الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شئون العالم الإسلامي ومشكلاته
الشيخ حسن خالد وأهل السنة في لبنان
خسارة كبيره تعرض لها أهل السنة في لبنان بمقتل الشيخ حسن خالد الذي
كان الرمز المتبقي لهم في بلد تسوده شريعة الغاب، بل أسوأ من ذلك، خمسة عشر
عاماً والبلد يغرق في الدماء، ولا أحد يريد أن تتوقف هذه الوحشية في التعامل،
ولا أحد ينبض له عرق من الإنسانية لوقف هذا النزيف.
كانت دار الفتوى هي ملجأ الجميع في بيروت، وكان الشيخ يداور ويتلطف
ليبقى لأهل السنة بعض الخيوط التي يستطيعون التمسك بها في أجواء (المليشيات)
وزعماء الأحياء و (الحارات) .
إن الطوائف الأخرى في لبنان ومن يساعدهم يستعملون مع أهل السنة المثل
القائل: (استضعفوك فأكلوك) فأهل السنة هم الوحيدون الذين ليس لهم مليشيات،
وهم الوحيدون الذين لا يفرضون (الخوة) و (البلطجة) على رقبة الشعب المسكين،
ولذلك أصبحوا طعمة لكل طامع، ووسيلة لتفجير الأوضاع وعدم استقرارها، فإذا
ما هدأت الأمور أو في طريقها إلى الهدوء وظهر في الأفق بعض المبشرات فإن
الضحية والتجربة هم (أهل السنة) ..
وقد يقال: ولماذا لا يكون لهم قوة تردع من يعتدي عليهم؟ هذا سؤال يوجه
إليهم ونحن لا نريد تبرير تصرفاتهم، ولكن حتى في الوقت الذي كان عندهم بعض
القوة - على خلل وضعف - ضربت هذه القوة من الطوائف الأخرى.
كان الشيخ حسن خالد رحمه الله ذا شخصية هادئة، يريد الخير للبنان، وليس
عنده ما يخيف، فلماذا قتلوه؟ طبعاً لأنه ليس وراءه أحد، وبقتله تتفجر الأوضاع
وتستمر في طريقها المسدود، وأيضاً يستريحون، من شخصية كبيرة تقبل الحوار
لإنقاذ لبنان، كما استراحوا من الشيخ صبحي الصالح رحمه الله، الذي لم يكن عنده
مليشيات ولا عصابات، ولم يتحزب يوما مع أحد.
إن الأعداء يعلمون وإسرائيل تعلم أن أهل السنة هم في النهاية الذين يتصدون
لكيد اليهود في فلسطين، أو كيد الشيوعية في أفغانستان، ولهذا هم المستهدفون
دائماً، والكيد والحقد موجه لهم دائماً، وإنها شنشنة نعرفها من أخزم
…
أزمة ديون العالم الثالث
التاريخ يعيد نفسه
إن أسباب أزمة ديون العالم الثالث لم تتغير منذ مائة عام، تبدأ المشكلة بتهالك
دائنين شرهين على الإقراض، وحرص منهم على مد السكك الحديدية في
الصحاري المترامية الأطراف، وإقامة مصانع في الأدغال، هذا من جهة؛ ومن
جهة أخرى حكام دكتاتوريون يجمعون بين الفساد والجهل، تنفتح شهيتهم وشراهتهم
إلى القروض، فيحولون قسماً كبيراً منها إلى جيوبهم، أو يعيدون قسماً آخر منها
إلى حساباتهم في البنوك الغربية، وبعد وقت قصير يحين موعد تسديد هذه الديون،
وهنا تبدأ الأزمة.
وهكذا كانت بداية مثل هذه الأزمة في الثمانينيات من القرن الماضي عندما
حدث ما اصطلح على تسميته بأول أزمة ديون عالمية، وذلك بعجز الدولة العثمانية
عن تسديد ديونها المستحقة، وإعادة المفاوضات بشأنها.
