المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌العدد 21 فهرس المحتويات 1- حكم الصلاة في الجماعة: رئيس الجامعة الإسلامية - مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌ ‌العدد 21 فهرس المحتويات 1- حكم الصلاة في الجماعة: رئيس الجامعة الإسلامية

‌العدد 21

فهرس المحتويات

1-

حكم الصلاة في الجماعة: رئيس الجامعة الإسلامية عبد العزيز بن عبد الله بن باز

2-

أضواء من التفسير: للشيخ عبد القادر شيبة الحمد

3-

من أعلام المحدثين - أبو بكر ابن أبي شيبة (159-235 هـ) : للشيخ عبد المحسن العباد

4-

محاسن الشريعة ومساوئ القوانين الوضعية: للشيخ عطية محمد سالم

5-

وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين: للشيخ حسن السيد متولي

6-

السفور: للشيخ محمد الحداد

7-

المسؤولية في الإسلام: للشيخ عبد الله قادري

8-

هل في القرآن من غير لسان العرب؟ : بقلم الشيخ محمد بن محمد الأنصاري

9-

دراسات في السنة النبوية: بقلم الشيخ: محمد ضياء الرحمن الأعظمي

10-

من الصحف والمجلات - توثيق العلاقة بين الجامعة الإسلامية والمعاهد الدينية في جنوب شرق آسيا: نشرت جريدة الجزيرة

11-

ناداك ربك: للشاعر السوري: مصطفى عكرمة

12-

حكمة الصيام من الوجهة الطبية: بقلم الطبيب أحمد محمد سليمان

13-

ندوة الطلبة - عتاب: بقلم: محمد محمود جاد الله

14-

ماذا يجري في الوطن الإسلامي؟ : بقلم: محمد صديق برماوي

15-

من أسس الشيوعية؟ : بقلم الطالب عبد الفتاح علي عبد الله

16-

خالف النفس: بقلم محمد عبد الرحمن شميله الأهدل

17-

الزاوية الطبية: بإشراف أطباء الجامعة الإسلامية

18-

الفتاوى: يتول الرد على أسئلة القراء سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رئيس الجامعة الإسلامية

19-

أخبار الجامعة

20-

السفير الأوغندي في القاهرة يزور الجامعة الإسلامية

عمادة البحث العلمي - جميع الحقوق محفوظة 1423 هـ / 2002 م

ص: 294

حكم الصلاة في الجماعة

رئيس الجامعة الإسلامية عبد العزيز بن عبد الله بن باز

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلقد عظمت المصيبة بتهاون الكثير من المسلمين بأداء الصلاة في الجماعة والتشبه بالمنافقين في التخلف عنها واحتجاج بعضهم بتسهيل بعض العلماء في ذلك فوجب علي أن أبين عظم هذا الأمر وخطورته وأنه لا ينبغي للمسلم أن يتهاون بأمر عظم الله شأنه في كتابه العظيم وعظّم شأنه رسوله الكريم عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم.

ولقد أكثر الله سبحانه من ذكر الصلاة في كتابه الكريم وعظّم شأنها وأمر بالمحافظة عليها وأدائها في الجماعة وأخبر أن التهاون بها والتكاسل عنها من صفات المنافقين فقال تعالى في كتابه المبين {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} .

وكيف تعرف محافظة العبد عليها وتعظيمه لها وقد تخلف عن أدائها مع إخوانه وتهاون بشأنها، وقال تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} ، وهذه الآية الكريمة نص في وجوب الصلاة في جماعة والمشاركة للمصلين في صلاتهم، ولو كان المقصود إقامتها فقط لم تظهر مناسبة واضحة في ختم الآية بقوله سبحانه {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} ، لكونه قد أمر بإقامتها في أول الآية، وقال تعالى:{وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} الآية.

ص: 295

فأوجب سبحانه الصلاة في جماعة في حال الحرب فكيف بحال السلم؟ ولو كان أحد يسامح في ترك الصلاة في جماعة لكان المصافون للعدو المهددون بهجومه عليهم أولى بأن يسمح لهم في ترك الجماعة، فلما لم يقع ذلك علم أن أداء الصلاة في جماعة من أهم الواجبات، وأنه لا ينبغي لأحد التخلف عن ذلك، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلا أن يصلي بالناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم" الحديث.

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق علم نفاقه أو مريض ان كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه"، وفيه أيضا عنه قال:"من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هذه الصلوات حيث ينادي بهن فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنهن من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلاّ منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف".

وفي صحيح مسلم أيضا عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أعمى قال يا رسول الله إنه ليس لي قائد يلائمني إلى المسجد فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تسمع النداء بالصلاة، قال: نعم، قال: فأجب".

ص: 296

والأحاديث الدالة على وجوب الصلاة في الجماعة وعلى وجوب إقامتها في بيوت الله التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه كثيرةٌ جداً، فالواجب على كل مسلم العناية بهذا الأمر والمبادرة إليه والتواصي به مع أبنائه وأهل بيته وجيرانه وسائر إخوانه المسلمين امتثالاً لأمر الله ورسوله، وحذراً مما نهى الله عنه ورسوله وابتعادا عن مشابهة أهل النفاق الذي وصمهم الله بصفة ذميمة من أخبثها تكاسلهم عن الصلاة، فقال تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلاً. مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} .

ومتى ظهر الحق واتضحت أدلته لم يجز لأحد أن يحيد عنه لقول فلان أو فلان، لأن الله سبحانه يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} ، ويقول سبحانه:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} .

ولا يخفى ما في الصلاة في الجماعة من الفوائد الكثيرة والمصالح الجمة ومن أوضح ذلك التعارف والتعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق والصبر عليه وتشجيع المتخلف وتعليم الجاهل وإغاظة أهل النفاق والبعد عن سبيلهم وإظهار شعائر الله بين عباده، والدعوة إليه سبحانه بالقول والعمل إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة.

ص: 297

وفقني الله وسائر المسلمين لما فيه رضاه وصلاح أمر الدنيا والآخرة، وأعاذنا جميعا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ومن مشابهة الكفار والمنافقين إنه جواد كريم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.

ص: 298

من الصحف والمجلات

نشرت جريدة الجزيرة هذا الخبر تحت عنوان:

توثيق العلاقة بين الجامعة الإسلامية

والمعاهد الدينية في جنوب شرق آسيا

تلبية لدعوة تلقتها الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من الجامعة الوطنية في ماليزيا لزيارتها لذلك فقد تقرر أن يغادر المدينة المنورة قريبا كل من فضيلة الأمين العام للجامعة الشيخ محمد ناصر العبودي وفضيلة الشيخ عبد العزيز القويفلي عميد كلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة متوجهين إلى ماليزيا في زيارة لجامعتها الوطنية كممثلين للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.. وتجدر الإشارة إلى أن فضيلتهما سيقومان بالإضافة إلى ذلك بزيارة الجامعات والمعاهد الإسلامية في كل من إندونيسيا وماليزيا وتايلاند لإجراء اتصالات مع المسئولين فيها بغية توثيق العلاقات الإسلامية بين الجامعة الإسلامية وتلك المعاهد.. هذا وتستغرق هذه الزيارة مدة شهر تقريبا..

نشرت مجلة المجتمع العدد 155 ما يلي:

من المهازل التي أرقت حياة المواطنين وعكرت صفوهم وآذتهم في أسرهم برامج ما يطلبه المستمعون سواء في الإذاعة أو في التلفزيون.

أسوأ الأغاني.. وأشدها انحلالا وتخلفا في المعنى تذاع بكثرة في الكم.. وبامتداد طويل في الزمن.

إن التلفزيون ينظم برامج على أساس افتراض أن مجتمعنا كله سقيم المزاج. صريع الانحلال.

وإلا فما معنى. ما جدوى بث الأغاني المبتذلة في أمة طال بها الظمأ إلى قيم الجد والمروءة.. أمة يتهددها الخطر.. القريب والبعيد. إذا استغرب الناس تصرف رجل طائش يقتحم بيتا فاضلا.. يري

أن يغني فيه الأغاني الخليعة فيجرح حياء أهل البيت ويعتدي على فضائلهم.

إذا استغرب الناس هذا التصرف فبنفس المنطق ولنفس السبب يستغربون تصرف الإذاعة والتلفزيون.

ص: 299

إنهما يقتحمان البيوت اقتحاما.. ويبثان فيهما ما يجرح الحياء ويؤذي الفضيلة.

ديننا هو سلاحنا

"إننا نعيش الحرب الصليبية الثالثة.. وكانت الأولى هي التي دعى إليها البابا أربان الثاني في نوفمبر 1095م والثانية بدأت بنزول نابليون في الإسكندرية في يوليو 1798م.. أما الثالثة يصعب تحديد بدايتها لأنها لا تعتمد على الحملات العسكرية حتى نؤرخ لها بيوم الغزو. بل إن مدفعيتها الثقيلة هي الغزو الفكري.. وهي عملية معقدة ومستمرة، تتسلل على نحو يصعب تماما تحديد بدايته.. بل ربما تمتد جذورها إلى الحرب الصليبية الأولى. وفي مواجهتها ليس لنا من سلاح إلا ديننا

".

كان هدف التبشير هو التمهيد للغزو المسلح، ثم تدعيم هذا الغزو.. ولكن تجارب المبشرين أثبتت استحالة تنصير المسلمين، بل اكتشفت أن الهجوم السافر يستفز عناصر المقاومة ولو من باب العصبية. كذلك كان المبشرون يعرفون أن عنصر السيطرة الاستعمارية إلى زوال، وأن القوة المسلحة التي ساندت تصرفاتهم الوقحة زائلة، ومن ثم أعدوا سلاح الغزو الفكري.. أي إعادة ترتيب عقل المسلم بحيث يفكر منطلقا من مقدمات صليبية على أنها هي الحقائق، فيخرج منها بنتائج صليبية دون أن يخلع دينه، ولا حاجة إلى تعميده بالماء المقدس فقد عُمّد بالفكر غير المقدس.

والمسلم إذا تشرب طقوس الحضارة الغربية واطمأن إليها، بل وأيقن بتفوقها عليه.. انهارت مقاومته، وأصبح كالمدينة المفتوحة مستباحة لكل ناهب ومقتحم.

إذن فالحرب سجال بيننا وبين الحضارة الغربية. وأرض المعركة الآن هي الفكر.. محولة اقتحام القلعة الإسلامية بالأفكار والمبادئ والقيم.. حتى يتم خلع القيم الإسلامية، وتدمير المثل العربية لكي يتحول المواطن العربي إلى قرد يحاكي الحضارة الغربية، ويقضي العمر في اقتفاء أثرها بلا أمل في التفوق.. لأنه قد رضي بدور الظل، وأنىّ للظل أن يسبق سيده؟!..".

ص: 300

من كتاب (الماركسية والغزو الفكري) ص16 و45 و57 ط3.

رسالة من إيطاليا

إلى كل أخت من أخواتي المسلمات في كل بلد إسلامي أرسلها كلمة صدق من قلبي.. من أعماق قلبي.. أكتب إليك ما أشاهده بأم عيني في بلاد الحضارة!.. بلاد الذرة والصاروخ.. بلاد القمة والشموخ إنها بلاد جهله.. ومزارع فساد وعهر ودعارة.. لا أكتب هذا ليقال إنني كتبت شهد الله لا.. ولكني أكتب وقلبي يحترق وأنا أرى الفتاة باسم الحضارة تصبح سلعة رخيصة تتناقلها الأيدي وأرى الفتاة الغربية باسم الإنسانية تهدر إنسانيتها لا رادع ولا وازع.. الدين طقوس تُقام في الكنيسة.. العادات والتقاليد خطط لها اليهود الشباب متهورون منقادون دون وعي وراء الجنس.. وراء الفتاة.. أي فتاة.. والفتاة تتمشى في الشوارع تتصيد الزبائن والآباء قاتلهم الله ذوو دم بارد وغيرتهم- بل الأولى أن لا أتكلم عن الغيرة على الشرف لأنهم لا يعرفون هذه الكلمة- إنه يا أختاه مجتمع غريب

والله إن الجبين ليندي من مناظر الفتيات وهن يتسكعن في الشوارع والبارات بل وفي كل مكان يوجد به صيد يا إلهي ما أكرمك وأحكمك

وما أعدلك.. لقد أنصفت المرأة المسلمة وجعلتها بدينك الحنيف عضوا له قيمته المادية والمعنوية في المجتمع ولكن أنى لهذه الأقوام أن تفقه وقد تجمدت العقول؟! يا أختاه في الله أثبتي

إنك أنت صانعة الأجيال مربية الأبطال.. بيديك الطاهرتين تصقلين النفوس وبعفافك وطهارتك تبنين الأمل بالمستقبل.. إنك كريمة طيبة لا تسمعي لما يقوله أتباع الغرب في الشرق فلقد ظنوا الحضارة أن تكون المرأة عارضة أزياء وملكة جمال وراقصة تبيع جسدها لكل جائع وخليلة تشبع رغبتها فحسب

أما أنت فلا وألف لا.. أنت حفيدة خديجة، وعائشة رضي الله عنهما. أنت بانية المستقبل فأحسني نيتك. واعقدي العزم لأن تشدي أزر الرجل بالحق وتكوني كالشمعة تضيء له الطريق ليصل هو بالتالي إلى الثمرة الكريمة. اليانعة فيقطفها

ص: 301

وتكوني أنت أم البطل الذي يحقق النصر ويقتحم الصعاب. ويبقى قلعة صامدة مدى الحياة. في وجه كل ما هو باطل

أختك (.....) إيطاليا، نقلا عن مجلة المجتمع.

خطاب البابا شنوده

في الاجتماع الذي تم في الكنيسة المرقسية بالإسكندرية برئاسة البابا شنوده الثالث بتاريخ 25/3/1972م.

بعد أداء الصلاة والترتيلات طلب البابا شنوده من عامة الحاضرين الانصراف فانصرفوا ومكث رجال الدين وبعض أثرياء وأعيان المسيحيين بالإسكندرية. وفي مستهل الاجتماع بدأ البابا شنوده كلمته بأن بشرهم بأن كل شيء يسير على ما يرام، وحسب الخطة الموضوعة والتخطيط المرسوم لكل جانب من جوانب العمل على حدة في إظهار الهدف الموحد فتحدث عن عدة موضوعات تشمل عدة نشاطات وقد اتخذت الكنيسة عدة قرارات لتحقيق هذه الخطة بالنسبة لزيادة عدد المسيحيين.

1-

تحريم تحديد النسل وتنظيمه بين شعب الكنيسة.

2-

تشجيع تحديد النسل وتنظيمه بين المسلمين خاصة وإن أكثر من 65 من الأطباء وبعض الخدمات الصحية من شعب الكنيسة.

3-

تشجيع الإكثار من النسل بين شعب الكنيسة ووضع حوافز ومساعدات معنوية ومادية للأسر الفقيرة من شعبنا.

4-

التنبيه على العاملين بالخدمات الصحية على المستوى الحكومي وغير الحكومي بمضاعفة الخدمات الصحية بين شعبنا المسيحي وبذل العناية والجهد الوافرين وذلك من شأنه تقليل نسبة الوفيات بين شعبنا على أن تكون تصرفاتهم غير ذلك مع المسلمين.

5-

تشجيع الزواج في السن المبكر بتخفيض تكاليفه وذلك بتخفيف رسم فتح الكنائس ورسوم الإكليل بالكنائس الكائن بالأحياء الشعبية والفقيرة.

ص: 302

6-

تحرم الكنيسة تحريما باتا على أصحاب العمارات والمساكن المسيحية تأجير أي مسكن أو شقة أو محل تجاري للمسلمين، ويعتبر من يفعل ذلك من الآن مطرودا من رحمة الرب ورعاية الكنيسة كما يجب العمل بشتى الطرق والوسائل على إخراج السكان المسلمين من العمارات والبيوت المملوكة لشعب الكنيسة وهذه السياسة الإسكانية إذا استطعنا تنفيذها بقدر الإمكان فإن من شأنها تشجيع وتسهيل الزواج بين شباب المسيحيين وتصعيبه وتضييقه بين شباب المسلمين مما يكون له أثره الفعال في الوصول إلى الهدف حيث لا يخفى أن الغرض من هذه القرارات هو انخفاض معدل الزيادة بين المسلمين وارتفاع هذا بين شعب الكنيسة.

عن جريدة الرائد - العدد18.

ص: 303

ناداك ربك

للشاعر السوري: مصطفى عكرمة

ناداك صوت ساحرُ النبرات.

فأجب نداء الله في عرفات.

وعلى جناح الشوق طر لرحابها.

واغنم هناك سوانح الرحمات.

جنات عدنٍ خلف حرّ رمالها.

تهفو إليك.. فقم إلى الجنات.

لحظات عمرك عند مكة أدهر.

القلب فيها دائم الخفقات.

ناداك ربك فاستجب لندائه.

فإذا فعلت ضمنت خير حياة

.

ص: 304

حكمة الصيام من الوجهة الطبية

بقلم أحمد محمد سليمان: الطبيب بمستوصف الجامعة

شرع الله الصيام عبادة وتقوى وله فوائد نفسية روحية فمع الإحساس بالجوع يشارك الفقراء في نفس الإحساس فيسارع بإطعام الجائع وإغاثة المسكين، وتقل ضراوته واعتداؤه وصخبه حيث تقل الطاقة الجسمية مع نقص مستوى الجلوكوز (سكر العنب) في الدم وبهذا يتعود الهدوء والوداعة والسكينة. ثم أنه يفطر في موعد محدد ويتناول سحوره في موعد محدد فيتعلم النظام قانون الله في الوجود وفي هذا الخير كله في النفس والبدن معا.

وعند علاج كثير من الأمراض النفسية يلجأ المداوي في الطب القديم إلى استعمال الحميه ويلجأ الطبيب الحديث إلى استعمال جرعات صغيرة من الأنسولين التي تنزل بمستوى سكر العنب في الدم فيشعر المريض بأعراض تشبه أعراض الصيام قبل الإفطار بساعتين أو ثلاثة فبذلك تهدأ نفسيته ويقبل على أكله بشهية.

والنفس في حالة مرضها تحتاج إلى نوع من الحمية فإذا صاحب ذلك قراءة للقرآن والأحاديث والمواعظ تتقبل النفس الخير الذي تحتويه والنفس (في حالة الجوع) تكون صافية ذات قابلية عالية للإيحاء النفسي فتدخل عليها تلك المواعظ والحكم الإلهية فتقابل أرضا خصبة ممهدة تقبل الخير وتزدهر منها المحبة الخالصة لله جل وعلا ومن أفنى عمره في عبادة الله وحب الله دخل جنة الآخرة وأحس نعيم الدنيا. وجميع أنواع المحبة الأخرى تنبع من حب الله فمن أحب الله بر أهله وأحب جاره وأحب أخاه المسلم وهذه الدائرة تنعكس عليه فيشعر بالنور والرضا يشيع في جنبات نفسه كيف لا وقد أصبحت نفسه مليئة بحب الله فلا محل فيها لضغائن ولا أحقاد ولا حسد ولا فساد طوية. ومن هذه المحبة للخير للناس يشعر الإنسان بسعادة حقيقية.

ومع السعاة النفسية تزول الأمراض النفسية والنفسية الجسمية أيضا كالقرحة وضغط الدم والقرحة الإثني عشرية وألم الشراسف

الخ.

ص: 305

ولا شك أن الصيام يعود الإنسان أن يتحكم في شهواته فيكف عن الطعام طاعة لله فيتعلم بذلك أن يكف نفسه عما يضرها من طعام أو شراب وتكف نفسه عن الشهوة الجنسية عندما تكون تنطبق عليها الآية: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} .

والصوم جنة كما ورد في الحديث الصحيح فكما ترون فالشق الأكبر من فوائد الصيام هو شفاء النفس والشق الأصغر يتناول شفاء الجسم فمرض البول السكري في مراحله الأولى وخاصة عند السمنة يكون علاجه بالصيام والحمية عن المواد السكرية والنشوية وعفونة الأمعاء وتخمراتها يعالج بالصيام.

ومرض ضغط الدم يفيد فيه الصيام بالإقلال من الملح والدسم الذي يحوي الكولسترول الذي يسبب تصلب الشرايين.

وعسر الهضم يعالج بالحمية وبتنظيم وجبات الطعام وعدم إدخال الطعام على الطعام وهذا موجود في الصيام. وللاستفادة من الصيام ينبغي ألا يسرف الإنسان في الأكل في الفطور أو السحور وأن يبتع الحديث النبوي "ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يُقمن صلبه فإن كان ولا محالة فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"، وحتى يكون خفيفا نشيطا فيقدر على أعمال العبادة من صلوات التراويح إلى التهجد

الخ.

ص: 306

والسنة في الإفطار على التمر والماء لها حكمة طبية فالتمر يحتوي على مواد سكرية سهلة الهضم فتصل إلى الدورة الدموية مع الماء عن طريق الأمعاء خلال دقائق قليلة فيرتفع الجلوكوز (سكر العنب) في الدم إلى المستوى الطبيعي خلال دقائق ونظرا لأن تعب الصائم وإجهاده مرده في الغالب إلى نقص الماء والجلوكوز في الدم فعندما نفطر على تمر وماء فيذهب التعب والإجهاد فور الإفطار بخلاف ما إذا أفطر على فطائر أو أرز مثلا فإن هذه تستغرق في الهضم وقتا طويلا مما يؤخر التعب والإجهاد. والسنة المبادرة بالفطور فور دخول المغرب وتأخير السحور إلى آخر وقتها "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" رواه البخاري.

ثم إن للصائم فرحتين ولا شك أن انتظار الفرج بحلول وقت المغرب حتى تحل أزمة الجوع وتفطر على تمر وماء على بساطتهما تشعرك بأن الدنيا هينة وأن أشق ما في الدنيا من هم السعي لأجل الرزق تكفي فيه بضع حبات من تمر وجرعة من ماء على حل هذه الأزمة فلماذا هذا الجري وراء الدنيا وزينتها؟! مع التماس مسائل غير مشروعة لجلب الرزق ثم البكاء على ما فات والحسرة والندم على هذه الفرصة وتلك السانحة والناس من خشية الفقر في فقر. فالإنسان عليه أن يسعى لرزقه ولكن لا يتكالب على الدنيا ويجري وراء الدينار "تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميلة. تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا. ونختم بهذا الحديث الذي يفيض حكمة ويصلح في طب النفس وإصلاحنا بالقناعة بأساسيات الحياة "من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها"

ص: 307

ندوة الطلبة

عتاب

بقلم: محمد محمود جاد الله: الطالب بكلية الشريعة بالجامعة

يعاود خاطري طيف التصابي.

فأذكر من تقدم من صحابي.

وأذكر غربتي وشقاء روحي.

فأعلمُ أنها دنيا اغتراب.

وإني كلما عاودت ألقى.

رياح الموت قد خطرت ببابي.

بكيت على السعادة في ذراها.

وفي شرخ الشباب على الشباب.

وأنىّ لي الفرار من الرزايا.

وهذا الحزن لم يك في حسابي.

فإن أطعم فلا عيش بباق.

وإن أشرب فيا بؤس الشراب.

يعجل لي زماني كل سوء.

وما هو معجل يوما طلابي.

فكل مصيبة تمضي وتُنسى.

ويُطوى ذكرها إلا مُصابي.

أعاتب عيشنا ما ناب خطب.

وهل عيشي سيسمع لي عتابي.

ألفت الصبر حتى ضاق مني.

وكان مرافقي عالي الجناب.

فإن أصمت فليس لي اختيار.

وإن أصرخ فلست بمستجاب.

وأحكام الزمان إذا توالت.

فما تدري المراء ولا تحابي.

فهذي خدعة كبرى ستمضي.

وإني طالب حسن المآب.

وعند الله في الأخرى نعيم.

وفي هذي يكون له متابي.

إذا حكم الزمان فلا كلام.

ففي كلماته فصل الخطاب.

يظن الناس من جهل بأني.

أحلق بالمنى فوق السحاب.

ولو نظروا بعين العدل ألفَوا.

بقايا الروح ترزح في العذاب

.

ص: 308

ماذا يجري في الوطن الإسلامي؟

بقلم: محمد صديق برماوي

حقائق حول اضطهاد المسلمين في بورما

يشكل المسلمون في بورما أكبر أقلية من السكان، إذ يبلغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة من بين حوالي ثلاثين مليون نسمة، ويعيش معظمهم في المناطق الشمالية الغربية. وأما بقية الأديان الموجودة في بورما فهي الديانة البوذية وهي ديانة أغلبية السكان ثم ديانة عبادة الطبيعة.

ويتولى الحكم في بورما حكومة اشتراكية من البوذيين، وقد نالت استقلالها عام 1948م، والعجيب أن المسلمين البورميين يلقون أقسى المعاملة من قبل حكومتهم الحالية، فإنهم يشردون من ديارهم ويرحلون عنها وتُفرض عليهم الضرائب الباهضة. ولما كان معظمهم من المزارعين والعمال فإن الحكومة تبتز أكثر من 90 من حاصل إنتاجهم الزراعي، وهناك أمثلة كثيرة من قيام الحكومة بانتزاع ملكية الأراضي وكل شيء من المسلمين بالذات.

وقد قرأت في مجلة المجتمع الكويتي في العدد الثاني السنة الأولى 17 من محرم الموافق 24 من مارس 1970م (أنه جاء إلى الكويت شاب بورمي وقال لرئيس تحريرها: لقد انتزعوا منا كل شيء، كنت ووالدي نتاجر في الأدوات الكهربائية وكان رأس مالنا يعادل مليون روبيه، وكانت تجارتنا مزدهرة ولكن الحكومة الاشتراكية العسكرية في بورما لم يرق لها ذلك فأصدرت أمرا بتأميم جميع أموال المسلمين ولم تبق لنا إلا عقارات بسيطة لم يسمح لنا ببيعها وهي معرضة للتأميم، وفررت من بورما إلى الهند وهُمت على وجهي بحثا عن عمل، وتركت زوجتي في الهند وجئت إلى الكويت)

ص: 309

أما موقف الحكومة البورمية من الحرية الدينية: فإنها تحارب ممارسة الشعائر الإسلامية فلا يجرؤ أحد تقريبا على اعتياد المساجد، ونادرا ما تسنح الفرصة لإقامة صلاة الجمعة حتى أن المسلمين لا يسمح لهم بالخروج من مناطقهم وتُسحب بطاقاتهم الشخصية ويُزج بكثير منهم في السجون، لا لشيء اللهم لأنهم مسلمون حتى فريضة الحج لم تسمح حكومة بورما لأحد من المسلمين بأدائها، فمنذ عام 1962م لم يخرج أحد من المسلمين من بورما حاجا إلى بيت الله الحرام حتى الآن.

وتبذل رابطة العالم الإسلامي قُصارى جهدا في سبيل إقناع حكومة بورما للسماح للمسلمين الموجودين لأداء فريضة الحج لإصلاح حالهم ووضعهم.

وإننا نناشد الأقطار الإسلامية الحرة في العالم، أن تتدخل لحماية المسلمين من هذا الاضطهاد الشديد وأن تلفت أنظارها ومد يد العون والمساعدة للمهاجرين المسلمين من بورمافي العالم الإسلامي فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم".

