المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌نصيحة لليمانيين عن الأستانة بقلك العلم العلامة المصلح الكبير السيد صالح - مجلة الحقائق - جـ ١٠

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌ ‌نصيحة لليمانيين عن الأستانة بقلك العلم العلامة المصلح الكبير السيد صالح

‌نصيحة لليمانيين

عن الأستانة بقلك العلم العلامة المصلح الكبير السيد صالح أفندي الشريف

واعتصموا بحبل الله جميعاً وال تفرقوا

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين

يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين.

أخواننا المحترمين اليمانيين أهل الحكمة والتقوى والدين، بناء على ما أنتم عليه معروفون به من الرقة وطهارة الوجدان والكمال جئتكم بهذه السطر قياماً بواجب نصيحة الإسلام لله ولرسوله ولأئمة المؤمنين وعامتهم عملاً بقول الله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما) وبقوله صلى الله عليه وسلم (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة) جازماً بأنه ينطبق عليكم انطباقاً قول الله تعالى (فبشر عبادي الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب) أخواننا المحترمين لكم جميع تعلمون ما حل بالأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها من استيلاء العدو عليها وشده على خناقها وعبثه بدينها ومحوه لعلومها وعمله على رفع القرآن العظيم من بين أيديها وإفساده لأخلاق صبيانها ونسائها والحيلولة بينها وبين كل كمال يرقي عقلها أو يزكي نفسها أو يطهر وجدانها أو يكسبها حظاً من حظوظ الدنيا والآخرة واستئثاره بأسباب الثروة من الفلاحة والصناعة والتجارة وبإدارة الشئون العامة كلها من عسكرية وسياسية وقبضه غصباً على كرائم الأرض وإجلائه المسلمين إلى الكهوف والجبال القحلة إلى غير ذلك من التسلط على كل حق بشري للمسلمين ومحو كل قوة أدبية ومادية لهم وجعلهم عبيد فلاحة يباعون ويشترون مع الأرض مثل البغال والحمير والبقر ولا ذنب لهم سوى كونهم مسلمين انخدعوا ووقعوا في شرك العدو المتسلط.

إن هاته الحالة المدهشة للعقول المفتتة للأكباد قد ابتدأت من الأندلس وأفضت بأهلها إلى ما هو معلوم وحلت بما يقرب من تسعة أعشار المسلمين بعد ذلك وكل فرقة من العدو قابضة على طائفة من المسلمين تجد بها السير ليلاً ونهاراً لتبلغها إلى أسفل مما بلغت إليه الأمة

ص: 15

الأندلسية بيد الإسبانيول الذي كان يدعو لمجرد الدين المسيحي فمن اعتنق الدين المسيحي كانت له الحقوق المدنية أما هؤلاء المتسلطون في هذا الوقت فإن دينهم هو لهم واستئثارهم ولا قيمة للأديان عندهم ويعاملون من عاداهم معاملة الوحوش ولو ترك المسلم دينه وتجنس بجنسهم فلا يرونه أهلاً للحقوق المدنية وبذلك يخسر الدنيا والآخرة.

هذه حقائق راهنة يعلمها من حلت به من المسلمين ومن أتيح له فدخل بلاد الإسلام المقهورة للأجنبي. أخواننا المحترمين أن هذه الحالة المزعجة المذهلة للعقول الحالة بغالب الإسلام قد اتفق العدو على تعميمها ومحو البقية الباقية من العالم الإسلامي بها وهناك الطامة الكبرى على الدين والملة والبلاء المعمم على هذه الأمة الأسيفة التي أهملت دينها ورأيها وخربت بيتها بيدها وسلمت مقاليدها عفواً لعدوها.

أخواننا المحترمين إن الشرك الذي نصوبه لنا ووقع غالبنا بأيديهم بسببه شيء واحد وهو شقاقنا لبعضنا وسوء التفاهم بيننا وعدم النظر في العواقب والغفلة عن مكر العدو وحيله وما يقصده منا والجهل بالحقائق حتى بأنفسنا وضعفنا أمام العدو وقوته واستعداده واغتنامه الفرص فينا هذا كله وإلى الآن ما تيقظنا وأخذنا حذرنا.

