المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السياسة الخارجية الأمريكيةوالحملة ضد الإسلام [*]ت - مجلة البيان - جـ ١٤٤

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌السياسة الخارجية الأمريكيةوالحملة ضد الإسلام [*]ت

مقالات مترجمة

‌السياسة الخارجية الأمريكية

والحملة ضد الإسلام [*]

ت

رجمة: د. حامد عبد الماجد

جاء في الدورية:

مع انتهاء الحرب الباردة تغيرت طبيعة السياسة الخارجية الأمريكية؛ فقد

أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية القوة العظمى الوحيدة، وأصبح في الإمكان أن

تتدخل حيثما ووقتما تريد، وحسبما تفرض مصالحها الداخلية فقط.

وقد أصبحت قضية القوى الدولية الجديدة الصاعدة التي يحتمل أن تشكل

تهديداً في المستقبل للسيطرة الأمريكية - أصبحت أكثر ما يهم صانعي السياسة

الأمريكية (اليابان، والنمور الآسيوية، الصين، العالم الإسلامي

إلخ) .

والحلفاء الأوربيون لم يعودوا بحاجة الآن إلى المظلة الأمريكية النووية، ومن

ثم فلن ينقادوا للإرادة الأمريكية كما كان الأمر - نسبياً - من قبل؛ وفي هذا الصدد

أصبحت التجارة على درجة كبيرة من الأهمية بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية.

انقلاب في التعامل مع الإسلام:

ما حدث مؤخراً يمثل نقلة نوعية في التعامل الأمريكي مع الإسلام؛ ففي

معظم فترات الحرب الباردة كان المسلمون حلفاءنا؛ فالأنظمة الإسلامية بطبيعتها

كانت تعادي الشيوعية الملحدة، وقد استغلت الولايات المتحدة تلك المسألة خاصة

في أفغانستان؛ حيث تلقَّى المجاهدون ما يقرب من ثلاثة بلايين من الدولارات من

المخابرات الأمريكية الـ (سي. آي. إيه) ، وذلك في جهادهم لطرد الروس،

وصار مقاتلو الحرية هؤلاء بمثابة الأبطال في الإعلام الأمريكي لدرجة أن هذا

التحالف غير الرسمي بين المجاهدين والإدارة الأمريكية أدى إلى تجاوز وتغيير

الموجة المعادية لإيران التي انتشرت عقب إسقاط الشاه واحتجاز الرهائن

! !

فما الذي حدث الآن؟

كيف يصور الإعلام الأمريكي الإسلام على أنه متطرف وغير ديموقراطي

ومعادٍ للغرب؟

يقضي المنطق أنه ما دام المسلمون يمثلون خُمس سكان العالم فيجب أن

تحرص الإدارة الأمريكية على إيجاد علاقات طيبة مع بلاد المسلمين من إندونيسيا

إلى المغرب.

غير أن ما يحدث هو عكس ذلك؛ فنرى حملة موجهة ضد حركات الصحوة

الإسلامية في البلاد الإسلامية - ويتم إغفال الفروق الموضوعية بينها - ويركز

على النبوءة القديمة الراسخة في الوعي الغربي وهي حتمية الصراع بين الإسلام -

الذي يستيقظ - وبين الغرب.

وبصدد الوقائع والأحداث فمن المتصور أن تتعامل الأجهزة المناط بها تنفيذ

القانون مع العنف ضد الأبرياء على أنه عمل إجرامي ولا دخل لديانة المجرم في

القضية؛ فلنتذكر أن المسيحية لم تصبح هي المدانة في حادثة الانتحار الجماعي

حرقاً في واكو بولاية تكساس، أو في حادثة التفجير بمدينة أوكلاهوما، واليهودية

لم تصبح هي القضية حينما قتل جولد شتاين 29 مصلياً فلسطينياً في الحرم

الإبراهيمي، وعليه فلا ينبغي أن يصبح الإسلام هو القضية عندما يرتكب مسلمون

أعمال عنف.

عملياً فإن للمعتقدات الشخصية تأثيراً باعتبارها عاملاً في إطار بقية العوامل

التي تشكل الدافع لأي فعل من هذا القبيل.

الواقع أنه بمجرد تلاشي الحرب الباردة تغيرت صورة الإسلام لدى بعض

الكتاب الذين شكلوا فيما مضى فرسان الكتابة في الحرب الباردة، فقد أبدى صامويل

هنتنجتون في مقالته الشهيرة عن صدام الحضارات تفهماً لفكرة ضرورة تكيف

الغرب مع حضارات تختلف معه في القيم والمصالح؛ ولكن تكيفه كان من باب

الإعداد للصراع من خلال التأكيد على المخالفة والاعتماد على التفوق العسكري

الأمريكي خاصة في بلدان شرق وجنوب غرب آسيا (قلب الإسلام) ، وتختلف رؤية

صامويل هنتنجتون - مع رؤية المفكر الإسلامي المعروف د. حسن الترابي الذي

يرى أن الذين يتمتعون بالمكاسب والمزايا في ظل النظام العالمي الحالي سواء من

خلال: التقنية، التسليح، العلاقات الاقتصادية، الأمم المتحدة

إلخ سيرون أن

الإسلام يمثل تحدياً لهم؛ لأنه يسعى إلى العدل، كما أن المسلمين لن يقبلوا أن

يتشكل العالم في قالب واحد وشكل واحد للديمقراطية والنظام الاقتصادي

إلخ،

فلمصلحة الإنسانية يجب أن نسمح بمزيد من التعددية، والحرية، والتنوع، ومن

خلال الحوار والتفاعل نسعى لتحقيق أقصى درجة من الاتساق والتعايش.

جذور الحملة المعادية للإسلام:

إن هؤلاء القادة والرؤساء والزعماء الذين يشعرون بأنهم في بلدانهم مهددون

من قِبَلِ شعبية الحركات الإسلامية المدنية في الجزائر وتونس ومصر و (إسرائيل)

هم الذين يشجعون بشدة الاتجاه الأمريكي نحو فكرة التهديد الإسلامي أو الأصولي.

فالنظام الجزائري يواجه أكبر التهديدات وأعمقها منذ قام بإلغاء أول انتخابات

حرة عام 1992م للحيلولة دون وصول جبهة الإنقاذ إلى السلطة، أما الديمقراطيات

الغربية فقد تقبلت هذا العمل الصارخ بصمت وربما بتشجيع من طرف خفي،

وكانت النتيجة أكبر حرب أهلية دامية في التاريخ العربي الحديث قتل فيها ما يزيد

عن ثلاثين ألفاً من أبناء الجزائر، وما زال مسلسل القتل مستمراً.

وقد اشتركت الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا مع بعض الدول العربية في

حربهم ضد الأصولية الإسلامية عامة؛ ووصف حاييم بارام من القدس موقف

الزعماء اليهود عام 1994م قائلاً:

(إن الإسلام هو العدو الذي نخشاه ونحترمه في آن معاً) وخطتنا الدعائية

هي إظهار وحشية المسلمين (وهو المنطلق نفسه الذي كان يستخدم ضد القوميين

والوطنيين الفلسطينيين، وكان بنيامين نتنياهو زعيم كتلة الليكود يقوم بالتجوال في

أرجاء العالم لكي ينشر هذه الفكرة التي مفادها بالنسبة له أن عرفات لم يعد خطراً أو

مهمّاً؛ فالمشكلة الحقيقية هي في المد الإسلامي الثوري الذي يجد جذوره في إيران،

وهي سياسة متناقضة؛ إذ إن زعيم الليكود نفسه كان يرى عرفات - وإلى وقت

قريب - باعتباره التهديد الأساس الذي تواجهه إسرائيل؛ بل والعالم الغربي كله.

