الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة المؤلف
إن الحمد لله، نحمدُهُ، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا.
مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هادِي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا.
يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم اعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.
أما بعد،،،
فإن العلم رتب ودرجات، وإن شرف العلوم بشرف ما توصل إليه، فلا جرم أن كان علم الحديث من أشرف العلوم، إذ به يتوصل إلى معرفة الصحيح من غيره من قول خير الأنام وسيد البرية صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وقد ذكر الإمام ابنُ حِبَّان في مقدمة المجروحين (1/ 84 ط الصميعي)، أنَّ أحمد بن حنبل مرَّ على نفرٍ من أصحاب الحديث وهم يعرِضون كتاباتهم، فقال: ما أحسب هؤلاء إلا ممن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق حتى تقوم الساعة".
فعَلَّق أبو حاتم ابن حِبَّان قائلاً: (ومَن أحقُّ بهذا التأويل من قومٍ فارَقُوا الأهلَ والأوطانَ، وقنعوا بالكِسَر والأَطْمَار، في كتب السنن والآثار، وطلب الحديث والأخبار، يجولون في البراري والقفار، ولا يُبَالون بالبؤس والإقتار، مُتَّبِعون لآثار السلف من الماضين، والسالكون ثَبَج محجَّة الصالحين، ورَدِّ الكذب عن رسول ربِّ العالمين، وذبِّ الزور عنه حتى وضح للمسلمين المنار، وتبيَّن لهم الصحيح من بين الموضوع والزور من الآثار، وأرجو أن لا يكون من هذه الأمة في الجنة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أقربَ من هذه الطائفة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أَوْلَى الناسِ بي يوم القيامة أكثرُهُم عليَّ صلاةً.
وليس في هذه الأمة طائفةٌ أكثرَ صلاةً على رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذه الطائفة، فهم على وجوههم في الدنيا يهيمون، وبتَعَلُّم السنن فيها ينعمون، وعلى حُسنِ الاستقامة يدورون، وأهلَ الزيغ والأهواء يقمعون، وعلى السداد في السنة يموتون، وعلى الخيرات في العُقبَى يقدمون، أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - طيَّب الله ثراه - في كتابه الماتع " الانتصار لأهل الأثر"(صـ 13 - 14 ط عالم الفوائد):
(من المعلوم أنَّ أهلَ الحديث يُشارِكون كلَّ طائفةٍ فيما يَتحَلَّوْن به من صفات الكمال، ويَمْتَازون عنهم بما ليس عندهم، فإن المُنازِع لهم لابُدَّ أن يذكُرَ فيما يُخالفُهم فيه طريقاً أخرى، مثل المعقول والقياس والرأي والكلام والنظر والاستدلال والمُحَاجَّة والمجادلة والمكاشفة والمخاطبة والوَجْد والذَّوْق ونحو ذلك.
وكُلُّ هذه الطُرُق لأهل الحديث صفوَتُها وخلاصتُها، فهم أكمل الناس عقلاً، وأعدلُهم قياساً، وأصوبُهم رأياً، وأسدُّهم كلاماً، وأصحُّهم نظراً، وأهداهم استدلالاً، وأقومُهم جدلاً، وأتمُّهم فراسة، وأصدقُهم إلهاماً، وأحدُّهم بصراً ومكاشفةً، وأصوبُهم سمعاً ومخاطبةً، وأعظمهم وأحسنهم وَجْداً وذوقاً،
وهذا هو للمسلمين بالنسبة إلى سائر الأمم، ولأهل السنة والحديث بالنسبة إلى سائر المِلَل." أهـ
فعلمُ الحديث من أشرف العلوم نظراً لانتسابه، والمشتغلون به هم أقرب الخلق اتباعاً لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد قل الاشتغال بهذا العلم الجليل في الأزمان المتأخرة، فتجد: في القرن السابع الهجري أمثال الحافظ المزي، والحافظ الدمياطي، والحافظ ابن دقيق العيد، وشيخ الإسلام ابن تيمية.
ثم يتلوهم الإمام الذهبي، فابن القيم، وابن رجب، وابن عبد الهادي، وابن كثير.
ثم يتلوهم ابن المُلَقِّن، فالحافظ زين الدين العِرَاقِي.
فيتلوهم الحافظ ابن حجر العسقلاني، والهيثمي، وبدر الدين العيني.
فيتلوهم شمس الدين السخاوي، وجلال الدين السيوطي، في القرن التاسع والعاشر الهجريين.
ثم إذا قفزنا قفزةً سريعةً للقرن الماضي فلا نجد من أبرز المشتغلين بهذا العلم الشريف إلا الشيخ أبا الأشبال أحمد محمد شاكر، والشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيى المُعَلِّمي اليماني، فالشيخ محمد ناصر الدين الألباني - رحم الله الجميع -.
ثم حدثت طفرةٌ في الاشتغال بهذا العلم بعدهم، سواء على الصعيد النظري، أو الصعيد العملي التطبيقي.
لكن الأمر الذي لا يُنْكِرُه مُنصِف، أنَّ للشيخ المُحدِّث محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله جميل على أبناء هذا الجيل بإحياء روح التجديد في هذا الفن الذي كان غريباً في حينه.