وهاهي الأزمة تعيد نفسها في الثمانينيات من هذا القرن، حيث أقرض الغرب
المكسيك والبرازيل وفنزويلا وغيرها من دول العالم الثالث المفلسة التي اعتادت
الاقتراض، واستحلت طعمه.
إن ما يمكن تعلمه من دروس التاريخ العثماني؛ هو أن علاج بعض المشاكل
قد يزيدها تفاقماً وسوءاً. فالدولة العثمانية نقلتها مشكلة الديون من كونها (رجل
أوربا المريض) إلى أن تصبح (رجل أوربا الميت) ، ولم تفلح جهود الأوربيين
في إحياء الجثة إلا في خلق مشاكل جديدة.
وفي هذه الواقعة التاريخية فائدة وعبرة لوزير الخزانة الأمريكي (نيقولاس
بريدي) الذي يحاول أن يصوغ خطه لتخفيف ديون العالم الثالث، بينما كان سلفه (جيمس بيكر) مصراً على تسديد المقترضين (المفلسين) ديونهم بكاملها دون نقصان. أما الآن فإن بريدي يقترح أسلوباً أكثر ليونة وذلك بالتنازل عن جزء من هذه الديون.
إلا أن التجربة العثمانية لا توحي بأن أي من الحلين يمكن تطبيقه بسهولة!
فإذا لجأنا إلى خيار (بيكر) فإن ذلك يتطلب من المقرضين التدخل بشكل سافر
في إدارة اقتصاد الدول المقترضة.
وإذا لجأنا إلى خيار (بريدي) فإن ذلك سيؤدي إلى انهيار سمعة الدول
المقترضة أمام العالم، وفقدان الثقة بها، كما حصل لسمعة الدولة العثمانية بعد عام
1875م.
وقد لاحظ (برنارد لويس)[1] أن الشيء الذي لم يتغير خلال قرن من
الزمن - رغم كل التغيرات التي حصلت - هو جهل المستدينين وجشع الدائنين.
وقع العثمانيون أول الأمر تحت وطأة الديون لأسباب تشبه كثيراً أسباب
استدانة دول العالم الثالث، وهي في شراء أسلحة (عصرية) ، فعندما وقعت حرب
القرم عام 1854 لم يكن على العثمانيين ديون تذكر، ولكن السلطان عبد المجيد
الذي كان حريصاً على مساعدة بريطانيا وفرنسا ضد روسيا أصدر مرسوماً يسمح
فيه للخزينة باقتراض 3 ملايين جنيه، وكانت تلك بداية نهم لا يشبع من قبل
الأتراك إلى الأموال الأجنبية، وذلك ببيعهم سندات ديون إلى مستثمرين أوربيين
خصوصيين، وغدا الاقتراض من الخارج لديهم عادة روتينية سهلة.
كتب المؤرخ البريطاني اللورد كنروز عن تلك الفترة من التاريخ العثماني
يقول: (أصبح الاقتراض من البنوك الغربية غاية في السهولة، فقد كان
…
المستثمرون الأوربيون يتفاءلون خيراً بما يردهم من تقارير مشجعة حول المصادر الطبيعية الضخمة في تركيا، ولكنهم تناسوا حقيقة عجزها عن استثمار تلك الموارد، وقصورها الفادح في تسيير المسائل المالية) .
وكان لدى العثمانيين مرض آخر معروف لدى العالم الثالث، وهو نزعة القادة
إلى إنفاق الأموال الطائلة من مال الشعب على أنفسهم ومصالحهم الخاصة، وقد
تفاقم هذا الأمر باعتلاء السلطان عبد العزيز العرش عام 1861م، فقد كتب السير
إدوين بيرز في الكتاب السنوي لعام 1917:
(كانت الإدارة المالية فاسدة تماماً، حيث لم يكن يصل إلى خزينة الدولة من
أموال الضرائب إلا 40 بالمائة) .
