيته من امثلة سابقة في الانتقادات التي انتقدت بها احكام الشيخ
الألباني على الأحاديث التي حققها، رأيتُ انها أنواع:
فمنها: ما كان الصواب كان مع الشيخ الألباني، وكان الخطأ ممن انتقده، وقد يكون الشيخ نفسه قد تراجع عن رأيه السابق، وسجَّل ذلك في بعض مؤلفاته اللاحقة، ولم يطَّلع عليها الناقد.
ومنها: ما يكون الصواب مع المنتقد، ويكون شيخنا الألباني فيد قد حالفه الصواب، وطبعاً يكون معذوراً في ذلك لوهمٍ وقع فيه، أو مصدرٍ لم يطَّلع عليه، أو .....
ومنها: ما يكون الامر وسطاً بين الفريقين، ويكون لكلٍّ منهما اجتهاده، والامر محتملٌ للاجتهادية.
ومنها: ما يكون سببه الاختلاف في المهج العلمي الذي يأخذ به كل منهما، ومثاله: أن يكون المنتقد لا يرى تقوية الحديث بكثرة الطرق الضعيفة ضعفاً غير شديد، وبالشواهد.
ولا شك أنَّ الصواب مع جمهور المحدثين الذين قرروا تقوية الحديث بالمتابعات والشواهد.
وعلى كل حال فالذي قضت به شريعتنا السمحة أنَّ مَن بحث واجتهد وكان اهلاً لذلك بما مَلَك من الوسائل والعلوم فوصل إلى أحد الامرين الصواب أو الخطأ، فإنه معذور ماجور أجراً واحداً إن أخطأ، وأجرين إن اصاب، فالحمد لله تعالى.
ولعلَّ احد الأخوة الفضلاء من طُلَّاب العلم يتاح له القيام بهذه المهمة، فيدرس أدلَّة كل من الشيخ الألباني والشيخ الحويني، ويُرجِّح بينهما.
وللحقيقة والواقع، فإنني قد اُتيح لي من قبل دراسة بعض الأحاديث التي وردت في هذا الكتاب وحققتُها، فوافقتُ أخي الشيخ أبا إسحاق فيما وصل إليه، وبعضها رأيت الراجح كان حليف أستاذنا الألباني رحمه الله.
ولا مجال في هذه العُجالة لبيان ذلك، فلعلَّه يكون في مناسبةٍ أُخرى.
وفي الختام أشكر أخي أبا المنذر على اهتمامه بهذا الموضوع، وأحُثُّه على المُضِيِّ في الدراسة والبحث والتقدُّم بخُطاً ثابتةً في طريق العلم، وخاصةً علم الحديث الذي حاجة الناس إليه أشدُّ من غيره؛ لأنه بحق محور العلوم الإسلامية، وأرجو له التوفيق واستحضار النية الصالحة، والله يتولَّاه بتوفيقه وتسديده.
كما يطيب لي أن اشكر الأخ النشيط وطالب العلم النجيب أيمن المقداد بارك الله فيه وحفظه من كل سوء، أشكره على تجَشُّمِه مشقة السفر، وإحضاره هذا الكتاب لي، ونقل رغبة أخي أبي المنذر بالتقديم له.
وصلَّى الله وسلَّم وبارك على محمد وآله وصحبه، والحمد لله رب العالمين.
وكتبه:
محمد عيد العباسي
خادم الدعوة السلفية في بلاد الشام
في: 7/ 2/ 1436 هـ
29/ 11 /2014 مـ