المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌دروس التاريخ الإسلامي - مجلة الحقائق - جـ ١١

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌دروس التاريخ الإسلامي

‌دروس التاريخ الإسلامي

صدر القسم الثالث من هذا الكتاب لجامعه الأديب الشيخ محي الدين الخياط وهو يحتوي على نبذ من تاريخ بني أمية وفي أول صحيفة مرسوم فيها خريطة الدول العربية الإسلامية وقد أهدانا مؤلفه الفاضل نسخة منع أصحبها بكتاب شكر فيه للحقائق حسن ظنها قال وربما أبين رأي في انتقادكم قلنا حبذا العمل ونعم الصنيع فمن احتكاك الآراء تسطع أنوار الحق ومن تبادل الأفكار يستبين الصواب وقد أحببنا خدمة العلم وتمحيصاً للحق أن نتابع العمل فنبدي رأينا في القسم (الثلاث) وإنا مع تقديرنا لخدمته الدينية وغيرته الإسلامية قدرهما نواخذه على تسرعه في الحط من قدر سيدنا معاوية رضي الله عنه وهو واحد من اتفقت كلمة الأمة على جلالة قدره ورفعة شأنه وأنه كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمينه على أمته. إذ نسب إليه أموراً تشعر بذمه وتحط من مرتبته منها ما هو متقول عليه ومنه ما له عذر صحيح فيه أغضى عنه المؤلف.

سند إليه أنه عاهد الإمام الحسن رضي الله تعالى عتهما على أن يمكنه من جميع مات يطلب إن هو نزل عن الخلافة قال ما مؤداه فاشترط عليه شروطاً فقبل بها حتى إذا نزل عن الخلافة لم يقم إلا ببعضها وقال عنه ما نصه (بلغ من حرصه على الملك أن حاول خصره في آله ورهطه فنجح وأول عمل عمله لذلك حمله الناس على مبايعة ابنه يزيد وهو يعلم منه سوء السيرة والتهتك) تأمل وعزا غليه على إحدى الروايتين (أنه عمل على موت الحسن رضي الله تعالى عنه حتى مات مسموماً بإيعازه ونمي إليه أنه أوصى ابنه يزيد إن ظفر بابن الزبير (وهو من أجلاء الصحابة وأكابرهم) أن يقطعه إرباً إرباً وأنه أول من سب الإمام علياً كرم الله وجهه على المنابر.

كل ما تقدم رمى به المؤلف هذا الصحابي الجليل والخليفة العظيم ولم يرع عهد الله ولا ذمته ولم يخش فيما جاهر فيه لومة لائم وما ندري لعله اعتمد في نقل هذه الأخبار على بعض مؤرخي الشيعة واعتد بافترأتهم والحق أن معاوية وفى للإمام الحسن رضي الله تعالى عنه بجميع ما عاهده إلا واحدة وهي أن الإمام الحسن طلب منه أن يعهد له بالخلافة من بعده فلم يتمكن معاوية من ذلك لما رأى من شدة قومه ومنعتهم بل اضطره الأمر إلى أن يعهد بالخلافة ليزيد خوفاً على المسلمين من التفرق وشفقة عليهم من الانشقاق.

قال المؤرخ الكبير ابن خلدون في مقدمته بعد كلام على ولاية العهد ما نصه (سطرين غير

ص: 6

مفهومين نهاية الصفحة 448)

