المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌رأينا في إصلاح المدارس - مجلة الحقائق - جـ ١١

[عبد القادر الإسكندراني]

الفصل: ‌رأينا في إصلاح المدارس

‌رأينا في إصلاح المدارس

مدارسنا والتربية الدينية الخالصة

طالما تشوفت النفوس لأن تكون التربية في مدارسنا تربية دينية محضة لا تشوبها شوائب التفرنج ولا تخالطها منكرات البدع والأهواء مدارسنا الأميرية والأهلية والدينية والصناعية لا تعنى بالتربية الدينية العناية التامة وبعبارة ثانية لا تدقق النظر في تطبيق حركات المتعلم على الشريعة الغراء. فعلى من بيده أمر شيء من هذه المدارس أن يتدارك هذا الأمر ويصلح هذا الخلل الطارئ من قبل أن يجل الخطب ويسود فساد الأخلاق.

الخوض في مثل هذا المبحث العظيم قد لا يرضى عنه بعض الناس لأنهم يتعامون عن فوائد الدين ويعدون الدعوة إليه تفريقاً لا تجميعاً وإفساداً لا إصلاحاً ولا غرو فإن من كان مصاحباً لدهري أو تلميذاً لطبيعي يضطر أن لا يذعن لدين ولا يخنع لسلطة ولو عقل ما هو الدين وعلم أن التربية إذا كانت على وفق مع ما أبانته الشريعة الطاهرة تبعث في الإنسان الغيرة والحمية وتجعله محباً لوطنه ودولته ولغته وأمته لتاب من ذنبه ولرجع إلى ربه.

أنبث أفراد هذه الشرذمة من الناس وعم بلاؤهم وجهلوا أن تربية الطفل تربية دينية تبعث في قلبه الخوف من عذاب الله الدائم وتحيي فيه ذلك الصوت الطاهر (الضمير) فتحسن معاملته وتصفو مودته ويدع النفاق والرياء ويحب الخير لمواطنيه ويكون مصلحاً كبيراً.

أشرف ما يسعى إليه العقلاء هو تهذيب الإنسان تهذيباً حقيقياً يعرف به ما يجب له وما يجب عليه. ولا يتأتى هذا إلا من قبل الدين وجهة الاعتقاد بهذه الوجهة الدينية يتمكن المسلم أن يعامل مخلوقات الله جميعاً بالحسنى ويعطي كل ذي حق حقه فيحفظ عرض الذمي وماله ويمتنع من سبه وغشه وغدره والحقد عليه. ويعامل جميع الناس معاملة مرتبطة بتلك الرابطة العظيمة رابطة (لهم مالنا وعليهم ما علينا) إذا فالتربية على هذه الشاكلة هي الدواء الناجع لهذه الأمة والصراط المستقيم الذي إن زحزحت عنه إلى غيره سقطت لا قدر الله إلى حيث لا يتسنى لها منه الخلاص. قال حكيم شرقي ما مؤداه: باعث الدين أقوى البواعث وعامله أقوى العوامل، ومن حسب أن هناك ما يعادله من تلك الكلمات الحديثة مثل وطن وجدان. . وازع أدبي. . مصالح عامة. . فقد ضل الطريق القويم.

ص: 12

إنا أذ استقرينا أحوال المسلمين للبحث عن أسباب هذا الخذلان لا نجد له إلا سبباً واحداً وهو الثور في التعليم الديني وها نحن بعد تشخيص الداء نشرع في بيان الدواء ونقصر كلامنا على المدارس لأن البحث بحث إصلاحها والله أعلم بالنيات.

المدارس الأميرية والمدارس الأهلية

ل مرية عندنا في أن ما أحدث حديثاً من المدارس الأهلية على قلته أشد عناية في الأمور الدينية من المدارس الأميرية وبيان السبب في ذلك مما لا يكلفنا به القراء على ما نعتقد شاهدنا فئة كثيرة من متخرجي المكاتب الأميرية ورصدناها في أمر الصلاة التي هي عماد الدين الإسلامي فإذا هي عن هذا الفكر بمعزل ومثل الصلاة وغيرها من الأمور الدينية.

