المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌دعوها فإنها منتنة - مجلة البيان - جـ ٣٣

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌دعوها فإنها منتنة

في العمل والدعوة

‌دعوها فإنها منتنة

! !

بقلم: د. محمد محمد بدري

تحوي الحركة الإسلامية المعاصرة عناصر طيبة من الدعاة المخلصين

المتجردين العاملين من أجل الإسلام، ومع أن عمل هؤلاء الدعاة عمل جاد

ومتواصل. إلا أن الفرقة والاختلاف بين أفراد الحركة الإسلامية تجعل جهود

هؤلاء المخلصين تهدر دون الوصول إلى الأهداف المنشودة؟ ! .. وإلى هؤلاء

الدعاة المخلصين، وإلى كل المسلمين أهدي هذه الكلمات ليعلموا أن قضية الفرقة

والاختلاف هي القضية الأخطر التي نواجهها، وأن على كل منا أن يضع على

كاهله مسؤولية منع الفرقة بين المسلمين، بحيث يستوي في نفسه وفي عقله (وحدة

الصف الإسلامي) مع (إنقاذ ذاته من الهلاك) بكل ما في هذه الكلمة من معنى.

محنة الفرقة:

فقد أمرنا الله تعالى بالوحدة والائتلاف، ونهانا عن الفرقة والاختلاف فقال عز

وجل: [واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً ولا تَفَرَّقُوا] وقال جل جلاله: [إنَّ الَذِينَ

فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكَانُوا شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ] وقال سبحانه وتعالى: [ولا تَكُونُوا

كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا واخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ

تَبْيَضُّ وجُوهٌ وتَسْوَدُّ وجُوهٌ فَأَمَّا الَذِينَ اسْوَدَّتْ وجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إيمَانِكُمْ فَذُوقُوا

العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * وأَمَّا الَذِينَ ابْيَضَّتْ وجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا

خَالِدُونَ]

قال ابن عباس رضي الله عنهما: «تبيض وجوه أهل السنة

والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة» وقال عز وجل: [ولا تَنَازَعُوا

فَتَفْشَلُوا وتَذْهَبَ رِيحُكُمْ] وغيرها كثير من الآيات تأمر بالائتلاف وتحذر من الفرقة.

بل قد حذر الله عز وجل هذه الأمة من محنة الفرقة وأنها هي السبب

المباشر في هلاكها فقال عز وجل: [قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن

فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ويُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ

نُصَرِّفُ الآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ] .

وروى ابن كثير في تفسيرها بضعة عشر حديثاً في الصحاح، ومنها قوله -

صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي ثلاثاً، سألته أن لا يهلك أمتي بالغرق

فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يجعل بأسهم

بينهم فمنعنيها» .

وفي حديث ثوبان في صحيح مسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

«إن ربي قال لي: إني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط

عليهم عدواً من سوى أنفسهم يستبيح بيضتم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها - حتى

يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبي بعضهم بعضاً» .

فالحديث يحمل بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمة الإسلام أن

أعداء الله لن يستطيعوا استئصالها ولو اجتمعوا عليها من جميع أقطار الأرض..

ولكن الهلاك الحقيقي في أن يتفرقوا فيقضي بعضهم على بعض ويهلك بعضهم

بعضاً.

فالفرقة تجعل هلاك الأمة بيد أبنائها في سلاسل من الحروب في غير معركة،

وانتصارات بغير عدو تحتوي الكدر للمخلصين وتهدر جهودهم؟ ! .

وهذا في الحقيقة يجعل التفرق محنة حقيقية إذا نحن لم نقرر جدياً التخلص

منها.. بل يجعل التفرق مصيبة نرجو الله عز وجل أن يجعل منها صلاح أمرنا..

