الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 15
فهرس المحتويات
1-
الإحسان: بقلم الشيخ ربيع بن هادي
2-
الإسلام والحياة منهج القرآن في تحرير العقل والفكر:بقلم أحمد عبد الرحيم السايح من علماء الأزهر
3-
الدعوة الإسلامية في أفريقية بحاجة إلى مزيد من الدعم: محمد بن ناصر العبودي
4-
الدين والسنن الكونية: بقلم الدكتور محمد تقي الدين الهلالي
5-
الصلح خير: بقلم الشيخ عبد الله بن صالح المحسن
6-
المسئولية بين الفرد والمجتمع: بقلم الشيخ محمد أبو فرحة
7-
قصص لا تنسى - الهارب بدينه: بقلم: الشيخ محمد المجذوب
8-
تنبيه للقراء: عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس الجامعة الإسلامية
9-
جوانب من هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم: للشيخ عبد القادر شيبة الحمد
10-
حجية السنة ودحض الشبهات التي تثار حولها: بقلم الدكتور: محمود أحمد طحان
11-
دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب: لفضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي
12-
رسالة المدرّس المثالي: بقلم الشيخ: محمد المهدي محمود علي
13-
لمحات في منهج البحث الموضوعي: بقلم الأستاذ: عبد الله عبد الرحيم عسيلان
14-
مرض الأميبا: للدكتور أحمد سليمان
15-
أخبار الجامعة
16-
من تاريخ الحروب الصليبية يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين: إعداد العلاقات العامة
17-
من تاريخ الدعوة السلفية: الشيخ عبد الحميد بن باديس - بقلم الشيخ محمد شريف الزيبق
18-
نداء ومناشدة: مدير المركز: عصام العطار
19-
نور السوط والعصا: للدكتور طه الزيني
20-
وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين: للشيخ حسن السيد متولي
21-
يا فتية الإسلام: للشيخ عبد الله قادري
22-
يستفتونك: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس الجامعة الإسلامية
عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م
حجية السنة ودحض الشبهات التي تثار حولها
بقلم الدكتور: محمود أحمد طحان
المدرس في كلية الشريعة بالجامعة
الحمد لله منزل الكتاب هداية للناس، ومرسل الرسل بلسان أقوامهم ليوضحوا لهم ما يريده الله منهم، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد بن عبد الله الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وأنزل عليه القرآن الكريم ليبينه للناس، ويوضح المراد من هذا الكتاب المنزل عليه ببديع بيانه وحسن فعاله.
أما بعد: فقد يقال إنه من فضول القول أن يبحث اليوم في حجية السنة وقد مضى على الاحتجاج بها من عامة المسلمين أربعة عشر قرنا، فما فائدة هذا البحث؟ وهل يوجد في الدنيا مسلم واحد ينازع في حجية السنة فيقول: إن السنة ليست حجة، أو بمعنى أوضح، هل يوجد من يقول: إن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لا يلزمنا العمل بها، وإنما يلزمنا العمل بالقرآن فقط.
الحقيقة أن جماهير المسلمين وعلمائهم أجمعوا من الصدر الأول إلى يومنا هذا على وجوب العمل بالسنة، ومضى العمل على الاحتجاج بها من غير نكير، وأنها حجة ملزمة من حجج الشرع يجب العمل بها -إذا صحت- كما يجب العمل بالقرآن الكريم، إلا ما وجد من بعض الزائفين الذين قاموا بفتنة التشكيك بحجية السنة لأسباب واهية سنعرض لها فيما بعد إن شاء الله تعالى، وقد رد عليهم جهابذة علماء المسلمين وعلى رأسهم الإمام الشافعي رضي الله عنه في كتابيه ((الرسالة)) و ((الأم)) وباقي كتبه الأخرى، حتى ألقمهم الحجر، وانقرضت تلك الفئة الخبيثة الضالة، وانقرضت فتنتها معها والحمد لله حتى ما يكاد بها إلا المتخصصون والباحثون في تاريخ السنة والتشريع الإسلامي.
لكن في هذه الفترة، فترة زوال الخلافة الإسلامية، وتضعضع المسلمين وتشتتهم وانقسامهم بشكل أزال قوتهم وخضد شوكتهم، وجعلهم كقصعة ثريد تتداعى الأمم لأكلها في هذه الحالة التي لم يعد للإسلام من يمثله ولا من يحميه، ظهر ناعقون ممن ينتسبون إلى الإسلام وممن لا ينتسبون، ينعقون من هنا وهناك وبشكل مركز يظهر فيه أثر التواطؤ في الظلام على تنظيم هذه الحملات الأثيمة ضد الإسلام، وذلك بهدم الركن الثاني من أركان تشريعه الخالد ألا وهو ركن السنة المطهرة، وكانوا ماكرين في ذلك أشد المكر، لأنهم علموا أن هدم الإسلام لا يمكن أن يكون بنقد تشريعاته لأنها تشريعات حكيمة معقولة، يفاخر بها المسلمون غيرهم من أهل الديانات السماوية وأهل القوانين الوضعية في إحكامها وحسن ترتيبها وشمولها لجميع ما يحتاجه بنو البشر.
لذلك عمدوا إلى هذا الطريق الماكر الخبيث في عداء الإسلام وهدم أكثر تشريعاته، وذلك بتشكيك المسلمين في حجية السنة ووجوب العمل بها، ومعلوم أن أكثر تشريعات الإسلام لاسيما التشريعات التفصيلية مبنية على السنة النبوية الشريفة.
وقاموا بهذا التشكيك الخبيث في صورة أبحاث علمية مبنية على أشياء علمية على حسب زعمهم، وتظاهروا بالحرص على عقول المسلمين من أن تنجر إلى التقليد، وتقول بشيء ما أنزل الله به من سلطان.
ولقد انخدع بزخرف قولهم بعض الشباب المثقفين في هذا العصر لأسباب أهمها:
1_
ضعف الثقافة الإسلامية لديهم.
2_
طغيان الثقافة الأجنبية على المجتمع الإسلامي.
3-
ضعف الوازع الديني والميل إلى التفلت من أحكامه وتكاليفه.
4_
عدم وجود الدولة الإسلامية التي تمثل الإسلام وتحميه من أعدائه أينما كانوا من الأرض، وصار بعض هؤلاء الشباب المخدوعين إذا ناقشته في قضية إسلامية واستشهدت على ما تقول بحديث من أحاديث الرسول الصحيحة، ضحك مستهزئا وقال: ليس الحديث حجة في إثبات الأحكام، فهل عندك نص من القرآن على ما تقول؟!
…
وهذا في الحقيقة -ولو لم ينتشر- خطير جدا إن لم يتدارك، لأنه لو انتشر- لا سمح الله- فإن معناه هدم كثير من أحكام الإسلام التي مستندها السنة والأحاديث الصحيحة.
والأدهى من ذلك كله أن يكون هذا الهدم الرهيب باسم النقاش العلمي، وباسم الدين وباسم الفهم الصحيح له عن دليل يقيني كما يزعمون، ولو كان هذا الهدم باسم التفلت العلني الصريح من أحكام الإسلام لكان الأمر أهون.
لأجل هذا سنعرض بعض الأدلة من القرآن والسنة وإجماع المسلمين والمعقول على وجوب العمل بالسنة، وأن ترك العمل بها ضلال مبين، كما سنعرض الشبهات التي أثارها المغرضون قديما وحديثا، من المستشرقين والمتأثرين بهم من تلامذتهم وصنائعهم الذين يرددون ما يقول أسيادهم، ثم ندحض هذه الشبهات واحدة واحدة بالإجمال لعدم اتساع المقام.
أما الأدلة على حجية السنة من القرآن الكريم فكثيرة، وقد ساقها علماء أصول الفقه في أول بحثهم في الأصل الثاني من أصول التشريع ألا وهو السنة، فمن هذه الآيات ما يلي:
1_
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} .
2_
{قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} .
3_
4_
5_
6_
7_
وأما الأدلة من السنة فكثيرة جدا، وقد عقد الخطيب البغدادي في كتابه المشهور ((الكفاية في علم الرواية)) بابا استهل به كتابه فقال:((باب ما جاء في التسوية بين حكم كتاب الله تعالى وحكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوب العمل ولزوم التكليف)) ثم ساق نصوصا كثيرة من السنة لدعم هذا العنوان نجتزئ منها ما يلي:
ساق الخطيب بأسانيد متعددة عن المقدام بن معديكرب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم حرّم أشياء يوم خيبر ثم قال: "يوشك رجل متكئ على أريكته يحدّث بحديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه وإن ما حرّم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرّم الله عز وجل"، وأخرج هذا الحديث بألفاظ متقاربة أبو داود والترمذي والدارمي والإمام أحمد، وزاد أبو داود "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه"، وساق بسنده إلى أبي رافع أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول لا ندري ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه" وفي رواية عن أبي رافع أيضا بلفظ: "عندنا كتاب الله ليس هذا فيه"، وبسنده إلى جابر بن عبد الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ""لعل أحدكم أن يأتيه حديث من حديثي وهو متكئ على أريكته فيقول: دعونا من هذا، ما وجدنا في كتاب الله اتبعنا"، وبسنده إلى ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بال أصحاب الحشايا يكذبونني عسى أحدكم يتكئ على فراشه يأكل مما أفاء الله عليه، فيؤتى يحدّث عني الأحاديث يقول: لا أرب لي فيها، عندنا كتاب الله، ما نهاكم عنه فانتهوا، وما أمركم به فاتبعوه".
وكأني برسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أطلعه الله على ما سيكون في المستقبل يوجه قوله هذا إلى ما يدّعون أنهم أهل القرآن أو ((القرآنيون)) الذين لا يأخذون إلا بالقرآن الكريم، ولا يحتجون بالسنة ولا يعملون بالأحاديث، وقد ظهر منهم الآن ناس في بعض أصقاع من الهند، وردد أفكارهم بعض الزائفين في مصر، لكن كانوا جميعا موضع سخرية واستخفاف من جمهور المسلمين وعلمائهم ولله الحمد والمنة.
وأما الإجماع فقد أجمع العلماء من عصر الصحابة إلى يومنا هذا بأن السنة هي الأصل الثاني من أصول التشريع، وأنها حجة في إثبات الأحكام تبعا للقرآن، واستقلالا في بعض الأحكام.
وأما المعقول فمن المعلوم لدينا أن الله سبحانه وتعالى قال مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} .