يدخل الزائر أكبر هذه المكاتب فلا يكاد يشاهد من أكثر تلامذتها ما يشعر بتعظيم الدين والاهتمام بأوامره بل لو دقق النظر لرأى كثيراً من منكرات الشرع ومنافيات الآداب ما يجعله يعتقد بفساد الزمن الذي تكون تلك الناشئة رجاله.

كل هذا يجري مع أن الحكومة السنية قد عينت في كل مدرسة من مدارسها معلمين للقرآن الكريم والتوحيد والفقه الشريف وأئمة للصلاة وأوجبت على التلاميذ التخلق بالأخلاق الفاضلة وحظرت عليهم أتيان الفواحش والمنكرات وعينت لهم أستاذ للإرشاد والنصح وآخر ليؤمهم إذا حان وقت الصلاة فلم يبق إلا أن يلاحظ حضرة مدير المعارف النزيه تطبيق هذه المقررات بالعمل ومن أهم ما نلفت نضره غليه انتقاء المعلمين الأكفاء أصحاب الأخلاق الفاضلة الذين يؤثرون على التلامذة بأخلاقهم وعاداتهم وميولهم إذ لا يخفى ما لأعمال الأساتذة من التأثير العظيم في أفكار التلامذة علمنا كثيراُ من هؤلاء العمال المنبثين بين الأطفال برتب متنوعة ووظائف مختلفة ورقبناهم أمام الواجبات الإسلامية أمام الأخلاق أمام الصدق والعفاف أمام طهارة القلب أمام براءة الذمة أمام الجامعة العثمانية أمام الوطن والوطنية الخ رقبناهم أما ذلك كله فإذا هم وإياه ضدان أو نقيضان بل يحاول بعضهم أن يتعلم التلامذة من أعماله ويتخلقوا بأخلاقه لتمحى من قلوبهم تلك الشعائر الفاضلة والمآثر الطاهرة ويصيح التلميذ عدواً للصلاة والمصلين خصماً للصدق والصادقين لا وطنية يذب عنها ولا جامعة يلتف حولها يصبح وقد رضي عن نفسه بمسائل علمية تلقفها من أولئك الأساتذة المتفرنجين فأضحى يقول بقولهم ويدعو بدعائهم وفي اعتقادنا أن الأساتذة لو

ص: 13

يهتمون بإقامة الشعائر الإسلامية والفرائض الملية فيتوضئون جميعاً للصلاة قبل دخولها وقتها، ويصطفون وراء الإمام الذي عينته لهم الحكومة خاضعين خاشعين يركعون ركوعاً واحداً ويسجدون سجوداً واحداً الخ لرأينا التلامذة عموماً صغيرهم يسبق كبيرهم وكبيرهم يسبق صغيرهم إلى أداء هذه الصلاة التي هي من أعظم ما فرض الله تعالى على أتم حالة من الحضور والأدب مع الله تعالى مطبقين دروس الفقه التي علمهم إياها أستاذ الفقه تطبيقاً عملياً فتكون الصلاة مع ما فيها من الفوائد الدينية الدنيوية (أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) درساً عملياً محكماً لا يشذ عن ذهن الطالب منه مسألة البتة.

وكم يروج سوق الصدق يوم يعاقب الأساتذة التلميذ على الكذبة يكذبها ويكافئونه على مسألة يصدق بها. وهكذا سائر الآداب والأخلاق وبديهي أن التلميذ إذا نشأ هذا النشء الإسلامي وترى هذه التربية الدينية مع ما يتعلمه في المدرسة من العلوم النافعة والفنون الراقية يخرج عضواً نافعاً لوطنه ودولته وأمته.