واقع المحنة:

إذا كان ما نواجهه من فرقة محنة حقيقية، وكنا نتطلع إلى الوحدة والائتلاف

فإن هذا يقتضي منا أن نخلع أنفسنا من عصبياتنا وننظر إلى واقعنا نظرة عدل

وإنصاف، نظرة مجردة عن الأهواء والأغراض فلا نضع على أعيننا نظارة

المصلحة الحزبية، أو نظارة الصراع على الزعامة والقيادة بل نترك واقعنا يحدثنا

بما فيه دون رقابة أو تزيين، فماذا عساه يقول لنا هذا الواقع؟

إنه يقول، إن الخلاف بين فصائل العمل الإسلامي قد تجاوز حدوده وآدابه

وأحدث آثاراً سلبية تعاني منها المسيرة الإسلامية ويعايشها جميع أفرادها بمرارة،

وهي آثار لا تختص بميدان من ميادين العمل الإسلامي دون ميدان. بل هي في كل

ميادين العمل.. في الفكر.. وفي التربية.. وفي الحركة بل وفي أهداف العمل

الإسلامي ذاتها؟ ! .

1-

في ميدان الفكر:

انحصر الانتاج الفكري في كثير من الجهات في فكر المؤسس فصارت

المؤلفات تكراراً لأفكاره أو شرحاً لها أو إشادة بتضحياته وجهاده. وأما مشكلات

الأمة وحاجاتها القائمة فلا بحث عنها ولا عن حلها. بل أكثر من ذلك إذا قام بعض

الأفراد من غير هذا الفصيل بمحاولة للبحث عن حلول لمشكلات الأمة أصبحوا هدفاً

للاتهام بعدم الالتزام، والابتداع في دين الله مهما كانت منزلتهم العلمية أو تاريخهم

الجهادي في الدعوة.

وكم من داعية تنحى عن طريق الدعوة بسبب هذا الإرهاب الفكري. وكم من

جهود فكرية طيبة أهملت بسبب التعصب؟ ! حتى هبط الفكر إلى الانغلاق والجمود.

2-

في ميدان التربية:

حرص كثير من المربين على اجتذاب الأفراد حولهم وغرس مفاهيم الفصيل

الذي ينتمون إليه في عقول الأفراد، وفرضوا حولهم ستاراً حديدياً يحول بينهم وبين

الفصائل الأخرى وقد نتج عن هذه التربية الاحتكارية أن ترسخت في نفوس الأفراد

مفاهيم خطيرة، من أبرزها شهود الأفراد في كل فصيل أن واجبهم الأول هو

محاربة غيرهم ممن لا تتطابق نظرته مع نظرتهم وتطور الأمر إلى أن (من لم يكن

منهم فهو عليهم) وتسبب ذلك في كثرة الفتن والخصومات، بل ربما الوشاية

ببعضهم.

3-

في ميدان الحركة:

على مذابح التعصب غاب مفهوم (الأمة الإسلامية) ليحل محله العصبيات

للأفراد والفصائل، حتى أصبحت هذه العصبيات تفرق أهل المدينة الواحدة،

ويعتلي داعية المنبر الذي كان يقف على مثله رسول الله صلى الله عليه وسلم

فلا يتحدث عن أعداء الإسلام وإنما يشن حملة مؤسفة ضد مسلمين مثله فلا يذكر

عنهم إلا النقائص والعيوب ولا ينسب لهم مكرمة واحدة، وفي الجمعة الثانية يشن

خطيب الفصيل الآخر حملة مماثلة ويرد الصاع صاعين! ! .. وتصل الفرقة إلى

حد المأساة عندما يتحول الخلاف إلى عراك حقيقي تسيل فيه دماء مسلمة شاهدة

على السفاهة والجهل! ! ..

وهكذا استنفدت طاقات الأفراد في الخصومات مع إخوانهم، وترك الأفراد

التحديات التي يواجهها المسلمون من داخلهم ومن خارجهم.

4-

في الأهداف والغايات:

تعلق الكثيرون برموز فصائلهم حتى نسوا الهدف وأصبحت تلك الرموز هي

الهدف في النهاية، هذه هي حالنا.. وهذا هو واقعنا في كلمات.. ليست كلمات

ناظر يهوى الحديث عما يراه، أو يحب النظر إلى الحركة الإسلامية من علٍ ويملي

عليها الدروس ولكنها معاناة فرد من أفراد الحركة الإسلامية يريد النصح لها ويحاول

مع غيره من المسلمين رتق خرق الفرقة قبل أن يتسع على الواقع، وتنبيه إخوانهم

إلى خطر الفرقة الداهم ليحاولوا تغيير واقعهم - واقع المحنة.

