المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رسالة من سفح الجبل - مجلة البيان - جـ ١٤٥

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌رسالة من سفح الجبل

نص شعري

‌رسالة من سفح الجبل

! ؟ [*]

جمال الحوشبي

مقاتل من الشيشان.. متوشّح سلاحه.. وعلى قسمات وجهه علامات الصمود

وآثار المأساة. رأيته يرفع يديه.. يناجي ربه بحرقة، ويسأله النصر على الأعداء

قبل أن ينطلق مع إخوانه على جبهة القتال، وعلمت أن له حكاية طويلة كغيره من

المجاهدين وأنه لو تملّك زمام الكلمة لأرسل رسالة إلى من وراءه يصوّر بها حاله

ويتأسى على من فقد من الأهل والولد.. فصوّرت رسالته بلسان حاله قائلاً:

سقى الله قومي بالغمام غواديا

وأغدق أرضي فوق تلك الروابيا

وأردفها شوقي لداري وصبيتي

وأهطل منها سكبة من مآقيا

ألا ليت شعري كم عزيز فقدته

وكم طلل في الحي قد بات خاليا

وكم لبيوت الله بعد خرابها

أبيّ يبيع النفس لله غازيا

ولله خِلوٌ كان يرعى شبابه

دهته قلوب ينتحبن بواكيا

فإذا المطايا يستبقن ركابه

وإذا المنايا يستحلن أمانيا

تقاطر جيراني فشدوا رحالهم

وآذنهم داعٍ إلى البين حاديا

وقالوا: هلم اليوم فالخطب نازل

فقلت: سيقضي الله ما كان قاضيا

فواللهِ! ما أرخيت للروس هامتي

وإنّي على المكروه صعْبٌ قياديا

وتاللهِ! لن أرضى لنفسي هوانها

فزادي كفاحي والظلام ردائيا

ولست بنَزَّال على الناس حاجتي

كفى بالذي أرجوه عوناً وهاديا

تولَّيت عنهم والظلام يلفني

وأمنع نفسي أن يزيد الهوى بيا

وليس الذي أشكوه أنِّي مهاجر

إلى الله؛ لكنْ من تركت ورائيا

صغاراً عن المكروه في حجر أمهم

وشيخاً بركن الدار قد بات ثاويا

أودعهم والعين تذكي دموعها

أصبّرهم والخوف ألَاّ تلاقيا

إذا عز في دارٍ مُقامٌ وعِشرةٌ

فجهّز لبين الدار إن شئت حاديا

فلا قرَّب الرحمن دار مذلة

ولا شق لي في لجة الضعف واديا

وجاوزت.. حتى لاح لي نار إخوتي

على جبل يؤوي الكماة الغوازيا

رقَيْت لهم والليل يرخي سدوله

وأنجمه في الأفق ثكلى كما هيا

فلما رأوني قام كلٌ يضمني

ويسألني عمن تركت ورائيا

وهل جزت في سَفْري الغداةَ ديارَهُ

وهل أهلهُ والدارُ سِلْمٌ كما هيا؟

ورحت أقوِّي عزمهم وجهادهم

وأتلو من القرآن آياً مثانيا

فما إن فرغنا من أداء صلاتنا

إذا بالرزايا ينتظمن عواليا

وإذا الشظايا مستطير شرارها

وإذا الجبال الصم دوت شواكيا

وحَلَّقتِ الأشباح فوق رؤوسنا

كغيلان ليل يستبقن عواديا

ركضت إلى كِنّ على جرف صخرة

لعل ظلاماً منه يخفي مكانيا

ولاذ سريعاً كل إلفٍ عرفتُه

وبات خيال الموت في السفح ثاويا

تذكرت أجدادي غداةَ تُخُرِّموا

فأشهرت رشاشي وزال الذي بيا

وصوبت مني طلقة بعد أختها

على طائرات الروس طلقاً مؤاتيا

وقلت: إلهي لست أرمي رصاصتي

فأنت الذي ما زلت يا رب راميا

وأنت ترى ما يصنع الكفر بيننا

وأسْلَمَنا حتى الأعزُّ مواليا

ودوى ضجيج هالني بُعدُ ضوئه

ينوِّر من أضوائه تلك واديا

وكبَّر إخواني فأيقنت أنني

غداة دعوت الله لبَّى دعائيا

وأن انتصاري ليس في جنب قوتي

ولكن لأن الله يخزي الأعاديا

فقولوا لمن قد باع بالرخص دينه:

