المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌العادات بين طرفين - مجلة البيان - جـ ١٤٥

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌العادات بين طرفين

تأملات دعوية

‌العادات بين طرفين

محمد بن عبد الله الدويش

تنتشر العادات والتقاليد والأوضاع الاجتماعية في كثير من المجتمعات،

ويرتبط التمسك بها والإصرار عليها بمستوى ثقافة المجتمع وتعلمه، وبمدى الترابط

الاجتماعي فيه.

فالمجتمعات المتعلمة والمثقفة أكثر جرأة على تجاوز العادات والتخلي عنها من

المجتمعات الأمية، وتزداد الجرأة على تجاوزها كذلك كلما قلَّ الترابط الاجتماعي؛

فمجتمعات المدن أقل تمسكاً بها من البوادي والمجتمعات القبلية.

وحين تستقر هذه العادات والأوضاع لدى الناس ويتشربونها يقع الخلط بينها

وبين الأحكام الشرعية؛ وأبرز مثال على ذلك: العادات المرتبطة بقضية المرأة.

وقد يختلط الأمر على بعض الغيورين فيدافعون عن بعض العادات ويصرون

على التمسك بها والتشبث بها ظناً منهم بأنها جزء من الدين، والدين إنما مرجعه

الوحيان وما استُنبط منهما.

وثمة طائفة أخرى يهمهم شأن الإسلام، ويسعون إلى جعله مقبولاً بين

الآخرين، ومن ثَمَّ، فهم يسعون إلى أن يُبْعِدوا وينفوا عنه أي صفة من صفات

القصور والنقص؛ حتى ولو كان معيار القصور والنقص هو ما يراه رجال الغرب

الذي لا يدين بالإسلام.

ومن ثم يشن هؤلاء حرباً شعواء على العادات والأوضاع الاجتماعية لا لأنها

ليست من الدين، بل هي - لدى هؤلاء - تشوِّه صفاءه ونقاءه.

وكما أن حرص الطرف الذي يصر على التمسك بها والتشبث غير كاف في

سلامة موقفه؛ فحرص هذا الطرف أيضاً على إبراز الإسلام بصورة صافية لدى

الآخرين ليس كافياً هو الآخر.

والغلو ومجانبة الاعتدال في المواقف أياً كان اتجاهه أمر مذموم؛ فالوسطية

سُنَّةُ الله في خلقه وشرعه.

ومن ثَمَّ، فالإصرار على التمسك بالعادات والأوضاع الاجتماعية التي لم يأت

بها شرع منزل أمر مرفوض.

ويزداد الأمر رفضاً حين تخالف أدباً شرعياً، كالتعود على نمط من الضيافة

يدخل صاحبه في دائرة السرف، أو يُحمِّله فوق ما يطيق، ولو دُعي للإنفاق في

سبيل الله لما بذل عُشْرَ ذلك.

وفي المقابل ثمة عادات لم ينص الشرع على اعتبارها، لكنه مع ذلك لم ينص

على إلغائها؛ فالأمر فيها ليس منكراً يُغلَّظ فيه على صاحبه ويَشدَّد عليه، ما لم

يعتقد ارتباطها بشرع الله وينزلها منزلته.

والعجب أن طائفة ممن يبالغ في الوقوف ضد هذه العادات لا يجد غضاضة

فيما يسمى بالأعراف الدبلوماسية، والبروتوكولات الرسمية، وهي - في الأغلب

- تقليد ليس له مسوِّغ موضوعي، ومع ذلك يلتزم بها ويحافظ عليها، بل يعيب من

يخالفها ويتجاوزها؛ فلِمَ تكون عادات الساسة وبروتوكولاتهم جديرة بالاحترام دون

عادات رجال القبائل؟

ومن العادات والأوضاع الاجتماعية ما يندرج تحت باب الشيم ومعالي

النفوس؛ فهو مما ينبغي أن يُحافَظ عليه ويُرعى؛ فالإخلال به لدى أهله إخلال بالمروءة.

ومنها ما يندرج تحت مقاصد الشرع العامة كمحافظة المرأة على ما تقتضيه

آداب الشريعة، وتوقير الكبير وتقديره؛ فعدم نص الشرع عليه بخصوصه ليس

مسوغاً للتخلي عنه بحجة كونه عادة.

ص: 32

قضايا دعوية

سبق درهم مائة ألف درهم!

عبد الخالق القحطاني

من نافلة القول أن الدعوة إلى الله عز وجل من أجلِّ الأعمال وأشرفها؛

فهي مهمّة الرسل - عليهم الصلاة السلام - وقد خُصَّت بها هذه الأمة من بين سائر

الأمم من لدن آدم عليه السلام حتى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم.

