المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وإطلاق الصيادلة على أهل الحديث تشنيع بهم - التصنيف في مصطلح الحديث بين مدرستي الحديث والفقه

[عبد القادر المحمدي]

الفصل: ‌وإطلاق الصيادلة على أهل الحديث تشنيع بهم

الناس من ذلك، وانتفخت أوداج الحساد، لاسيما بعض الفقهاء ممن لا يحفظ الحديث، ولا يقيمه سنداً ولا متناً، وإذا حدث بحديث أخطأ فيه فيقلبه أو يرويه بالمعنى فيخالف الحفاظ في ألفاظه، وربما يأتون بألفاظ حديثهم بنحو يشبه ألفاظ الفقهاء المتداولة بينهم (1)،فإذا ما نقدهم محدث في ذلك عابوا عليه وشنعوا به، ورموهم بالجهل بالفقه وأصوله! وأنه مجرد ناقل، متعكزين على قولة الأعمش المشهورة لأبي حنيفة رحمه الله:"يا معاشر الفقهاء: أنتم الأطباء ونحن الصيادلة"(2).

‌وإطلاق الصيادلة على أهل الحديث تشنيع بهم

، فهو لقب يطلق على من لا يفهم، كما فسره الإمام أبو يوسف لما سئل عن -الفقيه-الحسن بن زياد، فقال:" هو عندي كالصيدلاني إذا سأله رجل أنْ يعطيه ما يطلق بطنه أعطاه ما يمسكه"(3).

نعم ربما ينطبق هذا الكلام على بعض أصحاب الحديث، لكن ليس على الحفاظ منهم! وهو ظاهر في قول الربيع: سمعت الشافعي قال ((لبعض)) أصحاب الحديث:" أنتم الصيادلة، ونحن الأطباء"(4).وإلاّ فكيف يعيب الشافعي على المحدثين وهو من أجلّة المحدثين! حتى سمّاه أهل العراق (ناصر الحديث)(5)،وقال عنه تلميذه أحمد:"ما رأيت أحداً أتبع للأثر من الشافعي"(6).

وهو من أجلّ من روى عن مالك بن أنس، قال الإمام أحمد "كنت سمعت الموطأ من بضعة عشر رجلاً من حفّاظ أصحاب مالك، فأعدته على الشافعي لأنني وجدته أقومهم"(7). وقد اعتراض سراج الدين البلقيني على من قدم القعنبي وابن وهب على الشافعي في رواية الموطأ.

ونصّ الحافظ في النكت على تقديم الشافعي على أصحاب مالك، فقال "ولا يشك أحد أنّ الشافعي أجل من هؤلآء، من أجل ما اجتمع له من الصفات العلية الموجبة لتقديمه، وهذا لا ينازع فيه إلا جاهل أو متغافل"(8).

(1) ينظر: شرح علل الترمذي، ابن رجب الحنبلي 2/ 834.

(2)

الكامل في الضعفاء، ابن عدي 8/ 238.

(3)

مناقب الإمام أبي حنيفة، الذهبي ص68.

(4)

سير أعلام النبلاء، الذهبي 10/ 23.

(5)

تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي 7/ 64،وفي 2/ 404 (أهل بغداد).

(6)

حلية الأولياء، أبو نعيم 9/ 100.

(7)

الارشاد، الخليلي 1/ 231

(8)

النكت على ابن الصلاح 1/ 265.

ص: 4

أما تعميمه على جميع المحدثين ففيه مغالطة كبيرة، فأئمة الحديث، وطلاّبة السنّة ومدارات الروايات فقهاء، كـ (محمد بن سيرين، وسعيد بن المسيب، وعامر الشعبي، وإبراهيم النخعي، ونافع، وقتادة، والزهري، وحماد بن سلمة، والليث، والأوزاعي، وشعبة، والثوري، وابن عيينة، ومالك، والشافعي، وأحمد،

والبخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي)،وغيرهم خلق كثير.

هؤلاء هم من جلّة المحدثين وعليهم تدور أغلب الروايات، وكل واحد منهم مدرسة فقهية بذاته، ولو سلّمنا جدلاً بهذا القول، فهو في حقبة زمنية معينة كما قال أحمد:"كان الفقهاء أطباء والمحدثون صيادلة فجاء محمد بن إدريس طبيباً صيدلانياً"(1).

فراح بعض المشتغلين بالفقه يؤصل لمسائل من قبل رأيه مخالفاً لنصوصٍ صريحة، ومن ذلك: قال أبو السائب:"كنا عند وكيع، فقال لرجل عنده ممن ينظر في الرأي: أشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول أبو حنيفة هو مثلة. قال الرجل: فإنه قد روي عن إبراهيم النخعي أنه قال: الإشعار مثلة. قال: فرأيت وكيعا غضب غضباً شديداً، وقال: أقول لك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،وتقول: قال إبراهيم! ما أحقك بأن تحبس، ثم لا تخرج حتى تنزع عن قولك هذا"(2).

ولابن عبد البر توجيه لمثل هكذا عبارات، فقال عقب قول زكريا القطان:" رأيت سفيان بن عيينة، وقد ألجأه أصحاب الحديث إلى الميل الأخضر، فالتفت إليهم فقال: ما أرى الذي تطلبونه من الخير، ولو كان من الخير لنقص كما ينقص الخير". قال أبو عمر -ابن عبد البر-: " هذا كلام خرج على ضجر وفيه لأولي العلم نظر"(3).

وكذا عبارة الأعمش السابقة إنما خرجت من باب التواضع لأبي حنيفة رحمه الله وإلاّ فالأعمش من الفقهاء ومن أعرف الناس بالفرائض قال سفيان بن عيينة:" كان الأعمش أقرأهم لكتاب الله، وأحفظهم للحديث، وأعلمهم بالفرائض "(4).

(1) تاريخ دمشق، ابن عساكر 51/ 334.

(2)

أخرجه الترمذي في الجامع عقب حديث (906).

(3)

جامع بيان العلم وفضله 2/ 1016.

(4)

تاريخ ابن معين براية الدوري 3/ 388.

ص: 5