ولكن زعيم الليكود وجد خطاً لربط أو إيجاد صلة بين القديم والجديد في العداء؛ فعرفات الآن غير ذي أهمية؛ لأن الإسلاميين سوف يستولون على السلطة

ويحكمون الشعب الفلسطيني، ولذا فإن أية تنازلات على الأرض غير مجدية،

والأكثر طرافة فإن إيران هي الشيطان الأكبر الذي يستطيع أن يهدد الغرب بقنابله

النووية.

أما سورية ولبنان فسوف تشهدان ثورة إسلامية قريباً، وبذا سيكفان عن

مداهنة الأمريكان، والنتيجة لكل ذلك أن (إسرائيل) سوف تستعيد وضعها الأساس

والأصلي باعتبارها الركيزة الاستراتيجية للغرب في المنطقة، وعليه فإن الضغوط

عليها لتقديم التنازلات الإقليمية والتوافق مع جيرانها سوف تتضاءل، وعدد

الإسرائيليين المستعدين لقبول وتصديق هذا الهراء غير معقول.

وللأسف فإن رابين ومن بعده بيريز كانا يتبنيان هذه الطريقة في التفكير.

إن منطق (القادة الإسرائيليين) هو أن الخطر الإسلامي يوازي خطر الشيوعية

أثناء الحرب الباردة وأن إيران تمثل التهديد نفسه الذي كانت تمثله موسكو من قبل.

الحملة في أمريكا: The Camaign in America

يشير زخم الحملة ضد الإسلام في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تبني اللوبي

اليهودي لوجهة نظر القيادة الإسرائيلية بصدد الموضوع؛ فالحملة واسعة النطاق

موجهة للرأي العام الأمريكي ولصناع القرار الأمريكيين أيضاً، والأمثلة كثيرة.

يقول موريتمر زاكرمان رئيس تحرير مجلة الأخبار الأمريكية والنشرة

العالمية US. Nes World Reort متبنياً الفكرة نفسها: (إن التطرف

الإسلامي المسلح على وشك أن يحل محل الشيوعية عدواً لنا، فالقِيَم التي يحتويها

تناهض الأساس الذي تقوم عليه الديموقراطية الغربية) .

ويستغل فرجاس بوردويتش أعمال العنف الدائرة في إطار الحرب الأهلية

بالجزائر ليثبت فكرته الأساسية عن الأصولية الإسلامية في مقالته في مجلة

Readr ص s Digest والمسماة الجهاد قادم إلينا A holy ar heads or ay

ويعتمد في إثبات رأيه على اثنين من أقوى مؤيدي إسرائيل في أمريكا وهما روبرت

ساتلوف الذي يشغل منصب المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى

السياسية، ودانيل بابيبس المدير السابق لمعهد أبحاث السياسة الخارجية بفيلاديلفيا

يقول بابيبس: (الأصوليون ليسوا بأي حال مسلمين تقليديين عاديين، والمتطرفون

ليسوا مجرد مجرمين لكنهم عقديون متحمسون، وعندما يحسون بأنهم مقبولون أو

شركاء في العملية السياسية فسوف يفصلون بين الجناح السياسي والجناح العسكري

لديهم، وبذلك يستطيعون استنكار أعمال العنف التي تقوم بها فصائلهم السرية) .

- يقول عاموس بيرلموتر Amos erlmter أستاذ العلوم السياسية بالجامعة

الأمريكية ومحرر مجلة الدراسات الاستراتيجية في كتاب له صدر 1995م:

(لا تمثل مرحلة ما بعد الحرب الباردة نظاماً عالمياً جديداً، بل هي عالم

يمتلئ بالقوميين المتطرفين الانفصاليين؛ فإن الأيديولوجية الفاشية والنازية التي

سادت في الثلاثينات لها ما يوازيها من بعض الجوانب في الأصولية الإسلامية؛

فهي حركة شمولية معادية للغرب تأمل في أن تلقن الصليبيين الجدد دروساً لا تنسى

، وليست مصادفة أن تكون مناطق الأزمات الدائمة والمشتعلة وبؤر التوتر في العالم

هي نفسها مناطق الأصوليين دعاة الوحدة والخلافة الإسلامية، والغرب لن يسمح

باستبدال شمولية بأخرى: النموذج السوفييتي بالنموذج الإسلامي) .

وقد صور ستيفن إيمرسون في برنامجه حول (الجهاد في أمريكا) والذي ركز

على حادثة تفجير مركز التجارة العالمي على أنه بالرغم من أن المتطرفين المسلمين

ليسوا إلا أقلية ضمن غالبية المسلمين إلا أن الناقد التلفزيوني (والترجودمان) أظهر

أهدافه في إدانة الجميع عندما قال: إنه حتى المنظمات الإسلامية المحترمة المعتدلة

لها علاقة ما بجماعات العنف، وقد رفض المسلمون في أنحاء أمريكا تصوير

برنامج عن الإسلام يبرز هذا التصور الدموي ورفعت قضايا أمام المحاكم عليه.

وقد صرح فيليب ويلكوكس المسؤول عن قسم مقاومة الإرهاب في المباحث

الفيدرالية الأمريكية 1995م بقوله: (بالرغم من الاتصالات غير الرسمية بين قادة

الجماعات الإسلامية؛ حيث يجد قادتها المقيمون في الخارج الملجأ الآمن

والإمكانيات الضخمة، إلا أنه ليس هناك دليل مادي قوي على وجود شبكة أو تنظيم

دولي بين تلك الجماعات، ولم تعط تحريات الأجهزة المنوط بها المراقبة وتنفيذ

القانون دليلاً لزعم إيمرسون بوجود شبكة من الخلايا (الجماعات الإسلامية في

أمريكا) .

وفي مقالة مطولة كرر إيمرسون في 12-6-1995م أفكاره السابقة نفسها بأن

الجماعات الإسلامية المتطرفة أنشأت بنية وهياكل سياسية ومالية، وفي بعض

الأحيان علمية في الولايات المتحدة، وأن الـ FBT يعتبر تلك الشبكة من أولوياته، ولكن مصادر معلومات إيمرسون مشكوك فيها وغير جديرة بالثقة، وقد اتضح

تصميم إيمرسون في نشر مقولاته حينما ظهر على شاشة التلفاز الأمريكي أثناء

انفجار أوكلاهوما في 19-4-1995م والذي ظهر فيما بعد أن الذي قام به

أمريكيون من اليمين الأمريكي وكان مصمماً على أن المتطرفين الإسلاميين وراء

الحادث، ومما قاله في هذا الصدد:

(إن انفجار أوكلاهوما له العلامات المميزة نفسها التي كانت لانفجار بيونس

أيرس، والمركز التجاري العالمي؛ فقد كانت سيارة ملغومة المقصود منها قتل أكبر

عدد من الناس؛ وهذا النوع من العمليات لم تعرفه أمريكا قبل فترة الإرهاب

الإسلامي، ولكن الحقيقة أن بعض الجماعات الإسلامية تحرك هذه الأحداث من

وراء ستار، ويجب أن يزج بهم في معتقلات التعذيب.

وقد تسببت تلك العبارات غير المسؤولة بلا شك في المضايقات التي تعرض

لها المسلمون الأمريكيون فيما تلا هذا الحادث) .

وعلى صعيد آخر كتب ليزلي جيلب في النيويورك تايمز معبراً عن تعاطفه

مع آراء محادثيه الإسرائيليين رابي ديفيد هارتمان، وبيهوشفات حركبي بأن:

(الإسلام لا يعترف بالتعايش مبدأً؛ فالتعايش يتنافى مع مفهوم الإسلام للنظام

العالمي) .

