المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الافتتاحية ‌ ‌وقفة مراجعة ونحن ندلف إلى السنة الخامسة من عمر (البيان) نعود - مجلة البيان - جـ ٣٣

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: الافتتاحية ‌ ‌وقفة مراجعة ونحن ندلف إلى السنة الخامسة من عمر (البيان) نعود

الافتتاحية

‌وقفة مراجعة

ونحن ندلف إلى السنة الخامسة من عمر (البيان) نعود قليلاً إلى الوراء ونسأل

أنفسنا: هل قمنا بواجب الكلمة؟ وحتى لا نغمط أنفسنا حقها نقول: نعم، ولكن لا

زلنا نعتبر أنفسنا في بداية الطريق ولا يزال في النفس أشياء كثيرة لم تحقق، ومن

أول يوم بدأنا فيه كانت هناك آمال وطموحات وخطط بعيدة حققنا بعضها، ولم

نحقق البعض الآخر، ونحن مع شكرنا العميق لمن ساهم وشارك في الكتابة أو النقد

والتصحيح، فإننا نطالب أصحاب الأقلام القوية وأصحاب العلم والأدب أن يقدموا

ما يرونه واجباً عليهم تجاه دينهم وتجاه إخوانهم المسلمين في كل مكان.

والمعركة الإعلامية مع أعداء الإسلام معركة شرسة لا تغطيها مجلة شهرية أو

صحيفة يومية، بل تحتاج لأكثر من ذلك.

إن الإعلام في الغرب من أخطر الأسلحة لإقناع الجمهور بأفكار من يسيطر

على هذا الإعلام، فهل ينتبه من يستطيع أن يقدم شيئاً ذا بال ولا زال يتردد في

تقديمه؟

لقد تأكد لنا بعد هذه السنوات أن الصحافة هي مهنة المتاعب فعلاً، فنحن

نحاول المحافظة على التوازن القائم في البيان وهو توازن دقيق وصعب، فلا هي

بالمجلة الأكاديمية البحتة، ولا هي بالمجلة الخفيفة التي يتصفحها القارئ بسرعة ثم

يرمي بها جانباً، وليست مجلة إخبارية مصورة ولا هي المتخصصة بالسياسة..

نريدها أن تكون وسطاً جامعة مثقفة لطبقة المتعلمين من المسلمين.

بعض القراء يشكون من عدم وجود أقلام المشهورين من الكتاب، ونحن مع

احترامنا لهؤلاء المشهورين، لكن بعضهم لا يكتب للصحافة أبداً وبعضهم يستفيد

منه القراء في مجلات كثيرة فما الفائدة من التكرار؟ وشيء آخر هو وجود طاقات

مغمورة غير مشهورة ولكنها تحمل فكراً وعلماً، نريد من هؤلاء أن يبرزوا كما

نريد تشجيع الطاقات الشابة، وهي طاقات لا بأس بها ولكنها خجولة ومترددة.

هذا ما يقترحه القراء أو يلاحظونه، وأما نحن فنشكو من قلة القراء والقراءة، إننا ونحن نحاول استخلاص النافع المفيد من الإخوة الكتاب ومن واقع العالم

الإسلامي المعاصر نشعر بالأسى لقلة من يقرأ خاصة في بعض البلدان أو المناطق،

لقد سيطرت على الساحة الثقافية الكتيبات الصغيرة والمقالات الخفيفة السريعة،

والعجيب أن المجلات التي تمثل الفكر القومي أو العلماني أو القومي - الديني كما

يسمونه كلها مجلات متخصصة فكرية ليس فيها ألوان ولا صور، وكلها مقالات

طويلة، ودراسات جادة، فهل الإسلاميون هم الوحيدون الذين يريدونها قراءة خفيفة!

