المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: قول الصحابي:" كنا نقول كذا "، أو " نفعل كذا "، أو " نرى كذا - ما له حكم الرفع من أقوال الصحابة وأفعالهم

[محمد بن مطر الزهراني]

الفصل: ‌المبحث الأول: قول الصحابي:" كنا نقول كذا "، أو " نفعل كذا "، أو " نرى كذا

‌المبحث الأوّل: قول الصحابيّ:" كنّا نقول كذا "، أو " نفعل كذا "، أو " نرى كذا

".

أولاً: هذه الألفاظ غالباً ما ترد بإحدى الصياغتين التاليتين:

أ - كنا نقول كذا أو نفعل كذا، أو كانوا يقولون أو يفعلون، أو كنا نرى كذا أو لا نرى بأساً بكذا ونحو ذلك، في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو في زمنه أو عصره أو وهو فينا أو بين أظهرنا ونحو ذلك.

ب - كنا نقول أو نفعل أو نرى

ولا يضيف ذلك إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم 1.

1 انظر معرفة علوم الحديث لحاكم: (ص: 22)، الكفاية للخطيب:(ص: 593)، مقدّمة جامع الأصول لابن الأثير:(1/95)، علوم الحديث لابن الصلاح:(ص: 43) .

ص: 8

ثانياً: من أمثلته:

1 -

ما رواه الإمام أبو عبد الله محمَّد بن إسماعيل البخاريّ (ت 256 هـ)، في " صحيحه " عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال:" كنّا إذا صعدنا كبّرنا، وإذا نزلنا سبّحنا "1.

2 -

ما رواه البخاريّ، ومسلم بن الحجّاج (ت 261 هـ) في " صحيحيهما " عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما:" كنّا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وفي رواية: " كنّا نعزل والقرآن ينزل "2.

3 -

ما رواه أبو داود سليمان بن الأشعث (ت 275 هـ) في سننه عن سالم بن عبد الله بن عمر

1 كتاب الجهاد، باب التسبيح إذا هبط وادياً (الصحيح مع الفتح 6 / 135 ح2993) .

2 كتاب النكاح، باب العزل (الصحيح مع الفتح 9 / 305 ح 5207، 5208)، وفي صحيح مسلم: كتاب النكاح، باب حكم العزل (2 / 1061-1065 ح 136-138) .

ص: 9

إنَّ ابن عمر قال:" كنّا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيٌّ: أفضل أمَّة النبيّ صلى الله عليه وسلم بعده أبو بكر، ثمّ عمر، ثمّ عثمان رضي الله عنهم أجمعين "1.

ولفظه في البخاريّ:" كنّا نخيّر بين النّاس في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم فنخيّر أبا بكر، ثمّ عمر بن الخطاب، ثمّ عثمان بن عفان رضي الله عنهم "2.

ثالثاً: اختلف العلماء في الحديث الوارد بهذه الصّيغة هل له حكم الرّفع أم أنَّه موقوف؟ وذلك على أقوال 3:

الأول:- أنَّه مرفوع مطلقاً، أضيف إلى زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم

1 كتاب السنّة، باب في التّفضيل، سنن أبي داود:(5 / 26 ح 4628) .

2 فضائل الصحابة، باب فضل أبي بكر (الصحيح مع الفتح 7 / 16 ح3655) .

3 انظر هذه الأقوال في: علوم الحديث لابن الصّلاح (ص: 43) ، النكت لابن حجر (2 / 515) ، فتح المغيث للسخاويّ (1 / 135) .

ص: 10

أم لم يضف.

قال الحافظ ابن حجر:" هو الذي اعتمده الشيخان في صحيحهما، وأكثر منه البخاريّ "1.

وقال أبو عبد الله محمَّد بن عبد الله الحاكم (ت 405 هـ) :"

إذا قاله الصحابيّ المعروف بالصحبة فهو حديث مسند - مرفوع -، وكلّ ذلك مخرّج في المسانيد " 2.

وقال أبو زكريا محي الدين بن شرف النوويّ (ت 676 هـ) :" وظاهر استعمال كثير من المحدّثين، وأصحابنا في كتب الفقه أنَّه مرفوع مطلقاً سواء أضافه أو لم يضفه، وهذا قويّ فإنَّ الظاهر من قوله: كنّا نفعل، أو كانوا يفعلون الاحتجاج به، وأنَّه فعل على وجه يحتجّ به،

1 النكت (2 / 515) .

2 معرفة علوم الحديث (ص: 22) .

ص: 11

ولا يكون ذلك إلا في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم ويبلغه " 1.

