الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مضار البغاء
خلق الله الإنسان في هذه الحياة ليعيش أبي النفس هني البال لا يغضي على أذى ولا يسكت على نقيصة يضم للشرف الغيرة وللشهامة المروءة والعفاف وبين أن صيانة الأعراض هي المنزلة الرفيعة وأن العناية بها أفضل ما يتطلبه الطالبون، وخير ما يسعى إليه الباحثون، ولو قيض الله لرجل أن يجمع أنواع اللذة والهناء وأتيح له أن يملك قناطير الذهب والفضة وأن يستمتع بأقوى أسباب الراحة في هذه الحياة وكان قليل الغيرة نزر المروءة والحمية لكتب في الأذلين الشعور بفظاعة الزنا يكاد يكون عاماً في جميع الطبقات إلا أنه يختلف قوة وضعفاً باختلاف مصدره والباعث عليه فمن كان مصدر آدابه محيطه فأحربه أن لا يثبت على مبدأ ولا يقف عند حد بل يتغير بتغير العادات والأحوال ومن كان مصدر آدابه الدين الذي شرعه الله على لسان رسله فلا شك أنه يدوم ولا يتبدل ما دام هذا الدين ثابتاً لم يحرم الدين الإسلامي شيئاً أعناتاً للناس وجلباً للضرر عليهم ولا لغرض أن يمتنعوا عن استعمال الطيبات وإنما حظر عليهم أن يأتوا ما فيه ضرر لهم، وتعذيب حياتهم ومن أشد ما منع وحرم البغاء (الزنا) لما فيه من الضرر الجلي والمفاسد الكثيرة إن ما تفعله العاهرات من إتيان هذا المنكر (الزنا) وجعله حرفة مخصوصة تسام كما تسام السلع هو من الأمور الفظيعة بمكان بالنسبة لما يترتب عليه من الضرر والفساد وضياع النسب وفقد الثقة بالأصول والإخلال بالصحة والآداب وتقليل النسل وإيقاع الشقاق في البيوت وإماتة الأخلاق وفشو الدياثة والقيادة والوصول إلى حالة تبكي منها الفضيلة ويموت معها الحياء.
كتبت مجلة الهلال الأغر مقالة في هذا الموضوع تحت عنوان منافذ جهنم نقتطف منها ما يأتي مع أننا مع احترامنا للتمدن الحديث نعترف بأن كثيراً من عوامله الملائمة لأمم أوروبا لا تلائمنا لاختلاف طبائعنا وسائر أحوالنا عما لأولئك وزد على ذلك أن هذه الرذيلة (الزنا) مكروهة ومحرمة شرعاً وعرفاً عند سائر الأمم قديماً وحديثاً والتاريخ أصدق شاهد على ذلك هذه شريعة حمورابي أقدم الشرائع المعروفة تقول إذا وجدت امرأة مع غير زوجها فالاثنان يوثقان ويطرحان في الماء.
وتليها شريعة موسى وهي تحكم على الزاني والزانية بالقتل وكذلك تقضي عليه شريعة ليكورغوس (884 ق م) وكان السكسونيون القدماء يحرقون الزانية ويبنون فوق قبرها مشنقة يشنقون بها الزاني وكان كانوت يحكم على الزاني بصلم الأذنين وجدع الأنف سنة
1034م وقرر برلمان إنكلترا سنة 1650 أن يعاقب الزاني بقطع الرأس وأكثر الشرائع تشدد النكير على الزاني إن لم بالقتل فبما يقرب منه وقلنا والحكم عندنا في الشريعة المحمدية واضح جلي لا خفاء معه وهو أن الزاني إما محصن أو غير محصن فالمحصن سواء أكان رجلاً أو امرأة إذا ثبت لدى الإمام زناه ببينة وإقرار أخرج إلى أرض فضاء ثم رجم بالحجارة حتى يموت وغير المحصن إن كان حراً فحده مائة جلدة وإن كان عبداً خمسون جلدة قال الله تعالى (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين) وقال سبحانة (ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا) وقال عز اسمه (ةوالذين لايدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهماناً غلا من تاب) ورجم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزاً والغامدية وقال عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه أحمد والطبراني واللفظ له أن الله يدنو من خلقه أي بلطفه ورحمته فيغفر لمن يستغفر غلا لبغي بفرجها لو عشار والطبراني عنه صلى الله عليه وسلم أن الزناة تشعل وجوههم ناراً إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الدالة على قبح هذه الخطيئة وشدة نكرها ويكفي أنها الضربة القاضية على العفاف والشرف والعنوان الصريح على التأخر والانحطاط.