من يندم يتقدم:

ربما قال بعض إخواننا أن ما ذكرناه في واقع المحنة يعد كشفاً لعورات

الحركة الإسلامية بما يفيد أعداء الإسلام. وهذا في الحقيقة ليس صحيحاً وذلك لأن

ما عرضناه ليس من الأمور التي تخفى على أعدائنا، بل على العكس من ذلك هم

يعلمونها ويستفيدون منها ولهم أدوار خطيرة جداً في تكريس الخلافات بين الدعاة

وزرع التناقضات بين المسلمين سواء عن طريق تضخيم الخلافات بتغطية أخبارها

صحفياً، أو عن طريق إشعال نيران الفرقة بالمقابلات الصحفية لبعض قادة العمل

الإسلامي وسؤالهم عن رأيهم بالآخرين! ؟ .

أو عن طرق أخبث بإقامة السدود أمام كل محاولة نقد أو مراجعة للأخطاء،

وبتقييد الجرأة عل المصارحة والنقد الذاتي! !

ولذلك فإننا لا بد أن نتخلص من عقدة رفض النقد التي طالما سدت علينا

الطريق لتطوير حركتنا، فبيان الحقائق مهما كانت ثقيلة ومريرة أجدى نفعاً من

التهرب منها، والحركة التي تخشى أخطاءها ليست حركة صحيحة وإذا اكتشفت

خطاً من أخطائها ثم التفتت عنه فالأمر أدهى وأمر؟ !

فهل نشرح صدورنا للندم على أخطائنا فيكون ذلك الندم حافزاً لنا على

مواصلة كفاحنا بشعور أشد رهافة بمسؤوليتنا، وتصور أكثر وضوحاً لجوانب

الضعف فينا ولأخطائنا التي كانت سبباً في تخلفنا؟ ! وهل ندرك جميعاً أن (من

يندم يتقدم) .

الراجون رحمة الله:

لا شك أن سبب الاجتماع والألفة جمع الدين والعمل به كله، وهو عبادة الله

وحده لا شريك له، كما أمر به باطناً وظاهراً. وسبب الفرقة ترك حظ مما أمر

العبد به، ونتيجة الجماعة: رحمة الله ورضوانه وصلواته، وسعادة الدنيا والآخرة

وبياض الوجوه.

ونتيجة الفرقة: عذاب الله ولعنته وسواد الوجود وبراءة الرسول من أهلها

(ابن تيمية - الفتاوى 1/17) .

فالحرص على الاجتماع والائتلاف والموالاة العامة لكل المسلمين على أساس

التقوى سبب من أسباب تنزل رحمة الله، كما أن نتيجة هذه الرحمة من الله أن

تأتلف القلوب وتجتمع بعد الفرقة.

وقد كانت وحدة الأمة ورفع الفرقة هي النعمة الأولى التي امتن الله بها على

المؤمنين فقال عز وجل: [واذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ

قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إخْوَاناً]

وكانت هي النعمة التي امتن رسول الله صلى الله عليه وسلم على

الأنصار حين قال لهم: (ألم أجدكم ضلالاً فهداكم الله بي) ولذلك فالراجون رحمة

الله يحافظون على الجماعة وينبذون الفرقة ويطلبون رحمة الله بذلك فشعارهم (الوحدة والائتلاف ونبذ الفرقة والإِختلاف) .

والراجون رحمة الله: يوالون إخوانهم العاملين للإسلام ولاء عاماً، فلا

يحكمون على فرد بمجرد انتمائه، ولا يحكمون على فصيل من خلال تحرك فرد

من أفراده بل يوالون المؤمن من أي فصيل كان ويتعاونون مع فصائل أهل السنة

وإن كان بعض أفرادها على غيرها.

وصفتهم التي تميزهم [أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ] . والراجون رحمة

الله يجعلون الحب في الله والأخوة فيه عز وجل بديلاً للجماعة الواحدة التي

يأملون أن تكون في يوم من الأيام هي (الأمة) المتآخية المتحابة كما أمر رسول الله

صلى الله عليه وسلم في قوله:

«مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا

اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» .

وهم يشعرون في إخوانهم أنهم (جمال الدنيا والآخرة) ويعلمون أن (العلم بين

أهل الفضل والعقل رحم متصل) كما يقول الشافعي رحمه الله.