قال الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقيّ (ت 806 هـ) :" وقد أطلق الحاكم في " علوم الحديث " 2 الحكم برفعه ولم يقيّده بإضافته إلى زمنه صلى الله عليه وسلم، وكذا أطلقه الإمام فخر الدين الرازيّ في " المحصول " 3، والسيف الآمديّ في " الإحكام " 4، وقال أبو نصر الصبَّاغ في كتاب " العدّة ":أنَّه ظاهر، ومثّله بقول عائشة رضي الله عنها: كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه "5.

الثاني:- التفريق بين ما يضيفه راويه إلى زمن

1 المجموع شرح المهذّب (1 / 60) .

2 ص: 22.

3 المحصول (4 / 449) .

4 الإحكام (2 / 140) .

5 التقييد والإيضاح للعراقيّ (ص: 52) .

ص: 12

النبيّ صلى الله عليه وسلم وما لم يضفه، فما أضيف إلى زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم فهو مرفوع، وما لم يضف فهو موقوف.

قال أبو بكر أحمد بن عليّ الخطيب البغداديّ (ت 463 هـ) :" قول الصحابيّ:كنّا نقول كذا، ونفعل كذا، من ألفاظ التّكثير ومما يفيد تكرار الفعل والقول واستمرارهم عليه، فمتى أضاف ذلك إلى زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم على وجه كان يعلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره، وجب القضاء بكونه شرعاً، وقام إقراره له مقام نطقه بالأمر به، ويبعد فيما كان يتكرّر قول الصحابة له وفعلهم إياه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخفى عليه وقوعه ولا يعلم به، ولا يجوز في صفة الصحابيّ أن يعلم إنكاراً من النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذلك فلا يرويه، لأنَّ الشرع والحجّة في إنكاره لا في فعلهم لما ينكره، ولا يمكن في صفته رواية الفعل الذي ليس بشرع وتركه رواية إنكاره له الذي هو الشرع، فوجب أن يكون المتكرّر في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم مع إقراره شرعاً ثابتاً لما قلناه ".

ص: 13

ثمّ ساق بإسناده إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: كنّا لا نرى بكراء الأرض بأساً حتى حدّثنا رافع ابن خديج إنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض، فكان ابن عمر يقول: لقد نهى ابن خديج عن أمرٍ نافعٍ لنا 1.

فجمع ابن عمر بين ما كانوا عليه من فعل الاستكراء وبين حديث رافع بن خديج، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في النهي عنه

" 2.

ثمّ قال رحمه الله:" ومتى جاءت رواية عن الصَّحابة بأنّهم كانوا يقولون أو يفعلون شيئاً، ولم يكن في الرواية ما يقتضي إضافة وقوع ذلك إلى زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم، لم يكن

1 انظر: صحيح الإمام البخاريّ مع الفتح: (5 / 22 ح 2339 - 2344) كتاب الحرث والمزارعة، باب ما كان من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم يواسي بعضهم بعضاً في الزراعة والثمر. وصحيح مسلم كتاب البيوع، باب كراء الأرض، (3 / 1176) ح 108، 109) .

2 الكفاية للخطيب: (ص594-595) .

ص: 14

حجّة " 1.

وتابع الخطيب على ذلك أبو عمرو بن الصّلاح (ت 643 هـ)، فقال:" قول الصحابيّ: كنّا نفعل كذا أو كنّا نقول كذا، إن لم يضفه إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو من قبيل الموقوف "2.

وقال أبو المظفّر منصور بن محمَّد السمعانيّ (ت 489 هـ) :" وإذا قال الصحابيّ:كنّا نفعل كذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو بمنزلة المسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ". ثمّ قال في ردّه على الذين قالوا: أنَّه ليس بمنزلة المسند:"

وأما نحن فنقول: إنَّ الظاهر من أمر الصَّحابة أنّهم ما كانوا يقدمون على شيء من أمور الدين والنبيّ صلى الله عليه وسلم بين

1 المصدر نفسه في الموضع نفسه.

2 علوم الحديث (ص: 43) . وقد علّل رحمه الله ترجيحه لهذا القول فقال:

لأنَّ ظاهر ذلك مشعر بإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم اطّلع على ذلك وقرّرهم عليه، وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة.

ص: 15

أظهرهم إلا عن أمره وإذنه فصار قولهم: كنّا نفعل كذا في زمان النبيّ صلى الله عليه وسلم بمنزلة المسند، لهذا الظاهر، والظاهر حجّة " 1.

وقد ذكر مثل ذلك بحروفه الحافظ أبو إسحاق إبراهيم ابن عليّ الشيرازيّ (ت 476 هـ) في كتابه " التبصرة في أصول الفقه "2.