وهناك كتَّاب آخرون يعتمدون على الحكومات شرق الأوسطية ويهتمون دائماً

بها خاصة: إيران والسودان، ومنهم (ستيفن هولمز) فقد كتب من واشنطن عن

كيفية تحول علاقات القوى نتيجة للأصولية في الشرق الأوسط مكرراً موضوع

معسكرات التدريب العسكري التي تقوم بها إيران على أرض السودان إلى جانب

العلاقات العسكرية والاقتصادية السودانية الإيرانية؛ ولكنه لم يعط أي دليل على

أقواله، أو أي سبب يجعل التعاون بين دولتين متقاربتي التفكير شيئاً مثيراً للتساؤل.

وهناك عديد من الصحفيين يتبنون بغير نقد الرؤية الرسمية الأمريكية في أن

الدول العاصية أو الشاذة تصدر الثورة التي لا يحددونها أبداً، وعادة ما يتجاهلون

الاستفزازات الإسرائيلية وما تفعله الأنظمة العربية الحاكمة مع شعوبها، كما أنهم لا

يستمعون إلى الطرف الآخر من زعماء الحركات الإسلامية؛ فإن بعضهم - نتيجة

تعليمه ولغته - لا يستطيع التعامل معهم، وحتى في بعض الحالات عندما حاورَتْ

(جوديث ميللر) حسن الترابي وغيره فإنها ارتكبت خطأ التعميم إذ قالت: (تقريباً

كل الإسلاميين أنصار للعنف، ويعارضون الديموقراطية والتعددية وكلهم سيظلون

معادين للغرب ولأمريكا ولإسرائيل) . وأضافت في تعبير متعالٍ ينم عن استعلاء

ثقافي: (إن فكرة الدولة الإسلامية كما يعتنقها معظم مؤيديها لا تنسجم مع القيم

والحقائق التي عتبرها الأمريكان ومعظم الغربيين حقائق مسلَّمة ولا تحتاج لإثبات؛

لأنها واضحة بذاتها) .

وتخلُص ميللر إلى نتيجة وهي: (أن أي حوار أمريكي مع تلك القوى

الإسلامية يعتبر مضيعة للوقت) .

ومن أبرز دور الفكر التي ساهمت في إذكاء المقولات عن الخطر الإسلامي

دار الميراث المحافظ في مدينة واشنطن التي نوقش فيها في 21-6-1994م

موضوع الخطر الإسلامي على شمال إفريقيا، وكان ضمن المتحدثين: خالد

ديوران زميل دانئييل بابيس، وستيفن إيمرسون الذي ساعده ديوران، وقد اقترح

بابيس الذي يرفض الحوار مع الأصوليين المعتدلين منهم والمتطرفين على السواء،

اقترح أربعة نصائح للسياسة الأمريكية لمقاومة الخطر الأحمر الجديد هي:

أ - مواجهة الأصوليين.

ب - الضغط على إيران والسودان للتخفيف من سياستهما المتطرفة.

ج - مساندة الحكومات التي تتصدى للأصولية في المنطقة مثل حكومة

الجزائر وغيرها.

وقد شبه بابيس ذلك الصراع بالحرب الباردة قائلاً: إن اليمين الأمريكي هو

الذي كسب الحرب الباردة بوقوفه في وجه الاتحاد السوفييتي، وهو يستطيع القيام

بالشيء نفسه بالنسبة للإسلام.

ومن الواضح أن بابيس لم يوضح كيفية تساوي النظام السوفييتي الاستبدادي

مع الحركات الإسلامية المعارضة لأنظمة حاكمة موغلة في استبداديتها.

وعلى أي حال فإن موقفه لا يختلف كثيراً عن موقف مارتين شيرمان المفكر

السياسي الإسرائيلي الذي كتب قائلاً: (إن الحرب العالمية الثقافية التي تدور بين

الإسلام والليبرالية الغربية هي المعركة ذاتها التي كانت تدور ضد الشيوعية

والنازية) .

وهناك بعض المفارقات المثيرة عن الروابط بين هؤلاء الأفراد والجماعات

بعضهم ببعض؛ فقد صرح إيمرسون ستيفن للواشنطن بوست أنه قد حصل على

جزء كبير من الـ 325000 دولار لتمويل فيلم الجهاد في أمريكا Jihad in

America في مؤسسة برادلي في ميلوكي. ويذكر روبرت كابلان في مقدمة كتابه

عن العرب - وهو كتاب عن خصائص الشرق الأوسط مسانداً (إسرائيل) -: أن

الكتاب لم يكن ليطبع لولا المساعدة التي قدمتها مؤسسة برادلي، وتمت إدارة تلك

الأموال عن طريق معهد بحوث السياسة الخارجية التابع لدانييل بابيس.

وتتضح الأمور أكثر إذا علمنا أن مجلة هذا الأخير والتي تصدر ربع سنوية

والمسماة Middle East Qartoly يقوم القناصلة الإسرائيليون بتوزيعها بالمجان.

أما الأصوات الأكثر إقناعاً والتي تعارض التعميمات والتبسيط الزائد فهي

أصوات الأكاديميين الذين يدرسون جوانب عدة في الإسلام، ويضم هؤلاء العالم

الفرنسي فرانسوا بورجا الذي يقول: الإسلاميون ليسوا أكثر من أناس يربطون

الإسلام بالحوار السياسي، ومن هنا فإننا نفهم الآراء ابتداءاً من الفاشي حتى

التحرري المتطرف.

ويؤكد علماء أمريكيون من جامعات شتى أن عدم التفرقة بين الحركات

الإسلامية المختلفة وتنميط المسلمين بتصويرهم على أنهم متطرفون يميلون إلى

العنف سيقوي المتطرفين على حساب الأغلبية المسلمة المعتدلة والمسؤولة.

إلى جانب ذلك فإن الأخطاء في توصيل وتمثيل حقيقة الحركات الإسلامية

تجعل قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على وضع سياسة خارجية بناءة عملية معقدة، ومما يثبت ذلك تصريحات بعض الزعماء البارزين مثل (نيوث جنجريتش) R.

G. A الذي حث الولايات المتحدة الأمريكية على تبني سياسة متسقة لمقاومة

الاستبداد الإسلامي! ! (ومثل السكرتير العام لحلف الناتو (ويللي كلايس) الذي

يزعم أن الأصولية الآن تمثل الخطر نفسه الذي كانت تمثله الشيوعية من قبل) .

التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية:

1 -

تأتي الحملة الضارية والعامة للحكومة الأمريكية ضد الإسلام على حساب

قدرتها على انتهاج سياسة مرنة وبناءة تجاه الحركات الإسلامية؛ فالتصريحات

السياسية للمسؤولين الأمريكيين تهزأ من فكرة أن هناك إسلاماً موحداً يواجه الغرب، ولكنها لم تترك شكاً في أن الولايات المتحدة ستعارض أية حركة إسلامية تحاول

الوصول إلى السلطة حتى ولو كان ذلك عن طريق صندوق الاقتراع؛ وتعبر عن

ذلك كلمات إدوارد جيرجيان مساعد وزير الخارجية الأسبق: (نحن لا نساند

شخصاً واحداً وصوتاً واحداً وتوقيتاً واحداً) إشارة إلى أن الحركات الإسلامية لا

تؤمن بالتعددية! ! وكأن الأنظمة العربية الحاكمة تؤمن - أو تسمح - بالانتخابات

الحرة.

2-

سياسة الاحتواء الثنائي للعراق وإيران من قِبَل الولايات المتحدة الأمريكية

قد أكدتها وثبتتها العقوبات ضد العراق واستمرار عملية فرضها، وإلغاء اتفاق

كونوكو مع إيران الخاص بالعلاقات التجارية لإيران والتي أعلنها الرئيس كلينتون

في 30-4-1995م وذلك عقب الحملة الدعائية الشرسة التي شنتها لجنة الشؤون

العامة الأمريكية الإسرائيلية AIPAC إيباك - وهي تجمُّع للوبي الإسرائيلي

الأمريكي المشترك على إيران.