الراجون رحمة الله: لا يدعون أحداً للتخلي عن شيخه الذي علمه أو جماعته

التي يتعاون معها، وإنما يريدون من كل عامل للإسلام أن يدرك أن شيخه وجماعته

وسيلة لغاية هي الإسلام. ولذلك فلا بد أن يكون ارتباطه بشيخه أو جماعته بقدر

كون هذه الجماعة أو ذلك الشيخ وسيلة إلى هذه الغاية على خير وجه.

والراجون رحمة الله: يعرفون لقادة الحركة الإسلامية وائمتها مقاديرهم

ومراتبهم ولكنهم مع ذلك لا يعطونهم العصمة التي لا تكون إلا لرسول الله - صلى

الله عليه وسلم- فهم يقدرونهم ولا يقدسونهم وهم لا يؤثمونهم ولا يعصمونهم.

بل كما يقول ابن القيم «لا بد من معرفة فضل أئمة الإسلام ومقاديرهم

ومراتبهم، وأن فضلهم وعلمهم ونصحهم لله ولرسوله لا يوجب قبول كل ما قالوه،

وما وقع في فتاويهم من المسائل التي خفي عليهم ما جاء به الرسول فقالوا بمبلغ

علمهم والحق بخلافها لا يوجب إطراح أقوالهم جملة وتنقصهم والوقيعة فيهم، فهذان

طرفان جائران عن القصد وقصد السبيل بينهما، ألا نؤثم ولا نعصم، ولا نسلك بهم

مسلك الرافضة في علي، ولا مسلكهم في الشيخين، بل نسلك مسلكهم أنفسهم فيمن

قبلهم من الصحابة، فإنهم لا يؤثمونهم ولا يعصمونهم ولا يقبلون كل أقوالهم ولا

يهدرونها» اعلام الموقعين 2/272.

فالراجون رحمة الله يعلمون قدر كل رجل من رجال الحركة الإسلامية، فمهما

كان عظيماً لا يتعدون به حد الرجل، وإذا أخطأ لا يقللون من قيمته وقدره. فلا

يعصمونه عن الخطأ ولكن يبقون على مكانته وقدره وإن أخطأ. ذلك لأن (من له

علم بالشرع والواقع يعلم قطعاً - كما يقول ابن القيم - أن الرجل الجليل الذي له في

الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة

والزلة هو فيها معذور بل ومأجور لاجتهاده فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن

تهدر مكانته وأمامته ومنزلته من قلوب المسلمين) اعلام الموقعين 2/272.

الراجون رحمة الله (لا ينتصرون انتصاراً عاماً مطلقاً إلا لرسول الله - صلى

الله عليه وسلم - وصحابته رضي الله عنهم. ويعلمون أن الحق والهدى يدور

مع أصحابه دون أصحاب غيره حيث داروا) كما يقول ابن تيمية.

كلمة لابد منها:

إن الحق لا يختلف عليه أحد طالما اتصف بالعدل والعلم وحسن القصد..

وهي خصال موجودة بحمد الله تعالى في أكثر العاملين للإسلام.

والحق ليس حكراً على أحد طالما أن الكل ملتزم بإطار أهل السنة والجماعة

من رد الأمر عند التنازع إلى الكتاب والسنة وفقه السلف الصالح ومن اتبعهم

بإحسان من اللائمة الأعلام، ولكل من يرى في أخيه خطأ فعليه أن يرشده وينصحه

ولذلك فإن لنا كلمة نريد بها النصح ولا نبغي بها إحراجاً ونريد بها البناء وليس

الهدم

نقول لقادة العمل الإسلامي أننا نعلم أن أكثركم يتحركون بروح أهل السنة

والجماعة ويحرصون على الائتلاف، ولا يقبلون أن يكونوا سبباً للفرقة. ولكن

بعض الذين تربونهم يخوضون في إخوانهم ويتعصبون لكم تعصباً يجاوز حد العدل

والانصاف فيشوهون صورتكم عند غيركم.

ولذلك فنحن نسأل الله عز وجل أن يوفقكم إلى تهذيب هذا الأمر في نفوس

من تربون، بتحذيرهم من الاختلاف والفرقة وتربيتهم على أن يكونوا دعاة وحدة

وائتلاف.

