المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: قول التابعي عن الصحابي:" يرفع الحديث، وينميه، ويبلغ به، ورواية - ما له حكم الرفع من أقوال الصحابة وأفعالهم

[محمد بن مطر الزهراني]

الفصل: ‌المبحث الثالث: قول التابعي عن الصحابي:" يرفع الحديث، وينميه، ويبلغ به، ورواية

‌المبحث الثالث: قول التابعيّ عن الصحابيّ:" يرفع الحديث، وينميه، ويبلغ به، وروايةً

". 1

1 -

من أمثلته:

أ - ما رواه سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه:" الشفاء في ثلاث: شرطة محجم، ولعقة عسل، وكيّة لنار، وأنهى أمتي عن الكيّ، رفع الحديث ". 2

ب - ما رواه أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه يبلغ به:" الناس تبع لقريش ". 3

1 عن هذا النوع انظر: الكفاية للخطيب (ص: 585)، علوم الحديث لابن الصلاح (ص: 46) ، فتح المغيث (1 / 144)

2 رواه البخاريّ في الطبّ - باب الشفاء في ثلاث (الصحيح مع الفتح 10 / 136 ح 5680) ، ورواه الإمام أحمد في المسند (1 / 246) .

3 رواه البخاريّ في الباب الأول من كتاب المناقب (الصحيح مع الفتح 6 / 525 ح 3495) .

ص: 48

ج - وبه عن أبي هريرة رضي الله عنه روايةً:" تقاتلون قوماً صغار الأعين

الحديث ". 1

د - ما رواه مالك عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه:" كان النّاس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة، قال أبو حازم: لا أعلم إلا أنَّه ينمي ذلك ". 2

2 -

صيغ هذا النوع هي: يرفع الحديث، رفعه، ينميه، يبلغ به، رواية. زاد السخاويّ 3:يسنده أو يأثره

3 -

ما هو السبب الحامل للراوي للعدول إلى هذه الصيغة بدلاً من التصريح؟

للعلماء في الإجابة عدّة أقوال:

1 رواه البخاريّ في الجهاد - باب قتال الترك (الصحيح مع الفتح 6 / 103 ح 2928، 2929) .

2 رواه البخاريّ في الأذان - باب وضع اليمنى على اليسرى (الصحيح مع الفتح 2 / 224 ح740) .

3 انظر: فتح المغيث (1 / 144) .

ص: 49

الأول: قال المنذريّ عبد العظيم بن عبد القويّ (ت 656 هـ) :" يشبه أن يكون التابعيّ مع تحقّقه بإنَّ الصحابيّ رفع الحديث إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم شكّ في الصيغة بعينها، فلما لم يمكنه الجزم بما قاله له أتى بلفظ يدلّ على رفع الحديث "1.

الثاني:قال الحافظ ابن حجر:" ويحتمل أن يكون من صنع ذلك صنعه طلباً للتخفيف وإيثاراً للاختصار، ويحتمل أيضاً أن يكون شكّ في ثبوت ذلك عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فلم يجزم بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، بل كنى عنه تحرّزاً ". 2

الثالث:قال الحافظ السخاويّ:" ويحتمل أن يكون ذلك منه ورعاً حيث علم إنَّ المرويّ بالمعنى ". 3

1 انظر: النكت لابن حجر (2 / 537) .

2 المصدر نفسه.

3 فتح المغيث (1 / 144 - 145) .