حينئذ من بني أمية إذ بنو أمية لا يرضون يومئذ سواهم وهم عصابة قريش وأهل الملة أجمع وأهل الغلب منهم فآثره بذلك دون غيره ممن يظن أنه أولى بها وعدل عن الفاضل إلى المفضول حرصاً على الاتفاق واجتماع الأهواء الذي شأنه أهم عند الشارع ون كان لا يظن بمعاوية غير هذا فعدالته وصحبته مانعة من سوى ذلك وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه دليل على انتفاء الريب فيه فليسوا ممن يأخذهم في الحق هوادة وليس معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق فإنهم كلهم أجل من ذلك وعدالتهم مانعة منه وفرار عبد الله بن عمر من ذلك إنما هو محمول على تورعه من الدخول في شيء من الأمور مباحاًَ كان أو محظوراً كما هو معروف عنه ولم يبق في المخالفة لهذا العهد الذي اتفق عليه الجمهور إلا ابن الزبير ولدور المخالف معروف ثم أنه وقع مثل ذلك من بعد معاوية من الخلفاء الذين كانوا يتحرون الحق ويعملون به مثل عبد الملك وسليمان من بني أمية والسفاح والمنصور والمهدي والرشيد من بني العباس وأمثالهم ممن عرفت عدالتهم وحسن رأيهم للمسلمين والنظر لهم ولا يعاب عليهم إيثار أبنائهم وأخوانهم وخروجهم عن سنن الخلفاء الأربعة في ذلك فشأنهم غير شأن أولئك الخلفاء فإنهم كانوا على حين لم تحدث طبيعة الملك وكان الوازع دنيا فعند كل أحد وازع من نفسه فعهدوا إلى من يرتضيه الدين فقط وآثروه على غيره ووكلوا كل من يسموا إلى ذلك إلى وازعه وأما من بعدهم من لدن معاوية فكانت العصبية قد أشرفت على غايتها والوازع الديني قد ضعف واحتيج إلى الوازع السلطاني والعصباني فلو عهد إلى غير من ترتضيه العصبية لردت ذلك العهد وانتقض أمره سريعاً وصارت الجماعة إلى الفرقة والاختلاف إلى أن قال.

أفلا ترى إلى المأمون لما عهد إلى علي بن موسى بن جعفر الصادق وسماه الرضا كيف أنكرت العباسية ذلك ونقضوا بيعته وبايعوا لعمه إبراهيم بن المهدي وظهر من الهرج والخلاف وانقطاع السبل وتعدد الثوار والخوارج ما كاد أن يصطلم الأمر حتى بادر المأمون من خراسان على بغداد ورد أمرهم لمعاهده فلا بد من اعتبار ذلك في العهد فالعصور تختلف باختلاف ما يحدث فيها من الأمور والقبائل والعصبيات وتختلف باختلاف المصالح ولكل واحد منها حكم يخصه لطفاً من الله بعباده وأما أن يكون القصد بالعهد حفظ

ص: 7

التراث على البناء فليس من المقاصد الدينية إذ هو أمر من الله يخص به من يشاء من عباده ينبغي أن تحسن فيه النية ما أمكن خوفاً من العبث بالمناصب الدينية والملك لله يؤتيه من يشاء. وعرض هنا أمور تدعو الضرورة إلى بيان الحق فيها. فالأول منها ما حدث في يزيد من الفسق أيام خلافته فإياك أن تظن بمعاوية رضي الله عنه أنه علم بذلك من يزيد فإنه أعدل من ذلك وأفضل بل كان يعذله أيام حياته في سماع الغناء وينهاه عنه وهو أقل من ذلك إلى أن قال فمقاصدهم أي الصحابة رضي الله عنهم في البر وتحري الحق معروفة وفقنا الله للاقتداء بهم الخ ومنه يعلم الجواب عن التهمتين الأولى والثانية وأما الجواب عما أسند إليه من أن الإمام الحسن رضي الله تعالى عنه مات مسموماً بإيعازه مما لم يصح بل الصحيح ما قاله العلامة الشبراوي في الإتحاف من أن يزيد بن معاوية هو الذي أوعز إلى جعدة بنت الأشعث زوجة الحسن رضي الله تعالى عنه أن تسمه ويتزوجها ففعلت وأرسلت إليه ليفي بالوعد فامتنع.

وأما الجواب عما ألصقه به من أنه أوصى ابنه يزيد إن ظفر بابن الزبير أن يقطعه إرباً وأنه أول من سب الإمام علياً كرم الله وجهه على المنابر فهو مما لم نجده في كتب المؤرخين من أهل السنة وليس مما تصح نسبته إلى مثل هذا الخليفة الكبير بل هو من مفتريات الشيعة وأكاذيبهم ولولاهم ما كان له ذكر في صحيفة الوجود فالواجب يقضي على المؤلف أن لا يدنس هذا الكتاب سيما وقد وضعه لناشئة المسلمين وأطفالهم بأمثال هذه الأقاصيص الموضوعة حرصاً على أخلاقهم وآدابهم فلا يحملهم على أن يعتقدوا بأعيان أسلافهم السوء بل الواجب على كل من رام جمع شيء من سير السلف وأخبارهم أن يتئد فلا يثبت إلا ما يوافق السنة ويجانب البدعة فللسلف رضي الله تعالى عنهم ميزة تامة على كافة من عداهم بشهادته عليه الصلاة والسلام.