وقال الحافظ محي الدين يحيى بن شرف النوويّ (ت 676 هـ) :" وقال الجمهور من المحدّثين وأصحاب الفقه والأصول: إن لم يضفه إلى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس بمرفوع بل هو موقوف، وإن أضافه فقال: كنّا نفعل في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم أو في زمنه أو وهو فينا أو بين أظهرنا أو نحو ذلك، فهو مرفوع، وهذا هو المذهب الصحيح الظاهر،

1 قواطع الأدلّة في أصول الفقه (ص: 825 - 826) ، رسالة دكتوراه مطبوعة على الآلة.

2 ص: 333، طبعة دار الفكر بدمشق.

ص: 16

فإنَّه إذا فعل في زمنه صلى الله عليه وسلم فالظاهر اطّلاعه عليه، وتقريره إياه صلى الله عليه وسلم، وذلك مرفوع " 1.

وقال الحافظ ابن حجر (ت 852 هـ) :" ومثال المرفوع من القول حكماً لا تصريحاً أن يقول الصحابيّ: كنّا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فله حكم ما لو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو مرفوع سواء كان مما سمعه منه أو عنه بواسطة

"، ثمّ قال:" ومثال المرفوع من التّقرير حكماً: أن يخبر الصحابيّ أنّهم كانوا يفعلون في زمان النبيّ صلى الله عليه وسلم كذا، فإنَّه يكون له حكم الرّفع من جهة أنَّ الظّاهر اطّلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك، لتوفّر دواعيهم على سؤاله عن أمور دينهم، ولإنَّ ذلك زمان نزول الوحي فلا يقع من الصحابة فعل شيء ويستمرّون عليه إلا وهو غير ممنوع الفعل، وقد استدلّ جابر وأبو سعيد الخدريّ رضي الله عنهما على جواز العزل بأنّهم كانوا

1 شرح صحيح مسلم (1 / 30) .

ص: 17

يفعلونه والقرآن ينزل، ولو كان مما ينهى عنه لنهى عنه القرآن " 1.

وذهب إلى كونه مرفوعاً يحتجّ به الحافظ محمَّد بن أحمد الفتوحي الحنبليّ (ت 972 هـ) فقال:" إنَّ حكم ذلك حكم قول الصحابي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

"2.

الثالث:- أنَّه من قبيل الموقوف مطلقاً أضيف أو لم يضف إلى زمنه صلى الله عليه وسلم وقد جزم بهذا القول الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيليّ (ت 371 هـ) فيما رواه عنه تلميذه الحافظ أبو بكر أحمد بن محمَّد بن غالب الخوارزميّ البرقانيّ (ت 425 هـ)3.

قال السيوطيّ (ت 911 هـ) :" وهو بعيد

1 نزهة النّظر (ص: 53 - 54) ، وحديثا جابر وأبي سعيد سبق تخريجهما.

2 انظر: شرح الكوكب المنير (2 / 484) .

3 انظر: علوم الحديث لابن الصّلاح (ص: 43) ، مقدّمة النوويّ لشرح صحيح مسلم (1 / 30) .

ص: 18

جداًّ " 1.

الرابع:- التفصيل فيما جاء بهذه الصيغة وأضيف إلى زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم، بين أن يكون ذلك الفعل مما لا يخفى غالباً فيكون مرفوعاً أو يخفى فيكون موقوفاً 2.

قال أبو المظفّر منصور بن محمَّد السمعانيّ التّيميّ (ت 489 هـ) :"

وإذا قال الصحابيّ:كانوا يفعلون كذا

، فإن أضافه إلى عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وكان مما لا يخفى مثله: حُمِل على إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم وصار شرعاً، وإن كان مثله يخفى؛ فإن تكرّر منهم وكثر حمل على إقراره؛ لأنَّ الأغلب فيما كثر منهم أنَّه لا يخفى عليه، كما روي عن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أنَّه قال:" كنّا نخرج صدقة الفطر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من برّ

1 تدريب الراوي (1 / 205) ، طبعة مكتبة الكوثر.

2 انظر النكت لابن حجر (2 / 516) ، طبعة المجلس العلميّ بالجامعة الإسلاميّة.

ص: 19

أو صاعاً من شعير أو صاعاً من تمر

" 1 الحديث. ثمّ قال:" وعلى هذا إذا أخرج الراوي الرواية مخرج التكثير بأن قال:كانوا يفعلون كذا، حملت الرواية على علمه وإقراره، فصار المنقول شرعاً، وإن تجرّد عن لفظ التّكثير كقوله: فعلوا كذا، فهو محتمل، ولا يثبت شرع باحتمال"2.