ص: 50

رابعاً: قال الحافظ السيوطيّ:" وأما قول بعضهم: إن كان مرفوعاً فلِمَ لا يقولون فيه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فجوابه: أنّهم تركوا الجزم بذلك تورّعاً واحتياطاً، ومن هذا قول أبي قلابة عن أنس: من السنّة إذا تزوّج البكر على الثّيب أقام عندها سبعاً. 1 قال أبو قلابة: لو شئت لقلت: إنَّ أنساً رفعه إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، أي: لو قلت لم أكذب، لأنَّ قوله:من السنّة هذا معناه، لكن إيراده بالصيغة التي ذكرها الصحابيّ أولى ". 2

1 رواه البخاريّ في النكاح - باب إذا تزوّج الثيب على البكر (الصحيح مع الفتح 9 / 314 ح 5214) . ورواه مسلم في الرضاع - باب قدر ما تستحقّه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف (2/ 1083 ح 44)، وفيه: قال خالد - الراوي عن أبي قلابة -: ولو قلت: أنَّه رفعه لصدقت، ولكنّه قال: السنّة كذلك.

2 تدريب الراوي (1 / 209 - 210) .

ص: 51

4 -

حكم الحديث المرويّ بهذه الصيغة:

أخرج الخطيب بإسناده إلى الأثرم أحمد بن محمَّد بن هانئ الطائيّ (ت 261 هـ) قال:" قيل لأبي عبد الله أحمد بن حنبل (ت 241 هـ) :فإذا قال: يرفع الحديث فهو عن النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: فأي شيء؟! "

ثمّ قال الخطيب:" كلّ هذه الألفاظ كناية عن رفع الصحابيّ الحديث، وروايته إياه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يختلف أهل العلم إنَّ الحكم في هذه الأخبار وفيما صرح برفعه سواء في وجوب القبول والتزام العمل ". 1

وقال الحافظ أبو عمرو بن الصلاح بعد أن ذكر هذه الصيغ:" فكلّ ذلك وأمثاله كناية عن رفع الصحابيّ الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع صريحاً ". 2

1 الكفاية (ص: 586، 587) .

2 علوم الحديث (ص: 46) .

ص: 52

وقال الحافظ محي الدين النوويّ (ت 676 هـ) :"

وأما إذا قال التابعيّ عند ذكر الصحابيّ:يرفعه أو يبلغ به أو رواية، فكلّه مرفوع متّصل بلا خلاف ". 1

قال الحافظ ابن حجر:" ويلحق بقولي:" حكماً " ما ورد بصيغة الكناية في موضع الصيغ الصريحة بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم كقول التابعيّ عن الصحابيّ:يرفع الحديث أو يرويه أو ينميه أو رواية أو يبلغ به أو رواه، وقد يقتصرون على القول مع حذف القائل ويريدون به النبيّ صلى الله عليه وسلم كقول ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال: قال:" تقاتلون قوماً

الحديث "، وفي كلام الخطيب أنَّه اصطلاح خاصّ بأهل البصرة ". 2

1 مقدمة شرح صحيح الإمام مسلم (1 / 31) .

2 نزهة النظر (ص: 54) . وكلام الخطيب في الكفاية (ص: 588) ، لكنّه عزاه لموسى بن هارون الحمال (ت 292 هـ) حيث قال بعد أن أورد جملة من الأحاديث كلّها عن أهل البصرة وصلها عن ابن سيرين عن أبي هريرة، قال:" قال موسى: إذا قال حماد بن زيد وأهل البصرة: قال، قال، فهو مرفوع، قلت للبرقانيّ: أحاديث ابن سيرين خاصّة، فقال: كذا تحسب، قلت: ويحقّق قول موسى هذا ما أخبرناه ابن الفضل - ثمّ ساق بإسناده إلى ابن سيرين - قال: كلّ شيء حدّثت عن أبي هريرة فهو مرفوع ".

ص: 53

تتمة:

قال الحافظ النوويّ:" وأما إذا قال التابعيّ: من السنّة كذا، فالصحيح أنَّه موقوف، وقال بعض أصحابنا الشافعيين: أنَّه مرفوع مرسل.