لقد ترك الشيخ تراثاً يدُلُّ على جهد يُذكِّرُنا بعلماء الحديث المُتقدِّمين
الذين أفنوا أعمارَهم في حفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعتقادهم أن في ذلك سعادة الدنيا والآخرة، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " الانتصار لأهل الأثر " (صـ 39 - 40):(وإذا كانت سعادةُ الدنيا والآخرة هي باتباع المرسلين، فمن المعلوم أنَّ أحقَّ الناس بذلك أعلمُهم بآثار المرسلين وأتبعُهم لذلك، فالعالِمُون بأقوالهم وأفعالهم، المُتَّبِعون لها هم أهلُ السعادة في كل زمانٍ ومكانٍ، وهم الطائفة الناجية من أهل كل مِلَّة، وهم أهل السنة والحديث من هذه الأمة، فإنهم يشارِكون سائر الأمة فيما عندهم من أمور الرسالة، ويَمتَازون عنهم بما اختصُّوا به من العلم الموروث عن الرسول فيما يجهله غيرهم أو يُكَذِّب به).
وكما ترك الشيخ تراثاً يشهد له المخالِف قبل الموافِق، فقد ترك تلاميذ انتفعوا بعلمه واقتفوا أثره.
ومنهم شيخنا المُحدِّث الجليل أبو إسحاق الحويني - حفظه الله وشفاه -،فقد تخرَّج على كتب الشيخ، وانتفع بها أكثر من غيرها.
وقد زكَّاه الشيخ الألباني في أكثر من موضع سواء كتابةً، أو مشافهةً لأحد أقربائه أو جُلَّاسه رحمه الله، فمن ذلك:
ما ذكره الشيخ الألباني رحمه الله في " الصحيحة "(5/ 586) قال: (واعلم أنه من الدواعي على إخراج هذا الحديث هنا أمور وقفت عليها، فما أحببت أن أدع التنبيه عليها:
الأول: أنني رأيت المعلق على "المنتقى " لابن الجارود، عزا الحديث من رواية يحيى بن سعيد هذه للستة وغيرهم، وليس عندهم زيادة التسبيح. ونبه على ذلك صديقنا الفاضل أبو إسحاق الحويني في كتابه القيم:"غوث المكدود في تخريج منتقى ابن الجارود "، وقد أهدى إلي الجزء الأول منه، جزاه الله خيرا).
وقال رحمه الله في " الصحيحة"(رقم 3953): (هذا، ولقد كان من دواعي
تخريج حديث الترجمة بهذا التحقيق الذي رأيته: أن أخانا الفاضل (أبا إسحاق الحويني) سئل في فصله الخاص الذي تنشره له مجلة (التوحيد) الغراء في كل عدد من أعدادها، فسئل- حفظه الله وزاده علماً وفضلاً- عن هذا الحديث في العدد (الثالث- ربيع أول- 1419)؟ فضعفه، وبين ذلك ملتزماً علم الحديث وما قاله العلماء في رواة إسناده، فأحسن في ذلك أحسن البيان، جزاه الله خيراً، لكني كنت أود وأتمنى له أن يُتْبِعَ ذلك ببيان أن الحديث بأطرافه الثلاثة صحيح؛ حتى لا يتوهمن أحد من قراء فصله أن الحديث ضعيف مطلقاً سنداً ومتناً، كما يشعر بذلك سكوته عن البيان المشار إليه. أقول هذا؛ مع أنني أعترف له بالفضل في هذا العلم، وبأنه يفعل هذا الذي تمنيته له في كثير من الأحاديث التي يتكلم على أسانيدها، ويبين ضعفها، فيتبع ذلك ببيان الشواهد التي تقوي الحديث، لكن الأمر- كما قيل-: كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه).
وقال رحمه الله في الصحيحة أيضاً (2/ 720) أثناء ردِّه على أحد المتهجمين على التصحيح والتضعيف قال: " وبسط القول في بيان عوار كلامه في تضعيفه إياها كلها يحتاج إلى تأليف كتاب خاص، وذلك مما لا يتسع له وقتي، فعسى أن يقوم بذلك بعض إخواننا الأقوياء في هذا العلم كالأخ علي الحلبي، وسمير الزهيري، وأبي إسحاق الحويني ونحوهم جزاهم الله خيرا).
وهذا يدُلُّنا أنَّ الشيخ الألباني رحمه الله كان لديه بعض مصنَّفات شيخنا التي تحتوي على بعض التعقبات التي تعقَّبها شيخنا عليه رحمه الله ومع ذلك لم يُنكر الشيخ ذلك بل مدح الشيخ - كما ترى - في أكثر من موضع، وأيضاً فقد تعقَّب الشيخ الألباني شيخَنا في موضعين وقفتُ عليهما في " الصحيحة ":
أحدهما: في (7/ 745) حيث قال - رحمةُ الله عليه -: (تنبيه: عزا الأخ الفاضل أبو إسحاق الحويني في تعليقه على "مسند سعد ابن أبي وقاص "
(240/ 159) حديث عبد الله بن جابر لابن أبي عاصم في الآحاد"! وهذا وهم، وإنما عنده حديث عبد الملك بن عمير فقط كما سبق).
ثانيهما: في (7/ 937 - 938) قال: (
…
وإن مما يؤكد الجمع المذكور؛ أن من المعلوم أن سعداً- رضي الله عنه قد خلّف جمعاً من الذكور، ولم يخلف إلا بنتاً واحدة، وهي عائشة هذه، فإذا قال بعض الرواة:(أم عمرو بنت سعد)، فهي (عائشة) يقيناً؛ كما هو ظاهر جلي؛ والحمد لله.