كما نرجو من هذه الحكومات الإسلامية عامة والعربية الشقيقة خاصة أن ترفع هذه المشكلة للأمانة العامة لمؤتمر وزراء الخارجية الإسلامية. وإلى الأمين العام للأمم المتحدة عسى أن يحقق في الأمر، والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل

ص: 310

من أسس الشيوعية؟

بقلم: عبد الفتاح علي عبد الله

الطالب بدار الحديث التابعة للجامعة

منذ قيام المجتمعات الإنسانية على وجه الأرض والعالم مبتلى بدعوة هدامة ما خلت من أباع بالرغم من ثبوت بطلانها وفسادها قبل تجربتها وبعدها وإذا نظرنا إلى أتباعها لم نجد إلا أهل النفوس المريضة والأرواح الهزيلة والأمزجة الملوثة، وأما أصحاب الفطر السليمة فلم يؤثر عنهم قط أنهم استجابوا لدعوة تقوم على الشر والفساد فمن المؤسس لهذه الدعوة؟

إن مؤسس الدعوة ومنشئها وهي الدعوة الإلحادية هو كارل ماركس المولود سنة 1818م والهالك سنة 1883م كان أبوه يهوديا واسمه هرشل ولما ارتد عن دينه إلى المسيحية سمى نفسه (هتريج) وذكر محبوه عدة أسباب لترك دينه ومما زعموا أن أسباب ترك هرشل لليهودية أن اليهود كانوا مضطهدين يقاسون أسوأ المعاملات من المسيحيين وسواء كان هذا السبب صحيحا أم مجرد اعتذار وكذب من جملة الاعتذارات فإنه لا يكفي أن يتخلى المرء عن دينه بهذه السهولة وإن كل الأعذار لهرشل تدل على أن المصلحة هي الدافع الأول، هذا هو والد ماركس. وهو وحده يكفي للدلالة على عنصره ومعدنه من ناحية العقيدة والأخلاق وكان ماركس يقول في شبابه: إن خير الناس وأجدرهم بالتكريم من يعمل لخير الناس والدين أساس الحياة. وهو الذي يقول أيضا: إن المثل الأعلى الذي يجب أن يسعى إليه كل فاضل في الوجود هو أن نضحي بأنفسنا في سبيل خير الإنسانية والسعادة. هذا هو ماركس في شبابه وتلك عقيدته برغم صبوء والده وبرغم ما تحدث الناس عن دوافع هذا الصبوء. إلا أن الولد سر أبيه فكما ترك أبوه عقيدته فقد ترك الابن عقيدته. وما الأسباب؟

ص: 311

الأسباب كثيرة أقربها أنه من نسل يهودي عيء من أجل المادة. كارل ماركس هو يريد مالا يعيش منه وينفق على أولاده وأسرته ومن ذا الذي يلقى عليه المال دون أن يقدم عملا يستحق عليه أجرا. فهو كافر بالسماء وبالإنسانية لأن الناس لم يعطوه شيئا وبهذا قد كتبت زوجته إلى بعض أصدقائها أنهما في شدة من الجوع وقد أتت إليهم مالكة المنزل الذي هما فيه تطلب الإيجار ولم يجدوا شيئا فأخذت الأثاث بالأجور وطردتهما من المنزل وخرجوا مع أطفالهم وكان عند خروجهم من المنزل قد هطلت عليهم الأمطار وماتت إحدى بناتهما ولم يجدوا كفنا فأقرضهم أحد الفرنسيين المهاجرين هناك جنيهين. هذه حالة كارل ماركس لأنه عاش عالة على أبيه فلما توفي أبوه كانت تنفق عليه أمه وأخته حتى نفذ ما بأيديهما من المال. هذا هو مؤسس الشيوعية الذي يهتفون باسمه ويمجدونه. إن سبب إنكاره وجود الله هو أن السماء لا تمطر ذهبا والعجب كل العجب من هؤلاء العبيد المسخرين لخدمة الشيوعية من غير الروس وعلى الأخص في بعض بلدان العالم العربي أولئك الذين يتشدّقون بالماركسية وما أعدت لأهلها من نعيم، وحسبها أنها سلبت نعم أقوام وأمم وشعوب بحجة إعطائها للآخرين المستحقين وهي لا تعطيهم إلا الجوع والاستعباد والتعذيب وما استجابت إلا شرذمة من ضعفاء النفوس على وعد من عملاء الشيوعية أنهم سيعطونهم أموال الأغنياء ويسلبون القادر قدرته ليعدموها للعاجز المحروم ولذلك لبوا دعوتهم الكاذبة وزعم آخر، إن الشيوعية تعتني بالطبقة العاملة وتؤمنها من الخوف والجوع وترفع مستواها بالسادة الحاكمين ولكن وبرغم هذه المزاعم لم يستجيبوا في روسيا عن رضا واقتناع ولكن استعان البلاشفة في روسيا بقوة الحديد والنار وثبتوا قواعد هذه الدعوة ودعائمها. ونستدل الآن على هذه الدعاية الكاذبة أنهم يرفعون مستوى الطبقة العاملة. إن العمال في أمريكا وبريطانيا أرفع مستوى من العمال في الاتحاد السوفييتي وقد قال أحد مدعمي

ص: 312

حزب ماركس وأحد أقطاب الدعوة الهدامة في إيطاليا (اجنازيو مسيلوني) يقول أنه زار موسكو واتفق ببعض العمال هناك وأنهم يشكون من الأحوال المهنية التي تحيط بحياة العمال بالمصانع ولكن أنه لا يفهم لماذا يعيش العامل تحت رحمة إدارة المصنع ولما وقف السيلوني على حقائق الشيوعية وعلى ما تلقى الطبقة العاملة من الذل والهوان والتعذيب والسلب للحرية كفر بها وحذر الطبقة العاملة في جميع الأرض أن تنخدع بأكاذيب الشيوعية ومفترياتها ويقول أيضا أن العمال كانوا يعيشون في أبشع صنوف الفاقة والذلة وإنما الذين خانوا زملائهم في السجن والعمل الشاق هم أصحاب الحظوة والامتياز في المستعمرات النموذجية وغيرها وأن الشيوعية قضت على حياة الطبقة العاملة بالتعب والشقاء وسلبت كل حقوقها وكالشيوعية تعرف أن الإسلام الدين الوحيد الذي أتى بقواعد محكمة للحكم والنظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والمالي والتجاري ولم يترك أي مشكلة يمكن أن تحل بفرد أو بجماعة أو أمة إلا قال حكمه الواضح الصواب فيها ومنح الإنسان الحرية ووضع قواعد المجتمع الفاضل والذي أريد أن أقوله للقارئ الكريم إن الأحزاب غير الإسلامية شديدة التخاصم فيما بينها ولكنها تنظر نظرة الشخص الواحد لتحطيم الإسلام.

ص: 313

إنّ كل حزب شاذ يعرف قدر نفسه ويعرف قدر الإسلام وأن الإسلام هو دين الله المنزل من السماء. وإنني إذ أذكر قصة حدثت في مدينة جبلة التابعة للواء إب في الجمهورية العربية اليمنية: كنت طالبا في أحد المعاهد هناك فإذا برجل ظهر أنه من الجمعية التبشيرية وهو يقوم بحركة نشيطة في دعوته الكذابة ويوزع كتبا صغيرة تابعة للجمعية التبشيرية فبلغت مدير المنطقة فاحتجز الرجل وأبلغنا التربية العلمية بصنعاء ومديرها القاضي عبد المجيد عزيز الزنداني وعلى أثرها وصل المدير بنفسه وقرر ترحيل ذلك الرجل المخرب وإعادته إلى بلاده وكان هذا الرجل يحمل بطاقة سياحية. وهكذا الأحزاب حريصة كل الحرص على التشكيك في الإسلام ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون والله نسأل أن يبقى على الأمة الإسلامية عقيدتها بقيادة رائد التضامن الإسلامي جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز وجميع المخلصين لدينهم ورفع مستوى أمتهم من رؤساء وأفراد الأمة العربية والإسلامية إنه سميع الدعوات.

ص: 314

خالف النفس

بقلم محمد عبد الرحمن شميله الأهدل

الطالب بكلية الشريعة

خالف النفس لا تمل لهواها.

فلكم زلّ من جرى مجراها.

وإذا حسنت لك الأمر فاعرضـ.

ـه على الشرع ينكشف مغزاها.

واقصرنها على الشريعة قسرا.

يكن الخلد في غد مثواها.

واتق الله فالحساب عسير.

والذنوب الذنوب ما أسواها.

كيف ننسى الذنوب أو نتناسى.

والرقيب الأمين قد أحصاها.

تُب إلى الله فالحِمام قريب.

سوف يأتي عشية أو ضحاها.

راقب الله واقرع الباب تظفر.

بالمنى في الدنا وفي أخراها.

يا رجال الإسلام في كل قطر.

من أداني الغبراء أو أقصاها.

إن آباءنا الغطاريف شادوا.

دولة العز فاجتنوا علياها.

دمروا قيصرا وثنوا بكسرى.

وأناروا الدنيا بُعيد دجاها.

نصروا الله بالجهاد فحازوا.

رتبا في العلاء ما أسماها.

حكموا الشرعة المحَقِقة العـ.

ـدل فعزوا بنصرهم إياها.

حكموا هذه البسيطة دهرا.

خلدت في قلوبنا ذكراها.

أمتي أخلصوا الجهاد وهبوا.

بنفوس إلى العلا مرقاها.

واعلموا أي فتنة أو خطوب.

ضعضعتنا ففعلنا منشاها

.

ص: 315

الزاوية الطبية

بإشراف أطباء الجامعة الإسلامية

س1 - من الأخ ع. ل. ق. يقول فيه:

نحن الآن في عصر السرعة. ولم يكن أمام الإنسان الآن وقت كاف للمشي. إضافة إلى ما تزخر به الحياة الآن من نعومة زائدة. فبماذا تنصحون من يريد الإبقاء على صحته في هذا الجو الناعم؟

الجواب - المشي والرياضة البدنية عموما ليس من الكماليات بل هو ضرورة لصحة البدن والنفس. فإذا كان المسجد قريبا من البيت كيلو أو أقل مثلا وعندك سيارة فلا بد من المشي للمسجد إن كنت تريد صحة بدنية وفوائد ذلك هي: 1 - تقوية عضلات الجسم. 2 - تنشيط الدورة الدموية. 3 - تقليل الشحم في الجسم. 4 - الحفاظ على القلب والشرايين من التجلطات القلبية. 5 - تجنب دوالي الساقين والقدمين وهي تمدد الأوردة الدموية في الساقين. 6 - تنشيط الرئتين على تنفس الهواء. 7 - زيادة كفاءة الجسم واللياقة البدنية. فإذا اضطررت لعمل مجهود كحمل حقيبة مثلا أو جري لتحصيل مصلحة أو تفادي ضرر لم يؤد هذا إلى الخفقان وانقطاع النفس كما يحدث كثيرا عند هواة مقعد السيارة. 8 - الحفاظ على الصحة النفسية فبتحريك قدميك وتلفتك يشعرك بأنك وسط خضم الحياة. يشعرك بكيانك ووجودك، ومشي ساعة قطعا يذيب الأفكار السوداء من الرأس ويذهب بالقلق ويشغلك عن توافه الحياة وما أحلى وألذ الراحة بعد مشوار أو مجهود بدني. وكن حذار على من لم يمارس الرياضة أن يبدأ برياضة عنيفة مجهدة ولكن عليه بالتدرج. والنعومة الزائدة تجعل المرء ينهار عند أول عقبة تصادفه وما أكثر عقبات ومشاق الحياة. والحياة كفاح {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} .

س2 - من الأخ أ. ج. س. يقول فيه:

أحس بالتحسس من بعض المأكولات كالبيض، والسمك، والموز. فهل هناك علاج لإزالة هذا المانع. من التمتع بهذه الطيبات من الرزق؟

ص: 316

الجواب - الحساسية من بعض المأكولات حلها سهل ميسور وهو القناعة بما قسم الله له فما أكثر نعم الله وتنوعها فإن كان عنده حساسية للبيض والسمك فعليه بالدجاج واللحم المشوي، وإن كان عنده حساسية للموز فما أجمل التفاح والبرتقال والعنب والرطب والكمثرى والبرقوق والخوخ

الخ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} . فحتى هذه اللحظة يعتبر الذي يعرف الغذاء الذي يسبب له حساسية، يعتبر سعيدا جدا لأن الغالبية العظمى تأتيهم الحساسية ولا يعرفون ما سببها فيأخذون المسكنات وهذه الطامة حقا. أما من يعرف سبب حساسيته من نوع خاص من الغذاء فعليه أن يجتنبه في الحال ويحمد الله.

س3 -من الأخ ج. ص. م. يقول فيه:

أشعر بألم في جهة ما جسمي. وقد وصف لي أحد الأطباء حبوب ((كورتيوزون)) لمدة طويلة. وقد أحسست بانتفاخ في وجهي وبعض أجزاء جسمي. أرجو الإفادة عن مضار الكورتيزون وشكرا.

الجواب - أقراص الكورتيزون ومشتقاته تعطى بواسطة الطبيب فقط عند دواعي استعمالها ولا توقف فجأة بل توقف تدريجيا كأن يؤخذ 6 حبات ثم ينقصها إلى 5 ثم إلى 4 ثم إلى 3 ثم إلى 2 ثم إلى حبة، وهذا لأن إعطاء الكورتيزون يوقف مؤقتا عمل الغدة الكظرية ((فوق الكلية)) فإنقاص عدد الحبات يترك المجال لعودة الغدة لعملها الطبيعي ولا شك أن الكورتيزون لا يُعطى بتاتا في حالة قرحة المعدة أو قروح العين فإنه يخرم القروح ويمنع التئامها. وأخذ الكورتيزون لمدة طويلة جدا يسبب انتفاخ الوجه حتى يصبح مستديرا كالقمر.

س3 - من الأخ س. ج: ق. يقول فيه:

حينما أستيقظ في الصباح لا أتمكن من النهوض من الفراش. وأشعر أن مفاصلي في حالة يُرثى لها من الفتور. فهل هذا من المكيف. أم هو مرض وبماذا تنصحون؟

ص: 317

الجواب - لفتور الجسم أسباب عدة منها التعرض لتيارات البرد والمكيف وأحسن شيء قفل المكيف عند التهيؤ للنوم أو توجيهه بعيدا عن النائم. والسبب الآخر هو نوع من الفتور النفسي والعزوف عن العمل والرغبة في الهروب من الحياة فإن كانت الحالة بسيطة كأن يقابل الإنسان وجها باشا مبتسما أمامه مع صينية عليها الفطور والشاهي وأخذ دش قبل الفطور يساعد على هذا النشاط وأما ألم المفاصل بسبب البرد فأحسن شيء له هو الأسبرين ((حبتين بعد الفطور)) . وأما علاج الحالات التي فيها رغبة في الهروب مع كآبة، فعلاجها عند أطباء النفس سواء بالتحليل أو بالدواء.

س5 - من الأخ ز. ح. ي. يقول فيه:

ما هي المضادات الحيوية؟ وهل هي من الخطورة كما يصفها الناس؟ وهل أنها لا تستعمل إلا بإشراف الطبيب؟ وهل الاستمرار مدة طويلة عليها مضر؟ نرجو الإيضاح.

الجواب - المضادات الحيوية هي مواد كيميائية فعالة تفرزها الفطريات مثل البنسلين والتراميسين والاريثروميسين والاستربتوميسين

الخ.

ينبغي عدم وصفها إلا عن طريق الطبيب فكم من مريض مات نتيجة حساسية البنسلين أو الاستربتوميسين مثلا. والتراميسين: وهو المادة الفعالة في بودرة الشوكولاته ضد الإسهال إذا أعطيت للأطفال مدة طويلة أدت إلى تكون الأسنان بلون بني غامق لا يزول أبدا وكذلك تترسب في العظام. وعند تأثيرها على الأسنان تعرضها للتسوس فضلا عن أن المضادات الحيوية قد تساعد على نمو أنواع أخرى من الجراثيم أو الفطريات في الجسم تكون أشد شراسة من الجرثومة التي تعالجها. والمضادات الحيوية بأنواعها قد تسبب مضاعفات في أعضاء الجسم كالسمع أو الجلد أو الكبد أو الكلى

الخ. ولذلك ينبغي أن تُعطى تحت إشراف الطبيب.

ص: 318

الفتاوى

يتول الرد على أسئلة القراء سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز

رئيس الجامعة الإسلامية

"حكم رؤية الهلال هل يعم أو يخص"

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد فقد سألني كثير من الإخوان عن حكم الاعتماد على الإذاعة في الصوم والإفطار وهل ذلك يوافق الحديث الصحيح "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته" الحديث..

وهل إذا ثبتت الرؤية بشهادة العدل في دولة مسلمة يجب على الدولة المجاورة لها الأخذ بذلك وإذا قلنا بذلك فما دليله وهل يعتبر اختلاف المطالع.

والجواب عن هذه الأسئلة أن يقال قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق كثيرة أنه قال صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاقدروا له ثلاثين وفي لفظ آخر فاكملوا العدة ثلاثين وفي رواية أخرى فأكملوا عدة شعبان ثلاثين.

وثبت عنه صلى الله عليه سلم أنه قال لا تقدموا الشهر حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة ثم صوموا حتى تروا الهلال أو تكملوا العدة والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وهي تدل على أن المعتبر في ذلك هو الرؤية أو إكمال العدة.

ص: 319

أما الحساب فلا يعول عليه وهذا هو الحق وهو إجماع من أهل العلم المعتد بهم وليس المراد من الأحاديث أن يرى كل واحد الهلال بنفسه وإنما المراد ثبوت ذلك بشهادة البينة العادلة وقد خرج أبو داود بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: تراوى الناس الهلال فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أني رأيته فصام وأمر الناس بالصيام، وخرج أحمد وأهل السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان عن ابن عباس رضي الله عنهما أن أعرابيا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال إني رأيت الهلال فقال "أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فقال نعم قال فأذن في الناس يا بلال أن يصوموا غدا" وعن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه خطب في اليوم الذي يشك فيه فقال إني جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسآءلتهم وأنهم حدثوني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته وانسكوا لها فإن غم عليكم فأتموا ثلاثين يوما فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا"رواه أحمد ورواه النسائي ولم يقل فيه مسلمان وعن أمير مكة الحرث بن حاطب قال عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما رواه أبو داود والدارقطني وقال هذا إسناد متصل صحيح.

ص: 320

فهذه الأحاديث وما جاء في معناها تدل على أنه يكتفى في رؤية هلال رمضان بالشاهد الواحد العدل، أما في الخروج من الصيام وفي بقية الشهور فلا بد من شاهدين عدلين جمعا بين الأحاديث الواردة في ذلك وبهذا قال أكثر أهل العلم وهو الحق لظهور أدلته ومن هذا يتضح أن المراد بالرؤية هو ثبوتها بطريقها الشرعي وليس المراد أن يرى الهلال كل أحد، فإذا أذاعت الدولة المسلمة المحكمة للشريعة كالمملكة العربية السعودية أنه ثبت لديها رؤية هلال رمضان أو هلال شوال أو هلال ذي الحجة فإن على جميع رعيتها أن يتبعوها في ذلك. وعلى غيرها أن يأخذ بذلك عند جمع كثير من أهل العلم لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:"الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين" رواه البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وأخرجه مسلم بلفظ "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن أغمى عليكم فاقدروا له ثلاثين" وأخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غبى عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين" وأخرجه مسلم بهذا اللفظ لكن قال: فإن غمى عليكم الشهر فعدوا ثلاثين. فإن ظاهر هذه الأحاديث وما جاء في معناها يعم جميع الأمة ونقل النووي رحمه الله أن هذا هو قول الليث بن سعد والأمام الشافعي والإمام أحمد رحمة الله عليهم قال يعني بن المنذر ولا أعلمه إلا قول المدني والكوفي يعني مالكا وأبا حنيفة رحمهما الله. انتهى. وقال جمع من العلماء: إنما يعم حكم الرؤية إذا تحدت المطالع أما إذا اختلفت فلكل أهل مطلع رؤيتهم وحكاه الإمام الترمذي رحمه الله عن أهل العلم، واحتجوا على ذلك بما خرجه مسلم في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه أن كريبا قدم عليه في المدينة من الشام في آخر رمضان فأخبره أن الهلال رؤي في الشام ليلة الجمعة وأن معاوية والناس صاموا بذلك فقال ابن عباس لكنا رأيناه ليلة

ص: 321

السبت فلا نزال نصوم حتى نراه أو نكمل العدة فقلت أو لا تكتفي برؤية معاوية وصيامه فقال: لا. هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قالوا فهذا يد ل على أن ابن عباس يرى أن الرؤية لا تعم وأن لكل أهل بلد رؤيتهم إذا اختلفت المطالع وقالوا أن المطالع في منطقة المدينة غير متحدة مع المطالع في الشام وقال آخرون لعله لم يعمل برؤية أهل الشام لأنه لم يشهد بها عنده إلا كريب وحده والشاهد الواحد لا يعمل بشهادته في الخروج وإنما يعمل بها في الدخول.

وقد عرضت هذه المسألة على هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في الدورة الثانية المنعقدة في شعبان عام 1392 هـ فاتفق رأيهم على أن الأرجح في هذه المسألة التوسعة في هذا الأمر وذلك بجواز الأخذ بأحد القولين على حسب ما يراه علماء البلاد. قلت وهذا قول وسط وفيه جمع بين الأدلة وأقوال أهل العلم إذا علم ذلك.

فإن الواجب على أهل العلم في كل بلاد أن يعنوا بهذه المسألة عند دخول الشهر وخروجه وأن يتفقوا على ما هو الأقرب إلى الحق في اجتهادهم ثم يعملوا بذلك ويبلغوه الناس وعلى ولاة الأمر لديهم وعامة المسلمين متابعتهم في ذلك ولا ينبغي أن يختلفوا في هذا الأمر لأن ذلك يسبب انقسام الناس وكثرة القيل والقال إذا كانت الدولة غير إسلامية.

أما الدولة الإسلامية فإن الواجب عليها اعتماد ما قاله أهل العلم وإلزام الناس به من صوم أو فطر عملا بالأحاديث المذكورة وأداء للواجب ومنعا للرعية مما حرم الله عليها ومعلوم أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن - وأسأل الله أن يوفقنا وجميع المسلمين للفقه في الدين والثبات عليه والحكم به والتحاكم إليه والحذر مما خالفه إنه جواد كريم.

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه ....

س- من الأخ أ. ح. س. يقول فيه:

ص: 322

اعتاد الكثير من الناس في المدينة المنورة الدخول بالميت من باب الرحمة فقط دون الأبواب الأخرى اعتقادا منهم أن الله سبحانه سيرحمه ويغفر له فهل لهذا شيء من الصحة من شرعنا المطهر؟

الجواب - لا أعلم لهذا الاعتقاد أصلا في شريعتنا السمحة بل ذلك منكر لا يجوز اعتقاده ولا حرج في إدخال الجنازة من جميع الأبواب والأفضل إدخالها من الباب الذي يكون إدخالها منه أقل ضررا على المصلين.

ص: 323

أخبار الجامعة

إعداد العلاقات العامة

السفير الأوغندي في القاهرة يزور الجامعة الإسلامية

* قام بزيارة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سعادة السفير الأوغندي في القاهرة السيد يونس خميس رضى وقد اجتمع سعادته بادئ الأمر بفضيلة الأمين العام للجامعة الشيخ محمد بن ناصر العبودي وجرى الحديث في الشؤون الإسلامية وما ينبغي على الطلبة الأوغنديين عمله بعد تخرجهم من الجامعة. ثم اجتمع سعادته بالطلبة الأوغنديين وارتجل كلمة ضافية حثهم فيها على مواصلة الاجتهاد في طلب العلم وبذل الجهد بعد عودتهم إلى وطنهم ويساهموا في الدعوة والإرشاد هناك وفي ختام الزيارة قدمت الجامعة لسعادته كمية مناسبة من الكتب والمجلات والنشرات هدية رمزية. هذا ومما تجدر إليه الإشارة أن عدد الطلاب الدارسين حاليا في كافة المراحل التعليمية في الجامعة من أوغندا (18) طالبا وقد تخرج من كلية الشريعة والدعوة وأصول الدين مجموعة من الطلاب في كافة الأفواج السابقة وقد خصص لأوغندا في العام الدراسي القادم (5) منح دراسية.

* وصل إلى المدينة المنورة قادما من الطائف سماحة رئيس الجامعة الإسلامية الشيخ عبد العزيز بن باز يرافقه مدير الامتحانات بالجامعة الشيخ إبراهيم الحصين. وسكرتير مكتبة الشيخ عبد الرحمن بن دايل.

* عاد إلى المدينة قادما من القاهرة الدكتور أحمد محمد سليمان طبيب الجامعة الإسلامية بعد أن أمضى إجازته السنوية هناك.

* غادرنا إلى جدة في طريقه إلى أديس أبابا الأستاذ عبد الله الفوزان المحمد مدير المعهد الثانوي التابع للجامعة الإسلامية في مهمة رسمية تستغرق 15 يوما، هذا ويقوم بأعمال المعهد حاليا مساعده الأستاذ حامد عبد القادر الأحمدي.

ص: 324

* عاد إلى المدينة فضيلة الأمين العام للجامعة الإسلامية الشيخ محمد بن ناصر العبودي قادما من الطائف وذلك بعد أن أنهى مهمته الرسمية المتعلقة بميزانية الجامعة الإسلامية للعام 93_94 هـ وقد اجتمع فضيلته بسماحة رئيس الجامعة الشيخ عبد العزيز بن باز هناك. هذا وقد انتهز فضيلته فرصة مروره على جدة فقام بجولة تفقدية على مكتب الجامعة الإسلامية هناك واطلع عن كثب على سير العمل ومما تجدر الإشارة إليه أن مكتب الجامعة في جدة يقوم هذه الأيام بنشاطات ملموسة في إرسال الكتب إلى كافة البلدان الإفريقية وغيرها بناء على تعميد لجنة الكتب بالجامعة المشكلة برئاسة مساعد الأمين العام للشئون الإدارية.

* كما يقوم المكتب بترحيل الطلاب المتخرجين من الجامعة واستقبال الطلاب الجدد فيها.

* تقوم إحدى المؤسسات بالمدينة المنورة بحفر بئر ارتوازية للجامعة الإسلامية وذلك لتأمين مياه الشرب وسقي المزروعات بها وتعمل هذه المؤسسة بجد في هذه الأيام ويذكر أن الماء المذكور ضروري للجامعة لكي تتمكن من تشجير شوارعها ومداخلها وعمل الحدائق أمام الجامعة وذلك ليضفي على الجامعة منظرا جميلا ولتلطيف الجو من جهة ثانية. هذا وقد استعانت الجامعة بمديرية الشؤون الزراعية بالمدينة لوضع المواصفات وقد أعلنت الجامعة ذلك في الصحف المحلية وسترسوا قريبا على أحد المتعهدين وهذا الإجراء يتم لمكانة الجامعة الإسلامية على الصعيد الدولي إذ يبلغ عدد طلابها قرابة 1500 طالبا ينتمون إلى 81 دولة من دول العالم المختلفة، ويؤمها الزوار والحجاج من شتى بقاع المعمورة للاطلاع عن كثب على تبذله الجامعة في سبيل نصرة الإسلام والمسلمين.

ص: 325

* قام بزيارة الجامعة الإسلامية بالمدينة الشيخ حسين الحباشنة الداعية الإسلامي المعروف في الأردن. وقد اجتمع فضيلته بالأمين العام للجامعة الإسلامية الشيخ محمد العبودي. هذا ومما تجدر إليه الإشارة أن الجامعة الإسلامية قد تبرعت بكمية كبيرة من الكتب الدينية والمصاحف والمجلات لتوزيعها على مخيمات اللاجئين بواسطته وقد وضعت هذه المصاحف والكتب ضمن صناديق خشبية كبيرة ساهمت الجامعة بإحضار بعضها وذلك لإرسالها بطريق البر إلى الأردن ومنها إلى مخيمات اللاجئين هناك وقد حصل الشيخ حسين على 30 ألف مصحف من الأوقاف بالمدينة وغيرها. هذا وسيغادرنا الشيخ حسين إلى الأردن مصطحبا معه الكتب المشار إليها.

* عاد إلى المدينة المنورة فضيلة الشيخ محمد مصطفى المجذوب المدرس في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية قادما من لبنان وذلك للاشتراك في الدورة التدريبية للطلاب المتخرجين في هذا العام 92_93هـ وسيقوم فضيلته بالمحاضرة في شعبة التدريس.

* يقوم فضيلة الشيخ عطية محمد سالم القاضي في المحكمة الشرعية بالمدينة بالمحاضرة في الدورة التدريبية في الجامعة الإسلامية في شعبة القضاء. وقد انتهز فضيلته هذه الفرصة فصحب كافة الطلاب في هذه الشعبة إلى المحكمة وأطلعهم عن كثب على سير المعاملات وعلى السجلات وعلى بعض الجلسات.

ولا يزال فضيلته يحاضر حتى انتهاء الدورة في منتصف الشهر القادم.

* صدر قرار مجلس الوزراء الموقر بترفيع فضيلة الشيخ عبد القادر شيبة الحمد المدرس في كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية من المرتبة التاسعة إلى المرتبة العاشرة على وظيفة (باحث) تهانينا.

* تلقت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من معالي وزير الدولة ورئيس ديوان الموظفين العام خطاب شكر على التعاون الذي تم بين مندوبين الديوان وبينها في تهيئة أماكن الامتحانات للمتقدمين للوظائف الشاغرة بمنطقة المدينة والخدمات التي قدمت لهم.

ص: 326

* قام بزيارة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة الأستاذ إبراهيم قوسا مفوض التعليم في شمال نيجيريا والوفد المرافق له. وقد اجتمع بفضيلة الأمين العام للجامعة الشيخ محمد بن ناصر العبودي ومساعده الشيخ عمر محمد وقد نوقشت في الجلسة كثير من الأمور الخاصة بالمنح الدراسية وسير الطلاب النيجيريين للدراسة في الجامعة والطرق المتبعة لابتعاث الطلاب النيجيرين للدراسة بالجامعة وقبل ختام الزيارة قدمت الجامعة للضيف ومرافقيه هدية من الكتب القيمة والمجلات والنشرات ثم قام الضيف بجولة تفقدية للكليات والمعاهد التابعة للجامعة كما قام بزيارة المكتبة العامة. هذا وقد اشترك في استقباله بمطار المدينة من الجامعة الإسلامية مساعد الأمين العام ومدير العلاقات العامة بالجامعة.

* لا تزال طلبات الكتب تنهال على الجامعة الإسلامية بشكل يلفت النظر وقد تلقت الجامعة أخيرا من الدكتور (بيج) الأستاذ بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة (تورنتو) في كندا خطابا بطلب فيه ترجمة معاني القرآن باللغة الإنجليزية. وصحيح البخاري باللغة الإنجليزية. وبعض الكتب الدينية وقد تم إرسال الكتب المطلوبة إليه.