غير أن الناظر إلى الساحة اليوم يجد انصرافاً - إن لم يكن إعراضاً - عن

هذه المهمّة العظيمة من قِبَلِ أناسٍ كان يُفترض فيهم أن يكونوا هم أهل الميدان

المنتظرين، وقادته المبرّزين.

هؤلاء الأفراد على مستويً عالٍ من التربية الإسلامية والفهم الصحيح،

ويجمعون إلى ذلك ذكاءاً وَقَّاداً ومعرفة بالعلوم الشرعية لا يستهان بها.

ولكنّ المعادلة غير المفهومة تنشأ عندما نرى هذه الفئة من المؤهلين تدير

ظهرها لهذه المهمّة -أعني الدعوة إلى الله- وتنشغل بما ينشغل به عامَّة الناس من

الانخراط في الوظيفة والعمل الدنيوي، وقد يجمعون إلى جانب انشغالهم ذاك توزيع

كتاب أو شريط إسلامي أو القيام بعمل دعوي محدد أيّاً كان - كأثرٍ من آثار الضغط

الذي تفرضه عليهم التربية التي تلقوها في سنين ماضية - ظانين بذلك أنهم قد أدّوا

ما عليهم تجاه الفكرة التي يحملونها.

هذا الفراغ الهائل الذي خلّفه هؤلاء النفر، دفع أناساً ممّن ليست لديهم الخبرة

الكافية ولم يبلغ علم أحدهم النصاب الشرعي [1]-وربما لم ينخرط الواحد منهم في

أي برنامج تربوي طيلة حياته - إلى أن ينزلوا إلى ميدان الدعوة وليس لديهم عُدَّة

سوى العاطفة الصادقة، والإحساس بالمسؤولية تجاه الدين الذي هم به يؤمنون.

إن هذه الصورة غير المتوازنة تثير في النفس الشعور بالأسى والإعجاب في

آن واحد:

- الأسى لواقع أولئك المتخلفين عن قافلة الدعوة مع قدرتهم وتمكنهم.

- والإعجاب بأولئك المتقدمين - على قلة بضاعتهم - وأذكر عن أحد هؤلاء

المتقدمين قوله لأحد الزملاء: (أنا قليل الفهم في العلم الشرعي؛ ولكنني أستطيع

أن أقف على باب المسجد وأوزّع على الناس أشرطة أو كتيبات، أليس الدال على

الخير كفاعله؟) لقد قلت في نفسي: هو - والله - أفقه من كثيرٍ ممن لديهم الكثير

من العلم الشرعي!

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سبق درهم مائة ألف درهم: رجلٌ له

درهمان أخذ أحدهما فتصدّق به، ورجلٌ له مالٌ كثير فأخذ من عرض ماله مائة

ألفٍ فتصدَّق بها) [2] .

وهكذا سبق درهم الفقير مائة ألف الدرهم التي للغني؛ لأنَّ الدرهم كان نصف

مال الفقير، ومائة ألف درهم كانت شيئاً من مال ذلك الغني.

وبالمثل حال أولئك النفر من الناس الذين يملكون قدرات ومواهب ولا

يستثمرون منها إلا النزْر اليسير يجعلونه لدعوتهم، وحال أولئك الذين ليس لديهم إلا

القليل من المعرفة والفهم ولكنهم قد بذلوه كله في سبيل دعوتهم؛ فإن درهم هؤلاء لا

شك يسبق دنانير أولئك المكدّسة!

فإلى إخواننا الذين هجروا الميدان قبل أن يلجوه، وظنّوا أنهم قد أدَّوْا ما عليهم

وزيادة، إليكم ما قاله أبو مالك رحمه الله: (كم من رجلٍ يرى أنه قد أصلح

شأنه، قد أصلح قربانه، قد أصلح همّته، قد أصلح عمله، يُجْمَع ذلك يوم القيامة

ثم يُضرَب به وجهه!) [3] .

قال - تعالى -: [وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم]

[محمد: 38] .

(1) أقصد بالنصاب الشرعي كل ما يلزم معرفته من الدين بالضرورة من أمور العقيدة والفقه ونحوها.

(2)

ترتيب أحاديث الجامع الصغير، عوني الشريف، المجلد الأول، كتاب الزكاة، باب الترغيب في الصدقة والنفقة، ح/28.

(3)

أين نحن من أخلاق السلف؟ جمع الجليل وعقيل، ص10.

ص: 34