ونقول لأفراد الحركة الإسلامية أن الكثيرين منكم يحبون الوحدة ويبغضون

الفرقة، ولكنهم وقعوا في أيدي قادة متعصبين فلكم منا كل حب وتقدير واحترام،

ولكنا نطالبكم أنتم قاعدة الدعوة أن تحاسبوا هذه القيادات المتعصبة وأن تسألوهم ماذا

فعلوا من أجل ائتلاف المسلمين ووحدتهم؟ !

ونقول لكل المسلمين: إن أعداءكم يخافون ويفزعون حين يعلمون أنكم

تفكرون في توحيد صفوفكم وجمع كلمتكم، لأنهم يعلمون أن هذا هو طريقكم الأقرب

إلى النصر عليهم والتمكين لدين الله في كل الأرض.

دعوها فإنها منتنة:

إلى من ينفصل بطريق دون إخوانه ويعتقد أن مجموعته هي الوحيدة صاحبة

الحق في الوجود في الساحة الإسلامية وهي الوحيدة صاحبة الفهم الصحيح للإسلام! هذه دعوة للتأمل في قول الله عز وجل: [ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا واخْتَلَفُوا مِنْ

بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ] وكيف قدم الله عز وجل إرادة التفرق على الاختلاف! !

وأخيراً أذكر بعض الجماعات الإسلامية المتصارعة، المتنافرة، المتناحرة

بما حدث حين كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار، فقال الأنصاري: يا

للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين. فسمع بذلك رسول الله - صلى الله

عليه وسلم - فقال: «ما بال دعوى الجاهلية» قالوا: يا رسول الله كسع رجل

من المهاجرين رجلاً من الأنصار فقال صلى الله عليه وسلم: «دعوها فإنها

منتنة» رواه البخاري.

وأقول: إن التعصب لجماعة والولاء لها، ورفض بقية الجماعات التي تنتمي

لأهل السنة والجماعة ومعاداتها هي في حقيقتها دعوى جاهلية يقال لأهلها كما قال

النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجرين والأنصار «دعوها فإنها منتنة» .

ص: 20

المجتمع الاسلامي

التحذير من نشر الشائعات

هشام اسماعيل

المتأمل في الكتاب والسنة، وفي التاريخ بشكل عام يعلم يقيناً ما للشائعات من

خطر عظيم، وأثر بليغ، فالشائعات تعتبر (من أخطر الأسلحة الفتاكة والمدمرة

للمجتمعات والأشخاص، وكم أقلقت الإشاعة من أبرياء، وحطمت عظماء،

وهدمت وشائج، وتسببت في جرائم، وفككت من علاقات وصداقات، وكم هزمت

من جيوش، وأخرت من سير أقوام؟ !

لخطرها وجدنا الدول تهتم بها، والحكام يرقبونها معتبرين إياها مقياس

مشاعر الشعب نحو النظام صعوداً أو هبوطاً، وبانين عليها توقعاتهم لأحداث سواء

على المستوى المحلي أو الخارجي.

لسنا مبالغين حين نقول إن ما واجهه النبي صلى الله عليه وسلم في

حديث الإفك، هو حدث الأحداث في تاريخه عليه الصلاة والسلام، فلم يمكر

بالمسلمين مكر أشد من تلك الواقعة، وهي مجرد فرية وإشاعة مختلقة بينت

(السماء) كذبها، لكنها لولا عناية الله كانت قادرة على أن تعصف بالأخضر واليابس، ولا تبقي عل نفس مستقرة مطمئنة، ولقد مكث مجتمع المدينة بأكمله شهراً كاملاً

وهو يصطلي نار تلك الفرية، ويتعذب ضميره وتعصره الإشاعة الهوجاء، حتى

تدخل الوحي ليضع حداً لتلك المأساة الفظيعة. وليكون درساً تربوياً رائعاً لذلك

المجتمع، ولكل مجتمع مسلم إلى قيام الساعة، وصدق الله: [لا تَحْسَبُوهُ شَراً لَّكُم

بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ] .