ولقد رأيت أخانا الفاضل (أبا إسحاق الحويني) قد دندن حول هذا الجمع في
تعليقه على " مسند سعد بن أبي وقاص "، فقال (216) - بعد أن ساق ما في "العلل "-:"قلت: رواية معن هنا توافق رواية الخصيب بن ناصح، ولعل "أم عمرو" كنية "عائشة بنت سعد"، فتلتقي الروايتان، والله أعلم ".
ولكنه جزم بضعف إسناده كما ضعفه في أحاديث ثلاثة قبله، بدعوى أن (عبيدة بنت نابل) مجهولة الحال، تابعاً في ذلك قول ابن حجر المتقدم:"مقبولة"! أو مستأنساً به؛ فإنه بمعناه، والصواب ما تقدم بيانه أنها صدوقة. وإن مما يؤيد ذلك؛ أن الحافظ قال في "الفتح " (4/ 100) - في حديث آخر من طريقها-:"رجاله ثقات ".
ونقله الأخ الفاضل عنه (ص 214). فهذا- مع ما قدمته من البيان- يلقي
في النفس الاطمئنان لصحة حديثها. والله أعلم).
فأنت ترى أن الشيخ الألباني رحمه الله ذكر في " صحيحته " أنه اطلع على تخريج شيخنا لـ " مسند سعد بن أبي وقاص " للحافظ البزَّار، وكذا " غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود " وكان الشيخ الحويني أرسل للشيخ كتابه " بذل الإحسان " وكذا " تنبيه الهاجد " الجزء الأول، وكل هذه الكتب تحتوي على تعقُّبات على الشيخ الألباني، وترى هنا بعض الأحاديث التي خالف فيها الشيخ شيخه استخرجتُها من هذه الكتب.
فهذا التَخرُّج وهذا الانتفاع بكتب الشيخ الألباني رحمه الله، لم يمنعه من
تعقُّب شيخه في بعض مواضع ظهر لشيخنا فيها رأي مُخالِف لرأي شيخه.
وكنت قد جمعت منذ فترة - جاوزت الـ 7 سنوات - بضعة عشر حديثاً خالف فيها شيخنا الحويني حكم شيخه الشيخ الألباني رحمه الله على بعض الأحاديث، مما كنت قد سمعته من الشيخ، إما فى دروسه أو أثناء أسئلتي للشيخ.
ومن سنةٍ تقريباً رجعت لهذا البحث لأستوعِبَ فيه كل كتب الشيخ المطبوعة منها، والمصفوفة والمخطوطة بخط يد الشيخ، وأعرِضَ الأحاديث التى حكم عليها شيخنا بالضعف أو النكارة وما شابه ذلك من صِيَغ الرد، فأعرضها على كتب الشيخ الألباني رحمه الله، فجمعت (189) حديثاً حكم عليها الشيخ الألباني بالصحة أو بالحُسن، وخالفه فيها شيخنا فردَّها بالضعف تارة، وبالنكارة أخرى.
وأسميته بـ " الترياق بأحاديث قوَّاها الألباني وضعَّفها الحُوَيني أبو إسحاق ".
وليس في ذلك الجمع تنقُّص من علم الشيخ، إذ إنَّ من المُستَقِرِّ عند علماء هذا الفن أن التصحيح والتضعيف من موارد الاجتهاد، فاختلاف الأئمة في التصحيح والتضعيف لحديثٍ ما، إنما هو من نفس باب اختلافهم في التعديل والتجريح لراوٍ ما، فاحتمال هذا احتمالٌ لذاك، ومدارُ الأمر إنما هو على الاجتهاد.
يقول الإمام أبو الوليد الباجي رحمه الله في " التعديل والتجريح "(1/ 310 ط دار اللواء): " (وإنما أدخلت هذه الحكاية لئلا يعتقد من لا يُحسن هذا الباب أن ما ليس في الصحيحين ليس بصحيح، بل قد تصح أحاديث ليست في صحيحي البخاري ومسلم، ولذلك خرَّج الشيخ أبو الحسن الدارقطني والشيخ أبو ذر الهروي في كتاب الإلزامات في الصحيح ما ألزماهما إخراجه، وكما أنه قد وجد في الكتابين ما فيه الوهم، وأخرج ذلك الشيخ
أبو الحسن الدارقطني وجمعه في جزء، وإنما ذلك بحسب الاجتهاد فمن كان من أهل الاجتهاد والعلم بهذا الشأن لزمه أن ينظر في صحة الحديث وسقمه بمثل ما نظرا، ومن لم يكن تلك حاله لزمه تقليدهما في ما ادَّعيَا صحته، والتوقُّف فيما لم يخرجاه في الصحيح.
وقد أخرج البخاري أحاديث اعتقد صحتها تركها مسلم لما اعتقد فيها غير ذلك، وأخرج مسلم أحاديث اعتقد صحتها تركها البخاري لما اعتقد فيها غير معتقده، وهو يدلُّ على أن الأمر طريقُهُ الاجتهاد لمن كان من أهل العلم بهذا الشأن، وقليلٌ ما هم. "
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى "(18/ 22): (والمقصود هنا التمثيل بالحديث الذي يروى في الصحيح وينازع فيه بعض العلماء، وأنه قد يكون الراجح تارةً وتارةً المرجوح، ومثل هذا من موارد الاجتهاد في تصحيح الحديث كموارد الاجتهاد في الأحكام).