إذن فالرسول صلى الله عليه وسلم مكلف ببيان المراد من الآيات المنزلة، وبيان كيفية تطبيقها على الحوادث، ولأجل هذا كان الصحابة يرجعون إليه في فهم كل ما أشكل عليهم فهمه، ويستفتونه فيما يقع لهم من الحوادث، فيبين لهم النبي عليه السلام ما أشكل عليهم.
فعلى سبيل المثال نزلت آية الصيام ولم يذكر فيها حكم الأكل والشرب بطريق النسيان، فاستشكل بعض الصحابة الذين وقعوا في هذا، فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كلفه ربه بالبيان، فقال يا رسول الله أكلت ناسيا وأنا صائم، فأفتاه النبي صلى الله عليه وسلم بأن صومه صحيح، وقال له:"تمّ على صومك فإنما أطعمك ربك وأسقاك".
وذلك لأن الخطأ والنسيان معفو عنهما، واستنبط الرسول ذلك من قوله {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} وقوله {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} ، فهل يقال إن هذا الحديث مخالف للقرآن لأن ليس فيه أن الصوم لا يفسده الأكل بالنسيان صراحة، أو هل يقال إنه لم يكن للنبي عليه السلام أن يستنبط هذا الحكم من الآية الأخرى التي لا تتعلق بالصوم؟
فلو قال قائل: نعم ليس للرسول أن يستنبط ويفتي الناس بما ليس في القرآن صراحة.
نقول له: عجبا لك، إذا كان من المقرر أنه يجوز للعلماء حتى في هذا العصر أن يستنبطوا من القرآن الأحكام مع بُعْدِهم عن العصر والمحيط اللذين نزل فيهما، أفمن يجوز هذا لمن نزل عليه القرآن، وأمر بتبيينه مع أنه أفصح أهل اللسان.
ولا يخفى على أحد أن كل الناس ليسوا سواء في الاستعداد والفهم وصفاء الذهن، ولذلك نرى أن القرآن الكريم يقرأه كل أحد، ولكنهم يختلفون في فهم معانيه، فالعالم يفهم منه ما لا يفهمه الجاهل، والعلماء أيضا متفاوتون في الفهم والعلم، وقد أمرنا الله تعالى بالرجوع إلى العلماء بقوله:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} وبيّن اختلاف الناس في درجات الفهم بقوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ} .
إذا سلمنا هذين الأمرين، وهو أن الرسول مكلف ببيان القرآن، وأن الناس متفاوتون في الفهم، إذًا فمن أحق ببيان وإيضاح معاني القرآن، والتطبيق العملي لآياته؟ الحق أنه لا يوجد أحق من الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا البيان، هذا البيان الذي سلمنا أن الرسول هو أحق الناس به، هو ما يسمى بالسنة أو الحديث النبوي الشريف، وهذا البيان من الرسول صلى الله عليه وسلم يوحى من الله تعالى كما مرّ في الحديث "ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه" فالرسول أوتي القرآن وبيانه وهو السنة.
على أن الأحكام المستمدة من السنة مأخوذة في الحقيقة من القرآن الكريم وتوجيهه العام، ومستقاة من أصوله، ومستوحاة من أهدافه، إذ إنها إما تخصيص لعمومه، أو مفسرة لمجمله، أو مقيدة لمطلقه، أو شارحة لكيفية تطبيق بعض أحكامه، وهذا ما فهمه الصحابة وعلموه وهو أن السنة وأحكامها تعتبر مأخوذة من القرآن الكريم، لأن الله تعالى قد أحال المسلمين في بعض نصوصه إلى السنة، وقصة المرأة الأسدية مع عبد الله بن مسعود في لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة حينما قالت: لقد قرأت ما بين دفتي المصحف فلم أجد اللعن فيه، قال: أما إنك لو قرأت لوجدتيه، ألم تقرأي قوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، فالأخذ بالسنة في الواقع أخذ بالقرآن، لأن القرآن أحالنا عليها في بعض الأحكام، كما أن السنة هي التاريخ التطبيقي للقرآن، فالجهل بها جهل لكيفية تطبيق القرآن، كما أنها المصدر الوحيد لمعرفة سبب النزول، ومعرفة ناسخ القرآن ومنسوخه، وهذه أمور ضرورية جدا لتحديد معنى النص القرآني في كثير من الآيات.
ولنضرب أمثلة حية من أحكام السنة المخصصة لعموم محمكم القرآن أو المفسرة لمجمله:
1_
فإن ظاهر هذه الآية يدل على أن كل والد يرث ولده وكل مولود يرث والده، لكن جاءت السنة فبينت أن المراد بذلك مع اتفاق الدين بين الوالدين والمولودين، وأما إذا اختلف الدينان فإنه مانع من التوارث، واستقر العمل على ما وردت به السنة في ذلك فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أسامة بن زيد أنه قال:"لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ".
2_
قال تعالى في المرأة التي يطلقها زوجها ثلاثا: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} فاحتمل أن يكون المراد به عقد النكاح وحده واحتمل أن يكون المراد به العقد والإصابة معا، فجاءت السنة فبينت أن المراد به الإصابة بعد العقد، فعن عائشة رضي الله عنها أن رفاعة القرظي طلق امرأته فبتّ طلاقها فنكحت بعده عبد الرحمن بن الزَّبِير فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إنها كانت تحت رفاعة فطلقها آخر ثلاث تطليقات فتزوجت بعبد الرحمن بن الزّبير وإنه والله ما معه إلا مثل هذه الهدبة وأخذت بهدبة من جلبابها قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكا وقال: "لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته"، قالت وأبو بكر جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وخالد بن سعيد بن العاص جالس باب الحجرة لم يؤذن له، فطفق خالد ينادي أبا بكر ألا تزجر هذه عما تجهر به عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
3_
قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ، لكن ليس في الآية الكريمة بيان قيمة المسروق ولا الحرز الذي هو شرط القطع ولم تبين الآية الكريمة من أين تقطع يد السارق أمن الكف، أم من المرفق، أم من المنكب؟ فجاءت السنة فبينت مقدار المسروق وهو ربع دينار كما بينت الحرز وهو يختلف لأنه يكون في كل شيء بما يناسبه، كما بينت السنة أن القطع يكون من مفصل الكف.
4_
والأمثلة على ذلك كثيرة جدا، فمنها الصلوات الخمس فإن الله تعالى قال في القرآن الكريم {وَأَقِيمُوا الصَّلاة} وليس في القرآن بيان عدد الصلوات ولا تحديد أوقاتها، ولا عدد الركعات في كل صلاة، ولا كيفياتها، فجاءت السنة فبينت كل ذلك تفصيلا، وهكذا الزكاة والحج وكثير من العبادات والمعاملات والأحكام الأخرى.
وإني لأتوجه إلى منكري حجية السنة فأقول لهم: إذا كنتم لا تعتبرون السنة حجة عليكم، ولا تعملون بها فكيف تقيمون الصلاة أخذا من القرآن، وكيف تؤدون الزكاة وكيف تقطعون يد السارق وتقيمون الحدود، وتوزعون المواريث والتركات؟ فماذا يكون جوابهم يا ترى؟ سبحانك ربنا هذا ضلال مبين.
وهذه الفتنة ليست بحديثة العهد، فقد قذفها الشيطان في نفوس بعض الناس في القرن الأول، فهذا الخطيب البغدادي يسوق بسنده في كتابه ((الكفاية)) إلى الصحابي الجليل عمران بن حصين رضي الله عنه أنه كان جالسا ومعه أصحابه يحدثهم، فقال رجل من القوم لا تحدثونا إلا بالقرآن، فقال له عمران بن حصين: ادنه، فدنا، فقال: أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن، أكنت تجد فيه صلاة الظهر أربعا، وصلاة العصر أربعا، والمغرب ثلاثا، تقرأ في اثنتين، أرأيت لو وكلت أنت وأصحابك إلى القرآن أكنت تجد الطواف بالبيت سبعا، والطواف بالصفا والمروة ثم قال: أي قوم، خذوا عنا فإنكم والله إن لا تفعلوا لتضلن، وفي رواية أخرى: أن رجلا قال لعمران بن حصين ما هذه الأحاديث التي تحدثوناها وتركتم القرآن؟ قال: أرأيت لو أبيت أنت وأصحابك إلا القرآن، من أين كنت تعلم أن صلاة الظهر عدتها كذا وكذا، وصلاة العصر عدتها كذا، وحين وقتها كذا، وصلاة المغرب كذا، والموقف بعرفة، ورمي الجمار كذا، واليد من أين تقطع، أمن هنا أم هاهنا أم من هاهنا، ووضع يده على مفصل الكف، ووضع يده عند المرفق، ووضع يده عند المنكب اتبعوا حديثنا ما حدثناكم وإلا والله ضللتم.
وساق بسنده إلى أبي أيوب السختياني أنه قال: إذا حدثت الرجل بالسنة فقال دعنا من هذا وحدثنا بالقرآن فاعلم أنه ضال مضل.
وبعد هذا العرض الموجز لأدلة حجية السنة من القرآن والسنة والإجماع والمعقول يفرض للشبهات التي أثارها منكرو حجية السنة ومنتقدو طريقة المحدثين في جمع الحديث وتمييز صحيحه من سقيمه في القديم والحديث.
لقد تعرضت السنة لمن ينكر حجيتها قديما وحديثا، أما في القديم فلم يأت القرن الثاني حتى ظهر من ينكر أنها مصدر من مصادر التشريع، ومنهم من أنكر حجية غير المتواتر منها، كما ظهر من ينكر منها ما لا يكون بيانا للقرآن أو مؤكدا له.
وأول من تعرض لدحض تلك الآراء الخبيثة الإمام الشافعي رحمه الله -فيما أعلم-، فقد ذكر في آخر كتاب ((الأم)) مناظرة جرت بينه وبين من ينسب إلى العلم بمذهب أصحابه ممن يردون الأخبار كلها، كما عقد في ((الرسالة)) بحثا مستفيضا أثبت فيه وجوب اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأن طاعته مقرونة بطاعة الله، وبيّن كيف أجمع الصحابة وأهل العلم على العمل بخبر الواحد في مسائل كثيرة من أحكام الشريعة سردها رحمه الله سردا قويا مقنعا، ولم يبين الشافعي رحمه الله تعالى من هذه الطائفة التي ردت الأخبار كلها، ولا من هو الشخص الذي ناظره في ذلك، ورأي الشيخ الخضري رحمه الله أن الشافعي يعني بذلك المعتزلة، لأن الشافعي قد صرح بأن صاحب هذا المذهب منسوب إلى البصرة، وكانت البصرة آنذاك مركزا لحركة فلسفية كلامية، ومنها نبغت مذاهب المعتزلة، فقد نشأ بها كبارهم وكتابهم، وكانوا معروفين بمخاصمتهم لأهل الحديث، ودعم الخضري قوله بما تعرض له ابن قتيبة في كتابه ((تأويل مختلف الحديث)) من الرد على شيوخ المعتزلة فيما كانوا يطعنون به الصحابة وكبار التابعين.