3 -

تساند الولايات المتحدة الأمريكية بشكل تام حكومات كل من مصر

وتونس وذلك في حربها ضد الحركات الإسلامية فيهما؛ وخلال ذلك تتغاضى عن

انتهاكات واضحة لحقوق الإنسان، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول مؤخراً

أن تلعب دوراً هامشياً في إيجاد أرضية مشتركة بين الحكومة الجزائرية والزعماء

الإسلاميين الذين لا يستخدمون العنف؛ وذلك بعد أن وافقت في صمت على إلغاء

الجيش الجزائري للانتخابات.

وعلى الجانب الدعائي يمكن أن نذكر:

أ- ظهور الرئيس كلينتون أثناء زيارته لإندونيسيا 1994م في المسجد

الرئيس في العاصمة جاكرتا مصرحاً بوضوح أنه بالرغم من وجود مشاكل مع

الإرهاب إلا أنها لا تمتد ولا ترتبط بالإسلام باعتباره ديناً وثقافة.

وصرح كلينتون في زيارته للأردن قبل ذلك بقليل قائلاً: (ترفض أمريكا

قبول فكرة أن حضارتنا لا بد أن تتصادم مع الإسلام، نحن نحترم الإسلام) ، وقد

قامت الإدارة الأمريكية بجهود جديرة بالثناء وإن كان يتخللها كثير من الشك في دفع

اتهام المسلمين في حادثة تفجير أوكلاهوما وذلك على خلاف بعض المعادين للإسلام، وبالرغم من المشاعر الطيبة التي عبر عنها كلينتون وإدارته فإنه ما زال ثمة

شوط بعيد في الفهم المتبادل بين إدارته وبين الإسلاميين.

وبسبب التخويف المستمر الذي تبثه الأصوات المعادية للإسلام تأثرت حتى

بعض الأمور البسيطة، ومنها: منح تأشيرات السفر والدخول؛ فعلى سبيل المثال: دُعي الشيخ راشد الغنوشي - زعيم حزب النهضة التونسي المُبعد وأحد المعتدلين

البارزين في الصحوة الإسلامية - لحضور الحوار حول الإسلام الحديث الذي أقامته

جامعة جنوب فلوريدا بالاشتراك مع شركة الدراسات الإسلامية والعالمية في يناير

1994م وهو حوار أجري قبل ذلك مرتين مع د. حسن الترابي 1992م، ود.

خورشيد أحمد من باكستان 1993م، ويعطي الحوار فرصة للعلماء الأمريكيين

لمناظرة المثقفين الإسلاميين، وفي التجربتين السابقتين حضر أكاديميون أمريكيون

بارزون، ونشر الحوار للجمهور الأمريكي، وقد أثنى الجميع على تلك الحوارات،

وكان اختيار الغنوشي لحوار 1994م ذا دلالة واضحة لما يحدث في شمال إفريقيا،

وإذا كانت تونس قد حكمت على الغنوشي غيابياً بالإعدام فإن إنجلترا منحته حق

اللجوء السياسي 1993م، وعندما تقدم الغنوشي للحصول على التأشيرة رفضت

الإدارة الأمريكية منحه إياها، ولذلك فإن حوار مايو 1994م تأجل مراراً حتى

يونية 1995م، وظهر أن تونس اعترضت على فعل الإدارة الأمريكية، وكان هذا

الاعتراض قد ظهر علناً في مايو 1994م في جريدة نيويورك اليهودية والمعروفة

باسم (فورد وارد) فكتبت لوسيت لاجنادور في عناوين الصفحة الأولى الرئيسة:

الشيخ الإرهابي، وآية الله المستقبل يطلب الدخول إلى أمريكا) .

وأضافت أن: (الغنوشي أيد العنف ضد الأمريكيين وحلفائهم، وحاول إفساد

مسيرة السلام في الشرق الأوسط) .

وأشارت المقالة إلى أن دانييل بابيس يقول بأن: (الغنوشي حضر مؤتمرات

في السودان وإيران مع كتاب متطرفين آخرين، وقد صور بابيس تلك المؤتمرات

باجتماع إسلامي عالمي؛ حيث يتفق الزعماء على المقت الشديد لأمريكا والغرب

وإسرائيل. والمقصود اجتماعات المؤتمر الشعبي الإسلامي في الخرطوم.

وفي 24-6-1994م نشرت أوليمبيا سنو ممثلة وعضوة في وزارة الخارجية

الأمريكية نداءاً تطالب فيه وزير الخارجية كريستوفر برفض إعطاء تأشيرة

للغنوشي لملفه الواسع في النشاط الإرهابي.

ولكن الاعتراض الأكبر على راشد الغنوشي جاء على لسان مارتن كريمر

مساعد رئيس مركز ديان للدراسات الشرق أوسطية في جامعة تل أبيب الذي أصدر

تقريراً باسم olicy Watch من خلال معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى الذي

يقف وراءه لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية إيباك، لم يذكر كريمر في

تقريره شيئاً عن الإرهاب، ولم يسع لإبطال أو تقديم أدلة لبطلان إعطاء حق

اللجوء السياسي الذي منحته الحكومة البريطانية للغنوشي، ولكنه ركز على موقفه

المعارض للسعودية وأمريكا في حرب الخليج واعتراضه على الاتفاق بين منظمة

التحرير الفلسطينية وإسرائيل التي طالما أسماها: خطة يهودية أمريكية تستهدف

إخلاء المنطقة من كل مقاومة وفتح المجال للنشاط الاقتصادي والثقافي اليهودي الذي

يمهد للسيطرة الكاملة لليهود من مراكش حتى كازاخستان، وقد صرح كريمر أن

الولايات المتحدة الأمريكية لو أعطت الغنوشي تأشيرة الدخول فإن ذلك يبين مدى

اختلاط الأمور عليها حتى إنها لا تعرف عدوها من صديقها.

إذن يستطيع أحد الأساتذة الإسرائيليين أن يكون في الوضع الذي يسمح له

بتوجيه النصح للحكومة الأمريكية بأنها يجب أن لا تعطي تأشيرة دخول الأجانب

الذين يعارضون السياسات الخارجية الأمريكية والإسرائيلية، وهكذا نجحت الحملة

ضد الإسلام في منع الحوار بين أحد المفكرين الإسلاميين والعلماء والأكاديميين

الأمريكيين، ولكن يبدو أن الأمر يعد أكبر من ذلك؛ فالمسلمون في أمريكا

معرضون بشكل عام لأن يوصفوا بالخيانة والعداء المحتمل لأمريكا خاصة بعد

تصريحات كلينتون وأوامره في 24-1-1995م وذلك بمنع جمع التبرعات

والمساعدات للإرهابيين الذين يهددون عملية السلام في الشرق الأوسط ومنع فتح

الحسابات الخاصة بأسماء عشرين منظمة إسلامية.

وقد أثبتت الأحداث ذلك عقب انفجار أوكلاهوما: فمثلاً - نشر صحفي شاب

في 28 - 29-5-1995م في صحيفة التامبا تريبيون أن هناك مجموعة في تامبا

تتعاطف - وربما يقول - مع حركات الجهاد وحماس الإسلامية ويتزعمها د. سامي

العريان في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني وهو أستاذ في جامعة فلوريدا، وقد

نشرت صورة د. سامي العريان بجانب صورة القتلى في انفجار أتوبيس تل أبيب

الذي حدث في 19-10-1994م، والذي راح ضحيته 23 إسرائيلياً.