أخواننا المحترمين هيا بنا لنتفاهم في أسباب سوء التفاهم بين أمتين مسلمتين يتطاحنان بالصواعق المحرقة والعدو من جميع الجهات متحفز منتظر الفرصة للوثوب عليهما في وقت كان من أول الواجبات على كل المسلمين سيما من بقي فيهم رمق من الحياة مثلنا معاشر العثمانيين ن يتركوا كل ما يشم منه رائحة الخلاف وأن يأخذ كل واحد منهم جماعات ووحدانا بعضد أخيه وأن يغضوا الطرف عن كل حق شخصي بينهم ويتسامحوا ويتساهلوا مع لبعضهم وأن يتركوا كل مطمع وكل حب رياسة ويلتفوا على مقام الخلافة مقام البقية الباقية من قوة الإسلام وعزته ومنعته ومهابته ليكون سداً منيعاً أمام هجمات الأعداء الذين قد تم اتحادهم علينا وتراضوا في اقتسامهم لتراثنا.

أخواننا المحترمين إن إشهار السلاح منكم على قلب الإسلام ومعقله الوحيد في هذا الزمان الحرج الذي ما رأى الإسلام أحرج منه ماذا تقصدون به يا ترى إن ما يمكن أن يتصور من الأسباب الحاملة لكم على فعلكم هذا أمور أربعة الطمع في الرياسة وحب المال والرغبة في إقامة الشريعة المطهرة والخلاص من ظلم المأمورين.

ص: 16

فأما السبب الأول والثاني فإني مع كوني بحسب كمالكم وتيقظكم أنزه وجدانكم وعقلكم وحكمتكم وغيرتكم على الإسلام عنهما أقول لكم أخواننا الأعزاء اعتبروا فيمن هم أشد منكم قوة وآثاراً على الأرض وأغزر عرفاناً وأكثر عدداً وأكمل عدداً فقد اغتروا مثل اغتراركم وطمعوا مثل طمعكم فما سلموا حتى ودعوا وما تم لهم السعي المدسوس في الانفصال عن الدولة العلية حتى التقمهم العدو وحاق بهم وبزعمائهم الشقاء الأبدي ولا نذهب بالتاريخ بعيداً بل نلتفت أدنى التفاتة إلى مصر والجزائر وتونس وها هي مراكش بين فرانسا وإسبانيا في حالة نزع ولا سبب لذلك سوى الطمع في الرياسة وحب المال على أن زعيمكم أخواننا الأعزاء تكفيه رتبته الأدبية التي حصل عليها في نظركم ونظر الدولة والعموم فإنها عند الله وعند الناس أكبر من كل رياسة لأنها توجب أن رؤساء السياسة يخدمونه ويمتثلون أمره ويهتدون بهديه وتصلح به العباد والبلاد وتفاض عليه النعم الدنيوية والأخروية ويكسب بذلك رضا الله والالتفاف التام من خلق الله وأما إن كان إشهاركم السيف وهجومكم على سفك دماء المسلمين وركوبكم هذا المركب الوعر ديناً ودنيا تتقصدون به دفع الظلم عنكم وإقامة الشريعة المطهرة بينكم وهذان هما السببان الثالث والرابع فاعملوا يا أخواننا الأعزاء أن دار الخلافة في هذا الوقت أول بلاد الله في الإسلام يقام بها دين الإسلام وأن سلطنة آل عثمان هي السلطنة الوحيدة المحافظة على شعائر الإسلام وهاكم البيان أن الصلاة التي هي عماد الدين مقامة بدار الخلافة بأبهى معناها وأن الجماعات والجمع محافظ عليها تمام المحافظة ولن تذهب مائة خطوة في الغالب إلا وتجد جامعاً أو مسجداً مقاماً حساً ومعنى ولن تدخل إلى جامع في وقت من الصلوت إلا وتجده عامراً بكل طبقات الأمة من الصبيان والشبان والكهول والشيوخ ورجال السياسة ورجال الجهلاد ورجال العلم وعامة الناس من الذوات والتجار وغيرهم ترى الضابط من فريق فما دون يدخل وقت الصلاة إلى الجامع بسيفه وأوسمته التي تمثل منه رجلاً عزيز الجانب قوياًَ متيناً كالأسد الكاسر أمام العدو فينزع ذلك ويضعه أمامه ويندمج في أخوانه المسلمين بغاية التذلل والخضوع قابضاً يديه مستقبلاً القبلة معترفاً بتمام الذل والعبودية والفقر ممثلاً في عينيه قوله تعالى: (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)(أربع أسطر غير واضحة صفحة422)