ونعود مرة أخرى إلى موضوع (المضمون والشكل) ونحن نعلم أن أي أمر لا

يجدد ولا يقع فيه التجديد دائماً سيتوقف عند مستوى معين ثم يبدأ التدهور والرجوع

الى الخلف، نحن مقتنعون بهذا ونعتقد أنه لابد أن نسعى دائماً إلى الأفضل ونرقى

بالمجلة شكلاً ومضموناً، وليس من المعقول أن يحرر المجلة عدد محدود فلا بد إذن

من المشاركة الفعالة، مشاركة من اكتوى بِحرِّ المعركة مع التغريب والضحالة

والسطحية ومن تعمق في فهم أصولنا وثقافتنا ومن عرف واقع المسلمين وواقع

أعدائهم، وهؤلاء كثر والحمد لله، ولعل القراء يلتقون بهم سواء في مجلتنا أو أي

مجلة إسلامية جادة.

ص: 4

آية من كتاب الله

[ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّه]

[يوسف: 24]

قال الشنقيطي رحمه الله في تفسير هذه الآية:

ظاهر هذه الآية الكريمة قد يفهم منه أن يوسف عليه السلام همّ بأن يفعل

مع تلك المرأة مثل ما همت هي به منه. ولكن القرآن الكريم بين براءته -عليه

الصلاة والسلام- من الوقوع فيما لا ينبغي، حيث بين شهادة كل من له تعلق

بالمسألة ببراءته وشهادة الله له بذلك واعتراف إبليس به.

أما الذين لهم تعلق بتلك الواقعة فهم: يوسف، والمرأة، وزوجها، والنسوة،

والشهود.

- أما جزم يوسف بأنه بريء من تلك المعصية فقد ذكره الله تعالى في قوله:

[هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي] وقوله: [قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي

إلَيْهِ

] .

- أما اعتراف المرأة بذلك ففي قولها للنسوة: [ولَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ

فَاسْتَعْصَمَ] وقولها: [الآنَ حَصْحَصَ الحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وإنَّهُ لَمِنَ

الصَّادِقِينَ] .

- وأما اعتراف زوج المرأة ففي قوله: [قَالَ إنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ

* يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا واسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إنَّكِ كُنتِ مِنَ الخَاطِئِينَ] .

- وأما اعتراف الشهود بذلك ففي قوله: [وشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إن كَانَ

قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ..] .

- وأما شهادة الله -جل وعلا- ببراءته ففي قوله: [كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ

السُّوءَ والْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ] .

- وأما إقرار إبليس بطهارة يوسف ونزاهته ففي قوله تعالى: [فَبِعِزَّتِكَ

لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إلَاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ] . فأقر بأنه لا يمكنه إغواء

المخلصين، ولا شك أن يوسف من المخلصين، كما صرح تعالى به في قوله:[إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ] فظهرت دلالة القرآن من جهات متعددة على براءته مما

لا ينبغي.

فإن قيل: قد بينتم دلالة القرآن على براءته عليه السلام مما لا ينبغي في

الآيات المتقدمة. ولكن ماذا تقولون في قوله تعالى: [وهَمَّ بِهَا] ؟

فالجواب من وجهين:

الأول:

إن المراد بهمّ يوسف بها خاطر قلبي صرف عنه وازع التقوى. وقال بعضهم: هو الميل الطبيعي والشهوة الغريزية المزمومة بالتقوى، وهذا لا معصية فيه لأنه

أمر جبلي لا يتعلق به التكليف، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه

كان يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك» يعني ميل

القلب الطبيعي.

ومثال هذا: ميل الصائم إلى الماء البارد، مع أن تقواه يمنعه من الشرب

وهو صائم. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت

له حسنة كاملة» .

لأنه ترك ما تميل إليه نفسه بالطبع خوفاً من الله، وامتثالاً لأمره، كما قال

تعالى [وأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ ونَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى * فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى] ..

الثاني:

وهو اختيار أبي حيان: أن يوسف لم يقع منه هم أصلاً، بل هو منفي عنه

لوجود البرهان.