وفي الحقيقة أن غارة شعواء شُنت في العصر الذي كتب فيه الشافعي رسالته أو قبل ذلك بقليل من المتكلمين على أهل السنة وأهل الحديث، وبالتالي على السنة التي يشتغلون بها ويدعون الناس إلى الاحتجاج بها، فقد كان غلاة المعتزلة يريدون تحكيم العقل وطرح نصوص السنة، ولكن الشافعي ناقشهم وأطال النقاش معهم حتى ألقمهم الحجر، ويتضح مما ذكره الشافعي من رأي منكري حجية السنة، ومما ذكره العلماء من آراء بعض شيوخ المعتزلة أنهم ينكرون حجيتها من حيث الشك في طريق ثبوتها وما يلحق رواتها من خطأ أو وهم، أو ما يندس بينهم من وضاعين وكذابين، لا أنهم ينكرونها من حيث هي أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعال وتقريرات ثابتة عنه، فإن أي مسلم مهما كان لا يقول بذلك، وهذا في الحقيقة تستّر ماكر وراء تلك الشبهات التي يثيرونها حول صحة نسبة السنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظنية ثبوتها على فرض صحتها، وأن الظني لا يمكن أن تبنى عليه أحكام شرعية.
وتتلخص شبهات من يرد غير المتواتر من السنة أو يرد السنة كلها كما حكاها الإمام الشافعي عنهم بما يلي:
أما من يرد غير المتواتر منها فيقول: إن خبر الواحد (أو خبر الآحاد) يفيد الظن بالنسبة لثبوته نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والظني الثبوت لا يجوز أن نبني عليه أحكام شرعية.
وقد رد عليهم الشافعي ببحث طويل مستفيض في ((الرسالة)) بما يقارب المائة صفحة، وفي بعض طبعات هذا الكتاب، وأتى بأدلة على حجية خبر الواحد، أقواها عمل الصحابة وإجماعهم على الأخذ بخبر الواحد والاحتجاج به حتى في الأمور العظيمة الخطيرة، وأتى بأمثلة كثيرة أسوق مثالا واحدا منها طلبا للاختصار، هذا المثال هو تحول أهل قباء وهم في صلاة الفجر من التوجه إلى بيت المقدس واستقبالهم بيت الله الحرام بخبر الواحد، وهذا ما قاله الشافعي في الرسالة، قال الشافعي: ((وأهل قباء أهل سابقة من الأنصار وفقه، وقد كانوا على قبلة فرض الله عليهم استقبالها، ولم يكن لهم أن يدعوا فرض الله في القبلة إلا بما تقوم عليهم الحجة، ولم يلقوا رسول الله ولم يسمعوا ما أنزل الله عليه في تحويل القبلة، فيكونون مستقبلين بكتاب الله وسنة نبيه سماعا من رسول الله ولا بخبر عامة، وانتقلوا بخبر الواحد إذ كان عندهم من أهل الصدق عن فرض كان عليهم فتركوه إلى ما أخبرهم عن النبي أنه أحدث عليهم من تحويل القبلة، ولم يكونوا ليفعلوه إن شاء الله بخبر الواحد إلا عن علم بأن الحجة تثبت بمثله، إذا كان من أهل الصدق
…
إلى آخر ما قال
…
)) [1] .
وقد عقد الخطيب البغدادي في ((الكفاية)) بابا سماه ((باب ذكر بعض الدلائل على صحة العمل بخبر الواحد ووجوبه)) استهله بقوله ((قد أفردنا لوجوب العمل بخبر الواحد كتابا، ونحن نشير إلى شيء منه في هذا الموضع، إذ كان مقتضيا له)) ثم قال: ((فمن أقوى الأدلة على ذلك ما ظهر وانتشر عن الصحابة من العمل بخبر الواحد)) [2] ، ثم ساق الأمثلة والشواهد على احتجاج الصحابة بخبر الواحد، إلى أن ختم الباب بقوله ((وعلى العمل بخبر الواحد كان كافة التابعين ومن بعدهم من الفقهاء الخالفين في سائر أمصار المسلمين إلى وقتنا هذا، ولم يبلغنا عن أحد منهم إنكار ذلك ولا اعتراض عليه، فثبت أن من بينهم دين جميعهم وجوبه، إذ لو كان فيهم من كان لا يرى العمل به لنقل إلينا الخبر عنه بمذهبه والله أعلم [3] .
وأما من يرد الأخبار كلها فيمكن حصر شبهتهم بأن القرآن جاء تبيانا لكل شيء، فإن جاءت الأحاديث بأحكام جديدة لم ترد في القرآن، كان ذلك معارضة من ظني الثبوت وهو الحديث القطعي الثبوت وهو القرآن، والظني لا يقوى على معارضة القطعي، وإن جاءت مؤكدة لحكم القرآن كان الاتباع للقرآن لا للسنة، وإن جاءت لبيان ما أجمله القرآن كان ذلك تبيانا للقطعي الذي يكفر من أنكر ثبوته بالظني الذي لا يكفر من أنكر ثبوته.
وهذه التقسيمات في الحقيقة فلسفة فارغة تعارض ما كان عليه الصحابة والتابعون ومن تبعهم بإحسان من العمل بالحديث بمجرد ثبوته ولو من طريق شخص واحد إذا توفرت فيه شروط الراوي المعروفة من العدالة والضبط وغير ذلك.
ويتخلص جواب الشافعي عن شبه هؤلاء بما يلي:
1_
إن الله تعالى أوجب علينا اتباع رسوله، وهذا عام بمن كان في زمنه وكل من يأتي بعده، ولا سبيل إلى ذلك لمن لم يشاهد الرسول إلا عن طريق رواية الأحاديث، فيكون الله قد أمرنا باتباعها وقبولها، لأن ما لا يتم الواجب إلا به كان واجبا.
وحتى أن الصحابة رضي الله عنهم لم يتيسر لمجموعهم -مع أنهم في زمنه- أن يسمعوا جميع ما قاله الرسول منه مباشرة، فكثيرا ما كان يسمعها البعض ويبلغونها غيرهم فيعملون بها جميعا، السامع والمبلّغ.
2_
إنه لابد من قبول الأحاديث لمعرفة أحكام القرآن نفسه، فإن الناسخ والمنسوخ لا يعرفان إلا بالرجوع إلى السنة.
3_
إن هنالك أحكاما متفقا عليها بين جميع أهل العلم وطوائف المسلمين قاطبة حتى الذين ينكرون حجية السنة، كعدد الصلوات المفروضة، وعدد الركعات، وأنصبة الزكاة وغيرها، ولم يكن من سبيل لمعرفتها وثبوتها إلا السنة.
4_
إن الشرع قد جاء بتخصيص القطعي بظني، كما جاء في الشهادة على القتل والمال، فإن حرمة النفس والمال مقطوع بهما، وقد قبلت فيهما شهادة الاثنين، وهي ظنية بلا جدال.
5_
إن الأخبار وإن كانت تحتمل الخطأ والوهم والكذب، ولكن الاحتمال بعد التأكد والتثبت من عدالة الراوي ومقابلة الرواية بروايات أقرانه من المحدّثين يصبح أقلّ من الاحتمال الوارد في الشهادات، خصوصا إذا عضد الرواية نص من كتاب أو سنة فإن الاحتمال يكاد يكون معدوما.
ولعمري هذه إجابات موفقة مخرسة ألهمها الله تعالى للإمام الشافعي حفظا لدينه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فالحمد لله على توفيقه.
وأما قولهم إن الله أنزل الكتاب تبيانا لكل شيء فإن من المعلوم أن الله لم ينص على كل جزئية من جزئيات الشريعة وإنما بين أصول الشريعة ومصادرها وقواعدها ومبادئها العامة.. ومن الأصول التي بينها وجوب العمل بسنة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام كما في قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}
…
هذه هي الشبهات والهجمات التي تعرضت لها السنة من قبَل مفكريها في القديم، ولكنها لم تثبت أمام الحق ولم يكتب لها البقاء أمام جهود العلماء من أئمة السنة وأئمة الاجتهاد وطوائف المسلمين المتعددة فرسخت دعائم السنة وقام عليها كيان التشريع الإسلامي العظيم، وكانت تلك الشبهات التي ألقاها أصحابها كزوبعة هوجاء ما لبث أن زالت وصحا الجو ولم يبق لها من أثر
…
وبقيت الحال كذلك إلى أوائل هذا القرن إذ سمعنا من جديد إثارة الفتنة حول حجية السنة وبعثها من جديد وتناسى مثيروها أن سلفهم من شياطين الإنس قد أثاروها من القديم ثم خنسوا لما تلقوا الردود المفحمة التي أخرستهم.. وفي الحقيقة فإن الدافع الذي يكمن وراء هذه الحملات في القديم والحديث واحد، وهو الكيد للإسلام وهدمه وذلك بهدم الركن الثاني من أركانه، فإن الذي كان وراء المعتزلة الذين تولوا أكبر معارضة السنة وأهل الحديث هو الفلسفة اليونانية الحاقدة على الإسلام، وكذلك فإن حركة الاستشراق اليهودية والنصرانية معا هي التي تكمن وراء إثارة هذه الشبهات حول حجية السنة في هذا العصر
…
فهذا كبير المستشرقين المستشرق اليهودي المجري جولد تسيهر الذي يعد أشد المستشرقين خطرا وأكثرهم خبثا وإفسادا في هذا الميدان وذلك لسعة اطلاعه على المراجع الإسلامية حتى اعتبر زعيم المستشرقين ولا تزال كتبه وبحوثه مرجعا خصبا وأساسيا للمستشرقين في هذا العصر.. وكان له أكبر الأثر في التشكيك بالسنة وترى أراءه منثورة في كتبه المتعددة.. وأهم شبهة له ما زعمه من أن
القسم الأكبر من الحديث ليس وثيقة للإسلام في عهده الأول ((عهد الطفولة)) ولكنه أثر من آثار جهود المسلمين في عصر النضج، يقول جولد تسيهر:((إن القسم الأكبر من الحديث ليس إلا نتيجة للتطور الديني والسياسي والاجتماعي في القرنين الأول والثاني)) ومعلوم أن هذا زعم باطل تكذبه النصوص الثابتة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا وقد وضع الأسس الكاملة لبنيان الإسلام الشامخ بما أنزل الله عليه في كتابه وبما سنه عليه الصلاة والسلام من سنن وشرائع وقوانين شاملة وافية، حتى قال صلى الله عليه وسلم قبيل وفاته "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنتي".