ص: 17

وحديث سيد ولد عدنان في مقر الخلافة لا يوجد لها نظير فيما سمعنا ورأينا إن إقامة موسم الحج لولا دار الخلافة ما كان وها هي أوروبا تحاربه حرباً عواناً من جهة بمنع من قضي عليه فوقع تحت نيرها والبدو يعبثون به من جهة ثانية إن كلمة التوحيد مقامة على كل المنارات والمنابر وعلى أعلام الجهاد في سبيل الله إن الجيش مستعد بكل ما في وسعه حسب الشريعة المطهرة فمن بينه الصلحاء والفضلاء وأرباب الغيرة والوجدان الطاهر والقصد ومن بينه أرباب العمائم من الفتيين والأئمة والخطباء والوعاظ إن باب المشيخة مفتوح لكل الحقوق الشرعية ولا يعقد عقداً ولا يحله إلا حسب الشريعة المطهرة وبإشارة باب الفتوى القائمة به رجل من أهل العلم والتقوى والصلابة في الدين الذين لا تأخذهم فيه لومة لائم إن دروس العلم مقامة وأن التكايا عامرة وأن شكل الحكومة على العموم شكل حكومة إسلامية متدينة سالكة مسلك أهل السنة والجماعة وقائمة بواجبات خلافة الإسلام في هذا الزمان بقدر الاستطاعة. نعم يوجد بعض الأفراد الجهلاء الفاسقين أو المارقين يوجد بعض الظلمة المتغلبة عليهم شهواتهم ومطامعهم الشخصية الأمر الذي لا تنجو منه أمة ولا بلدة بل ربما ولا قرية فهل يسوغ لنا شرعاً وعقلاً وحكمة أن نحمل وزرهم للأمة قاطبة المعدودة بالملايين والله جلت قدرته يقول (لا تزر وازرة وزر أخرى) ثم نقول هل منعنا بسبب هذه الأفراد المنحرفة من صلاتنا هل منعنا من جماعتنا وجمعنا هل منعنا من زكاة هل منعنا من صومنا وحجنا وإشهارنا الكلمة جامعتنا هل أفسدت أنكحتنا هل انتهكت مواريثنا هل ألزمنا على الخنا والفسوق وترك الدين منا كلا ثم كلا بل الشعائر محفوظة والقائم بها والمحافظ عليها معزز ومكرم من البر والفاجر ثم نقول هل يعد ما تأخذه الدولة من الضرائب منكم لسد الثغور وبناء الأساطيل وإعداد المعدات وصد الهجمات وتأمين الطرقات وتنظيم الشؤون والذي عن حوزتكم وحوزتها وصون بيضة الإسلام من الآفات ظلماً وهو أمر يقتضيه الشرع والعقل والعمران والأمم المتمدنة تكلفها دولها أضعاف ما تكلفنا به دولتنا وكلهم لا يحركون بذلك حراكاً بل يعطونه عن طيب نفس لعلمهم بواجب وطنهم وملتهم ولمعرفتهم لقيمة محيطهن وبعد نظرهم في عواقب الأمور ثم نقول هل سدت طرق طلب الشريعة ورفع الظلم ولم يبق إلا إشهار السيف والله يقول (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) ثم نقول هل أباح لنا الشرع والعقل