قال صاحب الهلال ويدلنا التاريخ على أن الأمة إنما يبقى عمرانها إذا أحاطته بسور من العفاف وإلا فإنه منقوض ولا خلاف في أن الأمة الناهضة لا فائدة من مساعيها إن لم يكن العفاف نبراسها واعتبر ذلك بما مر على الأمم من أدوار التاريخ قديماً وحديثاً فلا ترى دولة قامت وتأيدت إلا وكان العفاف سياجها مع اعتبار طبائعها وسار أحوالها وما من دولة ذهبت إلا كان الانغماس في المنكرات من أكبر أسباب ذهابها انظر إلى دولة الرومان التي امتد رواق سلطانها على الخافقين وحملت إليها الجزية من أربعة أقطار المسكونة فإنها حال فسدت آداب أهلها فسد نظامها ووهنت قواها وما لبثت أن سقطت وكان سقوطها عظيماً ولو تتبعت تاريخ الأمم على اختلاف الزمان والمكان لرأيتها تتشابه من هذه الحيثية وكلها ذهبت فريسة التهتك والابتذال.
ثم قال ما معناه فما أجدر الحكومة أن تقتدي بأقرب الدول مصلحة منها نعني إنكلترا فإن هذه الرذيلة غير مباحة فيها ليس في إنكلترا أماكن عمومية لهذا العرض مطلقاً وربما كان ذلك عندها فيما مضى لكنها أصدرت الأوامر المشددة بمنع هذا المنكر من بلادها. منذ عشرات السنين فهل نعد ذلك انحطاطاً؟ أم هو فضيلة يحق لإنكلترا أن تفاخر بها أمم الأرض؟ أه.
تأمل أيها القارئ وناد معنا أين المتفرنجون أينهم الذين يحبون أن نقلد الغربيين هلا كرهوا البغاء كما كرهته إنكلترا وشددوا على البغايا كما شددت هي عليهم هلا طلبوا من الحكومة وهي إسلامية منع أن يكون في البلاد أماكن عامة لهذا الغرض السافل ولو بقصد تقليد الإنكليز كما هي عاداتهم ولكن أبى الله إلا أن يظهر للناس مكنونات سرائرهم وخفايا ضمائرهم وأنهم إنما يدعون لتقليد الغربيين فيما يضر بالأمة ويفسد عليها أخلاقها وإلا فلم لم يقتدوا بالحكومة الإنكليزية ولم يطلب بعضهم من حكومة دمشق (وهي قاعدة البلاد الإسلامية) إرجاعهم إلى محالهم الأولى أو تخصيص محلة مستقلة لهم وأن تعين لهم الحكومة الأطباء والمستشفيات سيقول بعض الناس وماذا عسى تفيد الكتابة أو ينفع الالتجاء إلى الحكومة؟ ومتى كان الخصم الحكم؟ لولا رضا الحكومة لما قامت للمنكرات والفواحش قائمة والدستور أباح كل شيء الخ نقول في الجواب لهم هذه الفكرة بعينها هي فكرة أولئك المتفرنجين أعداء الخلافة الإسلامية والحكومة العثمانية فهم يجتهدون في إذاعتها ويسعون جهدهم بانتشارها لتتحدث في داخلية الحكومة المشاكل وتخلق الحوادث وتكره الحكومة الشعب ويكره الشعب الحكومة ويتخذون من وراء ذلك يداً عند الحكومات الأجنبية وذكراً لديها ألا فليتق الله هؤلاء المتفرنجون وليعلموا أن زخرف أقاويلهم وبهرج أباطيلهم لا يحول قط بين الحكومة والشعب ولا بين الشعب والحكومة فحكومتنا على كل حال إسلامية وإن رغمت أنفوهم دستورية وإن حرجت صدروهم تقوم إن شاء الله بمحافظة الشرع وآداب الدين.