ومن المعلوم أم من أواخر ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ..} وذلك صريح في كمال الإسلام وتمامه، فما توفي الرسول عليه إلا والإسلام ناضج كامل لا طفل يافع كما يدعي جولد تسيهر.. وتبع هذا المستشرق عدد من المستشرقين كشاخت وغيره، فأثاروا شبهات حول السنة تتعلق بالتشكيك في نسبة السنة للرسول صلى الله عليه وسلم وأنها من وضع الناس، وإن المحدثين وإن اعتنوا بالنقد الخارجي أي نقد السنة إلا أنهم لم يعتنوا بالنقد الداخلي أي نقد المتن، وإن كنا لا نعبأ بشبهات هؤلاء الكفرة وأضاليلهم المتهافتة لولا أن ناسا ممن يسمون أنفسهم علماء أو كتّابا إسلاميين تلقفوا كلام أولئك المستشرقين وصاروا يلوكونه ويلوحون به على شكل مقالات في الصحف أو أبحاث في طيات الكتب متظاهرين بالبحث العلمي والتجديد في البحث، وهم في الحقيقة إما جهلة أو مأجورون أخباث وإن كنت شخصيا أرجح الثانية
…
فمن هؤلاء ((أبو رية)) فقد نشر كتابا اسمه ((أضواء على السنة المحمدية)) وكل ما في هذا الكتاب تشكيك بالسنة وصحة نسبتها للرسول عليه السلام، وكله سباب وشتم وطعن في الصحابي الجليل راوية الإسلام ((أبي هريرة)) وذلك باستشهادات مبتورة محرّفة وتأويلات باطلة تروق له ولمن دفعه من المستشرقين، ولا أحب عرض أي شيء من كتابه هذا لتفاهة الكتاب وتفاهة مؤلفه وإن كان ردّ عليه كثير من العلماء في مصر وغيرها.. ومنهم أيضا أحمد أمين في كتابه ((ضحى الإسلام)) يقول في الجزء الثاني منه ص 130 ما يلي: ((وفي الحق أن المحدثين عنوا عناية كبيرة بالنقد الخارجي ولم يعنوا هذه العناية بالنقد الداخلي، فقد بلغوا الغاية في نقد الحديث من ناحية رواته جرحا وتعديلا، فنقدوا رواة الحديث في أنهم ثقات أو غير ثقات، وبينوا مقدار درجتهم في الثقة وبحثوا هل تلاقى الراوي والمروي عنه أو لم يتلاقيا، وقسموا الحديث باعتبار ذلك ونحوه
إلى حديث صحيح وحسن وضعيف، وإلى مرسل ومنقطع، وإلى شاذ وغريب وغير ذلك، ثم قال: ولكنهم لم يتوسعوا كثيرا في النقد الداخلي فلم يتعرضوا لمتن الحديث هل ينطبق على الواقع أو لا؟ وقال أيضا: ((كذلك لم يتعرضوا كثيرا لبحث الأسباب السياسية التي قد تحمل على الوضع فلم أرهم شكوا كثيرا في أحاديث لأنها تدعم الدولة الأموية أو العباسية أو العلوية الخ ما قال
…
وتبعه على هذا الدكتور أحمد عبد المنعم البهي في مجلة العربي الصادرة بالكويت في نيسان 1966 العدد 89 ص 13 إذ يقول: إن رجال الحديث كان كل همهم منصرفا إلى تصحيح السند والرواية دون الاهتمام بتمحيص متن الحديث نفسه الذي هو النص.
والحقيقة أن كلام هذين الشخصين كلام من لم يمارس فن المصطلح وعلومه أوفى ممارسة، فإن علماء المصطلح اعتنوا بنقد المتن كما اعتنوا بنقد السند تماما، فهذه الشروط التي وضعها علماء المصطلح للتصحيح فإن منها أن لا يكون الحديث شاذا ولا معللا، ثم يذكرون أن الشذوذ قسمان: شذوذ في المتن وشذوذ في السند، وكذلك يقولون أن العلة قد تكون في المتن كما تكون في السند
…
فلو كان أحمد أمين وأحمد عبد المنعم يحترمان نفسيهما لما قالا هذا القول الذي يدل على جهلهما بمبادئ علم المصطلح التي يتلقاها المبتدئون من طلبة العلم، لكن الكسب المادي الحرام وحب التظاهر والتقليد للمستشرقين والتظاهر أمام الناس بمعرفة شيء خفي بزعمهم على الأئمة هو الذي أوقعهما وأوقع غيرهما في مثل هذه الورطة
…
والشي الذي يلفت النظر أن مجلة العربي نشرت مرارا للدكتور أحمد عبد المنعم المذكور وغيره مقالات في الطعن بالسنة والحديث النبوي الشريف والتشكيك في نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أن الطعن نال الأحاديث التي جاءت في صحيح البخاري وذلك بأسلوب حقير واضح الحقارة ليس فيه أثر من علم ولا دين، وبشكل لا تحسد عليه مجلة العربي ولا تُشكر.. فيجب التنبه إلى تلك الأقلام الأثيمة في تلك المجلة والتنقيب عمن يكمن وراء تلك الحملات المغرضة على السنة وكتب الحديث الصحيحة
…
هذا جهد متواضع عرضته بإيجاز لضيق المقام وذلك تنبيها لشبابنا الصاعد من أن تقع في أيديهم تلك المقالات الأثيمة فيخدعوا بزخرفها وربما يداخلهم الشك في صحة نسبة السنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالتالي إلى أنها لا تصلح لأن يحتج بها، وما أظن أني وفيت الموضوع حقه في هذه العجالة ولكن عسى الله أن ينفع بهذا التذكير البسيط شبابنا المؤمن والحمد لله رب العالمين.
--------------------------------------------------------------------------------
[1]
الرسالة للشافعي ص 406-407 طبعة مصطفى البابي الحلبي بتحقيق وشرح أحمد محمد شاكر.
[2]
الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي ص 26.
[3]
المصدر السابق ص 31.
دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب
لفضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي
المدرس بالجامعة
سورة يس
قوله تعالى: {إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن} الآية.
ظاهرها خصوص الإنذار بالمنتفعين به ونظيرها قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} وقد جاءت آيات أخر تدل على عموم الإنذار كقوله: {وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدّاً} .
وقوله {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} ، وقوله:{فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} وقد قدمنا وجه الجمع بأن الإنذار في الحقيقة عام وإنما خص في بعض الآيات بالمؤمنين لبيان أنهم هم المنتفعون به دون غيرهم كما قال تعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} .
وبين أن الإنذار وعدمه سواء بالنسبة إلى إيمان الأشقياء بقوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} .
سورة الصافات
قوله تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} ، هذه الآية الكريمة فيها التصريح بنبذ يونس بالعراء عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وقد جاءت آية أخرى يتوهم منها خلاف ذلك وهي قوله:{لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ} الآية.
والجواب: أن الامتناع المدلول عليه بحرف الامتناع الذي هو لولا منصب على الجملة الحالية لا على جواب لولا.
وتقرير المعنى: لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء في حال كونه مذموما لكنه تداركته نعمة ربه فنبذ بالعراء غير مذموم فهذه الحال عمدة لا فضلة، أو أن المراد بالفضلة ما ليس ركنا في الإسناد وإن توقفت صحة المعنى عليه ونظيرها قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ} وقوله: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} الآية لأن النفي فيهما منصب على الحال لا على ما قبلها.
سورة ص
قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْم} الآية، هذه الآية تدل بظاهرها على أن الخصم مفرد ولكن الضمائر بعده تدل على خلاف ذلك، والجواب أن الخصم في الأصل مصدر خصمه والعرب إذا نعتت بالمصدر أفردته وذكّرته، وعليه فالخصم يراد به الجماعة والواحد والاثنان ويجوز جمعه وتثنيته لتناسي أصله الذي هو المصدر وتنزيله منزلة الوصف.
قال ابن مالك:
ونعتوا بمصدر كثيرا
فالتزموا الإفراد والتذكيرا
سورة الزمر
قوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} ظاهر في الإفراد، وقوله:{أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} يدل على خلاف ذلك.
وقد قدمنا وجه الجمع محررا بشواهده في سورة البقرة في الكلام على قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً} الآية.
قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآية: هذه الآية الكريمة تدل على أمرين.
الأول: أن المسرفين ليس لهم أن يقنطوا من رحمة الله مع أنه جاءت آية أخرى تدل على خلاف ذلك وهي قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} .
والجواب أن الإسراف يكون بالكفر ويكون بارتكاب المعاصي دون الكفر فآية {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} في الإسراف الذي هو كفر وآية {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} في الإسراف بالمعاصي دون الكفر، ويجاب أيضا بأن آية {وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ} فيما إذا لم يتوبوا وأن قوله {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} فيما إذا تابوا.
والأمر الثاني: أنها دلت على غفران جميع الذنوب، مع أنه دلت آيات أخر على أن من الذنوب ما لا يغفر وهو الشرك بالله تعالى.
والجواب-أن الآية {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} مخصصة لهذه، وقال بعض العلماء هذه مقيدة بالتوبة بدليل قوله تعالى:{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ} فإنه عطف على قوله {لا تقنطوا} ، وعليه فلا إشكال وهو اختيار ابن كثير.
سورة غافر
قوله تعالى: {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} هذه الآية الكريمة تدل على أن استغفار الملائكة لأهل الأرض خاص بالمؤمنين منهم، وقد جاءت آية أخرى يدل ظاهرها على خلاف ذلك وهي قوله تعالى:{وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ} الآية.
والجواب أن آية غافر مخصصة لآية الشورى، والمعنى ويستغفرون لمن في الأرض من المؤمنين لوجوب تخصيص العام بالخاص.
قوله تعالى: {وَإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ} لا يخفى ما سبق إلى الذهن في هذه الآية من توهم المنافاة بين الشرط والجزاء في البعض لأن المناسب لاشتراط الصدق هو أن يصيبهم جميع الذين يعدهم لا بعضه مع أنه تعالى لم يقل وإن يك صادقا يصبكم كل الذي يعدكم، وأجيب عن هذا بأجوبة من أقربها عندي أن المراد بالبعض الذي يصيبهم هو البعض العاجل الذي هو عذاب الدنيا لأنهم أشد خوفا من العذاب العاجل، ولأنهم أقرب إلى التصديق بعذاب الدنيا منهم بعذاب الآخرة، ومنها أن المعنى: إن يك صادقا فلا أقل من أن يصيبكم بعض الذي يعدكم، وعلى هذا فالنكتة المبالغة في التحذير لأنه إذا حذرهم من إصابة البعض أفاد أنه مهلك مخوف فما بال الكل، وفيه إظهار لكمال الإنصاف وعدم التعصب ولذا قدم احتمال كونه كاذبا.