وقال (18/ 24): " وبعض ما يُصححه الترمذي ينازعه غيره فيه، كما قد ينازعونه في بعض ما يضعفه ويحسنه، فقد يضعف حديثا ويصححه البخاري. "
وقال الإمام الذهبي في " سير أعلام النبلاء "(14/ 239) في ترجمة: ابن الجارود، صاحب كتاب المنتقى:(صاحب كتاب المنتقى في السنن، مجلد واحد في الأحكام، لا ينزل فيه عن رتبة الحسن أبداً، إلا في النادر في أحاديث يختلف فيها اجتهاد النقاد).
وقال في " الموقظة "(صـ 7): (ثم لا تطمع بأنَّ للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها، فأنا على إياسٍ من ذلك، فكم من حديثٍ تردَّد فيه الحفاظ، هل هو حسنٌ أو ضعيفٌ أو صحيحٌ؟
بل الحافظ الواحد يتغيَّر اجتهاده في الحديث الواحد، فيوماً يصفُه بالصحَّة، ويوماً يصفه بالضعف، ولربَّما استضعفه، وهذا حق
…
).
وقال الإمام الصنعاني في " إرشاد النقاد "(صـ 2): " التصحيح والتضعيف من المسائل الاجتهادية النظرية. "
وقال بلَدِيُّهُ ابن الوزير في " العواصم والقواصم "(1/ 393): " تصحيح الحديث ظني اجتهادي، ولذلك اشتد الخلاف في شرائطه، ألا ترى أن شرط البخاري غير شرط مسلم في الرجال والاتصال."
ثم قال: " فالخلاف في الحديث كالخلاف في فروع الفقه لا يستحق النكير، وقد ذكر ابن حجر في مقدمة شرح البخاري مما خولف البخاري في تصحيحه أكثر من مئة حديث بأعيانها، غير ما خولف فيه من القواعد مثل حديث عكرمة، وقبول عنعنة المدلس في بعض المواضع. "
وقال الدكتور عبد الغني بن أحمد جبر مزهر، في بحثٍ له بعنوان " أصول التصحيح والتضعيف " نُشر بمجلة البحوث الإسلامية (41/ 336):" التصحيح والتضعيف حكم، وهذا الحكم يصل إليه المُصحِّح أو المُضعِّف بعد استكمال البحث والنظر، وبعد الاطلاع والاستقراء والتتبُّع، ثم جمع أقوال الأئمة في الراوي، وجمع طرق الحديث، فإن غلب على ظنه بعد ذلك صحة الحديث حكم بصحته، وإن غلب على ظنه ضعفه حكم بذلك، وهو المقصود هنا أنَّ هذا المجال يدخله الاجتهاد وتتباين فيه أنظار المجتهدين، وتختلف أحكامهم، وتتعارض أقوالهم، وليس بمرضِي أن يَجُرَّ ذلك إلى التعصُّب الذميم للرأي والتنازع والشقاق والتنابز بالألقاب."
وقال شيخنا الحويني - حفظه الله- في " تنبيه الهاجد "(1/ 33 الطبعة الأولى): " والكلام في التصحيح والتضعيف أمرٌ اجتهادي، فلا ينبغي أن يُشغَّب على المُخطئ فيه إن ثبت أنَّ أصوله التي يعتمد عليها منضبطة. "
فاختلاف إمامَيْن في الحكم على حديثٍ بالقبول أو بالرد، من الأمور الاجتهادية التي لا يُنْكَرُ فيها.
أما عن سبب اختلافهم، فكثيرةٌ هي الأسباب التي لأجلها اختلف حكم كل منهما.
منها: اختلافُهُم في النظر في الأسانيد، والتبحُّر في الطُّرُق، وهذا اختلافٌ رئيسٌ بين المُحدِّثين والفقهاء، فالفقيه قد يحكم على حديثٍ بالصحَّة بمجرَّد مروره على ظاهر السند الذي أمامه، بينما يحكم المحدثون على الحديث بالصحة أو بالضعف بعد جمع الأسانيد والتبحُّر في طرقها، والنظر فيها، فقد يكون هناك عِلَّة في الحديث لا تُعلَم إلا بجمع طُرُق هذا الحديث، وهذا لا يُحسِنُه إلا جهابذة هذا الفن الذين أفنوْ أعمارَهم فيه.
ومنها: عِلَّةٌ في الإسناد يراها بعض العلماء مُؤثِّرة فيحكم بضعف الحديث، بينما يراها غيره غير مُؤثِّرة فيقبل مع وجودها الحديث.
ومنها: الاختلاف على حال راوٍ من الرواة، يرى بعضهم حالُه مستقيماً فيقبل حديثه، بينما يرى البعض الآخر ضعفه لا سيما مع تفرُّده.
ومنها: قبول بعض العلماء زيادة زادها أحد الثقات في حديث شيخٍ من الشيوخ المشاهير بالرواية، على جماعةٍ من أقرانه الثقات، فيحكمون بأنها زيادة ثقة نظراً لوجود قرائن يترجَّح لديهم الحكم بها، بينما يحكم البعض الآخر بشذوذ هذه الزيادة لمخالفته لجماهير أصحاب هذا الراوي وهذا الاختلاف مهيَعٌ مُتَّسع، والاختلاف في اعتبار القرائن مما يسعُ فيه الخلاف.
ومنها: أن راوياً من الرواة يرى بعض العلماء إدراكه لأحد شيوخه فيحكم باتصال حديثه، بينما يحكم البعض الآخر بعدم إمكان اللقاء فيترتب على ذلك رد حديثه.