* الدورة التدريبية للطلاب المتخرجين من كليات الجامعة الإسلامية المختلفة تقرر أن تبدأ في 15-5-93 هـ بمقر الجامعة الإسلامية. هذا وقد أعلنت الكليات لطلابها اختيار الأقسام التي يرغبونها مبكرا. هذا وسيشترك في التدريس كبار مدرسي الجامعة وتستمر الدورة لمدة شهرين.

* بناء على الموافقة السامية الكريمة على أن أي طالب يكمل ثلاث سنوات دراسية في أي مرحلة من مراحل التعليم بالجامعة الإسلامية يرحل إلى بلده لزيارة أهله على حساب الجامعة. تتم هذه الأيام الاجتماعات بين مندوبي الخطوط والجامعة لدراسة هذا الموضوع والاستعداد له وحصر الطلاب المستحقين لهذه المنحة.

ص: 327

* تم ترسية مشروع إنارة الجامعة الإسلامية على أحد المتعهدين وقد تم اليوم تسليم المتعهد المواقع المراد إنارتها وعد شكلت لجنة لهذا الغرض مكونة من:

مدير الشئون المالية الأستاذ عبد الله الباحوث ورئيس المحاسبة الأستاذ محمد عمران دهيثم ورئيس الصيانة مساعد مهندس صالح مساوى بالإضافة إلى مهندس الأشغال العامة المختص عطية رياض.

* لا يزال العمل مستمرا في مهاجع الطلاب الحديثة. والجدير بالذكر أن المؤسسة المسؤولة عن المشروع المشار إليه تبذل الجهد في إظهار هذا المبنى بالمظهر اللائق ومكانة الجامعة الإسلامية دوليا. ويتسع هذا المبنى لسبعمائة وأربعين سريرا عدا قاعات الاجتماع والمرافق العامة التابعة له وقد خصص للمشروع كمرحلة أولى مبلغ خمسة ملايين ريال وتأتي هذه الإنشاءات لمقابلة زيادة الطلاب المستمرة إذ سيبلغ عدد الطلاب المستجدين للعام الدراسي المقبل حوالي 320 طالبا.

* أصدر سماحة رئيس الجامعة الإسلامية الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز أمره إلى فضيلة الأمين العام للجامعة الشيخ محمد العبودي بتكليف الأمين العام المساعد للشئون التعليمية الأستاذ سليم سلمان الحازمي بالإشراف على الدورة التدريبية في أقسامها الثلاث. هذا وقد باشر عمله.

* تلقت رئاسة الجامعة الإسلامية بالمدينة برقية من فضيلة قاضي خميس مشيط يفيد فيها بأن المدعو (كنج) قادر بختى الباكستاني الجنسية المسيحي الديانة قد أعلن إسلامه في المحكمة. وقد طلب فضيلته من الجامعة إرسال كمية من الكتب الدينية التي تشرح محاسن الإسلام وكذلك ترجمة معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية. وشرح صحيح البخاري. وقد أصدر سماحة الرئيس أمره لادارة العلاقات العامة بالجامعة بسرعة إرسال المطلوب للمذكور.

ص: 328

* يغادرنا إلى جدة في طريقهما إلى مكة والرياض كل من: فضيلة الشيخ محمد بن صالح المرشد عميد كلية الشريعة بالجامعة الإسلامية والأستاذ عبد الرحمن إبراهيم السيف أمين مكتبة الجامعة الإسلامية وذلك لتأمين الكتب الدراسية لطلاب الجامعة في كافة المراحل.

* لا تزال طلبات الالتحاق بكافة المراحل بالجامعة الإسلامية تتوالى على رئاسة الجامعة بشكل ملحوظ وإدارة شئون الطلبة في الجامعة تعمل هذه الأيام بجد ونشاط ملموسين وذلك لمقابلة هذا العدد الهائل الذي يرد يوميا من كافة أنحاء العالم.

هذا ويشارك في إلقاء المحاضرات كبار مدرسي الجامعة ومما تجدر إليه الإشارة أن الطالب في هذه الدورة يتقاضى مكافأة تشجيعية مقدارها 300 ريال في الشهر.

* عقد اجتماع بمكتب الأمين العام الشيخ محمد العبودي ومساعده الشيخ عمر محمد وعميد كلية الدعوة الشيخ عبد العزيز القويفلي وعميد كلية الشريعة الشيخ محمد المرشد ومدير المعاهد الأستاذ عبد الله الفوزان وذلك لمناقشة بعض الأمور المتعلقة باحتياجات الجامعة من المدرسين في العام الدراسي القادم وبعض المسائل الأخرى.

* غادرنا إلى جدة في طريقهما إلى القاهرة كل من فضيلة الشيخ عمر محمد فلاته مساعد الأمين العام للجامعة الإسلامية وفضيلة الشيخ عبد المحسن العباد المدرس في كلية الشريعة بالجامعة وذلك للتعاقد مع مدرسين للعمل في كليات الجامعة الإسلامية ومعاهدها ومن المتوقع أن يتوجها بعد ذلك إلى كلا من دمشق وعمان لنفس الغرض.

* تم بحمد الله تصنيف مكتبة الجامعة الإسلامية على أحدث التنظيم الفنية الكتبية وفقا لخطة ((ديوي)) العشرية. وقد قام بهذه المهمة خبير التصنيف بالجامعة الأستاذ عيد عبد الله السيد، وستقوم المكتبة العامة للجامعة بإصدار نشرة دورية بمقتنياتها من الكتب والمواد العالية اعتبرا من العام الدراسي93_1394هـ.

·

ص: 329

أضواء من التفسير

للشيخ عبد القادر شيبة الحمد: المدرس بكلية الشريعة

قال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ. ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ. وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأُولِي الأَلْبَابِ. وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} .

المناسبة:

بعد أن ذكر الله قصتي داود وسليمان عليهما السلام المبرزتين لآلاء الله على عباده الصالحين، المبينتين لقرب أمد الفتن التي يفتن بها المرسلون، ذكر قصة أيوب عليه السلام لتضمنها المعنى السابق في القصتين السابقتين تأكيداً وتقريراً.

القراءة:

قرأ الجمهور "أني مسني": بفتح الهمزة، وقرئ "إني مسني"بكسرها، وقرئ "بنُصْب": بضم النون وسكون الصاد. وقرئ "بنُصُب"بضمتين. وقرئ أيضاً "بنَصَب ":بفتحتين.

المفردات:

ص: 330

"أيوب": أحد أنبياء بني إسرائيل. "نادى": دعا. "مسني": أصابني. "بنصب": على سائر القراءات بمعنى التعب والمشقة فهي لغات فيها بمعنى واحد من قولهم: أنصبني. وقيل إنها على القراءة الأولى جمع نَصَب كَوُثْن ووَثَن. "عذاب":أي ألم. "أركض برجلك ": أي اضرب بها. "مغتسل": أي ماء تغتسل به. "وهبنا": أعطينا. "أهله": زوجته وأولاده الذين كانوا معه فسلمهم له وجمع بينهم. "مثلهم": مقدارهم. "ذكرى": عبرة. "ضغثا": قال ابن عباس:: المراد عثكال النخل. وقال الضحاك: حزمة من الحشيش مختلفة. وقال الأخفش: هو الشجرالرطب. وقيل هو القبضة من الحشيش أو القضبان ومنه قولهم: ضغث على إبالة والإبالة الحزمة من الحطب. "التحنث": الحنث هو الخلف في اليمين. "وجدناه": علمناه. "صابرا":حابسا نفسه عن الجزع راضيا كل الرضى بقضاء الله.

التراكيب:

قوله "واذكر عبدنا أيوب " الواو لعطف اذكر عبدنا أيوب على قوله:" اذكر عبدنا داود". وإنما لم يصدر قصة سليمان بهذا العنوان لكمال الإاتصال بينه وبين داود عليه السلام حتى كأن قضيتهما واحدة. "وأيوب"عطف بيان لعبدنا أو بدل منه بدل كل من كل. وقوله "إذ نادى"بدل اشتمال من عبدنا. وقوله"أني مسني الشيطان بنصب وعذاب "بفتح الهمزة أي "بأني"وعلى قراءة كسر الهمزة فهو مقول لقول مقدر واقع جواب سؤال مقدر على سبيل الاستئناف البياني. أو في محل نصب على الحال من فاعل دعا. وإسناد مس النصب والعذاب إلى الشيطان تأدباً مع الله تعالى في عدم إسناد الشر إليه، فأسند إليه الشيطان لأنه سبب كل بلاء يصيب الناس في الدنيا إذ هو الذي تسبب في إخراج أبينا آدم من الجنة. فكل ألم يلقاه الناس فبسببه، ويجوز إسناده إليه. والتنوين في "نصب": للتفخيم.

ص: 331

وقوله: " اركض برجلك "مقول لقول مقدر معطوف على نادى والتقدير: فقلنا له اركض. وقوله "هذا مغتسل بارد وشراب" مقول لقول مقدر معطوف على مقدر أيضا يفهم من السياق تقديره: فركض بها فنبعت له عين فقلنا له: هذا مغتسل بارد وشراب، فاغتسل وشرب، فأزلنا ما به ووهبنا له أهله. والمغتسل اسم مفعول على الحذف والإيصال والأصل: مغتسل به أو منه. وقال مقاتل: هو اسم مكان أي هذا مكان تغتسل فيه. وظاهر السياق يشهد للأول وقوله "رحمة " مفعول لأجله. وذكرى معطوف عليه أي وهبناهم له لأجل رحمتنا إيّاه وليتذكر بحاله ألوا الألباب. أي ليصبروا على الشدائد كصبره، ويلجئوا إلى الله تعالى كلجوئه، فيحسن عاقبتهم كما أحسن عاقبته. وقوله "وخذ بيدك ضغثا" عطف على اركض. وقوله"إنا وجدناه صابرا" تعليل لتفريج كربه وتيسير أمره وتهوين الضرب المحلوف عليه. والمخصوص بالمدح في قوله "نعم العبد "محذوف تقديره: أيوب. وقوله "إنه أواب" تعليل لمدحه عليه السلام.

المعنى الإجمالي:

وتذكر يا محمد قصة عبدنا أيوب، تذكر دعاءه لربه، والتجاءه إليه، لما أصابه الضر ففرجنا كربه، وأزلنا ضره وقلنا له: اضرب برجلك، فضرب بها، فنبعت له عين ماء، فقلنا له: هذا ماء تغتسل به وشراب تشرب منه، فاغتسل وشرب، فذهب ما كان يعانيه، وسلمنا له أهله، وزدناهم إلى الضعف، لأجل رحمتنا إياه، وليتذكر بحاله أصحاب العقول فيلجئوا إلى الله كما لجأ، فيكشف ضرهم، ويفرج كربهم، وقلنا له: تناول بيدك حزمة من حشيش فاضرب به هذا الحبيب، وبر بيمينك، لأنه اختبر في باب الصبر فنجح، نعم العبد أيوب، إنه رجّاع إلى مرضاة ربه.

ما ترشد إليه الآيات:

(1)

ثناء الله على أيوب.

(2)

استحباب إسناد الشر إلى الشيطان.

(3)

اختبر أيوب بأذى في نفسه وأهله فصبر.

ص: 332

(4)

كشف ضره ومعافاته في نفسه وأهله.

(5)

منحه مثل أهله معهم.

(6)

رحمة الله لعباده الصالحين.

(7)

أن الله فعل به هذا ليقتدي به أصحاب العقول.

(8)

إنه حري بأهل الصبر أن يخفف عنهم.

(9)

مدح أيوب عليه السلام.

(10)

إنه قدوة يقتدى بها.

قال تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ. إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ. وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ. وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ} .

المناسبة:

بعد أن ذكر الله تعالى قصص داود وسليمان وأيوب وما فيها من الأسوة أتبع ذلك بذكر إبراهيم ومن معه ليتأسى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا وليتسلى بذكرهم، وليكون حجة على العرب ،الذين قالوا: أجعل الآلهة إلها واحدا لأنهم يعظمون إبراهيم وملته التوحيد.

القراءة:

قرأ الجمهور "عبادنا "على الجمع، وقرئ " عبدنا". وقرأ الجمهور "الأيدي "بالياء وقرئ "الأيد " بغير ياء. وقرئ بخالصة بالتنوين، وقرئ بغير تنونٍ أيضاً. وقرأ الجمهور "اليسع" وقرئ "اللّيْسع"بتشديد اللام وسكون الياء.

المفردات:

ص: 333

"الأيدي": بثبوت الياء جمع يد، وكني بذلك عن كثرة أعمالهم الجليلة، وخص اليد لأن أكثر الأعمال بها. ولأن الذي لا يسخر جوارحه في طاعة الله كأنه لا جوارح له. وأما قراءة "الأيد" بغير ياء فقيل هي الأيدي بالياء وحذفت الياء تخفيفاً، لدلالة الكسرة عليها، وقيل الأيد القوة وهذا هو الأصل. "الأبصار"جمع بصر وهي الجارحة والمراد أنهم المنتفعون حقيقة بأبصارهم كما أنّهم هم المنتفعون حقيقة بأيديهم. "أخلصناهم"خصصناهم. "بخالصة"بخصلة عظيمة لا شوب فيها. "ذكرى"تذكر "الدار"الآخرة. "المصطفين" المختارين من بين أبناء جنسهم. "الأخيار"جمع خَيّر وهو الفاضل الكريم. "اليسع"أحد أنبياء بني إسرائيل وهو خليفة إلياس فيهم. "ذو الكفل"قيل هو إلياس وقيل هو يوشع بن نون وقيل هو نبي آخر اسمه ذو الكفل، وقيل كان رجلاً من الصالحين.

التراكيب:

قوله "واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب" معطوف على اذكر عبدنا أيوب. وإبراهيم وما عطف عليه بدل من عبادنا أو بيان له. وقيل نصب إبراهيم بإضمار أعني والباقي عطف عليه. ومن قرأ عبدنا بالإفراد فإبراهيم وحده بدل أو بيان له أو منصوب بأعني ويجوز أن يكون عبدنا للجنس فيكون كالقراءة الأولى.

ص: 334

وقوله "إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار" تعليل لما وصفوا به من شرف العبودية. والباء في قوله"بخالصة "للتعدية إن كان أخلصناهم بمعنى خصصناهم وللتعليل إن كان أخلصناهم بمعنى جعلناهم خالصين. والتنوين في خالصة للتفخيم، ومن قرأ "بخالصة"بالتنوين فذكرى بدل منه أو خبر لمبتدأ محذوف أي هي ذكرى. ومن قرأ بغير تنوين فيخرج على أن خالصة مصدر بمعنى إخلاص فيكون مصدرا مضافا لمفعوله. وذكرى كذلك مصدر مضاف لمفعوله و"أل"في الدار للعهد أي الدار الآخرة للإشعار بأنها الدار الحقيقية. وقوله "وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار"معطوف على الجملة التي قبله لتأكيد مضمونها. وقوله "عندنا "من صلة الخبر الذي هو متعلق الجار والمجرور. وقوله:"واذكر إسماعيل"عطف لاذكر على "اذكر عبادنا"، وخص إسماعيل بالذكر ولم يعطفه على أبيه وأخيه وابن أخيه اعتناء بشأنه من حيث إن جميع بنيه من العرب لا يشارك العرب فيه غيرهم، وإشادة بذكره الذي حاول اليهود قبحهم الله إخفاءه إذ حذفوا من التوراة تاريخه، ولم يبقوا من ذكره سوى ولادته وإبعاده وهو صغير إلى برية فاران. كل هذا لحقدهم على العرب وعصبيتهم لبني إسرائيل. واللام في "اليسع"زائدة لازمة لمقارنتها للوضع ولا ينافي هذا كونه غير عربي فإنها قد لزمت في تعض الأعلام الأعجمية كالإسكندر وقد لحّن التبريزي من قال اسكندر بلا لام. وقيل هو اسم عربي منقول من يسع مضارع وسع و"أل "فيه للمح الأصل.

ولا أستبعد هذا لتداخل اللغات وعدم ضبط تاريخ استعمال اللفظ. وأما من قرأ "الليسع"فقيل هو كذلك علم أعجمي دخلت عليه اللام. وقيل أصله ليسع كفيعل من اللسع دخلت عليه "أل"للمح أصله. والتنوين في قوله "وكل من الأخيار"عوض عن المضاف إليه والتقدير وكل المذكورين من الأخيار.

المعنى الإجمالي:

ص: 335

وتذكر يا محمد قصة عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أصحاب الأعمال الجليلة والمعارف النافعة المنتفعين حقيقة بأيديهم وأبصارهم. إنا خصصناهم بخصلة خاصة بهم هي تذكر دار الآخرة والدعوة إلى عمارتها. وإنهم لدينا من المختارين الجديرين بهذا الاختيار لشرف نفوسهم وكريم سجاياهم.

وتذكر قصة إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل المذكورين من أهل الخير والصلاح.

ما ترشد إليه الآيات:

(1)

ثناء الله عز وجل على هؤلاء المرسلين.

(2)

أنه لا فائدة في الجوارح إذا لم تثمر العمل الصالح.

(3)

أن هؤلاء هم طلاب الدار الآخرة.

(4)

أن الله اختارهم.

(5)

هم أهل لأن يختاروا.

قال تعالى: {هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ. جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ. مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ. وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ. هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ. إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ} .

المناسبة:

لما أمر الله نبيه بالصبر على سفاهة قومه وذكر له جملة من أحوال إخوانه المرسلين، ذكر هنا ما يؤول إليه حال المؤمنين والكافرين من السعادة والشقاوة ومقر كل واحد من الفريقين، مع التنبيه على أن في القصص السابقة كفاية لأصحاب العقول، والإشارة إلى تحدي العرب وإعجازهم بهذا الذكر.

القراءة:

قرأ الجمهور "جنات "بالنصب، وقرئ " جنات "بالرفع. وقرأ الجمهور "هذا ما توعدون "بالتاء، وقرئ بياء الغيبة أيضاً، وقرأ الجمهور "مفتحة "بالنصب وقرئ بالرفع.

المفردات:

ص: 336

"ذكر " شرف لهم وثناء عليهم في العاجلة. "للمتقين "الذين يجعلون بينهم وبين غضب الله وقاية بعملهم ما يرضيه والمراد بهم هنا إما المذكورون خاصة أو عموم المتقين ، "جنات "بساتين. "عدن"إقامة من قولهم عدن بالمكان إذا أقام فيه، على معنى أنهم يقيمون بها لا يريمون عنها. "متكئين " جمع متكئ وهو الجالس على هيئة المتمكن المتربع المستريح. "يدعون " ينادون. "قاصرات الطرف "حابسات العين يعني على أزواجهن. "أتراب "متماثلات في الأسنان والحسن والشباب أو مساويات لأزواجهن في السن. من قولهم فلان ترب لك وهو من وُلِد معك في وقت واحد كأنهما وقعا على التراب في زمن واحد. "ما توعدون "موعدكم. "ليوم الحساب "ليوم الجزاء. "لرزقنا "لعطائنا "نفاد"انقطاع.

التراكيب:

قوله تعالى "هذا ذكر" جملة مستأنفة يؤتى للفصل بين كلامين. وهو أسلوب بديع يذكر للانتقال من حال إلى حال. وفيه تنبيه إلى أن ما ذكر كان كافيا لمن كان له قلبٌ، وفيه إشارة إلى التحدي بالقرآن والإعجاز به. والإشارة إلى ما تقدم من الآيات الناطقة بالثناء على هؤلاء الصالحين. وقوله "وإن للمتقين لحسن مآب "من قبيل عطف القصة على القصة ، ويجوز أن يكون معطوفا على الجملة التي قبلها أي هذا شرف لهم في الدنيا وإن لهم في الآخرة لحسن مآب. وقوله "جنات عدن "على قراءة النصب بدل اشتمال من حسن مآب ويجوز أن يكون منصوبا على المدح، أما انتصابها على أنها عطف بيان فإنه لا يجوز إلا على مذهب الكوفيين والفارسي الذين يجيزون أن يكون عطف البيان نكرة تابعا لنكرة. أما البصريون فإنهم لا يجيزون عطف البيان إلا إذا كان معرفة تابعا لمعرفة. وقولهم " مفتحة "بالنصب صفة لجناب عدن والأبواب نائب فاعل مفتحة والرابط العائد على الجنات إما ضمير محذوف تقديره الأبواب منها كما هو رأي البصريين أو الألف واللام القائمة مقام الضمير كما هو رأي الكوفيين.

ص: 337

ويجوز أن تكون مفتحة حالا من محذوف يدل عليه المعنى تقديره يدخلونها مفتحة لهم الأبواب. ومن قرأ جنات بالرفع وكذلك مفتحة فهما مبتدأ وخبر أو هما خبران لمبتدأ محذوف. وقوله "متكئين "حال من ضمير "لهم " وهي حال مقدرة لأن الاتكاء ليس في حال تفتيح الأبواب بل بعده. وجوز بعض أهل العلم أن كون "متكئين "حالا من ضمير يدعون وقدم لرعايته الفاصلة. وقوله "يدعون " استئناف بياني كأنه قيل:ما حالهم بعد دخولها؟ فقيل: يدعون متكئين. وأما على الإعراب الأول لمتكئين فإنه يجوز أن تكون حالا من ضمير "لهم " أيضا وهي مقدرة كذلك. وقوله "هذا ما يوعدون"على قراءة الياء على مقتضى الظاهر لأن المقام للغيبة، إذ قبله "وعندهم " وأما على قراءة الجمهور ففيها التفات. واللام في "ليوم الحساب "للتوقيت كما يقال: كتب هذا لخمس خلوْن من رمضان أي بعد خمس. وقوله "ما له من نفاد "ما نافية وله خبر مقدم ومن جيء بها لاستغراق النفي ونفاد مبتدأ مؤخر. والجملة في محل نصب حال من رزقنا أو في محل رفع خبر ثان لان.

المعنى الإجمالي:

هذه الآيات الناطقة بمحاسن هؤلاء الصالحين شرف لهم وثناء عليهم في العاجلة، وإن لهم لتقواهم لجميل مرجع في الآخرة إن لهم بساتين إقامة لا يروحون عنها، أبوابها مفتحة لهم، معتمدين فيها على الأرائك ينادون خدمهم بإحضار فاكهة كثيرة وشراب كثير، ولديهم حور قصرن عيونهن عليهم، متماثلات في السن، والحسن والشباب. وهذا المذكور موعدكم أيها المتقون في يوم الجزاء. إن هذا المعد لكم لعطاء منا لا ينقطع.

ما ترشد إليه الآيات:

(1)

العمل الصالح يورث شرف الدنيا وسعادة الآخرة.

(2)

للمتقين نعيم مقيم في جنات عدن.

(3)

نساء الجنة متماثلات في السن والحسن والشباب.

(4)

النعيم الحق في الآخرة.

ص: 338

(5)

عدم فناء الجنة.

ص: 339

من أعلام المحدثين

أبو بكر ابن أبي شيبة (159-235 هـ)

للشيخ عبد المحسن العباد

المدرس في كلية الشريعة بالجامعة

نسبه:

هو عبد الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن خُواستي بخاء معجمة مضمومة ثم واو مخففة ثم ألف ثم سين مهملة ساكنة ثم تاء مثناة من فوق ثم ياء مثناة من تحت هكذا نسبه النووي وضبط اسم جده الأعلى في شرحه لصحيح مسلم عند أول حديث في المقدمة، ونسبه هكذا الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب وقبله الذهبي في تذكرة الحفاظ، وأبو شيبة كنية جده إبراهيم وكان قاضي واسط وهو ضعيف متفق على ضعفه كما قال النووي، وأما أبوه محمد قال فيه النووي: كان على قضاء فارس وكان ثقة قاله يحيى بن معين وغيره انتهى. وله أخوان: عثمان وهو ثقة والقاسم وهو ضعيف.

كنيته:

يكنى أبا بكر وعد اشتهر بكنيته منسوبا إلى جده مكنى فيقال فيه كثيرا غالبا: أبو بكر بن أبي شيبة.

نسبته:

هو واسطي الأصل ونزل الكوفة ومات بها واشتهرت نسبته إليها، قال الحافظ في التقريب: الواسطي الأصل أبو بكر بن أبي شيبة الكوفي.

وقال الحافظ في الفتح (11- 280) أصله من واسط وسكن الكوفة، ويقال له العبسي بموحدة مولاهم كما في الخلاصة وكذا نسبه إلى عبس نسبة ولاء الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب في تذكرة الحفاظ.

ممن روى عنهم:

روى عن كثير من الأئمة فروى عن أبي الأحوص سلام بن سليم وعبد الله بن ادريس وعبد الله بن المبارك وشريك بن عبد الله وهشيم ابن بشير وأبي بكر بن عياش وإسماعيل ابن عياش وجرير بن عبد المجيد وأبي أسامة وأبي معاوية ووكيع وابن علية وعبد الرحمن بن مهدي ويحيى ابن سعيد القطان وسفيان بن عيينة وأبي خالد الأحمر وعبد الأعلى بن عبد الأعلى ومحمد بن فضيل ويزيد ابن هارون وأمم سواهم.

ممن رووا عنه:

ص: 340

روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وابنه أبو شيبة إبراهيم ابن أبي بكر وأحمد بن حنبل وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان وعبد الله ابن أحمد بن حنبل إبراهيم الحربي ويعقوب ابن شيبة وبقي بن مخلد وابن أبي عاصم وغيرهم.

من خرّج حديثه:

خرج حديثه الجماعة سوى الترمذي فالبخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه رووا عنه بغير واسطة والنسائي روى عنه بواسطة وقد أكثر مسلم من إخراج حديثه في صحيحه ولم يرو عن أحد من شيوخه مثل ما روى عنه إذ روى عنه ألفا وخمسمائة وأربعين حديثا كما نقل ذلك الحافظ ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب ولهذا قلّ أن تنظر في صفحات صحيح مسلم فلا تجد ذكر أبي بكر بن أبي شيبة وقد التزم مسلم ذكره بكنيته وكنية جده، أما البخاري فقد روى عنه ثلاثين حديثا كما في تهذيب التهذيب لابن حجر ويذكره باسمه وكنية جده ، وقد يكنيه ، قال الحافظ في الفتح (11- 528) : وفي شيوخ البخاري عبد الله بن محمد وهو أبو بكر بن أبي شيبة لكنه لم يسم أباه في شيء من الأحاديث التي أخرجها إما يكنيه ويكني أباه أو يسميه ويكني أباه ومراده تكنية جده فقد قال في الفتح (11- 280) : هو أبو بكر وأبو شيبة جده لأبيه وهو ابن محمد ابن أبي شيبة واسمه إبراهيم أصله من واسط وسكن الكوفة وهو أحد الحفاظ الكبار وقد أكثر عنه المصنف - يعني البخاري - وكذا مسلم لكن مسلم يكنيه دائما والبخاري يسميه وقلّ أن كناه انتهى.

من ثناء الأئمة عليه:

ص: 341

أثنى عليه الأئمة وذكروه بما هو أهله من الفضل والحفظ. قال الإمام أحمد: أبو بكر صدوق هو أحب إليّ ممن أخيه عثمان وقال العجلي: ثقة حافظ. وقال الفلاس: ما رأيت أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة وكذا قال أبو زرعة الرازي وقال أبو عبيد: انتهى الحديث إلى أربعة فأبو بكر ابن أبي شيبة أسردهم له وأحمد أفقههم فيه وابن معين أجمعهم له وابن المديني أعلمهم به، وقال صالح بن محمد: أعلم من أدركت بالحديث وعلله علي لين المديني وأحفظهم عند المذاكرة أبو بكر بن أبي شيبة.

وعن أبي عبيد: أحسنهم وضعا لكتاب أبو بكر بن أبي شيبة وقال الخطيب: كان أبو بكر متقنا حافظا صنف المسند والأحكام والتفسير. هذا ما نقله الذهبي في التذكرة عن الأئمة في الثناء على أبي بكر بن أبي شيبة وقال هو فيه: الحافظ عديم النظير الثقة النحرير، ونقل ابن أبي حاتم عن أبيه أنه قال فيه: كوفي ثقة. وقال ابن كثير في البداية والنهاية: أحد الأعلام وأئمة الإسلام وصاحب المصنف الذي لم يصنف أحد مثله قط لا قبله ولا بعده. وقال ابن خراش: ثقة، وقال ابن حبان في الثقات: كان متقنا حافظا دينا ممن كتب وجمع وصنف وذاكر وكان أحفظ أهل زمانه للمقاطيع، وقال ابن قانع: ثقة ثبت، وقال الذهبي في العبر: الإمام أحد الأعلام، وقال نفطويه: لما قدم أبو بكر بن أبي شيبة بغداد في أيام المتوكل حزروا مجلسه بثلاثين ألفا، وقال ابن ناصر الدين كما في شذرات الذهب لابن العماد: كان ثقة عديم النظير وقال الذهبي في الميزان: الحافظ الكبير الحجة وثقه الجماعة وما يكاد يسلم، قال الميموني: تذاكرنا يوما فقال رجل: ابن أبي شيبة يقول عن عفان فقال أحمد بن حنبل: دع ابن أبي شيبة في ذا وانظر ما يقول غيره يريد أبو عبد الله كثرة خطئهثم قال الخطيب:أرى أنّ أحمد لم يرد ما ذكره الميموني من أن أبا بكر كثير الخطأ وأظن حديث عفان الذي ذكر له عن أبي بكر قد كان عنده فأراد غيره ليعتبر به الخلاف والله أعلم.