وقد استشهدت المقالات بكلام استيفن إيمرسون والصحفي الإسرئيلي روني

شاكيد، وباحث مجهول من مركز وايزنتال ومارتن كريمر، وكان من أكثر

الاتهامات غير المسؤولة تلك التي قالت بأن هناك علاقة بين مسجد محلي في

فلوريدا يحتوي على مدرسة ابتدائية وبين حماس؛ لأنه مُسمًّى باسم عز الدين القسام

وهو زعيم مسلم بارز قُتل بيد الإنجليز 1935م، وقد عرضت المقالة صورة

المسجد وعنوانه مما ولَّد الخوف لدى الأطفال والمدرسين؛ حتى إن الجالية

الإسلامية استأجرت رجال الأمن لحمايته، وقد هيجت تلك المقالات بعض اليهود

النشطين في المنطقة، وبعد فحص تلك الاتهامات أعلنت بيتي كاستور رئيسة جامعة

جنوب فلوريدا أنه لا توجد أية مخالفات في الجامعة وردت على قلق الجالية اليهودية

بأنها ترحب بوجودهم ولكنها ترحب بالآخرين أيضاً.

وعلى الصعيد العالمي تظهر الولايات المتحدة الأمريكية على أنها عدو للإسلام

فحكومات إسرائيل والجزائر ومصر وتونس وحكومات أخرى في المنطقة تخشى

صعود حركات الصحوة الإسلامية وتلك الحكومات صديقة للولايات المتحدة

الأمريكية، وكما قال أحد السفراء الأمريكيين: إننا يجب أن نتغاضى عن

الممارسات العنيفة للحكومة المصرية ضد المصريين في الصعيد، والتي سجلها

روبرت فيسك في تقاريره؛ لأن هذه هي الطريقة الوحيدة للتعامل مع المتعصبين.

إن سياسات القوى العظمى - يشير إلى الولايات المتحدة الأمريكية - يجب

ألا يحددها تجاه خُمس سكان العالم على الأقل تهديداتٌ تواجهها إحدى الحكومات من

مواطنيها المقهورين رغم اتفاقنا مع وجهة نظر هذه الحكومات، كما أن سياستنا

على المدى الطويل لا ينبغي أن يحددها أفعالُ قلة من الإرهابيين.

والواقع أن عدم اكتراث أمريكا الواضح بمقتل مائتي ألف مسلم في البوسنة

وحرب الإبادة ضد الشيشان وما يحدث في كشمير والهند والضفة الغربية وغزة

والعقوبات الاقتصادية ضد إيران

إلخ كل هذا قد أقنع كثيراً من المسلمين أن

الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإسلام.

وقد أضاف الأستاذ جيمس بيل: (الوضع خطير حينما يجد المسلمون أنفسهم

ملقبين بالإرهابيين وعندما تشجع الحكومات الغربية حكوماتهم العلمانية في الشرق

الأوسط على مواجهة الحركات الإسلامية بالعنف) .

وقد أصر الرئيس كلينتون على أنه ليس ضد الإسلام، ولكن أفعاله وتردده

وتخاذله في إقامة حوار حقيقي مع المفكرين الإسلاميين يشير إلى عكس ذلك،

وعلى الولايات المتحدة الأمريكية أن تشجع الحوار مع المفكرين الإسلاميين وهؤلاء

بدورهم عليهم أن يستنكروا الإرهاب والظلم الذي تمارسه بعض الحكومات

الإسلامية وغير الإسلامية - إذا كان الحوار سيؤتي ثماره.

ولمن يصر على تشبيه الموقف الآن بظروف الحرب الباردة يقول الصحفي

الإيرلندي فاليه تحول: (في قمة الحرب الباردة كان الغرب يحاول بحيوية فهم

النظام الشيوعي والفكر الماركسي، ولكن تلك الجهود لا تبذل الآن مع الإسلام،

وبغير الحوار لا يمكن أن يكون هناك بديل سوى المواجهة!) .

(*) نشر في دورية: الفورين أفريرز " الشئون الخارجية الأمريكية " خريف عام 1997م.

ص: 116

قضايا ثقافية

من مواقف طه حسين

تجاه التراث الإسلامي

خالد بن سعود العصيمي

كانت الحلقة الأولى عرضاً لما سجَّله طه حسين من آراء ومواقف معادية

للتراث الإسلامي من خلال كتبه. وفي هذه الحلقة يحلل الكاتب تلك الآراء

والمواقف مفصحاً عن مواردها ودوافعها وما تحمل في طياتها من اعتقاد وفكر؛

لتستبين سبيل طه حسين وسبل من اقتفى أثره.

- البيان -

آراء طه حسين بين الجدة والقدم:

إن ما طرحه طه حسين من آراء، وما ادعاه من نظريات ليست وليدة أفكاره

بالجملة، بل جاءت تقليداً في بعض الأحيان، ومسخاً وتشويهاً في أخرى، وسرقة

وسطواً في ثالثة.

ففكرة بشرية القرآن وأنه من عمل محمد الذي عاش حياة خاصة، وهي حياة

المكيين مأخوذة من المستشرق جب في كتابه: (المذهب المحمدي) ، وقد قام الدكتور

محمد البهي رحمه الله بعقد موازنة بين ما ذكره جب في (المذهب المحمدي)

وما ذكره طه حسين في (في الشعر الجاهلي)[1] واستخلص ما توافقا فيه، واختلفا

فيه، فأما ما اتفقا فيه، فأُوردها بإجمال:

1 -

أن الحياة الجاهلية قبل الإسلام كانت حياة حضارية، وكانت حياة حافلة

بالكياسة والسياسة، والنشاط الاقتصادي والنهضة الدينية.

2 -

أن محمداً - أو الإسلام أو القرآن - استغل المقدسات في مكة. وظاهرة

استغلال هذه المقدسات - كما يرى صاحب المذهب المحمدي - تكمن في أن ثورة

محمد أو الإسلام أخذت طابع الدين دون الطابع الاجتماعي، أما صاحب كتاب (في

الشعر الجاهلي) فيرى أن ظاهرة استغلال المقدسات برزت عند محمد أو الإسلام في

قبول قصة إسماعيل وتعليمه العربية اضطراراً مع أنها أسطورة أثبتت الحقائق

العلمية - بزعمه - عدم وقوعها.

3 -

أن القرآن لم يكن جديداً كل الجدة على العرب، فما فيه من عقائد كانت

تعرفها قلة، ويعرفها العرب في شبه الجزيرة، ولكن صاحب كتاب (المذهب

المحمدي) يرى أن دليل معرفتهم لذلك هو عدم معارضة المكيين له، وما ظهر من

معارضة أرجعه إلى المنافسة السياسية والخشية من انهيار اقتصادهم، بينما يرى

صاحب كتاب (في الشعر الجاهلي) أن دليل ذلك هو قبول من قَبِلَ منهم، ومعارضة

من عارض من بينهم، فلو لم يكن مألوفاً لديهم لما عارض من عارض ولا قَبِلَ من

قَبِلَ، ولا حفل به أحد ولا كان له أي خطر.

4 -

أن دعوة الإسلام دعوة محلية في جماعة خاصة وفي حياة خاصة؛

فالقرآن أو الإسلام انطباع واضح لهذه الجماعة الخاصة [2] .

أما الفرق بين الكتابين في عرض بشرية القرآن فيمكن تلخيصه من كلام

الدكتور البهي فيما يأتي:

1-

أن كتاب (المذهب المحمدي) يصف القرآن ويصف صلته بالعرب بقوله:

- فيه (أي القرآن) ما أخذ من الوثنية العربية.

- وفيه ما أخذ من المسيحية العربية.

- وفيه رد على اليهودية العربية [3] .

وواضح مدى تأثره وتقليده لجب حتى في الأمور التي ظاهرها المخالفة.

أما فكرة كتاب (على هامش السيرة) فما هي إلا تقليد لكتاب (على هامش

الكتب القديمة) لجيل لومتير كما ذكر طه حسين في كتاب (الإسلام والغرب) الصادر

عام 1946م في باريس، وقد وصفه بقوله: (وهذا الكتاب من عمل المخيلة

اعتمدت فيه على جوهر بعض الأساطير ثم أعطيت نفسي حرية كبيرة في أن أشرح

الأحداث وأخترع الإطار الذي يتحدث عن قربٍ إلى العقول الحديثة، مع الاحتفاظ

بالطابع القديم) [4] .