وطوال فترة حكم عبد العزيز كانت الديون العثمانية تتراكم، فقد ارتفعت من
(3)
ملايين جنيه عام 1845م إلى حوالي (200) مليون جنيه عام 1875 وقد انهار
هذا الهرم غير الطبيعي من الديون فجأة في 6 أكتوبر من تلك لسنة عندما عجز
العثمانيون عن الوفاء بالتزامهم للدائنين! فأعلن الباب العالي أنه سيدفع نصف
الفوائد، وتعهد بالتزامات جديدة تغطي الباقي.
وكما لاحظ كنروز فقد كان هذا عجزاً حطم سمعة الحكومة العثمانية في
الخارج، وهكذا بعد دمار رصيدها وتخبط اقتصادها في براثن الفساد عجزت الدولة
العثمانية ثانية عن الوفاء بالتزاماتها المعدلة، وانتهى الأمر بالسلطان عبد الحميد أن
ألقى السلاح، ووافق على قيام مجلس مشترك: عثماني - أوربي للإشراف على
تسديد الديون.
وكان أن فقد العثمانيون التحكم المستقل باقتصادهم، وسمحوا للتدخلات
الأجنبية فيه، فأصبحت مواردهم الطبيعية رهينة بيد القوى الأجنبية، يساعدها
عملاء محليون وطابور خامس من اليونان والأرمن، وقد كانت الاضطرابات
السياسية والاجتماعية الناجمة عن ذلك من أهم الأسباب التي ساعدت على ظهور
حركة (تركيا الفتاة) وزوال الإمبراطورية إلى درجة يمكن معها التأكيد بأن الديون
أدت إلى خنق العثمانيين.
دافيد أغناطيوس / الغارديان ويكلي 15 / 5 / 1989 م
(1) مستشرق أمريكي مشهور متخصص بشؤون العثمانيين.
الشيخ سياف يرد على الحملة الإعلامية
التي تشن على المجاهدين العرب
دأبت بعض الصحف الغربية في الآونة الأخيرة على إثارة الفتنة والضرب
على وتر العصبية المنتنة، فراحت تكتب وتحاور الأفراد من داخل أفغانستان حول
ما أسمته (العرب والوهابية) وربما يكون قد تجاوب معها بعض الجهلة المتعصبين
فراحوا يرددون هذه العبارة لإبعاد الأخوة العرب الذين يشاركون في الجهاد الأفغاني.
والأخوة العرب ومن شتى الأقطار العربية يفخرون إذا كانوا يتبعون منهج
أهل السنة، منهج السلف، وهي ظاهرة طيبة بين صفوف الشباب الإسلامي في
هذا العصر، وليس هناك شيء اسمه (الوهابية) وإنما هناك مصلح مجدد اسمه
محمد بن عبد الوهاب، كأي مصلح إسلامي أراد العودة إلى منابع الدين الصافية،
والذين يرددون هذه الكلمة ويعتبرونها تهمة معروفون في العالم الإسلامي. إن
هؤلاء الأخوة العرب ليعتبرون الإمام أبا حنيفة من أئمة أهل السنة، وهذا الإمام له
مواقف رائعة في الدفاع عن السنة ومحاربة المبتدعة الذين انشقوا عن أهل السنة
وكتب الأحناف مملوءة بالتحذير من الباطنيين.
وندعو إخواننا العرب أن ينتبهوا لهذه المكيدة، ويذكروا الناس الذين لا
يعلمون بكتاب (الفقه الأكبر) للإمام أبي حنيفة وكتب أبي يوسف ومحمد ابن الحسن، والطحاوي في الدفاع عن السنة.
وقد تنبهت -والحمد لله -وكالة البنيان الصحفية لهذا الأمر فسألت الشيخ
السياف رئيس وزراء أفغانستان عن هذا الموضوع، وذكرت مقتطفات من أقواله،
ونحن ننقل هذه المقتطفات كما جاءت رداً على مثيري الفتنة والتفرقة.