ص: 342

وقال جعفر الفريابي: سألت محمد بن عبد الله بن نمير عن بني أبي شيبة ثلاثتهم فقال فيهم قولا لم أحب أن أذكره ثم قال الذهبي: قلت: أبو بكر ممن قفز القنطرة وإليه المنتهى في الثقة، وقال الحافظ في الفتح (11- 280) : وهو أحد الحفاظ الكبار ، وقال في تقريب التهذيب: ثقة حافظ صاحب تصانيف.

آثاره:

قال الذهبي في التذكرة: صاحب المسند والمصنف وغير ذلك. وقال في العبر: صاحب التصانيف الكبار، وقال الخزرجي في الخلاصة: صنّف التفسير وغيره وقال الحافظ في التقريب: صاحب تصانيف وقال الخطيب في تاريخه: صنّف المسند والأحكام والتفسير، وقال ابن كثير صاحب المصنّف الذي لم يصنّف أحد مثله قط لا قبله ولا بعده انتهى، وقد تم طبع أجزاء من كتابه المصنّف، ومن مؤلفاته كتاب الإيمان يوجد مخطوطا في المكتبة الظاهرية في دمشق تحت رقم 279 حديث وقد طبع في المطبعة العمومية بدمشق بتحقيق الشيخ ناصر الدين الألباني وكتاب الأدب يوجد مخطوطا في الظاهرية في المجموع 78 وهو ناقص.

وفاته:

ص: 343

توفي أبو بكر بن أبي شيبة يوم الخميس لثمان خلون من المحرم سنة خمس وثلاثين ومائتين، أرخ وفاته بهذا البخاري فيما نقله ابن القيسراني في الجمع بين رجال الصحيحين ونقل تاريخ وفاته بهذه السنة عن البخاري أيضا الذهبي في التذكرة والخزرجي في الخلاصة وأرخ وفاته بهذه السنة الذهبي في الميزان والعبر والنووي في شرج صحيح مسلم وابن حجر في تقريب التهذيب وابن كثير في البداية والنهاية وابن العماد في شذرات الذهب ونقل الخطيب في تاريخه عن إبراهيم ابن محمد بن عرفة أنه توفي سنة أربع وثلاثين ومائتين ثم قال الخطيب: هذا وهم لأنه مات في سنة خمس وثلاثين ومائتين ونقل عن عبيد الله بن محمد بن خلف البزار ومحمد بن عبد الله الحضرمي أنه مات لثمان خلون من المحرم سنة خمس وثلاثين ومائتين وقد ذكر الخطيب تاريخ سنة ولادته فقال: ولد سنة تسع وخمسين ومائة، فمدة عمره ست وسبعون سنة رحمه الله.

ممن ترجم له:

1-

ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل2/2/160.

2-

والذهبي في التذكرة2/20.

وفي الميزان2/490

وفي العبر1/421

3-

وابن حجر في التقريب1/445 وتهذيب التهذيب6/2.

4-

والخزرجي في الخلاصة179.

5-

وابن القيسراني في الجمع بين رجال الصحيحين 259.

6-

والنووي في شرح صحيح مسلم1/64.

7-

وابن كثير في البداية والنهاية10/315.

8-

والخطيب في تاريخ بغداد10/66.

9-

وابن العماد في شذرات الذهب2/85.

10-

وكحالة في معجم المؤلفين6/107.

ص: 344

محاسن الشريعة ومساوئ القوانين الوضعية

للشيخ عطية محمد سالم

القاضي بالمحكمة الشرعية بالمدينة

محاسن الشريعة:

ليس من السهل على أي إنسان أن يبين محاسن الشريعة ولا أن يعدد جوانب الإحسان فيه لأنها شريعة الإحسان كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء وكل شيء لم يخرج منه ولا شيء حتى في حالة القتل وإزهاق الروح فلا بد من الإحسان وفي ذبح الحيوان وفي المحلات التي لا يتذكر الإنسان فيها معنى للإحسان. فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة" إلى آخر الحديث.

ثم لو ذهبنا نتبع مرافق الحياة كلها لوجدنا الإحسان يتوجها بل إن الغاية من خلق الإنسان وإماتته وإحيائه لم يكن لشيء إلا للإحسان: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} . {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} .

وفي الحديث بعد بيان الإسلام ثم يتدرج إلى الإيمان ثم يتوج الجميع بالإحسان إنها صبغة الله {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ} .

ولو ذهبنا نعدد جوانب الإحسان ولو على سبيل الإجمال نجد ابتداء من القول باللسان نجد قوله تعالى: {وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} حتى في الجدال: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ..وفي الدعوة إلى الله: {بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} ..حتى مع المسيء: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} . {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ..

ص: 345

وفي العشرة الزوجية إذا لم تدم: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ..ومع الوالدين: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} .. إلى ما لا نهاية له.. وأخيرا ومن العموم: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} ..

وهذا أمر من الله تعالى بعموم الإحسان مقرونا بالعدل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالأِحْسَانِ} . إنها شريعة الله أنزلت في كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير على من اصطفاه الله من خلقه وخاتم رسله بالمؤمنين رؤوف رحيم. لخير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله..

إنها الشريعة التي ارتضاها الله فأتمها وأكملها: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً} ..

لقد كانت شرائع من قبل وكانت أديان لمن قبلنا نزلت بها كتب وبعثت بها رسل. فجاءت هذه الشريعة أكملها وهذا الدين أتمها والكتاب الذي أنزل بها مصدق لما بين يديه ومهيمن عليه. والرسول صلى الله عليه وسلم أرسل بها خاتم الرسل وأفضلهم وارتضاها الله لمن اصطفاه من خلقه لخير أمة أخرجت للناس فهي خير ما أنزل على خير من أرسل لخير من أنزل إليهم فهي الخير أجمع.

ص: 346

ومن ناحية أخرى: إنها وحي من الله بكلام الله فلها ارتباط بصفة من صفات الله. وكمال صفاته سبحانه فرع عن كمال ذاته.. {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} . وهذا النور الذي أخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} ..

أسس الإحسان: ومن أسس الإحسان فيها عناصر ثلاثة:

1-

الكمال.

2-

الشمول. 3- السماحة. 4- البقاء.

أما الكمال فلأنها من الله وبكلمات الله: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً} وبالحق أنزلناه وبالحق نزل {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً} وفي الحديث: "ما تركت شيئا يقربكم إلى الله إلا بينته لكم وأمرتكم به ولا شيئا يباعدكم عن الله إلا بينته لكم ونهيتكم عنه"..وعليه قال مالك بن أنس رحمه الله: من سن سنة وزعم أنها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة لأن الله أخبر بأنه أكمل لنا الدين وما كان كاملا لا يحتمل زيادة. ومن أراد الزيادة فقد زعم فيه النقص حتى يتمه هو ولن يكون.

فهذه النصوص وأمثالها صريحة في كمال الشريعة..

التطبيق الفعلي لكمال الشريعة

ومن الناحية الفعلية للشريعة نجد في مقاصدها البرهان القائم على ذلك للأن جميع حكماء العالم يقولون مقاصد العقلاء في أمرين: جلب النفع ودفع الضر..

ص: 347

والشريعة جاءت بتحقيق هذين المطلبين وزادت مطلبا ثالثا: وهو الحث على مكارم الأخلاق ومحاسن العبادات.

جلب المنافع: فمن جلب المنافع إباحة جميع ما في الأرض وتسخير كل القوة لخدمة الإنسان والقاعدة في ذالك عند الفقهاء: الأصل في الأشياء الإباحة حتى يأتي الحضر.وعليه قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} {اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} . {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ..

وقد شرعت العقود لتناول هذه المنافع من بيع وإيجار وشركة وغير ذلك مما يجلب النفع على الفرد وعلى الجماعة..وأقيمت على أسس قويمة ولم تترك لتراضي المتعاقدين حسب أهوائهم بل لاضرر ولا ضرار. والغرم بالغلم وكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط، لاكما يقول المقننون:(العقد شرعة المتعاقدين) . لأن العقد أحياناً يكون بين قوي وضعيف أو غني وفقير فيقع الحيف....

أما دفع المضار: فقد دفعت عما يسمى بالضروريات بقصد حمايتها وهي الضروريات لكل مجتمع وقد جاءت جميع الأديان بحمايتها لأنه لاحياة بدونها ولا استقرار ولا أمن ولا طمأنينة وهي:

1-

الأديان 2- الأنفس 3- العقول 4- الأنساب 5- الأعراض 6- الأموال.

ص: 348

أما الأديان: فضرورة اجتماعية فلا توجد أمة بدون تدين سواء كان دينها صحيحا أو فاسدا فإذا كان من عند الله وجب حفظه. لأن به نظام المجتمع وارتباطه. وعليه أمر الله المسلمين بقتال المشركين {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} وقال: {تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} والحديث: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ".. إلى آخر الحديث..

فإذا أسلم العبد وجب الحفاظ على دينه فشرع قتل المرتد وتتمة لذلك حرم الابتداع في الدين وحرمت الزندقة وفسق المبتدع وقتل الزنديق.

وأما حفظ العقل: فلأنه هو عامل التمييز ومناط التكليف فهو أعز منال وسبب التكريم فلزم الحفاظ عليه حفظا لما أنيط به وقد عقد بعض الأدباء مناظرة بين العقل والحلم ليظهر فيها فضل العقل ونعمته فقال:

فبالعقل تتمثل الأوامر وتجتنب النواهي فحرم الله كل مسكر ومفتر وجعل حد السكر بالجلد. وحرم القليل من المسكر وإن لم يسكر.. فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} وبين مفاسد المسكر بقوله تعالى {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} .

وفي النسب: الذي هو رباط الأسرة وعامل تكوينها فقد أحيط بسياج من الحفاظ عليه بتحريم الزنا ووجوب العدة عند الفرقة. وشرع حد الزنا جلدا أو رجما - وحرم على التأبيد المتزوجة في العدة. وتتمة لحفظ النسب من الزنا حرم الخلوة الأجنبيات.

ص: 349

وفي العرض: الذي هو مدار المروءة والكرامة والعفة والنزاهة. حرم القذف وشرع حد القذف بالجلد وتتمة لذلك حرم الغيبة والنميمة. المسلم ليس بسباّب ولا لعاّن: {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} .

والمال: وهو قوام الحياة حثت الشريعة على جمعه من الحلال وحرم التكسب غير المشروع وقال تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ..وحرم الغش والتدليس والسرقة وجعل حد السرقة قطع يد السارق وقد جاء في الحديث بأصولها: "ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا".. الحديث.

ومثله حديث: "المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"..

أما مكارم الأخلاق:

ص: 350

فقد كان عنوانها في شخصية الرسول صلى الله عليه سلم في قوله تعالى عنه: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وشرحت عائشة رضي الله عنها هذا بقولها: "كان خلقه القرآن ".. وقد أمر المسلمون بالإقتداء والتأسي به صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} .. فجاء ببر الوالدين وحسن العشرة وحسن الجيرة وصدق القول. والوفاء بالوعد وحفظ العهد ونحو ذلك مما لا يحصى. وقد أشير إليه في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} . {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} .

وقد تسامى هذا الخلق الإسلامي بهذه الأمة حتى مستوى المثالية من الإيثار على النفس والإحسان على المسيء كما قال تعالى: في حق الأنصار {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} إلى قوله تعالى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} . وقال: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} .

ص: 351

وفي وقعة ذهب أحد المقاتلين بعد المعركة يبحث عن أخ له ومعه قدح من ماء لعله يسعفه به فلما وجده وقدم إليه القدح فأهوى به إلى فمه سمع أنينا بجواره فأشار إلى أخيه أن اذهب بالماء إليه لعله أحوج إليه مني فلما وصله وأهوى بالقدح إلى فيه سمع هو أيضا أنينا بجواره فقال له اذهب به إليه لعله أحوج إليه مني. فلما وصل إليه وجده قد فارق الحياة فعاد إلى الثاني فوجد روحه قد فاضت فعاد إلى أخيه فإذا به قد استسلم وبقي القدح على يديه ومات ثلاثتهم ظمأ إيثارا للغير على النفس في أحوج المواقف وأشد الحاجة.

وفي الإحسان إلى المسيء الصور العديدة ومن أوضحها ما حكي عن زين العابدين ابن الحسن بن علي رضي الله عنهم أن جارية كانت تصب عليه الماء فسقط منها الإبريق فآذاه. فنظرت إليه في إشفاق وقالت: يا يسدي الله تعالى يقول: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} فقال لها كظمت غيظي، ثم قالت {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} . فقال لها عفوت عنك، فطمعت وقالت {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قال: اذهبي فأنت حرة لوجه الله

ومما يدل في هذا المجال التوجيه إلى ما هو أفضل وأحسن والانطلاق إلى الفضائل والإحسان سواء في العبادات والقرب إلى الله أو في المعاملات وحقوق الإنسان.

فمن العبادات في الصوم {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} فالحد الأدنى للفدية عن اليوم طعام مسكين. ثم ندبه إلى الزيادة في الخير ومن تطوع خيرا فهو خير له..

ص: 352

ومن المعاملات: أولا في الدين الحد الأدنى إنظار المعسر: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} ثم يندبه إلى ما هو أحسن: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} .. وفي تنصيف الصداق المسلم إذا وقعت الفرقة قبل الدخول فتنصيفه حد أدنى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} ..ثم يندبه إلى الأحسن: {إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} .. وهذا كثير وسيأتي بيانه في الحكم والقضاء. ولعل فيما تقدم من بيان جلب المنافع ودفع المضار والحث على مكارم الأخلاق ما يكفي لإثبات كمال الشريعة بجانب ما قدمنا من النصوص الصريحة في ذلك..

وإن من أكمل الأدلة على كمالها لوجودها منذ تشريعها بكمالها. لم تحتج إلى ما يكملها ولم يطرأ عليها ما ينقصها، فقد سايرت السنين والقرون ولم يستطع معاند أو موالي أن يستدرك على ما فيها وما تجرأ إنسان على معارضتها إلا مكابر ومعاند وهو بمعارضته يعلن عن جهله وقصور نظره وهو في عمله أصدق ما يكون عليه قول الشاعر: -

كناطح صخر يوما ليوهنها

فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل

بل إن القوانين الوضعية ما تمت ولا تطورت إلا بمقدار ما اقتربت منها واقتبست عنها. كما في أصل نشأة القانون الجرماني فقد كان منه قانون العوائد أخذ من عادات الشعب الإسباني من بقايا الفقه المالكي..

وهاهي ذي الحكومات في الدول الأوروبية تبدأ تأخذ تشريعات للأسرة من نكاح وطلاق وميراث.

أما الشمول: فقد شملت هذه الشريعة جميع الطبقات والطوائف والأفراد والجماعات. ونظمت علاقة الخلق بالخالق والحاكم بالمحكوم فيما بينهم.

ص: 353

فاشتملت على التشريع الديني في العبادات والدنيوي في المعاملات والأخروي في طرق اكتساب الحسنات واجتناب السيئات.. فهي شريعة الدين والدنيا أو كما يقال: الدين والدولة. وكل شيء كما قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} ..

ومن أوسع معاني الشمول فيها أنها شملت كل أمة من عرب ومن عجم وجمعت بينهم سواسية وسايرت كل زمان ومكان.. فهي شاملة لكل الناس على اختلاف أجناسهم صالحة لكل زمان قديما وحديثا ولكل مكان حاضرة وبادية..

ومن آثار هذا الشمول وذاك الكمال فهي تساير الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بخلاف الشريعة المتقدمة عند اليهود حينما قست قلوبهم وغلبتهم ماديتهم مالوا بها إلى المال بكل حيلة واستحلوا لكل غاية كل وسيلة حتى استحلوا ما حرم الله عليهم من الصيد يوم السبت وأكل الشحوم بالبيع وأكل الثمن..

فجاءت الديانة للمسيحيين تخفف من مادية اليهود فمالوا إلى الرهبانية. فلم تأخذها اليهود ولم يأخذ المسيحيون بما عند اليهود من تشريع للمعاملات وأخذوا يشرعون لأنفسهم تتمة لما تشمله تشريعاتهم..

أما هذه الشريعة فجاءت كما قلنا للدين والدنيا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} .

{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} إلى آخر السورة..

ص: 354

أما السماحة في الشريعة: فهي صفتها الخاصة كما في الحديث بعثت بالحنيفية السمحة. ومن سماحتها أن الله لم يجعل فيها من حرج في التكليف كما قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} .. وقوله {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} ولم يكلف نفسا إلا وسعها: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا} ..

ومن قواعدها: إن كل مشقة تجلب التيسير. ومن هذا الباب جميع الرخص في الشريعة.. ومن السماحة عدم المؤاخذة في حالة النسيان أو الخطأ أو الإكراه.. وقد كان إصرا على من كانوا قبلنا فحط الله عنا وفي الحديث: "عفي لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".. ومفهوم عفي لي أنه لم يعف لغيره كما أعطى صلى الله عليه وسلم خمسا لم يعطهن أحد قبله كما في الحديث "نصرت بالرعب مسيرة شهر وأحلت لي الغنائم وأعطيت الشفاعة وكان الرجل يبعث إلى قومه خاصة فبعثت إلى الناس كافة. وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا".. فقد خص بما لم يخص به غيره صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين. وفي قوله {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} .. إلى قوله تعالى: {أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} .. فيقول الله تعالى عند كل دعاء قد فعلت.

وقد بيّن صلى الله عليه وسلم حال من كانوا قبلنا من المؤاخذة على النسيان والخطأ والإكراه. وقد أوخذ أبونا آدم على النسيان: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً} .

ومن المؤاخذة على الإكراه الرجلان اللذان مرا بصنم لقوم وأمروهما أن يقربا ولو ذبابا فامتنع أحدهم فقتلوه، بينما في هذه الأمة:{إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالأِيمَانِ} .

ص: 355

ومن السماحة: التيسير: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. َإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} .

ولن يغلب عسر يسرين.. أما ما يتعلق بخصوص الحكم من هذا كله- من الكمال والشمول والسماحة فكالآتي:

الكمال في القضاء الإسلامي:

والواقع أن النظر في كمال القضاء يكون في جانبين - في شكله وفي معناه.

1-

والجانب الأول ما يعرف الآن بالجانب الإداري الذي يختص بإدارة المحكمة وترتيب القضايا في مواعيد محددة.

ومن هذا قبيل التخصيص بالمكان أو النوع أو المقدار.. وقد وجد النوع الثاني وهو التخصيص في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم حيث أرسل صلى الله عليه وسلم عليا وأبا موسى إلى اليمن وخصص كلا منهما بجانب منه.

أما النوع والمرتبة: فقال كل من ابن قدامة في المغني [1] والقاضي أبو الحسن الماوردي أنه يجوز للولي أن يولي القاضي ولاية عامة في عموم الحقوق فتعم من حيث الزمان والمكان والأقضية. أو عامة في خاص أي عموم الأقضية في خصوص بلدة. أو خاصة في خاص أي في نوع من الأقضية في بلدة وله أن يحدد مبلغا لا يتعداه. وفي الموطأ لمالك: أنه مرّ بقاضي السوق فقال له: لا تكثر لئلا تخطئ. فكان للسوق قاض. وقال عبد الله الزبيري لم تزل الأمراء عندنا بالبصرة برهة من الدهر يستقضون قاضيا على المسجد الجامع يسمونه قاضي المسجد يحكم في مائتي درهم وفي عشرين دينارا فما دونها وتفرض النفقات ولا يتعدى موضعه ولا ما قدره له.

ص: 356

سلم المحاكم: وهو ما يعرف بالتقسيم الحالي: محكمة مستعجلة وأخرى كبرى ثم استئناف. فهو نوع من التخصيص وزيادة في موضوع الاستئناف. فقد وجدنا من ينفي وجوده في تاريخ القضاء الإسلامي. والحق أنه موجود بأصله في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وكان ذلك في قضية عرضت على علي رضي الله عنه باليمن وهي كما ساقها وكيع وفيها عن أحمد في قضاء علي عنه قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فأزي الناس زيية الأسد فأصبحوا ينظرون إليه وقد وقع فيها فتدافعوا حول الزيية فخر فيها رجل فتعلق بالذي يليه. وتعلق آخر بآخر حتى خر فيها أربعة. فجرحهم الأسد فتناوله رجل برمح فطعنه وأخرج القوم منها. فماتوا كلهم. فقالت قبائل الثلاثة لقبيلة الأول: هاتوا دية الثلاثة فإنه لولا صاحبكم لم يسقطوا فقالوا: إنما تعلق صاحبنا بواحد فنحن نؤدي دية واحد فاختلفوا حتى أرادوا القتال بينهم فسر رجل منهم إليّ وهم غير بعيد مني فأتيتهم فقلت لهم: تريدون أن تقتلوا أنفسكم ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي وأنا إلى جنبكم إني قاض بينكم بقضاء فإن رضيتموه فهو نافذ بينكم وإن لم ترضوه فهو حاجز بينكم فمن جاوزه فلا حق له حتى يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أعلم بالقضاء مني فرضوا بذلك فأمرهم أن يجمعوا دية كاملة ممن حضروا البئر ونصف دية وثلث دية. وربع دية، فقضى أن يعطي الأسفل ربع الدية. من أجل أنه هلك فوقه ثلاثة. ويعطي الذي يليه الثلث من أجل أنه هلك فوق اثنان ويعطي الذي يليه النصف من أجل أنه هلك فوقه واحد. ويعطي الأعلى الدية كاملة لأنه لم يهلك فوقه أحد.

ص: 357

فمنهم من رضي ومنهم من كره، فقال تمسكوا بقضائي حتى تأتوا رسول اله صلى الله عليه وسلم بالموسم فيقضي بينكم فوافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عند مقام إبراهيم فساروا إليه فحدثوه بحديثهم. وهو محتب ببرد عليه فقال: إني أقضي بينكم إن شاء الله. فقال رجل من أقصى القوم: إن علي ابن أبي طالب قد قضى بيننا قضاء باليمن، فقال: وما هو؟ فقصوا عليه القصة، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم القضاء كما قضى علي بينهم.

ففي هذه القصة يتحقق معنى الاستئناف المعروف حاليا أو التمييز الذي هو عبارة عن رفع القضية بعد صدور الحكم الأول فيها إلى جهة أعلى منها للنظر في سيرها ومطابقة حكمها لواقعها. لأن عليا رضي الله عنه قال: فإن رضيتم فقضائي وإلا فهو حاجز بينكم حتى تأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو أعلم بالقضاء مني. فرضي البعض ولم يرض البعض الآخر. وهذا هو عين ما يعرف بتقرير عدم القناعة ثم رفع القضية بتمامها، ومن جهة أخرى فقد تقرر مبدأ عدم نظر القضية إذا كانت نظرت من قاض آخر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع القائل يقول: قضى فيها علي بنا باليمن توقف عن القضاء حتى سمع الحكم الأول فأقره وهذا بعينه هو سلم المحاكم ومراتبها: مستعجلة- كبرى - استئناف. وفي النظم الأخرى: محكمة الصلح - محكمة أولية - محكمة استئناف - وتوجد محكمة النقض والإبرام. ويوجد ما يقابلها باسم مجلس القضاء الأعلى قد ينظر القضية بين محكمة التمييز وبعض المحاكم الكبرى.

ومنع عمر الأمراء أن يقيموا حكم القتل حتى يعرض عليه. وهو ما عليه العمل الآن من تصديق الملك أو الرئيس على الحكم في القتل.

أما الترتيب الأول فهو سير المحكمة والمحاكمة فهذا الشكل لم يكن معروفا من قبل لأنه لم تكن له حاجة تدعو إليه. وقد تأثرت بمؤثرات الحياة وتطورات المجتمع.

ص: 358

ما كان عليه الوضع زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي كان عليه الوضع زمن الرسول صلى الله عليه وسلم هو صورة من صور المسلمين الأولين في بساطتهم وصدق كلمتهم وقصدهم إلى الحق ولم على أنفسهم. فكانوا يعتبرون القضاء إبراء للذمة وخروجا من العهدة حتى أن أحدهم كماعز والغامدية إذا ارتكب حدا يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب إقامة الحد عليه.

فلم تكن قضايا أمثالهم تتطلب أكثر من التشبث منه في إقراره كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ماعز: أبِكَ جنون؟ لعلك قبلت. لعلك فاخذت

الخ.

ص: 359

وقصة العسيف الذي زنا بامرأة من يعمل عنده فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما يا رسول الله أقض بيننا بكتاب الله وقال الآخر وهو أفقههما: أجل فاقض بيننا بكتاب الله وأذن لي في أن أتكلم فقال: تكلم. قال: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته فأخبرت أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي ثم إني سألت أهل العلم فأخبروني أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام. وأخبروني إنما الرجم على امرأته. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله. أما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد ابنه مائة جلدة وغربة عام. وأمر أنيس الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر فإن اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها. فما كانا إلا مستفتيان. وقد أخبرا من قبل مجيئهما الرسول صلى الله عليه وسلم وسألا أهل العلم لمعرفة الحق وفي الأموال كذلك. كما في حديث الرجلين اللذين اختصما في مواريث بينهما درست معالمهما ولا بينة عندهما فقال صلى الله عليه وسلم أنكم تختصمون إلي فأقضي لكم على نحو ما أسمع فلعل أحدكم ألحن بحجته من صاحبه فمن قضيت له شيئا من حق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار. فتراجع كل منهما وبكى وقال: حقي لصاحبي. فلم يتشاحا أو يتلاحيا وأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم لإكمال اللازم بأنفسهما من الاقتسام والإسهام والتسامح.

وفي الزوجية: قضية جميلة زوجة ثابت بن قيس لما أرادت فراقه جاءته صلى الله عليه وسلم وقالت إني والله لا أعيب عليه دينا ولا خلقا ولكني أكره الكفر في الإسلام. صراحة ومروءة لم تتجن عليه فقال صلى الله عليه وسلم أتدرين عليه حديقته؟ قالت بلى وزيادة. فقال صلى الله عليه وسل: أما الزيادة فلا. وقال له.: خذ الحديقة وطلقها طلقة. وأمرها أن تعتد عند أهلها. فانتهى الأمر بالسؤال والجواب. ولم يلزمه معه أي إجراء. ونظير ذلك كثيرا.

ص: 360

تطور الأمر: أما بعد أن تطاول الزمن وتغير الناس وتداخلت الحقوق والتبست الأمور. وغلبت الأهواء. وسنحت النفوس. وظهر الإنكار تغيرت الأوضاع في شكلية القضاء وتطلب الحال تطورا وضبطا وسجلات وكبتا وقد بدأ شيء من ذلك في زمن عمر. فقد كان يرى أن المسلمين كلهم عدولا على بعض وكتب إلى أبي موسى في ذلك حتى أتاه رجل من العراق وقال له جئتك في أمر لا رأس له ولا وذنبا شهادة الزور ظهرت في بلدنا.

فقال عمر: أو حدث ذلك والله لا يرهن مسلم إلا بشاهدي عدل فنشأت تزكية الشهود لمجهول الحال. فكان عمر ينظر إلى الناس كأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما تغيروا غير الوضع بما يضمن المصلحة ويحقق العدالة.

الكاتب والضبط: وقد كان بعد الخلفاء للقاضي كاتب وضبط وقمطر. وكان يعين له مجلس وزمن أو يختار بيته أو المسجد ونص الخلفاء على ترتيب الخصوم الأول فالأول.

ثم خصصت دور للقضاء والحكم سميت بالمحاكم ونظمت مواعيد الجلسات وزمن حضور الخصوم وغير ذلك وكل ذلك من تطور شكل القضاء مع تطور أحوال الناس. وأقضياتهم. والجدير بالتنبيه عليه هو أن الإسلام لا يمانع من أي تطور يحقق المصلحة ولا يتعارض مع نص من كتاب أو سنة وقد أوجد زمن عمر ديوان الجند لحصرهم وترتيب أعطياهم وجمع القرآن في الصحف وكتب المصحف

الخ. كما اتخذ السجن ونحوه لما فيه مصلحة الأمة.

وبهذه المناسبة فإن القضاء في هذه المملكة وهو قضاء شرعي في منهجه يعتبر مثاليا في شكله وصورته ونظامه من ضبط واختصاص وما يتعلق بذلك. وما ينتج عنه من سرعة إنجاز وفسحه ومعارضته. ويلاحظ لو نظرنا إلى شكوى بعض رؤساء الدول المجاورة عن كثرة القضايا وقلة القضاء وعدم الإنجاز.