وقد ذكر الأستاذ محمود شاكر في حديثه عن سطو طه حسين على كتابه

(المتنبي) أنه (حين قرأت شهادة الدكتور طه حسين على جيلنا المفرغ من ثقافة أمته

في سنة 1935م: توهمت بحسن الظن أنه سوف يبدأ عهداً جديداً في تفكيره وأنه

سيفارق السُّنة التي سنها هو والأساتذة الكبار، أعني: سنة السطو، وسنة

التلخيص) [5] ، (لكن سرعان ما تحقق الشك والريب فيما كتبه الدكتور طه، على الوجه الذي فصلته تفصيلاً صريحاً، وكان ما كان، ورجعت ريمة إلى عادتها القديمة، كما يقال في المثل، بل هي لم تفارق عادتها قط ولا تملك أن تفارقها ضربة لازب)[6] .

أما كتاب (في الشعر الجاهلي) فقد تمثل فيه عدة أهداف:

الأول: محاولة تأكيد نظرية مسمومة ملخصها: أن الشعر الجاهلي موضوعٌ

جله - إن لم يكن كله - بعد الإسلام [7] .

الثاني: نفي كون الأدب العربي مرتبطاً بالفكر الإسلامي لا ينفصل عنه،

ويلتزم بقيمه الأخلاقية ومفاهيمه العقائدية [8] .

الثالث: الدعوة إلى تخلي الأديب عن العاطفة الدينية والقومية، ودراسة

الأدب كما يُدرس العلم الطبيعي [9] .

الرابع: محاولة الادعاء بأنه اعتمد على نظرية الشك التي أذاعها

ديكارت [10] .

والنظرية في مجموعها مسروقة سرقة كاملة من المستشرق اليهودي

مارجليوث، نشرها في المجلة الملكية الآسيوية (الإنجليزية) عدد يوليو

عام 1925م، وهو بحث في 22 صفحة بعنوان:(نشأة الشعر العربي) .

وكان موقف مارجليوث هو موقف الاشتباه والشك والترجيح، أما موقف طه

حسين فهو موقف الحسم بأن هذا الشعر وُضِعَ بعد الإسلام [11] ولهذا سمَّى

بعضُهم [12] كتابه: (الشعر الجاهلي) الحاشية الصغرى على مقالة مارجليوث، وكتابه:(في الأدب الجاهلي) الحاشيةَ الكبرى على تلك المقالة.

وإذا كانت آراء طه حسين - كما رأينا - تقليداً ومسخاً لأفكار بعض

المستشرقين وغيرهم، فيمكن أن نجيب عن قوله:(تأثري بالمستشرقين شديد جداً؛ ولكن لا بآرائهم؛ بل بمناهجهم في البحث)[13] نجيب (بأن عبارة: تأثره

بالمستشرقين شديد جداً صحيحة من كل وجه، أما استدراكه بأنه لم يتأثر بآرائهم

فليست صحيحة؛ لأنه ثبت بالبرهان الواقعي تطابق وجهات النظر في كثير من

الآراء التي لا يمكن أن تكون من باب وقع الحافر على الحافر.

الانتماء عند طه حسين:

عبَّر الدكتور السيد أحمد فرج عن ظاهرة طه حسين وأمثاله في الفكر

الإسلامي العام (بغسيل المخ)[14] ، وذلك أنهم أُشرِبوا حُبَّ الثقافة الغربية،

وتعاظمت صورتها عندهم حتى لم يعد لثقافتهم العربية والإسلامية أدنى درجات

الاعتزاز والافتخار، وظهرت في كتابات طه حسين الفكرة الصليبية القائلة: إن

زمام الأمر بيد حضارتها، والغربي وحده هو الذكي المتفوق، أما العرب فهم

قطعان بربرية مفتقرة للذكاء، والعربي المسلم محكوم عليه بعدم الاقتدار على

التغيير لكون ذلك صفة كامنة فيه [15] .

وتولد عن هذه الفكرة (عقيدة سخيفة فاشية في الشرق، وهي أن الأوروبي لا

يخطئ أبداً) [16] ولهذا (كان عنده قناعة كاملة للاستجابة لمنطق الأوروبة بطريق

ترك الماضي الإسلامي كله، والذوبان في الثقافة الأجنبية والفكر السياسي

الأوروبي) [17] .

وولاؤه العظيم للغرب جعله يوظف القضايا التاريخية المتصلة بالأمة الإسلامية

لحضارة الغرب البائدة؛ فالدولة الإسلامية ورثت سياسة اليونان والفرس

وحضارتهم [18] .

و (لقد كانت لفلسفة أرسطاطاليس الأثر الأكبر في تكوين العقل العربي

الإسلامي) [19] .

و (المسلمون أخذوا بأسباب الحضارة الفارسية واليونانية)[20] .

و (وظيفة المحتسب في الإسلام تشبه ما كان شائعاً عند اليونان ومعروفاً من

أمر تأديب العامة، ومراقبة أعمالهم) [21] .

ونتائج العقل الإسلامي كلها (تنحلُّ إلى آثار أدبية وفلسفية وفنية متصلة

بحضارة اليونان وما فيها من أدب وفلسفة وفن) [22] .

ولو حاولنا استنطاق التاريخ عن بداية الحملة التغريبية على الأمة الإسلامية،

لجاءتنا الإجابة بارتباط حملة التغريب مع الاحتلال الإنجليزي لمصر؛ فقد أعد

الإنجليز أبواقاً لهم تنطق بالعربية؛ فكان نصارى العرب - وبخاصة الشام - أشهر

من شارك في تنفيذ هذا المخطط، وكانت مصر معدة أكثر من غيرها من الدول

العربية والإسلامية لقيادة خطط التغريب؛ ففي أوائل القرن العشرين كانت سمة

التفكير العام هي اتباع الأوروبيين في كل شيء [23] .

وقد ساعد على نجاح هذه الخطة انبهار المهزومين المغلوبين بالغالب القوي،

فهبُّوا يقلدون الغرب، وينادون بترك موروث العرب المسلمين.

ولخص الدكتور محمد محمد حسين برامج التغريب في قاعدتين ساسيتين:

الأولى: هي اتخاذ الأولياء والأصدقاء من المسلمين وتمكينهم من السلطة

واستبعاد الذين يعارضون مشاريعهم ووضع العراقيل في طريقهم وصد الناس عنهم

بمختلف الطرق، والقاعدة الأخرى: هي التسلط على برامج التعليم وأجهزة الإعلام

والثقافة عن طريق من نصبوهم من الأولياء، وتوجيه هذه البرامج لتطوير الإسلام، وإيجاد تفسير جديد له يخدم أهدافهم ويدعم صداقتهم) [24] .

والغريب أن طه حسين لا يداهن ولا يجامل في مسألة الدعوة إلى تقليد الغرب

والسير على خطاهم، وأخذ ما عندهم من خير وشر دون تمييز؛ فهو يقول تحت

عنوان: (وجوب الصراحة في الأخذ بأسباب الحضارة الأوروبية) : (وهي واحدة

فذة ليس لها تعدد وهي: أن نسير سيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها حلوها ومرها، ما يحب منها

وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب) [25] .