(في تصريح خاص لمجلة البنيان الناطقة بالعربية رد رئيس حكومة
المجاهدين المؤقتة الشيخ عبد رب الرسول سياف على الحملة الشرسة التي تشنها
في هذه الأيام وسائل الإعلام الغربية وخاصة إذاعة ال بى بى سي ضد المتطوعين
المسلمين الذين يعملون في الساحة الأفغانية. فقال: إن الدنيا بأسرها قد تكالبت
على أمتنا الإسلامية وأن أعداء الإسلام يتضايقون من أي مظهر يدل على وحدة
الإسلام والمسلمين) . وأضاف سياف: (لقد جعل الله الجهاد الأفغاني سبباً من
أسباب تجمع بعض أبناء أمتنا الإسلامية المخلصين الذين توافدوا إلى خنادق القتال
من شتى أقطار العالم الإسلامي والتحموا كتفاً لكتف ودماً لدم، وأصبحوا صفاً واحدا
في مقابلة من يريد اجتياح أمتنا الإسلامية واستئصال شأفتها وعقيدتها من جذورها) .
ثم تحدث الأستاذ سياف عن دور المتطوعين من المسلمين في الجهاد الأفغاني
فقال: لقد كان لهؤلاء الغرباء القادمين لمساعدة إخوانهم الأفغان والوقوف بجانبهم
أطيب الأثر في رفع الروح المعنوية لدى المجاهدين حيث شكلوا بتواجدهم نموذجاً
مصغراً للوحدة الإسلامية وجنسيتها (لا إله إلا الله محمد رسول الله) .
ثم عرّج الشيخ سياف على ما ينشره الإعلام الغربي من تهم وأكاذيب باطلة
حول هؤلاء المتطوعين قائلاً: لقد أغاظت الوحدة الإسلامية هذه قلوب أعداء
الإسلام وضاقت بها صدورهم فلم يستطيعوا تحملها وبدءوا بإعلان حربهم الشعواء
بشتى الوسائل والأساليب، وها نحن نسمع أبواق الكفر والمنافقين تتحدث عن
هؤلاء الأخوة الذين سارعوا لخدمة هذا الجهاد ودعم إخوانهم المجاهدين وتتهمهم
وتطعن فيهم وتختلق عليهم الكذب والأقاويل.
وأردف سياف يقول: إن هدفهم الرئيسي من وراء كل هذا هو إحداث فجوة
بين أبناء الشعب الأفغاني المجاهد المسلم وبين إخوانهم في الله والعقيدة، ويهدفون
كذلك إلى النيل من طريق إعادة وحدة الأمة الإسلامية وتفريغ الساحة للمؤسسات
الكفرية والإلحادية حتى تنفرد بالإفساد داخل ساحات أفغانستان في المستقبل القريب
باسم بناء وتعمير أفغانستان.
وتحدث الشيخ سياف عن الأنصار العرب فقال: إن هؤلاء لم يدخروا من
الدنيا شيئاً بل باعوا دنياهم من أجل الدفاع عن دينهم وعن عقيدتهم وإيمانهم والذود
عن أعراض هذه الأمة وحرماتها، وبدأت أبواق الخبث والعفن تتهم إخواننا
المتطوعين العرب بأنهم، يحاربون مذهب أهل البلاد وأنهم كذا.. وكذا وكل هذه
الأمور لا أساس لها من الصحة ولا رصيد لها من الواقع. وأن استشهاد العديد منهم
لأصدق دليل على أنهم جاءوا ابتغاء مرضاة الله. وأن هذه الحملة الإعلامية الشرسة
التي تشن ضد إخواننا الأنصار الذين نعتبرهم أفلاذ أكبادنا وهم أغلى من في
الأرض من بني البشر الأحياء، كما نعتبرهم أصدق نماذج في ساحة الأخوة
الإسلامية.
ثم خاطب سياف الأنصار بقوله: (أطمئنكم بأن الأفغان متنبهون إلى هذا الأمر، ويعرفون حقائق هذه الحملة البشعة، فواصلوا عملكم بكل ثقة واطمئنان،
وواصلوا مسيرتكم في درب الجهاد درب العزة، ولن نسمح لهم بأن يفرقوا بيننا) .