ص: 361

الكمال في منهج القضاء الإسلامي: أما المنهج القضائي في الإسلام فهو المثال الأعلى منذ صدر الإسلام لأنه شمل بالعناية كل من القاضي - والمقضى عليه - والمقضى فيه - والمتقاضين- وسير القضاء، أي ما يسمى بأطراف القضاء أو أركان القضاء.

أ- أما القاضي فقد وضع له شروطا إن لم تتوفر فيه لا يتولى القضاء وسيأتي بحثها مستوفاة إن شاء الله.

ب- والمقضى به فهو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسل وأقضيات سلف الأمة ممن لهم الاجتهاد وحق الاقتداء بهم. وقياس النظائر بالأشياء.

ج- والمتقاضون سواء كانوا مسلمين أو أهل ذمة على تفصيل سيأتي.

د- أما سير القضاء فقد أقيمت أسسه بقوله صلى الله عليه وسلم البينة على من ادعى واليمين على من أنكر.

وقال لعلي حين أرسله إلى اليمن إذا أدلي إليك الخصم فلا تقض له حتى تسمع من الآخر فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء.

وضمن للقاضي ارتياحه وطمأنينته أثناء القضاء فنهاه أن يقضي وهو غضبان أو في حالة شبيهة بالغضبان من المشوشات للفكر.

وفي كتاب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى قواعد أساسية لمنهج القضاء في الإسلام لم يوجد بعده ما يسايره في معانيه ولا منهجه.

المنهج القضائي في القرآن والسنة

وإذا كان الغرض من منهج القضاء هو تحقق العدل والإنصاف والمساواة، فإن ما رسمه القرآن بصريح النصوص ليغني عن البيان. منها:

1-

قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} . ففيه الأمر بالحكم بالعدل بين الناس عموما.

ص: 362

2-

ثم يأتي أخص من هذا وهو في خصوص العدول والخصوم في قوله تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} . {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا} .

3-

ومع غير المسلمين أيضا: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} .

4-

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} .

تطبيق ذلك عمليا: وقد طبق ذلك قضاة المسلمين كما فعل شريح في قضية أمير المؤمنين علي مع اليهودي في الدرع ادعى به علي وليس عنده شاهد إلاّ الحسن بن علي ومولاه قنبر فلم يقبل القاضي أن يسمع شهادة الحسن لأبيه وحكم لليهودي وكان سبب إسلام اليهودي واعترافه بالدرع لعلي ففرح علي وأهداه عليه ومائتي درهم.

وقضاء عمر بين رجل من المسلمين وآخر يهودي فقضى عمر لليهودي لما رأى الحق له فأقسم اليهودي لقضيت بالحق فلهزه عمر في صدره وقال: وما يدريك..

وقضاء زيد بن ثابت بين عمر وأبي في نخيل إلى غير ذلك من الأمثلة التي حققت العدالة ولو على الأنفس والأقربين.

وبهذا يتضح الكمال في القضاء شكلا ومنهجا.

أما الشمول في الحكم: فالاتساع نطاق التحكيم حتى شمل العبادات والزوجات وتعدى إلى القبائل والعشائر وما يمكن أن يسمى القضاء الدولي على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله مما لم يسبق إليه.

ص: 363

أ- أما في العبادات ففي تقدير جزاء الصيد {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} .

ب- وفي تقدير الأمور النسبية: كتقدير نفقة الزوجة والأولاد ومصاريف القصار.

ج- في القضايا الزوجية: حينما تتأزم الأمور أمام القاضي ولا يعلم أسباب الخلاف لما بين الزوجين من الخفاء والتستر ولا طريق إلا الإصلاح: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً. وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً} .

د- وقد اتسع نطاق الحكم والقضاء في الإسلام فشمل القبائل والطوائف ويمكن أن نقول القرى والمدن والأقطار وما يطلق عليه الآن محكمة العدل الدولية وذلك في قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} .

وفي هذا السياق ما يستنتج منه إيجاد قضاء عالمي وبوليس دولي إذا اعتبرنا الطائفتين بمثابة الدولتين لأن دولة ما لا يحق لها أن تتدخل بالقوة بين دولتين متقاتلتين حتى ينظر في سبب القتال ويعلم ممن الخطأ وهذا يقضي قضاء دوليا. فيحكم على المعتدين بالكف والامتناع وسعي بينهما بالصلح. فإن لم تكف إحداهما كان لزاما من قتالها ولا يحق لدولة متفردة أن تقاتلها فكان البوليس الدولي ليحجز بينهما. إلى أن يتم الصلح أو القضاء وهكذا.

ص: 364

ومن خصائص القضاء في الإسلام أن يدعو إلى التسامي عن مواقف العناد أو المقاصة ويسمو بنفس صاحب الحق إلى التسامح والعفو من ذلك:

1-

قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ. وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ} . فهنا يعطي المدعي حق المعاقبة بالمثل. ولكنه يندبه للصبر ويفضل الصبر للصابرين.

2-

وقوله: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} .ثم قال: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} .

3-

وقوله: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} .

فقد تقرر أن الجزاء بالمقاصة مثلا بمثل ولكن ندب إلى العفو والصبر والإصلاح.

4-

وفي قصاص الجروح: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ.. إلى: وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} ثم يقول تعالى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} .

5-

وأعظم من هذا كله في قصاص النفس: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} .

مساوئ القانون

الواقع أنه لا يتأتى تعداد مساوئ القانون الوضعي ولا تتبعها في كل مسألة كما لم يتأت تعداد محاسن الشريعة في كل مسألة أوحكم ،وكما أشرنا إلى محاسن الشريعة على سبيل الإجمال فنشير هنا أيضا إلى مساوئ القانون على سبيل الإجمال. ويتلخص هذا في الآتي:

1-

نشأة القانون.

2-

وجوده في البلاد الإسلامية.

ص: 365

3-

عوامل تدعيمه والإبقاء عليه.

4-

الطعن على الشريعة والرد عليها.

5-

مقارنته بين الشريعة والقانون في مسائل الطعن كالقطع والرجم.

نشأة القانون: إن المعتبر الآن من القانون الوضعي يرجع في الأصل إلى القانون الفرنسي مع ما أضيف إليه في كل بلد بحسب حاجاتها ومفاهيمها.

والقانون الفرنسي يتكون في أصله من عدة أصول جاءت محكية في كتاب المقارنة بين القانون الفرنسي والمذهب المالكي للأستاذ سيد عبد الله حسن 1366- 1937. قال:

أولا: القانون الروماني وكان في جنوب فرنسا إلى سنة 1785م.

ثانيا: القانون الجرماني وكان في شمال فرنسا.

ثالثا: قانون الكنيسة الكاثوليكية وكان حول الزواج وما يتبعه.

رابعا: قانون الملكية المطلقة بأوامر لويس 14- 15 - 16.

خامسا: قانون الثروة.

ثم وحدت في قانون واحد سنة 1804 وهو الذي كان موجودا بمصر سنة 1926م. أما القانون الروماني فقد دخل إلى فرنسا سنة 50 قبل الميلاد حين غزاها الرومان إلى سنة 476 بعد الميلاد.

أما القانون الروماني فدخلها سنة 476 إلى سنة 986. ثم جاء قانون العوائد وبالتالي مزجت تلك القوانين كلها بعد الثورة الفرنسية وجُعلت قانونا واحدا. ولد في أوروبا ونشأ فيها ثم انتقل إلى غيرها.

تواجد القانون في البلاد الإسلامية

أما تواجده في البلاد الإسلامية فإنه ليست لدينا المراجع الكافية للتفصيل في ذلك ولكن على سبيل المثال والإيجاز نذكر عن وجوده في مصر وسوريا والعراق والبلاد العربية. ولم نذكر السعودية لأنه ولله الحمد لم يدخلها قط وكانت دائما تحكم من أبنائها سواء في نجد أو الحجاز وبتحكيم الشريعة.

ص: 366

أ- أما وجوده في مصر: فكان بدء ذلك سنة 1856 وقبلها كان الحكم للإسلام. ولكن بدأ في هذا التاريخ منذ أنشأت مجالس قضائية محلية. بجوار المحاكم الشرعية المحلية أيضا. ثم تشعب القضاء ووجدت الامتيازات والحماية. وفي سنة 1876 ظهرت المحاكم المختلطة على يد نوبار باشا في عهد إسماعيل باشا وكان قانونها مكونا من القانون الفرنسي والإيطالي والبلجيكي وواضعه ((مسيو مونري)) المحامي الفرنسي الذي كان موجودا بمصر آنذاك.

فكان في البلاد والمحاكم المختلطة لجميع الأجانب بزعم التخلص من المحاكم المختلطة فكانت على نظامها وأوضاعها. وأنشأت سنة 1873 في 14 يونيو بأمر عال من الخديوي توفيق باشا فألغيت مجالس الأحكام. وبقيت المحاكم الشرعية للأحوال الشخصية فقط. والمحاكم الأهلية للأحوال المدنية.

وهكذا قضي على القضاء الإسلامي بالقضاء القانوني في خطوات سريعة لم تستغرق أكثر من خمس وعشرين سنة.

أما سوريا فإنه دخلها دفعة حيث نقل إليها القانون المصري الفرنسي فقط سنة 1949 ميلادي.

عوامل تدعيم القانون وبقائه: ولما لم يكن لهذا القانون ما يسانده في هذه البلاد وكان مفروضا فرضا ولم يستند على شيء إلا لوجود المستعمر رسم الخطة لتدعيمه ومساندته فأنشأ كلية الحقوق لدراسة القانون وهيأ المراتب والوظائف في الدول لخريجيها ليتولوا زمام الحكم. وأعلى من شأنهم في الوظائف والمرتبات مما صرف النظر إليها ورغب فيها، بينما قلل من فرص العمل أمام رجال الفقه والشريعة وقلل من مرتباهم. حتى لا يتجه إلى تعليم الشريعة إلا ذو العقائد القوية والدين السليم رغبة في الدين ومرضاة لله.

الطعن على الشريعة: ومن ناحية أخرى سلط الطعن على الشريعة من حيث عدم صلاحيتها للقضاء ومن ثم عدم صلاحيتها للحكم. وقال الأستاذ سيد عبد الله أن نقاط الطعن هي:

1-

اختفاء العدالة ووجود الفوضى وتفشي الرشوة وعدم تنفيذ الأحكام غالبا.

ص: 367

2-

تشعب القضاء الإسلامي لوجود الحكم بالمذاهب المختلفة: المالكي ثم الشافعي وأخيرا الحنفي..الخ

3-

قسوة الأحكام الشرعية كالقطع والرجم ويقول الأستاذ الشهيد عبد القادر عودة إن الذين يوجهون مثل هذا الطعن على الشريعة قسمان:

قسم درس القانون ولم يدرس الشريعة.

قسم لم يدرس الشريعة ولا القانون.

ومثل هؤلاء لا يحق لهم أن يحكموا بشيء على الشريعة لعدم دراستهم إياها.

ثم يقول إن طعنهم مبني على قياسهم الشريعة على القانون من حيث مبدأ التطور والتجديد في القانون كلما تطورت الحياة المدنية والحضارة فيرون أن الشريعة بناء على ذلك يجب أن تتطور لأنها منذ عهد بعيد وفي أوضاع مدنية مختلفة.

وقد يكتفي الإنسان برد ادعائهم بأنهم يجهلون الشريعة وكفى ولكن نورد ما يفند مزاعمهم لئلا يغتر بها من كان مثلهم.

أما ادعاؤهم وجود الفوضى والرشوة وغير ذلك من الفساد فليس ذلك راجعا إلى عدم صلاحية الشريعة للحكم. ولكن مرجعه إلى تعطيل الشريعة وفساد الحكام وفرق بين فساد الحكام ونظام الحكم كالفرق تماما بين ضعف المدرس وضعف المنهج.

بل إن قوة المدرس تعطي المنهج قوة وحيوية وكذلك قوة الحاكم وكان الإصلاح السليم هو إصلاح المجتمع وإعداد الحكام والقضاة إعدادا سليما كما فعل المستعمر لقانونه ففتح كليات لتربي حماة لنظامه فهل فتحت معاهد خاصة للقضاة الإسلاميين في جميع المجالات شخصية ومدنية وجنائية.

ب - وأما تشعب القضاء الإسلامي بتعدد المذاهب فإن ذلك أوسع فرصة لوجود نصوص فقهية قضائية وكان الإصلاح هو تقوية القضاة أي مرتبطا بالأول ليكونوا على حالة تمكنهم من إيجاد حل لكل قضية مهما كانت ومن أي مذهب كان. وإن أحد هذه المذاهب التي لا تخرج في مجموعها عن الكتاب والسنة واجتهاد سلف الأمة لهو أولى وأحرى ألف مرة من أخذ قانون أوروبي وضعه محام فرنسي أو افترضه مستعمر ظالم.

ص: 368

ج - أما قسوة التشريع الإسلامي: فهذه هي محط الرحل وهي التي جعلت ناشئة القانون يتمسكون به ويفرون من تشريع بلادهم ودين آبائهم وأجدادهم. بل وحق الله تعالى عليهم.

وفاتهم المساكين أن تشريع الله لخلقه أرحم وأرأف وألطف من تشريع المستعمر لهم. ولقد كان مشركوا مكة أعقل منهم وإن كانت في دعوى عصبية إذ قال صفوان: لأن يريني رجل من قريش يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من أن يريني رجل من هوازن.

وأيضا فاتهم أنه الحليم قد يقسوا رحمة بمن يرحمهم كقول الشاعر:

قسى ليزدجروا ومن يك حازما

فليقس أحيانا على من يرحم

وإنا لنورد مقارنة بين الشريعة والقانون فيما اعتبروه قسوة المقارنة:

أولا - في قطع يد السارق:

يرى دعاة القانون أن قطع يد السارق وحشية وغلظة ولا يساير الحضارة والمدنية الحديثة لأن المجرم مريض في المجتمع ويجب أن نعالجه.

والجواب على ذلك من وجوه:

أولا: ومن قريب ما أجاب به جلالة الملك فيصل حفظه الله في مؤتمر صحفي بأمريكا لما سئل هل لا زلتم تقطعون يد السارق في بلادكم ولِمَ؟ فقال: نعم لا زلنا نقطع يد السارق. ولأن الله هو الذي أمر بذلك. أي أنه حكم الله الذي خلقه وهو أعلم بما يصلحه وهو أرحم به.

ثانيا: بما وقع على جواب من سلفهم حينما قال أبو العتاهية:

يد بخمس مئين عسجد وديت

ما بالها قطعت في ربع دينار

فأجاب بعض المؤمنين مبينا الحكمة في ذلك بقوله:

عز الأمانة أغلاها وأرخصها

ذل الخيانة فافهم حكمة الباري

ص: 369

ثالثا: نقول لهم أليس الشرع أو القانون لحماية الجميع فلم تعملون على حماية السارق المجرم ولا تعملون على حماية المسروق منه الوادع الآمن. ولم تتوجعون لآلام السارق وهو المعتدي الذي يفوت على العاملين نتائج أعمالهم. ولا تتوجعون على العامل الكادح طيلة عمره وقد يكون ذا عيال وأسرة ضيق على نفسه في النفقة وأرهق نفسه في شبابه ليدخر لكبره وعوزه وأطفاله فيأتي السارق في خفاء بيد أثيمة ويذهب بكل ما جمعه المسكين ويدعه عالة على المجتمع. فقيرا بعد غنى ذليلا بعد عز. ثم يذهب يبددها دون مبالاة ولا يعلم من أين اكتسبت حيث لم يعرق له فيها جبين. فأي الفريقين أحق بالأمن.

والآن: هل نفعت شفقتكم عليهم وهل أصلحت من مرضهم أم أنها جنت على المجتمع الآمن. إن حوادث السرقة في أرقى البلاد مدنية اليوم وقد وصلت إلى ما لم تصل إليه من قبل.

اعتراف بفضل الشريعة: وهاهي بعض البلاد وتضع في قوانينها الحكم بالإعدام لجرائم السرقة إذا وقعت ما بين غروب الشمس وطلوعها وكان موجودا مع السارق سلاح ولو لم يستعمل. أو بالحبس مؤبدا وبعضها يعاقب بالإعدام مطلقا إذا استعمل الهجوم المسلح ولو لم يقتل فيه أحد.

وما ألجأهم لذلك إلا عدم صلاحية اللين والتسامح مع المجرمين ولو نفذوا من قبل قطع اليد لما احتاجوا إلى قتل النفس.

والواقع أن نفسية السارق تعالج بالرفق أو التسامح لأنها ليست ذات وفق ولا يسامح. فلا يصلح معها إلا ما يردعها.

ثم أي فائدة للدولة في حبس إنسان تتولى الإنفاق عليه طيلة عمره مع ضياع أهله وأولاده إن كان له أهل وأولاد.

وهل في قتله أو حبسه على التأبيد علاج لمرضه أو القضاء عليه حسا أو معنى. فأي القضائين أرحم له وآمن للوطن.

ص: 370

أما رجم الزاني أو جلده: فلو كان لدعاة القانون عقل واعٍ لما ذكروه في هذا السياق ولجعلوه ولو مكابرة موجبا للطعن بالضعف لا بالقسوة لأنه أحيط في الشريعة بشروط في الإثبات لا تكاد توجد إلا بندرة. وما يثبت في تاريخ الإسلام حد الرجم إلا بالاعتراف. وفي غاية من القلة والندرة يمكن عده على الأصابع والاعتراف محض إرادة واختيار ورغبة في التطهر من آثام الإثم فهي نزعة دينية كريمة آثر الآخرة على الدنيا.

ولو امتنع من الحضور إلى القاضي لما طلبه ولو رجع عن إقراره لما حده. بل يدرأ عنه الحد بالشبهة. ومع هذا فالمقارنة بين العالمين الإسلامي الذي يحكم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لأنه دين وبين المجتمع القانوني وخاصة أرعى بلاد العالم المتحضر في نظر المتمدنين بل واضعوا القانون نجد الفرق المذهل.

أولا: في أمريكا أصبح معدل الجريمة كالآتي:

أ- جريمة قتل كل دقيقة.

ب- جريمة سرقة مسلحة كل دقيقة.

ج- جريمة اغتصاب كل عشرين دقيقة.

د- جريمة دون اغتصاب لم يجر إحصاؤها.

ثانيا- في ألمانيا: سجل الإحصاء جرائم القتل عام 1969م فوق ألفي جريمة. في عام 1971م وصلت إلى ثلاثة آلاف وزيادة مطردة.

ثالثا- في بريطانيا: سنة 1970م سجلت الإحصائيات 41088 قتل وجرائم السطو بلغت في عامين نصف مليون.

رابعا- في فرنسا: زادت نسبة الجريمة إلى 32هـ عن مجلة الجامعة الإسلامية رجب 92هـ.

هذا هو وضع أوروبا وأمريكا أما روسيا فلا حاجة إلى ذكرها لأنها تعيش في سجن كبير وحياتها كلها جريمة.

ص: 371

أما البلاد العربية التي تحكم بالقانون فلم نقف لها على إحصاء ولكنها لم تكن بالوضع الذي تحمد عليه. بينما هذه البلاد التي أكرمها الله بالحياة في ظل الشريعة الإسلامية لم تتجاوز فيها هذه الجرائم عدد الأصابع في العام وأكبر دليل لهو الواقع المشاهد لكل قاص وداني من مسلم وكافر والفضل ما شهدت به الأعداء، وبالأمس القريب في جولة رئيس وزراء أمريكا كان يطوف بجولة في سيارته المصفحة إلا عند وصوله المملكة تخلى عن سيارته المصفحة وأخذ يجوب بالأسواق والشوارع في ظل هذا الأمن الوارف الذي لم يجده في حياته كلها ولا حتى في بلده ومحل سلطانه وأمثلة ذلك عديدة والتاريخ الإسلامي أكبر شاهد للعالم كله على ما نَعِمَ به المسلمون وغيرهم في ظل الإسلام وفي قصة الهرمزان مع عمر ليست خافية وكلمته المشهورة حكمة: فعدلت فأمنت فنمتت.

ولعل هذا يكون فيه شيء من الأخبار والإحصاء. ولكن لنأخذ نصوص القانون: تعتبر القوانين الوضعية كلها أن الزنا حق شخصي ولا علاقة له بالمجتمع فيمتنع نهائيا إثارة دعوى الزنا إلا من أحد الزوجين أو أقرب المرأة غير المتزوجة إلى الدرجة الثالثة.

وينص القانون العراقي أن الزوج إذا أسقط حق المطالبة عن زوجته سقط حق المطالبة أيضا عن الزاني وبعض القوانين لا يعطي حق إثارة دعوى الزنا إلا إذا كان ذلك على فراش الزوجية أو كان بالإكراه. أما إذا كان بعيدا عن فراشه خارج بيته وكان برضاها يسقط حقه في ذلك.

ومن هنا نعلم إلى أي مدى تفسد الأنساب وتتفكك العائلة فتتقطع أواصر الروابط. فتتخلخل قواعد المجتمع كله.

قضية عين:

ومن المؤسف والموجع في تاريخ القضاء القانوني قضية عين وقعت في بلد مسلم مجاور من القضايا الزوجية تتلخص في الآتي:

تزوج امرأة ولم يدخل بها ومكث عدة سنوات فطالبته الزوجة بالنفقة ونصف المهر. وصدر القرار بالحكم تحت رقم 332 بتاريخ 24/6/72م على الزوج يقدم المهر ونفقة شهرين.

ص: 372

فطعن الزوج في هذا الحكم، وقدم المحامي وكيله هذا الطعن إلى المحكمة وبناه على عدة أسباب والمؤسف والموجع حقا هو مبنى الطعن إذ أنه قال: إن عقد زواجه باطل. ولم يقع دخول. وعليه فالاستمرار في زواجه هذا باطل مخالف للنظام العام.

وعلل بطلان زواجه بأنه قد زنا بوالدة الزوجة. وأن الحرمة تثبت بمجرد النظر إلى العضو المختص للمرأة بشهوة.

وقد حكمت الأكثرية برفض الطعن ولم تسمح له بإيراد الشهود عليه.وقد نشر ذلك في مجلة المحامات لذلك البلد ومع نشرها لذلك فإنها تتوجع لذلك الأمر. وتقول: يتضح أن الزوج هو الذي طلب إبطال العقد بادعائه وطء أم الزوجة بطريق التزاني. فلئن كان كاذبا فإنه من أوجع الحالات التي مرت على القضاء والتي لا يتورع فيها الزوج عن أية فرية دفعا لإلزامه بالمهر والنفقة. ولئن كان صادقا فالسؤال:

أيقبل قوله وقد شهد على نفسه بالفسق؟ وفي الحالة نرى أي ترى المجلة أن قرار القاضي ومحكمة النقض كان حكيما وأكثر صونا للأعراض والكرامات وانطباقا على القواعد الشرعية الكلية.

فكان تعليقنا

1-

إذا كانت المجلة تتوجع لدعوى الزوج على أم زوجته ليطعن في الحكم فهلا توجعت لجرأة زميلها المحامي في رفع هذا الاعتراض إلى هيئة القضاء. وكان عليه ألا يرضى لنفسه رسولا لهذا الزوج ليكسب القضية بأي وسيلة ولو على شرف المهنة وكرامة شخصه.

2-

وإذا كان حكم محكمة النقض بالأكثرية. فماذا كان رأي الأقلية إذن؟ وهل يؤثر على حكم القاضي الأول عدم الموافقة من الأقلية علما بأن المحكوم به هو نصف الصداق وهذا حق مستقر بمجرد العقد الثابت وبموجب قانون تلك البلد بالمادة رقم 148 من قانون الأحوال الشخصية التي نصها:

ص: 373

إذا أقر أحد لامرأة أنها زوجته وليس تحته محرم لها ولا أربع سواها وصدقته وكانت خالية عن زوج وعدة ثبت زوجيتها له بإقراره وتلزم نفقتها ويتوارثان وزواجها ثابت قبل الدعوى باثنتي عشرة سنة. ولم ينكر زواجه منها.

وفي المادة (85) النص على أن الفرقة إذا كانت من جهة الزوج فإنها تنصف المهر قبل الدخول سواء كانت طلاقا أو فسخا أو فعله ما يوجب حرمة المصاهرة بأصولها وفروعها. اهـ. وهذا عين ما في هذه القضية. فهذه مواد قانون تلك البلد يلزم الزوج بنصف المهر فماذا كان يريد المحامي أولا من تقديم هذا الطعن ويتجاهل كل ذلك. وماذا كان يريد الأقلية من قضاة محكمة النقض.

ومرة أخرى مع الأكثرية في محكمة النقض والقاضي الأول في إصدار الحكم ما هو موقف الجميع من الزوج في إقراره بما ادعاه على والدة زوجته من تعزير إن لم يكن حدا.

ومع المجلة حين تقول إنها تتوجع إذا كان كاذبا في ادعائه وترد شهادته فقط إن كان صادقا. أليس افتراض صدقه أشد إيجاعا.

ولكن تقول حكم القاضي وهيئة النقض كان حكيما وأكثر صونا للأعراض والكرامات وانطباقا مع القواعد الشرعية الكلية.

فأي التشريعين أحكم وأكثر صونا للأعراض: التشريع الإسلامي أم هذا الذي يسمح له بهذا الادعاء أمام هيئة القضاء.

وأي انطباق في هذا الحكم مع قواعد الشرع الكلية وقواعد الشريعة تدينه بأحد أمرين إما القذف إن كان كاذبا وإما الزنا إن كان صادقا وفي كل منهما حد معلوم.

فأي التشريعين أحق بصون الأعراض وحفظ الكرامة وأصون للنسب وأشرف للقضاء وأسلم للمجتمع.

وليست مساوئ القانون قاصرة على ذلك بل أنها لأبعد من هذا كالآتي:

أولا: أن أشد مساوئ القانون أن يكون بديلا عن شرع الله تعالى المنزل.

ثانيا: أن الأديان السماوية متفقة كلها على حفظ الجواهر الست المسماة بالضروريات كما قيل في لامية الجزائري قديما.

قد اجتمع الأنبيا والرسل قاطبة

ص: 374

على الديانة في التوحيد بالملل

وحفظ نفس ومال معهما نسب

وحفظ عقل وعرض غير مبتذل

وقد شاهدنا موقف التشريع الإسلامي من هذا كله بالتحريم وإقامة الحدود لصيانتها.

موقف القانون منها:

أما موقف القانون منها فكالآتي:

1-

أما الأديان فإنه يبيح حرية الأديان وهذا وإن استحسنته البعض إلا أنه مما يؤدي إلى الاستخفاف بالأديان وأي قيمة لها بعد ذلك. ثم هو يؤدي إلى الفوضى لا بالعبادات فحسب بل وفي الحقوق لأن لكل دين حقوق. وارتباطات فيكون اليوم مسلما ويرتبط مع المسلمين بمصاهرة ونسب وعقود وغدا مسيحيا فيرتبط بالمسيحيين كما ارتبط بالمسلمين ثم بعد غد يهوديا وهكذا فيضيع حق المسلمين ثم حق النصارى وهكذا. فهذا أصل قد ضاع بسبب القانون أو ضاع في حماية القانون.

2-

أما الدماء فالقوانين لا تعرف دية ولكن تجعل تعويضا للورثة بحسب ما فاتهم بموت مورثهم فإن كان جامعيا مثلا كطبيب أو مهندس حكمت له وعلى سبيل الواقع فعلا بخمس وثلاثين ألف ليرة. وإن كان دون ذلك كطالب في كلية الصيدلة حكمت لورثته بخمسة عشر ألفا. وإن كان عاملا عاديا حكمت له بخمسة آلاف ليرة فتضع الإنسان موضع السلع ومساوم عليه.

بينما الشريعة جعلت دية الغني والفقير والشريف والوضيع سواء ولم تفرق بل أنها تضاعف الدية في الأشهر الحرم وفي الحرم والمحارم.

3-

أما العقل فلم تتعرض لحمايته فالخمر مباحة ولا عقاب على المسكر إلا إذا سكر ووجد معربدا في المجتمعات العامة.

ص: 375

4-

أما النسب والعرض فإنه لا يدخل في ارتكاب فاحشة الزنا ولا اللواط إلا في حالة الإكراه أو صغر السن أو عند شكوى من له الحق. أو كانت الجريمة مع ذات محرم منه (مادة 385) قانون عقوبات، واللذين لهم الحق هما الزوجان في حالة وقوع الزنا على فراش الزوجين أو بالإكراه خارج البيت. أو لولي المرأة غير المتزوجة إن كان من الطبقة الثالثة ومن عداهما أو فيما عدا ذلك تنص القوانين أن لا حق لأحد في إثارة دعوى الزنا، إن كان بالتراضي بين الطرفين.

وتنص أيضا على أن الزوج أو من له الحق إذا تنازل عن دعواه في حق الزوجة توقفت الدعوى وسقطت حق المطالبة في حق الزاني وإذا تزوج بها أوقف النظر في الدعوى وإذا كان قد صدر فيها حكم أوقف تنفيذه (مادة398) .