وفي كتابه: (مستقبل الثقافة في مصر) أصر كل الإصرار على أن مستقبل

الثقافة في مصر مرتبط بماضيها البعيد، ويدعي أن ماضيها مرتبط بالحضارة

اليونانية الأولى، وأن العقل المصري اتصل بالعقل اليوناني منذ عصوره الأولى

اتصال، تعاون وتوافق، وأنه: (إن تأثر بشيء فإنما يتأثر بالبحر الأبيض

المتوسط، وإن تبادل المنافع على اختلافها فإنما يتبادلها مع شعوب البحر الأبيض المتوسط) [26] ، وأن مصر أمة غربية وليست أمة شرقية، وأنها كانت غربية منذ عهد الفراعنة حتى اليوم، ولم تكن يوماً ما شرقية، ولم تطق أن تكون

يوماً ما شرقية [27] .

وهو يعني بالغرب أوروبا، ويعني بالشرق الهند والصين واليابان، ويتجنب

أن يذكر غيرها من الأمم إلا تلميحاً.

وقد كان طه حسين معجباً بفرنسا إعجاباً صوَّره بنفسه، ولو قاله غيره عنه

لما صُدِّق، فهو يقول: (كل شيء في فرنسا يعجبني، ويرضيني: خير فرنسا

وشرها، حلو فرنسا ومرها، نعيم فرنسا وبؤسها، كل ذلك يروقني ويلذني،

وتطمئن إليه نفسي اطمئناناً غريباً. إني لأحس نفسي تسبق القطار إلى باريس على

سرعة القطار) [28] .

وهذا الولاء والمحبة لفرنسا جعل من (الفكر الفرنسي بالنسبة لطه حسين أكثر

من مدرسة أو من مَعين، لقد كان جزءاً من حياته، وجزءاً من إنتاجه، حتى تكاد

تحسب من خلال قراءة ما كتبه عن فرنسا، وعن أرجاء فرنسا، وعن تاريخ فرنسا، ما يقنعك بأن هذا الأثر لا ينتجه إلا من كان فرنسياً فكراً وثقافة وإحساساً؛ فعلاقته

بالفكر الفرنسي ليست علاقة أخذ فقط) [29] .

ورافق هذه المحبة للغرب ولفرنسا بخاصة تبعية سياسية ودفاع عن الاستعمار؛ فبعد أن أوقعت فرنسا عدوانها على سوريا ولبنان، ويوم عقدت الجامعة العربية

دورتها الطارئة لمواجهة هذا الحدث أوائل عام 1945م، ووفدت وفود البلدان

العربية إلى مصر ومن بينها وفدان يمثلان سوريا ولبنان؛ وإذا الدكتور طه يقول

في مقال له: (إن تصرف المستر تشرشل مع الجنرال ديجول لم يكن ملائماً للتقاليد

الدبلوماسية؛ لأنه أعلن رسالته إلى الجنرال في لندن قبل أن تصل إلى الجنرال في

باريس، وأن هذا التصرف قد عقَّد الأمر بين الفرنسيين والبريطانيين) [30] .

ويعلق خليل تقي الدين على مقال الدكتور طه هذا بقوله: (إذن فلعينيك أيتها التقاليد

الدبلوماسية، وفي سبيلك يجب أن تُضرب دمشق إكراماً لعيون اللباقة والسياسة،

ولا بأس من تهديم بضع مئات من المنازل، وتقتيل بضع مئات من

الأبرياء

) [31] .

ولم ينس الغرب - والفرنسيون منهم بخاصة - هذا الولاء من طه حسين لهم، فأجزلوا له المكافأة، فكانت خطة توليه منصب مراقب الثقافة في وزارة المعارف

في مصر 1939م، ثم توليه المستشار الفني للوزارة 1942م، وأصبح بعد ذلك

وزيراً للمعارف 1950م [32] .

ومن محاولات تكريمه لقيامه بالدور الذي صنع لأجله، منحه الدكتوراه

الفخرية من جامعة ليون عام 1938م، وإعطاؤه نيشان اللجيون دونور من درجة

أوفيسيه، ثم توالت عليه الدكتوراهات الفخرية، فجاءته من جامعة مونبيليه

1946 م، وجامعة روما 1951م، وجامعة أوكسفورد 1950م وجامعة باريس 1950 [33]، وقرر د. ريمون فرنسيس في مقال له بعنوان:(طه حسين والأدب الفرنسي) قرر أن طه حسين خادم الفكتر المخلص العبقري

العظيم [34] .

وبإزاء هذا نجد أن اليهود قد لقوا عند طه حسين كل تقدير، فكتاب: (في

الشعر الجاهلي) ليس بحثاً علمياً كما يزعم طه حسين ولكنه كان يخدم زعماً عبرانياً

بعثه اليهود؛ إذ يزعم العبرانيون أنهم وحدهم ذرية إبراهيم، ولهذا نفى وجود

إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وقيامهما ببناء الكعبة، وعليه فليس لدين

إبراهيم عليه السلام نفوذ في العرب قبل الإسلام، فهم مدينون لليهود في

حظهم من الحضارة [35] .

بل إن الدكتور عبد الحميد سعيد أشار في مارس عام 1932م إلى أن طه

حسين كان يكلف بعض تلاميذه بأن ينقدوا بعض آيات القرآن الكريم يعيِّنها لهم،

ويطلب منهم إثبات هذا النقد في كراسات يتلونها عليه، وأنه - أي الدكتور عبد

الحميد - وجد في كراسة لأحد تلاميذه قولاً عزاه لطه حسين وهو: إشارته إلى أن

صلة النبي صلى الله عليه وسلم باليهود في المدينة قد أدخلت على عبارات القرآن

الكريم بعد الهجرة إلى المدينة ليونة ورِقَّة) [36] .

وأقام طه حسين محاضرات عديدة بعد عام 1935م تؤكد أن لليهود دوراً في

الحياة العربية، وفي تقديمه لأطروحة (إسرائيل) لولفنسون اليهودي، التي هي

بعنوان: (تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام) يقول طه:

(ليس من شك أن هذه المستعمرات اليهودية قد أثرت تأثيراً قوياً في الحياة العقلية

والأدبية للجاهليين من أهل الحجاز) [37] .

وقد لقي طه حسين من اليهود ما لقيه من الفرنسيين، فقوبلت محاضراته

وكتاباته بشيء غير قليل من الإطراء والإعلان؛ فقد علَّقت مجلة الشمس اليهودية

الصادرة في (7 يناير 1944م) على محاضرة ألقاها طه حسين في دار المدارس

الإسرائيلية بالإسكندرية؛ حيث تقول: (كانت محاضرة الدكتور طه عن اليهود

والأدب العربي آية على يقظة الشرق وعنايته بتراثه، ومظهراً عملياً من تعاطف

وتساند بين أبناء العروبة، وقد جاءت في الوقت المناسب تذكِّر بما كان لليهود في

العصور الخوالي من أيام بيضاء، وفضل عظيم في نشر النور والعرفان، وكانوا

الواسطة إلى نقل الثقافة اليونانية إلى الشرق كما نقلوا ثقافة العرب إلى

أوروبا) [38] .

وجعل اليهود في مصر طه حسين أحد المقربين لهم، فأوكلوا له رئاسة تحرير

(الكاتب المصري) التي صدرت في مصر سنة 1945م وكانت تُموَّل من قِبَلِ أسرة

هراري اليهودية، وشاركه كتَّاب يمالئون اليهود كتوفيق الحكيم، ولويس عوض،

وسهير القلماوي، وحسين فوزي [39] .

وفي مقابل هذا الولاء للغرب واليهود، وهذه المحبة الجياشة للفرنسيين

والحضارة الأوروبية، نجد الجفاء لكل ما يتصل بماضي الأمة العربية والإسلامية

وحاضرها، ونجد الحط من شأن العرب وثقافتهم؛ فطه حسين يطلب ممن يقرأ له

أن ينسى عروبته وإسلامه بذريعة البحث العلمي المجرد؛ حيث يقول: (يجب حين

نستقبل البحث عن الأدب العربي وتاريخه أن ننسى قوميتنا وكل مشخِّصاتها، وأن

ننسى ديننا وكل ما يتصل به، وأن ننسى ما يضاد هذه القومية، وما يضاد هذا

الدين

يجب ألا نتقيد بشيء، ولا نذعن لشيء إلا مناهج البحث العلمي

الصحيح) [40] .