لمحات عن إندونيسيا
تشكل جاوة وسومطرة جزيرتين اثنتين من الجزر ذات الجمال الطبيعي التي
تكون جمهورية إندونيسيا البالغ عددها (13660) جزيرة (خمس جزر رئيسية،
وثلاثون أرخبيلا) ، ومساحتها (2) مليون كيلو متر مربع، وفيها مائة بركان نشط
تخرج منها الأبخرة والغازات، ويبلغ عدد السكان (180) مليون، وبهذا التعداد
تمثل إندونيسيا خامس أكبر دولة في تعداد السكان في العالم بعد الصين والهند
والاتحاد السوفييتي، والولايات المتحدة.
وتمتد جزر إندونيسيا عبر (3200) ميلاً من المياه فاصلة المحيط الهندي عن
المحيط الهادي، وقد استغل المستعمرون الهولنديون إندونيسيا لمدة تقرب من
(350)
سنة، ولكنهم لم يوحدوا الجزر تحت إدارة مركزية مطلقاً، لذا فعندما نالت
إندونيسيا استقلالها سنة 1949م لم ترث حكومة موحدة ولا هوية وطنية واحدة.
الشعار الوطني (الوحدة في الاختلاف) هو شعار صنع في القرن الخامس
عشر، يصف حالة البلد اليوم بشكل ملائم، وتحوي التشكيلة الإندونيسية:
الجاويبين شديدي التهذيب، والسندانيين عديمي الاهتمام، الباليين البوجيين
الملاحين، والمندانيين الصناعيين، وبقايا من البرتغاليين الذين احتلوا البلاد عام
1510 م.
بحلول سنة 1965 كانت إندونيسيا الفتية تغرق بسبب التبذير الوطني
والإفراط السياسي من قبل الرئيس الأول (سوكارنو) وكانت البلاد تنجرف نحو
سيطرة الحزب الشيوعي الإندونيسي، أكبر حزب شيوعي في العالم خارج الصين
والاتحاد السوفييتي، فتحرك (سوهارتو) بسرعة فنحى (سوكارنو) وسيطر على
مقاليد البلاد، وكان أول عمل قام به حل الحزب الشيوعي مما أدى إلى ملاحقة
الشيوعيين وقتلهم، وكان عدد كبير من القتلى من الصينيين، وبعد مضي أربع
وعشرين سنة مازالت المدارس الصينية والأحزاب الصينية محظورة، وقد جمع
حكم (سوهارتو) بين التهذيب والمكر والقبضة الحديدية. فقد حل الأحزاب العنيدة،
وفتح أبواب إندونيسيا للمعونة الخارجية والاستثمار، وفي السبعينات بدأ الانتعاش
بسبب البترول (يقدر احتياطي إندونيسيا المعروف من البترول تسعة ملايين برميل)
واليوم تلتف الطرق الحديثة حول الجبال وعبر الأدغال في سومطرة وسليبي، وفي
إيريان وتنتشر الآن حوالي 136 ألف مدرسة ابتدائية جديدة عبر القرى البعيدة،
وقد تضاعف إنتاج الأرز، وتوجد مشاريع صناعية ضخمة في البلاد، مثل منشآت
الغاز الطبيعي.