أجيبوا امرأً للعز والمجد داعيا

وحَتَّامَ لا ترعون عهداً وذمة

ألم تعلموا يا إخوة الدين ما بيا؟

وربي دهانا الروس لما رأوكمُ

نياماً وأمري عنكمُ بات نائيا

وردنا حياض الموت كُرْهاً وأنتمُ

وردتم على اللذات واللهو ناديا

وبأسكمُ يا قوم بين صفوفكم

ونيرانكم تُصلون فيها المواليا

فعودوا

لعل الله يكشف ما بنا

وتوبوا.. تروْا نصر المهيمن دانيا

(*) المرجع: (كتاب: الشيشان صقور الجبال البيضاء) من إصدارات دار الأندلس الخضراء، جدة.

ص: 38

وقفات

كيف نخاطب الجماهير..؟

أحمد بن عبد الرحمن الصويان

درج عدد كبير من رموز الصحوة الإسلامية على مخاطبة الجماهير من خلال

المنابر المختلفة، ووجد كثير منهم - ولله الحمد - إقبالاً واسعاً، والتفَّت الجموع

بين أيديهم، وهذه نعمة عظيمة يفتقدها كثير من رموز الفكر والأدب والثقافة

الآخرين. ولهذا أحسب أنَّه من الواجب على الإسلاميين إعادة النظر في طروحاتهم

وطريقتهم في الخطاب وتقويمها، لتحصيل أعلى المصالح ودرء المفاسد قدر

الإمكان، والاستفادة من التجربة الماضية. وهاهنا أمور أرى أنه ينبغي مراعاتها

في هذا الأسلوب أضعها بين أيديكم للحوار وتبادل الرأي حولها:

أولاً: الإيمان بالهدف:

مرَّ على الناس في العصور التاريخية المختلفة عدد من المصلحين والمفكرين

ودعاة التغيير، سواء أكانوا من المسلمين أم من غيرهم. وبتتبع سيرهم وأخبارهم

نجد أن صلة الجماهير بهم تزداد وترسخ مع الوقت إذا اطمأنوا إلى صدقهم وجديتهم

وإيمانهم العميق بأهدافهم التي ينادون بها، واستعدادهم القوي على تحمل تبعات تلك

المبادئ، والتضحية من أجلها. وفي المقابل نجد أن الجماهير تنفضُّ وتتفلت من

تلك الرموز إذا رأت فيها العجز والهوان، أو أحست ضعف مصداقيتها وجديتها،

وقديماً قال الرافعي: (رؤية الكبار شجعاناً هي وحدها التي تخرج الصغار شجعاناً،

ولا طريقة غير هذه في تربية شجاعة الأمة) [1] .

ثانياً: الحذر من الخيلاء وحب الرياسة:

محبة الناس للمصلح وتجمُّعهم بين يديه فتنة عظيمة قد تطغى على بعض

النفوس الضعيفة، وتُنبت فيها الخيلاء والاستكبار وحب الرياسة، وتصرفها عن

كثير من معالي الأمور. وكم من الرموز التي تساقطت ولفظتها الجماهير، أو

تناستها، حينما غلبت عليها تلك الشهوة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(ما ذئبان جائعان أُرسِلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال

والشرف لدينه) [2] .

ولهذا قال ابن تيمية: (كان شداد بن أوس يقول: يا بقايا العرب، يا بقايا

العرب، إنما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية. قال أبو داود صاحب السنن:

الشهوة الخفية: حب الرياسة. وذلك أن حب الرياسة هي أصل البغي والظلم) [3] . وقال أيضاً: (وكثيراً ما يخالط النفوس من الشهوات الخفية ما يفسد عليها تحقيق

محبتها لله وعبوديتها له) [4] .

وملاحظة النفس ومراجعتها من أعظم أبواب المجاهدة التي ينبغي للمرء أن

يأخذ بها، والغفلة عن ذلك قد تؤدي إلى الزلل، ومن تعلَّق قلبه بحبِّ الظهور

صغرت نفسه، وغلبت عليه الأهواء الشخصية وتردَّى في سلسلة من الانحرافات

التي تزيد بزيادة تلك الآفة القلبية، وما أحسن قول الرافعي: (إذا أسندت الأمة

مناصبها الكبيرة إلى صغار النفوس كبرت بها رذائلهم لا نفوسهم) [5] .

