الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدين الإسلامي والتوحيد
تابع ما قبله
السمع والبصر
مما ثبت لواجب الوجود سبحانه من الصفات السمعية التي يجب علينا اعتقاد ثبوتها بالنقل صفة السمع وهي صفة أزلية تتعلق بجميع المسموعات وصفة البصر وهي صفة أزلية تتعلق بجميع المبصرات فلا يعزب عن سمعه مسموع وإن خفي ولا يغيب عن رؤيته مرئي وإن دق، ولا يحجب سمعه بعد ولا يدفع رؤيته ظلام بسمع من غير أصمخة وآذان، ويرى من غير حدقة وأجفان، كما يعلم بغير قلب ويبطش بدون جارحة ويخلق بلا آلة إذ لا تشبه صفاته صفات المخلوقات ولا تشبه ذاته ذواتهم.
والعمدة في الاستدلال على ثبوتهما الدليل النقلي فقد ورد بهما في الكتاب العزيز والسنة الشريفة قال تعالى: (وهو السميع البصير) وفي البخاري عن أبي موسى الأشعري قال أبي موسى الأشعري قال صلى الله عليه وسلم أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً إنما تدعو سميعاً بصيراً قريباً.
الكلام
إن مسألة الكلام من أمهات مباحث التوحيد ودقائق مسائل العقائد كم زلت فيها أقدام وذلك بسببها أقوام وتفرقت فيها المذاهب واضطربت الآراء وكثر الجدال والنزاع بين أهل السنة وغيرهم من الفرق التي سلكت سبيل الغي وخبطت في متاهات الإلحاد.
كان مبدأ ذلك في أوائل القرن الثالث من الهجرة في زمن الدولة العباسية واستمر الحال إلى أن ولي الخلافة المتوكل فأظهر بتوفيق الله السنة وأخمد البدعة وحث الناس على رواية الآثار النبوية وفاز أهل السنة بالنصر والظفر (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه).
لا نقصد من بحثنا أن نشتغل بنقل المذاهب والأقوال وأدلتها وما يرد عليها بل الغاية التي ترومها والوجهة التي تؤمها هي بيان السبيل الأقوم والمنهج الراجح الأعدل ليتخذ دستوراً في العقائد وزكناً شديداًُ لنيل المقاصد فنقول:
الكلام من الصفات السمعية التي يجب الاعتقاد بثبوتها لله عز وجل كما جاء به الشرع وأيده العقل وهو صفة أزلية قائمة بذاته تعالى منزهة عن الحروف والأصوات ومنافية
للسكوت والآفة فليس كلامه يشبه كلام غيره كما أن وجوده تعالى ليس مشابهاً لوجود غيره إذ لا مشابهة بين صفات الباري وصفات مخلوقاته ثم إذا عبرت عن هذه الصفة بالعربية فقرآن وبالعبرانية فتوراة وبالسريانية فإنجيل والاختلاف في العبارات دون المسمى فالتلاوة والقراءة والكتبة حادثة والمتلو والمقروء والمكتوب قديم أي ما دلت عليه القراءة والكتابة والتلاوة كما إذ ذكر الله تعالى بالسنة متعددة ولغات مختلفة فإن الذكر حادث والمذكور قديم.
وهو صفة واحدة لا تعدد فيها لكن له أقسام اعتبارية فمن حيث تعلقه بطلب فعل الصلاة أمر ومن حيث تعلقه بطلب ترك الزنا نهي ومن حيث تعلقه بأن فرعون فعل كذا خبر وبأن الطائع له الجنة وعدوان العاصي يدخل النار وعيد وهكذا.
والعمدة في الاستدلال على ثبوت الكلام له عز وجل الدليل النقلي قال تعالى (وكلم الله موسى تكليماً) والأصل في الإطلاق الحقيقة وقد ثبت أن الرسل عليهم الصلاة والسلام حسبما تواتر النقل عنهم كانوا ينسبون إليه الكلام فيقولون أمر بكذا ونهى عن كذا ولا شك أن الأمر والنهي من أقسام الكلام ويؤيد ذلك البرهان العقلي وهو أنه لو لم يتصف بهذه الصفة لاتصف بضدها وهو نقص والنقص عليه محال.
ولا شبهة في أن القرآن العظيم كلام الله وهو مكتوب في المصاحف محفوظ في الصدور، مقروء بالألسن ومع ذلك ليس حالاً فيها بل هو معنى قديم قائم بذاته يلفظ ويسمع بالنظم الدال عليه ويحفظ بالنظم المخيل في الذهن ويكتب بنقوش وصور وأشكال موضوعة للحروف الدالة عليه كما يقال النار جوهر محرق يذكر باللفظ ويكتب بالقلم ولا يلزم منه كون حقيقة النار صوتاً وحرفا وبيان ذلك أن الشيء يكون له وجود في الأعيان ووجود في الأذهان ووجود في العبارة ووجود في الكتابة فالكتابة تدل على العبارة وهي تدل على ما في الأذهان وهو يدل على ما في الأعيان (أي نفس الأمر) فحيث يوصف القرآن بما هو من لوازم القديم كما قولنا القرآن غير مخلوق فالمراد منه حقيقته الموجودة في نفس الأمر وحيث يوصف بما هو من لوازم المخلوقات والمحدثات يراد به الألفاظ المنطوقة والمسموعة كما في ذلك قولك قرأت نصف القرآن والمخيلة كما في قولك حفظت القرآن والأشكال المنقوشة كما في قولك يحرم على المحدث مس القرآن.