ومنها: الاختلاف في حد (الحديث الحسن) فمن العلماء من يتوسَّع فيه ويُدخل في الحسن أحاديث يرى غيره من العلماء عدم إمكان ارتقائها لهذه الدرجة، وهذا أيضاً مما كثر الخلاف حوله.
ومنها: أنَّ بعض العلماء يقبل حديثاً نظراً لجودة إسناده، بينما يرُدُّه البعض
الآخر لنكارة متنه، وأمثلته كثيرة في كتب الرجال والعلل.
إلى غير ذلك من الأسباب التي قد تكون سبباً لاختلافهم في التصحيح والتضعيف.
هذا كله فيما كان محلاً للاجتهاد والنظر، وممَّا اختلف فيه أهلُ العلم قبولاً ورداً، إذ إنَّ من الأحاديث النبوية ما يُقطَع بصحَّته، وليس في ثبوتها خلاف، ومن ردَّها فقوله مردودٌ عليه.
وبيان ذلك: أنَّ الخلاف في الحكم على الأحاديث صحةً وضعفاً يتناوبُه
قِسمَا خلاف التضاد: السائغ وغير السائغ.
فالأحاديث التي أجمع المحدثون على قبولها ليست محلاً للخلاف في الاجتهاد إذ إنَّ الإجماع حجةٌ شرعيةٌ معتبرةٌ.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى "(18/ 17): " ومن الصحيح ما تلقَّاه بالقبول والتصديق أهلُ العلم بالحديث، كجمهور أحاديث البخاري ومسلم؛ فإنَّ جميع أهلِ العلم بالحديث يَجزمون بصحة جمهور أحاديث الكتابين وسائر الناس تبع لهم فى معرفة الحديث، فإجماع أهل العلم بالحديث على أن هذا الخبر صدق كإجماع الفقهاء على أن هذا الفعل حلال أو حرام أو واجب، وإذا أجمع أهل العلم على شيء فسائر الأمة تبع لهم، فإجماعهم معصوم لا يجوز أن يجمعوا على خطأ. "
وقال أيضاً (1/ 257): "جمهور متون الصحيحين متفق عليها بين أئمة الحديث، تلقُّوها بالقبول وأجمعوا عليها، وهم يعلمون علماً قطعياً أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قالها ".
وقال الحافظ أبو نصر الواثلي السجزي- كما في علوم الحديث صـ 38 - : " أجمع أهل العلمِ، الفقهاءُ وغيرُهم، على أنَّ رجلاً لو حلف بالطلاق أنَّ جميعَ ما في كتاب البخاري ممَّا رُوِى عن النبي صلى الله عليه وسلم، قاله لا شك فيه، أنه لا يحنث والمرأة بحالها في حبالته ".
وقال أبو إسحاق الإسفراييني - كما نقله السخاوي في شرح الألفية 1/ 50 -
" وأهل الصنعة مُجمعون على أنَّ الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوعٌ بصحة أصولها ومتونها "
وإنما ذكرت ذلك حتى لا يظنَّ أحدٌ أنَّ كل حديثٍ مَوردٍ للخلاف في تصحيحه وتضعيفه.
وإلى مَن يقول: ما فائدة جمع مثل هذه المادة ونشرها؟
أقول له: ما ذكرُهُ ياقوت الحموي في مقدمة " معجم البُلْدان"(1/ 14): " رُبَّ راغِبٍ عن كلمةٍ غيرُهُ مُتهالِكٌ عليها، وزاهدٍ عن نُكتةٍ غيرُهُ مشغُوفٌ بها يُنْضِي الرِّكابَ إليها. "
وبعدُ،،،
فقد جمعت مادة هذا الكتاب من كُتُبٍ للشيخ الحويني - حفظه الله- مطبوعةٍ ومصفوفةٍ ومخطوطة بخط يد الشيخ وهي:
1 -
الأربعون في ردع المجرم للحافظ ابن حجر، تحقيق وتخريج.
2 -
تنبيه الهاجد لما وقع من النظر في كتب الأماجد، 15 مجلد.
3 -
الأربعون الصغرى للإمام البيهقي، تحقيق وتخريج.
4 -
الصمت لابن أبي الدنيا، تحقيق وتخريج.
5 -
خصائص علي بن أبي طالب للإمام النسائي، تحقيق وتخريج.
6 -
الفتاوى الحديثية (المُسمَّاة: إسعافُ اللبيث بفتاوى الحديث) في 5 مجلدات.
7 -
فتاوى أبي إسحاق الحويني (المسمَّى: إقامةُ الدلائل على عموم المسائل) مجلد.
8 -
فصلُ الخطاب بنقد المُغنى عن الحفظ والكتاب.
9 -
جُنَّة المُرْتاب بنقد المغنى عن الحفظ والكتاب، مجلد.
10 -
فضائل القرآن لابن كثير، تحقيق وتخريج، مجلد.
11 -
النافلة في الأحاديث الضعيفة والباطلة (1 و 2 و 3 و 4)
12 -
رسالتان في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، تخريج.
13 -
مجلسان من إملاء النسائي، تحقيق وتخريج.
14 -
مجلسان من أمالي الصاحب نظام الملك، تحقيق وتخريج.
15 -
تصحيح حديث القلتين للعلائي، تحقيق وتخريج.
16 -
نهي الصحبة عن النزول بالركبة.