وللإشاعة قدرة على تفتيت الصف الواحد والرأي الواحد، وتوزيعه وبعثرته،

فالناس أمامها بين مصدق ومكذب، ومتردد ومتبلبل، فغدا بها المجتمع الواحد

والفئة الواحدة فئات عديدة) [1] .

وثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (كفى بالمرء كذباً

أن يحدث بكل ما سمع) [2] .

ويقول الإمام مالك -رحمه الله تعالى -: (اعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم

الإنسان بكل ما سمع) [3] .

وقد وقع للمسلمين في العهد الأول شائعات كان لها آثار سيئة، منها الشائعة

التي انتشرت أن كفار قريش أسلموا، وذلك بعد الهجرة الأولى للحبشة، كان

نتيجتها أن رجع عدد من المسلمين إلى مكة، وقبل دخولهم علموا أن الخبر كذب،

فدخل منهم من دخل وعاد من عاد، فأما الذين دخلوا فأصاب بعضهم من عذاب

قريش ما كان هو فار منه.. فلله الأمر سبحانه وتعالى.

وفي معركة أحد عندما أشاع الكفار أن الرسول صلى الله عليه وسلم قتل، فتّ ذلك في عضد كثير من المسلمين، حتى إن بعضهم ألقى السلاح وترك القتال؟ .

وأدت الشائعات الكاذبة ضد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه

إلى تجمع أخلاط من المنافقين ودهماء الناس وجهلتهم وأصبحت لهم شوكة، وقتل

على إثرها خليفة المسلمين بعد حصاره في بيته وقطع الماء عنه.

وحادثة الإفك التي هزت بيت النبوة شهراً كاملاً، بل هزت المدينة كلها.

(هذا الحادث: حادث الإفك، قد كلف أطهر النفوس في تاريخ البشرية كلها

آلاماً لا تطاق، وكلف الأمة المسلمة كلها تجربة من أشق التجارب في تاريخها

الطويل، وعلق قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلب زوجه عائشة

التي يحبها، وقلب أبي بكر الصديق وزوجه، وقلب صفوان بن المعطل

شهراً

كاملاً، علقها بحبال الشك والقلق والألم الذي لا يطاق) [4] .

وفي هذا الحديث ربى الله المؤمنين تربية شديدة، ووعظهم موعظة عظيمة،

وهو الحكيم الخبير.

يقول الله تعالى: [إنَّ الَذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَراً لَّكُم بَلْ

هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ والَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ

عَظِيمٌ] .. فهم ليسوا فرداً ولا أفراداً: إنما هم عصبة متجمعة ذات هدف واحد،

ولم يكن عبد الله بن أبي بن سلول وحده هو الذي أطلق ذلك الإفك، إنما هو الذي

تولى معظمه، وهو يمثل عصبة اليهود أو المنافقين الذين عجزوا عن حرب الإسلام

جهرة.. وبدأ السياق ببيان تلك الحقيقة ليكشف عن ضخامة الحادث، وعمق جذوره..

ثم سارع بتطمين المسلمين من عاقبة هذا الكيد: [لا تَحْسَبُوهُ شَراً لَّكُم بَلْ هُوَ

خَيْرٌ لَّكُمْ] .. فهو يكشف عن الكائدين للإسلام في شخص رسول الله - صلى الله

عليه وسلم - وأهل بيته،.

وهو خير أن يكشف الله للجماعة المسلمة بهذه المناسبة عن المنهج القويم في

مواجهة مثل هذا الأمر العظيم

أما الذين خاضوا في الإفك، فلكل واحد منهم بقدر نصيبه من تلك الخطيئة:

[لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ والَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ]

[لَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وقَالُوا هَذَا إفْكٌ مُّبِينٌ] .

نعم كان هذا هو الأولى.. أن يظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً، وأن

يستبعدوا سقوط أنفسهم في مثل هذه الحماة.. وامرأة نبيهم الطاهر وأخوهم

الصحابي المجاهد هما من أنفسهم، فظن الخير بهما أولى، فإنه مما لا يليق بزوج

رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يليق بصاحبه الذي لم يعلم عنه إلا خيراً..

