المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

خواطر في الدعوة ‌ ‌مواعظ القرآن محمد العبدة يحتاج المسلم بين الحين والآخر إلى - مجلة البيان - جـ ٥٣

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: خواطر في الدعوة ‌ ‌مواعظ القرآن محمد العبدة يحتاج المسلم بين الحين والآخر إلى

خواطر في الدعوة

‌مواعظ القرآن

محمد العبدة

يحتاج المسلم بين الحين والآخر إلى من يذكره ويعظه في نفسه، ويرقق له

قلبه، ويضعه دائماً على الطريق السوي بلا إفراط ولا تفريط، وهذا التذكير إذا

قابل نفساً معتدلة فإنها تقبل وتتأدب، ولكن هناك صنف آخر من المسلمين قد ابتعد

كثيراً عن آداب الإسلام وأخلاقه، بل عن كثير من توحيد العبادة وما يليق بجلاله -

سبحانه وتعالى من المحبة والتعظيم والخضوع والتسليم، فمثل هؤلاء لا بد لهم

من قوارع ومواعظ قوية تنبههم من غفلتهم، وتخرجهم عن غيهم، وليس أقوى من

قوارع القرآن الكريم، الذي أثر في العرب تأثيراً بالغاً ليس بنظمه المعجز فقط بل

بزواجره ونواهيه وطريقة عرض قصصه في كل سورة، فلماذا لا يقرع أسماع

هؤلاء بمثل هذه الآيات: [يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وإخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إنِ

اسْتَحَبُّوا الكُفْرَ عَلَى الإيمَانِ ومَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * قُلْ إن كَانَ

آبَاؤُكُمْ وأَبْنَاؤُكُمْ وإخْوَانُكُمْ وأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ

كَسَادَهَا ومَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ ورَسُولِهِ وجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا

حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ واللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ] [التوبة 23-24] . وعندما سمع

أحد زعماء قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ عليه: [فَإنْ

أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وثَمُودَ] [فصلت 13] طلب من

الرسول صلى الله عليه وسلم التوقف عن التلاوة. وقد شدد رسول الله -

صلى الله عليه وسلم القول فيمن رجع إلى أخلاق الجاهلية فقال: (مثل الذي

يعين قومه على غير الحق، مثل بعير تردى وهو يُجر بذنبه) [1] ، وكقوله في

الحديث: (وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلِّتون من يدي)[2] .

لماذا لا يصارح هؤلاء الذين استعبدتهم التقاليد والمظاهر التافهة وأصبحت

كلماتهم وأفعالهم أبعد ما تكون عن الإسلام، لماذا لا يصارحون بأن ما هم فيه إنما

هو من رخاوة عقد الدين وضعف الإيمان؟ !

إن كثيراً من الخطباء والوعاظ لا يلمس الداء ولا يضع يده على الجرح،

وإنما يداورون ويتكلمون من بعيد، وقد لا يفهم المخاطب أنه هو المعني بهذا الكلام، مع أن هناك فرقاً بين المصارحة وبين الشدة في القول التي تؤذي السامعين أو

تجعل عندهم ردة فعل. ومثل هؤلاء يشدد عليهم لفترة معينة حتى يعودوا إلى الله

ويؤوبوا وعندئذ يرجع الوعظ والكلام متنقلاً بين الخوف والرجاء.

إن النفس البشرية لا يكفيها مجرد تأليف الكتب ووضع الأنظمة، التي تقول

لهم: هذا حق وهذا باطل، أو هذا حلال وهذا حرام، بل لا بد أيضاً من الإذعان

الوجداني، والقناعة الداخلية والتأثير النفسي. وإن قصص القرآن وأمثاله

المضروبة وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم كافية في إصلاح النفس

وردعها ووضعها على الصراط المستقيم.

(1) صحيح الجامع الصغير /1016.

(2)

صحيح الجامع الصغير /1020.

ص: 24

أخلاق

[أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ..]

إبراهيم بن علي العريني

إن من الصفات الذميمة التي ينبغي للمسلم الحذر من الاتصاف بها، والتي

جاء الشرع بذمها صفة الحسد. ذلك لأن الحاسد عدو لنعمة الله، متسخط لقضائه،

غير راض بقسمته بين عباده. والحسد أول ذنب عصي الله به في السماء حين

حسد إبليس أبانا آدم وزوجه وهو أول ذنب عصي الله به في الأرض حين حسد ابن

آدم أخاه حتى قتله.

وإنه لا يتصف بهذه الخصلة إلا ذوو النفوس الضعيفة، فذنب المحسود إلى

الحاسد دوام نعمة الله عليه ليس إلا. وشر الحسد عظيم، قال أبو الليث السمرقندي:(يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود، أولها: غمّ لا ينقطع، الثانية: مصيبة لا يؤجر عليها، الثالثة: مذمة لا يحمد عليها، الرابعة: سخط الرب، الخامسة: يغلق عنه باب التوفيق)[1] .