17 -
فضائل فاطمة لابن شاهين، تحقيق وتخريج.
18 -
البعث لابن أبي داود، تحقيق وتخريج.
19 -
كشف المخبوء بثبوت حديث التسمية عند الوضوء.
20 -
الأمراض والكفارات للضياء المقدسي، تحقيق وتخريج.
21 -
مسند سعد للإمام البزار، تحقيق وتخريج.
22 -
الفوائد المنتقاة لأبي عمرو السمرقندي، تحقيق وتخريج.
23 -
تفسير ابن كثير (1 و 2)، تحقيق وتخريج.
24 -
غوث المكدود بتخريج منتقى ابن الجارود (1 و 2 و 3).
25 -
جُنَّة المُستغيث بشرح علل الحديث (1).
26 -
دُرَّة التَّاج على صحيح مُسلِم بن الحجَّاج (1).
27 -
تسلية الكظيم بتخريج أحاديث القرآن العظيم (9 أجزاء، في بعضها مواضع لم تكتمل).
28 -
بذل الإحسان بتخريج سنن النسائي أبي عبد الرحمن (1 و 2).
هذا وكلُّ الأحاديث عزوتُها لمكانها في كتب شيخنا إلا آخر عشرة أحاديث، فهي من الأحاديث التي ضعَّفها شيخنا أثناء دروسه، عندما كان
يأتي إليه أسئلة فيها السؤال عن بعض أحاديث، فكان شيخنا يُرجِئ الإجابة عنها إلى الدرس الذي يليه، فيأتي وقد خرَّج الحديث وحكم عليه إما بالضعف، أو بالصحَّة، ولم يضع هذا التخريج في أيٍّ من كتبه، فذكرتُها مع بيان أن الشيخ ضعَّفها في إحدى محاضراته، وكما حدثني فضيلته بذلك.
أقولُ: قمت بقراءة هذه الكتب وعَرْضِ كل ما حكم عليه الشيخ الحُوَيني حفظه الله بالردِّ، سواء ضعَّفَه، أو استنكَرهُ، أو حكم على لفظةٍ أو اكثر بالشذوذ، أو غير ذلك من أنواع الرد، قمتُ بعرضِ ما كان هذا شأنه على كُتُب الشيخ الألباني رحمه الله، فما وجدت الشيخ الألباني يقوِّيه، سواء صحَّحه أو حسَّنه، ذكرته في كتابي هذا وما تراجع عنه تركته.
ومِن خُطَّتي في هذا الكتاب: أني أذكر الأحاديث التي ضعفها الشيخ الحويني وكان الشيخ الألباني قد قوَّاها، وكذا الأحاديث التي متنها صحيح عن صحابة أو صحابي مُعيَّن ويُضعِّفُه شيخنا عن صحابيٍّ آخر، فإذا وجدت الحديث غير مبدوء بذكر صحابِيِّه فهذا يُضعِّفُهُ شيخنا رأساً، أي أن هذا المتن عند الشيخ ضعيف، وأمَّا إن ابْتُدِأ الحديث بذكر صحابِيِّه فالشيخ يُضعِّفُهُ عن هذا الصحابي، وقد يثبت الحديث من طريق صحابة آخرين.
وأيضاً فمن الجدير بالذكر هنا أنَّ هذا الكتاب يُعَدُّ كشافاً وفهرساً للأحاديث التي قوَّاها الشيخ الألباني وضعفها الشيخ الحويني، وليس عملاً يُذكَرُ فيه أسباب تقوية الشيخ الألباني، وأسباب تضعف الشيخ الحويني؛ فإنَّ ذلك أمرٌ يطول، وبيانُه: أنَّ الشيخ الحويني في كثيرٍ من أعماله يُطيل النفس في التخريج، فمثلا قد تجد تخريج حديث في كتابه " تسلية الكظيم " استغرق قرابة الـ 80 صفحة، ثم إن الشيخ فيها لا يُخَرِّج حديثاً بسنده، بل يُخَرِّج المتن قائلاً مثلاً:" ورد هذا الحديث عن أبي هريرة وابن مسعود وابن عباس وسلمان وعائشة، ومن مُرْسل طاووس والزهري " ثم يأتي على كل حديث بالتخريج والمُناقشة، فإذا ضعَّف الشيخ الحديث من كُل طرقه، فكان يلزمُني أن أذكر
عِلَّة تضعيف الشيخ لكل طريق على حِدَة، لذلك فعملي إنما يُفِيد في جمع الأحاديث التي اختلف الشيخان في الحكم عليها وذكر المصادر، فمن أراد معرفة الأسباب فعليه بالرجوع إلى المصادر التي ذكرتها.
وما من حديثٍ، إن شاء الله، إلا وتجد من سبق كلا الشيخين في حكمه عليه، وكُنتُ أوَدُّ أن أذكر مع كل حديثٍ مَن سبقَ الشيخ الألباني في تقويته للحديث مع ذكر مصدر كل واحد ممن قوَّاه، وكذا ذكر مَن سبقَ الشيخ الحويني في تضعيفه من العلماء مع ذكر مصدر كل واحد ممن ضعَّفه، كما تمنَّاه مني فضيلة الشيخ طارق عوض الله في تقدمته لهذا الكتاب، فإن ذلك مما يُعِين الباحث، ولعلَّي أنشط فأجمع ذلك - إن شاء الله- فيما يُستقبل.