ومنها -أن لفظة- البعض يراد بها الكل وعليه فمعنى بعض الذي يعدكم كل الذي يعدكم ومن شواهد هذا في اللغة العربية قول الشاعر:
إن الأمور إذا الأحداث دبرها
دون الشيوخ ترى في بعضها خللا
يعني ترى فيها خللا.
وقول القطامي:
قد يدرك المتأني بعض حاجته
وقد يكون مع المستعجل الزلل
يعني قد يدرك المتأني حاجته.
وأما استدلال أبي عبيدة لهذا بقول لبيد:
تراك أمكنة إذا لم أرضها
أو يعتلق بعض النفوس حمامها
فغلط منه لأن مراد لبيد ببعض النفوس نفسه كما بينته في رحلتي في الكلام على قوله {وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ} الآية.
سورة فصلت
قوله تعالى: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْض} إلى قوله {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء} تقدم وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى: {وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} في الكلام على قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} الآية.
قوله تعالى: {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} .
لا يخفى ما يسبق إلى الذهن من منافاة هذه الحال وصاحبها لأنها جمع مذكور عاقل وصاحبها ضمير تثنية لغير عاقل ولو طابقت صاحبها في التثنية حسب ما يسبق إلى الذهن لقال: أتينا طائعتين.
والجواب عن هذا من وجهين: أحدهما - وهو الأظهر عندي - أن جمعه للسموات والأرض لأن السموات سبع والأرضين كذلك بدليل قوله {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} فالتثنية لفظية تحتها أربعة عشر فردا، وأما إتيان الجمع على صيغة جمع العقلاء فلأن العادة في اللغة العربية أنه إذا وصف غير العاقل بصفة تختص بالعاقل أجرى عليه حكمه ومنه قوله تعالى:{إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ} لما كان السجود في الظاهر من خواص العقلاء أجرى حكمهم على الشمس والقمر والكواكب لوصفها به، ونظيره، قوله تعالى:{قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ، قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ} .
فأجرى على الأصنام حكم العقلاء لتنزيل الكفار لها منزلتهم، ومن هذا المعنى قول قيس بن الملوح:
أسرب القطا هل من يعير جناحه
…
البيت.
فإنه لما طلب الإعارة من القطا وهي من خواص العقلاء أجرى على القطا اللفظ المختص بالعقلاء لذلك، ووجه تذكير الجمع أن السموات والأرض تأنيثها غير حقيقي.
الوجه الثاني: أن المعنى قالتا أتينا بمن فينا طائعين فيكون فيه تغليب العاقل على غيره والأول أظهر عندي والعلم عند الله تعالى.
سورة الشورى
قوله تعالى: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيّ} الآية، هذه الآية الكريمة تدل على أن الكفار يوم القيامة ينظرون بعيون خفية ضعيفة النظر وقد جاءت آية أخرى يتوهم منها خلاف ذلك وهي قوله تعالى:{فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} .
والجواب هو ما ذكره صاحب الإتقان من أن المراد بحدة البصر العلم وقوة المعرفة، قال قطرب: فبصرك أي علمك ومعرفتك بها قوية من قولهم بصر بكذا أي علم وليس المراد رؤية العين، قال الفارسي ويدل على ذلك قوله {فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ} .
وقال بعض العلماء: فبصرك اليوم حديد أي تدرك به ما عميت عنه في دار الدنيا ويدل لهذا قوله تعالى: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا} الآية، وقوله:{وَرَأى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} الآية، وقوله:{أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} .
ودلالة القرآن على هذا الوجه الأخير ظاهرة فلعله هو الأرجح وإن اقتصر صاحب الإتقان على الأول.
سورة الزخرف
قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} كلامهم هذا حق لأن كفرهم بمشيئة الله الكونية وقد صرح الله بأنهم كاذبون حيث قال: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ} .
وقد قدمنا الجواب واضحا في سورة الأنعام في الكلام على قوله: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْء} الآية.
قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} هذا العطف مع التنكير في هذه الآية يتوهم الجاهل منه تعدد الآلهة مع أن الآيات القرآنية مصرحة بأنه واحد كقوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} وقوله: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ} الآية.
والجواب- أن معنى الآية أنه تعالى هو معبود أهل السموات والأرض فقوله: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ} أي معبود وحده في السماء كما أنه المعبود بالحق في الأرض سبحانه وتعالى.
سورة الدخان
قوله تعالى: {ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} ، هذه الآية الكريمة يتوهم من ظاهرها ثبوت العزة والكرم لأهل النار مع أن الآيات القرآنية مصرحة بخلاف ذلك كقوله:{سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} أي صاغرين أذلاء.
وكقوله {وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} ، وقوله هنا:{خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ} .
والجواب- أنها نزلت في أبي جهل لما قال: أيوعدني محمد صلى الله عليه وسلم وليس بين جبليها أعز ولا أكرم مني فلما عذبه الله بكفره قال له ذق إنك أنت العزيز الكريم في زعمك الكاذب بل أنت المهان الخسيس الحقير فهذا التقريع نوع من أنواع العذاب.
سورة الجاثية
قوله تعالى: {وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} لا يعارض قوله تعالى: {لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} ولا قوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} وقد قدمنا الجواب واضحا في سورة الأعراف.
سورة الأحقاف
قوله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} الآية، هذه الآية الكريمة تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لا يعلم مصير أمره وقد جاءت آية أخرى تدل أنه عالم بأن مصيره إلى الخير وهي قوله تعالى:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} فإن قوله وما تأخر تنصيص على حسن العاقبة والخاتمة والجواب ظاهر وهو أن الله تعالى علمه ذلك بعد أن كان لا يعلمه.
ويستأنس له بقوله تعالى: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} الآية وقوله: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً} الآية، وقوله:{وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} ، وقوله:{وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} الآية.
وهذا الجواب هو معنى قول ابن عباس وهو مراد عكرمة والحسن وقتادة بأنها منسوخة بقوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ} الآية.
ويدل له أن الأحقاف مكية وسورة الفتح نزلت عام ست في رجوعه صلى الله عليه وسلم من الحديبية، وأجاب بعض العلماء بأن المراد ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدنيا من الحوادث والوقائع وعليه فلا إشكال والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} هذه الآية يفهم من ظاهرها أن جزاء المطيع من الجن غفران ذنوبه وإجارته من عذاب أليم لا دخوله الجنة، وقد تمسك جماعة من العلماء منهم الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى بظاهر هذه الآية فقالوا إن المؤمنين المطيعين من الجن لا يدخلون الجنة مع أنه جاء في آية أخرى ما يدل على أن مؤمنيهم في الجنة وهي قوله تعالى:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} لأنه تعالى بين شموله للجن والإنس بقوله: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} ويستأنس لهذا بقوله تعالى: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ} لأنه يشير إلى أن في الجنة جنا يطمثون النساء كالإنس والجواب عن هذا أن آية الأحقاف نص فيها على الغفران والإجارة من العذاب ولم يتعرض فيها لدخول الجنة بنفي ولا إثبات، وآية الرحمن نص فيها على دخولهم الجنة لأنه تعالى قال فيها:{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ} وقد تقرر في الأصول أن الموصولات من صيغ العموم فقوله لمن خاف يعم كل خائف مقام ربه ثم صرح بشمول ذلك للجن والإنس معا بقوله: {فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} فبين أن الوعد بالجنتين لمن خاف مقام ربه من آلائه أي نعمه على الإنس والجن فلا تعارض بين الآيتين لأن إحداهما بينت ما لم تتعرض له الأخرى ولو سلمنا أن قوله: {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} يفهم منه عدم دخولهم الجنة فإنه إنما يدل عليه بالمفهوم وقوله {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ، فبأي آلاء ربكما تكذبان} يدل على دخولهم الجنة بعموم المنطوق والمنطوق مقدم على المفهوم كما تقرر في الأصول ولا يخفى أنا إذا أردنا تحقيق هذا المفهوم المدعى وجدناه معدوما من أصله للإجماع على أن قسمة المفهوم ثنائية، إما
أن يكون مفهوم موافقة أو مخالفة ولا ثالث، ولا يدخل هذا المفهوم المدعى في شيء من أقسام المفهومين أما عدم دخوله في مفهوم الموافقة بقسميه فواضح وأما عدم دخوله في شيء من أنواع مفهوم المخالفة فلأن عدم دخوله في مفهوم الحصر أو العلة أو الغاية أو العدد أو الصفة أو الظرف واضح فلم يبق من أنواع مفهوم المخالفة يتوهم دخوله فيه إلا مفهوم الشرط أو اللقب وليس داخلا في واحد منهما فظهر عدم دخوله فيه أصلا، أما وجه توهم دخوله في مفهوم الشرط فلأن قوله {يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} فعل مضارع مجزوم بكونه جزاء الطلب وجمهور علماء العربية على أن الفعل إذا كان كذلك فهو مجزوم بشرط مقدر لا بالجملة قبله كما قيل به وعلى الصحيح الذي هو مذهب الجمهور فتقرير المعنى أجيبوا داعي الله وآمنوا به أن تفعلوا ذلك يغفر لكم فيتوهم في الآية مفهوم هذا الشرط المقدر، والجواب عن هذا أن مفهوم الشرط عند القائل به إنما هو في فعل الشرط لا في جزائه وهو معتبر هنا في فعل الشرط على عادته فمفهوم أن تجيبوا داعي الله وتؤمنوا به يغفر لكم أنهم إن لم يجيبوا داعي الله ولم يؤمنوا به لم يغفر لهم وهو كذلك، أما جزاء الشرط فلا مفهوم له لاحتمال أن تترتب على الشرط الواحد مشروطات كثيرة فيذكر بعضها جزاء له فلا يدل على نفي غيره كما لو قلت لشخص مثلا إن تسرق يجب عليك غرم ما سرقت فهذا الكلام حق ولا يدل على نفي غير الغرم كالقطع، لأن قطع اليد مرتب أيضا على السرقة كالغرم فكذلك الغفران والإجارة من العذاب ودخول الجنة كلها مرتبة على إجابة داعي الله والإيمان به فذكر في الآية بعضها وسكت فيها عن بعض ثم بين في موضع آخر وهذا لا إشكال فيه، وأما وجه توهم دخوله في مفهوم اللقب فلأن اللقب في اصطلاح الأصوليين هو ما لم يكن انتظام الكلام العربي دونه أعني المسند إليه سواء كان لقبا أو كنية أو اسما أو اسم جنس أو غير ذلك وقد أوضحنا اللقب غاية في المائدة.