فتبين أن القرآن المجيد كلام الله وأنه يطلق على معنيين أحدهما المعنى القائم بالذات
المقدسة وهذا ليس بحرف ولا صوت الثاني على اللفظ المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم المكتوب في المصاحف المنقول إلينا نقلاً متواتراً بمعنى أنه تعالى أنشأه برقومه في اللوح المحفوظ لقوله تعالى (بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ) وعلى المعنى الثاني يحمل قول السيدة عائشة رضي الله عنها (ما بين دفتي المصحف كلام الله تعالى) وحيث أن القرآن يطلق على المعنى (القائم بذاته تعالى وعلى الذي نقرأه ونتعبد بتلاوته يمتنع أن يقال القرآن مخلوق لئلا يتبادر إلى الذهن المعنى الأول.
ولذلك امتنعت الأئمة الكرام كالإمام أحمد بن حنبل وسفيان وأصحاب الحديث عن القول بخلق القرآن مع أنهم كانوا من أكثر الناس علماً وأغزرهم فهماً وأكملهم عقلاً وزجروا أصحابهم في الخوض في ذلك لدقته وغموضه إذ غالب الناس لا يتفطنون للفرق بين المقروء والقرآن فخافوا من تسلط الشبيه والشكوك على أفئدتهم وتزلزل أركان عقائدهم فأمروهم بمحافظة الأمر الظاهر من غير بحث عن المعنى الحقيقي لأنه آثر في الوقاية من غوائل الزيغ وأحفظ من هبوب عواصف النزغات ولا مرية أن في ذلك مصلحة عظيمة وفائدة جليلة لصيانة العقيدة وسلامة الفطرة وأما الأئمة رضي الله عنهم فمحال أن يخفى عليهم التحقيق في هذه المسألة وبيان التفصيل فيها.
المتشابهات
قد ورد في القرآن العظيم كثير من المتشابه كإثبات الوجه له تعالى واليد والعين والاستواء ونحوها وقد اتفقت الرواة وتواترت الأخبار أن القرآن أنزل في عصر أرقى الأعصار عند العرب وأغزرها مادة في الفصاحة وأنه الممتاز بوفرة رجال البلاغة وسلاطين الخطاب وأنفس ما كانت العرب تتنافس فيه ثمار العقل ونتائج الذكاء والفطنة ومع ذلك لم يشتهر عنهم الاختلاف في معانيها فكانت الصحابة والسلف الصالح يؤمنون بها مع التفويض والتنزيه ثم لما ظهرت البدع وانتشرت الفتن في الدين بعد عصر الثلاثمائة وانقرضت الصحابة والتابعون كثر الكلام في الأوصاف بين أهل الإسلام ولم يرضوا مذهب السلف في صرف اللفظ عن ظاهره والتوقف عن تعيين المعنى المراد وذهبوا في رأيهم كل مذهب. . عمدت طائفة من أهل السنة إلى تأويل المتشابه وصرفه عن ظاهره المتبادر إلينا لئلا يحتج المبتدعة على مذاهبهم الفاسدة فكان تأويلهم ليدفعوا حجج الخصوم فيما استدلوا
عليه من الزيغ لا ليعتقدوا أن ذلك التأويل هو المراد لله تعالى ومن عرف التأويل لم يحتج إلى الإنكار عليهم فإن صرف اللفظ إلى معنى من المعاني مع عدم القطع بأنه مراد من اللفظ على أن التأويل منقول عن بعض السلف أيضاً حتى نقل عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول الراسخون في العلم يعلمون تأويل المتشابه وأنا ممن يعلم تأويله لكن عامة السلف كانوا يسكتون عن معناه ويعدون السؤال عنه بدعة ولذلك قال الإمام مالك رحمه الله لما سئل عن مععنى قوله (الرحمن على العرش استوى) الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب ومن أنعم النظر يرى أنه لا خلاف بين السلف والخلف في صحة إطلاق المتشابه عليه تعالى على المعنى الذي يليق به وإنما الخلاف في صرف ذلك المتشابه إلى معنى من المعاني مما يحتمله ذلك اللفظ مع عدم القطع به وهو مذهب الخلف وهو الأحكم لأن فيه زيادة على مذهب السلف باعتبار فهم معنى وتسليم بقية المعاني المحتملة إلى الشارع فهو تسليم وزيادة والسلف كان مذهبهم التسليم فقط من غير فهم من محتملات اللفظ وهو الأسلم وحيث أجمع السلف والخلف على صحة الإطلاق فنؤمن ونعتقد أن له تعالى روحاً ونفساً وعيناً ويداً ووجهاً وغضباً ورضا وكلاماً على غير ذلك مما أطلق على الله تعالى في القرآن والسنة من المتشابه مع تنزيهه سبحانه عن المعاني الحقيقية لتلك الألفاظ.
(يتبع)