وخصَّصتُ مادة كتابي فيما قوَّاهُ الشيخ الألبانيّ وضعَّفه الشيخ الحويني، ولعلِّي أنشطُ أيضاً فأجمع عكس ذلك، أي ما ضعَّفه الشيخ الألباني وقوَّاهُ الشيخ الحويني، وإن كنتُ وقفتُ على عِدَّة أحاديث من هذا الضرب، منها:
1 -
حديث أبي هريرة مرفوعاً: " لا تسافر المرأة بريداً إلا مع ذي محرم."
يذهب الشيخ الألباني رحمه الله إلى شذوذ لفظة " بريداً " كما في:
الإرواء (3/ 17) و السلسلة الضعيفة (5727) وضعيف أبي داود (304).
بينما يراها الشيخ الحويني حفظه الله زيادة ثقة، وأنَّ الشذوذ منتفٍ، كما في تحقيقه لـ " الثاني من حديث الوزير ابن الجراح "(صـ 93 - 94).
2 -
حديث ابن مسعود مرفوعاً: " إنَّ هذا القرآن مأدُبة الله تعالى، فتعلَّموا من مأدُبَته ما استطعتم، إنَّ هذا القرآن حبل الله عز وجل، وهو النور المبين، والشفاء النافع، عِصمةٌ لمن تمسَّك به، ونجاةٌ لمن تبعه، لا يَعوَجُّ فيُقَوَّمُ، ولا يَزِيغُ فيُستَعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يَخْلَقُ على كثرة الرد، فاتلوه، فإن الله تعالى يأجُرُكم على تلاوته بكل حرفٍ عشر حسنات، أما إني لا أقول: ألم حرف، ولكن ألفٌ بعشر، ولامٌ بعشر، وميمٌ بعشر. "
ذهب الشيخ الألباني رحمه الله إلى ضعفه كما في:
السلسلة الضعيفة (6842) وضعيف الجامع (2024).
بينما ذهب الشيخ الحويني حفظه الله إلى صحَّتِه موقوفاً على ابن مسعودٍ رضي الله عنه، كما في " تسلية الكظيم "(رقم 21).
3 -
حديث أنس بن مالك مرفوعاً: " إذا دخلتم الخلاء فقولوا: بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث. "
ذهب الشيخ الألباني رحمه الله إلى شذوذ " بسم الله " كما في:
تمام المنة (صـ 57) قال: " وهي عندي شاذة، لمخالفتها لكل طرق الحديث عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس في الصحيحين، وغيرهما ممن سبقت الإشارة إليهم. "
بينما يرى شيخنا الحويني أنها زيادة ثقة، كما في " تسلية الكظيم " (رقم 224) قال بعد نقله لكلام الشيخ الألباني:" والأقربُ عندي إلى القاعدة أن عبد الله بن المختار لم يخالف أصحاب عبد العزيز بن صهيب بذكر " التسمية " بل هو زاد عليهم ذلك، ثم هو ثقة ولم يغمزه أحد، فزيادته مقبولة ........... " ثم قال: " ولستُ ممن يرى قبول زيادة الثقة بإطلاق، بل يُحكَمُ لكل حديثٍ بما يُناسِبُ الحال. والله تعالى أعلى وأعلم. "
ثم بعد كتابة ما تقدَّم سألتُ شيخنا عن هذا الحديث فقال لي: إني تراجعتُ عن هذا البحث، وأرى شذوذ الزيادة، وفاقاً للشيخ رحمه الله.
وسيُفَصِّل الشيخ ذلك في الموضع الآنف الذكر إن شاء الله، وأبقيْتُ عليه هنا إتماماً للفائدة.
4 -
حديث جرير قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال: إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون هذا، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فافعلوا. "
ذهب الشيخ الألباني رحمه الله إلى الحكم على لفظة " عياناً " بالنكارة أو بالشذوذ، كما في " ظلال الجنة "(1/ 201).
بينما ذهب شيخنا في " تنبيه الهاجد"(2/ 343 الطبعة الأولى) إلى ثبوتها فقال: " ولا يتَّجِه الحكم عليها بواحدٍ من الأمرين لهذه المتابعات التي لم يقِفْ عليها الشيخ، وعندي أنه لو وقف على متابعة زيد بن أبي أنيسة لما قال ذلك، والله أعلم. "
5 -
حديث سعد مرفوعاً: " المؤمن يُطبَعُ على كل خُلَّةٍ، غير الخيانة والكذب. "
ذهب الشيخ الألباني رحمه الله إلى تضعيفه كما في:
ضعيف الترغيب والترهيب (1749).
بينما صححه شيخنا موقوفاً على سعد بن أبي وقاص، كما في تحقيقه لـ " مسند سعد " للبزار (رقم 76).
هذه بعض الأحاديث التي وقفتُ عليها أثناء مطالعتي لكتب الشيخ حفظه الله، ولم أقصد الاستيعاب، ولعلَّها تكون مثل عدد هذا الكتاب أو يزيد أو يقل.
فهذا الجهد أضعُه بين يدي القارئ لم أقصد به، كما ادَّعَى بعضُهم، التنقُّص من قدر الشيخ الألباني ورفع قدر الشيخ الحويني، بل هو جمعٌ يفيد الباحث المجتهد في معرفة قول الشيخين مع بيان مصادر أقوالهم ليرجع إلى تفصيلها عندهم فيُرجِّح ما يُؤَدِّيه إليه اجتهاده من قولهما، ولو زعمْنا أنَّ الشيخ الألباني جانبَهُ الصواب في حكمه على هذه الأحاديث فكم يبلغ (189 حديثاً) من جملة ما حكم عليه الشيخ؟
بل إنِّي أعُدُّها إحدى مفاخِره رحمه الله، وكما قيل: كفى بالمرء فخراً أن تُعَدَّ معايبه.