والجواب عن عدم دخوله في مفهوم اللقب أن الغفران والإجارة من العذاب المدعى بالفرض أنهما لقبان لجنس مصدريهما وأن تخصيصهما في الآية مسندان لا مسند إليهما بدليل أن المصدر فيهما كامن في الفعل ولا يسند إلى الفعل إجماعا ما لم يرد مجرد لفظه على سبيل الحكاية، ومفهوم اللقب عند القائل به إنما هو فيما إذا كان اللقب مسندا إليه لأن تخصيصه بالذكر عند القائل به يدل على اختصاص الحكم به دون غيره وإلا لما كان للتخصيص بالذكر فائدة كما عللوا به مفهوم الصفة، وأجيب من جهة الجمهور بأن اللقب ذكر ليمكن الحكم لا لتخصيصه بالحكم إذ لا يمكن الإسناد بدون مسند إليه ومما يوضح ذلك أن مفهوم الصفة الذي حمل عليه اللقب عند القائل به إنما هو في المسند إليه لا في المسند لأن المسند إليه هو الذي تراعى أفراده وصفاتها فيقصد بعضها بالذكر دون بعض فيختص الحكم بالمذكور.
أما المسند فإنه لا يراعى فيه شيء من الأفراد ولا الأوصاف أصلا وإنما يراعى فيه مجرد الماهية التي هي الحقيقة الذهنية فلو حكمت مثلا على الإنسان بأنه حيوان فإن المسند إليه الذي هو الإنسان في هذا المثال يقصد به جميع أفراده لأن كل فرد منها حيوان بخلاف المسند الذي هو الحيوان في هذا المثال فلا يقصد به إلا مطلق ماهيته وحقيقته الذهنية من غير مراعاة الأفراد، لأنه لو روعيت أفراده لاستلزم الحكم على الإنسان بأنه فرد آخر من أفراد الحيوان كالفرس مثلا والحكم بالمباين على المباين باطل إذا كان إيجابيا باتفاق العقلاء وعامة النظار على أن موضوع القضية إذا كانت غير طبيعية يراعى فيه ما يصدق عليه عنوانها من الأفراد باعتبار الوجود الخارجي إن كانت خارجية أو الذهني إن كانت حقيقية.
وأما المحمول من حيث هو فلا تراعى فيه الأفراد البتة وإنما يراعى فيه مطلق الماهية ولو سلمنا تسليما جدليا أن مثل هذه الآية يدخل في مفهوم اللقب فجماهير العلماء على أن مفهوم اللقب لا عبرة به وربما كان اعتباره كفرا كما لو اعتبر معتبر مفهوم اللقب في قوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} فقال يفهم من مفهوم لقبه أن غير محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن رسول الله فهذا كفر بإجماع المسلمين فالتحقيق أن اعتبار مفهوم اللقب لا دليل عليه شرعا ولا لغة ولا عقلا سواء كان اسم جنس أو اسم عين أو اسم جمع أو غير ذلك، فقولك جاء زيد لا يفهم منه عدم مجيء عمرو، وقولك رأيت أسدا لا يفهم منه عدم رؤيتك غير الأسد والقول بالفرق بين اسم الجنس فيعتبر واسم العين فلا يعتبر لا يظهر فلا عبرة بقول الصيرفي وأبي بكر الدقاق وغيرهما من الشافعية، ولا بقول ابن خويز منداد وابن القصار من المالكية ولا بقول بعض الحنابلة باعتبار مفهوم اللقب لأنه لا دليل على اعتباره عند القائل به إلا أنه يقول لو لم يكن اللقب مختصا بالحكم لما كان لتخصيصه بالذكر فائدة كما علل به مفهوم الصفة لأن الجمهور يقولون ذكر اللقب ليسند إليه وهو واضح لا إشكال فيه، وأشار صاحب مراقي السعود إلى تعريف اللقب بالاصطلاح الأصولي وأنه أضعف المفاهيم بقوله:
أضعفها اللقب وهو ما أبي
من دونه نظم الكلام العربي
وحاصل فقه هذه المسألة أن الجن مكلفون على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بدلالة الكتاب والسنة وإجماع المسلمين وأن كافرهم في النار بإجماع المسلمين وهو صريح، قوله تعالى:{لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} ، وقوله تعالى:{فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} ، وقوله تعالى:{قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ فِي النَّارِ} إلى غير ذلك من الآيات، وأن مؤمنيهم اختلف في دخولهم الجنة ومنشأ الخلاف الاختلاف في فهم الآيتين المذكورتين والظاهر دخولهم الجنة كم بينا والعلم عند الله تعالى.
سورة القتال
قوله تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً} هذه الآية الكريمة تدل على تعدد الأنهار مع تعدد أنواعها، وقد جاءت آية أخرى يوهم ظاهرها أنه نهر واحد وهي قوله تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ} وقد تقدم الجمع واضحا في سورة البقرة في الكلام على قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنّ} الآية، وبينا أن قوله:{وَنَهَرٍ} يعني أنهار.
سورة الفتح
أما دلالة الكتاب على هذا ففي قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} فصرح في هذه السورة الكريمة بأن تسبيحه بحمد ربه واستغفاره لربه شكرا على نعمة الفتح سبب لغفران ذنوبه لأنه رتب تسبيحه بحمده واستغفاره بالفاء على مجيء الفتح والنصر ترتيب المعلول على علته ثم بين أن ذلك الشكر سبب الغفران بقوله: {إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} .
وأما دلالة السنة ففي قوله صلى الله عليه وسلم لما قال له بعض أصحابه لا تجهد نفسك بالعمل فإن الله غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر " أفلا أكون عبدا شكورا؟ "فبين صلى الله عليه وسلم أن اجتهاده في العمل لشكر تلك النعمة وترتب الغفران على الاجتهاد في العمل لا خفاء به.
الوجه الثاني: إن قوله {إِنَّا فَتَحْنَا} يفهم منه بدلالة الالتزام الجهاد في سبيل الله لأنه السبب الأعظم في الفتح، والجهاد سبب لغفران الذنوب فيكون المعنى ليغفر لك الله بسبب جهادك المفهوم من ذكر الفتح، والعلم عند الله تعالى.
رسالة المدرّس المثالي
بقلم الشيخ: محمد المهدي محمود علي
المدرس في دار الحديث بالمدينة التابعة للجامعة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من اصطفاه الله رحمة للعالمين سيدنا محمد النبي الكريم وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
فإن الحديث عن رسالة المعلم المثالي جميل يقدر ما في رسالته من جمال وسمو، وجمال رسالة المعلم مستمد من شرف رسالته، إنها رسالة العلم والنور والسعادة، رسالة الهدي والخير والفلاح ولقد شرف الله سبحانه وتعالى تلك الرسالة العظيمة بقوله:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} .
وقال جل شأنه: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} ، وقال سبحانه وتعالى:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} ، وأمر الله عز وجل المصطفى صلى الله عليه وسلم بدعاء عظيم فقال:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} .
وعلى ضوء هذا التوجيه الرباني دعا الهادي الأمين رسول الرحمة، ومعلم البشرية، ونبي الإنسانية المصطفى صلى الله عليه وسلم، دعا الناس إلى الحرص على التعليم وعلى العلم فقال صلوات الله وسلامه عليه:"من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"، وقال أيضا:"ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة "، وقال:" من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع " وقال صلوات الله وسلامه عليه: "لن يشبع مؤمن من خير يكون منتهاه الجنة ".
هذه الآيات الكريمة وهذه الأحاديث الشريفة قرأها المدرس المثالي وفهمها ووعاها، إن الله سبحانه وتعالى كرّم العلم والعلماء، وإن المصطفى صلى الله عليه وسلم توج هاتيك الرسالة بما يخلد شرفها، فقال صلوات الله وسلامه عليه:"إنما بعثت معلما".
ومن ثنايا هذه المعاني السامية عرف المعلم والمدرس المثالي أنه صاحب رسالة عظيمة بناء عن الدور العظيم الذي يقوم به ويؤديه، إنه يشعر بأنه يؤدي رسالة كريمة، وهذا الشعور منبعث من شرف الرسالة نفسها: إنها رسالة أداء الأمانة أمانة العلم، ثم هي بعد ذلك أمانة تكوين الشباب، وتثقيفهم وتهذيبهم وتربيتهم تربية تعتمد عليها أمة تريد أن تحيا عزيزة كريمة، وهل تحيا الأمة وتنهض إلا بشبابها العامل الناهض المتوثب الطموح إلى المعاني، والعز، والسؤدد.
هذه الرسالة العظيمة بطلها المدرس المثالي، هذه الأمنية المنشودة بطلها المعلم الفاضل، إذًا فنحن الآن نريد أن نلقي بعض الضوء على هذا البطل العظيم وعن هذا المكافح من أجل نهضة الشباب عماد الأمة وثروتها ومجدها، إننا نراه يرسم صورة كريمة ومثلا أعلى يقتدى به، نراه مثاليا في اتجاهه نحو تحقيق رسالة على خير الوجوه وأكملها، تتجلى هذه الصورة الكريمة فيما يلي:
أولا: نظرته إلى المدرسة.
ثانيا: معاملته مع إدارة المدرسة.
ثالثا: سلوكه مع الزملاء.
ثم بعد ذلك الناحية العلمية وتشمل على:
أ- قوة المادة.
ب- طريقة التدريس:
1-
ما أجمل نظرته إلى المدرسة إنه ينظر إلى مدرسته على أنها محراب مقدس محراب العلم والمعرفة، إنها بستان وارف الظلال طيب الثمار، إنها جنة مباركة ثمارها العلم والعرفان، والنور والإيمان، والروح والريحان، فسعد بمدرسته وسعدت به مدرسته.
2-
وما أسمى معاملته مع إدارة المدرسة ومع المربي الجليل مدير المدرسة إنه يتعاون مع الهيئة المشرفة على الإدارة والتوجيه تعاونا بناء في محبة، وعن فن وخبرة، يقدم المعونة في تواضع، والمشورة في احترام، والرأي قي أدب جم، ينم عن خلق أصيل، وأصل عريق، وبيئة كريمة، وصفات عالية نبيلة، ونفسية مهذبة، وعقلية راجحة، وثقافة ممتازة، ولذا كان محل تقدير وإجلال واحترام من الهيئة المشرفة على الإدارة، ومحل ثقة وإعجاب، وزمالة نبيلة من المربي الجليل مدير المدرسة.