أما إذا قال التابعيّ:كانوا يفعلون، فلا يدلّ على فعل جميع الأمَّة، بل على بعض الأمة، فلا حجّة فيه إلا أن يصرّح بنقله عن أهل الإجماع ". 1

وقال الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين

1 مقدمة شرح صحيح الإمام مسلم (1 / 31) ، وجامع الأصول (1 / 96) ، ومقدّمة المجموع شرح المهذّب (1 / 60)، وانظر: التقييد والإيضاح (ص: 54) .

ص: 54

العراقيّ (ت 806 هـ) :" وإن يقل هذه الألفاظ - يرفعه، يبلغ به، روايةً ونحو ذلك - تابعيّ 1، فهو مرسل - أي: مرفوع مرسل -، فإذا قال التابعيّ: من السنّة كذا، فهل هو موقوف متّصل أو مرفوع مرسل كالذي قبله فيه وجهان لأصحاب الشافعيّ، مثاله ما رواه البيهقيّ من قول عبيد الله بن عبد الله بن عتبة:" السنّة تكبير الإمام يوم الفطر ويوم الأضحى حين يجلس على المنبر قبل الخطبة تسع تكبيرات ". 2

ثمّ قال:" والفرق بينه وبين الذي قبله إنَّ قوله: يرفع الحديث تصريح بالرفع، وأما قوله: من السنّة فكثيراً ما يعبّر به عن سنّة الخلفاء الراشدين، ويترجّح ذلك إذا قاله التابعيّ بخلاف ما إذا قال الصحابيّ، فإنَّ الظاهر أنَّ مراده

1 يعني: عندما يقول تابع التابعيّ عند ذكر التابعيّ: يرفع، ينميه ونحو ذلك.

2 السنن الكبرى للبيهقيّ (3 / 299) .

ص: 55

سنة النبيّ صلى الله عليه وسلم ". 1 ثمّ قال:" وإذا قال التابعيّ:أُمِرنا بكذا ونحوه، فهل يكون موقوفاً أو مرفوعاً مرسلاً؟ فيه احتمالان لأبي حامد الغزاليّ ولم يرجح واحداً من الاحتمالين، وجزم ابن الصباغ في " العدّة " بأنَّه مرسل. وحكى فيما إذا قال ذلك سعيد بن المسيب هل يكون حجّة؟ وجهين، والله أعلم ". 2

قال السخاويّ:"

نعم ألحق الشافعيّ رحمه الله بالصحابة سعيد بن المسيب في: من السنّة

وكذا قال عليّ بن المدينيّ: إذا قال سعيد: مضت السنّة

فحسبك به، وحينئذ فهو مستثنى من التابعين كما في المرسل أيضاً ". 3

1 شرح التبصرة والتذكرة (1 / 136)، وانظر: التقييد والإيضاح (ص: 54) .

2 شرح التبصرة والتذكرة (1 / 137 - 139) .

3 فتح المغيث (1 / 146) .

ص: 56

ثمّ قال:" أما إذا جاء عن التابعيّ:كنّا نفعل فليس بمرفوع قطعاً ولا بموقوف إن لم يضفه لزمن الصحابة، بل مقطوع، فإن أضافه احتمل الوقف لإنَّ الظاهر اطّلاعهم على ذلك وتقريرهم له، ويحتمل عدمه ". 1

وقال في " الكوكب المنير ":" وقول التابعيّ:أُمِرنا ونُهِينا ومن السنّة وكانوا يفعلون كذا كقول الصحابيّ ذلك حجّة ".

قال الشارح:" أي: في الاحتجاج به عند أصحابنا، وأومأ إليه أحمد رضي الله عنه، لكنّه كالمرسل وخالف الشيخ تقيّ الدين في قوله: كانوا يفعلون كذا وقال: ليس بحجّة لأنَّه قد يعني من أدركه كقول إبراهيم النخعيّ:كانوا يفعلون يريد أصحاب عبد الله بن مسعود ".2

1 المصدر نفسه (1 / 147)، التقييد والإيضاح (ص: 54) .

2 انظر: شرح الكوكب المنير (2 / 490)، المسودة (ص: 266 - 267) .

ص: 57