قال الحافظ النوويّ عند ذكر الخلاف في هذه الصيغة: " قال أبو إسحاق الشيرازيّ في " اللمع ":إن كان ذلك مما لا يخفى في العادة كان كما لو رآه النبيّ صلى الله عليه وسلم ولم ينكره، فيكون مرفوعاً؛ وإن جاز خفاؤه عليه صلى الله عليه وسلم لم يكن مرفوعاً

1 رواه البخاريّ في كتاب الزكاة - باب زكاة الفطر صاعاً من طعام (الصحيح مع الفتح 3 / 371 ح 1506) ، ورواه مسلم في كتاب الزكاة - باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير (2 / 677 ح 17) .

2 قواطع الأدلّة في أصول الفقه (ص: 593) ، رسالة دكتوراه مصوّرة بتحقيق د. عبد الله بان حافظ الحكميّ.

ص: 20

كقول بعض الأنصار:كنّا نجامع فنكسل ولا نغتسل، فهذا لا يدلّ على عدم وجوب الغسل من الإكسال لأنَّه يفعل سراًّ فيخفى " 1.

الخامس:- إن أورده الصحابيّ في معرض الحجّة حمل على الرفع، وإلا فموقوف؛ قال الحافظ ابن حجر:" حكاه القرطبيّ "2.

1 مقدّمة المجموع شرح المهذّب (1 / 60)، وينظر: اللمع (ص: 201 - 202) .

وحديث: كنّا نجامع فنكسل

الخ، رواه الإمام أحمد في المسند (5 / 115) ، والطبرانيّ في الكبير (5 / 35 ح 4537) ، وذكره الهيثميّ في المجمع (1 / 266) بسياق فيه قصّة بين عمر وزيد بن ثابت رضي الله عنهما، ثمّ قال:" رواه أحمد والطّبرانيّ في " الكبير "، ورجال أحمد ثقات إلا إنَّ ابن إسحاق مدلّس وهو ثقة ".

قلت: إطلاق التوثيق لابن إسحاق في غير السير والمغازي فيه نظر، والله تعالى أعلم.

2 النكت (2 / 516) .

ص: 21

تنبيهات:

هذه التنبيهات ذكرها الحافظ ابن حجر في كتاب " النكت على كتاب ابن الصّلاح "1.

وجعلها الحافظ السخاويّ (ت 902 هـ) في " فتح المغيث " 2 أقوالاً في حكم الحديث الوارد بهذه الصّيغة، وأتبعتها بما يشاكلها من التنبيهات:

الأول:

قول الصحابي:" كنّا نرى كذا "، ينقدح فيها من الاحتمال أكثر مما ينقدح في قوله:" كنّا نقول أو نفعل "، لأنّها من الرأي، ومستنده قد يكون تنصيصاً أو استنباطاً.

الثاني:

قوله:" كان يقال كذا ".

قال الحافظ المنذريّ:" اختلفوا هل يلتحق بالمرفوع أو الموقوف؟ " قال:" والجمهور على أنَّه إذا أضافه إلى

1 انظر (2 / 517 - 518) .

2 انظر (1 / 138) .

ص: 22

زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم يكون مرفوعاً ".

قال الحافظ ابن حجر:

" ومما يؤيّد إنَّ حكمها الرفع مطلقاً ما رواه النسائيّ من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال:" كان يقال: صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر " 1، فإنَّ ابن ماجه رواه 2 من الوجه الذي أخرجه منه النسائيّ بلفظ:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

"، فدلّ على أنّها عندهم من صيغ الرفع، والله أعلم ".

الثالث:

لا يختصّ جميع ما تقدّم بلإثبات، بل يلتحق به النّفي كقولهم:" كانوا لا يفعلون كذا "، ومنه قول عائشة رضي

1 في كتاب الصيام، باب قوله: الصائم في السفر كالمفطر في الحضر (4 / 183 ح 2284) .

2 كتاب الصيام، باب ما جاء في الإفطار في السفر (1 / 532 ح 1666) ، وهو في النسائيّ أيضاً في الموضع السابق برقم (2285، 2286) .

ص: 23

الله عنها:" كانوا لا يقطعون اليد في الشيء التافه "1.

الرابع 2:

قال الحافظ السخاويّ:" وكلّ ما أوردناه من الخلاف حيث لم يكن في القصّة اطّلاعه صلى الله عليه وسلم، أما إذا كان فيها اطلاعه كقول ابن عمر:" كنّا نقول ورسول الله صلى الله عليه وسلم حيّ: أفضل هذه الأمَّة بعد نبيِّها أبو بكر، وعمر، وعثمان، ويسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينكره " 3 فحكمه الرّفع

1 رواه ابن أبي شيبة في المصنّف (9 / 476 ح 8163) كتاب الحدود - باب من قال: لا تقطع في أقلّ من عشرة دراهم.