5-

أما المال: فمن الواضح البين أنها إن لم تتسلط عليه بضريبة أو إلزام آخر فإنها لا تتعرض لنواح عديدة وتترك العقد للمتعاقدين وما تراضوا عليه وتقول القوانين: العقد شرعة المتعاقدين. وتقر وتحكم بالعقود الربوية صريحة إلا أنها تمنع الزيادة عن النسبة المحددة في نظامها كخمسة أو سبعة في المائة مثلا.

في الوقت الذي تعتبر بعض القوانين الأخذ من التمر سرقة وتعاقب عليها كسرقة المنقول بمجرد عطفها أي ولو لم يأكلها بعد. وقد يحبس مؤبدا بينما الشريعة لا تعتبر ذلك سرقة ولا تعاقب عليها بعقوبة السرقة وقد يكون جائعا وفي حاجتها ما لم يتخذ خبنة أي يحمل معه.

ص: 376

فأي النظامين أرحم وأصون لمصالح الأمة أفرادا وجماعات وختاما لقد أسفر الصبح لذي عينين وتوجهت دول القوانين إلى نور التشريع الإسلامي لتأخذ نظام النكاح والطلاق عنه وليس ببعيد أن تأخذ بغيره إذا عرفت حقيقته فهل بعد هذا يظل أبناء التشريع الإسلامي بعيدين عنه. اللهم أهدِ العباد لصالح البلاد وما يرضيك وخير ما يوجه للعالم الإسلامي كله في ذلك قوله تعالى:

{قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} .

وبالله التوفيق..

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

ج9 ص105.

ص: 377

وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين

للشيخ حسن السيد متولي

المدرس بكلية الدعوة وأصول الدين في الجامعة

قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} .

إن الأمة الإسلامية لا يتم لها الاستقرار في الأرض ولا تتمكن من القيام بالدعوة إلى الله إلا إذا كانت قوية تخافها أعداؤها وتخشى مواجهتها لأنها قادرة على الدفاع عن نفسها وقهر أعدائها.

ولذا أمر الله سبحانه وتعالى هذه الأمة بالاستعداد الحربي دائما لتكون مرهوبة الجانب فقال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ} .

وفرض الله الجهاد على المؤمنين وهو مكروه لدى النفوس بطبيعتها لما تتعرض له من الموت في محاربة أعدائها. وقد عالج الله سبحانه وتعالى هذه الطبيعة البشرية ببيان عاقبة الجهاد وكل ما يشق على النفوس من التكاليف بقوله تعالى {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} .

فالمؤمن يجب أن تتغير موازين الأمور في حياته حسب ما فيها من خير ونفع أو شر وضرر فيقبل على كل خير ويبتعد عن كل شر.

ص: 378

لأنه إذا ترك الإنسان وشأنه بدون التوجيه الإلهي بنى أعماله في حياته على ما يحبه ويشتهيه يسعى لطلبه ويبذل في سبيله كل ما في وسعه، وأما ما يكرهه فيبتعد عنه ويتجنبه وليس عنده من القدرة والإدراك ما يعرف عاقبة أعماله من خير وشر ولا يستطيع الوصول إلى خيرية الأعمال وضررها فليس عنده إلا مجرد الميل والمحبة أو البغض والكراهة وقد يكون الخير فيما كره والشر فيما أحب.

فالقتال في سبيل الله فريضة شاقة لأنه يكلف الإنسان بذل حياته وهو يكره كل عمل يؤدي إلى الموت. ومع هذا فالجهاد ركن من أركان الإسلام وأعظم الأسس التي ترتكز عليها الدعوة إلى الله وفيه كل الخير للبشرية وللحق والعدل والإصلاح.

والإسلام لا ينكر مشقته ولا يهون من شأنها ولكنه يعالجها ببيان ما فيه من خير للأمة ويسلط نور الكشف عن حقائق المجهول المستور وراء ما تكرهه النفس ببيان حكمة فرضه على الأمة وما يترتب عليه من ثواب عند الله تُهَوّن مشقة وتحوّل النفوس إلى أن يكون الجهاد في سبيل الله مطلبها الأسمى في هذه الحياة.

ص: 379

والله العليم بالغايات المطلع على الغيب هو وحده الذي يعلم الخير العميم والطريق الموصل إليه، هكذا يوجه الإسلام الفطرة مربيا لها على الطاعة والانقياد ومُفسحا لها في الرجاء وكاشفا عمّا أعده من الخير والثواب العظيم. لأن الجهاد في سبيل الله عزة وسعادة في الدنيا ورضوان من الله تعالى ونعيم مقيم تتمتع به في الجنة أرواح الشهداء ميزة وتكريما لهم قال تعالى {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ولهذا يبذل المسلمون المجاهدون الذي هو أدنى بالذي هو خير وفاء منهم بعهد الله سبحانه وتعالى حيث قال {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .

وحينما تشعر النفس المؤمنة بالفضل الإلهي تتقبل التكاليف مع ما فيها من مشقة قائلة سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير.

عندئذ يذهب منها كل خوف وتندفع بإيمانها إلى تنفيذ ما كلفت به وهي تعلم أن الخير كامن وراء ما تكره وأن اليسر يخلف العسر وقد تكون الحسرة عاقبة للمتعة والمكروه مختبئا وراء المحبوب، هذا طريق الله واضح في كتابه الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فهما دستور الحياة الصحيحة لمريدها والله يعلم النفوس وما تنطوي عليه فيعالجها بالحق والصدق. لا بالإيحاء الكاذب والتمويه الخادع كما يفعله أرباب القيادات التي لا تستند في عملها إلى منهج الله في الحياة.

ص: 380

والحق أن الله يعلم والناس لا يعلمون وماذا يعلم الناس من العواقب وهو قد يخطئون في إدراك ما يبصرون.

وماذا يعلم الناس من الحقائق والهوى والجهل والقصور من لوازم ذاتهم لأنهم مخلوقون بِقُدَرٍ محدودة.

فإن لم يكن نور الوحي يضيء لهم طريق الحلية فلا علم ولا معرفة وكم ضل أقوام على مدى العصور لأنهم لم يستهدوا إلى الوحي ورسالات الله فظلوا تائهين غير مهتدين.

وإذا فلا استقرار ولا اطمئنان لحياة الأفراد والأمم إلا بالإيمان بأن الخير فيما رسمه الله لحياة الناس والسعادة في طاعته واستجابة دعوته.

قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} .

والجهاد في سبيل الله بذل وتضحية والموت والحياة بيد الله فلا الخوف يطيل الأجل ولا الجهاد يقطع العمر المقدر كائن ولا يغني حذر عن قدر فالحذر لا يجدي والفزع والهلع لا يزيدان الحياة ولا يردان القضاء والله واهب الحياة وسالبها وهو صاحب الفضل حين يهب وحين يسترد هبته ومصلحة الناس متحققة في هذا وذاك وفضل الله في الأخذ والعطاء سواء.

قال تعالى {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ. وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .

لقد منّ الله على هذه الأمة بالقرآن الكريم ليكون رائدا لها يقود أجيالها إلى الخير جيلا بعد جيل حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

ص: 381

منّ عليها بالقرآن يربيها ويعدها لقيادة الأمم كلما اهتدت بهديه واستمسكت بعهده واعتصمت بحبله واستمدت دستور حياتها منه واستعلت به على جميع المناهج والنظم التي لا تستند إليه.

ذلك لأن القرآن ليس كلاما يتلى فحسب وإنما هو دستور عام للتربية والحياة العملية عرض الله فيه تجارب بشرية لتكون أمام المسلمين يأخذون منها العبرة وتنير لهم الطريق مع ما اكتسبوه من تجارب حياتهم فهو زاد الأمة في جميع أطوار حياتها لتقوم بالدعوة إلى الله وتستند في سلوكها إلى هذا الرصيد العظيم من تجارب الحياة للدعوة إلى الله من آدم إلى سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

لقد أحب المسلمون أن ينالوا تجارة قريش وهي عائدة من الشام بقيادة أبي سفيان ولكن الله يعلم أن الخير لهم في قتال المشركين لا في حيازة أموالهم. يقول الله تعالى {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} .

فوّت عليهم العير فأصبحوا لا مناص لهم من مواجهة الكفار ونشب القتال بينهم في غزوة بدر وانتصروا انتصارا عظيما تأسست به الدولة الإسلامية لأنهم أقبلوا على الجهاد مخلصين يريدون إعلاء كلمة الله {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} .

قال تعالى {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} .

فالمؤمنون في معركتهم مع الكفار يستندون إلى الله لأنهم يقاتلون في سبيله فليست معركتهم لأمر آخر سوى الله سبحانه وتعالى، إنهم يقاتلون لإقرار شريعة الله في الأرض ورفع راية الحق ونشر رحمة الله على العباد.

ص: 382

أما الذين كفروا فيقاتلون للشيطان وحزبه وهو وليهم والله ولي المؤمنين. فالقوة في جانب المؤمنين والضعف والخذلان للكافرين {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} .

وقد كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز والمجاهدون في سبيل الله حزب الله وأولئك حزب الله هو المفلحون.

قال تعالى {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} .

وشتان بين حياة وحياة وبين هدف وهدف مع اتحاد النتيجة بالنسبة لقياس العمر فالذين يعيشون للدنيا وحدها ويريدون ما فيها من متاع دون غيره حياتهم كحياة الدواب والأنعام ثم يموتون في موعدهم المكتوب.

والذين يريدون الآخرة إنما يحيون حياة الإنسان الذي كرمه الله وشرفه بخلافته في الأرض ثم إذا جاء أجلهم يموتون {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلاً} .

والآن وبعد أن نام المسلمون هذا النوم العميق الذي أفقدهم كل قواهم لأنهم ركنوا إلى الراحة وأعداؤهم يعملون دائبين على الأخذ بعوامل القوة والحياة وقطعوا شوطا بعيدا في التقدم المادي ووصلوا إلى بعض ما أودعه الله في المادة من خصائص كانت أساسا لاختراعاتهم خصوصا في أدوات الحرب ومعداته حتى سيطروا على العالم يعيثون في الأرض فسادا.

ص: 383

وتمكنوا من فتنة المسلمين عن دينهم حتى تركوا الأخذ بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وقلدوا الكفار في كل ما يحطم حياتهم كأمة تعيش وسط هذا العالم لها كيانها. وظن المسلمون أن التقرب إلى هذه الأمم الكبيرة القوية يهيئ لهم الحياة الصحيحة فأخذوا بتعاليم الكفار في معاملاتهم واتخذوا أنظمتهم ودساتيرهم قوانين يحتكمون إليها في شئون حياتهم ونسوا الله فنسيهم وقضى الأعداء على البقية من وجودهم كأمة إلا ما شاء الله ولم ينظروا إلى نواحي القوة في هذه الدول ليأخذوا بها.

ثم هالهم ما هم فيه حين وجدوا أنفسهم وسط عالم يتنازعهم يظهر بعضه الود لهم ويعلن البعض الآخر الحرب عليهم ولم يجدوا أثر الصداقة واكتووا بنار من جهروا بعدائهم وتكشف لهم أن أمم الكفر أمة واحدة هدفها واحد بالنسبة للمسلمين ومع هذا لم يحاولوا معالجة ما انكشف لهم من أعدائهم وممن ادعوا صداقتهم ولا زالوا يخدعون أنفسهم بالشكوى إلى مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة ومع تكرر الشكوى سنوات ولا أثر لها فيما يريدون لم يكف هذا دليلا على أن علاج الأمر غير ما سلكوه. وهل ينصفك عدوك إلا إذا رضي عنك والله يقول {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} .

وقد تضاعف البلاء على المسلمين بتفرق كلمتهم وإغارة بعضهم على بعض وانطبق علينا ما وصف الله به اليهود حين قال: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} ونحن نخرب بيوتنا بأيدينا وأيدي الكفار ومنا من يواد الكفار ويعادي المسلمين {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} .

ص: 384

هذا حالنا الآن تحزبت علينا أمم الكفر وعاش بيننا ملحدون ومنافقون ومن يوادون الأعداء وعصفت بنا الفرقة مع تحذير الله لنا بقوله {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} ومع كثرة الأمم الإسلامية وبها مئات الملايين من الرجال لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم.

في مشارق الأرض يُبادُ المسلمون لأنهم قلة وسط كثرة من الكفار كما في الفلبين وفي الباكستان تعصف بهم ريح الكفر فتفرق كلمتهم وتريق دماءهم وفي الدول العربية تتحداهم شرذمة من اليهود يسندها أمم الكفر يغتصبون أرضهم ويطردونهم من ديارهم ويسفكون دماءهم.

فليواجه المسلمون الحقائق في موقفهم ويسلكوا الطريق الذي رسمه الله لهم فهو العلاج لما نحن فيه الآن.

وذلك بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله وتوحيد كلمتنا ولن نتحد إلا على ما اتحد عليه أسلافنا وأمرنا الله به في قوله {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} وليكن إمامنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فالله لا يقبل من المسلمين أن يستمروا على ما هم عليه جاعلين لحياتهم طرقا متعددة المسالك فطريق لعبادتهم مستمد من شريعتهم وطريق في سلوكهم مزيج من خلق إسلامي وآخر غربي أو شرقي وطريق للمعاملات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مستمد من النظم الشرقية الشيوعية أو النظم الغربية الرأسمالية. لا يقبل الله منا هذا أبدا ، لا يقبل الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعضه وقد قال {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِه} .

علينا الآن أن نختار إما طريق الله وهو واحد مستمد من كتاب الله وسنة رسوله وضعه الله دستورا لأمة الإسلامية في عبادتها وشعائر دينها وآدابها واقتصادها وأخلاقها وسياستها وهو الطريق الذي سلكه أسلافنا فسيطروا على الحياة في الأرض وامتد سلطانهم من الصين شرقا إلى الأندلس غربا.

ص: 385

وإما أن نختار ما نحن عليه الآن وقد نالنا منه الضعف والذل والهوان يتركنا الله لأعدائنا ولن تقوم لنا قائمة.

ولا شك أن الطريق الأول يتعين الأخذ به بسرعة فنحتكم فيما بيننا إليه كما أمرنا الله حيث قال {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} .

وننفذ أمر الله في قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} .

إن أعداءنا يُرْهِبوننا بإمداد اليهود بأحدث المعدات حتى نظل على موقفنا لا نتحرك وأمامنا كتابنا يوضح لنا الطريق، طريق الذين يخافون أعداءهم وطريق المجاهدين الصابرين المتوكلين على ربهم.

فأما الذين يخشون قوة أعدائهم فهم الخاسرون الضائعون المشردون واقرأ قوله تعالى عن موسى وقومه: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ. قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ. قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} .

فكان جزاء هذا الخوف أن حكم الله عليهم بقوله {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ} .

ص: 386

وأما الذين يخافوا من أعدائهم بل جاهدوا مع قلتهم معتمدين على ربهم فقد أيدهم الله ونصرهم، اقرأ قول الله تعالى في قصة طالوت وجنوده مع الملك الجبار جالوت الذي أذل بني إسرائيل وقتل رجالهم وسبى نساءهم.

توجه طالوت بجنده لمحاربة جالوت ولما جاوزوا النهر في طريقهم إلى جالوت قال جنده: لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين_ وارتد من جيشه ضعفاء القلوب وقاتلت القلة المؤمنين مستندة إلى الله طالبة منه أن يثبت أقدامهم وينصرهم فكانت معجزة النصر لهم يقول الله سبحانه وتعالى {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ} فهذا الجبار قتله داود الذي لم يبلغ بعد مبلغ الرجال إرادة الله لنصرهم وإنما آمرُه إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون وأقرب الأمثلة لنا حالة المؤمنين في غزوة الخندق وعمل المسلمين ليلا ونهارا لمواجهة أعدائهم وقد خطط اليهود مع مشركي الجزيرة العربية تخطيطا لإبادة المسلمين وقال لهم إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فعلى المسلمين أن يخوضوا المعركة مع الكفار ولا يخشون قوتهم ويقولون مؤمنين بنصر الله لهم {حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} .

وقد صور الله حال المسلمين في غزوة الأحزاب بما هو أشد من حالتنا الآن مع الكفار فقال تعالى وهو يذكرهم بنعمة النصر:

ص: 387

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً. إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا. هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً} . هذا حال المؤمنين الذين وهبوا حياتهم للجهاد في سبيل الله وكانت نهاية أعداء الله كما قال الله {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً. وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَأُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً} .

والآن وقد تحزبت علينا أحزاب الكفر فلا طريق لنا إلا الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم.

فأين المؤمنون؟

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} .

ص: 388

السفور

للشيخ محمد الحداد

المتخرج من كلية الشريعة بالجامعة

صبرت إلى أن ضاق صدري من الصبر ولا أحد يرثي لحالي ولا يدري

أرى الفتنة الكبرى تعم بلادنا كأنا بباريسٍ على شاطئ النهر

وباء من الغرب استباح ديارنا شبيه على الأفكار بالسم والسحر

وقومي حيارى أو سكارى كما ترى فهل بعد هذا الليل يا قوم من فجر

صبرنا ولكن كم يدوم اصطبرنا أصبر على شيء أحر من الجمر!

فماذا ترى يبقى لنا من هدى وقد غدونا وأهل السبت في شركة الوزر!

فكم ثم من راض بذلك معجب وآخر حب المال ألقاه في السكر!

إذا كان ذا يا قوم في خير أمة إذن فَلَبطن الأرض خير من الظهر

فكيف يلام المرء إذ ما تكشفت لديه فتاة كالغزال أو البدر

فكم ذا يلاقي من عناء وشدة ونار الغضا ما بين أضلاعه تسري

أيحجب عينيه بإلقاء برقع على وجهه بين العشاءين والعصر

وهل غيرة يا قوم تشفي غليله لئلا يرى أهل المفاتن والعهر

أرى الوقت معكوسا على أم رأسه فثوب الفتى ينجر في الدرب إذ يجري

ولكن ربات الخدور تقدمت فتستورد الأثواب من بلد الكفر

وعار عليها تلبس الثوب سابغا كذلك الفتى بالعكس يا قصمة الظهر

فيا علماء الدين بالله ربكم فما عذركم يوم القيامة في الحشر

ويا قومنا مالي أرى الدين ضائعا كشخص أسير كبلته يد الكفر

فوالله إن الموت خير وراحة إذ البوم والغربان تعدو على الصقر

نذير لكم يا أيها القوم فاسمعوا ولا تكن الآذان منه على وقر

ألم تروا أن الله أقسم بالعصر

ص: 389

ولكنه استثنى من الكل أربعا.

عليكم بها عضوا عليها مدى العمر.

فأولها الإيمان والعمل الذي.

يلازمه واستتبع الحق بالصبر.

لقد حدث القرآن عن أهل قرية.

أتوا باحتيال كي يصيدوا من البحر.

فلما نسوا ما ذكروا أصبحوا لقىً.

ولم ينج إلا من أبى خطة الغدر.

وكانوا بخير ثم لما عصوا هووا.

وقد مسخوا حتى غدوا عبرة الدهر.

على الدين فلتنهل عيناك أدمعا.

ولا عذر حتى تصحب النهي بالأمر.

فلو شاهدت عيناك ما نصطلي به.

علمت بأنا قابضون على الجمر.

ولو أنني خيرت في العيش والردى.

لقلت لهم هيا اعجلوا واحفوا قبري.

ولو أن فاروق الحنيفة شاهد.

لأنهكهم ضربا، ولم يعي بالأمر

.

ص: 390

المسؤولية في الإسلام

للشيخ عبد الله قادري: المشرف الاجتماعي

تربية الأولاد

إن مهمة الأم المتعلقة بتربية أولادها الجسمية والعقلية، والروحية من أعظم مهامها، فيجب أن تكرس جهودها في القيام بتربيتهم غذاء، وتنظيفا، وتأديبا، ولقد أجاد العلامة ابن القيم رحمه القول في كتابه (تحفة الودود بأحكام المولود) فيما يتعلق بتربية الأولاد، ولهذا فإني سأنقل منه الفقرات المناسبة لهذا الموضوع لعظيم فائدتها، قال رحمه الله، الباب السادس عشر في فصول نافعة في تربية الأطفال تحمد عواقبها عند الكبر:

ينبغي أن يكون رضاع المولود من غير أمه بعد وضعه بيومين أو ثلاثة _ وهو الأجود _ لما في لبنها ذلك الوقت من الغلظ والأخلاط، بخلاف لبن من قد استقلت على الرضاع وكل العرب تعتني بذلك حتى تسترضع أولادها عند نساء البوادي كما استرضع النبي صلى الله عليه وسلم في بني سعد.

وينبغي أن يُمنع من حملهم والتطواف بهم، حتى يأتي عليهم ثلاثة أشهر فصاعدا، لقرب عهدهم ببطون الأمهات، وضعف أبدانهم.

ينبغي أن يقتصر بهم على اللبن وحده إلى نبات أسنانهم، لضعف معدتهم وقوتهم الهاضمة عن الطعام، فإذا أنبتت أسنانه قويت معدته وتغذى بالطعام فإن الله سبحانه، أخر إنباتها إلى وقت حاجته إلى الطعام، لحكمته ولطفه، ورحمة منه بالأم وحلمة ثديها فلا يعضه الولد بأسنانه.

وينبغي تدريجهم في الغذاء فأول ما يطعمونهم الغذاء اللين فيطعمونهم الخبز المنقوع في الماء الحار واللبن الحليب، ثم بعد ذلك الطبيخ والأمراق الخالية من اللحم ثم بعد ذلك ما لطف جدا من اللحم بعد

إحكام مضغه، أو رضه رضا ناعما.

ص: 391

فإذا قرب من وقت التكلم، وأريد تسهيل الكلام عليه، فليدلك ألسنتهم بالعسل والملح الأندراني لما فيهما من الجلاء للرطوبات الثقيلة المانعة من الكلام، فإذا كان وقت نطقهم فليلقن لا إله إلا الله، محمدا رسول الله، وليكن أول ما يقرع مسامعهم، معرفة الله سبحانه وتوحيده، وأنه سبحانه فوق عرشه، ينظر إليهم ويسمع كلامهم وهو معهم أين ما كانوا

ولهذا كان أحب الأسماء إلى الله: عبد الله وعبد الرحمن، بحيث إذا وعى الطفل وعقل علم أنه عبد الله وأن الله هو سيده ومولاه.

وإذا حضر وقت نبات الأسنان فينبغي أن يدلك لثاهم كل يوم بالزبد والسمن ويمرخ جدر العنق تمريخا كثيرا ويحذر عليهم كل الحذر، وقت نباتها إلى حين تكاملها، وقوتها من الأشياء الصلبة ويمنعون منها كل المنع لما في التمكن منها من تعريض الأسنان لفسادها وتعويجها، وخللها.

ولا ينبغي أن يشق على الأبوين بكاء الطفل وصراخه _ ولا سيما لشربه اللبن إذا جاع _ فإنه ينتفع بذلك البكاء، انتفاعا عظيما، فإنه يروض أعضاءه ويوسع أمعاءه، ويفسح صدره ويسخن دماغه ويحمي مزاجه ويثير حرارته الغريزية، ويحرك الطبيعة لدفع ما فيها من الفضول ويدفع فضلات الدماغ من المخاط وغيره.

وينبغي أن لا يهمل أمر قماطه ورباطه ولو شق عليه، إلى أن يصلب بدنه وتقوى أعضاؤه ويجلس على الأرض فحينئذ يمرن ويدرب على الحركة والقيام قليلا إلى أن يصير له ملكة وقوة ويفعل ذلك بنفسه.

ص: 392

وينبغي أن يوقى الطفل كل أمر يفزعه من الأصوات الشديدة الشنيعة، والمناظر الفظيعة والحركات المزعجة، فإن ذلك ربما أدى إلى فساد قوته، العاقلة لضعفها فلا ينتفع بها بعد كبره، فإذا عرض له عارض من ذلك فينبغي المبادرة إلى تلافيه بضده وإيناسه بما ينسيه إياه وأن يلقم ثديه في الحال ويسارع إلى رضاعه ليزول عنه حفظ ذلك المزعج، ولا يرتسم في قوة الحافظة فيعسر زواله، ويستعمل تمهيده بالحركة اللطيفة، إلى أن ينام فينسى ذلك ولا يهمل هذا الأمر فإن في إهماله، إسكان الفزع والروع في قلبه فينشأ على ذلك ويعسر زواله ويتعذر.

وينبغي للمرضع إذا أرادت فطامع أن تفطمه على التدريج ولا تفاجئه بالفطام وهلة واحدة، بل تعوده إياه، وتمرنه عليه لمضرة الانتقال عن الألف والعادة مرة واحدة.

ومن سوء التدبير للأطفال أن يمكنوا من الامتلاء من الطعام وكثرة الأكل والشراب، ومن أنفع التدبير لهم أن يعطوا دون شبعهم، ليجود هضمهم وتعتدل أخلاطهم، وتقل الفضول في أبدانهم وتصح أجسادهم، وتقل أمراضهم لقلة الفضلات في (ـكذا) الغذائية.

ومما ينبغي أن يحذر أن يحمل الطفل على المشي قبل وقته لما يعرض في أرجلهم بسبب ذلك من الانتقال والاعوجاج، بسبب ضعفها وقبولها لذلك، واحذر كل الحذر أن تحبس عنه ما يحتاج إليه من قيء أو نوم أو طعام أو شراب أو عطاس أو بول أو إخراج دم، فإن لحبس ذلك عواقب رديئة في حق الطفل والكبير.

ص: 393

ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه فإنه ينشأ عما عوده المربي في صغره، من حرد وغضب، ولجاج وعجلة، وخفة مع هواه وطيش وحدة وجشع، فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك وتصير هذه الأخلاق، صفات وهيئات راسخة له، فلو تحرز منها غاية التحرز فضحته ولا بد يوما ما، ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم وذلك من قبل التربية التي نشأ عليها، وكذلك يجب أن يجتنب الصبي إذا عقل مجالس اللهو والباطل والغناء، وسماع الفحش والبدع ومنطق السوء، فإنه إذا علق بسمعه عسر عليه مفارقته في الكبر، وعز على وليه استنقاذه منه، فتغيير العوائد من أصعب الأمور، يحتاج صاحبه إلى استجداد طبيعة ثانية والخروج عن حكم الطبيعة عسر جدا، وينبغي لوليه أن يجنبه الأخذ من غيره غاية التجنب فإنه متى اعتاد الأخذ صار له طبيعة، ونشأ بأن يأخذ لا بأن يعطي ويعوده البذل والإعطاء، وإذا أراد الولي أن يعطي شيئا أعطاه على يده ليذوق حلاوة الإعطاء، ويجنبه الكذب والخيانة أعظم مما يجنبه السم الناقع فإنه متى سهل له سبيل الكذب والخيانة أفسد عليه سعادة الدنيا والآخرة وحرمه كل خير، ويجنبه الكسل والبطالة، والدعة والراحة بل يأخذه بأضدادها ولا يريحه إلا بما يجمم نفسه وبدنه للشغل فإن الكسل والبطالة عواقب سوء ومغبة وندم، وللجهد والتعب عواقب حميدة، إما في الدنيا وإما في العقبى وإما فيهما، فأروح الناس أتعب الناس، وأتعب الناس أروح الناس، فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب، قال يحيى بن أبي كثير: لا ينال العلم براحة الجسم، ويعوده الانتباه آخر الليل فإنه وقت قسم الغنائم وتفريق الجوائز فمستقل، ومستكثر، ومحروم، فمتى اعتاد ذلك صغيرا، سهل عليه كبيرا.

ص: 394

ويجنبه فضول الطعام والكلام والمنام ومخالطة الأنام، فإن الخسارة في هذه الفضلات وهي تفوت على العبد خير دنياه وآخرته، ويجنبه مضار الشهوات المتعلقة بالبطن والفرج غاية التجنب، فإن تمكينه من أسبابها والفسح له فيها يفسده فسادا، يعز عليه بعده صلاحه، وكم من أشقى ولده وفلذة كبده، في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته له على شهوته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه، ففاته انتفاعه بولده وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، فإذا اعتبرت الفساد في الأولاد، رأيت عامته من قبل الأباء _ قلت والأمهات _.

والحذر كل الحذر من تمكينه من تناول ما يزيل عقله، من مسكر وغيره أو عشرة من يخشى فساده، أو كلامه له أو الأخذ من يده فإن ذلك الهلاك كله، ومتى سهل عليه ذلك فقد سَهُل الدياثة ولا يدخل الجنة ديوث، فما أفسد الأبناء مثل تفريط الآباء وإهمالهم واستسهالهم شرر النار بين الثياب، فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمده العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون فكم من والد حرم ولده خير الدنيا والآخرة وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة، وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله وإضاعتهم لها وإعراضهم عما يوجب الله عليهم من العلم النافع والعمل الصالح حرمهم الانتفاع بأولادهم، وحرم الأولاد خيرهم، وهو من عقوبة الآباء.

ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي وما هو مستعد له من الأعمال ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له فلا يحمله على غيره ما كان مأذونا فيه شرعا، فإنه إن حمل على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه، وفاته ما هو مهيأ له فإذا رعاه حسن الفهم صحيح الإدراك جيد الحفظ واعيا فهذه من علامات قبوله وتهيئته للعلم، لينقشه في لوح قلبه ما دام خاليا فإنه يتمكن فيه ويستقر ويزكو معه.