كذلك فعل أبو أيوب خالد بن زيد الأنصاري وامرأته رضي الله عنهما

[وهذا

يدل] على أن بعض المسلمين رجع إلى نفسه وأستفتى قلبه، فاستبعد أن يقع ما

نسب إلى عائشة، وما نسب إلى رجل من المسلمين من معصية لله وخيانة لرسوله، وارتكاس في حمأة الفاحشة لمجرد شبهة لا تقف للمناقشة.

هذه هي الخطوة الأولى في المنهج الذي يفرضه القرآن لمواجهة الأمور:

خطوة الدليل الباطني الوجداني.

فأما الخطوة الثانية؛ فهي طلب الدليل الخارجي البرهاني الواقعي:

[لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ هُمُ

الكَاذِبُونَ] .. وهذه الفرية الضخمة التي تتناول أعلى المقامات، وأطهر الأعراض، ما كان ينبغي أن تمر هكذا سهلة هينة، وأن تشيع هكذا دون تثبيت ولا بينة،

وأن تتقاذفها الألسنة وتلوكها الأفواه دون شاهد ولا دليل: [لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ

شُهَدَاءَ] وهم لم يفعلوا فهم كاذبون إذن

وهاتان الخطوتان: خطوة عرض الأمر على القلب واستفتاء الضمير،

وخطوة التثبت بالبينة والدليل.. غفل عنهما المؤمنون في حادث الإفك، وتركوا

الخائضين يخوضون في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أمر

عظيم لولا لطف الله لمس الجماعة كلها البلاء العظيم، فالله يحذرهم أن يعودوا لمثله

أبداً بعد هذا الدرس الأليم: [ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ

لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ

] .

لقد احتسبها الله للجماعة الناشئة درساً قاسياً، فأدركهم بفضله ورحمته ولم

يمسهم بعقابه وعذابه، فهي فعلة تستحق العذاب العظيم؛ العذاب الذي يتناسب مع

العذاب الذي سببوه للرسول صلى الله عليه وسلم وزوجه وصديقه وصاحبه

الذي لا يعلم عليه إلا خيراً

والقرآن يرسم لتلك الفترة التي أفلت فيها الزمام،

واختلت المقاييس، واضطربت فيها القيم، وضاعت فيها الأصول:

[إذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً

وهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ] ..

وهي صورة فيها الخفة والاستهتار، وقلة التحرج، وتناول أعظم الأمور

وأخطرها بلا مبالاة ولا اهتمام: [إذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ] .. لسان يتلقى عن لسان،

بلا تدبر ولا ترو ولا فحص وإنعام نظر، حتى لكأن القول لا يمر على الآذان، ولا

تتملاه الرؤوس، ولا تتدبره القلوب!

[وتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ] .. بأفواهكم لا بوعيكم ولا بعقولكم

ولا بقلوبكم.. [وتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً] أن تقذفوا عرض رسول الله، وأن تدعوا الألم

يعتصر قلبه وقلب زوجه وأهله.. [وتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ] .. وما

يعظم عند الله إلا الجليل الضخم الذي تزلزل له الرواسي، وتضج منه الأرض

والسماء

[ولَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ

عَظِيمٌ]

وعندما تصل هذه اللمسة إلى أعماق القلوب فتهزها هزاً، وهي تطلعها على

ضخامة ما جنت، وبشاعة ما عملت.. عندئذ يجيء التحذير من العودة إلى مثل

هذا الأمر العظيم: [يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ] ..

[يَعِظُكُمُ] .. في أسلوب التربية المؤثر، في أنسب الظروف للسمع

والطاعة والاعتبار مع تضمين اللفظ معنى التحذير من العودة إلى مثل ما كان:

[يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً] ومع تعليق إيمانهم على الانتفاع بتلك العظة [إن

كُنتُم مُّؤْمِنِينَ] [5] .

والذي ينبغي على المسلم عند سماعه مثل هذه الإشاعات والأخبار أن:

1-

أن يقدم حسن الظن بأخيه المسلم، وهو طلب الدليل الباطني الوجداني،

وأن ينزل أخيه المسلم بمنزلته، وهذه هي وحدة الصف الداخلي: [لَوْلا إذْ

سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ المُؤْمِنُونَ والْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً] .

2-

أن يطلب الدليل الخارجي البرهاني: [لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ] .

