الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد اتهامه بالضلوع في المقاومة ضد العدو المحتل
الأسير المحرر مهدي جعرور يروي تجربته الفظيعة داخل السجن
معتصم الميناوي
عكّر السجان صفو حياتهم.. جردهم من فكرهم وقدرتهم على الوقوف من جديد، سرق منهم إحساسهم الجميل بالوجود، علمهم فنون التعذيب بلا حدود، تفنن في تفجير آبار أحزانهم، ورغم هذا وذاك يخرج الأسرى من سجون الاحتلال الصهيوني رافعين رؤوسهم حاملين بين ثناياها قصصاً بطولية لأجيال وأجيال.
واليوم نقف مع قصة المحرَّر (مهدي زكي محمود جعرور) الذي استنشق عبير الحرية بعد أن حرم منها خمسة أعوام خلف قضبان أعنف احتلال عرفته البشرية.
وفي حوار خاص بمجلتنا مع هذا المحرر استطعنا التعرف على بعض من محطات حياته التي رواها لنا بفيض من الذكريات ودموع اغرورقت بها عيناه، وكادت تسيل على وجنتيه.
` وكانت البداية:
بدأ ضيفنا بسرد حكاية مشواره الجهادي حيث قال: «تربيت في كنف والديْن حنونين زرعا في قلبي حب الله ورسوله، وربياني فأحسنا تربيتي لأكون الشاب الصالح الذي ينفع دينه ووطنه، وكان ميلادي يوم 6/1/1973م في بيت متواضع يقع في إحدى الأراضي الزراعية، لكنه كان بفضل الله ـ تعالى ـ بمثابة المحضن الأول الذي انطلقت منه في صرح الدعوة إلى الله» .
` في صفوف حماس:
يقول المحرر مهدي جعرور: «انتميت إلى صفوف حركة المقاومة الإسلامية حماس، وكان عمري في ذلك الوقت 19عاماً؛ حيث أحببت حركة حماس حباً كبيراً ملأ عليَّ قلبي وعقلي وروحي» .
فترة التحقيق:
عندما وصل مهدي إلى سجن السرايا المركزي الساعة الثانية عشرة مساءً بوشر التحقيق معه فوراً في ما يسمى بالمسلخ، وبعدها تعرض للضرب القاسي وتم نقله في صباح اليوم التالي إلى المجدل، وهناك بدأت رحلة عذاب جديدة.
ويروي لنا تفاصيلها قائلاً: «هز الرقبة هو أسوأ أساليب التحقيق، والذي من شأنه أن يضر بالصدر وعظام الرقبة، وهناك أسلوب (الشبح) ـ وضع الأسير في أوضاع مرهقة ـ لساعات متواصلة، والموسيقى الصاخبة لأربع وعشرون ساعة والمنع من الذهاب إلى المرحاض مع الشتائم والتهديد» .
وتابع يقول: «فجأة أيقظني الضابط الصهيوني، وسألني: كيف وضعت يدك بهذا الشكل؟ فقلت له: قدرة الله. فأمرني أن أرجعهما كما كانتا خلف ظهري، فلم أستطع فأرسل إليَّ سجاناً غليظ القلب، وكان قوي البنية فأمسك بي ورفعني إلى الأعلى وضربني بالأرض فتكسرت ضلوعي.
ويروي المحرَّر أنه أثناء التعذيب لم يستطع الوقوف على قدميه، فأمره ضابط التحقيق بالوقوف رغماً عنه دون أدنى شفقة، لكنه لم يستطع، وقال له: أنا الآن أفضل الموت على أن أعذب بهذه الطريقة؛ فكان رد المحقق: إذا أردت أن تموت فاختر لك ميتة! فقلت له: اشنقني، لكنه أجاب وبسخرية: لا نريد أن يقال عنا إننا من قتلناك؛ نريد أن تقتل نفسك بنفسك، وعاد لشبحي مرة أخرى بعد أن تماسكت يداي.
أكمل مهدي أنه بعد أيام من العذاب في المجدل رجع ليقضي أكثر من أربعين يوماً في مسلخ السرايا للتحقيق معه، وبعدها أعادوه إلى سجن عسقلان للتحقيق من أجل قضية قتل أحد العملاء على يد مجموعة أخرى لم يكن على علاقة بها، وقضى في التحقيق فترة 68 يوماً.
` إلى المعتقلات:
وأوضح المحرر: «هذه الفترة لا يعلم قيمتها الثمينة رغم ألمها إلا من خاضها وعاشها، وردد مقولة: «ليس الخبر كالعيان» .
وتنقل المحرَّر مهدي بين المعتقلات من غزة المركزي «السرايا» وأنصار (2) وسجن النقب لمدة عامين، وبعدها تم ترحيله إلى سجن عسقلان المركزي ومنها إلى سجن نفحة الصحراوي وسجن السبع ثم سجن (كفاريونا) ثم عادوا إلى نقله إلى نفحة، ويُرجع المحرر مهدي سبب هذا التنقل إلى أربعة أسباب:
1 -
التشويش على حياة واستقرار المعتقلين.
2 -
العقاب والعزل.
3 -
التأثير على برامج التنظيم داخل السجن.
4 -
الخوف من هروب السجين.
وبعد خروجه من السجن يقول المحرر مهدي: «التحقت بجامعة القدس المفتوحة كلية إدارة وريادة ـ وتخرجت منها بمعدل جيد جداً، ومن ثم عملت في مجال خدمة الأسرى الشهداء» .
وتابع يقول: «خلال تلك الفترة اعتقلتني أجهزة الأمن الفلسطينية لتذيقني اشد مما لقيته في سجون الاحتلال من عذاب ومهانة» .
` لحظة الإفراج:
وتابع بعينين قد اغرورقتا بالدمع: «لم يمر على حياتي لحظات أحلى من لحظات الإفراج من السجن؛ حيث أمي الغالية بدموعها المشتاقة ويديها الحنونتين والأهل والأصدقاء، تلك لحظات عشتها، ولا يمكن أن أنساها على مدار السنين، وتاريخ الإفراج عني 15/10/1997م سيبقى محفوراً في ذاكرتي» .