بقي أن المؤلف ذكر من الوقائع التي صدرت زمن خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه خروج شوذب الخارجي وعلق عليها تعليقاً حاد فيه عن سنن الشريعة الغراء ونسب إليها ما هي منه براء وخلاصة هذه القصة كما أوردها المؤلف (انه في سنة مائة من الهجرة خرج رجل يشكري اسمه شوذب ويلقب ببسطام في ثمانين رجلاً فكتب عمر إلى عامله بأن يدعهم وشأنهم ما لم يسفكوا دماً أو أفسدوا فإن فعلوا وجه إليهم رجلاً حازماً

ص: 8

في جند) ذكر هذا المؤلف بحروفه وعلق عليه ما نصه (إن هذا كالصريح في أن للإنسان أن يعتقد ما شاء ما لم يؤد اعتقاده إلى سفك دم أو إفساد) وقال عنه أنه حرية الاعتقاد وعجيب من المؤلف كيف تهجم هذا التهجم على الدين الإسلامي وافترى على عمر هذا الافتراء في حين رضي الله تعالى عنه بعد ما كتب إلى عامله ما كتب أرسل إلى شوذب المذكور يسأله عن مخرجه ولم يزل يكاتبه ويناظر صاحبيه حتى مات رضي الله تعالى عنه ويجمل بنا أن نورد قصة شوذب بتمامها وإن كان فيها بعض الطول لما حوته من الدلائل على أن عمر رضي الله عنه بريء مما نسب إليه وأنه ما كان ليقدم على ما ينهى عنه الشرع وتأباه المصلحة على أن هذه القصة تعد من بديع المناظرات وغرر الكلام الذي يليق بنا أن نحلي به جيد (الحقائق) وبها نختم هذا الانتقاد شاكرين للمؤلف صنيعه معترفين بأن كتابه هذا من آثاره التي يحمد عليها.

ذكر خروج شوذب الخارجي

تحت هذا العنوان قال ابن الأثير في الكامل ما نصه:

في هذه السنة خرج شوذب واسمه بسطام بن يشكر من جوخي وكان في ثمانين رجلاً فكتب عمر بن عبد العزيز إلى عبد الحميد عامله بالكوفة أن لا يحركهم حتى يسفكوا دماً ويفسدوا في الأرض فإن فعلوا وجه غليه رجلاً صليباً حازماً في جند فبعث عبد الحميد محمد بن جرير بن عبد الله البجلي في ألفين وأمره بما كاتب وكتب عمر إلى بسطام يسأله عن مخرجه فقدم كتاب عمر عليه وقد قم عليه محمد بن جرير فقام بإزائه لا يتحرك فكان في كتاب عمر_بلغني أنك خرجت غضباً لله ولرسوله ولست أولى بذلك مني فهلم إلي أناظرك فإن كان الحق بأيدينا دخلت فغيما دخل فيه الناس وإن كان في يدك نظرنا في أمرك فكتب بسطام إلى عمر قد أنصفت وقد بعثت إليك رجلين يدارسانك ويناظرانك وأرسل على عمر مولى لبني شيبان حبشياً اسمه عاصم ورجلاً من بني يشكر فقدما على عمر بخناصرة فدخلا إليه فقال لهما ما أخرجكما هذا المخرج وما الذي تقمتم فقال عاصم ما نقمنا سيرتك إنك تتحرى العدل والإحسان فأخبرنا عن قيامك بهذا الأمر أعن رضا الناس ومشورة أم ابتززتم أمرهم فقال عمر ما سألتهم الولاية عليهم ولا غلبتهم عليها وعهد إلي رجل كان قبلي فقمت ولم ينكره أحد علي ولم يكرهه غيركم وأنتم ترون الرضا بكل عدل وأنصف