3-

أن لا يتحدث بما سمعه ولا ينشره، فإن المسلمين لو لم يتكلموا بمثل هذه

الشائعات لماتت في مهدها ولم تجد من يحيها إلا من المنافقين: [ولَوْلا إذْ سَمِعْتُمُوهُ

قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا..] .

4-

أن يرد الأمر إلى أولي الأمر، ولا يشيعه بين الناس أبداً، وهذه قاعدة

عامة في كل الأخبار المهمة، والتي لها أثرها الواقعي، كما قال تعالى: [وإذَا

جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ولَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وإلَى أُوْلِي الأَمْرِ

مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ولَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ورَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إلَاّ

قَلِيلاً] [النساء: 83] .

والشائعات إذا حوصرت بهذه الأمور الأربعة، فإنه يمكن أن تتفادى آثارها

السيئة المترتبة عليها، ولكن ليس الإشكال في هذا بل الإشكال أن هناك فريق من

المؤمنين يرضون أن يستمعوا لمثل هذه الإشاعات، هذا فضلاً عن فريق من

أصحاب القلوب المريضة التي تحب البحث ونشر مثل هذه الأمور، وقد بين الله

ذلك بقوله تعالى: [وفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ][التوبة: 47] أي للمنافقين المغرضين،

وهذا هو الداء الكبير، وهو أن يرضى فريق من الناس الاستماع إلى مثل هذه

الشائعات، وإلى كلام المنافقين والمغرضين.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى - (فأخبر أن المنافقين لو

خرجوا في جيش المسلمين ما زادوهم إلا خبالاً، ولكانوا يسعون بينهم مسرعين،

يطلبون لهم الفتنة، وفي المؤمنين من يقبل منهم ويستجيب لهم:(1) إما لظن

مخطئ، (2) أو لنوع من الهوى، (3) أو لمجموعهما..) [6] .

ولذلك فالنقطة الخامسة:

5-

عدم سماع ما يقوله الكذابون، والمنافقون، والمغتابون، وأصحاب

القلوب المريضة، وعدم الرضى بذلك، كما هو منهج السلف -رضوان الله عليهم-.

والفتنة إذا وقعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء، فصار الأكابر [رضي

الله عنهم] ، عاجزين عن إطفاء الفتنة وكف أهلها، وهذا شأن الفتن، كما قال

تعالى: [واتَّقُوا فِتْنَةً لَاّ تُصِيبَنَّ الَذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً] ، وإذا وقعت الفتنة لم

يسلم من التلوث بها إلا من عصمه الله) [7] .

وفي هذا العصر نجد للشائعات دور كبير، بل واستغلت ضد المسلمين

استغلالاً كبيراً، ومثل هذه الشائعات تحدث في الصف ثغرات تخل به، وأحياناً

تكون ثغرات كبيرة يصعب سدها؟ ! !

وخاصة إذا كانت الشائعات مصدرها من داخل الصف، من أناس جهلة، أو

لهم هوى خفي، أو ظن مخطئ.

وأما أعداء الإسلام فهم يستخدمون الشائعات ضد المسلمين وخاصة علمائهم

وقادتهم ودعاتهم، وغالباً ما يستخدمون في شائعاتهم طريقين:

1-

إنشاء وتلفيق الأكاذيب والاتهامات بالعلماء والدعاة لزعزعة الثقة بهم،

والانصراف عنهم، فكم من العلماء والدعاة قيل فيهم أنهم عملاء، وأصحاب

مناصب ودنيا؟ ! ! .

2-

تصيد الأخطاء العلمية والعملية، ونشرها بين الناس، وإعطائها حجماً

كبيراً، فيزيدون شائعات مكذوبة على أمر صغير، كالشيطان الذي يلقي على

الكاهن كلمة صحيحة، وتسعاً وتسعين كذبة؟ ! ! .

(1) انظر الاشاعة لأحمد نوفل ص 127 - 128.

(2)

اخرجه مسلم في المقدمة برقم (5) .

(3)

انظر سير الأعلام النبلاء (8/66) .

(4)

انظر في ظلال القرآن (4/2495) .

(5)

انظر في ظلال القرآن (4/2500 - 2503) باختصار.

(6)

انظر درء تعارض والنقل (2/ 105) .

(7)

انظر منهاج السنة النبوية (4 /343) .

ص: 26