ثم قال الشنقيطي رحمه الله: هذا الوجه الذي اختاره أبو حيان وغيره هو

أجرى الأقوال على اللغة العربية، لأن الغالب في القرآن وكلام العرب: أن

الجواب المحذوف يذكر قبله ما يدل عليه كقوله: [فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إن كُنتُم مُّسْلِمِينَ]

أي إن كنتم مسلمين فتوكلوا عليه، فالأول دليل الجواب المحذوف لا نفس الجواب،

لأن جواب الشرط وجواب لولا لا يتقدم، ولكن يكون المذكور قبله دليلاً عليه..

وكقوله: [قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ] أي إن كنتم صادقين فهاتوا

برهانكم.

وعلى هذا القول فمعنى الآية: - وهم بها لولا أن رأى برهان ربه.

أي لولا ان رأى برهان ربه لهم بها، فبهذين الجوابين تعلم أن يوسف -عليه

السلام- بريء من الوقوع فيما لا ينبغي، وأنه إما أن يكون لم يقع منه همّ أصلاً،

وإما أن يكون همه خاطراً قلبياً صرف عنه وازع التقوى، فبهذا يتضح لك أن قوله

تعالى [وهَمَّ بِهَا] لا يعارض ما قدمنا من الآيات على براءة يوسف من الوقوع

فيما لا ينبغي.

ثم يقول الشيخ رحمه الله: فإذا علمت مما بينا دلالة القرآن العظيم على

براءته مما لا ينبغي، فما رواه صاحب (الدر لمنثور) وابن جرير وأبو نعيم، من

أن يوسف عليه السلام جلس منها مجلس الرجل من امرأته وأنه رأى صورة

يعقوب عاضاً على إصبعه أو صاح به صائح

هذه الروايات منقسمة إلى قسمين:

- قسم لم يثبث نقله عمن نقل عنه بسند صحيح، وهذا لا إشكال في سقوطه.

- وقسم ثبث عن بعض من ذكر، ومن ثبث عنه منهم شيء من ذلك فالظاهر

الغالب على الظن المزاحم لليقين أنه إنما تلقاه عن الإسرائيليات لأنه لا مجال للرأي

فيه، ولم يرفع منه قليل ولا كثير إليه صلى الله عليه وسلم.

وبهذا تعلم أنه لا ينبغي التجرؤ على القول في نبي الله يوسف اعتماداً على

مثل هذه الروايات.

[أضواء البيان 2/49-60]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

وأما قوله: [ولَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ] .

فالهّم اسم جنس، كما قال الإمام أحمد: الهم همّان همّ خطرات وهمّ إصرار.

وقد ثبث في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد إذا همّ بسيئة

لم تكتب عليه. وإذا تركها لله كتبت له حسنة وإن عملها كتبت له سيئة واحدة، وإن

تركها من غير أن يتركها لله لم تكتب له حسنة ولا تكتب عليه سيئة، ويوسف -

عليه السلام همّ همّا تركه لله، ولذلك صرف الله عنه السوء والفحشاء لإخلاصه،

وذلك إنما يكون إذا قام المقتضى للذنب وهو الّهم، وعارضه الإخلاص الموجب

لانصراف القلب عن الذنب لله، فيوسف عليه السلام لم يصدر منه إلا حسنة

يثاب عليها وقال تعالى: [إنَّ الَذِينَ اتَّقَوْا إذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإذَا

هُم مُّبْصِرُونَ] .

وأما ما ينقل من أنه حل سراويله، وجلس مجلس الرجل من المرأة، وأنه

رأى صورة يعقوب عاضاً على يده، وأمثال ذلك فكله مما لم يخبر الله به ولا

رسوله، وما لم يكن كذلك، فإنما هو مأخوذ عن اليهود الذين هم من أعظم الناس

كذباً على الأنبياء، وقدحاً فيهم، وكل من نقله من المسلمين فعنهم نقله، لم ينقل من

ذلك أحد عن نبينا صلى الله عليه وسلم حرفاً واحداً..

...

...

... [دقائق التفسير 3/272 - 273]

ص: 5