المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

التصنيف في مصطلح الحديث بين مدرستي الحديث والفقه   ‌ ‌المقدمة إنّ الحمد لله، نحمده - التصنيف في مصطلح الحديث بين مدرستي الحديث والفقه

[عبد القادر المحمدي]

الفصل: التصنيف في مصطلح الحديث بين مدرستي الحديث والفقه   ‌ ‌المقدمة إنّ الحمد لله، نحمده

التصنيف في مصطلح الحديث

بين مدرستي الحديث والفقه

‌المقدمة

إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فمن نعم الله تعالى علينا، ونعمه تترا أنْ منَّ علينا -بعد نعمة الإسلام- بالاشتغال بهذا العلم المبارك، فالقرآن الكريم هو حبل الله المتين قد تكفل ربّ العزة جل جلاله بحفظه، فقال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].

وهيأ للسنة النبوية رجالاً أفذاذاً تعلموا العلم وحملوه ونشروه بين النّاس، وحموه من الدخَلة والنحَلة، فكم من مبتدع ألقموه حجراً، وكم من مفترٍ ردوه خائباً وهوحسير، رفعوا لواء الدين فما وهنوا وما ضعفوا وما استكانوا، ولا زالت قافلتهم تسير تشق غبار الأرض وتعانق سامقة الجبال، كانوا رهباناً بالليل، فرساناً بالنهار، تجدهم في حلقهم جالسين، وفي مواجهة البدع والزيغ صامدين، وفي دنياهم زاهدين، جعلوها مطية لآخرتهم، فنالوا الحسنيين، فأنعم وأكرم بركب: محمد صلى الله عليه وسلم قدوته، والصحابة أسّه، والتابعون عمدته، وأتباعهم حماته، والصادقون بعد أتباعه.

ومن المعلوم أنّ لكل علم من العلوم مصطلحات خاصة به، يتعارف عليها المشتغلون به، وهذه المصطلحات تنتقل بينهم جيلاً بعد جيل، لا يحتاج التلميذ بيانه من شيخه في الغالب الأعم، فهل يحتاج المصنف في الفقه وأصوله -مثلاً-أنْ يبيّن معنى اطلاقه لفظة (المكروه) في تواليفه أو دروسه؟ بالتأكيد لا، وكذا في النحو، والصرف

الخ

وقل مثل ذلك في الحديث النبوي، فلم يحتج الزهري أنْ يفسر لتلميذه ابن عيينة -مثلاً- معنى قوله: صحيح، باطل، كذب، .... الخ، وهكذا بالنسبة لابن نمير فلا يحتاج إلى بيانه من شيخه ابن عيينة، ولا مسلم من شيخه ابن نمير، لاستغنائهم عن ذلك باشتهار هذه الألفاظ فيما بينهم.

وهكذا مضت سنة أهل العلم في تلقي العلم وأدائه، في كل فنّ من فنونه.

ص: 1

وإنما يفسر الشيخ مصطلحه إذا استعمله على غير استعماله الشائع، كما فعل الترمذي في مصطلح (حسن) لما خصّه في كتابه الجامع (1)، وإنما الذي يحتاج إلى تفسير مصطلحات أئمة هذا الفن -في الغالب-من ليس من أهله، بقصد المعرفة أو النقد، فيحتاج إلى قاموس يفسر له مراد هؤلاء القوم، فتنشأ هذه (القواميس) صغيرة، ثم تتطور لتصبح مصنفات كبيرة، تكون بعد ذلك قواعد ثابتة يسير عليها طلبة العلم في هذا الفن، فمثلاً كتب قواعد النحو، إنما احتاج اليها في الأصل الأعاجم لما اختلطوا بالعرب إبان الفتوحات الإسلامية، ثم زادت الحاجة إليها بعد تأثر لسان أبناء العرب بلهجات الأقوام الأخرى فجاءت تلك القواعد لضبط اللسان من اللحن.

أما بالنسبة لمصطلح الحديث فإنما صنف فيه الفقهاء ولا سيما الشافعية منهم على طريقة شيخهم وإمامهم الشافعي رحمه الله في تأليف كتابه (الرسالة) والتي حاول فيها وضع ضوابط وقواعد توفيقية بين مدرستين مختلفتين، مدرسة الحديث ومدرسة الرأي، فوفِّقَ رحمه الله تعالى.

حتى أقرّ بفضل هذا الكتاب أهل الحديث وأهل الرأي، قال إسحاق بن راهويه:" كتبت إلى أحمد بن حنبل، وسألته أنْ يوجّه إليّ من كتب الشافعي ما يدخل في حاجتي، فوجّه إليَّ بكتاب الرسالة "(2).

ويقول أبو الوليد المكي الفقيه موسى بن أبي الجارود في الإمام الشافعي: " انتهت رئاسة الفقه بالمدينة إلى مالك بن أنس، رحل إليه ولازمه وأخذ عنه، وانتهت رئاسة الفقه بالعراق إلى أبي حنيفة، فأخذ عن صاحبه محمد بن الحسن جملا ليس فيها شيء إلاّ وقد سمعه عليه، فاجتمع له علم أهل الرأي وعلم أهل الحديث، فتصرف في ذلك، حتى أصل الأصول، وقعد القواعد، وأذعن له الموافق والمخالف، واشتهر أمره، وعلا ذكره، وارتفع قدره، حتى صار منه ما صار "(3).

وكذا أئمة الشافعية في زمانهم أرادوا وضع قواعد وضوابط لفهم طريقة المحدثين من جهة، وللدفاع عن المذهب من جهة أخرى، ولا سيما أنّ أهل الحديث لم تكن لهم قواعد صماء يسيرون عليها، بل تدور احكامهم مع القرآئن التي لا يقدر عليها غيرهم! فيقدمون المرسل على المتصل أحياناً، ويقدمون المتصل على المرسل أحياناً أخرى، ويرجحون رواية الأحفظ على الأكثر أحياناً، ويرجحون رواية الأكثر على الأحفظ

(1) علل الترمذي الصغير بآخر الجامع 6/ 254،وينظر بلابد بحثنا (مصطلح حسن عند الترمذي) منشور باختصار في ملتقى أهل الحديث على الشبكة العنكبوتية.

(2)

الجرح والتعديل، ابن أبي حاتم الرازي 7/ 204.

(3)

توالي التأسيس بمعالي ابن ادريس، ابن حجر ص54.

ص: 2