ص: 18

والسياسة والحمية والرأفة بالإسلام والمحافظة على دينه وناموسه وحريمه وذراريه أنا بسبب ظلم مأمور جاهل أو فسقه أو كفره نحمل المسلمين على شق عصا الطاعة وتعرضها لسفك الدماء وتلف الأرواح والأموات ويتم الصبيان وترميل النساء وهلاك الحرث والنسل وتعريض الدولة للمشاكال وتعريض أنفسكم لالتقام العدو هل ما ارتكبتموه أخف الضررين الواجب ارتكابه شرعاً وعقلاً هل ما ارتكبتموه هو طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المشروط بإجماع الأديان والعقلاء أن لا يكون بطريقة تؤدي إلى ما هو أوخم من الحال الحاضرة إني أكل جواب ذلك لدينكم وأمانتكم وحكمتكم وإلى العالم الإسلامي المعرض للاضمحلال بأمثال هذه الحركات بين أخوانه.

أخواننا الأعزاء في دين الله أتوسل عليكم بالله وبرسول الله وبدين الله وبكتاب الله وبوجدانكم الطاهر أن تتيقظوا وتفيقوا من غفلتكم ولا تطعنوا قلوبكم وقلوب أخوانكم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بأيديكم.

أخواننا إن دولتنا العلية وأمتنا العثمانية هي البقية الباقية من الإسلام وهي بمثابة القلب منه وكل أخوانكم المغلوبين على أمرهم للعدو ينظرون إليهم ويعلقون كل آمالهم عليهم وأن العدو ما أخر الإجهاز النهائي على دينهم وإدماجهم في اسفل طبقة منه إلا خوفاً واحتراماً لكم معاشر العثمانيين وها هو كلما رأى ضعفاً فيكم واشتغالاً بداخلكم اتخذ ذلك فرصة وأسرع في القضاء على أخوانكم تعساء الحظ من جهة وبادر إلى نقصكم من أطرافكم وإحكام التدخل في شئونكم من جهة أخرى أخواننا لاتغتروا بكثرة عددكم فلستم بأكثر من الهند ولا تغتروا بمعلوماتكم فلستم بأكثر معلومات من مصر ولا تغتروا ببأسكم وشجاعتكم ووعورة بلادكم وتمسككم بدينكم فلستم بأشد من الجزائر وتونس ومراكش أخواننا إن القسمة النهائية قد تمت وإنكم في حصة أردء خلق الله وأوحش خلق الله وأخبث خلق الله وحوادث الجديدة تنبئكم عمن هو متحفز للوثوب عليكم وإذا تمكن منك لا قدر اللع سيمزق أحشاءكم ويعبث بدينكم ويهتك عرضكم وحريمكم ويحكم حفظكم الله والمسلمون من كل سوء نعم إن كنتم قد بلغتم عن دار الخلافة سواء من حيث الدين أو من حيث السياسة بأخبار مدسوسة أو غاش صاحب أغراض شخصية أو جاهل فعليكم بالتثبت والعمل بقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا جائكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم

ص: 19

نادمين) واعلموا أن الغلط في مثل هذا الباب ليس بالسهل وها مبعوثوكم يخبرونكم بالحقيقة ويبلغونكم ما تقصدون من الحقوق المشروعة المنطبعة على الزمان فلتكونوا أخواننا الأعزاء عاملين بقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم) ولنكن يداً واحدة لجمع كلمة الإسلام على دار الخلافة ورفع الغش منهم وإرشادهم بالحكمة آمرهم ومأمورهم عالمهم وجاهلهم ولنترك هذا الشقاق ولنرجع إلى خدمة جامعة الإسلام التي هي في الحقيقة دار الخلافة متمسكين بديننا طالبين حقوقنا بالأوجه المشروعة آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر بالحكمة ذلك هو طريق النجاح والفلاح لكم وللإسلام قاطبة والسلام الأتم من أخ شفوق متفتت الكبد على الإسلام وما حل به مجرب في نفسه مشاهد بعينه ولله فينا وفيكم علم غيب وهو يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

ص: 20