3-
ما أسعد الزملاء بهذا الأخ الكريم الذي تتجلى فيه صفات الأخوة الحقة إنه يعامل الزملاء في عطف ومحبة إنه يعرف معنى الزمالة النبيلة، يحترم الكبير، ويعطف على الصغير، إنها زمالة في روضة العلم، في محرابه المقدس.
إن الجميع ينظر إليه نظرة محبة وتقدير، لما يتصف به من مكارم الأخلاق العالية، إنه يدخل المدرسة فيصافح الجميع هاشا باشا في أدب مستفسرا عن إخوانه وزملائه، يريد أن يطمئن على جميع أسرة المدرسة ثم هو على درجة كبيرة من العلم والحكمة، لذا كان مرجعا وافيا لزملائه، يستشيرونه في حل المسائل العلمية، فيجدونه البحر الزاخر الوافي فيتلفظ بالدر والجواهر يتحدث في أدب وحكمة، بأسلوب سهل جميل ممتع، يبحث، ويحقق، ويتجاذب أطراف الحديث حتى يظهر الحقيقة في جمالها ورونقها، وبهجتها وصفائها، ثم هو يشعر السائل والمستفتي بالاحترام والتقدير، والإجلال والإعجاب، فأنس به الجميع واطمأنوا إلى علمه الذي يقدمه في حلاوة وطلاوة فيثمر الثمرة المرجوة من الإجابة والإفادة والاستفادة، تلك هي نفحة من رسالة المدرس المثالي أو هي شقة من رحيق رسالته السامية تفرعت من ثلاثة أغصان اقتطفناها من:
أولا: نظرة المدرس للمدرسة.
ثانيا: سلوكه وتعاونه القلبي مع إدارة المدرسة ومع المربي الجليل مدير المدرسة.
ثالثا: أدبه وخلقه مع إخوانه وزملائه أعضاء هيئة التدريس والسادة المربين.
ونتحدث الآن عن الناحية العلمية في شخصية المدرس المثالي، لقد شب وترعرع منذ نشأته محبا للعلم، والاستفادة، والتزود من ثمار إنتاج العلماء المفكرين، يحرص على الاطلاع، ويدأب على القراءة، ويواظب على ارتشاف رحيق العلم والمعرفة متحليا بالأخلاق العالية، الأخلاق الإسلامية التي تجعل من الإنسان إنسانا حقا بمعنى الكلمة، ترى فيه الصفاء والخير فنال الشهادات النهائية بتفوق وجدارة واستحقاق، وحينما نال شرف الانتماء إلى الأسرة العلمية أسرة التوجيه والإرشاد أسرة المدرسين والمربين ضاعف من جده واجتهاده في الارتشاف من رحيق العلم واقتطاف ثماره الطيبة المباركة إنه يحرص كل الحرص على أن يكون قويا في علومه ممتازا في مادته، موضع تقدير رؤسائه وثقة مفتشيه، وإجلالهم ومحبتهم، إنه يريد أن يعطي العلم حقه رغبة في رضاء الله وعشما في أن يؤدي رسالته على خير ما يحبه الله ويرضاه كي يفوز بالسعادة في دنياه وأخراه.
إن المدرس المثالي يحرص كل الحرص على أن تكون له مكتبة يعتز بها ويحرص على تنميتها، ويتفنن في تنسيقها وترتيبها وتبويبها وفهرستها على أحدث النظم وأجملها وأبدعها، تشتمل هذه المكتبة على العلوم عامة وعلى كتب المادة التي يسعد بتدريسها خاصة، وتضم هذه المكتبة في مقدمتها مصحفا كريما وبعض كتب التفسير وكتب السنة النبوية المطهرة والسيرة النبوية وتاريخ أصحاب رسل الله صلى الله عليه وسلم وتاريخ رجال الإسلام في عصوره المختلفة وكتب اللغة العربية بفنونها المتعددة ومن الكتب التي أنصح كل مسلم بقراءتها والحرص عليها:
أولا- كتاب تفسير ابن كثير وهو تفسير سلفي سهل جميل، وكتب السنة أيضا كلها مباركة وفي مقدمتها موطأ الإمام مالك رضي الله عنه وجزاه الله خير الجزاء وصحيح البخاري رضي الله عنه وشرح صحيح مسلم للإمام النووي رضي الله عنه وعن الجميع وهناك كتاب سهل جميل ومبارك أنصح كل مسلم بقراءته وهو كتاب رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو كتاب عظيم الفائدة جمعه الشيخ النووي رضي الله عنه، هذا الإمام الذي ضرب مثلا عاليا في الورع والجد، والاجتهاد في العلم، ونصيحة الملوك، لا يخشى في الله لومة لائم وقد كان رحمه الله حجة في الحديث والفقه واللغة، وودع الدنيا عن خمس وأربعين سنة وترك مؤلفات ضخمة انتفع بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها وفي ومقدمتها شرح صحيح مسلم وكتب الفقه في مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، ومن الكتب العظيمة النفع أيضا كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد المصطفى صلى الله عليه وسلم وكتاب الشمائل للترمذي تحدث فيه عن شمائل النبي صلوات الله وسلامه عليه، وأما كتب اللغة العربية فلا بد للمدرس أن يطلع على الكتب القديمة والكتب الحديثة وبذلك يجمع بين قوة المادة الموجودة في الكتب المؤلفة قديما، وبين سهولة عرض المادة الموجودة في الكتب الحديثة، ولا تغني إحداهما عن الأخرى.
إن الحديث عن الناحية العلمية في شخصية المدرس المثالي حديث مثمر جميل وحسبنا أننا اقتطفنا زهرة من تلك الروضة الباسمة اليانعة، وننتقل إلى الحديث عن طريقة التدريس وعرض آثاره العلمية للطلاب –هناك طرق كثيرة للتدريس وعرض المادة وقد تكلم العلماء قديما وحديثا في مجالات كثيرة في علوم التربية وطرق التدريس وعلم النفس ونحن الآن لا نتعرض لمسائل فنية تحتاج إلى كثير من الوقت ولكننا سننظر إلى الثمرة فحسب.
إن إخلاص المدرس وحرصه على تفهيم الطلاب وتثقيفهم يدفعه لاختيار أحب الطرق في إلقاء دروسه فمن ذلك ما نراه من حرص المدرس على أن يضع المادة دائما في صورة جميلة جذابة إنه تارة يسلك الطريقة الاستنباطية بأن يسير مع التلاميذ خطوة خطوة حتى يستنبط القواعد، وتارة أخرى يحاول أن يستنتج من نفس الأمثلة والشواهد، ولا بد للمدرس أن يستعمل السبورة في تفهيم التلاميذ وأن يضع المعلومات في جداول، وأن يكتب الأمثلة وأمامها القاعدة ويوجه أنظار التلاميذ للاستنباط والاستنتاج، والمدرس بحسب تجاربه وإخلاصه للعمل يعرف كيف يوصل المعلومات لأذهان التلاميذ ولنا كلمة مع أساتذة اللغة العربية ذلك أننا يجب أن نحرص على ضرب الأمثلة الحديثة وفي نفس الوقت تربي وتغرس الأخلاق الجميلة وفي مادتي الإملاء والإنشاء نستطيع أن نعطي الطلاب موضوعات مناسبة تساعدنا على أهدافنا في تربية الشباب وصقل نفوسهم وتهذيبهم، فمثلا يضع المدرس في مادة الإملاء موضوعات بالعناوين الآتية:
القرآن الكريم نور من الله- عطف الرسول صلى الله عليه وسلم وبره بالفقراء – عدالة عمر بن الخطاب – زهد عمر بن عبد العزيز – ورع الإمام أحمد بن حنبل.
ومن الموضوعات الخلقية أيضا الموضوعات الآتية:
مضار التدخين ويقول في هذا الموضوع مثلا: انتشرت في بعض الأوساط عادة مرذولة وبدعة قبيحة مذمومة هي عادة شرب الدخان، هي عادة نقلها بعض الناس عن الأجانب والكفار، وقد ثبت طبيا أن شرب الدخان يؤثر على الجسم عامة، ويسبب له الضعف وقد قامت المعامل الحديثة العلمية بإجراء تجارب هامة على شاربي الدخان فوجد أنه يسبب سرطان الرئة، وتصلب الشرايين وهبوط القلب.
فاحذر أيها الشاب الناشئ أن تقترب من هذه العادة القذرة التي ينبو عنها أولوا العقول السليمة والأفئدة المستنيرة وحافظ على صحتك ومستقبلك وابتعد عن هذا العمل الذي يجلب لك الضعف، والفقر، والذل، والهوان.
وفي مادة الإنشاء مثلا يلقي عليهم هذا الموضوع:
((طالب ناجح يتحدث عما قام به من أعمال))
كنت أقوم من نومي مبكرا، وأحرص على صلاة الفجر أداء لفرض الله، وشكرا للمنعم جل وعلا ثم أستذكر الدروس بعض الوقت ثم أتناول طعام إفطاري ثم أذهب إلى المدرسة وأحرص كل الحرص على الإصغاء التام لشرح المدرس وأطيع أوامر أستاذي وأعامل زملائي في المدرسة معاملة كريمة إنني أحرص على مصادقة الزملاء الممتازين علما وخلقا وإذا عدت إلى المنزل أطيع أوامر والديّ وأحرص على استذكار الدروس.
وهكذا نرى المدرس المخلص يؤدي رسالته في إخلاص وجد وكفاح وإنتاج، والمدرسون عامة وأساتذة التربية الدينية خاصة لهم دور خطير في هذه الأيام بالنسبة لسريان موجات عنيفة من التحلل الخلقي والمبادئ الهدامة البعيدة عن الدين وعن مكارم الأخلاق _التي تنتشر عن طريق بعض أجهزة الإعلام عن طريق بعض الروايات التمثيلية الأجنبية الفاجرة والإذاعات المنحلة والصحف الخليعة والثقافات التافهة_ والمدرس المثالي والمربي الجليل يضرب لأبنائه مثلا أعلى في الأخلاق بسلوكه وحسن أدبه فهو قدوة حسنة أمام أبنائه، يجيب الطلاب في استذكار القرآن الكريم ويغرس فيهم العقيدة السليمة والمبادئ الحسنة والأخلاق الإسلامية يبصرهم بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ويشوقهم لدراسة حياة عظماء الإسلام.