ثالثاً: الحذر من الانسياق الأعمى خلف العامة:

حينما يتصدر المرء لمخاطبة الجماهير قد يقع - من حيث لا يشعر! - في

دائرتهم، فيقودونه ويدفعونه لمحبوباتهم، ويزداد تأثره بمشاعرهم الجياشة عند كثرة

الهتاف والتصفيق، وتأخذه النشوة بكثرة الحشود؛ ومعلوم أن نسبة كبيرة من أولئك

العامة لا ينظرون إلى أبعد من مواقع أقدامهم، ولا يحيطون بكثير من التداخلات

الفكرية والسياسية، ولا يَزِنون ردود الأفعال بالموازين العلمية.

وأحسب أن التأثر بالجماهير نوعان:

الأول: التأثر الإيجابي:

وهو في غاية الأهمية؛ لأنهم يشعرون بالتفاعل والاهتمام، ويحسون بأهمية

آرائهم، وقيمتهم المعنوية، كما يحسون بدورهم في البناء والتغيير، ممَّا يزيدهم

ارتباطاً بدعاة الإصلاح، ويحفزهم إلى المزيد من التجاوب والتعاون.

الثاني: التأثر السلبي:

حيث ينساق المرء وراء عواطفهم، ويقع في شراكهم، ويصبح برنامجه

الإصلاحي مرتبطاً برغباتهم، وخطته العملية متأثرة بأهوائهم، وتكون النتيجة أن

الجماهير هي التي تقوده، وهو يحسب أنه يقودهم..! !

رابعاً: الدقة في الخطاب:

الخطيب الذي يتصدر لمخاطبة الجماهير لا يسلم من الخطأ والزلل، حاله

كحال غيره من المتحدثين، (وليس صنف من الناس إلا وله حشو وشوْب)[6] .

ولكن خطأ الخطيب يكون على رؤوس المنابر يسمعه الناس كبيرهم وصغيرهم،

وقد يطير خطؤه في الآفاق. وبعض أصحاب النفوس المريضة يكون همه أن

يتصيد العثرات، ويتسقَّط الزلات، وتكون فاكهته التي يتندر بها ويفرح، ولهذا قال

عمر بن الخطاب: (ما كانت على أحد نعمة إلا كان لها حاسد، ولو كان الرجل

أقوم من القدح لوجد له غامزاً) [7] . ولمَّا قال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد!

إنَّ هاهنا قوماً يحضرون مجلسك ليتتبعوا سقط كلامك! فقال الحسن: (يا هذا!

إني أطمعت نفسي في جوار الله فطمعت، وأطمعت نفسي في الحور العين فطمعت، وأطمعت نفسي في السلامة من الناس فلم تطمع، إني لمَّا رأيت الناس لا يرضون

عن خالقهم علمت أنهم لا يرضون عن مخلوق مثلهم) [8] .

إنَّ على من يتصدر لمخاطبة الناس أن يعتني بما يصدر عنه اعتناءاً شديداً،

وينتقي عباراته انتقاءاً دقيقاً، ويحرص حرصاً كبيراً على أن يخرج كلامه بدقة

وإتقان، حتى ينفع سامعيه ويسد - قدر الطاقة - منافذ الهوى عند بعض الناس،

ومع ذلك كله لن يسلم أحد من الخطأ مهما بلغ حرصه، ويعجبني المتحدث الذي

يملك الجرأة والشجاعة على مراجعة أقواله، ويوضح ما استشكله الناس عليه،

ويعترف بخطئه إن كان ثمة خطأ.

(1) مجلة الرسالة العدد (94) محرم 1354هـ.

(2)

أخرجه: الترمذي في الزهد (4/508) رقم (2376) ، وقال حسن صحيح وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (5496) .

(3)

شرح حديث أبي ذر (ص25)، وانظر: رسالة في التوبة ضمن جامع الرسائل (1/ 233) .

(4)

الفتاوي (10/215) .

(5)

مجلة الرسالة العدد (84) ذو القعدة 1353هـ.

(6)

تأويل مختلف الحديث (ص54) .

(7)

بهجة المجالس وأنس المجالس، لابن عبد البر القرطبي (1/406) .

(8)

تبيين كذب المفتري، لابن عساكر (ص422) .

ص: 40