وهو في الصحيحين بلفظ: " لم تكن تقطع يد السارق في أدنى من حَجَفَةٍ أو تُرْس، كلاهما ذو ثمن.

انظر الصحيح مع الفتح (12 / 96 ح 6793) كتاب الحدود - باب قوله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما

} وصحيح مسلم في الحدود - باب حدّ السرقة ونصابها (3 / 1312 ح 5) .

2 هذا وما بعده لم يذكره ابن حجر في التنبيهات السابقة فليتنبّه.

3 رواه الطبرانيّ في الكبير (13 / 285 ح 1313) وهو في الصحيح بدون قوله: ويسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم

ص: 24

إجماعاً " 1.

الخامس:

ذكر أبو عبد الله الحاكم في " معرفة علوم الحديث " عن محمَّد بن سيرين، عن المغيرة بن شعبة قال:" كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير ". 2

ثمّ عقّب عليه بقوله:" هذا حديث يتوهّمه من ليس من أهل الصنعة مسنداً لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وليس بمسند، فإنَّه موقوف على صحابيّ حكى عن أقرانه من

1 فتح المغيث (1 / 139) ، وقد سبق إلى القول بهذا الإجماع الحافظ زين الدّين العراقيّ في شرح التّبصرة (1 / 128) .

2 ورواه - من حديث المغيرة بن شعبة - الحافظ البيهقيّ في المدخل (ص: 381 ح 659) .

وأخرجه البخاريّ في " الأدب المفرد " من حديث أس بن مالك: (ص: 278 ح1080) طبعة المكتبة الأثريّة بباكستان تصوير من طبعة محمَّد فؤاد عبد الباقي.

ص: 25

الصحابة فعلاً وليس يسنده واحد منهم " 1.

نقل كلام الحاكم هذا الحافظ ابن الصّلاح في " علوم الحديث " ثمّ عقّب عليه فقال:" بل هو مرفوع، وهو بأن يكون مرفوعاً أحرى، لكونه أحرى باطّلاعه صلى الله عليه وسلم، والحاكم معترف بكون ذلك من قبيل المرفوع، ولعلّه أراد أنَّه ليس بمسند لفظاً، بل هو موقوف لفظاً، وكذلك سائر ما سبق موقوف لفظاً، وإنّما جعلناه مرفوعاً من حيث المعنى، والله أعلم ". 2

وقد فسّر الحافظ ابن حجر كلام ابن الصّلاح - الأخير - فقال:" وقد حقّق المصنّف - ابن الصّلاح - المناط فيه بما حاصله: إنَّ له جهتين: جهة الفعل وهو صادر من الصحابة فيكون موقوفاً، وجهة التّقرير وهي مضافة إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم من حيث إنَّ فائدة قرع بابه أنَّه يعلم

1 انظر: معرفة علوم الحديث (ص 19) .

2 ملخّص بتصرّف يسير من علوم الحديث (ص: 44) .

ص: 26

أنَّه قرع، ومن لازم علمه بكونه قرع مع عدم إنكاره ذلك على فاعله، التقرير على ذلك الفعل، فيكون مرفوعاً " 1.

السادس:

قال الحافظ السيوطيّ (ت 911 هـ) بعد كلامه على حديث المغيرة في القرع بالأظافر الآنف الذكر:" ومن المرفوع أيضاً اتفاقاً الأحاديث التي فيها ذكر صفة النبيّ صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك "2.

السابع:

قال الحافظ العراقيّ:" إذا قال التابعيّ:كنّا نفعل كذا فليس بمرفوع قطعاً، وهل هو موقوف؟ لا يخلو إما أن يضيفه إلى زمن الصحابة أم لا، فإن لم يضفه إلى زمنهم فليس بموقوف أيضاً بل هو مقطوع، وإن أضافه إلى

1 انظر: النكت لابن حجر (2 / 519) .

2 تدريب الراوي (1 / 207) ، طبعة مكتبة الكوثر.

ص: 27

زمنهم فيحتمل أن يقال: أنَّه موقوف، لأنَّ ظاهره اطّلاعهم على ذلك وتقريرهم، ويحتمل أن يقال: ليس بموقوف أيضاً لأنَّ تقرير الصحابيّ قد لا ينسب إليه بخلاف تقرير النبيّ صلى الله عليه وسلم فإنَّه أحد وجوه السنن " 1.

1 التقييد والإيضاح (ص: 54) .

ص: 28