إن المعلم الفاضل يلقن أبناءه هذه الحكمة الغالية الثمينة:
إذا أردت أن تكون عظيما فاقرأ سير عظماء الرجال وابدأ بسير عظماء الإسلام وسترى عظمة الأخلاق في نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم وأصحابه الغر الميامين، إن المثل العليا في حياة الشباب لها دور عظيم في تربية الشباب وتقويمهم وسلوكهم الطريق المستقيم، والنشاط الثقافي مجال عظيم للمدرسين أصحاب الهمم العالية والقيم الخلقية، فينبغي أن تنتفع بميول الطلاب ونشاطهم وتفسح لهم المجال في الانضمام إلى لجان النشاط كل بحسب رغبته وميوله فمثلا تكون هناك لجان كثيرة منها:
لجنة الخطابة والمحاضرات _ الصحافة _ التاريخ وأبطال الإسلام _ الرحلات _النشاط المكتبي – تأليف الرسائل عن أبطال الإسلام.
وأما النشاط الرياضي فنحرص كل الحرص على ما يوافق طبيعة البلاد وما هي في حاجة إليه فمثلا نظام الكشافة وركوب الدرجات والسيارات، وذلك بالنسبة للرحلات إلى الأماكن التاريخية وخدمة ضيوف الرحمن حجاج بيت الله الحرام _ ثم المشروعات التي يقوم بها الطلاب كمشروع تشجير المدرسة وبعض الصناعات الزراعية مثل تقطير الزهور المأخوذة من المدرسة وبذلك يتكون الطالب العصامي الذي ينجح في الحياة ولا يكون عبئا ثقيلا على أسرته وعندما يرتفع صوت المؤذن، منادي السماء الله أكبر، الله أكبر
…
يسارع الجميع للصلاة يتقدمهم الأساتذة الفضلاء وبذلك تكون المدرسة مركز إشعاع للعلم والخير والبناء، وتسير كما تسير السفينة إلى شاطئ النجاة وفي مقدمتها القائد والمساعدون والجند ففي مقدمتها المدير والمدرسون والطلاب، بسم الله مجريها ومرساها إلى الروضة الوارفة الظلال، الطيبة الثمار، هذه الروضة التي نصل إليها الآن إنما هي إيجاد مجتمع سعيد بأفراده الذين تخرجوا على يد المدرس المثالي المدرس صاحب الرسالة السامية.
أما بعد: فمن هذا الإنسان الذي يسعى ليلا ونهارا ليغرس الفضائل في شباب الجيل، يسعى كما يسعى النحل إلى الزهور الجميلة، يقتطف منها ليحولها إلى الشهد المصفى، كي يكون شفاء للأجسام والأرواح والنفوس.
إنه عظيم في رسالته، نبيل في أدبه، عظيم في علمه وخلقه، إنه المدرس المثالي الذي ننشده ليعمل في بلاد مباركة لكي ينشر العلم والنور في بلاد شع منها العلم والنور في البلاد المقدسة المباركة منبع الهدى والفرقان ومطلع البدر المشرق والسراج المنير المصطفى صلى الله عليه وسلم
…
مرض الأميبا
للدكتور أحمد سليمان
يصيب طفيلي الأميبا الأمعاء الغليظة في أجزائه المختلفة محدثا قروحا حادة أو مزمنة وقد يتسرب الطفيلي إلى الكبد مسببا خراجا أميبيا.
ويوجد طفيلي الأميبا في أحد طورين:
الطور المتحرك:
وهو ذو خلية واحدة ذات نواة واحدة وهو يغزو الأحشاء الداخلية عند وجود عدوى ميكروبية ثانوية بالأمعاء لتساعده على اختراق الغشاء المخاطي المبطن لجدران الأمعاء الغليظة.
وهذا الطور يؤذي صاحبه ولا يعدي مريضا آخر وذلك لسرعة تأثره بحامض المعدة.
الطور المتكيس:
خلية ذات نوايا متعددة لا تزيد عن أربع نوايات وليست لدى الطور المتكيس قابلية غزو الأحشاء الداخلية، ولكنه يعدي لعدم تأثره بالعصارة المعدية الحامضية حتى تصل إلى الأمعاء الغليظة حيث تخرج الأميبا المتحركة من أكياسها وتهاجم الأغشية المخاطية للأمعاء في وجود البكتيريا محدثة فيها قروحا ويزيد المرض شدة في حالات نقص التغذية.
حوامل الأكياس: قد يحمل حوالي 50% من بعض مناطق سكان إفريقيا وآسيا (حسب المستوى الصحي لكل منطقة) أكياس الأميبا بدون ظهور أعراض مرضية عليهم، وقد تظهر بعض الأعراض البسيطة الغامضة في بعض الحالات مثل الانتفاخ أو الإمساك أو عدم انتظام التبرز مع هبوط وزن المريض وبعض الآلام الروماتزمية والاضطرابات النفسية ويزيد ذلك أثناء التعرض للنزلات البردية أو أثناء الحمل أو الطمث أو عقب المأكولات الدسمة والنشوية مما قد ينسب خطأ لمثل هذه الظروف الطارئة ولذلك يجب علاج هذه الحالات علاجا حاسما ليس لوقاية المحيطين بهم فحسب وإنما لوقايتهم من مضاعفات ذلك المرض الخبيث.
(الدوسنطاريا)
الزحار الأميبي الحاد:
يتميز بوجود زحار (تعينة) مع إسهال ووجود دم وصديد بالبراز وهذا يكون خطرا عند وجود أعراض سوء تغذية أو حالات الإصابة بالبول السكري أو في حالات الشيخوخة.
الدوسنطاريا الأميبية المزمنة:
تكثر في المناطق الشديدة العدوى نتيجة لعدم علاج الحالات الحادة علاجا حاسما سريعا، وأعراضه فترات إسهال يعقبها فترات إمساك مع اضطرابات معدية وانتفاخ بالبطن وعدم انتظام عملية التبرز ويسهل تشخيص هذه الحالات بتحليل البراز وكثيرا ما تجد الأميبا في الزائدة الدودية مكانا هادئا لتكاثرها فتسبب التهابا في الزائدة وعلاج هذه الحالة طبيا وليس جراحيا.
خراج الكبد والرئة:
وقد يصل أيضا إلى المخ والطحال والمبايض وغيرها مسببة خراجات في هذه الأعضاء..
الوقاية والعلاج:
1_
وقاية مياه الشرب من التلوث بفضلات الإنسان.
2_
وقاية المأكولات من الذباب وعدم السماح للأشخاص حوامل الأكياس بالعمل في المطاعم.
3_
تطهير الخضروات قبل أكلها بوضعها في الخل أو عصير الليمون ربع ساعة أو وضعها في ماء مغلي لدقائق قليلة.
4_
تحاشي المثلجات المحضرة خارج المنزل.
5_
غلي الماء قبل شربه في المناطق الموبوءة.
6_
العمل على وقاية المطابخ وغرف الطعام من الذباب وسائر الحشرات.
7_
علاج الحالات الحادة علاجا حاسما.
8_
الدعاية والثقافة الصحية اللازمة ضد هذا المرض وتعريف الجمهور بمواطن العدوى وطرق المقاومة.
9_
استعمال مركبات الأمتين والكينولين (أنتروفيوفورم) والفلاجيل بإشراف الطبيب.
أخبار الجامعة
قام وفد من طلاب الجامعة الإسلامية بالمدينة برئاسة المشرف الاجتماعي الشيخ عبد الله قادري بزيارة لمعهد إعداد المعلمين بالمدينة، وكان في استقبالهم رئيس الكشافة الذي قدمهم بدوره لمدير المعهد، وقد جرى البحث في عدة مواضيع، وقد زار الوفد المعامل والنوادي وشاهد أنواع النشاطات المختلفة، وبعد صلاة العشاء من ذلك اليوم عقدت ندوة حضرها مدير المعهد والمشرف الاجتماعي بالمعهد بحضور المشرف الاجتماعي للجامعة، وقد استمرت إلى ما بعد الساعة الرابعة ليلا.
بعد موافقة رئاسة الجامعة الإسلامية على القيام برحلة تضم مجموعة من الطلاب من شتى البلدان لأداء مناسك الحج للمشاركة في الدعوة والإرشاد وتوجيه الحجاج يرافقهم بعض مشايخ الجامعة، كلفت الجامعة المشرف الاجتماعي الشيخ عبد الله أحمد قادري على أن يقوم بالإعداد لهذه الرحلة واختيار الطلاب الذين سيشاركون فيها وقد شكلت لجنة لهذا الغرض مكونة من:
1_
الأمين العام المساعد
رئيسا
2_
عميد كلية الشريعة
عضوا
3_
عميد كلية الدعوة وأصول الدين
عضوا
4_
المشرف الاجتماعي
عضوا
وقد انهال عدد كبير من الطلاب للمشاركة في هذه الرحلة، واختير منهم 45 طالبا، وبعد الوقوف بعرفات أقيم المخيام بمنى وشارك كبار الأساتذة بالجامعة لإلقاء المحاضرات والفتاوى والإرشادات وعلى رأسهم سماحة رئيس الجامعة الإسلامية الشيخ عبد العزيز بن باز.
أدرك سماحة رئيس الجامعة الشيخ عبد العزيز بن باز أنه من الضروري الاجتماع بطلاب الجامعة اجتماعا عاديا لا تكلف فيه، وقد أوعز إلى المشرف الاجتماعي الشيخ عبد الله القادري بترتيب ذلك.
وقد تم اللقاء الأول بين سماحته وطلاب بعثة جمهورية اليمن، ألقى سماحته فيهم كلمة مناسبة، ثم تناقش معهم في كافة المواضيع المتعلقة بهم في جو تسوده المحبة والإخاء لا تكلف فيه، وهكذا تمت اللقاءات الخيرة بجميع طلاب الجامعة على فترات.
المشرف الاجتماعي الأستاذ عبد الله القادري يقوم بإحياء الندوات الثقافية واللقاءات المثمرة بين طلاب الساكنين في الجامعة البالغ عددهم حوالي 600 طالب، وتتلخص الندوات فيما يلي:
1_
كلمة من المشرف مناسبة للموضوع.
2_
كلمة من الطلاب يلقيها طالب مختار.
3_
مناقشات ومحاورات أدبية.
4_
نوادر وفكاهات.
5_
ألعاب رياضية.
6_
حل مشاكل الطلاب وما يلاقونه.
وقد لوحظ بعد هذه اللقاءات تواد الطلبة وتراحمهم، وتعاطفهم فيما بينهم كأنهم جسد واحد.