قال الشاعر:

ألا قل لمن ظل لي حاسداً

أتدري على من أسأت الأدب

أسأت على الله في حكمه

لأنك لم ترض لي ما وهب

فأخزاك ربي بأن زادني

وسدّ عليك وجوه الطلب

قال ابن المقفع: (أقلُّ ما لتارك الحسد في تركه أن يصرف عن نفسه عذاباً

ليس بُمدْرِكٍ به حظاً ولا غائظٍ به عدواً، فإنا لم نر ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد،

طول أسف ومحالفة كآبة، وشدة تحرُّقٍ، ولا يبرح زارياً على نعمة الله ولا يجدها

مَزَالاً، ويكدر على نفسه ما به من النعمة فلا يجد لها طعماً ولا يزال ساخطاً على

من لا يترضاه، ومتسخِّطاً لما لن ينال من فوقه، فهو مُنَغَّص المعيشة، دائم

السخطة، محروم الطِّلِبة، لا بما قُسِم له يقنع، ولا على ما لم يُقسَم له يَغْلِبْ،

والمحسود يتقلب في فضل الله مباشراً للسرور منتفعاً به مُمَهَّلاً فيه إلى مدة، ولا

يقدر الناس لها على قطع وانتقاص) [2] .

وإن مما يدعو للعجب من حال الحاسد أنه يحسد قرينه أو صديقه على نعمة

آتاها الله إياه مع أن كثيراً من الناس قد أوتوا مثل هذه النعمة وأكبر منها، لكنه لا

يحسدهم عليها وما ذلك إلا لشيء قام في نفس الحاسد وكُرْهٍ مستقر حمله لصاحبه.

ومع أن الحسد كله سيء إلا أن أسوأه الحسد الذي يقع من طلاب العلم والدعاة

تجاه أقرانهم، وذلك لأننا لا نستغرب كثيراً أن يقع الحسد من الجهال وضعاف

النفوس لقلة الإيمان في قلوبهم وقلة العلم في صدورهم، لكنا نستغرب بل نتألم

ونأسى كثيراً عندما يقع مثل هذا الأمر من أناس عرفوا شر الحسد وذمه، وحملوا

من العلم والإيمان ما كان حرياً أن يصدهم عن مثل هذا الجرم.

ولماذا يحسد طالب العلم قرينه؟ ! ألأنه طلب العلم واجتهد في تحصيله في

زمن قل فيه الجادّون في طلب العلم وحاز أكثر مما حاز هو؟ ! إن من حق هذا

القرين أن يدعى له بالتوفيق ويشد أزره ويدفع إلى المزيد من تحصيل العلم، وليس

من حقه علينا أن نتمنى زوال هذه النعمة عنه. لأننا إن فعلنا ذلك فإننا نتمنى

للمجتمع أن يُسلَب منه أحد الأفراد النافعين فيه فتكون بذلك قد تعدت جنايتنا إلى

المجتمع كله.

بل لماذا يُحْسَدُ الداعية النشيط الذي تأثر الناس بكلامه وتركوا ما كانوا عليه

من المعاصي وسلكوا طريق الحق على يديه؟ ! لماذا نحسده على ذلك ونتمنى زوال

هذه النعمة عنه ونحن أحوج ما نكون إلى أمثاله، فنحرم الناس من خيره وإرشاده.

بل الواجب على الحاسد أن يسعى بتكميل نفسه والاقتداء بمن هو خير منه وبمن

سبقه في مجالات الخير حتى يلحق بهم. وصدق الشاعر إذ يقول:

وترى اللبيب مُحَسَّداً لم يجترم

شتم الرجال وعرضه مشتوم

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه

فالقوم أعداء له وخصوم

كضرائر الحسناء قلن لوجهها

حسداً وظلماً إنه لذميم

وإن من وسائل دفع الحسد واتقاء الاتصاف به:

- التفكر في وافر نعمة الله على العبد والنظر إلى من هو أدنى فيكون بذلك

حق النعمة الشكر لا الحسد.

- العلم بأن الحسد يفعل بالحاسد أكثر من فعله بالمحسود.

- قال أعرابي: الحسد داء منصف يفعل في الحاسد أكثر من فعله بالمحسود.

- قال الشاعر:

إن تحسدوني فإني لا ألومكم

قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا

فدام لي ولكم ما بي وبكم

ومات أكثرنا غيظا بما يجد

دعاء الله بصدق أن يطهر القلب من الحسد.

أسأل الله العظيم أن يطهر قلوبنا من الحسد، وأعمالنا من الرياء، وأعيننا من

الخيانة، وأن يصلح أحوالنا وذات بيننا.

(1) المستطرف من كل فن مستظرف: شهاب الدين محمد بن أحمد الأبشيهي 1/457.

(2)

عيون الأخبار: عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري 1/12.

ص: 26