طريقة التربية الدينية

يجب علينا أن نعنى بمسألتي التعليم والأخلاق فيلزم المعلم أن يجتهد في تربية نفوس الأطفال التي ينبغي السير عليها لتوجد فيها الملكات والصفات الفاضلة ويروضها على التباعد عن الرذائل حتى يكون المتحلي بمحاسن الصفات ناشئاً على ما يوافق الاجتماع البشري لا سبيل للمعلم إلى ذلك إلا من قبل الدين وآياته. فيجب عليه أن يملأ قلب هذا الطفل الساذج من خشية الله تعالى وتعظيمه وإجلاله وتوقيره بحيث يجل مقام الألوهية السامي فإذا ذكر اسم الله أمامه ارتعدت فرائصه خشية له سبحانه وهذا يكون إذا حمل المعلم الصبي على ملاحظة أن الله هو الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأنبت لنا به ما كان سبب حياتنا وأنه يبدأ الخلق ثم يعيده وأنه جعل الأرض قراراً وجعل خلالها أنهاراً وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزاً وهكذا يذكر له من حكم الله تعالى في مخلوقاته ما يضطره إلى الإذعان لسيطرة هذا الإله الكبير والاعتراف بكبريائه وعظيم سلطانه فيمتلئ حينئذ قلبه خشية وصدره رهبة ويمثل الأوامر ويقف عند الحدود.

أهمل معلمو مدارسنا التربية على هذه الطريقة الدينية والسير على هذه الخطة الشرعية فهم يأمرون الأولاد بالنظافة مثلاً ولكن لا يعلمونهم أن الشرع الشريف حث عليها يحرضونهم

ص: 14

على تقليم الأظفاؤ وتحسين الثياب ولا يذكرون لهم ما في ذلك من المنافع الدينية يأمرونهم بالصلاة ولا يعلمونهم ما للمصلين عند الله يحاسبونهم على الصغيرة والكبيرة ولكن لما يتعلق بشؤونهم الخاصة وقانون مدارسهم الداخلي ويوم يجني الطفل على الأخلاق والآداب فيؤذي أولياءه أو رفقاءه بكذباته أو نميماته لا يحاسب ولا يعاقب ولأن حوسب فللضرر الذي أحدثته جريمته لا لنفس الكذب والخطيئة باعتبار قبحهما وذم الشارع لهما ما أتعس هذا لطريق وأوعر هذا المسلك ماذا نأمل من ولد هذه تربيته وتلك خطته ونشأته ولا يؤنب على الكذب ولا يعنف على الخيانة ولا يلام وإن أحاطت به الخطيئات. فيا رؤساء المدارس ربوا للدين وهذبوا للدين واجعلوا أعمالكم لما يرضى به الدين أفهموا الصغير بعض ما يقرأه من القرىن العظيم علموه إجمالاً معنى قول الله سبحانه ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وقوله ثم نبتهل فنجعل لعنى الله على الكاذبين وقوله شسبحانه والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاماً يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيها مهاناً إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيماً ومن تاب وعمل صالحاً فإنه تيوب إلى الله متاباً والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً وقوله تعالى والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما وقوله سبحانه لا تقف ما ليس لك به عليم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروهاً وقوله سبحانه يل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين. وقوله تعالى: ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالاً وعدده يحسب ان ماله خلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي طلع على الأفئدة إنها عليهم موصدة في عمد ممددة وقوله سبحانه أرأيت الذي يكذب في الدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤن ويمنعون الماعون وغير ذلك من الأوامر والنواهي التي أنزلها الله سبحانه وتعالى في هذا الكتاب المجيد لانتظام حياة

ص: 15

البشر ثم ارصدوه أمام ثمرات هذه الآيات العظيمة وناقشوه الحساب إن تباطأ أو تكاسل وحينئذ تخرجون أطفالاً آمنت ظواهرهم وبواطنهم وملأت خشبة الله قلوبهم يفرون من الكذب والغدر والغش والتدليس يخدمون أمتهم ودولتهم بصدق وأمانة ووفاء.

أمثال هؤلاء هم الذين تطمئن غليهم نفوسنا هم الذين نعهد إليهم بتربية أولادنا وإصلاح تجارتنا وزراعتنا هم الذين نختارهم هم الذين ننتخبهم هم الذين نجعلهم وكلائنا ونرضى أن يصلحوا أوطاننا نسلمهم مقاليد أمورنا قرب الله أياماً تسير فيها مدارسنا هذا لسير المبارك فتجمع أمورها على ما يوافق الدين الذي هو روح حياة البشر جميعاً.

لها بقية

ص: 16