ص: 9

من كان من الناس فاتركوني ذلك الرجل فإن خالفت الحق ورغبت عنه فلا طاعة لي عليكم فقالا بيننا وبينكم أمر واحد قال ما هو قالوا رأيناك خالفت أعمال أهل بيتك وسميتها مظالم فإن كنت على هدى وهم على ضلال فالعنهم وابرأ منهم فقال عمر قد علمت أنكم لم تخرجوا طلباً للدنيا ولكنكم أردتم الآخرة فأخطأتم طريقها إن الله عز وجل لم يبعث رسوله صلى الله عليه وسلم لعاناً وقال إبراهمي (فمن اتبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) وقال الله عز وجل (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) وقد سميت أعمالهم ظلماً وكفى بذلك ذماً ونقصاً وليس لعن أهل الذنوب فريضة لا بد منها فإن قلتم أنها فريضة فأخبرني متى لعنت فرعون قال ماذا كرمتى لعنته قال أفيسعك أن لا تلعن فرعون وهو أخبث الخلق واشرهم ولا يسعني أن لا ألعن أهل بيتي وهم مصلون صائمون قال أما هم كفار بظلمهم قال لا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى افيمان فكان من أقر به وبشرائعه قبل منه فإن أحدث حدثاً أقيم عليه الحد فقال الخارجي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى توحيد الله والإقرار بما نزل من عنده قال عمر فليس أحد منهم يقول لا أعمل بسنة رسول الله ولكن القوم أسرفوا على أنفسهم على علم منهم أنه محرم عليهم ولكن غلب عليهم الشقاء قال عاصم فابرأ مما خالف عملك ورد أحكامهم قال عمر أخبرني عن أبي بكر وعمر أليسا على حق قالا بلى قال أتعلمان أن أبا بكر حين قاتل أهل الردة سفك دماءهم وسبى الذرارى وأخذ الأموال قالا بلى قال أتعلمون أن عمر رد السبايا بعده إلى عشائرهم بفدية قالا نعم قال فهل برئ عمر من أبي بكر قالا لا قال أفتبرؤون أنتم من واحد منهما قالا لا قال فأخبراني عن أهل النهروان وهم أسلافكم هل تعلمان أن أهل الكوفة خرجوا فلم يسفكوا دماً ولم يأخذوا مالاً وأن من خرج إليهم من أهل البصرة قتلوا عبد الله بن خباب وجاريته وهي حامل قالا نعم قال هل برئ من لم يقتل ممن قتل واستعرض قالا لا قال أفتبرأون أنتم من واحد من الطائفتين قالا لا قال أفيسعكم أن تتولوا أبا بكر وعمر وأهل البصرة وأهل الكوفة وقد علمتم اختلاف أعمالهم ولا يسعني إلا البراءة من أهل بيتي والدين واحد فاتقوا الله فإنكم جهال تقبلون من الناس ما رد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتردون عليهم ما قبل ويأمن عندكم من خاف عنده ويخاف عندكم من أمن عنده فإنكم يخاف عندكم من يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وكان من

ص: 10

فعل ذلك عند رسول الله آمناً وحقن دمه وماله وأنتم تقتلونه ويأمن عندكم سائر أهل الأديان فتحرمون دماءهم وأموالهم فقال اليشكري أرايت رجلاً ولي قوماً وأموالهم فعدل فيها ثم صيرها بعده إلى رجل غير مأموم أتره أدى الحق الذي يلزمه لله عز وجل وتراه قد سلم قال عمر لا قال أفتسلم هذا الأمر إلى يزيد من بعدك وأنت تعرف أنه لا يقوم فيه بالحق قال إنما ولاه غيري والمسلمون أعلم بما يكون منهم فيه بعدي قال فترى ذلك من صنع من ولاه حقاً فبكى عمر وقال انظراني ثلاثاً فخرجا من عنده ثم عادا إليه فقال عاصم أشهد أنك على حق فقال عمر لليشكري ما تقول أنت قال ما أحسن ما وصفت ولكني لا أفتات على المسلمين بأمر أعر عليهم ما قلت وأعلم ما حجتهم فأما عاصم فأقام عند عمر فأمر له عمر بالعطاء فتوفي بعد خمسة عشر يوماً فكان عمر بن عبد العزيز يقول أهلكني أمر يزيد وخصمت فيه فاستغفر الله فخاف بنو أمية أن يخرج ما بأيديهم من الأموال وأن يخلع يزيد من ولاية العهد فوضعوا على عمر من سقاه سماً فلم يلبث بعد ذلك إلا ثلاثاً حتى مرض ومات ومحمد بن جرير مقابل الخوارج لا يتعرض إليهم ولا يتعرضون إليه كل منهم ينتظر عود الرسل من عند عمر بن عبد العزيز فتوفي والأمر على ذلك.

ص: 11