ص: 395

وإن رآه بخلاف ذلك من كل وجه وهو مستعد للفروسية، وأسبابها من الركوب والرمي واللعب بالرمح وأنه لا نفاذ له في العلم ولم يخلق له مكنه من أسباب الفروسية والتمرن عليها، فإنه أنفع له وللمسلمين وإن رآه بخلاف ذلك وأنه لم يخلق لذلك ورأى عينة مفتوحة إلى صنعة من الصنائع مستعدا لها قابلا لها وهي صناعة مباحة، نافعة للناس، فليمكنه منها، هذا كله بعد تعليمه له ما يحتاج إليه في دينه فإن ذلك ميسر على كل أحد، لتقوم حجة الله على العبد فإن له على عباده الحجة البالغة كما له عليهم النعمة السابغة ثم قال بعد بحث طويل: فإذا صار له سبع سنين دخل في سن التمييز وأُمر بالصلاة كما في المسند والسنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر سنين وفرقوا بينهم بالمضاجع"، ثم قال: إذا صار ابن عشر ازداد قوة وعقلا واحتمالا للعابدات فيضرب على ترك الصلاة كما أمر به النبي عليه السلام وهذا ضرب تأديب وتمرين. ثم قال: فإذا تيقن بلوغه جرى عليه قلم التكليف، وثبت له جميع أحكام الرجل. اهـ ما أردت نقله مع اختصار لبعض الجمل.

أيها الأخ المسلم والأخت المسلمة _ وأنت المعنية في هذا السياق _ ليقم كل منكما بما يخصه وما يقدر عليه من متربية طفله فإن طفلكما قد يصبح خليفة أو أميرا، أو وزيرا أو قائدا، أو قاضيا، أو غير ذلك من المناصب، فإن أحسن فلكما حظ عظيم من إحسانه، وإن أساء فعليكما وزر كبير من إساءته، وفي هذه الفصول التي اختصرتها من كتاب (تحفة الودود في أحكام المولود) للعلامة ابن القيم رحمه الله فوائد عظيمة في تربية الأطفال، الجسمية والروحية والعقلية الاجتماعية، فليعض عليها بالنواجذ من يريد أن تحمد عقباه وعقبى أولاده في الدنيا والآخرة.

ص: 396

بقي أن أقول لك أيتها الأخت المسلمة: ينبغي أن تعتني بنظافة طفلك في جسمه وثيابه وأن تظهريه بالمظهر الجميل، فإن الله جميل يحب الجمال، وإظهاره بذلك يزيد من محبة والده له، ويشجعه على مخالطته وتدريبه، كما يجعله يحترمك ويحبك على صنيعك والعكس بالعكس.

ونظافة طفلتك تدل على نظافتك، واسمحي لي أن أقول إن وساخته ومظهره البشع قد يدل على ما عندك من الوساخة والمظهر البشع.

وأما ابنتك فاعتني بها زيادة على ما مضى بتدريبها على الخبرة بشؤون المنزل ومعاشرة الزوج، وتربية الأولاد، وإجادة الطبخ، ومهنة الخياطة وغير ذلك مما تشعرين بأنه من مهامك، فإنها عما قريب تصبح مكلفة مثلك ببيت وزوج وولد وغير ذلك.

الباب الرابع

مسئولية الخادم

"والخادم راعٍ في مال سيده ومسئول عن رعيته"

ص: 397

الخادم قد يكون عبدا مملوكا، وقد يكون أجيرا كما مضى، وسبق أن على السيد أن يعتني بعبده ومخدومه فيعلمه ما يهمه من أمور دينه، حتى يعرف ما يجب عليه لربه ولسيده وغير ذلك ليقوم بما كلف به، بصدق وإخلاص وأمانة، سواء كان الخدم عبدا أم أجيرا، فقد حمله الرسول صلى الله عليه وسلم مسئوليته التي يجب أن ينهض بها، دون تقصير ولا خيانة وينبغي للسيد إذا استأجر أجيرا، أو أراد شراء عبد أن يختار من يترجح عنده أنه أمين لا يخون في عمله، قوي لا يقصر فيه، خبير به لا يدخله الخلل بسبب جهله. وقد نوه القرآن الكريم بذلك في المسئوليات الكبيرة والصغيرة فيوسف عليه السلام حينما رأى أموال مصر تبعثر في غير فائدة بسبب عدم أهلية المسئولين، للقيام عليها طلب من عزيز مصر أن يوليه شئونها وعلل ذلك بقوله {إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} والحفظ شامل للأمانة والقدرة على التنفيذ، وابنة صاحب مدين الذي لجأ إليه موسى عليه السلام فارا بنفسه من فرعون طلبت من أبيها أن يستأجر موسى لرعاية أغنامهم وعللت ذلك بقولها {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} .

فالمسئولية الأولى_ مسئولية يوسف _ مسئولية كبيرة لأنها ولاية على حفظ أموال الدولة كلها، وهي التي يُطلق عليها الآن وزرة المالية والاقتصاد.

والمسئولية الثانية _ رعاية موسى للغنم _ من المسئوليات الصغار لأنها قيام على حفظ مال فرد واحد، وليست منصبا كبيرا في الدولة ومع ذلك فقد اشترط في المسئول عن الثانية ما اشترط في المسئول عن الأولى وإذا كان خادم الرجل أمينا، اطمأن على أمواله وغيرها في البيت وخارجه، وبخلاف ما إذا كان خائنا فإنه يخشاه دائما على أمواله وأهله وعلى العمل الذي يُسند إليه بأن لا يتقنه.

ص: 398

هذا ما يجب من جانب السيد وهو الاختيار الحسن، وأحب أن أشير إلى أمر مهم جدا يجب أن السيد أن يراعيه وهو الحذر من تمكين الخادم من الدخول على أهله، والاختلاء بهم فإن في ذلك من الفساد ما لا تُحمد عقباه وهو ما يفعله كثير من الناس اليوم حيث يستأجر أجيرا، في عنفوان شبابه أو مراهقا ويمكنه من الدخول على زوجته أو غيرها من نساء بيته في حضوره وغيبته دون أن تحتجب منه بل تظهر له جسدها ومحاسنها كما تظهرها لزوجها ويدخل عليها ويخرج في كل وقت بحجة الخدمة وهل تظن أيها الأخ المسلم أن أجيرا هذه صفاته يخلو له الجو في البيت مع امرأة ذاب شهوة مثله هل تظن أنهما سيسلمان من إغواء الشيطان لهما؟ أرجو أن تذكر معي قصة يوسف عليه السلام التي دبرتها له امرأة العزيز وما حصل له من البلاء الذي لم يخلصه منه إلا ربه حيث ناداه قائلا {وَإِلا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ} .

ص: 399

أيها الأخ المسلم، أليس قد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من دخول أقاربك وأقارب زوجتك الذين لا يحرمون عليها من الدخول عليها وقال في مثل ذلك:"الحمو الموت"، فما بالك بالخادم أيها الرجل، اتق الله في نفسك وفي أهلك، وفي خادمك، امتثل أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فالله يقول {وتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} والرسول صلى الله عليه وسلم يقول:"اتق الله حيثما كنت" ويقول: "احرص على ما ينفعك"، إن كان رجل يسمح لخادمه بالدخول على أهله في غيبته وحضوره والخلوة بها لمغرق في الدياثة والخسة المتناهية فاقد الكرامة والرجولة، خارج على تعاليم دينه، وولي المرأة _ أبوها أو غيره _ يعتبر كذلك ديوثا إذا علم بذلك وسكت عنه، وهذه الصفة الذميمة، ليست من أخلاق المسلمين بل هي مستوردة من أعداء الإسلام، وأعداء الشرف والكرامة الذين ماتت قلوبهم، وفقدوا شعورهم بمسئولياتهم وقد كان بعض المخنثين يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم _ وكان المخنث يعد من غير أولي الإربة _ فدخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما وأحدهم عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالاحتجاب منه، ونهر عن دخوله عن النساء، أنظر نيل الأوطار: ج6 ص123، هذه نصيحة أحببت أن أسديها للإخوان والأخوات أسأل الله أن يوفقني وإياهم للعمل بها وبغيرها من تعاليم الإسلام.

ولقد نصحتك إن قبلت نصيحتي

والنصح أغلى ما يباع ويوهب.

أنواع المال الذي يسأل عنه الخادم وما يجب عليه من الرعاية لكل نوع:

ص: 400

والمال الذي يسترعى فيه الخادم قد يكون المقصود مجرد حفظه كالنقود والبضائع المختلفة من حبوب أو قماش وغيرها مما يؤمر الخادم بالحراسة عليه والواجب عليه في هذه الحالة الانتباه، وعدم الغفلة لئلا يتسلل السراق لأخذ المال، وقد يكون المقصود التجارة في المال من بيع وشراء، وهنا يجب عليه أن يصرف الأموال بيعا أو شراء بأمانة ولا يقصر في حق سيده كما أنه لا يجوز له في نفس الوقت أن يغش من يعامله، ولو كان في ذلك مصلحة عائدة على سيده، وسواء علم السيد أم لا. وقد يُراد من الخادم أن يراعى بعض الدواب كالإبل والبقر والغنم والخيل، والبغال والحمير وغيرها، فيجب عليه أن يقوم برعيها والحفاظ عليها ويحرم عليه أن يدعها تجوع أو تظمأ مع قدرته على عدم ذلك، ولا يجوز له أن يضرب الدابة أو يوجعها ضربا أو رجما مضرا، فإن قام الخادم بذلك دون تقصير فهو خادم أمين يستحق جزاءين، جزاء الأجر من سيده، والثواب من ربه، وكان من المحسنين الذين يتقون عملهم طمعا في ثواب الله، وخوفا من عقابه كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

ما يترتب على أمانة الخادم أو غشه في الدنيا والآخرة:

والخادم إذا قام بواجبه بأمانة وإخلاص، صدق وحزم استفاد من ذلك فائدتين عظيمتين:

الأولى: إقبال الناس إلى معاملته، وائتمانهم له على أموالهم وكثير من أمورهم فيسلم بذلك من البطالة ويستمر في العمل الذي يحصل له من ورائه سد خلته، وعدم احتياجه إلى سؤال الناس.

الثانية: رضي الله عنه وإثابته إياه، على أمانته وإخلاصه وصدقه وبذلك يبقى محبوبا عند الخالق والمخلوق، وإذا لم يقم بواجبه فخان مستأجره وكذب عليه خسر خسارتين عظيمتين:

ص: 401

الأولى: نبذ الناس إياه، وعدم ائتمانهم له في معاملته وبذلك يصبح عاطلا عن العمل لا يستخدمه أحد كاذبا لا يصدقه الناس ولو صدق، فيضطر إلى تكفف الناس وإراقة ماء وجهه مع قدرته على الابتعاد عن ذلك.

الثانية: غضب الله عليه ومجازاته على خيانته وكذبه وعدم إتقان عمله فيكون بغيضا عند الله وعند خلقه والكذب والخيانة من صفات المنافقين، عن أبي هريرة رضي الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان ". متفق عليه. وفي رواية "وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم" ولقد جعل الله للعبد الذي يقوم بحق الله وحق سيده أجرين، ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن العبد إذا نصح لسيده وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين" وفيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للعبد المملوك المصلح أجران"، والذي نفس أبي هريرة بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك.

مسئولية الإنسان عن الحيوان:

هذا ومن المستحسن أن أختم هذه المسئوليات بمناسبة العموم الذي في آخر الحديث: "وكلكم راع ومسئول عن رعيته" بمسئولية الإنسان عن الحيوان، ليعلم الجاهلون بالإسلام الذي يتبجحون بالرفق بالحيوان وهم يتصرفون تصرف الوحوش الضواري نحو الإنسان أن الإسلام اعتنى بالحيوان قبل أربعة عشر قرنا، ويكفي أن أسوق حديثين يتعلقان بهذا الموضوع أحدهما يثبت الأجر لمن قام بحق الحيوان، وأشفق عليه فسقاه أو أطعمه، والآخر يوجب العقاب الشديد لمن قصر في حق الحيوان أو عذبه.

ص: 402

الحديث الأول عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا، فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له، قالوا يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا، فقال في كل كبد رطبة أجر".

الحديث الثاني: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى اله عليه وسلم قال: "عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".

والحديثان في الصحيحين وغيرهما.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

ص: 403

هل في القرآن من غير لسان العرب؟

بقلم الشيخ محمد بن محمد الأنصاري

دفعني إلى الكتابة في هذا الموضوع أمر لاحظته عندما أقرأ بعض المؤلفة أو الموضوعة في "تاريخ الأدب العربي"في هذا العصر.

وظهر لي أثناء بحثي فيها أن كتاب "تاريخ الأدب" لا يبالون في كثير من المسائل بالتحقيق العلمي المعتمد على دراسة علمائنا الأوائل الذين حملوا الأمانة العلمية ناصعة مهذبة كما شهد لهم التاريخ العالمي لا الإسلامي فحسب.

وهذه طريقة ومنهج في البحث يؤدي كل هؤلاء الكتاب إلى تغليب "المنهج الغربي"في البحث الذي كان متزمتا في الرأي الشخصي المتطرف والبت فيه ظاهر لمن لم تأسره الظواهر الغريبة البراقة

ومن ذلك ما يتواطأ عليه أولئك الكتاب الذين ملأت كتاباتهم في تاريخ الأدب العربي البر والبحر بدون تفصيل وتحقيق في الموضوع من المواضع المحققة قبلهم وهو: وجود ألفاظ من غير العربية في القرآن بتناولهم ذلك مسلما دون إشارة إلى الرأي المضاد لهذا الرأي وهذا يخالف الأمانة العلمية.

وكان هذا التصرف عجبا للباحث لما يعلم من اختلاف العلماء الأوائل وتحقيقاتهم في هذا "الموضوع"الذي يعرضه مؤرخو الأدب في عصر التقدم والتحقيق والمعرفة عرض المسلمات

!! مع أن هذا المذهب في لغة التنزيل لم يذهب إليه إلا بعض الفقهاء المتأخرين ولم يكن دليلهم فيه ظاهرا فضلا عن أن يكون هو الحق الذي يتناول كما تناول المسلمات في دنيا البحث بلا نقاش وعدم ذكر ما يخالفه كالمذهب الذي يقول: "ليس في القرآن من غير لسان العرب"وهو للمتقدمين واللغويين الذين كان الميدان ميدانهم وهذا المذهب بالأدلة الواضحة مهذبا وبالتوجيه النقدي مدججا..

ص: 404

وسنتناول في السرعة العاجلة الآتية موقف العلماء في الموضوع عن طريق تحليل نقاشهم وآرائهم.. أما تلك الألفاظ التي يدور البحث حولها فلا أذكر منها شيئا ومن أراد بيانها وحصرها فعليه بكتب "علوم القرآن " كالإتقان لجلال الدين السيوطي.

والكتب التي تعتني بجمع "المعرب في العربية" ومكان هذه الألفاظ في التفاسير. فأقول والله المستعان: لا خلاف بين العلماء في أنه ليس في القرآن كلام مركب من ألفاظ أعجمية تعطي معنى مستفادا حسب هذا التركيب.

كما أنه لا خلاف بينهم أن في القرآن "أعلام أعجمية "كنوح وإسرائيل ولوط من غير لسان العرب.

والخلاف إنما هو في ألفاظ مفردة ليست من هذا ولا ذاك فهل من لسان العرب أم من لسان غير العرب؟ كما قال القرطبي في مقدمة جامعه المشهور.

وخلاف العلماء هذا في اتجاهين بارزين: نفي وإثبات ولكل ناصر ومؤيد وقائل.

الأول:

مذهب الجمهور وهو عدم وجود ألفاظ أعجمية في القرآن. وممن يمثله الإمام الشافعي رحمه الله في كتابه "الرسالة"وابن جرير الطبري إمام المفسرين في "مقدمة تفسيره"والقاضي أبو بكر بن الطيب في كتابه "التقريب". وجل أهل اللغة كالإمام أبي عبيدة وأبي الحسن بن فارس، وهذا هو الذي نصره الإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي في كتابه "البرهان في علوم القرآن "فإنه قال بعد قوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً} قال: وهذا يدل على أنه ليس فيه غير العربية لأن الله جعله معجزة شاهدة لنبيه عليه الصلاة والسلام، ودلالة قاطعة لصدقه وليتحدى العرب العرباء ويحاضر البلغاء والفصحاء والشعراء بآياته فلو اشتمل على غير لغة العرب لم يكن له فائدة، وقال أبو عبيدة فيما حكاه ابن فارس:

إنما أُنزل القرآن بلسان عربي مبين فمن زعم أن فيه غير العربية فقد أعظم القول - ذكره البرهان ونقله الجوالقي في المعرب الجزء الرابع.

الثاني:

ص: 405

رأى يقول: إن في القرآن بعض ألفاظ من غير لسان العرب. وهو لبعض الفقهاء ومنهم ابن عطية وحكي ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وقد حكى ابن فارس عن أبي عبيد القسم بن سلام: أنه حكى الخلاف ونسب القول بالوقوع إلى الفقهاء وعدمه إلى أهل العربية.

وممن يرى الوقوع جلال الدين السيوطي في "الإتقان "وله كتاب خاص في ذلك سماه "المهذب في ما في القرآن من المعرب" وما ذكره في الإتقان تلخيصا منه.

وهناك كثير من الباحثين المتقدمين أرادوا التوفيق بين هذين المذهبين فقالوا: لا تناقض لأن من قال: إن هذه الألفاظ في الأصل أعجمية ثم عربت فصارت عربية، فمن قال: إنها أعجمية إنما نظر باعتبار الأصل ومن قال: إنها عربية قال باعتبار المثال. أدلة المذهب الأول قوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} إبراهيم - 4.

وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً} الشورى- 7.

وقوله تعالى: {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} الشعراء- 195.

وقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} الزخرف- 3.

وقوله تعالى: {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} فصلت-3

وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً} الرعد- 37.

وقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} يوسف-2.

ص: 406

إلى غير ذلك من الآيات الناطقة بأن هذا القرآن عربي لا يشارك العربية فيه كلام أمة أخرى. قال الشافعي بعد ذكره بعض هذه الآيات: فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها ثم أكد ذلك بأن نفى عنه جل ثناءه كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه: فقال تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ} النحل -103.

وقوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيّاً لَقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ} فصلت-44.

قلت: ولو وجد العرب حرفا واحدا من غير لسانهم في القرآن لراموا التطاول على هاتين الآيتين اللتين احتجتا عليهم بعدم العذر لفهم هذا القرآن بأسلوب توكيدي كما يرى الإمام الشافعي. والقوم كما يعلم كل ذي بصيرة في التاريخ في سيرة النبي في حواره معهم وفي أساليب القرآن وتحديه لهم: جادلوا النبي عليه الصلاة والسلام في كل جليلة وحقيرة لا يفوتون فرصة قامت لهم في هذا الميدان.

وكيف تُتلى عليهم ألفاظ رومية وفارسية ونبطية وحبشية ولا يتحركون ويستسلمون؟!.

وهل نقل أنهم عارضوا هذه الألفاظ على أنها عجمية؟!.

أما أدلة المذهب الثاني فهي كما يلي: -

أولا - ذهب من قال بالوقوع بأن في القرآن خاصا يجهله بعض العرب.

ثانيا - وجود من كان ينطق من العجم بالشيء من لسان العرب.

ثالثا - أن جميع الرسل كانوا يرسلون إلى قومهم خاصة أما محمد صل الله عليه وسلم بُعث إلى الناس كافة فليكن في القرآن عموم في اللغات كعموم المنزل عليه إلى العالم.

هذه الأدلة ذكرها الشافعي "في الرسالة" لأولئك وناقشها مناقشة دقيقة وسنحلل ذلك في اختصار.

ص: 407

وقد صدر الإمام الشافعي رأيه بتقسيم العلم إلى قسمين: الاجتماع والاختلاف. فقال بعد ذلك: ومن جماع سلم كتاب الله: العلم بأن جميع كتاب الله إنما أنزل بلسان العرب

فالواجب على العالمين أن لا يقولوا إلا حيث علموا.

ثم ذكر رأي من قال: إن في القرآن من غير لسان العرب وأنه وجد من يقلده في رأيه دون حجة وعدم مبالاة لمن خالف ذلك وسبب هذا التقليد أغفل من أغفل والله يفغر لنا ولهم.. وبين الأدلة المذكورة للمجوزين ونقدها وهذا تلخيص نقده:

أولا - الجواب على الدليل الأول:

لسان العرب أوسع الألسنة مذهبا وأكثرها ألفاظا ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي ولكنه لا يذهب شيء على عامة العرب حتى لا يكون موجودا فيها من يعرفه. وهو يرى أن لسان العرب كالألسنة التي لا يحيط بها أحد من أئمة الإسلام ومحدثيها ولا يفوت منها شيء على جميع الأمة..!

ونظرة الإمام الشافعي هذه دقيقة وعميقة ولها شواهد منها توقف ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} فلم يعرف معنى فاطر حتى وجد من بينه له من العرب فقال كما جاء في التفاسير: كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما لصاحبه أنا فطرته أي بدأته. ومن هنا عرف ابن عباس معنى مبدي السموات والأرض.

وكذلك جرى لأبي بكر الصديق وأحد الصحابة رضي الله عنهما في قوله تعالى: {وَفَاكِهَةً وَأَبّاً} فلم يعرفا {وَأَبّاً} فقال الصحابي: قد عرفنا الفاكهة فما الأب؟ ! وفي نفس الوقت لو سئل عنه طفل في اليمن لعرفه لأنه لغتهم وهو من النبات ومرعى الأنعام ودلالة الآية وسياقها يدلان على ذلك.

ثانيا - أما الجواب على الدليل الثاني:

ص: 408

يقول الشافعي: فذلك يحتمل ما وصفت من تعلمه منهم فإن لم يكن ممن تعلمه منهم فلا يوجد ينطق إلا بالقليل منه ومن نطق بقليل منه فهو تبع للعرب فيه. ويزيد نقده وضوحا بذكر رأيه في الموضوع بألا يستنكر: أن يوافق لسان العجم أو بعضها قليلا من لسان العرب كما يتفق القليل من ألسنة العجم المتباينة في أكثر كلامها مع تنائي ديارها واختلاف لسانها وبعد الأواصر بينها وبين من وافقت بعض لسانه منها.

ومثل هذا قال الإمام الطبري فقال: ولم نستنكر أن يكون من الكلام ما يتفق فيه ألفاظ جميع أجناس الأمم المختلفة الألسن بمعنى واحد فكيف بجنسين منها كما قد وجدنا اتفاق كثير منهم في ما قد علمناه من الألسن المختلفة وذلك كالدرهم والدينار والدواة والقلم والقرطاس.

ونظرة الإمام الشافعي والطبري بعده في توافق اللغات يشهد لها بالواقع من اتفاق اللغات في كثير من ألفاظها شرقية وغربية وإفريقية وآسيوية. ويذهب الطبري في تحليل الموضوع فهو يرى أنه ليس هناك جنس أولى بهذه الأحرف في القرآن دون الجنس الآخر ومن يدعي تخصيصه يقول له الطبري: مدع أمرا لا يوصل إلى حقيقة صحته إلا بخبر يوجب العلم ويزيل الشك ويقطع العذر صحته.

والصواب عنده: أنه عربي وعجمي لأن الأمتين استعملتاه. ويقول: وإنما يكون الإثبات دليلا على النفي فيما لا يجوز اجتماعه من المعاني

فأما ما جاز اجتماعه فهو خارج من هذا المعنى ويرى أن هذا هو مراد السلف - كما بين الشافعي - فيقول:

ص: 409

وهذا المعنى الذي قلناه في ذلك هو معنى قول من قال: في القرآن من كل لسان عندنا. بمعنى والله أعلم: أن فيه من كل لسان اتفق فيه لفظ العرب ولفظ غيرها من الأمم التي تنطق به وبهذا تبين عنده: خطأ من زعم أن القائل من السلف: في القرآن من كل لسان إنما عني بقيله ذل أن فيه من البيان ما ليس بعربي ولا جائز نسبته إلى لسان العرب. ويقول الطبري مستدلا بالآيات التي مرت علينا الناطقة بعربية القرآن ونفي ما سوى العربية عنه:

وذلك أنه غير جائز أن يتوهم على ذي فطرة صحيحة مقر بكتاب الله ممن قرأ القرآن وعرف حدود الله أن يعتقد: أن بعض القرآن فارسي لا عربي وبعضه نبطي لا عربي وبعضه رومي لا عربي وبعضه حبشي لا عربي بعدما أخيرا الله تعالى ذكره عنه: أنه جعله قرآنا عربيا.

ولو أن هذه الأدلة غير موجودة لمن نفى عنه سوى العربية له أن يقول ما قاله الطبري في نقاشه هذا وهو:

لأن ذلك إن كان كذلك فليس بأولى بالتطويل من قول القائل هو عربي.

ثالثا- أما الجواب على الدليل الثالث:

قال الشافعي فيه: فإذا كانت الألسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض: فلا بد أن يكون بعضهم تبعا لبعض، وأن يكون الفضل في اللسان المتبع على التابع وأولى الناس بالفضل في اللسان من لسانه لسان النبي ولا يجوز والله أعلم - أن يكون أهل لسانه أتباعا لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد بل كل لسان تبع للسانه، وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه.

أما الرأي الذي يوفق بين المذهبين بأن يرد هذه الألفاظ إلى اللغات الأعجمية في الأصل، وللعربية معربة في الحال. كفى في مناقشة ما سبق وما سيجده القارئ من أن الراجح المستند على الأدلة: هو أن هذا من باب توافق اللغات كما ذهب إليه الإمام الشافعي، والطبري وكثيرون وفسروا به مراد من تقدمهم..

ص: 410

وبعد هذه السرعة في تحليل الموضوع يعلم مدى انحراف منهج كتّاب - تاريخ الأدب - في القرنين الأخيرين في صحته واستقرائه وتحريه في الأمانة العلمية والبحث الموضوعي المجرد عن الهوى والعاطفة التي تكدر منهج النقد المتزن القائم على أسس وقواعد.

وبهذا ابتعدوا عن طريقة السلف الذين دونوا اللغة العربية، ودرسوها دراسة، لا تقتصر على الناحية الأدبية واللغوية فحسب، بل تجاوزوها إلى مرعات مسالك العقيدة، والأصول.. وأن مساس ذلك كله لتفسير القرآن ولاستنباط الفنون منه قضية أولية، ومقصودة بذاتها، في دراستهم هذه اللغة وأدبها، حتى تكونتا لديهم ملكة هي سفينتهم في بُعد الآفاق ودقة النظر!

وإذا كان ذلك كذلك، لا يمكن لأي باحث في آثارهم أن يحقق مذهبا، ويطرق أبواب النقد في المجال الفكري والبحث العلمي، اللذين ذللوا صعابهما، وقيدوا لنا أوابدهما، ووسموا الدخيل في كل ذلك، ووصفوا الأصيل منة، بأدلة ودراسة مهذبة ساطعة تجلو لكل شاكر وحسود.. لا يمكن بحث في آثارهم وهو مقطوع الصلة بأولئك النجوم الذين احتلوا عروش البراعة، وحملوا الأمانة العلمية إلى الأجيال المتتالية.

وأخص الخصوصيات في دنيا البحث "اللغة العربية" وكل ما يتعلق بها، مادة وأدبا، ذوقا وأسلوبا. وهي اللغة التي تحول يد التحريف والتمزيق أن تنال منها وتكدر من صفائها وتسهر عين الحسد لطمس آثارها وهجر مراجعها الأولى، ومصادرها المؤمنة "القرآن والحديث والنحو والصرف والشعر والنثر القديمان".

ص: 411

لولا أن جبلا من المناعة وستارا من الحصانة وسدا أصلب من زبد الحديد وقف أمام هذه الزوابع ورد سطوتها، وركز رايته في حناجر علماء الإسلام للذود عنها وهو: هذا القرآن المعلن فوق رؤوس العالمين وعلى رغم أنوف شياطين الإنس والجن ببلاغته الساحرة وجودته الساطعة وإعجازه المعجز.. قرآن كفاه من القوة والإعجاز اليوم ما سبق له ويعيش فيه من عداء الأعداء، ولم يثنه ذلك من صوته الراعد وهيمنته الفخمة، وإحاطته بكل شيء.. لقد أثبتت التجارب إعجازه، ومن حاول التطاول عليه وصارعه ينهزم وتقوم الدنيا ضده، ويهتز الكون لشذوذه، ويشهد عليه بالضلال وعدم العقل.. وهذه هي الآية الواقفة أمام كل تيار: إنا نحن نزلنا الذكرى وإنا له لحافظون.. ومما ذكرت يعلم الراجح في الموضوع، وانحراف منهج من يقتصر على ذكر رأي واحد في الموضوع متناسيا الآخر منه كفعل مؤرخي الأدب.

ص: 412

دراسات في السنة النبوية

بقلم الشيخ: محمد ضياء الرحمن الأعظمي

الأمور التي ألغاها الإسلام وأنكرها فهي كثيرة جدا يطول بنا القول لو ذكرناها في العقيدة والعبادة والمعاملات والأخلاق والزواج والطلاق والحرب والقتال وغيرها من العادات والتقاليد.