ويطلب عزل الإسلام عن الحياة؛ لأن الأديان لا تضع أسساً للأخلاق

والأحكام مع بزوغ عصر النهضة الحديث؛ فالدين الإسلامي يجب أن يعلم فقط

باعتباره جزءاً من التاريخ القومي، لا ديناً إلهياً منزلاً بين الشرائع للبشر؛

فالقوانين الدينية لم تعد تصلح في الحضارة الحديثة أساساً للأخلاق والأحكام؛ ولذلك

لا يجوز أن يبقى الإسلام في صحيح الحياة السياسية، أو أن يتخذ منطلقاً لتجديد

الأمة؛ فالأمة تتجدد بمعزل عن الدين) [41] .

وهذه هي العلمانية التي تفصل الحياة عن الدين، وهذا أثر من الآثار التي

تركتها الثقافة الفرنسية في نفسه، وجعل يطبقها على الدين الإسلامي فيقول: (ومن

الذي يستطيع أن يكلفني أن أدرس الأدب لأكون مبشراً بالإسلام أو هادماً للإلحاد،

وأنا لا أريد أن أبشر ولا أريد أن أناقش الملحدين) [42]، ويقول أيضاً: (الأدب

في حاجة إذن إلى هذه الحرية، هو في حاجة إلى ألا يعتبر علماً دينياً ولا وسيلة

دينية، وهو في حاجة إلى أن يتحرر من هذا التقديس) [43] .

وازدراؤه لكل ما يمت للإسلام بصلة جعله يسلِّط مِعْوَل الشك على تاريخ الأمة

من غير تحقيق أو تمحيص، وإنما اتباعاً للهوى، وتقليداً للمستشرقين وأذنابهم؛

فهو يشك في كل ما روي من أحداث عصر الشيخين: الصدِّيق والفاروق - رضي

الله عنهما -[44] ، ويتهم الرواة الذين عن طريقهم وصلتنا السنة النبوية ووصلتنا

السيرة والتاريخ الإسلامي بأنهم: (يتكثَّرون في بعض الحديث، ويختلفون فيما

يتكثرون فيه باختلاف نزعاتهم السياسية) [45] .

وهكذا تجد جُلَّ بل كل ما كتبه رفعاً لشأن الأوروبي، وحطاً من شأن العربي

المسلم، لماذا؟ لأن المحبة القلبية لهؤلاء غلبت، فطغت، فأخرجت غثاءاً بَلْهَ

صديداً. يقول مصطفى صادق الرافعي - وقد صدق -: (فإنه - أي طه حسين -

لا يكتب ولا يفكر إلا لغرض واحد يبتغي له وسائله وأسبابه بكل ما استطاع وهو

توهين أمر الإسلام وصدْعه من مفاصله، وتفكيك العقد المحكمة التي يتماسك بها في

تاريخه، وناهيك به دائباً يجمع من هنا وهناك من أثينا إلى مكة

!) [46] .

(1) انظر: الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، للدكتور محمد البهي، 190 - 192.

(2)

الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، للدكتور محمد البهي: 190، 191 (بتصرف) .

(3)

المرجع السابق، 191، 192 (بتصرف) .

(4)

انظر: محاكمة فكر طه حسين، 183، 184.

(5)

المتنبي لمحمود شارك، 1/131/132.

(6)

المتنبي لمحمود شاكر: 1/135 (بتصرف) وانظر في قضية سطو طه حسين على كتاب محمود شاكر، مقدمة الأستاذ محمود شاكر لكتاب المتنبي: 1 /24-35، 131-135.

(7)

انظر: في الأدب الجاهلي لطه حسين: 69.

(8)

أنظر: المرجع السابق، 69، 70.

(9)

انظر المرجع السابق: 58-59.

(10)

انظر: المرجع السابق: 69-70.

(11)

انظر: محاكمة فكر طه حسين: 137.

(12)

هو الأستاذ الكبير محمود شاكر، وانظر:(طه حسين الجريمة والإدانة) : 4 والمتنبي لمحمود شاكر: 1/20.

(13)

طه حسين مفكر: 123.

(14)

انظر: مشكلات في طريق التربية الإسلامية: 52.

(15)

انظر: المرجع السابق: 51.

(16)

موقف مرجليوت من الشعر العربي لمحمد مصطفى هدارة ضمن أبحاث مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية: 1/398.

(17)

انظر: مشكلات في طريق التربية الإسلامية: 53.

(18)

طه حسين مفكرا: 171.

(19)

المرجع السابق: 171، وانظر حديث الأربعاء لطه حسين: 3/ 633، 637.

(20)

مستقبل الثقافة في مصر: 65.

(21)

طه حسين مفكرا: 171.

(22)

مستقبل الثقافة في مصر: 39.

(23)

انظر: مشكلات في طريق التربية الإسلامية، 58، 59.

(24)

أزمة العصر لمحمد محمد حسين: 105، 106.

(25)

مستقبل الثقافة في مصر: 54.

(26)

مستقبل الثقافة في مصر، 21، انظر: اتجاهات الفكر الإسلامي المعاصر للدكتور محمد بن صادق الجمال: 2/598.

(27)

انظر: المرجع السابق: 22-30، ثم انظر: نقد كتاب في مستقبل الثقافة في مصر لسيد قطب، 10-26.

(28)

طه حسين حياته وفكره في ميزان الإسلام: 50 وطه حسين الجريمة والإدانة: 48، وانظر إعجابه العميق بباريس فرنسا بكل ما فيها:(في الصيف) لطه حسين: 54-110.

(29)

طه حسين: الجريمة والإدانة: 48.

(30)

طه حسين حياته وفكره في ميزان الإسلام، 51.

(31)

المرجع السابق.

(32)

المرجع السابق، 83، 99.

(33)

انظر: طه حسين حياته وفكره في ميزان الإسلام: 86، 87.

(34)

طه حسين مفكرا: 8.

(35)

انظر: مشكلات في طريق التربية الإسلامية: 64، 65 وهذه الفكرة أشار الدكتور السيد أحمد فرج إلى أنه قد خطط لها من قبل مؤسسات ثقافية يهودية، مثل الذي كتبه، مارجليوث في الشعر الجاهلي.

(36)

انظر نص محضر الجلسة الرابعة والعشرين لمجلس النواب المصري (28 مارس 1932م) كتاب محاكمة طه حسين: 154، 155.

(37)

محاكمة فكر طه حسين: 268، وفي مقابل هذا الكلام يقول الدكتور فؤاد حسنين أستاذ اللغة العربية في جامعة القاهرة إبان وجود طه حسين فيها في قيمة هذه الرسالة:(ليس الأمر كما يعتقد المشرف أو يريد أن يعتقد، فهذه الرسالة التي أشرف عليها مشحونة بالأخطاء، فضلا عن أن المراجع العبرية لا تمت إلى البحث بصلة) طه حسين حياته وفكره: 68.

(38)

انظر: محاكمة فكر طه حسين: 270.

(39)

انظر: محاكمة فكر طه حسين، 274، 275.

(40)

في الأدب الجاهلي: 70.

(41)

انظر: مستقبل الثقافة في مصر: 25، 26 فهو يقرر فيها أن (وحدة الدين ووحدة اللغة لا تصلحان أساسا للوحدة السياسية ولا قواما لتكوين الدول) وانظر: نقد كتاب مستقبل الثقافة في مصر، لسيد قطب:16.

(42)

، (43) في الأدب الجاهلي: 60 (44) انظر: الشيخان: 6.

(45)

انظر الشيخان: 27.

(46)

تحت راية القرآن: 207.

ص: 124