فما قصدت من جمعي إلا بيان قول الشيخين في هذه الأحاديث، لا التنقُّص والتشغيب على عِلم أحدهما.
ومعلومٌ أنَّ الصواب لا يتعدَّد، فأحدُ الحُكمين صواب والآخر خطأ في نفس الأمر، لكن المجتهد إذا أفرغ وسعه فهو مُصيبٌ أجراً واحداً إن جانبه الصواب، ومُصيبٌ لأجرين إن وافقه الصواب، وهل يسلَم من الخطأ والسهو أحد؟
قال الإمام مالك - كما في الآداب الشرعية لابن مفلح 2/ 155 - : " ومَن الذي لا يُخطِئ."
وقال ابنُ المُبارَك - كما في شرح علل الترمذي لابن رجب 1/ 436 - : " ومَن يَسلَمُ من الوهم. "
ونقل النسائي - كما في سننه الكبرى رقم 2538 - عن عبد الرحمن بن مهدي قال: الذي يُبَرِّئُ نفسه من الخطأ مجنون، ومَن لا يَغلَط. "
وكما قيل:
مَنْ ذا الذي ما ساء قط
…
ومَن لهُ الحُسْنى فقط.
وبعد الانتهاء من جمعه وإعداده شرَّفني كل من فضيلة الشيخ محمد إبراهيم الشيباني حفظه الله، وفضيلة الشيخ محمد عيد عبَّاسي حفظه الله، وفضيلة الشيخ طارق عوض الله محمد حفظه الله بالتقديم له، فإلَيْهم أتوجَّه ببالِغ شكري وامتناني سائلاً المولَى جلَّت قُدرتُه أن يُبارِك في عِلْمهم وأعمارِهم، وسائر مشايخنا.
كما أتفضَّل بالشكر لكلٍّ من أخَوَيَّ الكريمين: أحمد عبد الله مبارك العرادة، وأخي أيمن علي المقداد، على ما بذلاه من جهدٍ في إحضار تقديم الشيخين الجليلين: محمد إبراهيم الشيباني، ومحمد عيد العباسي.
ولا يفوتُني أنْ أُبَشِّر إخواني بأن شيخنا الشيخ الحُوَيني حفظه الله يُعِدُّ للطبع مجموعةً من كُتُبه التي ظل يُصنِّفُ فيها على مَدار الربع قرن المنصَرِم، مثل كتابه الماتع والذي يعتبرُهُ شيخنا من أحبِّ كُتُبِه إليه: " تنبيه الهاجد بما
وقع من النظر في كُتُب الأماجد "وسيصدر قريباً جداً في 16 مجلد.
وكذا " تسلية الكظيم بتخريج أحاديث القُرآن العظيم " يُقَدَّر أن يطبع في 6 مجلداتٍ إن شاء الله، وصل فيه شيخنا إلى أحاديث الآية (173) من تفسير سورة البقرة.
وكذا تحقيق الشيخ لـ " مستخرج أبي عوانة على صحيح الإمام مسلم " في 15 مجلد، بالإضافة إلى مجموعةٍ أخرى من كُتُب الشيخ ستصدُر تباعاً إن شاء الله تعالى.
فأسأل الله عز وجل أن يُبارِك لنا وللأمة في عُمُرِ الشيخ على طاعته حتى تقرَّ عينُه وأعيُنِنا برؤية هذه الكتب وغيرِها إن شاء الله تعالى.
كما أسألُهُ سبحانه أن يكتُب لشيخنا شفاءً عاجلاً من هذه الأمراض التي أعاقت الشيخ بعض الشئ من أداء ما كان يقومُ به صحيحاً مُعافاً من الانشغال بالدعوة وتعليم الناس، إنه تعالى أكرمُ مسئول.
كما أسأله سبحانه أن يرحَم الشيخَ الألباني، وأن يُجزِل له الأجر والمثوبة، وأن يُبارِك في عقِبِه كما بارَك في كُتُبِه.
وختاماً،،،
فما كان في هذا الكتاب من خطإٍ أو زلل، فمن نفسي ومن الشيطان، وما كان من صوابٍ؛ فمن الله وحده وهو المَانُّ به، والمُلْهِم له، والمُعين عليه، والفاتح لأبوابه، والمُيَسِّر لأسبابه، ولم أقصد فيه التعصُّب واتِّباع الهوى، فإنهما يَصُدَّان عن الحقِّ، ويحرِمان الأجر، ويُبعِدان عن الله ورسوله، ويوجبان مَقْتَه، ويُخرِجان صاحبهما عن درجة الوراثة النبوية، ويُدخِلانِه في أهل الأهواء والعصبية، والله المسؤول أن يوفِّقنا وسائر إخواننا لما يُحبُّه ويرضاه من القول والعمل، والنية والهُدَى، إنَّه قريبٌ مُجيبٌ، والحمد لله رب العالمين.
وكتبه
عمرو عبد العظيم الحويني، أبو المنذر
مصر -كفرالشيخ- قرية حُوَيْن
مساء السبت 29 محرَّم 1436 هـ
22 نوفمبر 2014 مـ