وأما الأمور التي عدلها الإسلام من شريعة الجاهلية فهي كذلك باب واسع مبثوث في كتب الحديث والتفسير والفقه والعقيدة فمن شاء فليرجع إليها.

هذا هو موقف الإسلام الصحيح من الجاهلية لا كما يزعم بعض المخدوعين والدجاجلة الكفرة من أن السنة ليست لها قيمة شرعية ولا منزلة ذاتية بل هي من العادات الجاهلية التي أبقى عليها الإسلام تطييبا لخواطرهم وتعظيما لتقاليدهم فشرع الإسلام بعقائده وعباداته وأحكامه ونواهيه تام أكمله الله من فوق سبع سماوات من غير احتياج إلى العادات والتقاليد. وقد عز الله القائل:

{إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [1] .

أما شبهات شاخت فهي نتيجة لعدم اطلاعه على تاريخ التشريع الإسلامي فجعل الإمام الشافعي مثلا أول قائل بحجية السنة واستشهد على ذلك ببعض النصوص التي أوردها الإمام في كتابه الأم [2] حيث يذكر أن الإمام مالكا وأبا حنيفة ومحمد بن الحسن الشيباني أخذوا بالقياس والرأي في مقابلة السنة في بعض المواضع. ولكن الأمر الذي فات شاخت هو هل هذا الترك كان لعدم وقوفهم على السنة؟ أو لعدم احتجاجهم بالسنة؟ فإذا عجز شاخت عن فهم هذه الأصول فلماذا أقدم على أمر هو بعيد عن إدراكه؟. نحن نجيب عن هذه الأسئلة إن شاء الله ولو بقليل من التفصيل: ونسلك في هذا طريقة المنطقية:

ص: 413

لم يعرف أحد من أئمة أهل السنة الذي قال بعدم حجية السنة ونحن نقيم على هذا أدلة قاطعة من كتب الحديث والفقه وتاريخ المسلمين إن شاء الله تعالى.

فهذا إمام من أئمة أهل السنة إمام دار الهجرة أبو عبد الله مالك بن أنس الذي شدت إليه الرحال وضربت له أكباد الإبل وازدحم الناس حوله، لقد عرف رحمه الله تعالى فقيها ومحدثا وهذا الوصف المطابق لم يزل ملازما الإمام مالك حتى انتقل إلى رحمة الله ورضوانه.

لقد توهم بعض الباحثين فقالوا إن مالكا كان يقدم القياس والرأي في مقابلة السنة، وهذا اتهام وبهتان فقد نقل عبد الوهاب الشعراني على لسان مالك قوله "إياكم رأي الرجال إلا إن أجمعوا عليه واتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم وما جاء عن نبيكم وإن لم تفهموا المعنى وسلموا لعلمائكم، ولا تجادلوا، فإن الجدال في الدين من بقايا النفاق"[3] .

وفيه أيضا نقلا عن ابن حزم قوله: "أنه لما حضرته الوفاة قال وددت الآن أني أضرب على كل مسألة قلتها برأي سوطا ولا ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء زدته، في شريعته وخالفت فيه ظاهرها"[4] ومن هنا أخذ بعض الناس منع رواية الحديث بالمعنى للعارف خوفا أن يزيد الراوي في الحديث أو ينقص.

وقال الإمام مالك في رسالته الخالدة إلى الليث بن سعد [5]"وفقنا الله وإياك لطاعته وطاعة رسوله في كل أمر وعلى كل حال"[6] ومن منا لا يعرف قول الإمام مالك المشهور: كل يؤخذ بقوله ويرد إلا صاحب هذا القبر (مشيرا إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فهذه بعض النصوص حجة صريحة على من يتهم الإمام مالكا. نعم لقد تحير بعض الناس لما وقفوا على موطأ مالك ووجدوا أنه كتاب فقه وحديث، كتاب رواية ودراية، كتاب رأي وفتوى وهو مشهور بين أهل العلم بكتاب السنة، فكيف يجمع هذا في كتاب واحد وفي رجل واحد.

ص: 414

فنقول هذا الانتقاد صحيح في حد ذاته ولكن المدقق البصير لتاريخ التشريع الإسلامي يعثر على شيء جمعه مالك دون غيره وهو اجتماع الرواية والفقه عنده، والسبب في ذلك أن الناس ما كانوا يفرقون بين الرواية والدراية في عصره، فالمحدث هو الفقيه والفقيه هو المحدث لقرب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. فإن الأمر المعروف في أصول الفقه أن قول الصحابي ينزل منزلة الرفع إذا لم يكن موضع اجتهاد، ولهذا كان من عادة الأئمة في استنباط الأحكام الشرعية أن يرجعوا إلى كتاب الله أولا ثم إلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم إلى قول أصحابه المتفق عليه ثم إلى أقضية الخلفاء الراشدين، هكذا روي عن الإمام أبي حنيفة فإذا وصل إلى رأي التابعين قال هم رجال ونحن رجال.

ص: 415

وقد جاء عن بعض السلف قولهم "إن مالكا جمع بين الحديث والفقه ما لم يجمع غيره قط". قال ابن جرير الطبري أن أحمد بن حنبل لم يكن فقيها بل إنه كان محدثا ومالك وحده هو المحدث الذي يعد في الرعيل الأول بالإجماع والفقيه البصير بمواضع الفتوى ومصادرها بالإجماع. فهذا كتاب الموطأ الذي يحتوي على ألف وسبعمائة وعشرين حديثا برواية أبي بكر الأبهري قال السيوطي عنه "إن الأحاديث الموصلة المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم صحاح كلها بل هي في الصحة كأحاديث الصحيحين"[7] . وقال الإمام الشافعي "لا أعلم كتابا في أكثر صوابا من كتاب مالك"[8] حتى أن الإمام البخاري الذي يُعد كتابه أصح كتب الحديث وأقواها يعتبر سند مالك في بعض مروياته التي رواها أصح الأسانيد وهو مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة. وأصح الأسانيد عن أبي داود مالك عن نافع عن ابن عمر ولهذا استغرب الشافعي من مالك مسألة خيار المجلس، والحديث مروي عن مالك عن نافع عن ابن عمر فقال:"لا أدري هل أتهم مالك نفسه أو نافعا"[9] . فكأنه اعتبر هذا السند من سلسلة الذهب. فهذه شهادات تدل على أنه كان عدلا ضابطا لا مجال للطعن فيه فكيف لأحد أن يعده من منكري السنة وغير المحتجين بها!.

هذه هي منزلة السنة عند مالك من حيث الأصول، وبحثنا مقتصر على الأصول وأما في الفروع فقد تلحقه شبهة وأعذار نذكر منها البعض في باب عمل أهل المدينة إن شاء الله تعالى.

أما من ناحية تقديم القياس على بعض السنة فنقول بعون الله تعالى:

لقد تضافرت الأدلة القاطعة على أن القياس أصل من أصول الفقه الإسلامي ولم يعارضه أحد إلا طائفة من الظاهرية وجماعة من الشيعة وشبهاتهم مذكورة في كتبهم ولا حاجة بنا إلى إعادة ذكرها.

ص: 416

القياس على قسمين: قياس يخالف الكتاب والسنة وهو مردود ومذموم لم يأخذ به أحد، وقياس لا يخالف الكتاب والسنة، وهو إلحاق أمر غير منصوص على حكمه بأمر منصوص على حكمه لعلة جامعة بينهما. وهو أمر ضروري لا بد منه لوقوع كثرة الحوادث وعدم انتهاء المساءل وإلى هذا أشار معاذ بن جبل وأقره عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم [10] والعلماء والفقهاء من القرون المشهود لها بالخير إلى يومنا هذا لم يستغنوا عن استعمال المقاييس في أمور دينهم إذا لم يجدوا أمرا صريحا من الشارع لأن نظير الحق حق ونظير الباطل باطل، وعلى هذا الأساس فإن مالكا استعمل القياس وقال بما دل عليه قياسه متمسكا بشروطه وآدابه. وكيف لا يقول به مالك وقد قال به رسول الله صلى الله عليه سلم في مواضع كثيرة منها ما يروى عن عمر بن الخضاب قال:"صنعت يا رسول الله أمرا عظيما قبّلت وأنا صائم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟ فقلت لا بأس فقال: فصم"[11] فقاس رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة على المضمضة لأن كلا منهما مقدمة للإفطار فلا ذنب على مالك إن قاس الأمور الحادثة على أصولها.

ص: 417

نعم وقد يظن قياسه مخالفا للسنة الثابتة فما السبب في ذلك؟ فنقول: هناك عدة أعذار عد بينها شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته (رفع الملام عن الأئمة الأعلام) وقال: جميع الأعذار ثلاثة أصناف. أحدها عدم اعتقاده أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله، والثاني عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول، والثالث اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ. ثم فرع الأسباب على تلك الأصناف فجعل السبب الأول هو أن لا يكون الحديث قد بلغه ومن لم يبلغه الحديث لم يكلف إن يكون عالما بموجبه كما حصل لعمر وابنه فإنهما كانا ينهيان المحرم عن التطيب قبل الإحرام قبل الإفاضة إلى مكة بعد رمي جمرة العقبة ولم يبلغهما حديث عائشة رضي الله عنها أنها طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف، وغيره من الأمثلة الكثيرة ذكرها ابن تيمية [12] رحمه الله تعالى وإلى هذا أشار الإمام الشافعي في قوله "لو صح حديث لحوم الإبل قلت به"ذكره الحافظ في التلخيص [13] فلماذا لا نحمل مالكا على أحد هذا الأعذار؟ فالأئمة المجتهدون والمحدثون الحاذقون والفقهاء المبصرون كلهم معذورون إذا قالوا شيئا يخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هم مأجورون على ذلك. فقد ثبت في الصحيحين عن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر"[14] فتبين أن المجتهد له مع خطئه أجر وذلك لأجل اجتهاده، فإن إحاطة واحد لجميع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر لا يمكن ادعاؤه حتى أن الخلفاء الراشدين الذين هم أعلم الأمة وأفقه الفقهاء وباشروا رسول الله سفرا وحضرا لم يكونوا قد بلغوا الكمال في العلم، فهذا أبو بكر رضي الله عنه لما سئل عن ميراث الجدة قال مالك في كتاب الله من شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من شيء، ولكن أسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة وشهد له محمد بن مسلمة

ص: 418

بأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس.

وروي عن عمران بن حصين مثل ذلك. فإذا كان هذا من حال أبي بكر وعمر وابنه الذين شاهدوا التنزيل فأين أبو حنيفة ومالك وابن أبي ليلى وغيرهم من الأئمة رضوان الله عليهم أجمعين!

لقد تخبط بعض الباحثين من المستشرقين من أمثال جولد زهير في معنى السنة فظنوا أنها من باب العادات والتقاليد الموروثة من الجاهلية، واستشهدوا على ما ذهبوا إليه ببعض العادات التي أبقاها الإسلام من العادات القديمة. وقالوا أن السنة ليست من مصادر التشريع في الإسلام، فإن الأوائل لم يكونوا يرجعون إليها في المسائل الدينية والفتاوى الشرعية حتى ظهر بعض المسلمين في أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث، ونادوا بحجية السنة، وملأوا كتبهم بالأدلة والبراهين، وممن اشتهر في هذا العصر الإمام الشافعي فإنه قام بالرد على الإمامين السابقين أبي حنيفة ومالك رحمهما الله [15] .

وأخذ هؤلاء الباحثون ببعض الآثار المروية في هذا الباب، منها قول عمر ابن الخطاب "حسبنا كتاب الله "وحديث حدث به المهلب بن أبي صفرة ثنا ابن مناس ثنا محمد بن مسرور القيرواني ثنا يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب أخبرني شمر بن نمير عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن العباس عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"سيأتي ناس يحدثون عني حديثا فمن حدثكم حديثا يضارع القرآن فأنا قلته ومن حدثكم بحديث لا يضارع القرآن فلم أقله. إنما هو حسوة من النار"[16] .

ص: 419

وهذا أثر ضعيف بل أوهن من بيت العنكبوت أخذوا به دليلا إلى ما ذهبوا إليه _ وقد قال عبد الرحمن بن مهدي "الزنادقة والخوارج وضعوا هذا الحديث". وقال محمد بن حزم: "الحسين بن عبد الله ساقط متهم بالزندقة"[17] ورد الشافعي والبيهقي هذا الحديث كليا. وبمثل هذه الأحاديث المكذوبة أوردها ابن حزم ورد عليها واحدة بعد واحدة. أما قول عمر بن الخطاب وهو ما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: لما حُضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب قال النبي صلى الله عليه وسلم هلمّ أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده. فقال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن. حسبنا كتاب الله [18] وفيه قال ابن عباس: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم [19] هذا القول لا يدل على الاستغناء بالسنة لأن عمر ابن الخطاب أراد أن يخفف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه ولهذا سكت عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقد عاش بعده بأيام ولم يرد على عمر قوله، فلما وجد التخفيف والراحة أملى عليهم كما أخرج مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في أوائل مرضه وهو عند عائشة:"ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف يتمنى متمن ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر"[20] . وهذا المعنى يؤيد سلوك عمر بن الخطاب في زمن خلافته فإنه كان يحرص على الأخذ بالسنة، وهذا باب واسع لا أرى الحاجة إلى إيراده.

بمثل هذه الأدلة أخذ منكرو السنة، فمن المستشرقين الذين اشتهروا بهذا الطعن جولد سهير قد قال في دائرة المعارف الإسلامية تحت كلمة (الحديث) وفي كتابه:

ص: 420

(MUHAMMAD STUDY) ج1 ص41 واللفظ من الدائرة "كان السير على سنة الآباء الأولين (السنة هي المنهج القديم المأثور الذي يعتاده المرء في المبادلة والأخذ والعطاء) حتى يعد عند الكفار من العرب فضيلة من الفضائل ولما جاء الإسلام لم تستطع السنة أن تبقى على قديمها وهو اتباع عادات الآباء الكفار وأقوالهم، وكان لا بد للمسلمين من أن ينشئوا لهم سنة جديدة. فأصبح واجبا على المؤمن أن يتخذ من خلق الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته مثلا يحتذيه في جميع أحوال معاشه، ولهذا بذل كل جهد ممكن في سبيل جمع أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته [21] .

فالفكرة التي يريد جولد سهير أن يعطيها لنا هي أن السنة ليس لها قيمة ذاتية نفسية بل جاءت من قبل العادات والتقاليد الجامعية. ولكن الأمر ليس كما يظن المستشرق فسوف نبين خطأ فكره في باب العادات الجاهلية بعون الله تعالى. ثم جاء بعده جوزيف شاخت فجعل السنة وليدة البيئة والمجتمع الإسلامي وعمل الخلفاء، وأنها ليست أمرا ثبتا في القرنين الأول والثاني حتى جاء الإمام الشافعي ونادى بحجية السنة وشن الغارات على منكريها [22] .

ثم رأيت المرحوم الدكتور السباعي يُورد فصلا كاملا في كتابه (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي) بعنوان ((السنة مع من ينكر حجيتها حديثا)) فأحببت أن ألخص كلامه هنا في أسطر لما فيه من الفوائد لطالب السنة.

يقول المرحوم: "وقد نشرت مجلة المنار للمرحوم السيد رشيد رضا في العددين 7_12 من السنة التاسعة مقالين للدكتور توفيق صدقي تحت عنوان (الإسلام هو القرآن وحده) وشبهته:

أولا _ قوله: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} .

{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} .

ثانيا _ قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} فالله تعالى تكفل بحفظ القرآن دون السنة.

ص: 421

ثالثا _ لو كان الحديث حجة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بكتابته.

رابعا _ بعض الآثار المروية التي تدل على بعدم حجية السنة.

تلك هي خلاصة ما أورده الدكتور صدقي من الشبهات حول حجية السنة.وقد قام المرحوم الدكتور السباعي بالرد على هذه الشبهات واحدة فواحدة، ولا أريد أن أطيل البحث فمن أراد الوقوف عليها فليرجع إلى كتابه [23] فإنه جاء بجواب مسكت مقحم فجزاه الله خيرا وتقبل سعيه.

فالآن نعود إلى موضوعنا وهو: (مقدار العادات الجاهلية في الإسلام) .

معنى الجاهلية وموقف الإسلام منها:

الجهل لغة: نقيض العلم، يقال جهل فلان جهلا وجهالة، والجهالة: أن تفعل فعلا بغير العلم ومنه المجاهل جمع مجهل.

قال مضرس بن ربعي:

أنا لنصفح عن مجاهل قومنا ونقيم سالفة العدو الأصيد [24]

قال الراغب: الجهل على ثلاثة أقسام:

1 _

خلو النفس من العلم ومثاله قول خولة بنت حكيم امرأة عثمان رضي الله عنهما قالت: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو محتضن أحد ابني ابنته وهو يقول: "والله إنكم لتجبنون وتبخلون وتجهلون وإنكم لمن ريحان الله" أي يُشغل بهم الآباء عن طلب العلم.

2 _

اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه مثاله: "إن من العلم جهلا. قيل هو أن يعلم ما لا يحتاج إليه من دينه".

3 _

فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أم فاسدا كقوله تعالى: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [25] فجعل فعل الهزو جهلا [26] .

وقد يأتي الجهل بمعنى ضد الخبر كقوله تعالى: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ} أي الذي ليس عنده خبرة.

ص: 422

هذه هي معاني كلمة الجاهلية فهل يستطيع جولد سهير ومن معه أن يطبق هذه المعاني على السنة النبوية. فالمنتصح الدقيق يجد الفرق بينهما بينا باعتبار التضاد والتناقض. وقد حذر الشارع من اتباع سنن الجاهلية في مواطن كثيرة.

قال تعالى: {يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّة} [27] !

وفي صحيح البخاري عن نافع عن جبير بن مطعم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبغض الناس إلى الله ثلاث: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلّب دم امرئ بغير حق بهريق دمه". وفي سند الإمام أحمد عن أبي بن كعب عال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعزى بعزاء الجاهلية فاعضوه بهن أبيه ولا تكنوا"[28] وفي مسلم أيضا عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركهن: الفخر بالأنساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة"[29]، ومن هذا الباب ما أخرجه الشيخان عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل لعاّب فكسع أنصاريا فغضب الأنصاري غضبا شديدا حتى تداعوا، وقال الأنصاري: يا للأنصار. وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "ما بال دعوى الجاهلية

دعوها فإنها مُنتنة" [30] . ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم "إنك امرأ فيك جاهلية" [31] ، وأخرج أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قد أذهب عنكم غبية الجاهلية وفخرها بالآباء: مؤمن تقي أو فاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب ليدعن رجال فخرهم بأقوام إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونُنّ أهون على الله من الجعلان التي تدفع بأنفها النتن" [32]، وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 423

"من خرج من الطاعة وارق الجماعة فمات ميتة جاهلية"[33] وغيرها من الأحاديث المروية في كتب السنة التي لا تُعد ولا تُحصى فتدل هذه الأحاديث على تقبيح أمور الجاهلية وذمها، وبالتالي تقتضي المنع من اتباعها. ولهذا قسم العلماء الزمان قسمين: قسم زمن الفترة قبل الإسلام يُسمى فترة الجاهلية، وهي الحال التي كانت عليها العرب قبل الإسلام من الجهل بالله ورسوله وشرائع الدين والمفاخرة بالأنساب والتكبر والتجبر. وقسم فترة الإسلام وهو زمن بزغت فيه شمس الإسلام وأشرقت الأرض بنور ربها وخرج الناس من الجاهلية الجهلاء إلى هدى الله وشرعه.

فهل يُعقل بعد هذه النصوص البينة أن يكون اتباع السنة النبوية من باب التقاليد الجاهلية؟ تعالى الله عمّا يقولون.

نعم هناك أمر ضروري لا بد أن عليه ولو بعبارة موجزة وهو أن الإسلام لم يأت بشرع جديد مطلق يخالف شرائع الأنبياء والمرسلين، بل جاء بالملة الحنيفة السمحة التي حرفها أهل الزيغ والضلال. بل أعلن الله تعالى على لسان خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه:{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ} [34] وقال تعالى: {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [35] وقال تعالى: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا} [36] وغيرها من الآيات والآثار.

إذا فما هو موقف الإسلام من أمور الجاهلية وعاداتها؟ فنقول بعون الله تعالى: إن العرب كانوا في الجاهلية بدو أو شبه بدو لم يكن عندهم قانون مدون ولا قواعد معروفة يرجعون إليها إلا ما حصل عندهم من العرف والتقاليد والتجارب والمعتقدات المحرفة من اليهودية والنصرانية، فجاء الإسلام وأقر بعضا وأنكر على بعض وعدل بعضا إذا وافق اللوح المحفوظ.

ص: 424

مثال ما أقره الإسلام القسامة فقد أخرج مسلم عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله أمر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها بين أناس من الأنصار [37] ، وصوم يوم عاشوراء، فقد أخرج الشيخان عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فوجد اليهود يصومون صوم عاشوراء فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فيه فرعون وقومه فصامه موسى شكرا لله فنحن نصومه تعظيما له. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن أحق بموسى منكم. فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه"[38] . وقد أمر الإسلام بقرى الضيف وابن السبيل وحمل الكل وصلة الأرحام والإعانة في نوائب الحق، وهذه الأوصاف كانت تعتبر مزية من مزايا الجاهلية، وغيرها من أمور العبادة والطهارة من الجنابة وخصال الفطرة مثل الختان. ويروى أن أبا ذر كان يصوم ويصلي قبل أن يقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث سنين، وكذلك قس بن ساعدة الإيادي. وكان أهل الجاهلية يحجون بيت الله الحرام ويعظمون شعائره وكان فيهم من يوحد الله مثل ورقة بن نوفل الأسدي من أسد بن عبد العزى وزيد بن عمر وابن نفيل العدوي من عدي بن كعب وعثمان بن الحويرث الأسدي من أسد بن عبد العزى. هؤلاء من قريش وعبيد الله بن الجحش الأسدي من أسد بن خزيمة من حُلفاء قريش. يروى أنهم اجتمعوا مرة يوم عيد لأحد أصنامهم فقالوا: نعلن والله ما قومكم على شيء. لقد أخطأوا دين أبيهم إبراهيم. هذا حجر لا يبصر ولا يضر ولا ينفع. يا قوم التمسوا لأنفسكم فإنكم والله ما أنتم على شيء [39] . ولقد سار عمرو بن لحي الخزاعي إلى بلاد الشام ورأى ما يفعله أهلها من تعظيم التماثيل والتقرب بها فمالت نفسه إلى الاقتداء بهم فأخذ بعض هذه التماثيل وأقامها على الكعبة التي كان هو سادنها ودعى العرب إلى تعظيمها فأجابوه،

ص: 425

وقد رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر قصبته (الأمعاء) في النار وقال: "إنه كان أول من غير دين إسماعيل فنصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي"[40]

ومن هنا تتضح لنا بعض الأمور التي أقرها الإسلام بدون تحريف وتبديل، وإلى هذا يشير قوله تعالى:{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} وقوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت بالملة السمحة الحنيفية البيضاء".

--------------------------------------------------------------------------------

[1]

الفتح: 26.

[2]

راجع اختلاف مالك والشافعي ج/7 ص177، كتاب جماع العلم ص250 كتاب الرد على محمد بن الحسن ص277، كتاب إبطال الإحسان ص267.

[3]

الميزان ج1 ص64.

[4]

المصدر السابق ص65.

[5]

توفي سنة 175هـ.

[6]

ترتيب المدارك ج1 ص65.

[7]

على هامش الباعث الحثيث ص32.

[8]

المصدر السابق ص31.

[9]

المغني ج3 ص504.

[10]

أخرجه الترمذي وقال: حديث لا نعرفه إلا من هذا الوجه وليس إسناده عندي بمتصل. وقال البخاري في التاريخ الكبير: الحرث بن عود بن أخي المغيرة عن أصحاب معاذ عن معاذ روي عنه أبو عون ولا يصح ولا يعرف إلا بهذا. جمع الفوائد 4923.

[11]

أبو داود صوم 33، الدارمي صوم 21 سند أحمد 1/ 21.

[12]

رفع الملام ص1.

[13]

نقلا من تحفة الأحوذي ج1 ص263.

[14]

خ اعتصام باب 21.

م، اقضية15، واقضية2، حم ج2/187.

[15]

هكذا يريد المستشرق ((شاخت)) أن يرد حجية السنة وسيأتي التفصيل عن هذا إن شاء الله تعالى.

[16]

الإحكام لابن حزم ج2 ص76.

[17]

الإحكام لابن حزم ج2 ص76.

[18]

خ ج 7 ص 104.

[19]

المصدر السابق.

[20]

نقلا من فتح الباري ج1 ص186.

[21]

دائرة المعارف الإسلامية ج7 ص330.

ص: 426

[22]

هذه هي الفكرة الرئيسية في تأليفه. (MUHAMMADAN JURISPRUDENU)

وخاصة في الباب السابع SUNNA PRACTIEEND LIVING TRADITION) P58.

[23]

السنة ص165.

[24]

لسان العرب ج11 ص129.

[25]

البقرة: 67.

[26]

البقرة: 273.

[27]

آل عمران: 154.

[28]

خ تفسير سورة المنافقون.

[29]

مسلم جنائز 29، حم5/342.

[30]

خ تفسير سورة المنافقون.

[31]

خ أدب 44، إيمان22، م إيمان38.

[32]

أبو داود: أدب 111.

[33]

مسلم أمارة: 53.

[34]

الأحقاف: 9.

[35]

الأنعام: 90.

[36]

المائدة: 44.

[37]

مسلم قسامة: 7، النسائي قسامة2، حم 5/ 432.

[38]

البخاري صوم: 69.

[39]

البداية والنهاية، ج2 ص238.

[40]

ابن هشام ج1 ص79.

ص: 427

السفور

للشيخ محمد الحداد

المتخرج من كلية الشريعة بالجامعة

صبرت إلى أن ضاق صدري من الصبر.

ولا أحد يرثي لحالي ولا يدري.

أرى الفتنة الكبرى تعم بلادنا.

كأنا بباريسٍ على شاطئ النهر.

وباء من الغرب استباح ديارنا.

شبيه على الأفكار بالسم والسحر.

وقومي حيارى أو سكارى كما ترى.

فهل بعد هذا الليل يا قوم من فجر.

صبرنا ولكن كم يدوم اصطبرنا.

أصبر على شيء أحر من الجمر!.

فماذا ترى يبقى لنا من هدى وقد.

غدونا وأهل السبت في شركة الوزر!.

فكم ثم من راض بذلك معجب.

وآخر حب المال ألقاه في السكر!.

إذا كان ذا يا قوم في خير أمة.

إذن فَلَبطن الأرض خير من الظهر.

فكيف يلام المرء إذ ما تكشفت.

لديه فتاة كالغزال أو البدر.

فكم ذا يلاقي من عناء وشدة.

ونار الغضا ما بين أضلاعه تسري.

أيحجب عينيه بإلقاء برقع.

على وجهه بين العشاءين والعصر.

وهل غيرة يا قوم تشفي غليله.

لئلا يرى أهل المفاتن والعهر.

أرى الوقت معكوسا على أم رأسه.

فثوب الفتى ينجر في الدرب إذ يجري.

ولكن ربات الخدور تقدمت.

فتستورد الأثواب من بلد الكفر.

وعار عليها تلبس الثوب سابغا.

كذلك الفتى بالعكس يا قصمة الظهر.

فيا علماء الدين بالله ربكم.

فما عذركم يوم القيامة في الحشر.

ويا قومنا مالي أرى الدين ضائعا.

كشخص أسير كبلته يد الكفر.

فوالله إن الموت خير وراحة.

إذ البوم والغربان تعدو على الصقر.

نذير لكم يا أيها القوم فاسمعوا.

ولا تكن الآذان منه على وقر.

ألم تروا أن الله أقسم بالعصر

.

ص: 428

بأن جميع الخلق في وهدة الخسر.

ولكنه استثنى من الكل أربعا.

عليكم بها عضوا عليها مدى العمر.

فأولها الإيمان والعمل الذي.

يلازمه واستتبع الحق بالصبر.

لقد حدث القرآن عن أهل قرية.

أتوا باحتيال كي يصيدوا من البحر.

فلما نسوا ما ذكروا أصبحوا لقىً.

ولم ينج إلا من أبى خطة الغدر.

وكانوا بخير ثم لما عصوا هووا.

وقد مسخوا حتى غدوا عبرة الدهر.

على الدين فلتنهل عيناك أدمعا.

ولا عذر حتى تصحب النهي بالأمر.

فلو شاهدت عيناك ما نصطلي به.

علمت بأنا قابضون على الجمر.

ولو أنني خيرت في العيش والردى.

لقلت لهم هيا اعجلوا واحفوا قبري.

ولو أن فاروق الحنيفة شاهد.

لأنهكهم ضربا، ولم يعي بالأمر

.

ص: 429