فلقد علمنا أنها منعت ما هو أدنى من الزنا وأقل نكراً منه منعت من عاصمتها تبرج النساء واختلاطهن بالرجال في مثل يوم عيد الدستور منعت الصبيان من الحمامات، منعت أهل البصرة من نصب تمثال لمدحت باشا، قرر مجلس وكلائها منع انتشار كتاب تحريم المرأة
إذ طبع مترجماً بالتركية لئلا يكون سبباً لكثرة الخوض في مسألة رفع الحجاب عن النساء منعت الزهاوي من التدريس في المكتب السلطاني البغدادي لما علمت تهوره في الدين الإسلامي، أذاع شيخ الإسلام حفظه الله نشرة أبان فيها حرمة المبارزة بين مسلمين لما بلغه أمر صاحب طنين وخصمه كل ذلك منعته الحكومة عناية بالآداب الإسلامية ومحافظة على العادات الدينية فيقال بعد ذلك أن الحكومة راضية بانتشار الزنا والفواحش وأن قانونها الأساسي أباح كل شيء؟ كلا ثم كلا. . نعم قد يتساهل بعض المأمورين بمنع ما يخل بالأخلاق والآداب الدينية فيظن بعض البسطاء ممن يصغون لأكاذيب المتفرنجين أن هذا التساهل والتغاضي من الحكومة نفسها والحقيقة ما أسلفنا ذكره فعليكم أيها الناس أن تكرروا مطالبة حكوماتكم المحلية المتساهلة لتمنع ما يخالف آدابكم العمومية التي نص القانون على وجوب احترامها. أيها الناس وبالأحرى أيها الدمشقيون إن حادثة الفواحش عندكم استاء منها العقلاء في كل مكان فيجب على أهل العلم والدين والمروءة منكم أن يعيدوا الكرة بمطالبة الحكومة الدمشقية بمنع هذا المنكر من بلدتكم الطاهرة بطريقة قانونية مشروعة خالية من كل ما يخل بالآداب العمومية أيها الدمشقيون لا تتوانوا لا تتوانوا عن مطالبة حكومتكم المحلية بمنع هذا المنكر فإنه علاوة على كونه من الأدواء التي تسري بضروب من العدوى وإفساده الأخلاق وإتلافه للأموال وإحلاله الروابط الزوجية يهتك حرمة الدين الذي كفل القانون الأساسي وحفظه واحترمه بل لم يقبل إلا ببنائه على أساسه واقتباسه من نوره فإن لم تبادر الحكومة المحلية إلى إجابة طلبكم وهذا غير ما نظنه فيها فارفعوا الأمر إلى حكومة العاصمة فهي تلبي طلبكم وما عرف فيه مولانا شيخ الإسلام من الغيرة على الآداب الدينية يؤكد ذلك وإذا كانت الحكومة معنية بتنقية البلدة من الأمراض وتنظيفها من الموبقات فهي مطالبة بالأولى بدفع هذه المحظورات وتطهير البلد من هذه الأرجاس قالت مجلة الهلال وكما تبذل الحكومة الأموال في وقاية رعاياها من الأمراض وتجبرهم غي تلقيح أبنائهم بالجدري وتحملهم قهراً على اتقاء الأوبئة الوافدة فهي مطالبة بوقايتهم من شر هو أشد وطأة من المرض وتنظيف الوطن من تلك الأقذار أولى من تنظيف الشوارع من الغبار ووقاية الشبيبة من مهاوي الفساد وحماية أبدانهم من تلك الأمراض القذرة أولى في اعتبارنا من تطهير منزل حدثت فيه إصابة بالتيفوئيد والدفتريا لأن عدوى هذه الأمراض
وأمثالها تنحصر في بعض الأقربين ولا تتعدى الجيل الواحد
من الناس وأما تلك فإنها تنتقل في الأعقاب حتى تؤول إلى فناء الذرية أه.
هذا ما أردنا بيانه قياماً بواجب النصيحة الشرعية فعسى من يهمهم أمر الأخلاق وصيانة الأعراض أن يفكروا في هذه القضية من قبل أن يتسع الخرق. . ولله في عباده شؤون.