إن أربعاً وعشرين سنة تعتبر طويلة بالنسبة للتاريخ السياسي الساخن لآسيا
الاستوائية، ويتساءل الكثير: ماذا سيحدث بعد سوهارتو؟ في الانتخابات
الإندونيسية سنة 1987 فاز حزب سوهارتو السياسي المدعوم من الجيش بـ 73% من مقاعد مجلس الشيوخ ثم عين سوهارتو مائة ضابط في الجيش في ذلك المجلس، كما عين كل أعضاء مجلس الشورى الوطني الخمسمائة، ثم انتخبه المجلسان
للمرة الخامسة كرئيس لفترة خمس سنوات، ويعتبر الرئيس الحالي كبيراً جداً في
السن إلا أنه يواجه تحديات لم يواجهها من قبل فمعدل دخل الفرد بقي (350)
دولارا في السنة، وهذا دون مستوى معدل دخل الفرد في الفلبين،. ويبلغ عدد
العمال في وظائف دون مستواهم 40% وينضم إلى العمال سنويا مليونا عامل جديد، ومع زيادة عمليات الاقتراض زادت الديون وزاد الفساد من المشاكل الاقتصادية
حيث تنتشر الرشاوى والعمولات العالمية المعقدة، ومن خلال شبكة من الاحتكارات
يتحكم الإندونيسيون الصينيون باستيراد العديد من السلع الرئيسية، محققين مكاسب
كبيرة لأنفسهم وأنصارهم، وتعتبر عائلة سوهارتو وأقاربه المختلفين ومساعديه من
المستفيدين.
وفي نقاش لي مع الرئيس (سوهارتو) نفسه تحدثت فيه عن الفساد الموجود
وعن استفادة عائلته وأصدقائه من وجوده في الحكم رفض الاعتراف بشيء من هذا، وقال: إن من يقول هذا ينظر للأشياء بعين واحدة مغلقاً الأخرى. فأجبته:
بالطبع يا سيادة الرئيس لكنك كجندي سابق تعلم انك يجب أن تغلق عيناً عندما
تصوب على الهدف. فأجابني ببرود شديد: حتى لو أغلقت عيني الاثنتين فإني
مازلت أستطيع إصابة الهدف.
ويقطن العاصمة جاكرتا ثمانية ملايين شخص، وفيها المباني الحديثة والفنادق
والسفارات بالإضافة إلى الأعشاش والبيوت والأحياء القديمة الفقيرة.
وتعتبر جاوة من أكثر المناطق القروية كثافة سكانية في العالم، ويعمل حوالي
نصف سكان جاوة بالزراعة، حيث يمتلك ثمانون بالمائة منهم أرضاً لا تكاد تكفي
لسد رمقهم،. وقد أعادت الحكومة إسكان أكثر من 700 ألف عائلة ضمن المشروع
الحكومي للهجرة - الداخلية من المناطق المكتظة بالسكان- إلى حوالي 600
مستوطنة في الجزر البعيدة.
إن تسعين بالمائة من السكان مسلمين، وأشدهم تمسكاً بالإسلام (الأسهيون)
الذين يقطنون السهل الساحلي شمال سومطرة، فقد أعلنوا الجهاد ضد حكومة جاكرتا
عام 1953 ولم تهداً الحرب إلا بعد أن اعترفت الحكومة بنوع من الاستقلال
الداخلي وتطبيق الشريعة الإسلامية، وأشد الأقوام بدائية يتواجدون في إقليم (دامينا)
وينتمون إلى قبيلة ماسكونا، وأرضهم عبارة عن أدغال لا يمكن عبورها تتخللها
محاجر كلسية، ووهاد ضيقة، وقد خاضت قبيلة (الماسكونا) لعشر سنوات خلت
حروباً قبلية عنيفة وقتلوا كل أجنبي تجرأ على تحدى حرمة أراضيهم، إن الطريق
الوحيد للوصول إلى هذه القبيلة هو عن طريق الجو، وهكذا جاء المبشرون
بالنصرانية، وقد وجدت هناك أمريكيين من الكنيسة الإنجيلية يدرسون اللغة القبلية، وعندما سألت شاباً من القبيلة: كيف تعرفت الدولة عليكم، أجابني بقوله: جاءوا
منذ ثلاث سنوات وأخبرونا ألا نستقبل المنصرين، وعندما سألته إن كان يعرف من
هو رئيس إندونيسيا، قال بسرعة (باك سوهارتو) و (باك) تعني الأب، ثم قال:
إنه الكبالا الكبير، والكبالا تعنى رئيس القبيلة.
عن مجلة ناشيونال جيوغرافيك يناير 1989